رقة احساس
07-20-2014, 03:29 AM
][عظم الجزاء مع عظم البلاء.. صلاح البدير.. ][
الخطبة الأولى
الحمد لله.. الحمد لله الواحد القهار، أحمده وهو العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،كتب الفناء على أهل هذه الدار، وجعل الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله أزواجه وأصحابه الأطهار، وسلم تسليماً متصلاً متعاقب الليل والنهار.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الدنيا دار غربة، ومنزل رحلة، وموطن بلاء وتغير وتقلب، مصائب مضنية وأوصاب مبلية، وخطوب متلفة وكوارث مفجعة، وحوادث موجعة ونكبات مروعة. الصبر أجمل والدنيا مفجعة. من ذا الذي لم يجرع مرةً حزنا؟ كل باكٍ فسيبكى، كل ناعٍ فسينعى، كل مذخور سيفنى، كل مذكورٍ سينسى، ليس غير الله يبقى، ليس غير الله يبقى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى، من علا فالله أعلى.
وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له رزيةُ مالٍ أو فراقُ حبيبِ
دنيا دنية في فنائها عزاءٌ لكل محزون، وفي زوالها سلوى لكل مكلوم، وليس للمؤمن - إذا أصابته مصيبات الدنيا وفواجعها - إلا أن يتجمل بالصبر، ويتدثر بالرضا؛ فالحرقة لا تداوى إلا باللجأ إلى الله – تعالى -.
ولوعة الكرب لا تفرج إلا باللهج بحمده، وألم الفجيعة لا يزول إلا باحتسابها، وما هي إلا مصارع لابد من ورودها، ومقاديرُ محكومة لا مَحيصَ عن شهودها، وأعظم من المصيبة التسخُّط منها، وأضرُّ من الرزية فقد المثوبة عليها، والمصاب من فقد الاحتساب وفقد الثواب: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 – 157].
وعن أم سلمة – رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها" أخرجه مسلم.
وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبْتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة" أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" أخرجه الترمذي.
وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من يُردِ الله به خيراً يُصبْ منه" أخرجه البخاري.
وعن محمد بن خالد عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في ماله أو جسده أو ولده، ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله – تعالى –" أخرجه أحمد وأبو داود.
إذا مس بالسراء عن مسرورها وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ
وما منها إلا له فيها منةٌ تضيق بها الأوهام والبر والبحرُ
أيها المسلمون:
ومن ناله وجع أو لازمه ألم أو مرض، أو نزلت به نازلة فلا يُذهبنَّ أجره بكثرة الشكوى، وبث الجزع والأسى؛ فليس في ذلك سلوى ولا عزاء ولا تخفيف، وإنما السلوى والعزاء أن يوقن بأن الألم والمرض والمصائب حِطةٌ تحط الخطايا والسيئات، فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قال: دخلتُ على رسول الله – صلى الله عليه سلم – وهو يُوعَك فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله: إنك لتوعك وعكاً شديداً!! فقال: "أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم" قلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أجل، ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرضٍ فما سواه، إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة أوراقها"؛ متفق عليه.
وعن أبي سعيد وأبي هريرة – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا سقم ولا حزن حتى الهم يُهمه إلا كُفر به من سيئاته"؛ متفق عليه. والوصب: الوجع الدائم الملازم.
وعن جابر – رضي الله عنه –: أن رسول الله – صلى الله عليه سلم – دخل على أم السائب فقال: "مالكَ يا أم السائب تزفزفين؟" قالت: الحمى، لا بارك الله فيها. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدمَ، كما يذهب الكير خَبَث الحديد"؛ أخرجه مسلم.
أيها المسلمون:
والأولاد فِلذة الأكباد وثمرة الفؤاد، وزينة بين العباد، موتهم مصاب فادح وكلمٌ لا يندمل، وحرقة لا تداوى إلا بالصبر والاحتساب.. فإلى كل أم ثَكْلى وأبٍ موتور فقدا عزيزهما وحبيبهما في حادث سيارة، أو غرقٍ أو حرق أو سيل عارم بُشْراكم عفوُ الله ومغفرته. بشراكم عفو الله ومغفرته. بشراكم عفو الله ومغفرته، ورحمته وجنته، وجزيل ثوابه وعطائه، فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله علي وسلم – قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حَمِدك واسترجع، فيقول الله: ابْنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيتَ الحمد"؛ أخرجه الترمذي.
