زمردة
07-28-2013, 02:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابهِ أجمعين..
أما بعد...
فإن عنوان هذه الكلمة هو"الحياة السعيدة"،أو" الحياة الطيبة،لا شك إن كل أحد يطلب الحياة السعيدة، والحياة الطيبة،ويريدها ولكن الشأن فيما يحقق هذا المطلب،والأسباب التي تؤدي إليه، هذا محل الاختلاف بين بني البشر ، فمن الناس من يرى أن الحياة السعيدة والحياة الطيبة أن ينال الإنسان من ملذات الدنيا وشهواتها، وأنْ يُعطى ما يطلب من مُتع الحياةِ الدنيا،
يرى أنٌ هذا هو الحياة السعيدة والحياة الطبية ، ولذلك قال الله جلٌ وعلا : (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)
(البقرة:200)
قال سبحانه وتعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)؛
(آل عمران:14)
قال الله جلٌ وعلا: (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ*قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)؛
(آل عمران: -15-14)
قال تعالى: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ ) (الرعد: 26) ؛
وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَتنا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ *أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؛ (يونس:10-9-8-7).
فهذا الصُنفْ من الناس قاصر النظر لأنه قصر نظره على هذه الحياة، وظن أنها هي مناط السعادة والحياة الطيبة في شهواتها ومتاعها،فأُغريَ بها وقصر همته عليها إما لأنه لا يُؤمنُ بالآخرة ،وإما أنهُ يؤمنُ بها ولكن شغلته الدنيا عنِ العملِ لها،فالحاصل أن هذا خاسر وحياتهُ تعِسةٍ مهما أوتيَ من الأموال والمُتع والملذات فإن هذا استدراجٌ من الله، ومتاعٌ قليل ثم يُعْقِبهُ حسرةٌ دائمة قال تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)؛( التوبة:55)
قال سبحانه: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ. مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ)؛ ( المؤمنون:56-55)
فالدنيا يُعطيها الله من يُحب ومن لا يُحب كما في الحديث الصحيح عنِ النبي "صلى الله عليه وسلم" إنه قال: (إن الله يُعطي الدنيا من يُحب ومن لا يُحب، ولا يُعطي الدين إلا من يُحب)؛ وقال: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربةَ ماء).
وكان عيشُ النبي "صلى الله عليه وسلم"وهو سيدُ المرسلينِ وإمامُ المتقين، كما تعلمون أنه "صلى الله عليه وسلم" كان يجوعُ حتى يربطُ الحجر على بطنه من الجوع، وكان يَنامُ على الحصير حتى يُؤثر في جنبه، "عليه الصلاة والسلام" .
وكان يُجاهد في سبيل الله ويُجالد ويتعرض للأخطار، وهو رسول الله "صلى الله عليه وسلم". ولو أراد هذه الدنيا لأعطاهُ الله إياه، فالله عرض عليه أنْ يجعلهُ ملكاً رسولاَ كاداوود عليه السلام وسُليمان عليهما السلام ملكاً رسولاً،أو أنْ يجعله رسولاً ولا يكون ملكاً فأختار أن يكونُ رسولاً، وقال أجوع يوماً وأشبعُ يوماً أختار النبي "صلى الله عليه وسلم" هذا. لأن الدنيا متاعٌ زائل وغرورٌ،(وما الحياة الدنيا إلا متاعُ الغرور)، مهما أوتيَ الإنسان منها فإنه إما أن يزول ويتركها،وإما أن تزول وتتركهُ،إنما الحياةُ الباقية والحياةُ الطيبة والحياةُ الدائمة هي الدار الآخرة، قال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)؛ (العنكبوت:64)
يعني الحياة الدائمة(لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) هذا الصنف من الناس ولذلك تجد الدنيا أكبر همهم، يرضون لها ويغضبون لها ويكدحون لها وينفذون أعمارهم في طلبها، وأما الآخرة فإنهم في إعراضٍ عنها أو قلةِ رغبةٍ للعملِ لها وإنْ كانوا يؤمنون بها،
ولهذا قال تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ* يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)؛(الروم:7)
لا نقول أنٌ الإنسان لا يطلبُ الرزق، الإنسان لا يأكلْ مما رزقهُ الله،الله جلٌ وعلا قال: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)؛(الأعراف:31).
