فتون عنفوان الضاد
06-05-2012, 09:30 AM
(48 ساعه)
شتاء قاسي شديد المرارة .. سماء مكتظة حبست بأحداقها دموع المزن
أفق مزدحم بضجيج برق ورعد كأعماقه المليئة بصخب ينذر بشيء قادم من وطن المجهول ..
برفقة مصباح شحيح الضوء وصمت قاتل يلف وجوده ووحدته
وقف أحمد أمام مرآته يتأمل ملامح صورة معلقة على جدار الحياة بلا اطار يحد من فوضويتها تحمل في طياتها أشياء كثر تشبهه شعر مبعثر .. مطر حزن غارق خلف أهداب عينيه .. لحية سوداء نمت أغصانها على عارضيه .. وحلم مستقبل بات كابوس يضج مرقده قد تلاعبت به أيدي الضياع وتحطم على واقع البطالة المر..
عاد أدراجه ليجلس على الكرسي مادا ساقيه بحذر إلى جانب طاولة تزينت بكوب قهوة وعلبة سجائر شارفت على النهاية .. أخذ نفسا عميقا امتلأت به حجرات صدره متحفزا للنهوض لينظم إلى جلستهم العائلية المعتادة قبل أن تتجاوز الساعة التاسعة
نزل الدرج مسرعا ولم يوقف زحف خطواته سوى صدى زوجة أبيه تبث سموم حديثها في أذنه مرددة عبارات السخط بصوت يملأ البيت ضجيجا: ابنك هذا يدفعني للجنون حتى متى وهو يثقل كاهلنا باحتضانه .. لم يبقى معنا من المال إلا ما نتبلّغ به أيامنا المقبلة..
أنت تفهمني ؟ أليس كذلك ؟
تململ الرجل الشيخ في جلسته وعبّ نفساً طويلاً تعثر به قبل أن يتكلم
قاطعته بقولها : الليلة قبل الغد يجب أن تفعلَ شيئاً.
ابنك يجب عليه أن يقتل نفسه في الحياة بات ثقيل الهم تعجز النفس عن تحمله
كل هذه الأموال يجب أن تهبها لابنتك الوحيدة
لا يحق له أن يتمتع بها وهو لا يفعل شيئا ..
وقف للحظات مـتسمـرا في مكانه مـترددا هـل يخرج إليها أم لا وأخيراً وجد نفسه أمامها مستجمعا شجاعته قائلا بعد أن تنهد بحرقة ممسكا بملف تبللت أوراقه من عرق أصابعه حمل بين دفتيه أحلاما طاولت الجوزاء هرست يده أوراقه ملوحا بها في وجهها تعلو صدره الخيبات بصوت متهدج ألما : سلخت من العمر خمس سنين.. ترسف أيامها بخطى متثاقلة تحترقني على أور لهيبها متأبطا كذبة ساذجة تدعى المستقبل أنا يا سيدتي مللت رحلة البحث عن عمل يواري سوءة فراغي ..
أنا يا سيدتي أمنيات معلقة ما بين سندان الدمع ومطرقة الموت فأي موت آخر تبتغيه لي ؟!!
التفتت إليه ورمقته بنظرة متفحصة من رأسه حتى أخمص قدميه فابتسمت ثم ابتسمت وأطلقت ضحكة رنانة كشف عن أسنان صفراء متناثرة في فمها بدون ترتيب بدأ على إثرها انهمار المطر بغزارة ردت عليه بصوت جاف كملامح وجهها يصك مسمعه : أنت سيء الحظ نذير شؤم .. منذ ولادتك ماتت والدتك .. ترى أي خراب ستقوده لهذا البيت بعد ؟! ارحل من هنا اذهب إلى الجحيم إياك أن تعود ثانية .. لا محل لك هنا ولا مكان بيننا . تطلع إليها بجمود كأنه تمثالا قد من صخر ثم استطرد متأملا باشمئزاز ثم انفرجت شفتاه بيسر قائلا : كلنا نؤمن بشيء ما في الحياة .. نؤمن بإنسانية تقطن أعماقنا وأحلام شتى ترافق طفولتنا وشبابنا نترجمها يوما واقعا له بريق الذهب ولم يتبادر لنا يوما أنها ستسحق تحت سادية البشر كأنتِ .. واندفع خارجًا بأقصى سرعته لم يوقفه سوى صوت أبيه يصك أذنيه وهو يصرخ : يا لك من عجوز شمطاء مملة ميتة المشاعر باردة الدم تبًّا لك من قاسية قلب جلَّ اهتمامك أنتِ وابنتك لم تهتمي لشأنه يوما جائعا كان أم شبعان .. دافئا كان أو نائما في العراء .. غارق بأحزانِ الدنيا. لم تربت يدك على كتفيه وما تحرّكَت شفتيك له بمواساة .. فجأة شحب وجهه ارتجفَتْ شفتاه و بسرعةٍ قصوى تعثرت جمله توقَّف عن الحركة والكلام . ازرق وجهه وشفتيه بدأ رأسه يتمايل ويتطوح ذات اليمين وذات الشمال ...
