رهام
06-10-2013, 03:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
لذة الكلام مع البسطاء / التعرف على مكنونات المرء عند التكلم معه
لذة جديدة ، ومتعة حقيقية ، لم أعهدها من قبل ،
تكمن في محادثة البسطاء من الناس، والقدرة على استخراج مكنونات
تجاربهم إن وُفقت لهذا ،
فما كل بارقة ٍ تجود ُ بمائها ، لأنهم كالكنز الخفي ، لا يستدل عليه إلا من وُفق ،
و لذلك ترى أن كثيراً من الملوك وأصحاب الشأن من العظماء يحرصون
على محادثة البسطاء العقلاء والبحث عنهم ، مِمَن لم تدرج أسماؤهم
ضمن قائمة أعلام النبلاء في عصرهم .
سمع الخليفة هارون الرشيد برجل صالح اسمه ابن السماك فطلبه ،
دخل ابن السماك مجلس الخليفة ، وقد طلب الخليفة الماء ليشرب ،
فجلس ابن السماك ، فقال الرشيد : عظني يا ابن السماك ، وقد أمسك الخليفة بالكأس ،
فقال له : لو مُنعتَ يا أمير المؤمنين هذه الشربة بكم تشتريها ؟
أطرق الخليفة مفكراً للحظات ، ثم رفع رأسه و قال : بنصف ملكي !
فقال ابن السماك على الفور : فإن مُنعتَ خروجها بكم كنت تشتريه ؟
سكت قليلا ً ثم أجاب بصوت خافت ، كأنه يحدث نفسه : بنصف ملكي الآخر !
قال ابن السماك : إن مُلكا ً قيمته شربة ماءٍ لجدير أن لا ينافس فيه ، فبكى الرشيد !!
فيا لله ، كم هي عبارات وجيزة اللفظ ، غزيرة الفائدة ، سالمة من التعقيد
واضحة الدلالة على المعنى .
يعادُ حَديثـُهُ فَيَزيدُ حُسنا ً ... وقد يُستَقبَحُ الشيءُ المُعاد ُ
إن هؤلاء الذين لا يُؤبه بهم متى حلوا وارتحلوا ،
مثل كبير السن الذي ربما تصادفه في محطة ٍ ما ،
أو الغريب التقي الخارج من أحد المساجد الصغيرة ، أو صاحب الدكان في الأزقة الضيقة ،
أو المزارع القنوع ، أو البائع المتجول أو غيرهم ،
ينطقون أحيانا ً بكلام من ضروب الحكمة ، يرسلها أحدهم فتحسبها مثلا ً ،
و ربما قذف أحدهم حكمة تقع منك بمكان ، فتتغير على أثرها حياتك ،
و لو كُتبت بمداد الذهب ، على صحائف الفضة ، وعُلقت عند مداخل الجامعات ،
و وسط ميادين العواصم ، لقالوا ما أحكم مَن قالها !
نعم لا تستغرب ، قد تلتقط من أفواههم أقولاً تشبه الجواهر ، تتسم بالوضوح والإيجاز ،
لا تجدها عند بعض كبار المثقفين والمتعلمين ،
الذين تسمع بأحدهم فيمتلئ سمعك إجلالا ً له وإكباراً ، فإن شاهدته و حادثته لقلت
ما قاله ابن ماء السماء : أن تسمع بالمُعَيدي خير من أن تراه !
تجالسه فتجده قليل التجربة ، يتخبط في حديثه كحاطب ليل ،
ويتقلب في رعونة عباراته كهواء البصرة ،
وذلك لأنه من الذين لم يخوضوا غمار الحياة إلا من خلال المفاهيم النظرية الجافة ،
أما أولئك البسطاء فقد كابدوا الدنيا وعركتهم الأيام ولم يغيرهم زهو منصبٍ
ولا ذيوع صيتٍ و لا عظيم جاه ، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة .
واكتشفت أيضا ً أن معرفة هذا الصنف من الناس من ثمين الصيد الذي
يحتاج صاحبه الى نظر دقيق واستقراءٍ لبعض الدلائل ، لأنهم ليسوا بأصحاب أسماء
رنانة فتعرفهم بها ، بل هم كما أسلفت بسطاء أخفياء لهم من التجارب ما جعلهم
يمتلكون نظرة وعبرة وقدرة على إصدار حكم نتج عن خبرة ، بعبارة وجيزة
خالية من التعقيد مملوءة بالحكمة ، ولذلك قيل أن طول التجارب زيادة في
العقل و لسان التجربة أصدق .
ومن تلك الدلائل الدالة عليهم على سبيل المثال كبر السن ،
وسعة الصدر، و طول الصمت ، و إجابته لسؤالك عن الدنيا وعن أعباء الحياة
وعن تغير الناس ، و كيفية اختياره لابتداء الحديث معك ، وغير ذلك ،
قيل اقترب رجل ذات مرة من أحد أولئك البسطاء الذين يُتوسم فيهم العقل ،
فقال له : أتسمح لي بسؤال ؟
قال : عن ماذا ؟
قال : أخبرني عن بعض الدروس التي تعلمتها من الحياة ؟
سكت قليلا ً ثم قال :
نعم .... تعلمت أنني قد أسبب جروحاً عميقة لمن أحب في بضع دقائق فقط ،
لكن قد أحتاج لعلاجها سنوات طويلة !
وتعلمت أن الأغنى ليس الذي يملك أكثر ، بل الذي يحتاج أقل !
