رهام
01-12-2013, 04:23 PM
الحضارات العالمية قبل الإسلام
الحضارات
العالمية قبل الإسلام
بداية
قد نتساءل: لماذا الحديث عن الفترة السابقة للإسلام؟
والإجابة:
لأنك لن تدرك قيمة النور إلا إذا عرفت الظلام، وفي هذا المجال تكفينا
الإشارة إلى حديث
رسول الله r
الذي أخرجه
مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي t،
والذي يوضح حال
الأرض قبل بعثته r
"إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ
إلى أَهْلِ الأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ
بَقَايَا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ". فقد وصل حال الناس إلى درجة من
الانحطاط جلبت عليهم مقت الله I،
والمقت هو شدة الكراهية.
واستخدام
الرسول r
للتعبير بكلمة (بقايا) يوحي بالأثرية، أي كأنهم آثار من عهود
سحيقة لا قيمة لها في واقع الناس، ومن جانب آخر فإنّ هذه البقايا لم تشكل
مجتمعات
كاملة، بل كانت أفرادًا معدودين: رجلاً في مدينة ما، وآخر في مدينة ثانية
تبعد عن
الأولى مئات الأميال، وهكذا.
إذن،
تعالَوْا نخترق حدود الزمان والمكان:
-
نخترق حدود الزمان لنصل إلى ما قبل بعثة رسول الله
-
ونخترق حدود المكان لنصل إلى كل بقعة على الأرض كانت تعاصر رسول الi
ونتجول بين الشرق والغرب لنطالع أحوال الناس والملوك، والأخلاق والطباع،
ونكتشف
حقيقة ما سمِّي بالحضارات في ذلك الزمن.
الدولة
الرومية دولة مترامية الأطراف، كانت تشغل ثلاثة أرباع قارة أوربا تقريبًا،
وقد
أنزل الله U
سورة في القرآن تبدأ بذكر هزيمة الروم من الفرس ثم انتصارهم
عليهم، وسماها سورة الروم، هذه الإمبراطورية الضخمة كانت منقسمة إلى قسميْن
رئيسيين:
*
الدولة الروميّة الغربيّة وعاصمتها (روما) وكانت قد سقطت.
*
الدولة الرومانيّة الشرقيّة وعاصمتها (القسطنطينيّة)، وهي التي حملت لواء
النصرانية في العالم وقتها، وكان ملكها هو القيصر هرقل (والقيصر لقب
لإمبراطور
القسطنطينية).
(أ) الحالة الدينية
-
مزقت الخلافات العقائدية بين طوائف النصارى أواصر هذه الدولة، فقد كانت
خلافاتهم
بشعة، فالخلاف بين المذهب الأرثوذكسي والكنيسة الشرقية من ناحية، والمذهب
الكاثوليكي والكنيسة الغربية من ناحية أخرى كان خلافًا حادًّا أسفر عن حروب
مدمرة
قتل فيها عشرات الآلاف.
بل
في داخل الدولة الرومانية الأرثوذكسية الشرقية ذاتها اشتعلت الخلافات
العقيمة بين
طائفة الملكانية -وهم على مذهب الملك- التي تعتقد بازدواجية طبيعة المسيح،
أي أنّ
له طبيعتين: بشرية وإلهية. وطائفة المنوفيسية -وهم أهل مصر والحبشة- التي
تعتقد
بطبيعة إلهية واحدة للمسيح، وكانت طائفة الملكانية تقوم بتعذيب للطائفة
الأخرى
تعذيبًا بشعًا، فيحرقونهم أحيانًا، ويغرقونهم أحيانًا أخرى، مع أنهم جميعًا
أبناء
مذهب واحد هو الأرثوذكسية.
وهذه
الخلافات العقائدية ما زالت مستعرةً حتى الآن، فكل طائفة قد يختلف كتابها
المقدس
عن الأخرى في أجزاء، كما أن لكل طائفة كنائسها التي لا تسمح لأبناء الطائفة
الأخرى
بالصلاة فيها، ولهذا كله كان الفتح الإسلامي لمصر يشكل لأقباطها خلاصًا من
اضطهاد
وتعذيب الدولة الرومانية لهم، فقد رحمهم المسلمون من هذا الاضطهاد وتركوا
من شاء
منهم على دينه.
-
البابا في إيطاليا كان الناس يسجدون له، ويقبلون قدمه حتى يأذن لهم
بالقيام، كما
في المسالك والممالك للبكري رحمه الله.
(ب) الحالة الأخلاقية
-
أصيبت الدولة الرومانية بانحلال خلقي عظيم، نتج عن تأخر سن الزواج بسبب
تركز
الثروات الضخمة في أيدي قلّة قليلة من أولي النفوذ، بينما يعيش الشعب في
فقر شديد،
فلم يعد الشباب يملك ما يتزوج به، فانصرف إلى الزنا، والعلاقات المشبوهة،
وفضل
العزوبة على الزواج.
