محمود فالح مهيدات
12-06-2009, 05:50 PM
الأوصَافُ العُلْويَّةُ للمرأةِ في الغَزَلِ العُذْرِيِّ
تُعَدُّ المرأةُ حَجَرَ الزاويةِ ومِحْورَ الارتكازِ والعَمودَ الفقريِّ في جسمِ الغَزَلِ العُذريِّ. فَمِنْ أهَمِّ سِمَاتِ هذا اللَّونِ مِنَ الغَزَلِ ( أُحَديَّةُ الارتباطِ)، فكان الشاعرُ العُذريُّ يرتبطُ بفتاةٍ واحدةٍ ليس إلاَّ، ولا يلتفتُ إلى سِواهَا، فكانتْ هي وحدُها مصدرَ إلهامِهِ الشِّعْريِّ ومنهلَ عواطِفِهِ ومنبعَ أحاسيسهِ.
وكان الشاعرُ العُذريُّ يجعلُ مِنَ المرأةِ أُنموذجاً فريداً مِنَ الكَمالِ المُتسَامِي الذي لا يُطاولُهُ شيءٌ على الإطلاقِ، فكانتْ المحبوبةُ دائماً رمزاً للطُّهْرِ والعِفَّةِ والنقَاءِ والتَّمَنُّعِ والعِنَادِ، فهي صَخرةٌ كأداءُ صلداءُ لا تلينُ أبداً، وهذه الميِّزةُ كانتْ ذاتَ خصوصيةٍ متميِّزةٍ ومَدْعاةً رئيسةً لزيادةِ التمسُّكِ والتعلُّقِ بالمرأةِ، والانقيادِ والاستسلامِ لحُبِّها.
أمَّا مِنْ حيثُ الصِّفاتُ الجماليةُ والخَلْقِيَّةُ، فقدْ اختارَ الشعراءُ العذريُّونَ أوصافاً عُلويةً لمعبوداتِهمْ مِنَ النساءِ، وحُقَّ لي أنْ أقولَ ( معبوداتهم) لأنَّهمْ كانوا يتَّخِذونَ مِنهُنَّ رمزاً للطُّهْرِ والعِفَّةِ والقدسيةِ، وقدْ اتخذَ بعضُهُمْ معشوقاتِهِمْ أرباباً، كما فعلَ العبَّاسُ بنُ الأحنفِ حين قال:
وجاهلٌ لمْ يَذُق الحُبَّـــــا// لحَى مُحبَّاً دَنِفاً صَبَّــــا
لَوْ ذاقَ لوْعَاتِ الهَوى لمْ يَكنْ// هَوى ( ظَلومٍ ) عنده ذنْبـا
رمَتْ ظَلومٌ بسهامٍ لهَــــا// قلبي فقدْ أقصَدَتْ القلبــا
لو عُبِّدَ المخلوقُ مِنْ حُسْنِـهِ// لأصبحتْ مالكتـي ربَّـــا
وهذا بشَّارُ بنَ بُرْدٍ يَعزفُ على الوَتَرِ ذاتِهِ فيقول:
لَمْ يكنْ لي ربٌّ سوى اللهِ يا عَبْدَ// فما ليَ اتخذتُ وجهَكِ ربَّا
وهذا كُثَيِّرُ عَزَّةَ يقول في معشوقته:
رهبانُ مَدْينَ والذين عهدتُهُـمْ// يبكونَ مِنْ حَذَرِ العذابِ قُعودا
لو يسمعونَ كَمَا سمعتُ حَديثَهَا// خرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُــودا
كان الشاعرُ العذريُّ يعتمدُ كثيراً على الطَّيفِ والأحْلامِ، فَيستشعِرُ لقاءَهُ مَعَ حبيبتِهِ مِنْ خِلالِ الطَّيفِ والرؤى، ومِنْ هذا قولُ المجنون:
وإنِّي لأستغشي ومَا بيَ نَعْسَةٌ// لعلَّ خيالاً منكِ يلقى خَياليا
ومثلُهُ قولُ جميل بثينة:
وإنِّي لأستغشي ومَا بِيَ نَعْسَةٌ// لعلَّ لقاءً في المنام يكونُ
