د. سمر مطير البستنجي
10-19-2011, 11:26 AM
((كانت هاربه خلف وريقات الدفتر المنسيّ..فاسترجعتها لحظة عاد الأسرى الفلسطنيين المحررين الى أمهاتهم..يلتهمهم الشوق المقتول في العينين))
http://www.al-7up.com/vb/imgcache/2/45170love.gif
احتضارٌ..أمامَ قُضبان الحَديد.. 2-4-2006
(أمّ تتمزّق…وسجينٌ يَستَصرِخ)……!!!
قلبٌ يسير على الأرض لا قدمان..وجسد ناحل أرهقه الزمان ...لا يَقوى على المَسير.. فيطير على جناح الشوق إلى ذاكَ المكان..إلى حيث تركَ مِزقة منهُ ؛ إنّها أمّه..أمّ ذاكَ الأسير الذي عشق الوطن..فأصبح في زُمرة المُجرمين - فمن الحبّ ما قَتل-!!..تَستعطف الساعات أن تمضي كي يحين موعد اللقاء..فما عادت تستطيع تَحمُّل وخز الشّوك في أحشائها بعدما ملّ منها الصبر وابتعد....
اقتربت من المكان المُجلّل بالموت...تَستجمِع قُواها..تُحاول أن تَهزمَ ضَعفها لتَبدو قويّه فلا تُفزع وحيدها تلك الآلام البادية بكل وضوحٍ على مُحيّاها،والتي أبدعَ الزّمان الغادر في نقشِها على مرآة وجهها..
وقفت تكاد تبتلعُ قُضبان الحديد.. وروح تَعصِفُ بين جَنبيها...ألمٌ أنطَقها..فأخذت تُناديه بصوت نائِح يُلوّنه الأسى...ولدي..كبدي..أين أنت يا حبيب الدار؟؟......تموتُ ألف مرّة في كل لحظة انتظار..تُبحر عَبرَ مرافئ الهُموم ، تَذوب بينَ عَتمةٍ ونار...تموت ألف مرة بصمتٍ فاقَ الحُدود..تُكرر النداء بصوت يَخنُقهُ طَعم المَرار,تكادُ أن تَنهار..تنتظر متى سيأتي دورُها كي ترى قرّة عينها..حبيب الدّار؟
لَمْ تُطق الانتظار..فراحت تُفتش عنه في كل مكان حولها..تسأل الزوار، تسأل المقاعد والجدران؛تسأل حتى القضبان.....تُطلق لنَظراتها العَنان..والقلب يتوقَدُّ بالحنان..والأسى يُذيب الفؤاد والوجدان..
كِلاهُما يَحترق..كلاهُما يَحلُم بميلاد جديد..يُمنّيانِ النّفس بأحلام أحلى لقاء..كلاهما يَتجرَّعُ كأس القَهر....يَملأ حُزنهما الفضاء الرّحِب.. وهما لا يَعلمانِ بأنَهما يَنقُشانِ على صَدرِ التّاريخ حِكاية النّصر العَذِب..و يَرسُمانِ بالدّم شِعارا للفَخر ... ويَعزِفانِ الحَان المَجد على قيثارة الألم...رُغم الإحتِضار.
ساقَهُ الجّلاد...باديَ الأحقاد مُلتَهِب...نَظرتْ إليه عَبرَ أستار العيون المُجللةِ بالضَباب.. كَمَنْ أُغشى عليه.. تَكاد لا تَراه تُصغي السمعَ لِخُطاه..تُبدي التَبَسُّمَ والأحشاءُ تَلتهِب ..حَيّتهُ في احتراق.. تتمنى أن تأتي الأرض بزلزلةٍ تقتلعُ القضبان..تُحطِّم الجدران..كَي تَضُمُه إليها لتُريح النّفس من سِياط الحَنان التي تَلسَعُها كالجَمر....لتُضَمّد الجروح..كَي ترُّد لهُ الرّوح..لحبيبها المُعلّقِ المَصير.