-
أصبحت الرشوة أصلاً في التعامل مع موظفي الدولة، لإنجاز أي عمل أو الحصول
على أي
حق.
-
الوحشية في الطباع: وقد تمثل ذلك في لهوهم، وفي حروبهم على السواء:
ففي
اللهو كان من وسائل التسلية لديهم: صراع العبيد مع الوحوش المفترسة في
أقفاص
مغلقة، بينما يستمتع الأمراء والوزراء بمشاهدة الوحوش وهي تفترس العبيد.
وفي
حروبهم: كانوا يتعاملون مع عدوهم بهمجية ووحشية؛ فعلى سبيل المثال: في عهد
الإمبراطور (فسبسيان)، حاصر الرومان اليهود في القدس -وكان اليهود يسمونها
أورشليم- لمدة خمسة أشهر، انتهت في سبتمبر سنة (70) ميلادية، ثم سقطت
المدينة في
أشد هزيمة مهينة عرفها التاريخ. لماذا نسميها مهينة؟
لأن
الرومان أمروا اليهود أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم بأيديهم، وقد استجاب
اليهود لهم
من شدة الرعب، وطمعًا في النجاة فهم أحرص الناس على حياة ولو كانت حياة
ذليلة
مهينة، ثم بدأ الرومان يجرون القرعة بين كل يهوديين، ومن يفوز بالقرعة يقوم
بقتل
صاحبه، حتى أبيد اليهود في القدس عن آخرهم، وسقطت دولتهم، ولم ينجُ منهم
سوى
الشريد وأولئك الذين كانوا يسكنون في أماكن بعيدة.
(ج) الحالة الاجتماعية
-
فرضت الدولة الضرائب الباهظة على كل السكان البلاد، وكان أكثرها وأثقلها
على
الفقراء دون الأغنياء.
-
كان المجتمع الروماني ينقسم إلى أحرار وهم السادة، وعبيد وهم ثلاثة أضعاف
الأحرار
من حيث العدد، ولا يتمتعون بأية حقوق بل مصيرهم في أيدي سادتهم، كما أنهم
ليس لهم
أي احترام وسط المجتمع، لدرجة أن الفيلسوف (أفلاطون) صاحب فكرة المدينة
الفاضلة
(يوتوبيا) كان يرى أنه يجب ألا يعطى العبيد حق المواطنة.
الحضارة الفارسية قبل الإسلام
كان
الوضع في تلك الدولة يمثل مأساة حضارية بكل المقاييس في كل الجوانب
الأخلاقيّة، والاجتماعيّة،
والدينيّة على السواء
(أ) الحالة الأخلاقيّة
-
انتشر الانحلال الأخلاقي، حتى سقط الفرس في مستنقع زواج المحارم فـ (كسرى
يزدجرد
الثاني) كان متزوجًا من ابنته ثمّ قتلها، وتزوج (بهرام جوبين) بأخته، ومنهم
من
تزوج أمه، ولم يكن هذا الداء منتشرًا في الأمم في ذلك العصر، بل كان
مستقبحًا،
وكانت كل المجتمعات تستنكر على الفرس نكاحهم المحارم.
-
في عهد (قباذ) ظهر رجل يذكر في الفلاسفة، بينما هو في الواقع مصيبة وكارثة
ضربت
الفرس في مقتل، فقد قال: إنّ الناس سواسية في كل شيء. وهذه الكلمة ظاهرها
طيب،
ولكنّ باطنها خبيث، فهو لم يدعُ إلى المساواة في الحقوق والواجبات،
والمعاملات
والاحترام، بل دعا إلى اشتراك الناس في المال والنساء، أي هم متساوون في
ملكية
هذين الشيئين، فهي في حقيقتها دعوة شيوعية خبيثة.
فأصبح
الرجل القويُّ يدخل على الرجل الضعيف بيته، فيغلبه على ماله وزوجته،
والضعيف لا
يستطيع أن يعترض، فقد صارت الشيوعية دينًا لهم، وليس هناك احترام للملكية
الخاصة،
فامتنع الناس عن العمل، لعدم استفادتهم بما يكسبونه من أجر، وعمّت السرقات
التي
صارت الطريق الأسهل للحصول على المال، وباركها (كسرى قباذ) الذي كان يرى
ذلك
دينًا، وفسد الناس كلهم أجمعون.
قارن
هذا الموقف بموقف رسول الله r
الذي يقول: "وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ
سَرَقَتْ
لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
(ب) الحالة الاجتماعية
-
تقديس الأكاسرة: فقد كانوا يعتقدون أن الأكاسرة تجري بعروقهم دماء إلهية،
وأنهم
فوق البشر، وفوق القانون، فكانوا يعظمونهم؛ فكان الرجل إذا دخل على كسرى
ارتمى
ساجدًا على الأرض، فلا يقوم حتى يؤذن له.