قال سبحانه:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)؛(الأعراف:32)
فلا بأسَ أن الإنسان يطلب الرزق الحلال، ولا بأسَ أن يتمتع بما رزقه الله من غيرِ إسراف ومن غيرِ مخيلة، وأعلى من ذلك كله أنْ يستعين بهِ على طاعة الله سبحانه وتعالى.
فيستعين بما رزقهُ الله على طاعة الله والدنيا مزرعةُ الآخرة وهي مطيةُ الآخرة،إنما الملوم هو الذي تكون الدنيا أكبر همه، ولا ينظر إلا إلى الدنيا، ولذلك هذا الصنفْ من الناس لا يُبالي بالحلال والحرام،لا يبالي من أين أخذ المال ومن أين اكتسبه، من حلالاٍ أو حرام هذا هو صاحب الدنيا ولهذا قال"صلى الله عليه وسلم" (تعسَ عبدُ الخميصة ،تعسَ عبدُ الخميلة إن أُعطيَ رضي وإن لم يُعطىَ سخِط)؛ فهذا جعل الدنيا مطلبه وأكبر همهْ ظنناً منه أن السعادة في تحصيلها.
الشاعر يقول:
لعمرك ما السعادة جمع مالٍ
ولكن التقي هو السعيدُ
فتقوى الله خير الزادِ ذخراً
وعند الله للأتقى مزيدُ
هذا صِنفْ؛ الصِنفُ الثاني طلبُوا خيري الدنيا والآخرة، لم يقتصروا على طلب الدعاء للآخرة وإنما طلبوا خيري الدنيا والآخرة،وَمِنْهُمْ (مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) "
فهم جمعوا في دعائِهم أنْ يؤتيهمُ الله من خيري الدنيا والآخرة، هؤلاءِ هم أهلُ السعادة والله جلُ وعلا قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)؛ (النحل:97).
من عمل صالحاً والعمل الصالح هو :
ما اجتمع فيه شرطان:
الشرط الأول/ الإخلاص لله عز وجلْ فلا يكون فيه شركْ لا أكبر ولا أصغر،فإن كان فيه شرك فإن الله لا يقبله،ويردهُ على صاحبهْ؛كما في الحديث القدسي (إن الله جلٌ وعلا قال:أنا أغنى الشركاء عن الشركْ، من عملِ عملاً أشركَ معي فيه غيري تركته وشركَهْ.وفي روايةٍ(فهو للذي أشركْ وأنا منه بريء)؛ هذا الشرط الأول الإخلاص لله عزٌ وجل.
الشرط الثاني/المُتابعة للرسول "صلى الله عليه وسلم" فلا يكون فيه بدعة، ولا خُرافة وإنما يكون على وِفقِ سٌنةِ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حتى يكون عملاً صالحاً،فإن كان مُخالفاً لسنةِ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فهو عملٌ باطل ومردود. قال "صلى الله عليه وسلم":(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ)؛ما ليس منهُ أحدثه هو ولم يأتي عن رسول الله"صلى الله عليه وسلم"وإن كان يستحسنه ويرى أنه خير وأنه...لا هو شر، من أحدث في أمرنا هذا يعني هذا الدين ما ليس منه فهو ردٌ،أي مردود عليه.وفي روايةٍ(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ).حتى ولو لم يُحدثه هو لكنه عمِل بهِ،أحدثهُ غيره فعمِل بهِ فهو مردود عليه سواءً هو الذي أحدثه أو أحدثهُ غيره و اقتدى به وتوارثه مع المُبتدعة فإن هذا مردود،لا ينفعُ صاحبه مهما اتعب نفسه فيه.
