النوبانـــي
05-25-2013, 10:13 PM
غربة ديار أم غربة أفكار؟!
دروب ترابية ، بل طينية وكلمة record حمراء تنبض كنبض الدم في شراييني ، تهتز الكاميرا في يدي مسجلة اضطراب احاسيسي واضطراب أنفاسي . تراقب أطفال يتراكضون ويتوقفون فجأة عند مشاهدتي والكاميرا بيدي . هل يعلمون ما أقوم به ؟ بالتأكيد يعلمون . فلا بدّ أن الكثيرين قد سبقوني لتصوير هذه الأماكن خصوصاً أن هذه الاماكن تعتبر مادة دسمة من أجل التوثيق ، وربما من أجل الشهرة ، وربما من أجل الواجب .
أقوم بعمل close على وجوه الأطفال . الابتسامات البريئة التي تعلوا هذه الوجوه وترتسم على هذه الشفاه الشاحبة قد تحمل أكثر من معنى . وربما معاني خادعة . قطعاً لن تكون ابتسامات سعيدة ! . فهذه الطفلة ذات الشعر المنفوش الحافية القدمين كيف تكون ابتسامتها تنمّ عن سعادتها ، فعلى الاقل هي ستكون منزعجة من تأثير الوحل والطين الذي تغوص به قدماها . وهذا الطفل ، هل حرارة ودفء دمه تقيه برودة هذا الطقس ؟! .
أختلس بعض اللقطات مخترقاً خصوصية هذا المكان ، كيف تكون له خصوصية وهو مشرّع الباب . هل للخيمة البيضاء في هذا المخيم خصوصية ؟! . تغطي وجهها بحركة عفوية ، ولكنها تطلق العنان لعينيها لمتابعتي وكأنها تقول : صوّر ، صوّر . سحابة من الدخان تنطلق من فمه وأنفه . أكيد هو رب هذه الخيمة والأسرة التي تأويها ، يجلس على حصيرة عليها فراش متناثر وعلى أحد أطرافها بعض الأواني وابريق شاي وبعض الكاسات التي لا زالت تحوي بقايا الشاي بدون تنظيف .
أرسلت ابتسامة خفيفة عنوانها الاستئذان وربما الاعتذار عن تصويري هذه اللقطة داخل حرم هذه الخيمة ، فيبادلني الابتسامة بابتسامة سرعان ما التقطتها واعتبرتها دعوة لي للدخول فأوقفت التصوير واتجهت مباشرة نحوه . وقف بعد عناء ، كأنه يرحب بي وبإيماءة فهمت أنه يدعوني للدخول . جلست على فرشة رقيقة لم تقيني برودة الأرض فشعرت برعشة أحسست بأعراضها على جسدي الذي تقلّص فجأة .
بدأ بسرد قصة خروجه منذ كان طفلاً من بلده وما واجهه من مشاق هو وعائلته الى أن وصل الى هذا المخيم . كان أثناء حديثه يتوقف لبرهة كأنه يمرر شريط رحلته على مخيلته فيختار منها اللقطات القابلة للسرد والمعبرة باختصار عن المعاناة . كان أحياناً يبتسم . وأحياناً يطلق النظرات بعيداً كأنه يخشى رؤية نظراتي ترقبه وهو يتحدث خشية أن أكتشف ما يخفيه من لقطات . يتناول علبة السجائر ويقوم باشعال سيجارة فينتبه ويعرض عليّ العلبة ، فاعتذر واشكره .
هذه هي قصتنا وهذه هي مأساتنا . يسألني : هل عرفت من نحن ؟ . أجبته : نعم . تبسّم وقال : كلا لم تعرف من نحن ! . فنحن غرباء لم نعد نعرف من نحن !!
خرجت وأنا أتساءل : أي مأساة هذه !! التي يصبح فيها الشخص غريباً لا يعرف من يكون !! ألهذا الحد ولهذه الدرجة تكون المأساة ؟! أتساءل : ألم يحن الوقت بعد ليعلم الشخص من يكون ؟!
هل يعلم أحدنا من يكون ؟! هل الغربة غربة أوطان ؟! أم الغربة غربة النفس وان اختلفت الاوطان ؟! هل هي غربة الفكر ؟! أم أنها غربة ثقافة وقيم ؟! وهل الغريب غريب ديار أم غريب أفكار ؟!