-
كانوا يقفون أمام كسرى حسب طبقاتهم، فأقرب الناس إليه هم طبقة الكهَّان،
والأمراء
والوزراء، وهؤلاء يقفون على مسافة خمسة أمتارٍ منه، ومن هم أقل منهم فكانوا
يقفون
على مسافة عشرة أمتار من كسرى.
-
كانوا يضعون على أفواههم غلالة من القماش الأبيض الرقيق إذا دخلوا على كسرى
حتى لا
يلوثوا الحضرة الملكية بأنفاسهم.
يفعلون
ذلك بينما كان رسول الله r
إذا استقبله رجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع،
ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم يُرَ مقدمًا
ركبتيه بين
يدي جليس له (أي يتواضع لجليسه فلا يمد رجله أمامه). روى ذلك الترمذي وابن
ماجه عن
أنس t.
-
كانت مكانة الإنسان في المجتمع الفارسي تخضع لنظام شديد الطبقية، وفيه
مهانة كبيرة
للإنسانية فكان المجتمع مقسمًا إلى سبع طبقات:
*
طبقة الأكاسرة: وهي أعلى الطبقات وأرقاها.
*
طبقة الأشراف: وهي سبع عائلات لا يتخطاها الشرف إلى غيرها.
*
طبقة رجال الدين.
*
طبقة قوّاد الجيش ورجال الحرب.
*
طبقة المثقفين: من الكُتّاب والأطباء والشعراء (لذا ليس مستغربًا أن يعمَّ
الجهل،
وتنتشر الخرافات في المجتمع، طالما أن أهل العلم في المؤخرة).
*
طبقة الدهاقين: وهم رؤساء القرى، وجامعو الضرائب.
*
عامة الشعب: وهم أكثر من 90% من مجموع سكان فارس من العمال والفلاحين،
والتجار
والجنود والعبيد، وهؤلاء ليس لهم حقوق بالمرة، لدرجة أنهم كانوا يربطون في
المعارك
بالسلاسل؛ ففي موقعة (الأُبلَّة) أولى المواقع الإسلامية في فارس بقيادة
خالد بن
الوليد t،
كان
الفُرس يربطون ستين ألفًا من الجنود بالسلاسل كي لا يهربوا، كل سلسلة تضم
عشرة
جنود، كيف يستطيع هؤلاء في سلاسلهم أن يحاربوا قومًا وصفهم خالد بن الوليد t
في
رسالته إلى زعيم الأبلة بقوله: "جئتكم برجال يحبون الموت، كما تحبون أنتم
الحياة".
(ج) الحالة السياسية
كان
الملك في فارس مقتصرًا على بيت واحد فقط هو البيت الساساني، فإذا لم يجدوا
رجلاً
يولونه عليهم من آل ساسان، ولوا أمرهم طفلاً صغيرًا كما فعلوا مع (أزدشير
بن
شيرويه) سبع سنوات، وإن لم يجدوا طفلاً ولّوا أمرهم امرأة كما حدث مع
(بوران بنت
كسرى).
(د) الحالة الدينية
-
كانت الديانة السائدة في فارس هي عبادة النار، وهي ديانة (زرادشت)، وهو
الذي دعا
إلى تقديس النار، وقال: إنّ نور الإله يسطع في كل ما هو مشرق ملتهب، وحرّم
الأعمال
التي تتطلب نارًا، فاكتفى بالزراعة والتجارة فقط (وقد عدّه صاحب كتاب
"الخالدون
مائة وأعظمهم محمد r"
من الخالدين، فجعله في المرتبة التاسعة والثمانين)؛ لأن
ديانته محلية بينما ديانة رسول الله r،
وديانة المسيح u عالمية، وفي الحقيقة هذا ميزان قبيح؛ لأنه
يجمع الأنبياء العظام الموحى إليهم مع كذَّاب وضّاع، ألّف دينًا، وخرج به
على
الناس.
ولمّا
كانت النار لا توحي إلى عبادها بشريعة، ولا تضع لهم منهاجًا، فقد شرع الناس
لأنفسهم حسبما تريد أهواؤهم، وعمَّ الفساد كل شيء في فارس.
يذكر
المؤرخ الفرنسي (رينو) حال أوربا قبل الإسلام، فيقول: طفحت أوربا في ذلك
الزمان
بالعيوب والآثام، وهربت من النظافة والعناية بالإنسان والمكان، وزخرت
بالجهل
والفوضى والتأخر، وشيوع الظلم والاضطهاد، وفشت فيها الأمية.