وهذانِ الشرطان الإخلاص والمُتابعة هما معنى أو من معنى شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنٌ محمداً رسولُ الله .
فمعنى أن لا إله إلا الله: أنْ تُخلص له العمل وتَترك عبادة ما سواه. ؛
ومعنى أشهدُ أن محمداً رسولُ الله:أنْ تقر برسالته وأن تُطيعه فيما أمر وتترك ما نهى عنه "صلى الله عليه وسلم".ويجمعُ هذين الشرطين؛قوله تعالى: (بَلَى مِنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)؛(البقرة:112)
أسلم وجههُ لله: هذا الإخلاص، وهو مُحْسن: أي متبع للرسول"صلى الله عليه وسلم".
فإذا كان العملُ موافقاً لسنة الرسولِ "صلى الله عليه وسلم" لكنه ليس خالصاً لله فهو مردود وكذلك العكس إذا كان العملُ خالصاً لله لكنه مُخالفاً لسنة رسولِ الله "صلى الله عليه وسلم". فهو مردودٌ أيضاَ.
ولهذا قال جلٌ وعلا: (الّذِي خَلَقَ الموت والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً)؛(تبارك:2)
قال أيكم أحسنُ عملاَ ولم يقل أيكم أكثرُ عملاَ، لأن العبرة ليست بالكثرة العبرة بالحُسنْ أنْ يكون العملُ حسناً، أيكم أحسنُ عملاَ؛( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا)؛(الكهف:7)
(فائدة)
لم يقل أيهم أكثرُ عملاَ، الكثير إذا لم يكنْ حسناً فهو مردود، أيكم أحسنُ عملاَ قال.
سئُل الفضيل ابن عياض "رحمه الله": (قيل يا أبا علي أيكم أحسنُ عملاَ؟ قال:أخلصه وأصوبه).فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكنْ صواباً لم يُقبل،وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً، لم يُقبل حتى يكون خالصاً صواب.
بهذين الشرطين فهؤلاءِ الصفوة المُختارة همُ الذين عرفوا قدر الحياة الدنيا، وعرفوا أنها دارُ ممر، وأنها مزرعة للآخرة فاستغلوها في طاعة الله عز وجل.
قال الشاعر:
إن لله عباداً فُطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما راوها لُجةً جعلوا صالح الأعمالِ فيها سفنا
هذه الدنيا وقال"صلى الله عليه وسلم": (مالي وللدنيا إنما مثَلي ومثل الدنيا كمثلِ راكبٍ قال تحت ظلِ دوحة)،قال يعني وقت القيلولة (جلس تحت شجرة يستظل ويستريح وسط النهار ثم ذهب وتركها)،فالدنيا كذلك ليست دار قرار .
الله جل وعلا قال: (وإن الآخرة لهي دار القرار)؛( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ) (غافر:39).
يقول مؤمن آل فرعون يقول لقومه: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ لهِيَ دَارُالْقَرَارِ)؛ (غافر:39).