أرسلت إليهِ عَبرَ القُضبان كلمات زاخرة بالشوق ،يَهُزُّ أساها أركانَ المكان ،حبيبي :يا بَهجةَ الوجدان …إنْ غبتَ عن عيني..يَغيبُ عَني النور..أفقِدُ الشُعور،لا عَيشي في سُرور..ولا غَدي يُطاق..لو غِبتَ عَن عَيني موجودٌ في الأعماق..أراكَ في أحلامي...أراكَ في الآفاق...فأبكي من حنيني..أبكي في جنون..أسأل الأحباب..اسأل النجوم..أسأل حتى السراب ،لِما هذا الفراق..؟؟
سَألتهُ في احتراق:
أخبرني يا حبيبي..عن عَيشكَ الجديد وقضبان الحديد. نَظرَ في عينيها نَظرة المُشتاق....وقال في اختناق :أماهُ لا أُطيق القَيد والحديد...لَكَمْ أنا مُشتاق لِحضنكِ الدفيء ....أُهادِنُ الأيام..وأُصادِقُ الأحلام..أُحارِبُ الآلام..أرجو لها صَبرا ، فأهُّمُ بالبُكاء..فيموت الدّمع في الأحداق..فلا أجِدُ هُنا ولاحتى البُكاء... أشتاق يا أماهُ للدِّيار والرِّفقة.. للسّهل للأُفق...حتى للشّفق.أحِنُّ يا أماه لأخوتي ...لأشيائي الجميلة... لأيام الشّباب .. للأهل للأصحاب...لكم أنا مُشتاق لحُضنِها المروج..أراها من بعيد أتمنى أن أعود...أُقبِّلُ الورود ، وأرضَعُ الضياء من ضوء القمر ,كي أستَعيد قوّة الشّباب وأسرار الخلود..كلما نظرتُ حوليِ يا أماهُ يَلمعَ في عيني السّراب أذكُرُ الأهل والأحباب ؛ فأسقُط مَغشيّاً عليَّ فاقِدُ الصّواب.أُغنّي خَلف لَيلي المُغلق الأبواب..أسأل الأقدار ما فَعَلتْ يَداي؟؟فلا أجدُ الجّواب . ..تَغتالُني أسئِلتي..لِما أنا هُنا ؟ في ظُلمتي الكَئيبة,لا أهل لا أحباب.. أُصارِعُ الوسواس والأوهام.. وأشباح الشّتاء..ما صَنعت يميني ؟هل عشقُ الوطن بَاتَ جريمة تُنبئُ بالخَراب؟ اترُكُ الليّل ورائي ، أعُدُّ النجوم أرقبُ القمر عَلّهُ يأتيني بالأسباب...فلا أجدُ الجواب، أحلمُ في لحظة دِفءٍ تأتيني..عَبرَ النّوافذ المُطّلة على آفاق الشّمس..ولكن!!
لا أرى شيئاً.. فكل شيءٍ تَحَجّبْ..كل شيءٍ هاهنا خَراب. تَنتابني حِيرَه..أغرَقُ في بَحرها المَجهول القَرار..أهُمُّ بالفِرار..فأعودُ أُراجِعُ خيالاتي..أسالُ الموت المُطبِقُ على ذاتي.. هل أنا مُجرم..؟وما تَعنيهِ آهاتي..!فحبيبتي أرضي..عِرضها عِرضي ما نَفعُها الحياة....إن بِعتُها أرضي فَسجني كِبرياء..وميتَتي عَطاء..لأثمن الأشياء في عمري ..مِن أجلها أهوى..الموت والذُلّ..مِن أجل أنْ أبقى..مالِكاً أمريْ.. حُريتي قَدرٌ ،أكتُبه في صدري ...فليَفهَمَ الغَدّار..أَني قوي البأس شامخٌ جبّار ، لا تَثنيني القيود ,حُريتي قَرار ،لا أرضى بالبديل .أُصادِقُ الآلام....أبرِقُ كالشّرار..كجمرٍ فوقَ النّار..فيلمَحُ السّجان ..ذاكَ الكبرياء ، فيشتاقُ لأناّتي ، فَيَهوي بالسّياط لتشرب من دمي ...فأُصارع الآلام وأخُط ّبداياتي ...وأُرسِلُ عَبرَ السّياط قراراتي.. لِتحمِلها الأيامُ للأجيال" لا ضَعفَ يا ذاتي، لا ضَعفَ يا ذاتي".
فاصبِري أُمي..فَموتي في سجني...فيهِ مَرضاتي ..وحبّي لهُ وطني ,أسمى غاياتي ...إنْ كانَ إجراماً؛فلتشهدي أمي..ولتَشهد الدّنيا أنيْ أنا مُجرم قَد بِعتُه ذاتي...فلتصبري أماه ,غداً أنا آتيْ... أُغني أغاني النَصر ..أرفعُ راياتي.غداً أنا آتي...
وانتهت الكلمات المُلتهبة بعدما أحرقت المكان والزّمان..وجاء السّجان ,ليقبِض على فريستِه.وغابَ الحّبُ من ذاكَ المكان.
قَبّلت الأم القضبان..بعد أن غَسلتها بالدموع..وغادرت المكان..كَليمةَ الوجدان..تَحلم باللقاء الآتي..تُتمتِمُ رغم الوَهنِ والأحزان .. يُردد صدى كلماتها كل شيء ، حتى ا لصمت..حتى الجدران:
"حقا يا بُنيّ, صَدَقتَ يا بُنيّ ,كلّنا فِدى الأوطان..كلّنا فدى الأوطان"..
وعاد الأسير ..البطل.. (قتيل الحُبّ ) إلى زنزانته ...بعد أن شَحنتهُ أمه بشيء من طاقةِ البقاء..وَغَذّتْ روحهُ بغذاء مَذاقهُ الصّبر .عاد إلى قبره الذي يُقيم فيه..يُنشِدُ ويُتمتم..رُغم الألم والانتحار:"الصّبر يا أمي.. سأصمِدُ يا أمي..سأعيشُ يا أمي..حتى ذاك النهار..لنشهد والدنيا حلاوة النصر..غدا أنا آتي..ارفع راياتي..فليَعلمَ الزّمان..أنّي فِدى الأوطان..أنّي فِدى الأوطان.حُبّي لكَ وطني أسمى غاياتي..إن كان إجرام فلتشهدي أمي ولتشهدِ الدّنيا..أني أنا المُجرم قد بِعتُهُ ذاتي..قد بعته ذاتي".
وافترقا من جديد..وأُسدِلَتْ خَلفَهُما سَتائِرُ الشُّعور ..وتَبَلّدَ الوجود..وغَدا كل شيءٍ بارد حائر مُكفَهِرّ...وتَوارى عنهُما كلّ شيء حتى الحياة ذاتها ..كلّ الحياة...ومات حَولهما كلّ الأحياء والأشياء.. وماتت القصة كألف قصّةٍ قَبلها..
فيالَ شقوة الحياة حين تغدو مجرد أحداث تأتي وتذهب..تتسمر على بوابات الزمن المنسي..ثم لا تلبث ان تموت.
http://www.al-7up.com/vb/imgcache/2/45170love.gif
احتضارٌ..أمامَ قُضبان الحَديد.. 2-4-2006
(أمّ تتمزّق…وسجينٌ يَستَصرِخ)……!!!
قلبٌ يسير على الأرض لا قدمان..وجسد ناحل أرهقه الزمان ...لا يَقوى على المَسير.. فيطير على جناح الشوق إلى ذاكَ المكان..إلى حيث تركَ مِزقة منهُ ؛ إنّها أمّه..أمّ ذاكَ الأسير الذي عشق الوطن..فأصبح في زُمرة المُجرمين - فمن الحبّ ما قَتل-!!..تَستعطف الساعات أن تمضي كي يحين موعد اللقاء..فما عادت تستطيع تَحمُّل وخز الشّوك في أحشائها بعدما ملّ منها الصبر وابتعد....
اقتربت من المكان المُجلّل بالموت...تَستجمِع قُواها..تُحاول أن تَهزمَ ضَعفها لتَبدو قويّه فلا تُفزع وحيدها تلك الآلام البادية بكل وضوحٍ على مُحيّاها،والتي أبدعَ الزّمان الغادر في نقشِها على مرآة وجهها..
وقفت تكاد تبتلعُ قُضبان الحديد.. وروح تَعصِفُ بين جَنبيها...ألمٌ أنطَقها..فأخذت تُناديه بصوت نائِح يُلوّنه الأسى...ولدي..كبدي..أين أنت يا حبيب الدار؟؟......تموتُ ألف مرّة في كل لحظة انتظار..تُبحر عَبرَ مرافئ الهُموم ، تَذوب بينَ عَتمةٍ ونار...تموت ألف مرة بصمتٍ فاقَ الحُدود..تُكرر النداء بصوت يَخنُقهُ طَعم المَرار,تكادُ أن تَنهار..تنتظر متى سيأتي دورُها كي ترى قرّة عينها..حبيب الدّار؟
لَمْ تُطق الانتظار..فراحت تُفتش عنه في كل مكان حولها..تسأل الزوار، تسأل المقاعد والجدران؛تسأل حتى القضبان.....تُطلق لنَظراتها العَنان..والقلب يتوقَدُّ بالحنان..والأسى يُذيب الفؤاد والوجدان..
كِلاهُما يَحترق..كلاهُما يَحلُم بميلاد جديد..يُمنّيانِ النّفس بأحلام أحلى لقاء..كلاهما يَتجرَّعُ كأس القَهر....يَملأ حُزنهما الفضاء الرّحِب.. وهما لا يَعلمانِ بأنَهما يَنقُشانِ على صَدرِ التّاريخ حِكاية النّصر العَذِب..و يَرسُمانِ بالدّم شِعارا للفَخر ... ويَعزِفانِ الحَان المَجد على قيثارة الألم...رُغم الإحتِضار.
ساقَهُ الجّلاد...باديَ الأحقاد مُلتَهِب...نَظرتْ إليه عَبرَ أستار العيون المُجللةِ بالضَباب.. كَمَنْ أُغشى عليه.. تَكاد لا تَراه تُصغي السمعَ لِخُطاه..تُبدي التَبَسُّمَ والأحشاءُ تَلتهِب ..حَيّتهُ في احتراق.. تتمنى أن تأتي الأرض بزلزلةٍ تقتلعُ القضبان..تُحطِّم الجدران..كَي تَضُمُه إليها لتُريح النّفس من سِياط الحَنان التي تَلسَعُها كالجَمر....لتُضَمّد الجروح..كَي ترُّد لهُ الرّوح..لحبيبها المُعلّقِ المَصير.
أرسلت إليهِ عَبرَ القُضبان كلمات زاخرة بالشوق ،يَهُزُّ أساها أركانَ المكان ،حبيبي :يا بَهجةَ الوجدان …إنْ غبتَ عن عيني..يَغيبُ عَني النور..أفقِدُ الشُعور،لا عَيشي في سُرور..ولا غَدي يُطاق..لو غِبتَ عَن عَيني موجودٌ في الأعماق..أراكَ في أحلامي...أراكَ في الآفاق...فأبكي من حنيني..أبكي في جنون..أسأل الأحباب..اسأل النجوم..أسأل حتى السراب ،لِما هذا الفراق..؟؟
سَألتهُ في احتراق:
أخبرني يا حبيبي..عن عَيشكَ الجديد وقضبان الحديد. نَظرَ في عينيها نَظرة المُشتاق....وقال في اختناق :أماهُ لا أُطيق القَيد والحديد...لَكَمْ أنا مُشتاق لِحضنكِ الدفيء ....أُهادِنُ الأيام..وأُصادِقُ الأحلام..أُحارِبُ الآلام..أرجو لها صَبرا ، فأهُّمُ بالبُكاء..فيموت الدّمع في الأحداق..فلا أجِدُ هُنا ولاحتى البُكاء... أشتاق يا أماهُ للدِّيار والرِّفقة.. للسّهل للأُفق...حتى للشّفق.أحِنُّ يا أماه لأخوتي ...لأشيائي الجميلة... لأيام الشّباب .. للأهل للأصحاب...لكم أنا مُشتاق لحُضنِها المروج..أراها من بعيد أتمنى أن أعود...أُقبِّلُ الورود ، وأرضَعُ الضياء من ضوء القمر ,كي أستَعيد قوّة الشّباب وأسرار الخلود..كلما نظرتُ حوليِ يا أماهُ يَلمعَ في عيني السّراب أذكُرُ الأهل والأحباب ؛ فأسقُط مَغشيّاً عليَّ فاقِدُ الصّواب.أُغنّي خَلف لَيلي المُغلق الأبواب..أسأل الأقدار ما فَعَلتْ يَداي؟؟فلا أجدُ الجّواب . ..تَغتالُني أسئِلتي..لِما أنا هُنا ؟ في ظُلمتي الكَئيبة,لا أهل لا أحباب.. أُصارِعُ الوسواس والأوهام.. وأشباح الشّتاء..ما صَنعت يميني ؟هل عشقُ الوطن بَاتَ جريمة تُنبئُ بالخَراب؟ اترُكُ الليّل ورائي ، أعُدُّ النجوم أرقبُ القمر عَلّهُ يأتيني بالأسباب...فلا أجدُ الجواب، أحلمُ في لحظة دِفءٍ تأتيني..عَبرَ النّوافذ المُطّلة على آفاق الشّمس..ولكن!!
لا أرى شيئاً.. فكل شيءٍ تَحَجّبْ..كل شيءٍ هاهنا خَراب. تَنتابني حِيرَه..أغرَقُ في بَحرها المَجهول القَرار..أهُمُّ بالفِرار..فأعودُ أُراجِعُ خيالاتي..أسالُ الموت المُطبِقُ على ذاتي.. هل أنا مُجرم..؟وما تَعنيهِ آهاتي..!فحبيبتي أرضي..عِرضها عِرضي ما نَفعُها الحياة....إن بِعتُها أرضي فَسجني كِبرياء..وميتَتي عَطاء..لأثمن الأشياء في عمري ..مِن أجلها أهوى..الموت والذُلّ..مِن أجل أنْ أبقى..مالِكاً أمريْ.. حُريتي قَدرٌ ،أكتُبه في صدري ...فليَفهَمَ الغَدّار..أَني قوي البأس شامخٌ جبّار ، لا تَثنيني القيود ,حُريتي قَرار ،لا أرضى بالبديل .أُصادِقُ الآلام....أبرِقُ كالشّرار..كجمرٍ فوقَ النّار..فيلمَحُ السّجان ..ذاكَ الكبرياء ، فيشتاقُ لأناّتي ، فَيَهوي بالسّياط لتشرب من دمي ...فأُصارع الآلام وأخُط ّبداياتي ...وأُرسِلُ عَبرَ السّياط قراراتي.. لِتحمِلها الأيامُ للأجيال" لا ضَعفَ يا ذاتي، لا ضَعفَ يا ذاتي".
فاصبِري أُمي..فَموتي في سجني...فيهِ مَرضاتي ..وحبّي لهُ وطني ,أسمى غاياتي ...إنْ كانَ إجراماً؛فلتشهدي أمي..ولتَشهد الدّنيا أنيْ أنا مُجرم قَد بِعتُه ذاتي...فلتصبري أماه ,غداً أنا آتيْ... أُغني أغاني النَصر ..أرفعُ راياتي.غداً أنا آتي...
وانتهت الكلمات المُلتهبة بعدما أحرقت المكان والزّمان..وجاء السّجان ,ليقبِض على فريستِه.وغابَ الحّبُ من ذاكَ المكان.
قَبّلت الأم القضبان..بعد أن غَسلتها بالدموع..وغادرت المكان..كَليمةَ الوجدان..تَحلم باللقاء الآتي..تُتمتِمُ رغم الوَهنِ والأحزان .. يُردد صدى كلماتها كل شيء ، حتى ا لصمت..حتى الجدران:
"حقا يا بُنيّ, صَدَقتَ يا بُنيّ ,كلّنا فِدى الأوطان..كلّنا فدى الأوطان"..
وعاد الأسير ..البطل.. (قتيل الحُبّ ) إلى زنزانته ...بعد أن شَحنتهُ أمه بشيء من طاقةِ البقاء..وَغَذّتْ روحهُ بغذاء مَذاقهُ الصّبر .عاد إلى قبره الذي يُقيم فيه..يُنشِدُ ويُتمتم..رُغم الألم والانتحار:"الصّبر يا أمي.. سأصمِدُ يا أمي..سأعيشُ يا أمي..حتى ذاك النهار..لنشهد والدنيا حلاوة النصر..غدا أنا آتي..ارفع راياتي..فليَعلمَ الزّمان..أنّي فِدى الأوطان..أنّي فِدى الأوطان.حُبّي لكَ وطني أسمى غاياتي..إن كان إجرام فلتشهدي أمي ولتشهدِ الدّنيا..أني أنا المُجرم قد بِعتُهُ ذاتي..قد بعته ذاتي".
وافترقا من جديد..وأُسدِلَتْ خَلفَهُما سَتائِرُ الشُّعور ..وتَبَلّدَ الوجود..وغَدا كل شيءٍ بارد حائر مُكفَهِرّ...وتَوارى عنهُما كلّ شيء حتى الحياة ذاتها ..كلّ الحياة...ومات حَولهما كلّ الأحياء والأشياء.. وماتت القصة كألف قصّةٍ قَبلها..
فيالَ شقوة الحياة حين تغدو مجرد أحداث تأتي وتذهب..تتسمر على بوابات الزمن المنسي..ثم لا تلبث ان تموت.