فقد
عَمَّ الجهل حتى صار مَدعاةً للفخار فكان الأمراء يفتخرون بأنهم لا
يستطيعون
القراءة (قارن هذا بدين كانت أولى كلماته: اقرأ)، ويكمل (رينو) عن أوربا
أنها كانت
مسرحًا للحروب والأعمال الوحشية.
ويقول
(جوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): لم يبد في أوربا بعض الميل إلى
العلم إلا
في القرنين الحادي عشر والثاني عشر من الميلاد (يعني القرنين الرابع
والخامس
الهجريين)، وذلك حين ظهر فيهم أناس أرادوا أن يرفعوا أكفان الجهل، فولوا
وجوههم
شطر المسلمين الذين كانوا أئمة وحدهم.
ويصف
مؤرخ أندلسي اسمه (صاعد) (توفي في القرن الخامس الهجري عام 462هـ في
طليطلة) ألف
كتاب (طبقات الأمم) يذكر فيه أحوال البلاد في زمانه، فيصف فيه حال البلاد
الشمالية
في أوربا (أي إسكندنافيا): الدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا، قال: هم
أشبه
بالبهائم منهم بالناس، وقد يكون ذلك من إفراط بُعد الشمس عن رءوسهم، فصارت
لذلك
أمزجتهم باردة، وأخلاقهم فجة رديئة، وقد انسدلت شعورهم على وجوههم، وعدموا
دقة
الأفهام، وغلب عليهم الجهل والبلادة وفشت فيهم الغباوة.
وهذا
هو الرَّحَّالةُّ الأندلسي (إبراهيم الطرطوشي) يصف أهل (جليقية) في شمال
إسبانيا
بأنهم أهل غدر ودناءة أخلاق، لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرةً أو
مرتين
بالماء البارد، ولا يغسلون ثيابهم منذ يلبسونها إلى أن تنقطع عليهم،
ويزعمون أن
الوسخ الذي يعلوهم من عرقهم تصحُّ به أبدانهم (ولست أدري كيف كانوا يتحملون
رائحة
أنفسهم ومن حولهم) وثيابهم أضيق الثياب، هي فرجة مُفَتَّحةُ، يبدو منها
أكثر
أبدانهم.
قارن
بين هذا وبين دين يأمر بالوضوء خمس مرات في اليوم، وبالاغتسال من
الجِنَابة، ويوم
الجمعة، وفي الأعياد، ويأمر باجتناب صلاة الجماعة، وهي من أشرف العبادات
إذا كنت
آكلاً لبصلٍ أو ثومٍ.
ويصف
البكري صاحب المسالك والممالك (توفي عام 487هـ) حال الروس، فيقول: "فيها
منطقة تسمى أوثان لهم ملك (منطقة كبيرة) لا أحد يعلم عن حالها من الداخل
شيئًا؛
لأن كل من وطئ أرضهم من الغرباء قتل".
قارن
هذا مع دين الإسلام الذي جاء في هذه الفترة يقول للمؤمنين به: {وَإِنْ
أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ
اللهِ
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ}
[التوبة: 6].
ويخبرنا
أيضًا عن بعض أصناف الصقالبة سكان المناطق الشمالية في أوربا، فيقول: لهم
أفعال
مثل أفعال الهند، فيحرقون الميت عند موته، وتأتي نساء الميت يقطعن أيديهن
ووجوههن
بالسكاكين، وبعض النساء المحبات لأزواجهن يشنقن أنفسهن على الملأ، ثم تُحرق
الجثة
بعد الموت، وتوضع مع الميت.
ويروي
ابن فضلان الرَّحَّالة المسلم في القرن الرابع الهجري ما شاهده بنفسه من
موت أحد
السادة في أوربا، فجاءوا بجاريته لتموت معه، فشربت الخمر ورقصت، وقامت
بطقوس
معينة، ثم قيدوها بالحبال من رقبتها، ثم أقبلت امرأة عجوز يسمونها: ملك
الموت،
وبيدها خنجر كبير، ثم أخذت تطعنها في صدرها بين الضلوع في أكثر من موضع،
والرجال
يخنقونها بالحبل حتى ماتت، ثم أحرقوها، ووضعوها مع سيدها الميت، وهم بهذا
يظنون
أنهم يوفون السيد حقه من التكريم.
قارن
هذا مع ما جاء به الإسلام عن الرقيق، حتى تعرف دينك: جاء في صحيح مسلم عن
أبي
هريرة t
أنّ الرسول r
قال: "مَنْ لَطَمَ
مَمْلُوكَهَ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يَعْتِقَهُ".
وسواءٌ
كان هذا الأمر بالعتق على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب، فهذه هي نظرة
الإسلام السامية لمعاملة الرقيق، وحتى في الحديث عنهم يراعي الإسلام
مشاعرهم، جاء
في صحيح مسلم أيضًا عن أبي هريرة t
قال: قال رسول الله r:
"لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي،
كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ
لِيَقُلْ: غُلامِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي".