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)،(غافر:40)
هؤلاءِ همْ السعداء الذين عملوا الأعمال الصالحة،والأعمال الصالحة محلها هذه الدنيا،الآخرة ما فيها عمل ما فيها إلا جزاء ولذلك الكفار يتمنون إذا دخلوا النار أنهم يعودون للدنيا،من أجل أن يعملوا صالحاً، بل إذا حضر أحدهم الموت(قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ **لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ)،(المؤمنون: 100 -99)
فهم إذا عاينوا اليقين وعاينوا الحقيقة عرفوا أنهم خسروا،فيتمنون الرجوع ولن يرجعوا إلى الدنيا هذا محال،فمحل العمل هو هذه الدنيا إذا فاتتك الدنيا ولم تعمل فيها فاتتك الآخرة، فتكون ممن خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين،(ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى)، (النحل:97)
لم يفرق الله بين الذكر والأنثى في الجزاء ولم يُفرقْ بينهم في الأعمال، الذكر والأنثى سواء إنما يفترق الذكر والأنثى في بعضِ الأحكام التي لا تنطبق على الأنثى، فجعل للرجال أعمالاً وصفاتٍ تنطبقُ عليهم وتليقُ بهم، وجعل للنساءِ أعمالاً دنيوية،أعمال الدنيا للنساء أعمال خاصة بهن
فلا الرجال يتولون أعمال النساء ولا النساء تتولى أعمال الرجال في الدنيا، أما العمل للآخرة فكلهم سواء ،(ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) (النحل:97)
بهذا الشرط لأن المنافق يعمل لكن غير مؤمن،عمله مردود وهو في الدرك الأسفلِ من النار، لأنه يتظاهر بالأعمال،(وإذا لقوكم قالوا آمنا) تظاهرَ بالأعمال يُصلي، ويصوم، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله لأجل أن يسلمَ على دمهِ ومالهِ ويعيش مع الناس ولكنه لا يؤمن في قلبه، ولهذا قال وهو مؤمن بهذا القيد (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، (النحل:97)
هذا في الدنيا يحيى حياة طيبة لذيذة مطمئن القلب، ولهذا تجدون أهل الطاعة من ألذ الناس حياةً وأوفرهم راحةً، لأن الراحة راحة القلوب ما هي براحة الأبدان راحة القلوب فهم مُرتاحون في قلوبهم،يعيشون بذكر الله ويتنعمون بذكر الله عز وجل، ما هم بيتنعمون بالشهوات والملذات والنزهات و...الخ لا .
يتنعمون بذكر الله هو نعيمهم، ولهذا يقولوا بعضهم إن كانوا أهل الجنة في مثلِ ما نحنُ فيه إنهم لفي عيشٍ طيب، لما يجدونه من الراحة والطمأنينة واللذة لذة العبادة ولذة الذكر في هذه الحياة
بينما الكفار ولو أُعطوا الدنيا كلها والملذات كلها فإنهم في شقاء وعناء لأن قلوبهم مُستوحشة والعياذ بالله،قلوبهم مستوحشة ووجهوهم مسودة،أما المؤمن فإنه يحيى حياةً طيبة في هذه الدنيا ،حياة طيبة على الإيمان وذكر الله عز وجل ويتلذذ بالطاعة ويأنس بالعبادة ،ولهذا يقول الآخر: أهلُ الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،قيل وما أحلى ما فيها؟،قال ذكرُ الله عز وجل. هذا أحلى ما في الدنيا، خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،هذا حرمان والعياذُ بالله فلنحيينه حياة طيبة،في الدنيا بالعبادة ،والذكر، وطاعة الله عز وجل، والطمأنينة ،والإيمان، والنور ثم في الآخرة ،(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ)؛(العنكبوت:7).
يدخلون الجنة ويتنعمون فيها، نعيماً دائماً لا ينقطع كما ما يكن في الدنيا، ولا يخافون من عدو ولا يخافون من مرض، ولا يخافون من موت ولا يخافون من هرم ، ولا يخافون من فقر ولا يخافون من حاجة أبداً آمنون (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)؛ (سبأ:37)
(ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ )،(الحجر:46)
(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(العنكبوت:7).
هذه هي الحياةِ الطيبة ولكنها تحتاجُ إلى إيمان ،تحتاجُ إلى علمٍ وبصيرة،وتحتاجُ إلى صبر وثبات،حتى يطمئن الإنسان فلا تزحزحهُ العواصف ،لا تزحزحه العواصف والفتن بل يكون ثابتاً، ثبات الجبال إن أنعم الله عليه شكر وإن ابتلاهُ صبر، فهذا هو المؤمن.وفي الآخرة ينال النعيم الدائم واللذة التي لا تنقطع،ويأمن من جميع المخاوف والمكدرات،تذهب الشحناء من قلوبهم ويكونون إخوةً،إخوةً على سرر متقابلين ،ليس في قلوبهم غلْ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)؛(الحجر:47)
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابهِ أجمعين..
