الراقي
07-05-2012, 08:24 PM
في حارة من حواري أم القرى
مكة المكرمة مهبط الوحي
دارت أحداث هذه القصة القصيرة
مع ( عمّ السيد )
شيخ مسن لا نعرف عنه إلا معلومة واحدة
هي :
أنه ( عمّ السيد )
في الثمانينات من العمر
يتظاهر أمامنا بالفرح
ويخفي خلف ذلك الفرح ألماً قاتلا ًوحزناً دفيناً
لا أهل ولا ولد ولا يملك من حطام الدنيا إلا أربعة جدران تُسمى بيتا
يؤويه هو وزوجته الضريرة التي لانعرف لها اسماً
كانت لا تستطيع الحركة فكان ( عم السيد ) هو من يقوم بكل لوازمها وطلباتها
لم أرها في حياتي سوى مرة واحدة عندما وقعت (الكرة ) داخل بيتها
وطُلب مني أن آتي بالكرة
فدخلت وهالني ما رأيت
طبعاً لم أدخل من الباب لأنه كان موصداً بقفل
وإنما تسلّقت الجدار ونزلت إلى داخل البيت
رأيت بيتاً ليس كالبيوت
لم يكن بداخله إلا ( الكراتين ) الفارغة فقط
لا أدري لماذا ؟؟؟
ثم بحثت عن الكرة لأجدها بعد ذلك في أحد تلك الكراتين
ومع تحريكي لتلك الكراتين تحركت تلك العجوز وأطلت برأسها من داخل الغرفة الوحيدة
وإذا بها عجوز عمياء شعرها أشيب أظافرها طويلة نحيلة الجسم تتكلم بعبارات غير مفهومة
ووالله لقد كاد الدم يتوقف في عروقي
قفزت على الكراتين لأصعد فإذا بالكراتين تسقط ومعها يسقط قلبي
وهي تصيح بصوت واهن
وأنا أرتجف وأنا أرتب الكراتين
قذفت الكرة خارجاً واستجمعت قوتي واستطعت أن أتسلق الجدار
ويعلم الله انني لم أجرؤ على الالتفات إليها وانا بالأعلى
خرجت لرفقتي وكانوا يضحكون عليّ بأعلى أصواتهم وأنا مرعوب مما حصل لي
نعود إلى ( عم السيد)
كان شيخاً كبيراً يبيعنا ( الطرشي ) بربع ريال
فنجد لذلك الطرشي مذاقاً خاصا يجعلنا ندمن عليه
ويبيعنا أيضا ( حلاوة مصاص ) معفاة من تاريخ الانتهاء
يجلس معنا ويحكي لنا الحكايات
ويغني لنا وأحيانا يتراقص بجسده المثقل بهموم الحياة ونكران الجميل
أذكر أنه في ليلة عيد الفطر السعيد في عام 1400 هـ ــ 1980 م تقريباً
جمعنا وأخذ يقص علينا كيفية استقبالهم للعيد قديماً
وأخذ يرقص ونحن معه يصفّق بيديه ونحن من خلفه
ما أجملها من لحظات !!!!
لحظات بعيدة عن التصنع والزيف
ومرت سنة وأخرى وثالثة
و ( عم السيد )
يتلاشى شيئاً فشيئاً
وتتثاقل حركته
حتى إنه بالكاد يسير على قدميه والعصا
ويمرض ويذهب للمستشفى وفي طريقه
اصطدمت به سيارة
فسقط على الأرض
كانت صدمة خفيفة
لكنها كانت كفيلة بانتزاع روحه المتعبة
مات ( عم السيد )
ولم نعلم بالخبر إلا بعد عدة أيام عندما افتقدنا وجوده في كل عصرية
أمام باب بيته
وظل بالثلاجة لعدة أيام
لم يتقدم أحد من أقاربه
في تلك الأثناء انتظرته عجوزه انتظارا طويلا
علّه يعود وكانت هي الأخرى قد تعطلت حركتها تماما
أغمضت عينيها لعله يأتي ( عم السيد ) فيوقظها ويعطيها جرعة ماء تروي ظمأها
لكنه أغمض عينيه
وهي أيضا لم تفتح عينيها بعد تلك المرة
مات الاثنان
حزنت الحارة كلها على فقدانهما فقد كانت فاجعة
وبعد عدّة أيام
إذا بالبيت يهدم
وعلى أنقاض ذلك البيت الذي امتلأ حباً ووفاءً وتضحيةً في زمن ( عم السيد )
تقوم (عمارة ) بُنيت على نكران الجميل والعقوق
أتدرون من بناها ؟!!