الحضارات
العالمية قبل الإسلام
بداية
قد نتساءل: لماذا الحديث عن الفترة السابقة للإسلام؟
والإجابة:
لأنك لن تدرك قيمة النور إلا إذا عرفت الظلام، وفي هذا المجال تكفينا
الإشارة إلى حديث
رسول الله r
الذي أخرجه
مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي t،
والذي يوضح حال
الأرض قبل بعثته r
"إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ
إلى أَهْلِ الأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ
بَقَايَا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ". فقد وصل حال الناس إلى درجة من
الانحطاط جلبت عليهم مقت الله I،
والمقت هو شدة الكراهية.
واستخدام
الرسول r
للتعبير بكلمة (بقايا) يوحي بالأثرية، أي كأنهم آثار من عهود
سحيقة لا قيمة لها في واقع الناس، ومن جانب آخر فإنّ هذه البقايا لم تشكل
مجتمعات
كاملة، بل كانت أفرادًا معدودين: رجلاً في مدينة ما، وآخر في مدينة ثانية
تبعد عن
الأولى مئات الأميال، وهكذا.
إذن،
تعالَوْا نخترق حدود الزمان والمكان:
-
نخترق حدود الزمان لنصل إلى ما قبل بعثة رسول الله
-
ونخترق حدود المكان لنصل إلى كل بقعة على الأرض كانت تعاصر رسول الi
ونتجول بين الشرق والغرب لنطالع أحوال الناس والملوك، والأخلاق والطباع،
ونكتشف
حقيقة ما سمِّي بالحضارات في ذلك الزمن.
الدولة
الرومية دولة مترامية الأطراف، كانت تشغل ثلاثة أرباع قارة أوربا تقريبًا،
وقد
أنزل الله U
سورة في القرآن تبدأ بذكر هزيمة الروم من الفرس ثم انتصارهم
عليهم، وسماها سورة الروم، هذه الإمبراطورية الضخمة كانت منقسمة إلى قسميْن
رئيسيين:
*
الدولة الروميّة الغربيّة وعاصمتها (روما) وكانت قد سقطت.
*
الدولة الرومانيّة الشرقيّة وعاصمتها (القسطنطينيّة)، وهي التي حملت لواء
النصرانية في العالم وقتها، وكان ملكها هو القيصر هرقل (والقيصر لقب
لإمبراطور
القسطنطينية).
(أ) الحالة الدينية
-
مزقت الخلافات العقائدية بين طوائف النصارى أواصر هذه الدولة، فقد كانت
خلافاتهم
بشعة، فالخلاف بين المذهب الأرثوذكسي والكنيسة الشرقية من ناحية، والمذهب
الكاثوليكي والكنيسة الغربية من ناحية أخرى كان خلافًا حادًّا أسفر عن حروب
مدمرة
قتل فيها عشرات الآلاف.
بل
في داخل الدولة الرومانية الأرثوذكسية الشرقية ذاتها اشتعلت الخلافات
العقيمة بين
طائفة الملكانية -وهم على مذهب الملك- التي تعتقد بازدواجية طبيعة المسيح،
أي أنّ
له طبيعتين: بشرية وإلهية. وطائفة المنوفيسية -وهم أهل مصر والحبشة- التي
تعتقد
بطبيعة إلهية واحدة للمسيح، وكانت طائفة الملكانية تقوم بتعذيب للطائفة
الأخرى
تعذيبًا بشعًا، فيحرقونهم أحيانًا، ويغرقونهم أحيانًا أخرى، مع أنهم جميعًا
أبناء
مذهب واحد هو الأرثوذكسية.
وهذه
الخلافات العقائدية ما زالت مستعرةً حتى الآن، فكل طائفة قد يختلف كتابها
المقدس
عن الأخرى في أجزاء، كما أن لكل طائفة كنائسها التي لا تسمح لأبناء الطائفة
الأخرى
بالصلاة فيها، ولهذا كله كان الفتح الإسلامي لمصر يشكل لأقباطها خلاصًا من
اضطهاد
وتعذيب الدولة الرومانية لهم، فقد رحمهم المسلمون من هذا الاضطهاد وتركوا
من شاء
منهم على دينه.
-
البابا في إيطاليا كان الناس يسجدون له، ويقبلون قدمه حتى يأذن لهم
بالقيام، كما
في المسالك والممالك للبكري رحمه الله.
(ب) الحالة الأخلاقية
-
أصيبت الدولة الرومانية بانحلال خلقي عظيم، نتج عن تأخر سن الزواج بسبب
تركز
الثروات الضخمة في أيدي قلّة قليلة من أولي النفوذ، بينما يعيش الشعب في
فقر شديد،
فلم يعد الشباب يملك ما يتزوج به، فانصرف إلى الزنا، والعلاقات المشبوهة،
وفضل
العزوبة على الزواج.