أما بعد...
فإن عنوان هذه الكلمة هو"الحياة السعيدة"،أو" الحياة الطيبة،لا شك إن كل أحد يطلب الحياة السعيدة، والحياة الطيبة،ويريدها ولكن الشأن فيما يحقق هذا المطلب،والأسباب التي تؤدي إليه، هذا محل الاختلاف بين بني البشر ، فمن الناس من يرى أن الحياة السعيدة والحياة الطيبة أن ينال الإنسان من ملذات الدنيا وشهواتها، وأنْ يُعطى ما يطلب من مُتع الحياةِ الدنيا،
يرى أنٌ هذا هو الحياة السعيدة والحياة الطبية ، ولذلك قال الله جلٌ وعلا : (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)
(البقرة:200)
قال سبحانه وتعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)؛
(آل عمران:14)
قال الله جلٌ وعلا: (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ*قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)؛
(آل عمران: -15-14)
قال تعالى: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ ) (الرعد: 26) ؛
وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَتنا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ *أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؛ (يونس:10-9-8-7).
فهذا الصُنفْ من الناس قاصر النظر لأنه قصر نظره على هذه الحياة، وظن أنها هي مناط السعادة والحياة الطيبة في شهواتها ومتاعها،فأُغريَ بها وقصر همته عليها إما لأنه لا يُؤمنُ بالآخرة ،وإما أنهُ يؤمنُ بها ولكن شغلته الدنيا عنِ العملِ لها،فالحاصل أن هذا خاسر وحياتهُ تعِسةٍ مهما أوتيَ من الأموال والمُتع والملذات فإن هذا استدراجٌ من الله، ومتاعٌ قليل ثم يُعْقِبهُ حسرةٌ دائمة قال تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)؛( التوبة:55)
قال سبحانه: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ. مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ)؛ ( المؤمنون:56-55)
فالدنيا يُعطيها الله من يُحب ومن لا يُحب كما في الحديث الصحيح عنِ النبي "صلى الله عليه وسلم" إنه قال: (إن الله يُعطي الدنيا من يُحب ومن لا يُحب، ولا يُعطي الدين إلا من يُحب)؛ وقال: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربةَ ماء).
وكان عيشُ النبي "صلى الله عليه وسلم"وهو سيدُ المرسلينِ وإمامُ المتقين، كما تعلمون أنه "صلى الله عليه وسلم" كان يجوعُ حتى يربطُ الحجر على بطنه من الجوع، وكان يَنامُ على الحصير حتى يُؤثر في جنبه، "عليه الصلاة والسلام" .
وكان يُجاهد في سبيل الله ويُجالد ويتعرض للأخطار، وهو رسول الله "صلى الله عليه وسلم". ولو أراد هذه الدنيا لأعطاهُ الله إياه، فالله عرض عليه أنْ يجعلهُ ملكاً رسولاَ كاداوود عليه السلام وسُليمان عليهما السلام ملكاً رسولاً،أو أنْ يجعله رسولاً ولا يكون ملكاً فأختار أن يكونُ رسولاً، وقال أجوع يوماً وأشبعُ يوماً أختار النبي "صلى الله عليه وسلم" هذا. لأن الدنيا متاعٌ زائل وغرورٌ،(وما الحياة الدنيا إلا متاعُ الغرور)، مهما أوتيَ الإنسان منها فإنه إما أن يزول ويتركها،وإما أن تزول وتتركهُ،إنما الحياةُ الباقية والحياةُ الطيبة والحياةُ الدائمة هي الدار الآخرة، قال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)؛ (العنكبوت:64)
يعني الحياة الدائمة(لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) هذا الصنف من الناس ولذلك تجد الدنيا أكبر همهم، يرضون لها ويغضبون لها ويكدحون لها وينفذون أعمارهم في طلبها، وأما الآخرة فإنهم في إعراضٍ عنها أو قلةِ رغبةٍ للعملِ لها وإنْ كانوا يؤمنون بها،
ولهذا قال تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ* يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)؛(الروم:7)
لا نقول أنٌ الإنسان لا يطلبُ الرزق، الإنسان لا يأكلْ مما رزقهُ الله،الله جلٌ وعلا قال: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)؛(الأعراف:31).