عاد أدراجه مهرولا بأنفاس متقطعة ووجه خائف وأحاسيس متناقضة مبعثرة ما بين الخوف والرهبة حمله مسرعا لأقرب مشفى في محيط منزله وعلى الفور أدخل الرجل العجوز للعناية الفائقة لسوء حالته بعد انتظار ساعة من عمر الزمن قد تزيد وربما تنقص ينتظر فيها وحيدا محدقا في الأفق البعيد تكل عيناه وتتعب يدير رأسه للخلف ويعود بناظره إلى الأمام كرة بعد أخرى متأملا بقايا الأمواج المتكسرة بأعماقه ..
يخرج إليه الطبيب وقد غض طرفه تعثرت جملته على لسانه كما لو كانت تهم أن تقع وتنكسر قائلا: أمامه ثمان وأربعون ساعة تنسلخ من حياته ليصبح بخير أو تؤذن بأفول روحه لتمتد يداك للسماء فهو في خطر ..
عن بعد وقف يتأمل ذاك الوجه العميق الذي تراكمت عليه السنون والطقوس
حاملاً فوق كاهله خمسا وسبعين عاماً متسائلا كم من الأشياء المؤلمة تخفيها تضاريس ملامحه وتخبأها خزائن عقله وتجاويف قلبه ؟ منذ الصغر لازمه إحساس بأن والده رجل عظيم وسر عظمته أنه يجد فيه الشيء ونقيضه على أنه يكره فيه خصلة تمنى لو تزول عنه ولو كان بيده استئصالها وبترها منه كان يشعر أنها كالداء الذي ينخر في جسده كان يخشى عليه ضعفه أمام زوجته وهاهو يسدد فاتورة صمته ثمن غال قد يصل إلى فقدان حياته
ينتفض من مكانه ينظر إلى ساعة يده تمر الساعات ثقيلة الدقائق تتمدد وتتمدد ولا يقطع عليه ضجيج السكون سوى همس شابين برفقة والديهما اللذان كانا في حالة مشابهة لأبيه ....
أحدهما لم تبدو على ملامحه علامات القلق والخوف على والده وكأن المسجى على ذاك السرير الأبيض لا يمت إليه بصله .. اقترب منه أحمد في محاولة لقراءة شخصيته فبادرة بالقول بعد أن ربت على كتفه مطمئنا : ادع له بالشفاء والبقاء على قيد الحياة . رد عليه باقتضاب : لا يهم اتمنى أن ينقضي الأمر وانتهي من سعير الانتظار فقد سئمت رائحة الموت المحيطة باتت أنفاسي تختنق ..
اتسعت عيني أحمد تعجبا قائلا : أهو والدك ؟!! فأجابه الشاب : هذا ما تقوله الأوراق الرسمية غير أنه لم يكن يوما ماء يروي جدب حياتي ويخصب تربة وجودي لم يتوانى عن كيل الصفعات لي كل يوم بقسوة عن سابقه مُلئت طيات حياتي معه بالخوف ومشاعري بالكره لا يهمني عاش أو مات ... ولاذ للصمت والعبث بهاتفه النقال من جديد ..
الآخر كان يجلس على يساره بصحبة كومة من الأوراق وآلة حاسبه قضى جل وقته
في الانتقال بين رقم وآخر يبتسم لهذا العدد ويعبس في وجه الآخر..