دروب ترابية ، بل طينية وكلمة record حمراء تنبض كنبض الدم في شراييني ، تهتز الكاميرا في يدي مسجلة اضطراب احاسيسي واضطراب أنفاسي . تراقب أطفال يتراكضون ويتوقفون فجأة عند مشاهدتي والكاميرا بيدي . هل يعلمون ما أقوم به ؟ بالتأكيد يعلمون . فلا بدّ أن الكثيرين قد سبقوني لتصوير هذه الأماكن خصوصاً أن هذه الاماكن تعتبر مادة دسمة من أجل التوثيق ، وربما من أجل الشهرة ، وربما من أجل الواجب .
أقوم بعمل close على وجوه الأطفال . الابتسامات البريئة التي تعلوا هذه الوجوه وترتسم على هذه الشفاه الشاحبة قد تحمل أكثر من معنى . وربما معاني خادعة . قطعاً لن تكون ابتسامات سعيدة ! . فهذه الطفلة ذات الشعر المنفوش الحافية القدمين كيف تكون ابتسامتها تنمّ عن سعادتها ، فعلى الاقل هي ستكون منزعجة من تأثير الوحل والطين الذي تغوص به قدماها . وهذا الطفل ، هل حرارة ودفء دمه تقيه برودة هذا الطقس ؟! .
أختلس بعض اللقطات مخترقاً خصوصية هذا المكان ، كيف تكون له خصوصية وهو مشرّع الباب . هل للخيمة البيضاء في هذا المخيم خصوصية ؟! . تغطي وجهها بحركة عفوية ، ولكنها تطلق العنان لعينيها لمتابعتي وكأنها تقول : صوّر ، صوّر . سحابة من الدخان تنطلق من فمه وأنفه . أكيد هو رب هذه الخيمة والأسرة التي تأويها ، يجلس على حصيرة عليها فراش متناثر وعلى أحد أطرافها بعض الأواني وابريق شاي وبعض الكاسات التي لا زالت تحوي بقايا الشاي بدون تنظيف .
أرسلت ابتسامة خفيفة عنوانها الاستئذان وربما الاعتذار عن تصويري هذه اللقطة داخل حرم هذه الخيمة ، فيبادلني الابتسامة بابتسامة سرعان ما التقطتها واعتبرتها دعوة لي للدخول فأوقفت التصوير واتجهت مباشرة نحوه . وقف بعد عناء ، كأنه يرحب بي وبإيماءة فهمت أنه يدعوني للدخول . جلست على فرشة رقيقة لم تقيني برودة الأرض فشعرت برعشة أحسست بأعراضها على جسدي الذي تقلّص فجأة .
بدأ بسرد قصة خروجه منذ كان طفلاً من بلده وما واجهه من مشاق هو وعائلته الى أن وصل الى هذا المخيم . كان أثناء حديثه يتوقف لبرهة كأنه يمرر شريط رحلته على مخيلته فيختار منها اللقطات القابلة للسرد والمعبرة باختصار عن المعاناة . كان أحياناً يبتسم . وأحياناً يطلق النظرات بعيداً كأنه يخشى رؤية نظراتي ترقبه وهو يتحدث خشية أن أكتشف ما يخفيه من لقطات . يتناول علبة السجائر ويقوم باشعال سيجارة فينتبه ويعرض عليّ العلبة ، فاعتذر واشكره .
هذه هي قصتنا وهذه هي مأساتنا . يسألني : هل عرفت من نحن ؟ . أجبته : نعم . تبسّم وقال : كلا لم تعرف من نحن ! . فنحن غرباء لم نعد نعرف من نحن !!
خرجت وأنا أتساءل : أي مأساة هذه !! التي يصبح فيها الشخص غريباً لا يعرف من يكون !! ألهذا الحد ولهذه الدرجة تكون المأساة ؟! أتساءل : ألم يحن الوقت بعد ليعلم الشخص من يكون ؟!
هل يعلم أحدنا من يكون ؟! هل الغربة غربة أوطان ؟! أم الغربة غربة النفس وان اختلفت الاوطان ؟! هل هي غربة الفكر ؟! أم أنها غربة ثقافة وقيم ؟! وهل الغريب غريب ديار أم غريب أفكار ؟!