رهام
08-01-2013, 04:56 PM
http://www.gamr15.org/up//uploads/images/gamr15.com-cf8552a41b.gif
أهلا بكم أحبائي في سهرتنا الثالثه والعشرون
والتي سنتحدث فيها عن معجزة الإسراء والمعراج
وتقديراً مني لعظمة هذا الجلل
قررت أن تكون المقدمه لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سـيد المرسـلين وإمـام المعلمين سـيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.
اللهم أخرجنـا من ظلمـات الجهل والوهم، إلى أنوار المعـرفة والعلم، ومن وحول الشـهوات، إلى جنـات القربـات.
وبعد فهذا كتيب، متواضع في حجمه، جعلت مـن موضوعه ـ الإسراء والمعراج ـ منطلقاً إلى إيضاح بعض الحقائـق التي يحتاجـها المؤمن في سيره إلى الله فلعلها تنيـر له الطريـق، فيسـهل عليه حينئذ، تذليل العقبات، وبلوغ الغايات.
فما مـن محنـة يمـر بهـا المؤمن، إلا ووراءها منحة
من الله الجليل الكريم. وما من شـدة تنزل بالمؤمن، إلا ووراءها شدة إلى الله العلي الكبير.
روى الإمـام مسـلم في صحيحه عـن صـهيب أن رسـول الله قال:
(( عجباً لأمر المؤمن، إن أمـره كلـه خير، وليـس ذلك لأحـد إلا للمؤمن، إن أصـابته سـراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صـبر فكان خيـراً له ))
وشـاءت حكمة الله جـل جلالـه أن يـكون النبـي مبلغاً، ومبيناً، ومشرعـاً، في أقوالـه، وفي أفعالـه، وفي إقراره، وفي صـفاته، لأن الله عصـمه عن أن يخطئ فـي كل أولئك:
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُـمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[ النحل: 44 ]
لهذا أمـرنا الله في نص القرآن الكريم بدلالة قطعية أن نأخذ عنه فقال:
﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
[ الحشر: 7 ].
وشـاءت حكمة الله أيضـاً، أن تكون المهمـة الكبـرى التي أنيطت بالنبي ، والتي تبرز أثـر النبوة المعجز فـي أمتـه والأمم الأخـرى هـي مهمـة القدوة، والأسـوة، والمثل، لأن أكثـر النـاس يحسـنون الحديث عن المثـل العليا، ولكنهـم لا يعيشـونها، لهذا كانت حيـاة الأنبياء إعجـازاً ونتائـج دعوتهم إعجـازاً، قال تعالـى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
[ الأحزاب:21 ]
روى الإمـام أحمد فـي مسـنده، والترمذي، وابـن حبـان، وابـن ماجـه، عن أنس، رضـي الله عنـه أن رسـول الله قال:
(( لقـد أوذيـت في الله، ومـا يـؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحـد، ولقد أتـت علـي ثلاثـون، مـن بين يوم وليلة، ومالي ولبـلال طعام، يأكلـه ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال ))
لقد تحمل النبي كل ألـوان التـكذيب والسـخرية والإيـذاء فـوقف المـوقف الـكامل، وما زاد عن أن قال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
ولقد ذاق النبي لذة النصر يوم فتح مكة على الذين أخرجوه وبالغوا في الإساءة إليه، ونـكلوا بأصـحابه أشد التنـكيل، فـوقف المـوقف الـكامل، إذا كادت عمامتـه تلامس عنق بعيره، شـكراً لله، وتواضعاً، وما زاد عـن أن قال لهم: (( اذهبوا فأنتم الطلقاء ))
* * *
فلعل في حـدث الإسـراء والمعراج الـذي جعله الله تـكريماً لنبيه المصـطفى، ومسـحاً لجراح الماضي، وتثبيتاً لـقلب النبي الـكريم، وتطميناً على مسـتقبل الدعوة، وتعويضاً عن جفوة الأرض، بحفاوة السـماء، وعن قسـوة عالم الناس، بتكريم الملأ الأعلى.
