زهرة البونسيانا
07-13-2014, 02:01 PM
من أنت في رمضان؟
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمدلله خالق الأكوان،ومقلب الأزمان عظيم الشأن أحمده سبحانه وأشكره إن بلغنا رمضان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له المنزه عن الشركاء والأعوان،واشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله خير البرية على مر الزمان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهج الهدى ففاز بالأمان.أمابعد:
فأو صيكم معاشر المؤمنين بوصية الله لنا أجمعين التي قال فيها في كتابه الخالد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(1).
أخي الصائم الحبيب هل عرفت من أنت في رمضان؟. أنت المؤمن أنت الموحد أنت الموقن بوعد الله.أنت الذي كم اشتاقت نفسك لبلوغ هذا الشهر فرفعت يديك تطرق أبواب السماء مناشداً ربك جل في علاه:اللهم بلغني رمضان..اللهم بلغني رمضان.فعلم العليم صدق دعائك وبلغك الكريم مرادك،فهل اشتقت لهذا الشهر من أجل البرامج الفكاهية،أم المسلسلات الترفيهية والخلاعية،أم من أجل الفوازير الرمضانية،أم من أجل الأكلات الشعبية ،لا.لا أظنك اشتقت لهذا الشهر إلا لأنه الشهر الذي قال ربك وحبيبك فيه:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ...}(2). فكيف لا تشتاق إلى الشهر الذي أنزل الله فيه دستورك ومنهج حياتك وطريق سعادتك في الدنيا والآخرة ، أنت اشتقت لهذا الشهر رجاء أن تكون من أهل الجنان تلك الجنة التي أعد الله لك فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أعد الله لك فيها أنهاراً وأشجاراً وأطياراً ، أعد لك فيه الحور العين تلك الفئة من النساء الآتي جمل هن الله جل جلاله فمهما سمت أفكارك ومهما جنح خيالك لا تستطيع تصور ما فيهن من الحسن و الجمال وطيب الرائحة.الجنان التي أعدها الله لك فيها نعيم سرمدي لا يحول ولا يزول؛تلك الجنة التي أوجز الله لك مافيها بقوله : {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(3). فالله أكبر ما أشد فرحتك ونعيمك أيها الصائم وأنت تعيش كل يوم حالة وصال مع تلك الجنان فكأنك تنظر إلى جنانك والرب جل في علاه يزينها في كل يوم من أيام هذا الشهر المبارك ويخاطبها فيقول:(..يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ..)(4).
كأنك تنظر إلى قصرك في الجنة لبنة من فضة ولبنة من ذهب وقد تلألأ بالزينة وعبقت رائحته الزكية ونسائم الجنة الطرية تداعب ستره الحريرية،كأنك تنظر إلى حوريتك البيضاء الجميلة الفاتنة المترفة وهي تمد لك يدها الناعمة المنعَّمَة وتغمز بعينها الحوراء الفاتنة وتهمس بصوتها الذي يهز القلب ويطرب الوجدان: ياولي الله مالنا فيك من دولة،كأني بك وقتها قد ذبت في ذاك النعيم فاستعلت نفسك على الدنيا بكل فتنتها وزخرفها وما فيها وشعرت بتقصيرك في جنب ربك فشمرت عن ساعد الجد وعزمت على أن تغتنم هذا الشهر الفضيل المبارك فيما يوصلك لذاك النعيم السرمدي،كأني بك عندها قد فهمت السر وراء تضحيات الصحابة رضوان الله عليهم العظيمة لأنهم ذاقوا نعيم الجنة بأرواحهم فاشتاقت لها أرواحهم وأبدانهم وفهمت عندها قول أنس بن النضر صلى الله عليه وسلم :(الجنة ورب الكعبة إني لأجد ريحها دون أحد).
أنت العبد الصائم في رمضان لك كرامة خاصة عند ربك حتى أن رائحة فمك الناتجة عن خلو معدتك من الطعام والتي يستقذرها الناس هي أطيب عند ربك من ريح المسك،أنت العبد الصائم الذي لم يصم تقليداً للناس ولا وراثة ولا عادة وإنما صام امتثالاً لأمر الذي خلقه وسواه،صام حباً في ربه وإلهه ، صام فرحاً بأمر ربه يوم أن أمره بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ..}حتى قال ربنا جل جلاله:{...فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(5).
أنت العبد الصائم كريم على ربك ومن أجل ذلك وكلَّ الله بك ملائكة كراماً لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يستغفرون لك طوال يومك؛ أخبرك بذلك الصادق المصدوق بقوله : ((..وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا..)(6). كأني بك تعيش تلك الأجواء الملائكية فكلما دعتك نفسك لريبة أو انشغال بلهو تلفت حولك وكأنك تنظر لأولئك الملائكة الكرام وهم يستغفرون لك فتستحي منهم ، بل وتستحي قبلهم من الله الذي أكرمك بهذا الكرم العظيم.
أنت العبد الصائم كريم على ربك فمن أجلك..نعم من أجلك..من أجل أن تتلذذ بعبودية ربك في هذا الشهر الكريم، وحتى لا تنغص عليك هذه الأجواء الإيمانية المفعمة بالغفران صفد الله مردة الشياطين يخبرك نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : ((..وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلَا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ..))(7). فالله أكبر هل عرفت من أنت في رمضان؟.أنت العبد المؤمن الصائم أعطاك الله في هذا الشهر في صيامك ولحظة فطرك دعوة مستجابة تكريماً وتشريفاً وحباً لك من إلهك فانظر أين تضع هذه الدعوة،ضعها في معالي الأمور،ضعها في سؤال الفردوس الأعلى من الجنة، ضعها في لذة النظر إلى جلال وجه الله العظيم،ضعها في نصرة أمة الإسلام وحقن دمائهم، فهل عرفت من أنت في رمضان؟.وماذا أعطيت في رمضان؟.
أنت أعطيت في رمضان فرصة لعتق رقبتك من النار،أعطيت فرصة للعتق من نار تلظى وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد، أعطيت فرصة للنجاة من نار أُوقِدَ عَلَيها أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ(7)لا يضيء شررها ولا يطفأ لهيبها.يسألها ربها هل امتلأت فتقول هل من مزيد ...فتقول هل من مزيد،فهلا تعرضنا جميعاً لنفحات ربنا في هذا الشهر وتذلننا بين يدي الرحيم الرحمن عل الكريم أن ينظر إلى حالنا فيرحمنا ونفوز بتلك النجاة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ(18)أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(19)وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}(8).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله جل جلاله بكرمه وفضله وإحسانه منَّ علينا بالكثير من فرص النجاة في هذا الشهر الكريم فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،علم العليم ضعفنا وعجزنا فأكرمنا بليلة هي خير من ألف شهر ليلة القدر.معاشر الأحبة في الله ها نحن قد عرفنا من نحن في رمضان؟. وعرفنا الكرم الألهي الذي أغدقه علينا ربنا في هذا الشهر الكريم ، فهل بالله عليكم من المعقول والمنطق أن نعيش رمضان كما نعيش غيره من الشهور من حيث الغفلة واللهو؟.هل يكفينا عبادات ظاهرية نؤديها بأجسادنا وقلوبنا في واد آخر.هل يصح أن تعيش بيوتنا نفس نظام الغفلة التي كانت تعيشه من قبل؟. وأعظم من ذلك وأشد أن لا يعرف المرء من هو في رمضان فيوغل مع الأسف في ذنبه وعصيانه؛ فيستزيد في شهر الرحمة من موجبات الغضب!.أيها الأحبة في الله لننقل هذه المعاني لأهلنا وأولادنا في البيوت وإن عجزنا عن إيصالها كما يجب فلنستعن بعد الله بالأشرطة المعينة على ذلك حتى يكونوا عوناً لنا على التغيير.
------------------
(1) آل عمران: 102. (2) البقرة: 185. (3) الزخرف: 71. (4)، (6)أحمد،باقي مسند المكثرين،ح(7576).(5)البقرة:183-185.(7)الترمذي،كتاب صفة جهنم،؛(2516)(حديث موقوف على أبي هريرة).(8) السجدة: 20.
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمدلله خالق الأكوان،ومقلب الأزمان عظيم الشأن أحمده سبحانه وأشكره إن بلغنا رمضان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له المنزه عن الشركاء والأعوان،واشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله خير البرية على مر الزمان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهج الهدى ففاز بالأمان.أمابعد:
فأو صيكم معاشر المؤمنين بوصية الله لنا أجمعين التي قال فيها في كتابه الخالد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(1).
أخي الصائم الحبيب هل عرفت من أنت في رمضان؟. أنت المؤمن أنت الموحد أنت الموقن بوعد الله.أنت الذي كم اشتاقت نفسك لبلوغ هذا الشهر فرفعت يديك تطرق أبواب السماء مناشداً ربك جل في علاه:اللهم بلغني رمضان..اللهم بلغني رمضان.فعلم العليم صدق دعائك وبلغك الكريم مرادك،فهل اشتقت لهذا الشهر من أجل البرامج الفكاهية،أم المسلسلات الترفيهية والخلاعية،أم من أجل الفوازير الرمضانية،أم من أجل الأكلات الشعبية ،لا.لا أظنك اشتقت لهذا الشهر إلا لأنه الشهر الذي قال ربك وحبيبك فيه:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ...}(2). فكيف لا تشتاق إلى الشهر الذي أنزل الله فيه دستورك ومنهج حياتك وطريق سعادتك في الدنيا والآخرة ، أنت اشتقت لهذا الشهر رجاء أن تكون من أهل الجنان تلك الجنة التي أعد الله لك فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أعد الله لك فيها أنهاراً وأشجاراً وأطياراً ، أعد لك فيه الحور العين تلك الفئة من النساء الآتي جمل هن الله جل جلاله فمهما سمت أفكارك ومهما جنح خيالك لا تستطيع تصور ما فيهن من الحسن و الجمال وطيب الرائحة.الجنان التي أعدها الله لك فيها نعيم سرمدي لا يحول ولا يزول؛تلك الجنة التي أوجز الله لك مافيها بقوله : {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(3). فالله أكبر ما أشد فرحتك ونعيمك أيها الصائم وأنت تعيش كل يوم حالة وصال مع تلك الجنان فكأنك تنظر إلى جنانك والرب جل في علاه يزينها في كل يوم من أيام هذا الشهر المبارك ويخاطبها فيقول:(..يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ..)(4).
كأنك تنظر إلى قصرك في الجنة لبنة من فضة ولبنة من ذهب وقد تلألأ بالزينة وعبقت رائحته الزكية ونسائم الجنة الطرية تداعب ستره الحريرية،كأنك تنظر إلى حوريتك البيضاء الجميلة الفاتنة المترفة وهي تمد لك يدها الناعمة المنعَّمَة وتغمز بعينها الحوراء الفاتنة وتهمس بصوتها الذي يهز القلب ويطرب الوجدان: ياولي الله مالنا فيك من دولة،كأني بك وقتها قد ذبت في ذاك النعيم فاستعلت نفسك على الدنيا بكل فتنتها وزخرفها وما فيها وشعرت بتقصيرك في جنب ربك فشمرت عن ساعد الجد وعزمت على أن تغتنم هذا الشهر الفضيل المبارك فيما يوصلك لذاك النعيم السرمدي،كأني بك عندها قد فهمت السر وراء تضحيات الصحابة رضوان الله عليهم العظيمة لأنهم ذاقوا نعيم الجنة بأرواحهم فاشتاقت لها أرواحهم وأبدانهم وفهمت عندها قول أنس بن النضر صلى الله عليه وسلم :(الجنة ورب الكعبة إني لأجد ريحها دون أحد).
أنت العبد الصائم في رمضان لك كرامة خاصة عند ربك حتى أن رائحة فمك الناتجة عن خلو معدتك من الطعام والتي يستقذرها الناس هي أطيب عند ربك من ريح المسك،أنت العبد الصائم الذي لم يصم تقليداً للناس ولا وراثة ولا عادة وإنما صام امتثالاً لأمر الذي خلقه وسواه،صام حباً في ربه وإلهه ، صام فرحاً بأمر ربه يوم أن أمره بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ..}حتى قال ربنا جل جلاله:{...فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(5).
أنت العبد الصائم كريم على ربك ومن أجل ذلك وكلَّ الله بك ملائكة كراماً لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يستغفرون لك طوال يومك؛ أخبرك بذلك الصادق المصدوق بقوله : ((..وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا..)(6). كأني بك تعيش تلك الأجواء الملائكية فكلما دعتك نفسك لريبة أو انشغال بلهو تلفت حولك وكأنك تنظر لأولئك الملائكة الكرام وهم يستغفرون لك فتستحي منهم ، بل وتستحي قبلهم من الله الذي أكرمك بهذا الكرم العظيم.
أنت العبد الصائم كريم على ربك فمن أجلك..نعم من أجلك..من أجل أن تتلذذ بعبودية ربك في هذا الشهر الكريم، وحتى لا تنغص عليك هذه الأجواء الإيمانية المفعمة بالغفران صفد الله مردة الشياطين يخبرك نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : ((..وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلَا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ..))(7). فالله أكبر هل عرفت من أنت في رمضان؟.أنت العبد المؤمن الصائم أعطاك الله في هذا الشهر في صيامك ولحظة فطرك دعوة مستجابة تكريماً وتشريفاً وحباً لك من إلهك فانظر أين تضع هذه الدعوة،ضعها في معالي الأمور،ضعها في سؤال الفردوس الأعلى من الجنة، ضعها في لذة النظر إلى جلال وجه الله العظيم،ضعها في نصرة أمة الإسلام وحقن دمائهم، فهل عرفت من أنت في رمضان؟.وماذا أعطيت في رمضان؟.
أنت أعطيت في رمضان فرصة لعتق رقبتك من النار،أعطيت فرصة للعتق من نار تلظى وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد، أعطيت فرصة للنجاة من نار أُوقِدَ عَلَيها أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ(7)لا يضيء شررها ولا يطفأ لهيبها.يسألها ربها هل امتلأت فتقول هل من مزيد ...فتقول هل من مزيد،فهلا تعرضنا جميعاً لنفحات ربنا في هذا الشهر وتذلننا بين يدي الرحيم الرحمن عل الكريم أن ينظر إلى حالنا فيرحمنا ونفوز بتلك النجاة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ(18)أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(19)وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}(8).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله جل جلاله بكرمه وفضله وإحسانه منَّ علينا بالكثير من فرص النجاة في هذا الشهر الكريم فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،علم العليم ضعفنا وعجزنا فأكرمنا بليلة هي خير من ألف شهر ليلة القدر.معاشر الأحبة في الله ها نحن قد عرفنا من نحن في رمضان؟. وعرفنا الكرم الألهي الذي أغدقه علينا ربنا في هذا الشهر الكريم ، فهل بالله عليكم من المعقول والمنطق أن نعيش رمضان كما نعيش غيره من الشهور من حيث الغفلة واللهو؟.هل يكفينا عبادات ظاهرية نؤديها بأجسادنا وقلوبنا في واد آخر.هل يصح أن تعيش بيوتنا نفس نظام الغفلة التي كانت تعيشه من قبل؟. وأعظم من ذلك وأشد أن لا يعرف المرء من هو في رمضان فيوغل مع الأسف في ذنبه وعصيانه؛ فيستزيد في شهر الرحمة من موجبات الغضب!.أيها الأحبة في الله لننقل هذه المعاني لأهلنا وأولادنا في البيوت وإن عجزنا عن إيصالها كما يجب فلنستعن بعد الله بالأشرطة المعينة على ذلك حتى يكونوا عوناً لنا على التغيير.
------------------
(1) آل عمران: 102. (2) البقرة: 185. (3) الزخرف: 71. (4)، (6)أحمد،باقي مسند المكثرين،ح(7576).(5)البقرة:183-185.(7)الترمذي،كتاب صفة جهنم،؛(2516)(حديث موقوف على أبي هريرة).(8) السجدة: 20.