وعن معاوية بن قرة عن أبيه: أن رجلاً كان يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – ومعه ابنٌ له ففقده النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما فعل ابن فلان؟ قالوا: يا رسول الله: مات، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبيه: "أما تحبُّ ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك، فقال رجلٌ: يا رسول الله : أله خاصة أو لكلنا؟ قال: بل لكلكم"؛ أخرجه أحمد.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه –: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لنسوة: "ما منكن من امرأةٍ تقدم من بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كانوا لها حجاباً من النار" فقالت امرأة: واثنين؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "واثنين"؛ متفق عليه، وفي رواية عند أحمد: "وصاحبة الاثنين في الجنة".
وعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم: "صغارهم دعاميس الجنة"؛ - أي: صغار أهلها - يتلقى أحدهم أباه أو قال: أبويه، فيأخذ بثوبه كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا؛ أي: بطرفه، فلا يتناهى حتى يدخله الله وأباه الجنة"؛ أخرجه مسلم.
عطيَّته إذا أعطى سرورا وإن أخذ الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أجلُّ قدرا وأحمد في عواقبها مآبا؟
أيها المسلمون:
سهم الحِمام منتضى، قضاء محكم، وأمر مقدر، فلا ملاذ من الموت، ولا محيص عن مكابدة غصصه ومقاساة مضضه، ومعاينة أهواله وتجرع كأسه.. وكم فرق الموت بين خليلين وباعد بين قريبين.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "يقول الله – تعالى –: ما لعبدي المؤمن جزاءٌ إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسب إلا الجنة"؛ أخرجه البخاري.
فياله من عطاء يخفف الأحزان، ويبدد الأشجان، من مات ميتة فيها شدة كالمبطون والمطعون، واللديغ والغريق في سيل ونحوه والخاضِّ عن دابته، وصاحب الهدم وذات الجنب والنفساء جعل الله موتته تمحيصاً لذنوبه، وزيادة في أجره ومنزلته، وبلغه في ذلك مراتب الشهداء، وفي ذلك أعظم تعزية وأبلغ تسلية.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغرِق وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"؛ متفق عليه.
وعن راشد بن حبيش أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "أتعلمون من الشهيد من أمتي؟ فقال عبادة ابن الصامت: يا رسول الله: الصابر المحتسب، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن شهداء أمتي إذن لقليل، القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسررهِ إلى الجنة" زاد أبو العوام: " والحرق والسيل"؛ أخرجه أحمد.
فسبحان العليم الحكيم، الرؤوف الغفور الرحيم يعطي ويمنح، وهو أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الأولى
الحمد لله.. الحمد لله الواحد القهار، أحمده وهو العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،كتب الفناء على أهل هذه الدار، وجعل الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله أزواجه وأصحابه الأطهار، وسلم تسليماً متصلاً متعاقب الليل والنهار.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الدنيا دار غربة، ومنزل رحلة، وموطن بلاء وتغير وتقلب، مصائب مضنية وأوصاب مبلية، وخطوب متلفة وكوارث مفجعة، وحوادث موجعة ونكبات مروعة. الصبر أجمل والدنيا مفجعة. من ذا الذي لم يجرع مرةً حزنا؟ كل باكٍ فسيبكى، كل ناعٍ فسينعى، كل مذخور سيفنى، كل مذكورٍ سينسى، ليس غير الله يبقى، ليس غير الله يبقى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى، من علا فالله أعلى.
وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له رزيةُ مالٍ أو فراقُ حبيبِ
دنيا دنية في فنائها عزاءٌ لكل محزون، وفي زوالها سلوى لكل مكلوم، وليس للمؤمن - إذا أصابته مصيبات الدنيا وفواجعها - إلا أن يتجمل بالصبر، ويتدثر بالرضا؛ فالحرقة لا تداوى إلا باللجأ إلى الله – تعالى -.
ولوعة الكرب لا تفرج إلا باللهج بحمده، وألم الفجيعة لا يزول إلا باحتسابها، وما هي إلا مصارع لابد من ورودها، ومقاديرُ محكومة لا مَحيصَ عن شهودها، وأعظم من المصيبة التسخُّط منها، وأضرُّ من الرزية فقد المثوبة عليها، والمصاب من فقد الاحتساب وفقد الثواب: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 – 157].
وعن أم سلمة – رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها" أخرجه مسلم.
وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبْتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة" أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" أخرجه الترمذي.
وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من يُردِ الله به خيراً يُصبْ منه" أخرجه البخاري.
وعن محمد بن خالد عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في ماله أو جسده أو ولده، ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله – تعالى –" أخرجه أحمد وأبو داود.
إذا مس بالسراء عن مسرورها وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ
وما منها إلا له فيها منةٌ تضيق بها الأوهام والبر والبحرُ
أيها المسلمون:
ومن ناله وجع أو لازمه ألم أو مرض، أو نزلت به نازلة فلا يُذهبنَّ أجره بكثرة الشكوى، وبث الجزع والأسى؛ فليس في ذلك سلوى ولا عزاء ولا تخفيف، وإنما السلوى والعزاء أن يوقن بأن الألم والمرض والمصائب حِطةٌ تحط الخطايا والسيئات، فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قال: دخلتُ على رسول الله – صلى الله عليه سلم – وهو يُوعَك فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله: إنك لتوعك وعكاً شديداً!! فقال: "أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم" قلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أجل، ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرضٍ فما سواه، إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة أوراقها"؛ متفق عليه.
وعن أبي سعيد وأبي هريرة – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا سقم ولا حزن حتى الهم يُهمه إلا كُفر به من سيئاته"؛ متفق عليه. والوصب: الوجع الدائم الملازم.
وعن جابر – رضي الله عنه –: أن رسول الله – صلى الله عليه سلم – دخل على أم السائب فقال: "مالكَ يا أم السائب تزفزفين؟" قالت: الحمى، لا بارك الله فيها. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدمَ، كما يذهب الكير خَبَث الحديد"؛ أخرجه مسلم.
أيها المسلمون:
والأولاد فِلذة الأكباد وثمرة الفؤاد، وزينة بين العباد، موتهم مصاب فادح وكلمٌ لا يندمل، وحرقة لا تداوى إلا بالصبر والاحتساب.. فإلى كل أم ثَكْلى وأبٍ موتور فقدا عزيزهما وحبيبهما في حادث سيارة، أو غرقٍ أو حرق أو سيل عارم بُشْراكم عفوُ الله ومغفرته. بشراكم عفو الله ومغفرته. بشراكم عفو الله ومغفرته، ورحمته وجنته، وجزيل ثوابه وعطائه، فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله علي وسلم – قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حَمِدك واسترجع، فيقول الله: ابْنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيتَ الحمد"؛ أخرجه الترمذي.
وعن معاوية بن قرة عن أبيه: أن رجلاً كان يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – ومعه ابنٌ له ففقده النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما فعل ابن فلان؟ قالوا: يا رسول الله: مات، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبيه: "أما تحبُّ ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك، فقال رجلٌ: يا رسول الله : أله خاصة أو لكلنا؟ قال: بل لكلكم"؛ أخرجه أحمد.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه –: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لنسوة: "ما منكن من امرأةٍ تقدم من بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كانوا لها حجاباً من النار" فقالت امرأة: واثنين؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "واثنين"؛ متفق عليه، وفي رواية عند أحمد: "وصاحبة الاثنين في الجنة".
وعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم: "صغارهم دعاميس الجنة"؛ - أي: صغار أهلها - يتلقى أحدهم أباه أو قال: أبويه، فيأخذ بثوبه كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا؛ أي: بطرفه، فلا يتناهى حتى يدخله الله وأباه الجنة"؛ أخرجه مسلم.
عطيَّته إذا أعطى سرورا وإن أخذ الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أجلُّ قدرا وأحمد في عواقبها مآبا؟
أيها المسلمون:
سهم الحِمام منتضى، قضاء محكم، وأمر مقدر، فلا ملاذ من الموت، ولا محيص عن مكابدة غصصه ومقاساة مضضه، ومعاينة أهواله وتجرع كأسه.. وكم فرق الموت بين خليلين وباعد بين قريبين.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "يقول الله – تعالى –: ما لعبدي المؤمن جزاءٌ إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسب إلا الجنة"؛ أخرجه البخاري.
فياله من عطاء يخفف الأحزان، ويبدد الأشجان، من مات ميتة فيها شدة كالمبطون والمطعون، واللديغ والغريق في سيل ونحوه والخاضِّ عن دابته، وصاحب الهدم وذات الجنب والنفساء جعل الله موتته تمحيصاً لذنوبه، وزيادة في أجره ومنزلته، وبلغه في ذلك مراتب الشهداء، وفي ذلك أعظم تعزية وأبلغ تسلية.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغرِق وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"؛ متفق عليه.
وعن راشد بن حبيش أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "أتعلمون من الشهيد من أمتي؟ فقال عبادة ابن الصامت: يا رسول الله: الصابر المحتسب، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن شهداء أمتي إذن لقليل، القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسررهِ إلى الجنة" زاد أبو العوام: " والحرق والسيل"؛ أخرجه أحمد.
فسبحان العليم الحكيم، الرؤوف الغفور الرحيم يعطي ويمنح، وهو أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.