مما راق لي
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
لذة الكلام مع البسطاء / التعرف على مكنونات المرء عند التكلم معه
لذة جديدة ، ومتعة حقيقية ، لم أعهدها من قبل ،
تكمن في محادثة البسطاء من الناس، والقدرة على استخراج مكنونات
تجاربهم إن وُفقت لهذا ،
فما كل بارقة ٍ تجود ُ بمائها ، لأنهم كالكنز الخفي ، لا يستدل عليه إلا من وُفق ،
و لذلك ترى أن كثيراً من الملوك وأصحاب الشأن من العظماء يحرصون
على محادثة البسطاء العقلاء والبحث عنهم ، مِمَن لم تدرج أسماؤهم
ضمن قائمة أعلام النبلاء في عصرهم .
سمع الخليفة هارون الرشيد برجل صالح اسمه ابن السماك فطلبه ،
دخل ابن السماك مجلس الخليفة ، وقد طلب الخليفة الماء ليشرب ،
فجلس ابن السماك ، فقال الرشيد : عظني يا ابن السماك ، وقد أمسك الخليفة بالكأس ،
فقال له : لو مُنعتَ يا أمير المؤمنين هذه الشربة بكم تشتريها ؟
أطرق الخليفة مفكراً للحظات ، ثم رفع رأسه و قال : بنصف ملكي !
فقال ابن السماك على الفور : فإن مُنعتَ خروجها بكم كنت تشتريه ؟
سكت قليلا ً ثم أجاب بصوت خافت ، كأنه يحدث نفسه : بنصف ملكي الآخر !
قال ابن السماك : إن مُلكا ً قيمته شربة ماءٍ لجدير أن لا ينافس فيه ، فبكى الرشيد !!
فيا لله ، كم هي عبارات وجيزة اللفظ ، غزيرة الفائدة ، سالمة من التعقيد
واضحة الدلالة على المعنى .
يعادُ حَديثـُهُ فَيَزيدُ حُسنا ً ... وقد يُستَقبَحُ الشيءُ المُعاد ُ
إن هؤلاء الذين لا يُؤبه بهم متى حلوا وارتحلوا ،
مثل كبير السن الذي ربما تصادفه في محطة ٍ ما ،
أو الغريب التقي الخارج من أحد المساجد الصغيرة ، أو صاحب الدكان في الأزقة الضيقة ،
أو المزارع القنوع ، أو البائع المتجول أو غيرهم ،
ينطقون أحيانا ً بكلام من ضروب الحكمة ، يرسلها أحدهم فتحسبها مثلا ً ،
و ربما قذف أحدهم حكمة تقع منك بمكان ، فتتغير على أثرها حياتك ،
و لو كُتبت بمداد الذهب ، على صحائف الفضة ، وعُلقت عند مداخل الجامعات ،
و وسط ميادين العواصم ، لقالوا ما أحكم مَن قالها !
نعم لا تستغرب ، قد تلتقط من أفواههم أقولاً تشبه الجواهر ، تتسم بالوضوح والإيجاز ،
لا تجدها عند بعض كبار المثقفين والمتعلمين ،
الذين تسمع بأحدهم فيمتلئ سمعك إجلالا ً له وإكباراً ، فإن شاهدته و حادثته لقلت
ما قاله ابن ماء السماء : أن تسمع بالمُعَيدي خير من أن تراه !
تجالسه فتجده قليل التجربة ، يتخبط في حديثه كحاطب ليل ،
ويتقلب في رعونة عباراته كهواء البصرة ،
وذلك لأنه من الذين لم يخوضوا غمار الحياة إلا من خلال المفاهيم النظرية الجافة ،
أما أولئك البسطاء فقد كابدوا الدنيا وعركتهم الأيام ولم يغيرهم زهو منصبٍ
ولا ذيوع صيتٍ و لا عظيم جاه ، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة .
واكتشفت أيضا ً أن معرفة هذا الصنف من الناس من ثمين الصيد الذي
يحتاج صاحبه الى نظر دقيق واستقراءٍ لبعض الدلائل ، لأنهم ليسوا بأصحاب أسماء
رنانة فتعرفهم بها ، بل هم كما أسلفت بسطاء أخفياء لهم من التجارب ما جعلهم
يمتلكون نظرة وعبرة وقدرة على إصدار حكم نتج عن خبرة ، بعبارة وجيزة
خالية من التعقيد مملوءة بالحكمة ، ولذلك قيل أن طول التجارب زيادة في
العقل و لسان التجربة أصدق .
ومن تلك الدلائل الدالة عليهم على سبيل المثال كبر السن ،
وسعة الصدر، و طول الصمت ، و إجابته لسؤالك عن الدنيا وعن أعباء الحياة
وعن تغير الناس ، و كيفية اختياره لابتداء الحديث معك ، وغير ذلك ،
قيل اقترب رجل ذات مرة من أحد أولئك البسطاء الذين يُتوسم فيهم العقل ،
فقال له : أتسمح لي بسؤال ؟
قال : عن ماذا ؟
قال : أخبرني عن بعض الدروس التي تعلمتها من الحياة ؟
سكت قليلا ً ثم قال :
نعم .... تعلمت أنني قد أسبب جروحاً عميقة لمن أحب في بضع دقائق فقط ،
لكن قد أحتاج لعلاجها سنوات طويلة !
وتعلمت أن الأغنى ليس الذي يملك أكثر ، بل الذي يحتاج أقل !
مما راق لي