إنها ابنتهم الوحيدة
زوجة الغني الفلاني صاحبة الأملاك والسيارات
التي كانت تتحرج من الدخول إلى الحارة
وتتحرج أن يراها الناس وهي تدخل بيت أبيها وامها
جحود ونكران وعقوق جمعتها هذه البنت لتكون رصيداً تقابل به ربها يوم القيامة
ومنذ ذلك اليوم
أدركت أنا ومن معي من ( عيال الحارة )
ذلك السر الذي كان يخفيه عنا ( عم السيد )
والذي احتفظ به إلى آخر لحظة من لحظات حياته الطاهرة
قصة واقعية
الأستاذ / محمد الزهراني
مكة المكرمة
مكة المكرمة مهبط الوحي
دارت أحداث هذه القصة القصيرة
مع ( عمّ السيد )
شيخ مسن لا نعرف عنه إلا معلومة واحدة
هي :
أنه ( عمّ السيد )
في الثمانينات من العمر
يتظاهر أمامنا بالفرح
ويخفي خلف ذلك الفرح ألماً قاتلا ًوحزناً دفيناً
لا أهل ولا ولد ولا يملك من حطام الدنيا إلا أربعة جدران تُسمى بيتا
يؤويه هو وزوجته الضريرة التي لانعرف لها اسماً
كانت لا تستطيع الحركة فكان ( عم السيد ) هو من يقوم بكل لوازمها وطلباتها
لم أرها في حياتي سوى مرة واحدة عندما وقعت (الكرة ) داخل بيتها
وطُلب مني أن آتي بالكرة
فدخلت وهالني ما رأيت
طبعاً لم أدخل من الباب لأنه كان موصداً بقفل
وإنما تسلّقت الجدار ونزلت إلى داخل البيت
رأيت بيتاً ليس كالبيوت
لم يكن بداخله إلا ( الكراتين ) الفارغة فقط
لا أدري لماذا ؟؟؟
ثم بحثت عن الكرة لأجدها بعد ذلك في أحد تلك الكراتين
ومع تحريكي لتلك الكراتين تحركت تلك العجوز وأطلت برأسها من داخل الغرفة الوحيدة
وإذا بها عجوز عمياء شعرها أشيب أظافرها طويلة نحيلة الجسم تتكلم بعبارات غير مفهومة
ووالله لقد كاد الدم يتوقف في عروقي
قفزت على الكراتين لأصعد فإذا بالكراتين تسقط ومعها يسقط قلبي
وهي تصيح بصوت واهن
وأنا أرتجف وأنا أرتب الكراتين
قذفت الكرة خارجاً واستجمعت قوتي واستطعت أن أتسلق الجدار
ويعلم الله انني لم أجرؤ على الالتفات إليها وانا بالأعلى
خرجت لرفقتي وكانوا يضحكون عليّ بأعلى أصواتهم وأنا مرعوب مما حصل لي
نعود إلى ( عم السيد)
كان شيخاً كبيراً يبيعنا ( الطرشي ) بربع ريال
فنجد لذلك الطرشي مذاقاً خاصا يجعلنا ندمن عليه
ويبيعنا أيضا ( حلاوة مصاص ) معفاة من تاريخ الانتهاء
يجلس معنا ويحكي لنا الحكايات
ويغني لنا وأحيانا يتراقص بجسده المثقل بهموم الحياة ونكران الجميل
أذكر أنه في ليلة عيد الفطر السعيد في عام 1400 هـ ــ 1980 م تقريباً
جمعنا وأخذ يقص علينا كيفية استقبالهم للعيد قديماً
وأخذ يرقص ونحن معه يصفّق بيديه ونحن من خلفه
ما أجملها من لحظات !!!!
لحظات بعيدة عن التصنع والزيف
ومرت سنة وأخرى وثالثة
و ( عم السيد )
يتلاشى شيئاً فشيئاً
وتتثاقل حركته
حتى إنه بالكاد يسير على قدميه والعصا
ويمرض ويذهب للمستشفى وفي طريقه
اصطدمت به سيارة
فسقط على الأرض
كانت صدمة خفيفة
لكنها كانت كفيلة بانتزاع روحه المتعبة
مات ( عم السيد )
ولم نعلم بالخبر إلا بعد عدة أيام عندما افتقدنا وجوده في كل عصرية
أمام باب بيته
وظل بالثلاجة لعدة أيام
لم يتقدم أحد من أقاربه
في تلك الأثناء انتظرته عجوزه انتظارا طويلا
علّه يعود وكانت هي الأخرى قد تعطلت حركتها تماما
أغمضت عينيها لعله يأتي ( عم السيد ) فيوقظها ويعطيها جرعة ماء تروي ظمأها
لكنه أغمض عينيه
وهي أيضا لم تفتح عينيها بعد تلك المرة
مات الاثنان
حزنت الحارة كلها على فقدانهما فقد كانت فاجعة
وبعد عدّة أيام
إذا بالبيت يهدم
وعلى أنقاض ذلك البيت الذي امتلأ حباً ووفاءً وتضحيةً في زمن ( عم السيد )
تقوم (عمارة ) بُنيت على نكران الجميل والعقوق
أتدرون من بناها ؟!!
إنها ابنتهم الوحيدة
زوجة الغني الفلاني صاحبة الأملاك والسيارات
التي كانت تتحرج من الدخول إلى الحارة
وتتحرج أن يراها الناس وهي تدخل بيت أبيها وامها
جحود ونكران وعقوق جمعتها هذه البنت لتكون رصيداً تقابل به ربها يوم القيامة
ومنذ ذلك اليوم
أدركت أنا ومن معي من ( عيال الحارة )
ذلك السر الذي كان يخفيه عنا ( عم السيد )
والذي احتفظ به إلى آخر لحظة من لحظات حياته الطاهرة
قصة واقعية
الأستاذ / محمد الزهراني
مكة المكرمة