قال أحمد مخاطبا إياه : العمل قيود لا خلاص منها حتى في أحلك الأوقات تشغلنا . رمق أحمد بنظرة ساخرة وعاد مرة أخرى إلى أرقامه مرددا ربما في الغد أو بعده يشغلني العمل الذي تعنيه ..
سأله احمد : ما الذي بين يديك إن لم يكن عملا تقتات منه ؟!
اكمل ابتسامته مجيبا عن تساؤله هذه يا سيدي احصائية تقريبية لما سيكون لي من ميراث والدي ..
تنهد أحمد بألم تخيفه تلك الملامح الداكنة التي تشوه بشراهة ملامح البشر لكن والدك لم يمت بعد ..
نظر الفتى لساعته مردفا إنها ساعات تزيد وتنقص وتكون النهاية آن لوالدي أن يستريح من عناء هذه الحياة ويترك لنا مضمار الجري فيها لوحدنا مللنا وصايته علينا
والتحكم في مصائرنا سئمنا تقتيره علينا آن لنا أن نتمتع بتلك الأموال المتكدسة في المصارف بدون حراك .
استأذن من احمد وعاد ليغرق في عملياته الحسابية ومتابعة موت ساعات ودقائق حياة والده ..
تنفس أحمد الصعداء .. بدا له الجو خانقا .. عاد برأسه إلى الوراء .. أغمض عينيه وغاصت روحه في رمال ذاكرته يظهر له والده يلوح له من بعيد ... عائداً من عمله مع نهاية كل نهار حاملاً بيده كيساً صغيراً مملوء بكل ما يحبه .يطأطئ الصبي رأسه في فرح متعلقا برقبة والده حبا ..حتى بعد أن انسلخت سنون حياته واحتراقه بأور أيام حياته برفقة زوجة والده لاتزال تلك اليد الحانية تربت على كتفه وتغدق عليه العطاء
انحدرت دمعة غزيرة من عينه بللت ثوبه متخيلا كيف هي حياته دون أبيه تلسعه بعدها نسمة هواء باردة انفرج معها باب العناية الفائقة توقفت فجأة للتوقف معها الحياة و الذكريات و كل شيء توقف فجأة .. ..
انتهت
الفتون عنفوان الضاد
شتاء قاسي شديد المرارة .. سماء مكتظة حبست بأحداقها دموع المزن
أفق مزدحم بضجيج برق ورعد كأعماقه المليئة بصخب ينذر بشيء قادم من وطن المجهول ..
برفقة مصباح شحيح الضوء وصمت قاتل يلف وجوده ووحدته
وقف أحمد أمام مرآته يتأمل ملامح صورة معلقة على جدار الحياة بلا اطار يحد من فوضويتها تحمل في طياتها أشياء كثر تشبهه شعر مبعثر .. مطر حزن غارق خلف أهداب عينيه .. لحية سوداء نمت أغصانها على عارضيه .. وحلم مستقبل بات كابوس يضج مرقده قد تلاعبت به أيدي الضياع وتحطم على واقع البطالة المر..
عاد أدراجه ليجلس على الكرسي مادا ساقيه بحذر إلى جانب طاولة تزينت بكوب قهوة وعلبة سجائر شارفت على النهاية .. أخذ نفسا عميقا امتلأت به حجرات صدره متحفزا للنهوض لينظم إلى جلستهم العائلية المعتادة قبل أن تتجاوز الساعة التاسعة
نزل الدرج مسرعا ولم يوقف زحف خطواته سوى صدى زوجة أبيه تبث سموم حديثها في أذنه مرددة عبارات السخط بصوت يملأ البيت ضجيجا: ابنك هذا يدفعني للجنون حتى متى وهو يثقل كاهلنا باحتضانه .. لم يبقى معنا من المال إلا ما نتبلّغ به أيامنا المقبلة..
أنت تفهمني ؟ أليس كذلك ؟
تململ الرجل الشيخ في جلسته وعبّ نفساً طويلاً تعثر به قبل أن يتكلم
قاطعته بقولها : الليلة قبل الغد يجب أن تفعلَ شيئاً.
ابنك يجب عليه أن يقتل نفسه في الحياة بات ثقيل الهم تعجز النفس عن تحمله
كل هذه الأموال يجب أن تهبها لابنتك الوحيدة
لا يحق له أن يتمتع بها وهو لا يفعل شيئا ..