فهو، أي الشاعرُ العُذريُّ، يَحرِصُ على أن يرى طيفَ حبيبتِهِ ويَحْلُمُ بوجهِ فَتاتِه فيَراهُ منيراً ساطعاً كأنَّه الشمسُ في ضُحاهَا والقمرُ في تَمامِهِ، متلألئاً كأنَّه نجمٌ في كَبِدِ السماءِ، لا بَلْ تكون فتاتُهُ نفسُهَا شلاّلاً منيراً أو هَالةً مِنْ نورٍ. وكانتْ هذه الصورةُ العلويةُ الفريدةُ تشحذُ هِمَّةَ الشاعرِ المتيَّمِ وتفجِّرُ شاعريتَهُ، حتى أضْحَى يفضِّلُ فتاتَه على كلِّ شيءٍ، حتى على جَنَّاتِ النَّعِيمِ ومَا فيها مِنْ نَعيمٍ حِسِّيٍّ وروحِيٍّ، ومِنْ هذا قولُ العَباسِ بنِ الأحْنفِ:
ولو خيَّرونيها وخُلْداً منعَّماً// تخيَّرها قلبي ولَمْ يَخْتَرِ الخُلْدَا
بعض الصفات العلوية: لقد اتَّخَذَ العذريون العديدَ مِنَ الصِّفاتِ الجميلةِ لفتياتهمْ، نحو: الرِّيم، الجُؤْذر، المَهَا وغيرها؛ لكنني في هذا المقامِ أقتصرُ الحديثَ عَنِ الصفاتِ العُلويةِ نحو:
الشمس
يقول بشَّارُ بنُ بُرْدٍ:
خليفةُ الشمسِ تكفي الحَيََّ غيبتُهَا// كأنَّما صاغَهَا الخَلاَّقُ مِنْ نُورِ
ويقولُ العبَّاسُ بنُ الأحنف واصفاً حبيبتَه (فَوْزاً):
هيَ الشمسُ مَسْكَنُهَا في السَّمَاء// فعَزَّ الفؤادَ عزاءً جَميـلا
فلنْ تستطيعَ إليهَــا الصُّعـودَ// ولنْ تستطيعَ إليكَ النزولا
فهو يرى بأنَّ ( فوزاً) تظلُّ مع إنسانيتها شمساً في كَبِدِ السَّماءِ متربعةً في عليائِهَا صعبةَ المنالِ لا تطولُهَا يَدُ البَشَرِ. ويقولُ العباسُ أيضاً:
إنِّي طَرِبْتُ إلى شمسٍ إذا طَلَعَتْ// كانتْ مشارفُها جوفَ المقاصيرِ
شمسٌ ممَثَّلةٌ في خَلْقِ جاريـةٍ //كأنَّما كَشْحُهَا طَــيَّ الطوامير
وهذا كُثيِّرُ عَزَّةَ يجعلُ مِنْ حبيبتِهِ عَزَّةَ مَنْ تفوقُ الشمسَ في الحُسْنِ والجَمالِ:
ولَوْ أنَّ عَزَّةَ خاصَمتْ شمسَ الضُّحَى// في الحُسْنِ عِندَ مُوَفِّقٍ لقَضَى لهَا
القمـــر
وإذا ما ذُكِرَ القمرُ، نذكرُ بأنَّه جليسُ العُشَّاقِ وسَميرُهُمْ، وهو الذي يبدِّدُ ظلمةَ الليلِ ودياجيرَ الظلامِ. يقولُ العبَّاسُ بنُ الأحنفِ:
يا مَنْ يُسائلُ عَنْ ( فَوْزٍ ) وصُورتِهَا// إنْ كنتَ لمْ تَرَهَا فانظرْ إلى القَمرِ
وقيسُ بنُ ذَريحٍ يصفُ لُبنى بالبدرِ:
إذا عِبْتُهَا شبَّهْتُهَا البدْرَ طالِعَاً //فَحَسْبُكَ مِنْ عَيْبٍ لهَا مُشْبِهُ البَدْرِ
والمجنونُ يقول في ليلاه:
بيضاءُ خالصةُ البياضِ كأنَّهَا// قَمَرٌ توسَّطَ جنحَ ليلِ مبردِ
كوكـــب
يقولُ كُثيِّرُ عَزَّةَ:
لِعَزَّةَ نارٌ ما تبوخُ كأنَّهَا// إذا ما رمقناهَا مِنَ البُعْدِ كَوكبُ
الفوق بشرية
الحور العين
بشار بن برد يصف حبيبته بالحُورِ العِينِ فيقول:
تمَّتْ قواماً وعمَّتْ في مجاسدِها// كأنها من جواري الجَنَّةِ الحُورِ
أما العباسُ بنُ الأحنفِ فيصفُ حبيبتَه بالنُّورِ وبالحُور وينفي عَنْهَا إنسيَّتَهَا فيقول:
ليسَتْ مِنَ الإنْسِ إلاَّ فـي مُناسَبةٍ// ولا مِنَ الجِنِّ إلاَّ فـــي التصاويرِ
فالجسمُ مِنْ لؤلؤٍ والشَّعْرُ مِنْ ظُلَمٍ// والنَّشْرُ مِنْ مِسْكَةٍ والوَجْهُ مِنْ نُورِ
إنَّ الجَمالَ حَبَا ( فَوْزاً) بِخلعَتِــهِ// حَذْواً بِحَذْوٍ وأصْفَاهَـا بِتَحْويــرِ
ويقول أيضاً نافياً عنها الأشباهَ البَشَريَّةَ:
كأنَّما كانَ في الفِرْدَوسِ مَسْكنُهَا// صَارتْ إلى الناسِ للآياتِ والعِبَرِ
لَمْ يَخْلُق اللهُ في الدنيا لهَا شَبَهاً// إنِّي لأحْسَبُهَا ليستْ مِنَ البَشَـرِ
السِّحْــــرُ
يقول المجنونُ:
هيَ السِّحْرُ إلاَّ إنَّ لِلسِّحْرِ رُقْيَةٌ //وإنِّيَ لا أُلفي لهَا الدَّهْرَ راقِيَا
ريح الجنة
يقولُ جميلُ بثينةَ:
وإنِّي لَمشتاقٌ إلى رِيحِ جَيْبِهَا //كَمَا اشتاقَ إدريسٌ إلى جَنَّةِ الخُلْدِ
ليلة القدر
يقولُ قيسُ بنُ ذَريحٍ:
لقد فضِّلتْ لبنى على الناسِ مثلَمَا //على ألفِ شَهْرٍ فُضِّلتْ ليلةُ القَدْرِ
وقدْ اختُلِفَ في نسبةِ هذا البيتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلى قيسِ بنِ ذَريحٍ، ومنهم مَنْ نَسَبه إلى المجنونِ، قيسِ بنِ الملوَّحِ، ومنهمْ مَنْ نَسَبه إلى جميل بثينة. ومهما يكنْ مِنْ أمْرٍ، فإنَّ الغايةَ مِنَ الاستشهادِ بِهِ، بغضِّ النَظَرِ عَنْ قَائِلهِ، هوَ خِدْمَةُ البحْثِ، كما تَجْدُرُ الإشارةُ هنا إلى أنَّ قائلَ هذا البيتِ قد اقتبسَ معناه مِنَ القرآنِ الكَريمِ، وفي ذلك تعظيمٌ وتقديسٌ للمحبوبةِ.
سر الخلود
يقول العباسُ بنُ الأحنفِ:
يا زَيْنَ مَنْ وَلَدَتْ حِوَّاءُ مِنْ وَلَدٍ// لَوْلاكِ لَمْ تَمْلُحِ الدنيا ولمْ تطِبِ
أعني التي مَنْ أراهُ اللهُ صُورتَهَا //نالَ الخلودَ فلمْ يَهْرَمْ ولَمْ يَشِبِ
الخاتمة
وهكذا، وبعدَ هذه العُجَالة، أرجو أنْ أكونَ قدْ ألقيتُ شعاعاً بسيطاً على بعضِ الأوصَافِ العُلويةِ التي أحاطَ الشعراءُ العُذريونَ بها عرائسَ شِعْرِهِمْ، وبما أنَّ العَرَبَ قدْ وسٍمُوهُمْ بالجنون، فينبغي لنا أنْ نُطرِيَ على هذا الجُنونِ لنقول: ( الجنونُ فنونٌ ).