قال سبحانه:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)؛(الأعراف:32)
فلا بأسَ أن الإنسان يطلب الرزق الحلال، ولا بأسَ أن يتمتع بما رزقه الله من غيرِ إسراف ومن غيرِ مخيلة، وأعلى من ذلك كله أنْ يستعين بهِ على طاعة الله سبحانه وتعالى.
فيستعين بما رزقهُ الله على طاعة الله والدنيا مزرعةُ الآخرة وهي مطيةُ الآخرة،إنما الملوم هو الذي تكون الدنيا أكبر همه، ولا ينظر إلا إلى الدنيا، ولذلك هذا الصنفْ من الناس لا يُبالي بالحلال والحرام،لا يبالي من أين أخذ المال ومن أين اكتسبه، من حلالاٍ أو حرام هذا هو صاحب الدنيا ولهذا قال"صلى الله عليه وسلم" (تعسَ عبدُ الخميصة ،تعسَ عبدُ الخميلة إن أُعطيَ رضي وإن لم يُعطىَ سخِط)؛ فهذا جعل الدنيا مطلبه وأكبر همهْ ظنناً منه أن السعادة في تحصيلها.
الشاعر يقول:
لعمرك ما السعادة جمع مالٍ
ولكن التقي هو السعيدُ
فتقوى الله خير الزادِ ذخراً
وعند الله للأتقى مزيدُ
هذا صِنفْ؛ الصِنفُ الثاني طلبُوا خيري الدنيا والآخرة، لم يقتصروا على طلب الدعاء للآخرة وإنما طلبوا خيري الدنيا والآخرة،وَمِنْهُمْ (مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) "
فهم جمعوا في دعائِهم أنْ يؤتيهمُ الله من خيري الدنيا والآخرة، هؤلاءِ هم أهلُ السعادة والله جلُ وعلا قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)؛ (النحل:97).
من عمل صالحاً والعمل الصالح هو :
ما اجتمع فيه شرطان:
الشرط الأول/ الإخلاص لله عز وجلْ فلا يكون فيه شركْ لا أكبر ولا أصغر،فإن كان فيه شرك فإن الله لا يقبله،ويردهُ على صاحبهْ؛كما في الحديث القدسي (إن الله جلٌ وعلا قال:أنا أغنى الشركاء عن الشركْ، من عملِ عملاً أشركَ معي فيه غيري تركته وشركَهْ.وفي روايةٍ(فهو للذي أشركْ وأنا منه بريء)؛ هذا الشرط الأول الإخلاص لله عزٌ وجل.
الشرط الثاني/المُتابعة للرسول "صلى الله عليه وسلم" فلا يكون فيه بدعة، ولا خُرافة وإنما يكون على وِفقِ سٌنةِ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حتى يكون عملاً صالحاً،فإن كان مُخالفاً لسنةِ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فهو عملٌ باطل ومردود. قال "صلى الله عليه وسلم":(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ)؛ما ليس منهُ أحدثه هو ولم يأتي عن رسول الله"صلى الله عليه وسلم"وإن كان يستحسنه ويرى أنه خير وأنه...لا هو شر، من أحدث في أمرنا هذا يعني هذا الدين ما ليس منه فهو ردٌ،أي مردود عليه.وفي روايةٍ(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ).حتى ولو لم يُحدثه هو لكنه عمِل بهِ،أحدثهُ غيره فعمِل بهِ فهو مردود عليه سواءً هو الذي أحدثه أو أحدثهُ غيره و اقتدى به وتوارثه مع المُبتدعة فإن هذا مردود،لا ينفعُ صاحبه مهما اتعب نفسه فيه.