وقف للحظات مـتسمـرا في مكانه مـترددا هـل يخرج إليها أم لا وأخيراً وجد نفسه أمامها مستجمعا شجاعته قائلا بعد أن تنهد بحرقة ممسكا بملف تبللت أوراقه من عرق أصابعه حمل بين دفتيه أحلاما طاولت الجوزاء هرست يده أوراقه ملوحا بها في وجهها تعلو صدره الخيبات بصوت متهدج ألما : سلخت من العمر خمس سنين.. ترسف أيامها بخطى متثاقلة تحترقني على أور لهيبها متأبطا كذبة ساذجة تدعى المستقبل أنا يا سيدتي مللت رحلة البحث عن عمل يواري سوءة فراغي ..
أنا يا سيدتي أمنيات معلقة ما بين سندان الدمع ومطرقة الموت فأي موت آخر تبتغيه لي ؟!!
التفتت إليه ورمقته بنظرة متفحصة من رأسه حتى أخمص قدميه فابتسمت ثم ابتسمت وأطلقت ضحكة رنانة كشف عن أسنان صفراء متناثرة في فمها بدون ترتيب بدأ على إثرها انهمار المطر بغزارة ردت عليه بصوت جاف كملامح وجهها يصك مسمعه : أنت سيء الحظ نذير شؤم .. منذ ولادتك ماتت والدتك .. ترى أي خراب ستقوده لهذا البيت بعد ؟! ارحل من هنا اذهب إلى الجحيم إياك أن تعود ثانية .. لا محل لك هنا ولا مكان بيننا . تطلع إليها بجمود كأنه تمثالا قد من صخر ثم استطرد متأملا باشمئزاز ثم انفرجت شفتاه بيسر قائلا : كلنا نؤمن بشيء ما في الحياة .. نؤمن بإنسانية تقطن أعماقنا وأحلام شتى ترافق طفولتنا وشبابنا نترجمها يوما واقعا له بريق الذهب ولم يتبادر لنا يوما أنها ستسحق تحت سادية البشر كأنتِ .. واندفع خارجًا بأقصى سرعته لم يوقفه سوى صوت أبيه يصك أذنيه وهو يصرخ : يا لك من عجوز شمطاء مملة ميتة المشاعر باردة الدم تبًّا لك من قاسية قلب جلَّ اهتمامك أنتِ وابنتك لم تهتمي لشأنه يوما جائعا كان أم شبعان .. دافئا كان أو نائما في العراء .. غارق بأحزانِ الدنيا. لم تربت يدك على كتفيه وما تحرّكَت شفتيك له بمواساة .. فجأة شحب وجهه ارتجفَتْ شفتاه و بسرعةٍ قصوى تعثرت جمله توقَّف عن الحركة والكلام . ازرق وجهه وشفتيه بدأ رأسه يتمايل ويتطوح ذات اليمين وذات الشمال ...
عاد أدراجه مهرولا بأنفاس متقطعة ووجه خائف وأحاسيس متناقضة مبعثرة ما بين الخوف والرهبة حمله مسرعا لأقرب مشفى في محيط منزله وعلى الفور أدخل الرجل العجوز للعناية الفائقة لسوء حالته بعد انتظار ساعة من عمر الزمن قد تزيد وربما تنقص ينتظر فيها وحيدا محدقا في الأفق البعيد تكل عيناه وتتعب يدير رأسه للخلف ويعود بناظره إلى الأمام كرة بعد أخرى متأملا بقايا الأمواج المتكسرة بأعماقه ..
يخرج إليه الطبيب وقد غض طرفه تعثرت جملته على لسانه كما لو كانت تهم أن تقع وتنكسر قائلا: أمامه ثمان وأربعون ساعة تنسلخ من حياته ليصبح بخير أو تؤذن بأفول روحه لتمتد يداك للسماء فهو في خطر ..