-
أصبحت الرشوة أصلاً في التعامل مع موظفي الدولة، لإنجاز أي عمل أو الحصول
على أي
حق.
-
الوحشية في الطباع: وقد تمثل ذلك في لهوهم، وفي حروبهم على السواء:
ففي
اللهو كان من وسائل التسلية لديهم: صراع العبيد مع الوحوش المفترسة في
أقفاص
مغلقة، بينما يستمتع الأمراء والوزراء بمشاهدة الوحوش وهي تفترس العبيد.
وفي
حروبهم: كانوا يتعاملون مع عدوهم بهمجية ووحشية؛ فعلى سبيل المثال: في عهد
الإمبراطور (فسبسيان)، حاصر الرومان اليهود في القدس -وكان اليهود يسمونها
أورشليم- لمدة خمسة أشهر، انتهت في سبتمبر سنة (70) ميلادية، ثم سقطت
المدينة في
أشد هزيمة مهينة عرفها التاريخ. لماذا نسميها مهينة؟
لأن
الرومان أمروا اليهود أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم بأيديهم، وقد استجاب
اليهود لهم
من شدة الرعب، وطمعًا في النجاة فهم أحرص الناس على حياة ولو كانت حياة
ذليلة
مهينة، ثم بدأ الرومان يجرون القرعة بين كل يهوديين، ومن يفوز بالقرعة يقوم
بقتل
صاحبه، حتى أبيد اليهود في القدس عن آخرهم، وسقطت دولتهم، ولم ينجُ منهم
سوى
الشريد وأولئك الذين كانوا يسكنون في أماكن بعيدة.
(ج) الحالة الاجتماعية
-
فرضت الدولة الضرائب الباهظة على كل السكان البلاد، وكان أكثرها وأثقلها
على
الفقراء دون الأغنياء.
-
كان المجتمع الروماني ينقسم إلى أحرار وهم السادة، وعبيد وهم ثلاثة أضعاف
الأحرار
من حيث العدد، ولا يتمتعون بأية حقوق بل مصيرهم في أيدي سادتهم، كما أنهم
ليس لهم
أي احترام وسط المجتمع، لدرجة أن الفيلسوف (أفلاطون) صاحب فكرة المدينة
الفاضلة
(يوتوبيا) كان يرى أنه يجب ألا يعطى العبيد حق المواطنة.
الحضارة الفارسية قبل الإسلام
كان
الوضع في تلك الدولة يمثل مأساة حضارية بكل المقاييس في كل الجوانب
الأخلاقيّة، والاجتماعيّة،
والدينيّة على السواء
(أ) الحالة الأخلاقيّة
-
انتشر الانحلال الأخلاقي، حتى سقط الفرس في مستنقع زواج المحارم فـ (كسرى
يزدجرد
الثاني) كان متزوجًا من ابنته ثمّ قتلها، وتزوج (بهرام جوبين) بأخته، ومنهم
من
تزوج أمه، ولم يكن هذا الداء منتشرًا في الأمم في ذلك العصر، بل كان
مستقبحًا،
وكانت كل المجتمعات تستنكر على الفرس نكاحهم المحارم.
-
في عهد (قباذ) ظهر رجل يذكر في الفلاسفة، بينما هو في الواقع مصيبة وكارثة
ضربت
الفرس في مقتل، فقد قال: إنّ الناس سواسية في كل شيء. وهذه الكلمة ظاهرها
طيب،
ولكنّ باطنها خبيث، فهو لم يدعُ إلى المساواة في الحقوق والواجبات،
والمعاملات
والاحترام، بل دعا إلى اشتراك الناس في المال والنساء، أي هم متساوون في
ملكية
هذين الشيئين، فهي في حقيقتها دعوة شيوعية خبيثة.
فأصبح
الرجل القويُّ يدخل على الرجل الضعيف بيته، فيغلبه على ماله وزوجته،
والضعيف لا
يستطيع أن يعترض، فقد صارت الشيوعية دينًا لهم، وليس هناك احترام للملكية
الخاصة،
فامتنع الناس عن العمل، لعدم استفادتهم بما يكسبونه من أجر، وعمّت السرقات
التي
صارت الطريق الأسهل للحصول على المال، وباركها (كسرى قباذ) الذي كان يرى
ذلك
دينًا، وفسد الناس كلهم أجمعون.
قارن
هذا الموقف بموقف رسول الله r
الذي يقول: "وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ
سَرَقَتْ
لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
(ب) الحالة الاجتماعية
-
تقديس الأكاسرة: فقد كانوا يعتقدون أن الأكاسرة تجري بعروقهم دماء إلهية،
وأنهم
فوق البشر، وفوق القانون، فكانوا يعظمونهم؛ فكان الرجل إذا دخل على كسرى
ارتمى
ساجدًا على الأرض، فلا يقوم حتى يؤذن له.
