عاشقة الفردوس
07-11-2014, 11:28 PM
فضل صيام رمضان
لقد أظلنا شهر كريم، وموسم عظيم، يعظم الله فيه الأجر ويجزل المواهب، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهبات {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [سورة البقرة: 185]، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، اشتهرت بفضله الأخبار، وتواترت فيه الآثار .
ولهذا الشهر خصال ادخرها الله لكم، وخصكم بها من بين سائر الأمم، ومنّ بها عليكم ليتمم بها عليكم النعم، وكم لله عليكم من نعم وفضائل {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [سورة آل عمران: 110].
- فمن هذه الخصال أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك (1) ، والخلوف بضم الخاء أو فتحها تغير رائحة الفم عند خلو المعدة من الطعام. وهي رائحة مستكرهة عند الناس لكنها عند الله أطيب من رائحة المسك لأنها ناشئة عن عبادة الله وطاعته. وكل ما نشأ عن عبادته وطاعته فهو محبوب عنده سبحانه يعوض عنه صاحبه ما هو خير وأفضل وأطيب. ألا ترون إلى الشهيد الذي قتل في سبيل الله يريد أن تكون كلمة الله هي العليا يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دما لونه لون الدم وريحه ريح المسك؟ وفي الحج يباهي الله الملائكة بأهل الموقف فيقول سبحانه: «انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شعثا غبرا». رواه أحمد وابن حبان في صحيحه (2) ، وإنما كان الشعث محبوبا إلى الله في هذا الموطن لأنه ناشئ عن طاعة الله باجتناب محظورات الإحرام وترك الترفه.
ومنها أن مردة الشياطين يصفدون بالسلاسل والأغلال فلا يصلون إلى ما يريدون من عباد الله الصالحين من الإضلال عن الحق، والتثبيط عن الخير. وهذا من معونة الله لهم أن حبس عنهم عدوهم الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. ولذلك تجد عند الصالحين من الرغبة في الخير والعزوف عن الشر في هذا الشهر أكثر من غيره.
ففي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين» (3).
وإنما تفتح أبواب الجنة في هذا الشهر لكثرة الأعمال الصالحة وترغيبا للعاملين، وتغلق أبواب النار لقلة المعاصي من أهل الإيمان، وتصفد الشياطين فتغل فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره.
- ومنها أن الله تعالى تكرم على هذه الأمة بمضاعفة الأجور ورفع الدرجات في هذا الشهر إذا قاموا بما ينبغي أن يقوموا به في هذا الشهر المبارك من الصيام والقيام.
وقد تفضل سبحانه على عباده بهذه الأجور من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أنه شرع لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سببا لمغفرة ذنوبهم ورفعة درجاتهم. ولولا أنه شرع ذلك ما كان لهم أن يتعبدوا لله بها. إذ العبادة لا تؤخذ إلا من وحي الله إلى رسله. ولذلك أنكر الله على من يشرعون من دونه، وجعل ذلك نوعا من الشرك، فقال سبحانه: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } [سورة الشورى: 21].
الوجه الثاني: أنه وفقهم للعمل الصالح وقد تركه كثير من الناس. ولولا معونة الله لهم وتوفيقه ما قاموا به. فلله الفضل والمنة بذلك { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [سورة الحجرات: 17].
الوجه الثالث: أنه تفضل بالأجر الكثير؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. فالفضل من الله بالعمل والثواب عليه. والحمد لله رب العالمين.
- ومنها أن الصوم من أفضل العبادات وأجل الطاعات جاءت بفضله الآثار، ونقلت فيه بين الناس الأخبار.
فمن فضائل الصوم أن الله كتبه على جميع الأمم وفرضه عليهم.
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [سورة البقرة: 183]. ولولا أنه عبادة عظيمة لاغنى للخلق عن التعبد بها لله وعما يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله على جميع الأمم.
ومن فضائل الصوم في رمضان أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (4) يعني: إيمانا بالله ورضا بفرضية الصوم عليه واحتسابا لثوابه وأجره، لم يكن كارها لفرضه ولا شاكا في ثوابه وأجره، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (5).
ومن فضائل الصوم أن ثوابه لا يتقيد بعدد معين بل يعطى الصائم أجره بغير حساب. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه». وفي رواية لمسلم: «كل عمل ابن آدم له يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي» (6).
وهذا الحديث الجليل يدل على فضيلة الصوم من وجوه عديدة:
الوجه الأول: أن الله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال، وذلك لشرفه عنده، ومحبته له، وظهور الإخلاص له سبحانه فيه، لأنه سر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله. فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس متمكنا من تناول ما حرم الله عليه بالصيام، فلا يتناوله؛ لأنه يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه ذلك، فيتركه لله خوفا من عقابه، ورغبة في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر الله له هذا الإخلاص، واختص صيامه لنفسه من بين سائر أعماله ولهذا قال: «يدع شهوته وطعامه من أجلي». وتظهر فائدة هذا الاختصاص يوم القيامة كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى إذا لم يبق إلا الصوم يتحمل الله عنه ما بقي من المظالم ويدخله الجنة بالصوم.
الوجه الثاني: أن الله قال في الصوم: «وأنا أجزي به». فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة؛ لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، والعطية بقدر معطيها. فيكون أجر الصائم عظيما كثيرا بلا حساب. والصيام صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس، فقد اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين. وقد قال الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [سورة الزمر: 10].
الوجه الثالث: أن الصوم جنة: أي وقاية وستر يقي الصائم من اللغو والرفث، ولذلك قال: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب» ويقيه أيضا من النار، ولذلك روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جنة يستجن بها العبد من النار» (7).
الوجه الرابع: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك لأنها من آثار الصيام، فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له. وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله حتى إن الشيء المكروه المستخبث عند الناس يكون محبوبا عند الله وطيبا لكونه نشأ عن طاعته بالصيام.
الوجه الخامس: أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. أما فرحه عند فطره فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال الصالحة، وكم أناس حرموه فلم يصوموا. ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرما عليه حال الصوم. وأما فرحه عند لقاء ربه فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله تعالى موفرا كاملا في وقت هو أحوج ما يكون إليه حين يقال: «أين الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله أحد غيرهم» (8). وفي هذا الحديث إرشاد للصائم إذا سابه أحد أو قاتله أن لا يقابله بالمثل لئلا يزداد السباب والقتال وأن لا يضعف أمامه بالسكوت بل يخبره بأنه صائم، إشارة إلى أنه لن يقابله بالمثل احتراما للصوم لا عجزا عن الأخذ بالثأر وحينئذ ينقطع السباب والقتال: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } [سورة فصلت: 34، 35].
ومن فضائل الصوم أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان»، رواه أحمد (9) .
إخواني: فضائل الصوم لا تدرك حتى يقوم الصائم بآدابه. فاجتهدوا في إتقان صيامكم وحفظ حدوده، وتوبوا إلى ربكم من تقصيركم في ذلك.
اللهم احفظ صيامنا واجعله شافعا لنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
لقد أظلنا شهر كريم، وموسم عظيم، يعظم الله فيه الأجر ويجزل المواهب، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهبات {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [سورة البقرة: 185]، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، اشتهرت بفضله الأخبار، وتواترت فيه الآثار .
ولهذا الشهر خصال ادخرها الله لكم، وخصكم بها من بين سائر الأمم، ومنّ بها عليكم ليتمم بها عليكم النعم، وكم لله عليكم من نعم وفضائل {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [سورة آل عمران: 110].
- فمن هذه الخصال أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك (1) ، والخلوف بضم الخاء أو فتحها تغير رائحة الفم عند خلو المعدة من الطعام. وهي رائحة مستكرهة عند الناس لكنها عند الله أطيب من رائحة المسك لأنها ناشئة عن عبادة الله وطاعته. وكل ما نشأ عن عبادته وطاعته فهو محبوب عنده سبحانه يعوض عنه صاحبه ما هو خير وأفضل وأطيب. ألا ترون إلى الشهيد الذي قتل في سبيل الله يريد أن تكون كلمة الله هي العليا يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دما لونه لون الدم وريحه ريح المسك؟ وفي الحج يباهي الله الملائكة بأهل الموقف فيقول سبحانه: «انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شعثا غبرا». رواه أحمد وابن حبان في صحيحه (2) ، وإنما كان الشعث محبوبا إلى الله في هذا الموطن لأنه ناشئ عن طاعة الله باجتناب محظورات الإحرام وترك الترفه.
ومنها أن مردة الشياطين يصفدون بالسلاسل والأغلال فلا يصلون إلى ما يريدون من عباد الله الصالحين من الإضلال عن الحق، والتثبيط عن الخير. وهذا من معونة الله لهم أن حبس عنهم عدوهم الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. ولذلك تجد عند الصالحين من الرغبة في الخير والعزوف عن الشر في هذا الشهر أكثر من غيره.
ففي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين» (3).
وإنما تفتح أبواب الجنة في هذا الشهر لكثرة الأعمال الصالحة وترغيبا للعاملين، وتغلق أبواب النار لقلة المعاصي من أهل الإيمان، وتصفد الشياطين فتغل فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره.
- ومنها أن الله تعالى تكرم على هذه الأمة بمضاعفة الأجور ورفع الدرجات في هذا الشهر إذا قاموا بما ينبغي أن يقوموا به في هذا الشهر المبارك من الصيام والقيام.
وقد تفضل سبحانه على عباده بهذه الأجور من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أنه شرع لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سببا لمغفرة ذنوبهم ورفعة درجاتهم. ولولا أنه شرع ذلك ما كان لهم أن يتعبدوا لله بها. إذ العبادة لا تؤخذ إلا من وحي الله إلى رسله. ولذلك أنكر الله على من يشرعون من دونه، وجعل ذلك نوعا من الشرك، فقال سبحانه: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } [سورة الشورى: 21].
الوجه الثاني: أنه وفقهم للعمل الصالح وقد تركه كثير من الناس. ولولا معونة الله لهم وتوفيقه ما قاموا به. فلله الفضل والمنة بذلك { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [سورة الحجرات: 17].
الوجه الثالث: أنه تفضل بالأجر الكثير؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. فالفضل من الله بالعمل والثواب عليه. والحمد لله رب العالمين.
- ومنها أن الصوم من أفضل العبادات وأجل الطاعات جاءت بفضله الآثار، ونقلت فيه بين الناس الأخبار.
فمن فضائل الصوم أن الله كتبه على جميع الأمم وفرضه عليهم.
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [سورة البقرة: 183]. ولولا أنه عبادة عظيمة لاغنى للخلق عن التعبد بها لله وعما يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله على جميع الأمم.
ومن فضائل الصوم في رمضان أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (4) يعني: إيمانا بالله ورضا بفرضية الصوم عليه واحتسابا لثوابه وأجره، لم يكن كارها لفرضه ولا شاكا في ثوابه وأجره، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (5).
ومن فضائل الصوم أن ثوابه لا يتقيد بعدد معين بل يعطى الصائم أجره بغير حساب. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه». وفي رواية لمسلم: «كل عمل ابن آدم له يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي» (6).
وهذا الحديث الجليل يدل على فضيلة الصوم من وجوه عديدة:
الوجه الأول: أن الله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال، وذلك لشرفه عنده، ومحبته له، وظهور الإخلاص له سبحانه فيه، لأنه سر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله. فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس متمكنا من تناول ما حرم الله عليه بالصيام، فلا يتناوله؛ لأنه يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه ذلك، فيتركه لله خوفا من عقابه، ورغبة في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر الله له هذا الإخلاص، واختص صيامه لنفسه من بين سائر أعماله ولهذا قال: «يدع شهوته وطعامه من أجلي». وتظهر فائدة هذا الاختصاص يوم القيامة كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى إذا لم يبق إلا الصوم يتحمل الله عنه ما بقي من المظالم ويدخله الجنة بالصوم.
الوجه الثاني: أن الله قال في الصوم: «وأنا أجزي به». فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة؛ لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، والعطية بقدر معطيها. فيكون أجر الصائم عظيما كثيرا بلا حساب. والصيام صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس، فقد اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين. وقد قال الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [سورة الزمر: 10].
الوجه الثالث: أن الصوم جنة: أي وقاية وستر يقي الصائم من اللغو والرفث، ولذلك قال: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب» ويقيه أيضا من النار، ولذلك روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جنة يستجن بها العبد من النار» (7).
الوجه الرابع: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك لأنها من آثار الصيام، فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له. وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله حتى إن الشيء المكروه المستخبث عند الناس يكون محبوبا عند الله وطيبا لكونه نشأ عن طاعته بالصيام.
الوجه الخامس: أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. أما فرحه عند فطره فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال الصالحة، وكم أناس حرموه فلم يصوموا. ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرما عليه حال الصوم. وأما فرحه عند لقاء ربه فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله تعالى موفرا كاملا في وقت هو أحوج ما يكون إليه حين يقال: «أين الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله أحد غيرهم» (8). وفي هذا الحديث إرشاد للصائم إذا سابه أحد أو قاتله أن لا يقابله بالمثل لئلا يزداد السباب والقتال وأن لا يضعف أمامه بالسكوت بل يخبره بأنه صائم، إشارة إلى أنه لن يقابله بالمثل احتراما للصوم لا عجزا عن الأخذ بالثأر وحينئذ ينقطع السباب والقتال: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } [سورة فصلت: 34، 35].
ومن فضائل الصوم أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان»، رواه أحمد (9) .
إخواني: فضائل الصوم لا تدرك حتى يقوم الصائم بآدابه. فاجتهدوا في إتقان صيامكم وحفظ حدوده، وتوبوا إلى ربكم من تقصيركم في ذلك.
اللهم احفظ صيامنا واجعله شافعا لنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.