ٍمحمود فالح مهيدات / أبو كارم
تُعَدُّ المرأةُ حَجَرَ الزاويةِ ومِحْورَ الارتكازِ والعَمودَ الفقريِّ في جسمِ الغَزَلِ العُذريِّ. فَمِنْ أهَمِّ سِمَاتِ هذا اللَّونِ مِنَ الغَزَلِ ( أُحَديَّةُ الارتباطِ)، فكان الشاعرُ العُذريُّ يرتبطُ بفتاةٍ واحدةٍ ليس إلاَّ، ولا يلتفتُ إلى سِواهَا، فكانتْ هي وحدُها مصدرَ إلهامِهِ الشِّعْريِّ ومنهلَ عواطِفِهِ ومنبعَ أحاسيسهِ.
وكان الشاعرُ العُذريُّ يجعلُ مِنَ المرأةِ أُنموذجاً فريداً مِنَ الكَمالِ المُتسَامِي الذي لا يُطاولُهُ شيءٌ على الإطلاقِ، فكانتْ المحبوبةُ دائماً رمزاً للطُّهْرِ والعِفَّةِ والنقَاءِ والتَّمَنُّعِ والعِنَادِ، فهي صَخرةٌ كأداءُ صلداءُ لا تلينُ أبداً، وهذه الميِّزةُ كانتْ ذاتَ خصوصيةٍ متميِّزةٍ ومَدْعاةً رئيسةً لزيادةِ التمسُّكِ والتعلُّقِ بالمرأةِ، والانقيادِ والاستسلامِ لحُبِّها.
أمَّا مِنْ حيثُ الصِّفاتُ الجماليةُ والخَلْقِيَّةُ، فقدْ اختارَ الشعراءُ العذريُّونَ أوصافاً عُلويةً لمعبوداتِهمْ مِنَ النساءِ، وحُقَّ لي أنْ أقولَ ( معبوداتهم) لأنَّهمْ كانوا يتَّخِذونَ مِنهُنَّ رمزاً للطُّهْرِ والعِفَّةِ والقدسيةِ، وقدْ اتخذَ بعضُهُمْ معشوقاتِهِمْ أرباباً، كما فعلَ العبَّاسُ بنُ الأحنفِ حين قال:
وجاهلٌ لمْ يَذُق الحُبَّـــــا// لحَى مُحبَّاً دَنِفاً صَبَّــــا
لَوْ ذاقَ لوْعَاتِ الهَوى لمْ يَكنْ// هَوى ( ظَلومٍ ) عنده ذنْبـا
رمَتْ ظَلومٌ بسهامٍ لهَــــا// قلبي فقدْ أقصَدَتْ القلبــا
لو عُبِّدَ المخلوقُ مِنْ حُسْنِـهِ// لأصبحتْ مالكتـي ربَّـــا
وهذا بشَّارُ بنَ بُرْدٍ يَعزفُ على الوَتَرِ ذاتِهِ فيقول:
لَمْ يكنْ لي ربٌّ سوى اللهِ يا عَبْدَ// فما ليَ اتخذتُ وجهَكِ ربَّا
وهذا كُثَيِّرُ عَزَّةَ يقول في معشوقته:
رهبانُ مَدْينَ والذين عهدتُهُـمْ// يبكونَ مِنْ حَذَرِ العذابِ قُعودا
لو يسمعونَ كَمَا سمعتُ حَديثَهَا// خرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُــودا
كان الشاعرُ العذريُّ يعتمدُ كثيراً على الطَّيفِ والأحْلامِ، فَيستشعِرُ لقاءَهُ مَعَ حبيبتِهِ مِنْ خِلالِ الطَّيفِ والرؤى، ومِنْ هذا قولُ المجنون:
وإنِّي لأستغشي ومَا بيَ نَعْسَةٌ// لعلَّ خيالاً منكِ يلقى خَياليا
ومثلُهُ قولُ جميل بثينة:
وإنِّي لأستغشي ومَا بِيَ نَعْسَةٌ// لعلَّ لقاءً في المنام يكونُ