-
كانوا يقفون أمام كسرى حسب طبقاتهم، فأقرب الناس إليه هم طبقة الكهَّان،
والأمراء
والوزراء، وهؤلاء يقفون على مسافة خمسة أمتارٍ منه، ومن هم أقل منهم فكانوا
يقفون
على مسافة عشرة أمتار من كسرى.
-
كانوا يضعون على أفواههم غلالة من القماش الأبيض الرقيق إذا دخلوا على كسرى
حتى لا
يلوثوا الحضرة الملكية بأنفاسهم.
يفعلون
ذلك بينما كان رسول الله r
إذا استقبله رجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع،
ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم يُرَ مقدمًا
ركبتيه بين
يدي جليس له (أي يتواضع لجليسه فلا يمد رجله أمامه). روى ذلك الترمذي وابن
ماجه عن
أنس t.
-
كانت مكانة الإنسان في المجتمع الفارسي تخضع لنظام شديد الطبقية، وفيه
مهانة كبيرة
للإنسانية فكان المجتمع مقسمًا إلى سبع طبقات:
*
طبقة الأكاسرة: وهي أعلى الطبقات وأرقاها.
*
طبقة الأشراف: وهي سبع عائلات لا يتخطاها الشرف إلى غيرها.
*
طبقة رجال الدين.
*
طبقة قوّاد الجيش ورجال الحرب.
*
طبقة المثقفين: من الكُتّاب والأطباء والشعراء (لذا ليس مستغربًا أن يعمَّ
الجهل،
وتنتشر الخرافات في المجتمع، طالما أن أهل العلم في المؤخرة).
*
طبقة الدهاقين: وهم رؤساء القرى، وجامعو الضرائب.
*
عامة الشعب: وهم أكثر من 90% من مجموع سكان فارس من العمال والفلاحين،
والتجار
والجنود والعبيد، وهؤلاء ليس لهم حقوق بالمرة، لدرجة أنهم كانوا يربطون في
المعارك
بالسلاسل؛ ففي موقعة (الأُبلَّة) أولى المواقع الإسلامية في فارس بقيادة
خالد بن
الوليد t،
كان
الفُرس يربطون ستين ألفًا من الجنود بالسلاسل كي لا يهربوا، كل سلسلة تضم
عشرة
جنود، كيف يستطيع هؤلاء في سلاسلهم أن يحاربوا قومًا وصفهم خالد بن الوليد t
في
رسالته إلى زعيم الأبلة بقوله: "جئتكم برجال يحبون الموت، كما تحبون أنتم
الحياة".
(ج) الحالة السياسية
كان
الملك في فارس مقتصرًا على بيت واحد فقط هو البيت الساساني، فإذا لم يجدوا
رجلاً
يولونه عليهم من آل ساسان، ولوا أمرهم طفلاً صغيرًا كما فعلوا مع (أزدشير
بن
شيرويه) سبع سنوات، وإن لم يجدوا طفلاً ولّوا أمرهم امرأة كما حدث مع
(بوران بنت
كسرى).
(د) الحالة الدينية
-
كانت الديانة السائدة في فارس هي عبادة النار، وهي ديانة (زرادشت)، وهو
الذي دعا
إلى تقديس النار، وقال: إنّ نور الإله يسطع في كل ما هو مشرق ملتهب، وحرّم
الأعمال
التي تتطلب نارًا، فاكتفى بالزراعة والتجارة فقط (وقد عدّه صاحب كتاب
"الخالدون
مائة وأعظمهم محمد r"
من الخالدين، فجعله في المرتبة التاسعة والثمانين)؛ لأن
ديانته محلية بينما ديانة رسول الله r،
وديانة المسيح u عالمية، وفي الحقيقة هذا ميزان قبيح؛ لأنه
يجمع الأنبياء العظام الموحى إليهم مع كذَّاب وضّاع، ألّف دينًا، وخرج به
على
الناس.
ولمّا
كانت النار لا توحي إلى عبادها بشريعة، ولا تضع لهم منهاجًا، فقد شرع الناس
لأنفسهم حسبما تريد أهواؤهم، وعمَّ الفساد كل شيء في فارس.
يذكر
المؤرخ الفرنسي (رينو) حال أوربا قبل الإسلام، فيقول: طفحت أوربا في ذلك
الزمان
بالعيوب والآثام، وهربت من النظافة والعناية بالإنسان والمكان، وزخرت
بالجهل
والفوضى والتأخر، وشيوع الظلم والاضطهاد، وفشت فيها الأمية.
فقد
عَمَّ الجهل حتى صار مَدعاةً للفخار فكان الأمراء يفتخرون بأنهم لا
يستطيعون
القراءة (قارن هذا بدين كانت أولى كلماته: اقرأ)، ويكمل (رينو) عن أوربا
أنها كانت
مسرحًا للحروب والأعمال الوحشية.