عن بعد وقف يتأمل ذاك الوجه العميق الذي تراكمت عليه السنون والطقوس
حاملاً فوق كاهله خمسا وسبعين عاماً متسائلا كم من الأشياء المؤلمة تخفيها تضاريس ملامحه وتخبأها خزائن عقله وتجاويف قلبه ؟ منذ الصغر لازمه إحساس بأن والده رجل عظيم وسر عظمته أنه يجد فيه الشيء ونقيضه على أنه يكره فيه خصلة تمنى لو تزول عنه ولو كان بيده استئصالها وبترها منه كان يشعر أنها كالداء الذي ينخر في جسده كان يخشى عليه ضعفه أمام زوجته وهاهو يسدد فاتورة صمته ثمن غال قد يصل إلى فقدان حياته
ينتفض من مكانه ينظر إلى ساعة يده تمر الساعات ثقيلة الدقائق تتمدد وتتمدد ولا يقطع عليه ضجيج السكون سوى همس شابين برفقة والديهما اللذان كانا في حالة مشابهة لأبيه ....
أحدهما لم تبدو على ملامحه علامات القلق والخوف على والده وكأن المسجى على ذاك السرير الأبيض لا يمت إليه بصله .. اقترب منه أحمد في محاولة لقراءة شخصيته فبادرة بالقول بعد أن ربت على كتفه مطمئنا : ادع له بالشفاء والبقاء على قيد الحياة . رد عليه باقتضاب : لا يهم اتمنى أن ينقضي الأمر وانتهي من سعير الانتظار فقد سئمت رائحة الموت المحيطة باتت أنفاسي تختنق ..
اتسعت عيني أحمد تعجبا قائلا : أهو والدك ؟!! فأجابه الشاب : هذا ما تقوله الأوراق الرسمية غير أنه لم يكن يوما ماء يروي جدب حياتي ويخصب تربة وجودي لم يتوانى عن كيل الصفعات لي كل يوم بقسوة عن سابقه مُلئت طيات حياتي معه بالخوف ومشاعري بالكره لا يهمني عاش أو مات ... ولاذ للصمت والعبث بهاتفه النقال من جديد ..
الآخر كان يجلس على يساره بصحبة كومة من الأوراق وآلة حاسبه قضى جل وقته
في الانتقال بين رقم وآخر يبتسم لهذا العدد ويعبس في وجه الآخر..
قال أحمد مخاطبا إياه : العمل قيود لا خلاص منها حتى في أحلك الأوقات تشغلنا . رمق أحمد بنظرة ساخرة وعاد مرة أخرى إلى أرقامه مرددا ربما في الغد أو بعده يشغلني العمل الذي تعنيه ..
سأله احمد : ما الذي بين يديك إن لم يكن عملا تقتات منه ؟!
اكمل ابتسامته مجيبا عن تساؤله هذه يا سيدي احصائية تقريبية لما سيكون لي من ميراث والدي ..
تنهد أحمد بألم تخيفه تلك الملامح الداكنة التي تشوه بشراهة ملامح البشر لكن والدك لم يمت بعد ..
نظر الفتى لساعته مردفا إنها ساعات تزيد وتنقص وتكون النهاية آن لوالدي أن يستريح من عناء هذه الحياة ويترك لنا مضمار الجري فيها لوحدنا مللنا وصايته علينا
والتحكم في مصائرنا سئمنا تقتيره علينا آن لنا أن نتمتع بتلك الأموال المتكدسة في المصارف بدون حراك .
استأذن من احمد وعاد ليغرق في عملياته الحسابية ومتابعة موت ساعات ودقائق حياة والده ..
تنفس أحمد الصعداء .. بدا له الجو خانقا .. عاد برأسه إلى الوراء .. أغمض عينيه وغاصت روحه في رمال ذاكرته يظهر له والده يلوح له من بعيد ... عائداً من عمله مع نهاية كل نهار حاملاً بيده كيساً صغيراً مملوء بكل ما يحبه .يطأطئ الصبي رأسه في فرح متعلقا برقبة والده حبا ..حتى بعد أن انسلخت سنون حياته واحتراقه بأور أيام حياته برفقة زوجة والده لاتزال تلك اليد الحانية تربت على كتفه وتغدق عليه العطاء
انحدرت دمعة غزيرة من عينه بللت ثوبه متخيلا كيف هي حياته دون أبيه تلسعه بعدها نسمة هواء باردة انفرج معها باب العناية الفائقة توقفت فجأة للتوقف معها الحياة و الذكريات و كل شيء توقف فجأة .. ..
انتهت
الفتون عنفوان الضاد