فهو، أي الشاعرُ العُذريُّ، يَحرِصُ على أن يرى طيفَ حبيبتِهِ ويَحْلُمُ بوجهِ فَتاتِه فيَراهُ منيراً ساطعاً كأنَّه الشمسُ في ضُحاهَا والقمرُ في تَمامِهِ، متلألئاً كأنَّه نجمٌ في كَبِدِ السماءِ، لا بَلْ تكون فتاتُهُ نفسُهَا شلاّلاً منيراً أو هَالةً مِنْ نورٍ. وكانتْ هذه الصورةُ العلويةُ الفريدةُ تشحذُ هِمَّةَ الشاعرِ المتيَّمِ وتفجِّرُ شاعريتَهُ، حتى أضْحَى يفضِّلُ فتاتَه على كلِّ شيءٍ، حتى على جَنَّاتِ النَّعِيمِ ومَا فيها مِنْ نَعيمٍ حِسِّيٍّ وروحِيٍّ، ومِنْ هذا قولُ العَباسِ بنِ الأحْنفِ:
ولو خيَّرونيها وخُلْداً منعَّماً// تخيَّرها قلبي ولَمْ يَخْتَرِ الخُلْدَا
بعض الصفات العلوية: لقد اتَّخَذَ العذريون العديدَ مِنَ الصِّفاتِ الجميلةِ لفتياتهمْ، نحو: الرِّيم، الجُؤْذر، المَهَا وغيرها؛ لكنني في هذا المقامِ أقتصرُ الحديثَ عَنِ الصفاتِ العُلويةِ نحو:
الشمس
يقول بشَّارُ بنُ بُرْدٍ:
خليفةُ الشمسِ تكفي الحَيََّ غيبتُهَا// كأنَّما صاغَهَا الخَلاَّقُ مِنْ نُورِ
ويقولُ العبَّاسُ بنُ الأحنف واصفاً حبيبتَه (فَوْزاً):
هيَ الشمسُ مَسْكَنُهَا في السَّمَاء// فعَزَّ الفؤادَ عزاءً جَميـلا
فلنْ تستطيعَ إليهَــا الصُّعـودَ// ولنْ تستطيعَ إليكَ النزولا
فهو يرى بأنَّ ( فوزاً) تظلُّ مع إنسانيتها شمساً في كَبِدِ السَّماءِ متربعةً في عليائِهَا صعبةَ المنالِ لا تطولُهَا يَدُ البَشَرِ. ويقولُ العباسُ أيضاً:
إنِّي طَرِبْتُ إلى شمسٍ إذا طَلَعَتْ// كانتْ مشارفُها جوفَ المقاصيرِ
شمسٌ ممَثَّلةٌ في خَلْقِ جاريـةٍ //كأنَّما كَشْحُهَا طَــيَّ الطوامير
وهذا كُثيِّرُ عَزَّةَ يجعلُ مِنْ حبيبتِهِ عَزَّةَ مَنْ تفوقُ الشمسَ في الحُسْنِ والجَمالِ:
ولَوْ أنَّ عَزَّةَ خاصَمتْ شمسَ الضُّحَى// في الحُسْنِ عِندَ مُوَفِّقٍ لقَضَى لهَا
القمـــر
وإذا ما ذُكِرَ القمرُ، نذكرُ بأنَّه جليسُ العُشَّاقِ وسَميرُهُمْ، وهو الذي يبدِّدُ ظلمةَ الليلِ ودياجيرَ الظلامِ. يقولُ العبَّاسُ بنُ الأحنفِ:
يا مَنْ يُسائلُ عَنْ ( فَوْزٍ ) وصُورتِهَا// إنْ كنتَ لمْ تَرَهَا فانظرْ إلى القَمرِ
وقيسُ بنُ ذَريحٍ يصفُ لُبنى بالبدرِ:
إذا عِبْتُهَا شبَّهْتُهَا البدْرَ طالِعَاً //فَحَسْبُكَ مِنْ عَيْبٍ لهَا مُشْبِهُ البَدْرِ
والمجنونُ يقول في ليلاه:
بيضاءُ خالصةُ البياضِ كأنَّهَا// قَمَرٌ توسَّطَ جنحَ ليلِ مبردِ
كوكـــب
يقولُ كُثيِّرُ عَزَّةَ:
لِعَزَّةَ نارٌ ما تبوخُ كأنَّهَا// إذا ما رمقناهَا مِنَ البُعْدِ كَوكبُ
