د. سمر مطير البستنجي
10-18-2011, 01:36 PM
http://s3.amazonaws.com/mbc_actionha/uploads/3443/large.jpg
انتقام البحر!!
شارف صباح الجمعة على الولادة..بعد عملية مخاض استمرت اثنتا عشرة ساعة من الظلام..
ها هي السفينة (سراب) تعتلي وجه الماء بكل شموخ؛ وكأنها الشامة على الخد الناعم..تستعدّ لشقّ عباب ذاك البحر اللجيّ، بعد أن قررت كشف سرّه الغافي على أعتاب الشاطئ في أمان..
وضعوا خطة للسفر في غاية البساطة ،محمّلة بآمال كبيره..وأحلام كثيرة تتعلق بسارية السفينة ..تراقص رياح شوقهم . فعند المغيب !سيلامسون الشمس وهي تغفو في ركن البحر القَصي..وسيسألون فيروز الشطآن عن حوريات البحر الجميلة..وسينعمون بفجر رخامي الملمس ،رقيق المُحيّا....وسيسابقون الحيتان ويراقصون الموج، و..و..و.. وفي نهاية المطاف سيعودون من رحلتهم إلى ديارهم فرحين سالمين غانمين .
تجهزّوا للرحلة.. فملؤوا حقائبهم بأصناف متعددة من المواد التموينية التي تحتاجها أجسادهم..وبعض الفيتامينات ؛كما أوصاهم البحارة ذوي الخبرة ،ومرهم يقي جلودهم اللينة وهج الشمس ولسعاتها، وكميات كبيره جدا من المياه النقية حيث"لا ماء في عرض البحر"،وزجاجات كثيرة حملت سائلا نفاذا ظنوا أنه من سيواسيهم في وحدتهم ،ويخفي بعضا من وحشة الليل وراء غيوم من اللاوعي.. وكل الأحلام التي نامت في كهوف جماجمهم وزقاق قلوبهم، كانت بمثابة الزاد الذي يمدّهم بطاقة البقاء..
تهيّأ الربّان للسفر ،وأعلنوه شدواً ككل التراتيل المقدسة لانطلاقة الصلاة..بأهازيج تدعو البحر للتريّض والبحارة للهمّة..
إنهم الآن وما حملوا، وما حلموا بهِ..أمانة في يد القدر..وها هي الإنطلاقة نحو المجهول قد بدأت!.
ها هي السفينة تنطلق،تصغر عن أعين الشاطئ شيئا فشيئا كلما ابتعدت، تاركة ورائها معالم الحياة المألوفة.. فلا شيء الآن معهم سوى الصمت؛الصمت المجبول بالدهشة والحَذر..تتخلله أحيانا بعض ثرثرا تهم التي لا تأتي بجديد ؛فالبحر والرحلة هما محور الحديث لا غير..
كانت المسيرة في بداية الأمر سهلة ممتعة..وتوارت وراء سهولتها وشوقهم إليها ،حجارة المفاجآت الكبيرة.
انتصف النهار ..فبدت السفينة ككرة صغيرة جدا انغمست في بحر من الذهب الخالص..فكادت أجسادهم تتحلل بفعل شمس الظهيرة القاهرة، وتجلّلت عيونهم بغشاوة صفراء أوشكت على طمس أبصارهم، ففرّوا بأجسادهم الذائبة خلف أشرعة السفينة، وغرقوا في إغفاءة أنستهم المجهول الذي يُعاندهم.
لون برتقالي انسكب على أرضية السفينة يُنبئ ببوادر تولد البرودة في جسد الشمس.. وبدأ البحر يغرق في شفافية يترقرق عليها احمرار الشفق..فأفاقوا يرتشفون لذّة السكون ورائحة الانتعاش.. يُدهشهم ذاك الخشوع الفاتن وليد الهدوء والنشوة حتى كادت أن تغشاهم مرّة أخرى سِنَة من النعاس..إلاّ أنّ الشوق لمباهج المساء بات يؤرّقهم ويمتصّ نعاسهم ..ويمدّ أجسادهم ببعض النشاط المُفتعل.