لعل في حدث الإسراء والمعراج الذي يعد من أضـخم أحداث الدعوة الإسـلامية حيث سـبقته البعثة وجـاءت مـن بعده الهجرة دروسـاً بليغة للمسـلمين في حاضرهم وفي مستقبلهم.
أرجوا الله أن يـكون عملي المتواضع هذا خالصـاً وصـواباً.
والله من وراء القصد.
الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج في العقيدة الإسلامية حادثة جرت في منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشر إلى السنة الثانية عشر منذ أعلن النبي محمد أن الله قد أرسل جبريل يكلفه برسالة دينية يبلغها إلى قبيلته قريش ومن ثم إلى البشرية وأنها تتمة وخاتمة لرسالات السماءالسابقة، وحسب التاريخ الإسلامي للفترة هذه والمصطلح على تسميته السيرة النبوية يعد الإسراء الرحلة التي قام بها النبي محمد على البراق مع جبريل ليلا من بلده مكة إلى بيت المقدس في فلسطين، وهي رحلة استهجنت قبيلة قريش حدوثها لدرجة أن بعضهم صار يصفق ويصفر مستهزئاً ولكن النبي محمد على تأكيدها وأنه انتقل بعد من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل أوحسب التعبير الإسلامي عرج به إلى الملآ الآعلى عند سدرة المنتهى أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليه في السماء وعاد بعد ذلك في نفس الليلة. ورد في سورة الإسراء ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)﴾
ويؤكد علماء المسلمين أن هذه الرحلة تمت بالروح والجسد معاً وإلا لما حصل لها الإنكار المبالغ فيه من قبيلة قريش، وأن هذه الرحلة تجاوزت حدود الزمان والمكان.
روي عن ابن هشام في السيرة النبوية :
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/3/33/Cquote2.png/20px-Cquote2.pngقال : ثم أسري برسول الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو بيت المقدس من إيلياء، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش، وفي القبائل كلها
قال ابن إسحاق : كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه، عن عبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري ،وعائشة زوج النبي، ومعاوية بن أبي سفيان، والحسن بن أبي الحسن البصري، وابن شهاب الزهري، وقتادة وغيرهم من أهل العلم، وأم هانئ بنت أبي طالب، ما اجتمع في هذا الحديث، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أُسري به، وكان في مسراه، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص، وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه، فيه عبرة لأولي الألباب، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق، وكان من أمر الله سبحانه والله على يقين، فأسرى به سبحانه والله كيف شاء، ليريه من آياته ما أراد، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم، وقدرته التي يصنع بها ما يريد .
رواية عبد الله بن مسعود عن الإسراء
فكان عبد الله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول :
أُتي رسول الله ) بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في منتهى طرفها - فحُمل عليها، ثم خرج به صاحبه، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض، حتى انتهى إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له، فصلى بهم . ثم أُتي بثلاثة آنية، إناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، وإناء فيه ماء . قال : فقال رسول الله () : فسمعت قائلا يقول حين عُرضت علي : إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته . قال : فأخذت إناء اللبن، فشربت منه، فقال لي جبريل : هُديت وهديت أمتك يا محمد .
رواية الحسن عن مسراه
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن الحسن أنه قال : قال رسول الله : بينا أنا نائم في الحجر، إذ جاءني جبريل، فهمزني بقدمه، فجلست فلم أر شيئا، فعدت إلى مضجعي، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه، فجلست ولم أر شيئا، فعدت إلى مضجعي، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه، فجلست، فأخذ بعضدي، فقمت معه، فخرج بي إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض، بين البغل والحمار، في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع يده في منتهى طرفه، فحملني عليه، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته . [بحاجة لمصدر]
رواية قتادة عن مسراه
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن قتادة أنه قال : حُدثت أن رسول الله قال : لما دنوت منه لأركبه شَـمَس، فوضع جبريل يده على مَعرفته، ثم قال : ألا تستحي يا براق مما تصنع، فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه . قال : فاستحيا حتى ارفضّ عرقا، ثم قر حتى ركبته . [بحاجة لمصدر]
تفسير كلمة البراق في الروايات الإسلامية:
هو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه.
عودة إلى رواية الحسن
قال الحسن في حديثه : فمضى رسول الله ، ومضى جبريل معه، حتى انتهى به إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء، فأمَّهم رسول الله فصلى بهم، ثم أُتي بإناءين، في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن .[بحاجة لمصدر] قال : فأخذ رسول الله إناء اللبن، فشرب منه، وترك إناء الخمر . قال : فقال له جبريل : هديت للفطرة، وهديت أمتك يا محمد، وحرمت عليكم الخمر . ثم انصرف رسول الله إلى مكة، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر . فقال أكثر الناس : هذا والله الإمْر البين، والله إن العير لتطرد، شهرا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرا مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة، ويرجع إلى مكة ! قال : فارتد كثير ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر، فقالوا له : هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة . قال : فقال لهم أبو بكر : إنكم تكذبون عليه ؛ فقالوا : بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ؛ فقال أبو بكر : والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يُعجبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله، فقال: يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال : نعم ؛ قال : يا نبي الله، فصفه لي، فإني قد جئته - قال الحسن : فقال رسول الله : فرُفع لي حتى نظرت إليه - فجعل رسول الله () يصفه لأبي بكر، ويقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنك رسول الله، كلما وصف له منه شيئا، قال : صدقت، أشهد أنك رسول الله، حتى إذا انتهى، قال رسول الله لأبي بكر: وأنت يا أبا بكر الصديق ؛ فيومئذ سماه الصديق . قال الحسن : وأنزل الله فيمن ارتد عن إسلامه لذلك: ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا(60) ) .
فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله. وما دخل فيه من حديث قتادة.
وصفه لإبراهيم وموسى وعيسى
قال ابن إسحاق : وزعم الزهرى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة، فقال : أما إبراهيم، فلم أر رجلا أشبه قط بصاحبكم، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ وأما موسى، فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة ؛ وأما عيسى بن مريم، فرجل أحمر، بين القصير والطويل، سبط الشعر، كثير خِيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس، تخال رأسه يقطر ماء، وليس به ماء، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي .
رواية أم هانئ عن الإسراء
قال محمد بن إسحاق : وكان فيما بلغني عن أمر هانئ بنت أبي طالب ا، واسمها هند، في مسرى رسول الله ()، أنها كانت تقول : ما أُسري برسول الله () إلا وهو في بيتي، نام عندي تلك الليلة في بيتي، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله () ؛ فلما صلى الصبح وصلينا معه، قال : يا أم هانئ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين، ثم قام ليخرج، فأخذت بطرف ردائه، فتكشَّف عن بطنه كأنه قُبطية مطوية، فقلت له : يا نبي الله، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك §ويؤذوك ؛ قال : والله لأحدثنهموه .
قالت : فقلت لجارية لي حبشية : ويحك اتبعي رسول الله () حتى تسمعي ما يقول للناس، وما يقولون له . فلما خرج رسول الله إلى الناس أخبرهم، فعجبوا وقالوا : ما آية ذلك يا محمد ؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط ؛ قال : آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة، فندَّ لهم بعير، فدللتهم عليه، وأنا موجَّه إلى الشام .
ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان، فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان ؛ وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء، ثنية التنعيم، يقدمها جمل أورق، عليه غرارتان، إحداهما سوداء، والآخرى برقاء . قالت : فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم، وسألوهم عن الإناء، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه، ولم يجدوا فيه ماء . وسألوا الآخرين وهم بمكة، فقالوا : صدق والله، لقد أُنْفرنا في الوادي الذي ذكر، وندّ لنا بعير، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه، حتى أخذناه .«»
أهلا بكم أحبائي في سهرتنا الثالثه والعشرون
والتي سنتحدث فيها عن معجزة الإسراء والمعراج
وتقديراً مني لعظمة هذا الجلل
قررت أن تكون المقدمه لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سـيد المرسـلين وإمـام المعلمين سـيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.
اللهم أخرجنـا من ظلمـات الجهل والوهم، إلى أنوار المعـرفة والعلم، ومن وحول الشـهوات، إلى جنـات القربـات.
وبعد فهذا كتيب، متواضع في حجمه، جعلت مـن موضوعه ـ الإسراء والمعراج ـ منطلقاً إلى إيضاح بعض الحقائـق التي يحتاجـها المؤمن في سيره إلى الله فلعلها تنيـر له الطريـق، فيسـهل عليه حينئذ، تذليل العقبات، وبلوغ الغايات.
فما مـن محنـة يمـر بهـا المؤمن، إلا ووراءها منحة
من الله الجليل الكريم. وما من شـدة تنزل بالمؤمن، إلا ووراءها شدة إلى الله العلي الكبير.
روى الإمـام مسـلم في صحيحه عـن صـهيب أن رسـول الله قال:
(( عجباً لأمر المؤمن، إن أمـره كلـه خير، وليـس ذلك لأحـد إلا للمؤمن، إن أصـابته سـراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صـبر فكان خيـراً له ))
وشـاءت حكمة الله جـل جلالـه أن يـكون النبـي مبلغاً، ومبيناً، ومشرعـاً، في أقوالـه، وفي أفعالـه، وفي إقراره، وفي صـفاته، لأن الله عصـمه عن أن يخطئ فـي كل أولئك:
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُـمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[ النحل: 44 ]
لهذا أمـرنا الله في نص القرآن الكريم بدلالة قطعية أن نأخذ عنه فقال:
﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
[ الحشر: 7 ].
وشـاءت حكمة الله أيضـاً، أن تكون المهمـة الكبـرى التي أنيطت بالنبي ، والتي تبرز أثـر النبوة المعجز فـي أمتـه والأمم الأخـرى هـي مهمـة القدوة، والأسـوة، والمثل، لأن أكثـر النـاس يحسـنون الحديث عن المثـل العليا، ولكنهـم لا يعيشـونها، لهذا كانت حيـاة الأنبياء إعجـازاً ونتائـج دعوتهم إعجـازاً، قال تعالـى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
[ الأحزاب:21 ]
روى الإمـام أحمد فـي مسـنده، والترمذي، وابـن حبـان، وابـن ماجـه، عن أنس، رضـي الله عنـه أن رسـول الله قال:
(( لقـد أوذيـت في الله، ومـا يـؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحـد، ولقد أتـت علـي ثلاثـون، مـن بين يوم وليلة، ومالي ولبـلال طعام، يأكلـه ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال ))
لقد تحمل النبي كل ألـوان التـكذيب والسـخرية والإيـذاء فـوقف المـوقف الـكامل، وما زاد عن أن قال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
ولقد ذاق النبي لذة النصر يوم فتح مكة على الذين أخرجوه وبالغوا في الإساءة إليه، ونـكلوا بأصـحابه أشد التنـكيل، فـوقف المـوقف الـكامل، إذا كادت عمامتـه تلامس عنق بعيره، شـكراً لله، وتواضعاً، وما زاد عـن أن قال لهم: (( اذهبوا فأنتم الطلقاء ))
* * *
فلعل في حـدث الإسـراء والمعراج الـذي جعله الله تـكريماً لنبيه المصـطفى، ومسـحاً لجراح الماضي، وتثبيتاً لـقلب النبي الـكريم، وتطميناً على مسـتقبل الدعوة، وتعويضاً عن جفوة الأرض، بحفاوة السـماء، وعن قسـوة عالم الناس، بتكريم الملأ الأعلى.
لعل في حدث الإسراء والمعراج الذي يعد من أضـخم أحداث الدعوة الإسـلامية حيث سـبقته البعثة وجـاءت مـن بعده الهجرة دروسـاً بليغة للمسـلمين في حاضرهم وفي مستقبلهم.
أرجوا الله أن يـكون عملي المتواضع هذا خالصـاً وصـواباً.
والله من وراء القصد.
الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج في العقيدة الإسلامية حادثة جرت في منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشر إلى السنة الثانية عشر منذ أعلن النبي محمد أن الله قد أرسل جبريل يكلفه برسالة دينية يبلغها إلى قبيلته قريش ومن ثم إلى البشرية وأنها تتمة وخاتمة لرسالات السماءالسابقة، وحسب التاريخ الإسلامي للفترة هذه والمصطلح على تسميته السيرة النبوية يعد الإسراء الرحلة التي قام بها النبي محمد على البراق مع جبريل ليلا من بلده مكة إلى بيت المقدس في فلسطين، وهي رحلة استهجنت قبيلة قريش حدوثها لدرجة أن بعضهم صار يصفق ويصفر مستهزئاً ولكن النبي محمد على تأكيدها وأنه انتقل بعد من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل أوحسب التعبير الإسلامي عرج به إلى الملآ الآعلى عند سدرة المنتهى أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليه في السماء وعاد بعد ذلك في نفس الليلة. ورد في سورة الإسراء ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)﴾
ويؤكد علماء المسلمين أن هذه الرحلة تمت بالروح والجسد معاً وإلا لما حصل لها الإنكار المبالغ فيه من قبيلة قريش، وأن هذه الرحلة تجاوزت حدود الزمان والمكان.
روي عن ابن هشام في السيرة النبوية :
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/3/33/Cquote2.png/20px-Cquote2.pngقال : ثم أسري برسول الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو بيت المقدس من إيلياء، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش، وفي القبائل كلها
قال ابن إسحاق : كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه، عن عبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري ،وعائشة زوج النبي، ومعاوية بن أبي سفيان، والحسن بن أبي الحسن البصري، وابن شهاب الزهري، وقتادة وغيرهم من أهل العلم، وأم هانئ بنت أبي طالب، ما اجتمع في هذا الحديث، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أُسري به، وكان في مسراه، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص، وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه، فيه عبرة لأولي الألباب، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق، وكان من أمر الله سبحانه والله على يقين، فأسرى به سبحانه والله كيف شاء، ليريه من آياته ما أراد، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم، وقدرته التي يصنع بها ما يريد .
رواية عبد الله بن مسعود عن الإسراء
فكان عبد الله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول :
أُتي رسول الله ) بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في منتهى طرفها - فحُمل عليها، ثم خرج به صاحبه، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض، حتى انتهى إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له، فصلى بهم . ثم أُتي بثلاثة آنية، إناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، وإناء فيه ماء . قال : فقال رسول الله () : فسمعت قائلا يقول حين عُرضت علي : إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته . قال : فأخذت إناء اللبن، فشربت منه، فقال لي جبريل : هُديت وهديت أمتك يا محمد .
رواية الحسن عن مسراه
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن الحسن أنه قال : قال رسول الله : بينا أنا نائم في الحجر، إذ جاءني جبريل، فهمزني بقدمه، فجلست فلم أر شيئا، فعدت إلى مضجعي، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه، فجلست ولم أر شيئا، فعدت إلى مضجعي، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه، فجلست، فأخذ بعضدي، فقمت معه، فخرج بي إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض، بين البغل والحمار، في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع يده في منتهى طرفه، فحملني عليه، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته . [بحاجة لمصدر]
رواية قتادة عن مسراه
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن قتادة أنه قال : حُدثت أن رسول الله قال : لما دنوت منه لأركبه شَـمَس، فوضع جبريل يده على مَعرفته، ثم قال : ألا تستحي يا براق مما تصنع، فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه . قال : فاستحيا حتى ارفضّ عرقا، ثم قر حتى ركبته . [بحاجة لمصدر]
تفسير كلمة البراق في الروايات الإسلامية:
هو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه.
عودة إلى رواية الحسن
قال الحسن في حديثه : فمضى رسول الله ، ومضى جبريل معه، حتى انتهى به إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء، فأمَّهم رسول الله فصلى بهم، ثم أُتي بإناءين، في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن .[بحاجة لمصدر] قال : فأخذ رسول الله إناء اللبن، فشرب منه، وترك إناء الخمر . قال : فقال له جبريل : هديت للفطرة، وهديت أمتك يا محمد، وحرمت عليكم الخمر . ثم انصرف رسول الله إلى مكة، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر . فقال أكثر الناس : هذا والله الإمْر البين، والله إن العير لتطرد، شهرا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرا مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة، ويرجع إلى مكة ! قال : فارتد كثير ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر، فقالوا له : هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة . قال : فقال لهم أبو بكر : إنكم تكذبون عليه ؛ فقالوا : بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ؛ فقال أبو بكر : والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يُعجبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله، فقال: يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال : نعم ؛ قال : يا نبي الله، فصفه لي، فإني قد جئته - قال الحسن : فقال رسول الله : فرُفع لي حتى نظرت إليه - فجعل رسول الله () يصفه لأبي بكر، ويقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنك رسول الله، كلما وصف له منه شيئا، قال : صدقت، أشهد أنك رسول الله، حتى إذا انتهى، قال رسول الله لأبي بكر: وأنت يا أبا بكر الصديق ؛ فيومئذ سماه الصديق . قال الحسن : وأنزل الله فيمن ارتد عن إسلامه لذلك: ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا(60) ) .
فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله. وما دخل فيه من حديث قتادة.
وصفه لإبراهيم وموسى وعيسى
قال ابن إسحاق : وزعم الزهرى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة، فقال : أما إبراهيم، فلم أر رجلا أشبه قط بصاحبكم، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ وأما موسى، فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة ؛ وأما عيسى بن مريم، فرجل أحمر، بين القصير والطويل، سبط الشعر، كثير خِيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس، تخال رأسه يقطر ماء، وليس به ماء، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي .
رواية أم هانئ عن الإسراء
قال محمد بن إسحاق : وكان فيما بلغني عن أمر هانئ بنت أبي طالب ا، واسمها هند، في مسرى رسول الله ()، أنها كانت تقول : ما أُسري برسول الله () إلا وهو في بيتي، نام عندي تلك الليلة في بيتي، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله () ؛ فلما صلى الصبح وصلينا معه، قال : يا أم هانئ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين، ثم قام ليخرج، فأخذت بطرف ردائه، فتكشَّف عن بطنه كأنه قُبطية مطوية، فقلت له : يا نبي الله، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك §ويؤذوك ؛ قال : والله لأحدثنهموه .
قالت : فقلت لجارية لي حبشية : ويحك اتبعي رسول الله () حتى تسمعي ما يقول للناس، وما يقولون له . فلما خرج رسول الله إلى الناس أخبرهم، فعجبوا وقالوا : ما آية ذلك يا محمد ؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط ؛ قال : آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة، فندَّ لهم بعير، فدللتهم عليه، وأنا موجَّه إلى الشام .
ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان، فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان ؛ وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء، ثنية التنعيم، يقدمها جمل أورق، عليه غرارتان، إحداهما سوداء، والآخرى برقاء . قالت : فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم، وسألوهم عن الإناء، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه، ولم يجدوا فيه ماء . وسألوا الآخرين وهم بمكة، فقالوا : صدق والله، لقد أُنْفرنا في الوادي الذي ذكر، وندّ لنا بعير، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه، حتى أخذناه .«»