وهذانِ الشرطان الإخلاص والمُتابعة هما معنى أو من معنى شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنٌ محمداً رسولُ الله .
فمعنى أن لا إله إلا الله: أنْ تُخلص له العمل وتَترك عبادة ما سواه. ؛
ومعنى أشهدُ أن محمداً رسولُ الله:أنْ تقر برسالته وأن تُطيعه فيما أمر وتترك ما نهى عنه "صلى الله عليه وسلم".ويجمعُ هذين الشرطين؛قوله تعالى: (بَلَى مِنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)؛(البقرة:112)
أسلم وجههُ لله: هذا الإخلاص، وهو مُحْسن: أي متبع للرسول"صلى الله عليه وسلم".
فإذا كان العملُ موافقاً لسنة الرسولِ "صلى الله عليه وسلم" لكنه ليس خالصاً لله فهو مردود وكذلك العكس إذا كان العملُ خالصاً لله لكنه مُخالفاً لسنة رسولِ الله "صلى الله عليه وسلم". فهو مردودٌ أيضاَ.
ولهذا قال جلٌ وعلا: (الّذِي خَلَقَ الموت والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً)؛(تبارك:2)
قال أيكم أحسنُ عملاَ ولم يقل أيكم أكثرُ عملاَ، لأن العبرة ليست بالكثرة العبرة بالحُسنْ أنْ يكون العملُ حسناً، أيكم أحسنُ عملاَ؛( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا)؛(الكهف:7)
(فائدة)
لم يقل أيهم أكثرُ عملاَ، الكثير إذا لم يكنْ حسناً فهو مردود، أيكم أحسنُ عملاَ قال.
سئُل الفضيل ابن عياض "رحمه الله": (قيل يا أبا علي أيكم أحسنُ عملاَ؟ قال:أخلصه وأصوبه).فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكنْ صواباً لم يُقبل،وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً، لم يُقبل حتى يكون خالصاً صواب.
بهذين الشرطين فهؤلاءِ الصفوة المُختارة همُ الذين عرفوا قدر الحياة الدنيا، وعرفوا أنها دارُ ممر، وأنها مزرعة للآخرة فاستغلوها في طاعة الله عز وجل.
قال الشاعر:
إن لله عباداً فُطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما راوها لُجةً جعلوا صالح الأعمالِ فيها سفنا
هذه الدنيا وقال"صلى الله عليه وسلم": (مالي وللدنيا إنما مثَلي ومثل الدنيا كمثلِ راكبٍ قال تحت ظلِ دوحة)،قال يعني وقت القيلولة (جلس تحت شجرة يستظل ويستريح وسط النهار ثم ذهب وتركها)،فالدنيا كذلك ليست دار قرار .
الله جل وعلا قال: (وإن الآخرة لهي دار القرار)؛( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ) (غافر:39).
يقول مؤمن آل فرعون يقول لقومه: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ لهِيَ دَارُالْقَرَارِ)؛ (غافر:39).
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)،(غافر:40)
هؤلاءِ همْ السعداء الذين عملوا الأعمال الصالحة،والأعمال الصالحة محلها هذه الدنيا،الآخرة ما فيها عمل ما فيها إلا جزاء ولذلك الكفار يتمنون إذا دخلوا النار أنهم يعودون للدنيا،من أجل أن يعملوا صالحاً، بل إذا حضر أحدهم الموت(قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ **لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ)،(المؤمنون: 100 -99)
فهم إذا عاينوا اليقين وعاينوا الحقيقة عرفوا أنهم خسروا،فيتمنون الرجوع ولن يرجعوا إلى الدنيا هذا محال،فمحل العمل هو هذه الدنيا إذا فاتتك الدنيا ولم تعمل فيها فاتتك الآخرة، فتكون ممن خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين،(ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى)، (النحل:97)
لم يفرق الله بين الذكر والأنثى في الجزاء ولم يُفرقْ بينهم في الأعمال، الذكر والأنثى سواء إنما يفترق الذكر والأنثى في بعضِ الأحكام التي لا تنطبق على الأنثى، فجعل للرجال أعمالاً وصفاتٍ تنطبقُ عليهم وتليقُ بهم، وجعل للنساءِ أعمالاً دنيوية،أعمال الدنيا للنساء أعمال خاصة بهن
فلا الرجال يتولون أعمال النساء ولا النساء تتولى أعمال الرجال في الدنيا، أما العمل للآخرة فكلهم سواء ،(ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) (النحل:97)
بهذا الشرط لأن المنافق يعمل لكن غير مؤمن،عمله مردود وهو في الدرك الأسفلِ من النار، لأنه يتظاهر بالأعمال،(وإذا لقوكم قالوا آمنا) تظاهرَ بالأعمال يُصلي، ويصوم، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله لأجل أن يسلمَ على دمهِ ومالهِ ويعيش مع الناس ولكنه لا يؤمن في قلبه، ولهذا قال وهو مؤمن بهذا القيد (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، (النحل:97)
هذا في الدنيا يحيى حياة طيبة لذيذة مطمئن القلب، ولهذا تجدون أهل الطاعة من ألذ الناس حياةً وأوفرهم راحةً، لأن الراحة راحة القلوب ما هي براحة الأبدان راحة القلوب فهم مُرتاحون في قلوبهم،يعيشون بذكر الله ويتنعمون بذكر الله عز وجل، ما هم بيتنعمون بالشهوات والملذات والنزهات و...الخ لا .
يتنعمون بذكر الله هو نعيمهم، ولهذا يقولوا بعضهم إن كانوا أهل الجنة في مثلِ ما نحنُ فيه إنهم لفي عيشٍ طيب، لما يجدونه من الراحة والطمأنينة واللذة لذة العبادة ولذة الذكر في هذه الحياة
بينما الكفار ولو أُعطوا الدنيا كلها والملذات كلها فإنهم في شقاء وعناء لأن قلوبهم مُستوحشة والعياذ بالله،قلوبهم مستوحشة ووجهوهم مسودة،أما المؤمن فإنه يحيى حياةً طيبة في هذه الدنيا ،حياة طيبة على الإيمان وذكر الله عز وجل ويتلذذ بالطاعة ويأنس بالعبادة ،ولهذا يقول الآخر: أهلُ الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،قيل وما أحلى ما فيها؟،قال ذكرُ الله عز وجل. هذا أحلى ما في الدنيا، خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،هذا حرمان والعياذُ بالله فلنحيينه حياة طيبة،في الدنيا بالعبادة ،والذكر، وطاعة الله عز وجل، والطمأنينة ،والإيمان، والنور ثم في الآخرة ،(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ)؛(العنكبوت:7).
يدخلون الجنة ويتنعمون فيها، نعيماً دائماً لا ينقطع كما ما يكن في الدنيا، ولا يخافون من عدو ولا يخافون من مرض، ولا يخافون من موت ولا يخافون من هرم ، ولا يخافون من فقر ولا يخافون من حاجة أبداً آمنون (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)؛ (سبأ:37)
(ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ )،(الحجر:46)
(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(العنكبوت:7).
هذه هي الحياةِ الطيبة ولكنها تحتاجُ إلى إيمان ،تحتاجُ إلى علمٍ وبصيرة،وتحتاجُ إلى صبر وثبات،حتى يطمئن الإنسان فلا تزحزحهُ العواصف ،لا تزحزحه العواصف والفتن بل يكون ثابتاً، ثبات الجبال إن أنعم الله عليه شكر وإن ابتلاهُ صبر، فهذا هو المؤمن.وفي الآخرة ينال النعيم الدائم واللذة التي لا تنقطع،ويأمن من جميع المخاوف والمكدرات،تذهب الشحناء من قلوبهم ويكونون إخوةً،إخوةً على سرر متقابلين ،ليس في قلوبهم غلْ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)؛(الحجر:47)