الفوق بشرية
الحور العين
بشار بن برد يصف حبيبته بالحُورِ العِينِ فيقول:
تمَّتْ قواماً وعمَّتْ في مجاسدِها// كأنها من جواري الجَنَّةِ الحُورِ
أما العباسُ بنُ الأحنفِ فيصفُ حبيبتَه بالنُّورِ وبالحُور وينفي عَنْهَا إنسيَّتَهَا فيقول:
ليسَتْ مِنَ الإنْسِ إلاَّ فـي مُناسَبةٍ// ولا مِنَ الجِنِّ إلاَّ فـــي التصاويرِ
فالجسمُ مِنْ لؤلؤٍ والشَّعْرُ مِنْ ظُلَمٍ// والنَّشْرُ مِنْ مِسْكَةٍ والوَجْهُ مِنْ نُورِ
إنَّ الجَمالَ حَبَا ( فَوْزاً) بِخلعَتِــهِ// حَذْواً بِحَذْوٍ وأصْفَاهَـا بِتَحْويــرِ
ويقول أيضاً نافياً عنها الأشباهَ البَشَريَّةَ:
كأنَّما كانَ في الفِرْدَوسِ مَسْكنُهَا// صَارتْ إلى الناسِ للآياتِ والعِبَرِ
لَمْ يَخْلُق اللهُ في الدنيا لهَا شَبَهاً// إنِّي لأحْسَبُهَا ليستْ مِنَ البَشَـرِ
السِّحْــــرُ
يقول المجنونُ:
هيَ السِّحْرُ إلاَّ إنَّ لِلسِّحْرِ رُقْيَةٌ //وإنِّيَ لا أُلفي لهَا الدَّهْرَ راقِيَا
ريح الجنة
يقولُ جميلُ بثينةَ:
وإنِّي لَمشتاقٌ إلى رِيحِ جَيْبِهَا //كَمَا اشتاقَ إدريسٌ إلى جَنَّةِ الخُلْدِ
ليلة القدر
يقولُ قيسُ بنُ ذَريحٍ:
لقد فضِّلتْ لبنى على الناسِ مثلَمَا //على ألفِ شَهْرٍ فُضِّلتْ ليلةُ القَدْرِ
وقدْ اختُلِفَ في نسبةِ هذا البيتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلى قيسِ بنِ ذَريحٍ، ومنهم مَنْ نَسَبه إلى المجنونِ، قيسِ بنِ الملوَّحِ، ومنهمْ مَنْ نَسَبه إلى جميل بثينة. ومهما يكنْ مِنْ أمْرٍ، فإنَّ الغايةَ مِنَ الاستشهادِ بِهِ، بغضِّ النَظَرِ عَنْ قَائِلهِ، هوَ خِدْمَةُ البحْثِ، كما تَجْدُرُ الإشارةُ هنا إلى أنَّ قائلَ هذا البيتِ قد اقتبسَ معناه مِنَ القرآنِ الكَريمِ، وفي ذلك تعظيمٌ وتقديسٌ للمحبوبةِ.
سر الخلود
يقول العباسُ بنُ الأحنفِ:
يا زَيْنَ مَنْ وَلَدَتْ حِوَّاءُ مِنْ وَلَدٍ// لَوْلاكِ لَمْ تَمْلُحِ الدنيا ولمْ تطِبِ
أعني التي مَنْ أراهُ اللهُ صُورتَهَا //نالَ الخلودَ فلمْ يَهْرَمْ ولَمْ يَشِبِ
الخاتمة
وهكذا، وبعدَ هذه العُجَالة، أرجو أنْ أكونَ قدْ ألقيتُ شعاعاً بسيطاً على بعضِ الأوصَافِ العُلويةِ التي أحاطَ الشعراءُ العُذريونَ بها عرائسَ شِعْرِهِمْ، وبما أنَّ العَرَبَ قدْ وسٍمُوهُمْ بالجنون، فينبغي لنا أنْ نُطرِيَ على هذا الجُنونِ لنقول: ( الجنونُ فنونٌ ).
ٍمحمود فالح مهيدات / أبو كارم