تحلّق البحارة يرسمون بأجسادهم دائرة في منتصف السفينة ،وكأنهم يلتفّون حول جذع شجرة وارفة الظلال،يتسامرون تحت قبّة البدر الذي تدلّى يقبّل رؤوسهم الثقيلة ..ودارت بينهم أحاديث شتى ما بين ذكريات وآمال. ..
بادر أحدهم بسؤال صديقه الجالس بجواره:
ماذا يعني لكَ البحر ؟؟
فإذا بهِ يفتح أبواب النقاش على مصراعيها، فراح كل واحد منهم ينعته بالصورة التي سكن بها البحر خياله!
- قال احدهم: هو الصمت المخيف.
- وقال آخر:هو الخير بكل أشكاله.
- ومنهم من قال:هو عالم لا ينتهي من الأسرار.
وتعالت أصوات الحديث بين مؤيّد ومعارض، يدافع كل واحد عن وجهة نظره..ومضى وقت جيد وهم في نقاشهم جادّون.
بدأ البحر يغرق في ظلام ضبابيّ ماسيّ .. ،والصمت يخنق الأنفاس .. وازداد السكون فلا تسمع همسا.. ؛ إلاّ صوت رقرقة الماء وهو ينساب متبخترا تحت أقدام السفينة، واستحضر الخوف أشباحه فعاثت فسادا في الصدور.
قرّر البحارة تمزيق أشباح الخوف وقتل أسراب العتمة، واستدعاء نديم الليل ليحلّ ضيفا بينهم...فتعالت أصوات الغناء الممزوج بالضحك تلوّث سكون البحر الربانيّ.. وقُرعت الكؤوس تقضّ غفوة الليل.. تتسرب منها رائحة نفّاذة تكاد تطغى على رائحة البحر المعهودة..وبلغ السُكر منهم مبلغه، فأرّق رقرقة الموج ،والتهم ألق الصفاء ،وغادرت النوارس التي لم تألف غير السكون والخشوع.. وطفقت نشوتهم تأخذهم بعيدا حدّ الهذيان ،وشرعوا يسكبون خمور شهوتهم على الماء ....فاختلط المنكر بالطُهر.. متناسين أن لكل شيء طهارة وفطرة ربانيه يجب احترامها...وتزايدت صيحات الغناء والموسيقى ،وتخدّرت أجسادهم وعقولهم وفقدوا اتجاهاتهم وهامت السفينة على وجهها..وهم في طغيانهم يعمهون.
أذّنت نجمة الصبح معلنة حلول الوقت لصلاة الفجر.. بدا كل شيء وكأنه يسجد لله ..يكاد يُسمع له شهيقٌ وتسبيحٌ وصلاه... إلاّ هم الذين ما زادهم السكون إلاّ غيّا.. وتوارت عنهم حقيقة أنّ قرآن الفجر كان مشهودا.. وان ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها..
بكى البحر عذريته وطهارته التي اغتالتها أيديهم القذرة ..وبكى غفلة الإنسان،وبكى وقتهم المهدور الذي يحمل بين ثوانيه عمرهم إلى حدود النهاية.. فمدّ يديه إلى السماء وصافح كفّ الغيم الساكن هناك وأيقظ الريح التي طال سجودها لله تاركة البحر يغرق في سكونه الذي يسبق العاصفة..وتعالت ثورة الأمواج الصاخبة على الشط تصفعه صفعا ،وتوّضحت ملامح الإيحاء بالفناء..وقدم البحر درسا تلو الآخر ..علّهم عن طغيانهم يرجعون..فيستغفرون ويشاركون البحر ومخلوقاته تراتيل الصلاة..وتمتمات التسبيح..ولكنهم لا زالوا في سكرتهم غارقين.
أعلن الموج حضوره..وتلحفت السماء برمادية ماكرة..وتلاحقت الموجات تطلق آهاتها كلما ارتطمت بصخور الشاطئ المسترخي تحت سيطرتها ..واقتربت تفتح أفواهها ؛ فتستبين نواجذها..ويتجلى غضبها على شكل زبد رغوي يذكّر بزبد الرمق الأخير عند إتيان الموت..وتغيرت رائحة البحر ،لتحلّ محلّها رائحة عفونة الموت..وكأن طوائف من الجن قد زارته تلقي عليه رهبة الغيب والتواري.