ويقول
(جوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): لم يبد في أوربا بعض الميل إلى
العلم إلا
في القرنين الحادي عشر والثاني عشر من الميلاد (يعني القرنين الرابع
والخامس
الهجريين)، وذلك حين ظهر فيهم أناس أرادوا أن يرفعوا أكفان الجهل، فولوا
وجوههم
شطر المسلمين الذين كانوا أئمة وحدهم.
ويصف
مؤرخ أندلسي اسمه (صاعد) (توفي في القرن الخامس الهجري عام 462هـ في
طليطلة) ألف
كتاب (طبقات الأمم) يذكر فيه أحوال البلاد في زمانه، فيصف فيه حال البلاد
الشمالية
في أوربا (أي إسكندنافيا): الدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا، قال: هم
أشبه
بالبهائم منهم بالناس، وقد يكون ذلك من إفراط بُعد الشمس عن رءوسهم، فصارت
لذلك
أمزجتهم باردة، وأخلاقهم فجة رديئة، وقد انسدلت شعورهم على وجوههم، وعدموا
دقة
الأفهام، وغلب عليهم الجهل والبلادة وفشت فيهم الغباوة.
وهذا
هو الرَّحَّالةُّ الأندلسي (إبراهيم الطرطوشي) يصف أهل (جليقية) في شمال
إسبانيا
بأنهم أهل غدر ودناءة أخلاق، لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرةً أو
مرتين
بالماء البارد، ولا يغسلون ثيابهم منذ يلبسونها إلى أن تنقطع عليهم،
ويزعمون أن
الوسخ الذي يعلوهم من عرقهم تصحُّ به أبدانهم (ولست أدري كيف كانوا يتحملون
رائحة
أنفسهم ومن حولهم) وثيابهم أضيق الثياب، هي فرجة مُفَتَّحةُ، يبدو منها
أكثر
أبدانهم.
قارن
بين هذا وبين دين يأمر بالوضوء خمس مرات في اليوم، وبالاغتسال من
الجِنَابة، ويوم
الجمعة، وفي الأعياد، ويأمر باجتناب صلاة الجماعة، وهي من أشرف العبادات
إذا كنت
آكلاً لبصلٍ أو ثومٍ.
ويصف
البكري صاحب المسالك والممالك (توفي عام 487هـ) حال الروس، فيقول: "فيها
منطقة تسمى أوثان لهم ملك (منطقة كبيرة) لا أحد يعلم عن حالها من الداخل
شيئًا؛
لأن كل من وطئ أرضهم من الغرباء قتل".
قارن
هذا مع دين الإسلام الذي جاء في هذه الفترة يقول للمؤمنين به: {وَإِنْ
أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ
اللهِ
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ}
[التوبة: 6].
ويخبرنا
أيضًا عن بعض أصناف الصقالبة سكان المناطق الشمالية في أوربا، فيقول: لهم
أفعال
مثل أفعال الهند، فيحرقون الميت عند موته، وتأتي نساء الميت يقطعن أيديهن
ووجوههن
بالسكاكين، وبعض النساء المحبات لأزواجهن يشنقن أنفسهن على الملأ، ثم تُحرق
الجثة
بعد الموت، وتوضع مع الميت.
ويروي
ابن فضلان الرَّحَّالة المسلم في القرن الرابع الهجري ما شاهده بنفسه من
موت أحد
السادة في أوربا، فجاءوا بجاريته لتموت معه، فشربت الخمر ورقصت، وقامت
بطقوس
معينة، ثم قيدوها بالحبال من رقبتها، ثم أقبلت امرأة عجوز يسمونها: ملك
الموت،
وبيدها خنجر كبير، ثم أخذت تطعنها في صدرها بين الضلوع في أكثر من موضع،
والرجال
يخنقونها بالحبل حتى ماتت، ثم أحرقوها، ووضعوها مع سيدها الميت، وهم بهذا
يظنون
أنهم يوفون السيد حقه من التكريم.
قارن
هذا مع ما جاء به الإسلام عن الرقيق، حتى تعرف دينك: جاء في صحيح مسلم عن
أبي
هريرة t
أنّ الرسول r
قال: "مَنْ لَطَمَ
مَمْلُوكَهَ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يَعْتِقَهُ".
وسواءٌ
كان هذا الأمر بالعتق على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب، فهذه هي نظرة
الإسلام السامية لمعاملة الرقيق، وحتى في الحديث عنهم يراعي الإسلام
مشاعرهم، جاء
في صحيح مسلم أيضًا عن أبي هريرة t
قال: قال رسول الله r:
"لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي،
كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ
لِيَقُلْ: غُلامِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي".