محمود فالح مهيدات
09-14-2009, 07:20 PM
العِلْمُ بالجَهْلِ
عنوانٌ غريبٌ بعضَ الشيء؛ فلعلَّ القارئُ الكريمُ يعذرني على اختياري هذا العنوانَ خاصةً بعد أن يقرأ هذه الخاطرةَ المتواضعةَ ويدركَ بعضَ ما تعانيه الأمةُ من الجهلِ المطبقِ بالرغمِ من التقدمِ العلميِّ المُغْدِقِ والتطورِ المُشرِقِ.
تعاني أمتُنا من ضعفِ لا بلْ انعدامِ تثقيفِ وثقافةِ أجيالِها .. فكلُّ جيلٍ يأتي، يتسلَّحُ بالجهلِ دونَ العِلْمِ، بغضِّ النظرِ عنْ صُروفِ وأنواعِ العلمِ والمعرفةِ والتقدمِ العلميِّ والتكنولوجيِّ الذي لم يكنْ متاحاً للأجيالِ السابقةِ التي حَمَلَتْ على كَواهِلها مسؤولياتٍ جساماً.
فلو استعرضنا ثقافةَ هذا الجيلِ، أقصدُ بهذا الجيلِ، جيل العقدين الأخيرين من القرن العشرين والقرن الحالي .. فلا أريدُ الحديثَ عن جهلِ هذا الجيلِ بالعلومِ والآدابِ فحَسْبْ، فالطالبُ يدخل المدرسةَ ثم الجامعةَ ثم يتسلَّحُ ( بكرتونة ) وهو لا يعرف شيئاً من علمه .. إلاّ مَنْ رحِمَ ربِّي من أولئك المبدعين من الشبابِ الذين نعتزُّ بهمْ ونفخرُ !!!! ..إنَّمَا أريدُ الحديثَ عن بعضِ الأمورِ التي لها مساسٌ كبيرٌ بتراثِ الأمةِ وتاريخِها وكرامتِها ... ابتداءً من نطاقِ الأسرةِ الضَيِّقِ إلى نطاقِ الأمةِ بأسرِها ... فكثيرٌ من الشبابِ لا يعرفون مِنْ نَسَبِهِمْ إلا لغاية جَدِّهِ واسم عشيرته فقط، وربَّما تسأله عن اسمه، فيقفز عن أبيه وجدِّهِ ليصلَ إلى عشيرتِهِ الموقَّرَةِ؛ كأن يقول: ( محمود مهيدات أو محمد العنزي أو علي الحربي أو خالد العمري )؛ فأين ذهبَ الأبُ الذي ضَحَّى الكثيرَ وتعِبَ وسهِرَ وشقيَ ليربِّي ذلك الشابَّ أو تلك الفتاةَ ليتجازوه بالتجاهلِ أو النسيانِ ؟؟؟؟ .. فهناك عددٌ كبيرٌ أسماؤهم محمود مهيدات، وكثيرٌ جداً محمد العنزي، وكذلك علي الحربي أو خالد العمري ....لا يُستغربُ أبداً إنْ قلتُ بأنَّ بعضَ الشبابِ لا يعرفون أبناءَ عمومتهم، ولي في ذلك تجاربُ وخبراتٌ كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً. أمَّا أجيالُ الكَدْحِ التي تربَّتْ على الخشونةِ وشَظَفِ العيشِ، كان أحدُهمْ مَنْ يتسلسلُ بنَسَبِهِ مِنْ جهةِ أبيه إلى ما بعد الجدِّ الخامسِ على الأقلِّ، ومنهم من يزيدُ إلى الجدِّ العاشرِ وربَّما العشرين والثلاثين ... وكثيرٌ من أبناءِ اليوم لا يعرفون أسماءً قريبةً منهمْ كثيراً، مثلُ اسم جدتِهِ لأمِّهِ أو جدِّهِ لأمِّه أو جدتِهِ لأبيهِ إذا لمْ يدركهمْ على قيدِ الحياةِ !!! ...
أما اللغةُ، فحدِّثْ ولا حَرَج ... فهناك حربٌ شعواءُ ضروسٌ على اللغةِ العربيةِ يشنُّها أعداءُ الإسلام ليبعدوا هذه الأمةَ عن القرآنِ الكريمِ، فبدأوا بمحاربتها بواسطةِ أبنائها .. فلا يعرفُ شبابُ الأمةِ اليومَ إلا لغةَ الشارعِ ويَهربونَ عن كلِّ ما هو فصيحٌ ... يستسيغون لغةَ هيفاء وهبي ونانسي عجرم وعمرو دياب وعاصي الحلاّني وسواهم ولا يفهمون لغةَ العربِ الفصيحةَ التي اختارَها اللهُ تبارك وتعالى لتكونَ لغةَ القرآنِ الكريمِ ولسانَ أهلِ الجنَّةِ .. يحفظون الأغاني الساقطةَ بلهجاتٍ أكثرَ سقوطاً، ولا يستطيعون القراءةَ في كتاب الله، القرآن العظيم ... فوالله الذي لا إله إلا هو أنَّ أحد الشباب الذين يرتدون جلبابَ المحاماةِ للمرافعةِ لدى المحاكمِ لمْ يستطعْ القراءةَ من القرآنِ الكريمِ قراءةً حاضرةً وليس غيباً وكنتُ أصحِّحُ له قراءته ... ومثله الكثير والكثير والكثير ...
وأما التاريخ .. فقد قُزِّم تدريسُه في المدارسِ ليُقتصر على دراسةِ التاريخِ المحليِّ لهذه الدولةِ أو تلك، ويتمُّ التركيزُ على التاريخِ المشرِّفِ للأُسَرِ الحاكمةِ!!! ... أما تاريخُ الأمةِ المتجذِّرِ في أعماقِ الزمنِ، فقد أُهْمِلَ، ولا أقولُ وُضِعَ على الرّفِّ، فلو وُضِعَ على الرفِّ، أمكنَ الاعتناءُ بهِ والعودةُ إليهِ في أيِّ وقتٍ .. إلا أنه أُهمِلَ وألقي في أكياسِ القمامةِ من غير رجعةٍ !!!
لا أريدُ الحديثَ عن التاريخِ العربيِّ الإسلاميِّ المشرِّفِ الذي يجهلُه هذا الجيلُ كلَّ الجهلِ ... فهم لا يعرفون بدراً والخندقَ، ولا القادسيةَ وجلولاءَ، ولا اليرموكَ وعينَ جالوتَ وحطينَ وبلاطَ الشهداءِ ... لا يعرفون الأندلسَ ... ولو سألتَ أحدَهم عن الاسكندرونةِ لاستغربَ هذا الاسمَ فلا يعرفُ بأنَّ لواءَ الاسكندرونة أرضٌ عربيةٌ سوريةٌ اقتُطِعَتْ وضُمَّتْ إلى تركيا ... ولو سألتَ أيَّ شابٍّ عن جُزُرِ أبو موسى والطُّنْبِ الصُغرى والطُّنْبِ الكبرى لحَسِبَ أنَّها على سطحِ القمرِ، ولا يعرفُ بأنها جزرٌ عربيةٌ إماراتيةٌ احتلَّها النظامُ الإيرانــيُّ الفارسيُّ .... لا يعرفون جذورَ الصراعِ العربيِّ ـ الإسرائيلي .. والحقُّ كلُّ الحقِّ معهمْ .. فقد تفتَّحتْ عيونُهمْ وعقولُهمْ على الصراعِ الفلسطينيِّ ـ الإسرائيلي فحَسْبْ، ثمَّ تقلَّصَ إلى الصراعِ الفلسطيني ـ الفلسطيني، فلا يعرفون شيئاً عن الشيخِ عزِّ الدين القسَّامِ وعبد الرحيم الحاج محمد وعبد القادر الحسيني، وعبد الرحيم محمود الذي قال:
سأحملُ روحي على راحتي // وألقي بها في مهاوي الرَّدى
فإمَّا حياة تســرُّ الصديقَ // وإمَّا مَمَـاتٌ يغيـظُ العِـدَا
ولو سألتَ شاباً مِنْ شَبابِ العَصْرِ، ماذا تعرفْ عن معركةِ ميسلون ؟؟ .. سيحسبك تسأله عن فتاةٍ اسمها ميسلون، فهو كغيره يجهلُ بأنَّها معركةٌ خاضَهَا أبطالُ سوريا ضدَّ الاستعمارِ الفرنسيَِ الغاشمِ ... فهُمْ يعرفونَ ياسرَ العظمةَ ولا يعرفون يوسفَ العظمةَ؛ يعرفون وردةَ الجزائريةَ ولا يعرفون جميلةَ بوحيردَ الجزائريةَ؛ يعرفون عاصي الحلاّني ولا يعرفون نهرَ العاصي؛ يعرفون سعد أبو تايه ولا يعرفون عوده أبو تايه !!!!!!!!
فهل أنا مُحِقٌّ إخوتي وأخواتي باختياري عنوانَ هذه الخاطرة ( العلم بالجهل ) ؟؟؟ فماذا أقول؟؟؟
ماذا أقولُ وفي الجوانحِ نارُ // والقلبُ فيه من الأسى تيَّارُ
( حسبنا الله ونعم الوكيل )
.... محمود فالح مهيدات / أبو كارم ...
عنوانٌ غريبٌ بعضَ الشيء؛ فلعلَّ القارئُ الكريمُ يعذرني على اختياري هذا العنوانَ خاصةً بعد أن يقرأ هذه الخاطرةَ المتواضعةَ ويدركَ بعضَ ما تعانيه الأمةُ من الجهلِ المطبقِ بالرغمِ من التقدمِ العلميِّ المُغْدِقِ والتطورِ المُشرِقِ.
تعاني أمتُنا من ضعفِ لا بلْ انعدامِ تثقيفِ وثقافةِ أجيالِها .. فكلُّ جيلٍ يأتي، يتسلَّحُ بالجهلِ دونَ العِلْمِ، بغضِّ النظرِ عنْ صُروفِ وأنواعِ العلمِ والمعرفةِ والتقدمِ العلميِّ والتكنولوجيِّ الذي لم يكنْ متاحاً للأجيالِ السابقةِ التي حَمَلَتْ على كَواهِلها مسؤولياتٍ جساماً.
فلو استعرضنا ثقافةَ هذا الجيلِ، أقصدُ بهذا الجيلِ، جيل العقدين الأخيرين من القرن العشرين والقرن الحالي .. فلا أريدُ الحديثَ عن جهلِ هذا الجيلِ بالعلومِ والآدابِ فحَسْبْ، فالطالبُ يدخل المدرسةَ ثم الجامعةَ ثم يتسلَّحُ ( بكرتونة ) وهو لا يعرف شيئاً من علمه .. إلاّ مَنْ رحِمَ ربِّي من أولئك المبدعين من الشبابِ الذين نعتزُّ بهمْ ونفخرُ !!!! ..إنَّمَا أريدُ الحديثَ عن بعضِ الأمورِ التي لها مساسٌ كبيرٌ بتراثِ الأمةِ وتاريخِها وكرامتِها ... ابتداءً من نطاقِ الأسرةِ الضَيِّقِ إلى نطاقِ الأمةِ بأسرِها ... فكثيرٌ من الشبابِ لا يعرفون مِنْ نَسَبِهِمْ إلا لغاية جَدِّهِ واسم عشيرته فقط، وربَّما تسأله عن اسمه، فيقفز عن أبيه وجدِّهِ ليصلَ إلى عشيرتِهِ الموقَّرَةِ؛ كأن يقول: ( محمود مهيدات أو محمد العنزي أو علي الحربي أو خالد العمري )؛ فأين ذهبَ الأبُ الذي ضَحَّى الكثيرَ وتعِبَ وسهِرَ وشقيَ ليربِّي ذلك الشابَّ أو تلك الفتاةَ ليتجازوه بالتجاهلِ أو النسيانِ ؟؟؟؟ .. فهناك عددٌ كبيرٌ أسماؤهم محمود مهيدات، وكثيرٌ جداً محمد العنزي، وكذلك علي الحربي أو خالد العمري ....لا يُستغربُ أبداً إنْ قلتُ بأنَّ بعضَ الشبابِ لا يعرفون أبناءَ عمومتهم، ولي في ذلك تجاربُ وخبراتٌ كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً. أمَّا أجيالُ الكَدْحِ التي تربَّتْ على الخشونةِ وشَظَفِ العيشِ، كان أحدُهمْ مَنْ يتسلسلُ بنَسَبِهِ مِنْ جهةِ أبيه إلى ما بعد الجدِّ الخامسِ على الأقلِّ، ومنهم من يزيدُ إلى الجدِّ العاشرِ وربَّما العشرين والثلاثين ... وكثيرٌ من أبناءِ اليوم لا يعرفون أسماءً قريبةً منهمْ كثيراً، مثلُ اسم جدتِهِ لأمِّهِ أو جدِّهِ لأمِّه أو جدتِهِ لأبيهِ إذا لمْ يدركهمْ على قيدِ الحياةِ !!! ...
أما اللغةُ، فحدِّثْ ولا حَرَج ... فهناك حربٌ شعواءُ ضروسٌ على اللغةِ العربيةِ يشنُّها أعداءُ الإسلام ليبعدوا هذه الأمةَ عن القرآنِ الكريمِ، فبدأوا بمحاربتها بواسطةِ أبنائها .. فلا يعرفُ شبابُ الأمةِ اليومَ إلا لغةَ الشارعِ ويَهربونَ عن كلِّ ما هو فصيحٌ ... يستسيغون لغةَ هيفاء وهبي ونانسي عجرم وعمرو دياب وعاصي الحلاّني وسواهم ولا يفهمون لغةَ العربِ الفصيحةَ التي اختارَها اللهُ تبارك وتعالى لتكونَ لغةَ القرآنِ الكريمِ ولسانَ أهلِ الجنَّةِ .. يحفظون الأغاني الساقطةَ بلهجاتٍ أكثرَ سقوطاً، ولا يستطيعون القراءةَ في كتاب الله، القرآن العظيم ... فوالله الذي لا إله إلا هو أنَّ أحد الشباب الذين يرتدون جلبابَ المحاماةِ للمرافعةِ لدى المحاكمِ لمْ يستطعْ القراءةَ من القرآنِ الكريمِ قراءةً حاضرةً وليس غيباً وكنتُ أصحِّحُ له قراءته ... ومثله الكثير والكثير والكثير ...
وأما التاريخ .. فقد قُزِّم تدريسُه في المدارسِ ليُقتصر على دراسةِ التاريخِ المحليِّ لهذه الدولةِ أو تلك، ويتمُّ التركيزُ على التاريخِ المشرِّفِ للأُسَرِ الحاكمةِ!!! ... أما تاريخُ الأمةِ المتجذِّرِ في أعماقِ الزمنِ، فقد أُهْمِلَ، ولا أقولُ وُضِعَ على الرّفِّ، فلو وُضِعَ على الرفِّ، أمكنَ الاعتناءُ بهِ والعودةُ إليهِ في أيِّ وقتٍ .. إلا أنه أُهمِلَ وألقي في أكياسِ القمامةِ من غير رجعةٍ !!!
لا أريدُ الحديثَ عن التاريخِ العربيِّ الإسلاميِّ المشرِّفِ الذي يجهلُه هذا الجيلُ كلَّ الجهلِ ... فهم لا يعرفون بدراً والخندقَ، ولا القادسيةَ وجلولاءَ، ولا اليرموكَ وعينَ جالوتَ وحطينَ وبلاطَ الشهداءِ ... لا يعرفون الأندلسَ ... ولو سألتَ أحدَهم عن الاسكندرونةِ لاستغربَ هذا الاسمَ فلا يعرفُ بأنَّ لواءَ الاسكندرونة أرضٌ عربيةٌ سوريةٌ اقتُطِعَتْ وضُمَّتْ إلى تركيا ... ولو سألتَ أيَّ شابٍّ عن جُزُرِ أبو موسى والطُّنْبِ الصُغرى والطُّنْبِ الكبرى لحَسِبَ أنَّها على سطحِ القمرِ، ولا يعرفُ بأنها جزرٌ عربيةٌ إماراتيةٌ احتلَّها النظامُ الإيرانــيُّ الفارسيُّ .... لا يعرفون جذورَ الصراعِ العربيِّ ـ الإسرائيلي .. والحقُّ كلُّ الحقِّ معهمْ .. فقد تفتَّحتْ عيونُهمْ وعقولُهمْ على الصراعِ الفلسطينيِّ ـ الإسرائيلي فحَسْبْ، ثمَّ تقلَّصَ إلى الصراعِ الفلسطيني ـ الفلسطيني، فلا يعرفون شيئاً عن الشيخِ عزِّ الدين القسَّامِ وعبد الرحيم الحاج محمد وعبد القادر الحسيني، وعبد الرحيم محمود الذي قال:
سأحملُ روحي على راحتي // وألقي بها في مهاوي الرَّدى
فإمَّا حياة تســرُّ الصديقَ // وإمَّا مَمَـاتٌ يغيـظُ العِـدَا
ولو سألتَ شاباً مِنْ شَبابِ العَصْرِ، ماذا تعرفْ عن معركةِ ميسلون ؟؟ .. سيحسبك تسأله عن فتاةٍ اسمها ميسلون، فهو كغيره يجهلُ بأنَّها معركةٌ خاضَهَا أبطالُ سوريا ضدَّ الاستعمارِ الفرنسيَِ الغاشمِ ... فهُمْ يعرفونَ ياسرَ العظمةَ ولا يعرفون يوسفَ العظمةَ؛ يعرفون وردةَ الجزائريةَ ولا يعرفون جميلةَ بوحيردَ الجزائريةَ؛ يعرفون عاصي الحلاّني ولا يعرفون نهرَ العاصي؛ يعرفون سعد أبو تايه ولا يعرفون عوده أبو تايه !!!!!!!!
فهل أنا مُحِقٌّ إخوتي وأخواتي باختياري عنوانَ هذه الخاطرة ( العلم بالجهل ) ؟؟؟ فماذا أقول؟؟؟
ماذا أقولُ وفي الجوانحِ نارُ // والقلبُ فيه من الأسى تيَّارُ
( حسبنا الله ونعم الوكيل )
.... محمود فالح مهيدات / أبو كارم ...