وفجأة!!
صفعت الريح خدّ البحر .. فتبعثر بريق القمر، وارتفع صوت الموج معلنا حلول العاصفة.. فتمايلت السفينة يُمنةً ويُسرى ..حتى ظنّوا أنها تشاركهم سُكرهم ومرحهم..ولم يُخيّل إليهم أنها تزمجر رافضة وجودهم على ظهرها.. واعتلى الموج جدران البحر..واستند واقفا كالجبل الشامخ يملأ صدورهم العارية خوفا،وهوى على السفينة يضربها بكامل جسمه..فانكفأت بقدرة الله تنعى من ناموا على ظهرها سُكارى.. واستفاق القدر يُلقي على دروب عودتهم بصمة الشتات ليخبرهم بأنّ الله قادر.والتهمهم البحر..واستقرّوا في أحشاءه طعاما لمخلوقاتٍ استفاقت تسبّح الله..وتستجدي نصيبها من قوت يومها..فإذا هُم قوتها.
وفي اليوم التالي ، شاع خبر البحر الغاضب ..وما حلّ بالسفينة والبحارة....وتجلّى الخوف في العيون.. وانطلقت الألسن بشتى الابتهالات ،وهم يستحضرون قصّة نبي الله يونس الذي عاقبه الله عزّ وجلّ فألقى به في البحر ليلتهمه الحوت ويستقرّ في أحشاءه ..ولم يخرجه من كربه هذا سوى التسبيح والتهليل والدعاء...
ومن يومها بات لثورة البحر ألف الف معنى..ولطهارته الربانيّة ألف الف احترام..وللخوف من عصيان الخالق ألف الف حساب... فمن كفأ السفينة الصغيرة في لحظة عصف عاتية قادر على أن يكفأ دنياهم وما حوت إن تمادوا في طغيانهم.
فسبحانك يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما...
انتقام البحر!!
شارف صباح الجمعة على الولادة..بعد عملية مخاض استمرت اثنتا عشرة ساعة من الظلام..
ها هي السفينة (سراب) تعتلي وجه الماء بكل شموخ؛ وكأنها الشامة على الخد الناعم..تستعدّ لشقّ عباب ذاك البحر اللجيّ، بعد أن قررت كشف سرّه الغافي على أعتاب الشاطئ في أمان..
وضعوا خطة للسفر في غاية البساطة ،محمّلة بآمال كبيره..وأحلام كثيرة تتعلق بسارية السفينة ..تراقص رياح شوقهم . فعند المغيب !سيلامسون الشمس وهي تغفو في ركن البحر القَصي..وسيسألون فيروز الشطآن عن حوريات البحر الجميلة..وسينعمون بفجر رخامي الملمس ،رقيق المُحيّا....وسيسابقون الحيتان ويراقصون الموج، و..و..و.. وفي نهاية المطاف سيعودون من رحلتهم إلى ديارهم فرحين سالمين غانمين .
تجهزّوا للرحلة.. فملؤوا حقائبهم بأصناف متعددة من المواد التموينية التي تحتاجها أجسادهم..وبعض الفيتامينات ؛كما أوصاهم البحارة ذوي الخبرة ،ومرهم يقي جلودهم اللينة وهج الشمس ولسعاتها، وكميات كبيره جدا من المياه النقية حيث"لا ماء في عرض البحر"،وزجاجات كثيرة حملت سائلا نفاذا ظنوا أنه من سيواسيهم في وحدتهم ،ويخفي بعضا من وحشة الليل وراء غيوم من اللاوعي.. وكل الأحلام التي نامت في كهوف جماجمهم وزقاق قلوبهم، كانت بمثابة الزاد الذي يمدّهم بطاقة البقاء..
تهيّأ الربّان للسفر ،وأعلنوه شدواً ككل التراتيل المقدسة لانطلاقة الصلاة..بأهازيج تدعو البحر للتريّض والبحارة للهمّة..
إنهم الآن وما حملوا، وما حلموا بهِ..أمانة في يد القدر..وها هي الإنطلاقة نحو المجهول قد بدأت!.
ها هي السفينة تنطلق،تصغر عن أعين الشاطئ شيئا فشيئا كلما ابتعدت، تاركة ورائها معالم الحياة المألوفة.. فلا شيء الآن معهم سوى الصمت؛الصمت المجبول بالدهشة والحَذر..تتخلله أحيانا بعض ثرثرا تهم التي لا تأتي بجديد ؛فالبحر والرحلة هما محور الحديث لا غير..
كانت المسيرة في بداية الأمر سهلة ممتعة..وتوارت وراء سهولتها وشوقهم إليها ،حجارة المفاجآت الكبيرة.
انتصف النهار ..فبدت السفينة ككرة صغيرة جدا انغمست في بحر من الذهب الخالص..فكادت أجسادهم تتحلل بفعل شمس الظهيرة القاهرة، وتجلّلت عيونهم بغشاوة صفراء أوشكت على طمس أبصارهم، ففرّوا بأجسادهم الذائبة خلف أشرعة السفينة، وغرقوا في إغفاءة أنستهم المجهول الذي يُعاندهم.
لون برتقالي انسكب على أرضية السفينة يُنبئ ببوادر تولد البرودة في جسد الشمس.. وبدأ البحر يغرق في شفافية يترقرق عليها احمرار الشفق..فأفاقوا يرتشفون لذّة السكون ورائحة الانتعاش.. يُدهشهم ذاك الخشوع الفاتن وليد الهدوء والنشوة حتى كادت أن تغشاهم مرّة أخرى سِنَة من النعاس..إلاّ أنّ الشوق لمباهج المساء بات يؤرّقهم ويمتصّ نعاسهم ..ويمدّ أجسادهم ببعض النشاط المُفتعل.
تحلّق البحارة يرسمون بأجسادهم دائرة في منتصف السفينة ،وكأنهم يلتفّون حول جذع شجرة وارفة الظلال،يتسامرون تحت قبّة البدر الذي تدلّى يقبّل رؤوسهم الثقيلة ..ودارت بينهم أحاديث شتى ما بين ذكريات وآمال. ..
بادر أحدهم بسؤال صديقه الجالس بجواره:
ماذا يعني لكَ البحر ؟؟
فإذا بهِ يفتح أبواب النقاش على مصراعيها، فراح كل واحد منهم ينعته بالصورة التي سكن بها البحر خياله!
- قال احدهم: هو الصمت المخيف.
- وقال آخر:هو الخير بكل أشكاله.
- ومنهم من قال:هو عالم لا ينتهي من الأسرار.
وتعالت أصوات الحديث بين مؤيّد ومعارض، يدافع كل واحد عن وجهة نظره..ومضى وقت جيد وهم في نقاشهم جادّون.
بدأ البحر يغرق في ظلام ضبابيّ ماسيّ .. ،والصمت يخنق الأنفاس .. وازداد السكون فلا تسمع همسا.. ؛ إلاّ صوت رقرقة الماء وهو ينساب متبخترا تحت أقدام السفينة، واستحضر الخوف أشباحه فعاثت فسادا في الصدور.
قرّر البحارة تمزيق أشباح الخوف وقتل أسراب العتمة، واستدعاء نديم الليل ليحلّ ضيفا بينهم...فتعالت أصوات الغناء الممزوج بالضحك تلوّث سكون البحر الربانيّ.. وقُرعت الكؤوس تقضّ غفوة الليل.. تتسرب منها رائحة نفّاذة تكاد تطغى على رائحة البحر المعهودة..وبلغ السُكر منهم مبلغه، فأرّق رقرقة الموج ،والتهم ألق الصفاء ،وغادرت النوارس التي لم تألف غير السكون والخشوع.. وطفقت نشوتهم تأخذهم بعيدا حدّ الهذيان ،وشرعوا يسكبون خمور شهوتهم على الماء ....فاختلط المنكر بالطُهر.. متناسين أن لكل شيء طهارة وفطرة ربانيه يجب احترامها...وتزايدت صيحات الغناء والموسيقى ،وتخدّرت أجسادهم وعقولهم وفقدوا اتجاهاتهم وهامت السفينة على وجهها..وهم في طغيانهم يعمهون.
