ايمااان حمد
01-11-2012, 08:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سر الجمال الحقيقي للإنسان
من منَّا لا يغشى مجالسَ النَّاس وديوانيَّاتهم؟
ومن منَّا لا يطوف على الأحْباب والأصدِقاء والخلاَّن في دورهم ومنتَدَياتهم؟
ومن الَّذي لا يحضر أعراسَهم وأفراحَهم، ويقوم بما يجب عليْه تجاههم في آلامهم وأتراحهم؟
مَن منَّا لا يتهيَّأ لتلك المناسبات بِما يظهره بمظهر حسَن وإطلالة بهيَّة وروْنق جميل؟!
يقِف أمام المرآة يأخُذ من شعر رأسه ويمشِّط لحيتَه ويرتِّب من هندامِه، ويتضمَّخ بأزكى العطور ثمَّ يخرج إلى النَّاس، وقُل مثل ذلك في المرْأة؛ فإنَّها تفعل بنفسِها ما يفعل الرَّجل حين تريد أن تُخالط النساء من بنات جنسِها، بل وربَّما تزيد على الرَّجُل بأنَّ المرآة تستغرق منها السَّاعات الطوال والأوقات المملَّة.
على أيَّة حال، كلُّنا ذاك الرجُل، وكلّ هذا جيِّد وحسَن، وجميعه مرغَّب فيه ومحبَّذ ومندوب إليْه، ما دام ضمن حدود المعْقول، من غير إفراط ولا تفْريط.
لكن أيكْفي هذا؟
وهل عند هذا الحدِّ انتهى الأمر؟
وهل يُغنينا أن نقِف عند هذه الظَّواهر دون أن نُعْنى بالبواطن، نحفل بالقشور دون أن نهتمَّ باللُّبّ والجوهر، كثيرون يغفلون عن هذه النقطة ويتجاوزونَها إلى المظاهر، ويمرُّون عليها مرور الكرام، هذا إن سمعوا بها وأدْركوها، وإلاَّ فهُم لا يعرِفونها البتَّة.
كان نبيُّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام - إذا نظر في المرْآة يقول: ((اللهُمَّ أحسنت خلْقي فأحسن خلُقي) ، فكان يرسل بذلك رسالةً إلى أمَّته أنَّ العناية بالباطن - ومن ذلك القلب والأخلاق - أمرٌ هو من صلب دينِنا وشرْعِنا، ومقصد هامٌّ من مقاصد الشَّريعة الغرَّاء، وأنَّ من يعتني بمظْهره الخارجي فقط ويدَع الأمراض المعنويَّة والنفسيَّة تفعل فعلَها في داخله، هُو إنسان مغفَّل لا يدرك أين الخير، ولا يعرف حيثُ مصلحته فيبادر إلى تحصيلها.
اليوم - أيُّها السَّادة - يشقَى كثيرٌ من النَّاس في قضيَّة الجمال، ويبذلون وسعهم وطاقتَهم في الحصول على أحْدث مقاييس الجمال، وآخر صرخات الموضة والأزياء، الرجال والنساء في ذلك سواء، وإن كان الأمر أوْضح في جانب النساء، يُهرعون إلى دور التَّجميل وأطبَّاء العمليَّات التَّجميليَّة، ويسكبون المال الوفير أمامهم كي يَحصلوا على قسط من الجمال الصِّناعي الباهت، فالرجل يريد جسمًا كجسم اللاَّعب النَّجم الفلاني، وأنفًا كأنفِه، وسحنة كسحنتِه، وقصَّة شعر كقصَّة شعره، والمرأة بدورها تُريد أعضاءً كأعضاء المطربة الفلانيَّة والممثلة الفلانيَّة، وربَّما كان الذي يدفَعُها إلى ذلك هو زوجَها بعد افتِتانه بالممثلات والمطربات، فيغيِّرون خلق الله ويقعون في المحظور.
أيّ جمال ذلك الَّذي تبحثون عنْه وتنشدونه؟!
أي زينة تلك التي تلهثون وراءها؟!
جمال صناعي وزينة مصطنعة، إنَّ الجمال الحقيقي والزينة الأساسيَّة هي زينة الدَّاخل وجمال الباطن؛ أي: جمال الأخلاق، جمال الروح، جمال النَّفس، والَّذي بدوره يطفح بعد ذلك على صورة المرء الخارجيَّة، الجمال هو جمال المخْبر لا جمال المظهر.
ليس الجمال تسمينًا أو تنحيفًا، ولا تشقيرًا أو تبييضًا أو تغييرًا، ولا نفخًا أو شفط دهون!
ليس من الحسن أن نسعى إلى ستْر عورة الجسم ونترك عورة النَّفس باديةً لكل أحد، واللهُ تفضَّل علينا فقال: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26].
كان من بين الصَّحابة على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صحابي اسمه زاهر بن حرام الأشْجعي، وكانت به دمامة - رضِي الله عنْه - وكان لحبِّه الجمّ لرسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يتفقَّده ببعض طعام أهل البادية، وكان بدويًّا، وكان النَّبيُّ - عليْه الصَّلاة والسَّلام - يُبادله الهديَّة بالهديَّة، ويمنحه كلَّ المحبَّة والتَّقدير.
وذات يومٍ رآه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سوق المدينة وهو يبيع متاعَه، فاحتضنَه من خلفه ولا يبصره زاهِر، فقال: أرْسلني، مَن هذا؟ فالتفت فعرف النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدْر النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين عرفه، وجعل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن يشتري العبد؟)) فقال: يا رسول الله، إذًا - والله - تجِدني كاسدًا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لكن عندَ الله لست بكاسد)) أو قال: ((لكن عند الله أنت غال)).
مع دمامته - رضِي الله عنه - كان ذا قدر ومنزلة عند الله تعالى؛ بصفاء سريرته وطيبة قلبه، وهذه سبيل كلِّ مَن أراد أن ينال عند ربِّه وعند الناس الحظوة والمنزلة التي ليست لسواه.
دمتم برعاية الله وحفظه
الكاتب ياسر مصطفى يوسف
اعجبني سادتي فأحببت ان انقله لكم ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سر الجمال الحقيقي للإنسان
من منَّا لا يغشى مجالسَ النَّاس وديوانيَّاتهم؟
ومن منَّا لا يطوف على الأحْباب والأصدِقاء والخلاَّن في دورهم ومنتَدَياتهم؟
ومن الَّذي لا يحضر أعراسَهم وأفراحَهم، ويقوم بما يجب عليْه تجاههم في آلامهم وأتراحهم؟
مَن منَّا لا يتهيَّأ لتلك المناسبات بِما يظهره بمظهر حسَن وإطلالة بهيَّة وروْنق جميل؟!
يقِف أمام المرآة يأخُذ من شعر رأسه ويمشِّط لحيتَه ويرتِّب من هندامِه، ويتضمَّخ بأزكى العطور ثمَّ يخرج إلى النَّاس، وقُل مثل ذلك في المرْأة؛ فإنَّها تفعل بنفسِها ما يفعل الرَّجل حين تريد أن تُخالط النساء من بنات جنسِها، بل وربَّما تزيد على الرَّجُل بأنَّ المرآة تستغرق منها السَّاعات الطوال والأوقات المملَّة.
على أيَّة حال، كلُّنا ذاك الرجُل، وكلّ هذا جيِّد وحسَن، وجميعه مرغَّب فيه ومحبَّذ ومندوب إليْه، ما دام ضمن حدود المعْقول، من غير إفراط ولا تفْريط.
لكن أيكْفي هذا؟
وهل عند هذا الحدِّ انتهى الأمر؟
وهل يُغنينا أن نقِف عند هذه الظَّواهر دون أن نُعْنى بالبواطن، نحفل بالقشور دون أن نهتمَّ باللُّبّ والجوهر، كثيرون يغفلون عن هذه النقطة ويتجاوزونَها إلى المظاهر، ويمرُّون عليها مرور الكرام، هذا إن سمعوا بها وأدْركوها، وإلاَّ فهُم لا يعرِفونها البتَّة.
كان نبيُّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام - إذا نظر في المرْآة يقول: ((اللهُمَّ أحسنت خلْقي فأحسن خلُقي) ، فكان يرسل بذلك رسالةً إلى أمَّته أنَّ العناية بالباطن - ومن ذلك القلب والأخلاق - أمرٌ هو من صلب دينِنا وشرْعِنا، ومقصد هامٌّ من مقاصد الشَّريعة الغرَّاء، وأنَّ من يعتني بمظْهره الخارجي فقط ويدَع الأمراض المعنويَّة والنفسيَّة تفعل فعلَها في داخله، هُو إنسان مغفَّل لا يدرك أين الخير، ولا يعرف حيثُ مصلحته فيبادر إلى تحصيلها.
اليوم - أيُّها السَّادة - يشقَى كثيرٌ من النَّاس في قضيَّة الجمال، ويبذلون وسعهم وطاقتَهم في الحصول على أحْدث مقاييس الجمال، وآخر صرخات الموضة والأزياء، الرجال والنساء في ذلك سواء، وإن كان الأمر أوْضح في جانب النساء، يُهرعون إلى دور التَّجميل وأطبَّاء العمليَّات التَّجميليَّة، ويسكبون المال الوفير أمامهم كي يَحصلوا على قسط من الجمال الصِّناعي الباهت، فالرجل يريد جسمًا كجسم اللاَّعب النَّجم الفلاني، وأنفًا كأنفِه، وسحنة كسحنتِه، وقصَّة شعر كقصَّة شعره، والمرأة بدورها تُريد أعضاءً كأعضاء المطربة الفلانيَّة والممثلة الفلانيَّة، وربَّما كان الذي يدفَعُها إلى ذلك هو زوجَها بعد افتِتانه بالممثلات والمطربات، فيغيِّرون خلق الله ويقعون في المحظور.
أيّ جمال ذلك الَّذي تبحثون عنْه وتنشدونه؟!
أي زينة تلك التي تلهثون وراءها؟!
جمال صناعي وزينة مصطنعة، إنَّ الجمال الحقيقي والزينة الأساسيَّة هي زينة الدَّاخل وجمال الباطن؛ أي: جمال الأخلاق، جمال الروح، جمال النَّفس، والَّذي بدوره يطفح بعد ذلك على صورة المرء الخارجيَّة، الجمال هو جمال المخْبر لا جمال المظهر.
ليس الجمال تسمينًا أو تنحيفًا، ولا تشقيرًا أو تبييضًا أو تغييرًا، ولا نفخًا أو شفط دهون!
ليس من الحسن أن نسعى إلى ستْر عورة الجسم ونترك عورة النَّفس باديةً لكل أحد، واللهُ تفضَّل علينا فقال: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26].
كان من بين الصَّحابة على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صحابي اسمه زاهر بن حرام الأشْجعي، وكانت به دمامة - رضِي الله عنْه - وكان لحبِّه الجمّ لرسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يتفقَّده ببعض طعام أهل البادية، وكان بدويًّا، وكان النَّبيُّ - عليْه الصَّلاة والسَّلام - يُبادله الهديَّة بالهديَّة، ويمنحه كلَّ المحبَّة والتَّقدير.
وذات يومٍ رآه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سوق المدينة وهو يبيع متاعَه، فاحتضنَه من خلفه ولا يبصره زاهِر، فقال: أرْسلني، مَن هذا؟ فالتفت فعرف النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدْر النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين عرفه، وجعل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن يشتري العبد؟)) فقال: يا رسول الله، إذًا - والله - تجِدني كاسدًا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لكن عندَ الله لست بكاسد)) أو قال: ((لكن عند الله أنت غال)).
مع دمامته - رضِي الله عنه - كان ذا قدر ومنزلة عند الله تعالى؛ بصفاء سريرته وطيبة قلبه، وهذه سبيل كلِّ مَن أراد أن ينال عند ربِّه وعند الناس الحظوة والمنزلة التي ليست لسواه.
دمتم برعاية الله وحفظه
الكاتب ياسر مصطفى يوسف
اعجبني سادتي فأحببت ان انقله لكم ...