أذّنت نجمة الصبح معلنة حلول الوقت لصلاة الفجر.. بدا كل شيء وكأنه يسجد لله ..يكاد يُسمع له شهيقٌ وتسبيحٌ وصلاه... إلاّ هم الذين ما زادهم السكون إلاّ غيّا.. وتوارت عنهم حقيقة أنّ قرآن الفجر كان مشهودا.. وان ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها..
بكى البحر عذريته وطهارته التي اغتالتها أيديهم القذرة ..وبكى غفلة الإنسان،وبكى وقتهم المهدور الذي يحمل بين ثوانيه عمرهم إلى حدود النهاية.. فمدّ يديه إلى السماء وصافح كفّ الغيم الساكن هناك وأيقظ الريح التي طال سجودها لله تاركة البحر يغرق في سكونه الذي يسبق العاصفة..وتعالت ثورة الأمواج الصاخبة على الشط تصفعه صفعا ،وتوّضحت ملامح الإيحاء بالفناء..وقدم البحر درسا تلو الآخر ..علّهم عن طغيانهم يرجعون..فيستغفرون ويشاركون البحر ومخلوقاته تراتيل الصلاة..وتمتمات التسبيح..ولكنهم لا زالوا في سكرتهم غارقين.
أعلن الموج حضوره..وتلحفت السماء برمادية ماكرة..وتلاحقت الموجات تطلق آهاتها كلما ارتطمت بصخور الشاطئ المسترخي تحت سيطرتها ..واقتربت تفتح أفواهها ؛ فتستبين نواجذها..ويتجلى غضبها على شكل زبد رغوي يذكّر بزبد الرمق الأخير عند إتيان الموت..وتغيرت رائحة البحر ،لتحلّ محلّها رائحة عفونة الموت..وكأن طوائف من الجن قد زارته تلقي عليه رهبة الغيب والتواري.
وفجأة!!
صفعت الريح خدّ البحر .. فتبعثر بريق القمر، وارتفع صوت الموج معلنا حلول العاصفة.. فتمايلت السفينة يُمنةً ويُسرى ..حتى ظنّوا أنها تشاركهم سُكرهم ومرحهم..ولم يُخيّل إليهم أنها تزمجر رافضة وجودهم على ظهرها.. واعتلى الموج جدران البحر..واستند واقفا كالجبل الشامخ يملأ صدورهم العارية خوفا،وهوى على السفينة يضربها بكامل جسمه..فانكفأت بقدرة الله تنعى من ناموا على ظهرها سُكارى.. واستفاق القدر يُلقي على دروب عودتهم بصمة الشتات ليخبرهم بأنّ الله قادر.والتهمهم البحر..واستقرّوا في أحشاءه طعاما لمخلوقاتٍ استفاقت تسبّح الله..وتستجدي نصيبها من قوت يومها..فإذا هُم قوتها.
وفي اليوم التالي ، شاع خبر البحر الغاضب ..وما حلّ بالسفينة والبحارة....وتجلّى الخوف في العيون.. وانطلقت الألسن بشتى الابتهالات ،وهم يستحضرون قصّة نبي الله يونس الذي عاقبه الله عزّ وجلّ فألقى به في البحر ليلتهمه الحوت ويستقرّ في أحشاءه ..ولم يخرجه من كربه هذا سوى التسبيح والتهليل والدعاء...
ومن يومها بات لثورة البحر ألف الف معنى..ولطهارته الربانيّة ألف الف احترام..وللخوف من عصيان الخالق ألف الف حساب... فمن كفأ السفينة الصغيرة في لحظة عصف عاتية قادر على أن يكفأ دنياهم وما حوت إن تمادوا في طغيانهم.
فسبحانك يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما...