رقة احساس
07-23-2014, 08:04 PM
][خطبة عيد الفطر.. محمد اقبال][
ملخص الخطبة
1- التوحيد أعظم ما اعتنى الإسلام به. 2- أنواع الشرك الأصغر في أعمال القلوب. 3- من أعظم الشرك الأصغر الرياء والسمعة. 4- معنى الشرك الأصغر في الألفاظ. 5- الأفعال التي يحصل بها الشرك الأصغر. 6- شروط جواز الرقية. 7- لا يجوز التبرك بشيء لم يرد فيه دليل.
الخطبة الأولى
ثم أما بعد: عباد الله، إن الله عزّ وجلّ أحاط دينه وشرعه بسياج منيع, ونهى عن قربان هذا السّياج؛ فضلاً عن الوقوع فيه، قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif (http://forums.roro44.com)تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif (http://forums.roro44.com) [البقرة:187]، وقال في شأن الزنا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif (http://forums.roro44.com)وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif (http://forums.roro44.com) [الإسراء:32]، وما هذا إلا احتياط للشرع أن تنتهك حرمته، وفي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن, وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس, فمن اتقى الشُّبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحِمَى, يوشك أن يَرْتَع فيه)) متفق عليه.
بل أعظم من ذلك, إذا علمنا القاعدة الشرعية القائلة: "الطاعة المؤدية لمعصية راجحة واجبٌ تركها, فكل ما أدى إلى شر فهو شر".
أيها المسلمون، وإن أعظم شيء حمى الإسلام جنابه وحثّ على تقويته وتنميته وتغذيته هو "التوحيد"، بل نهى عن كل ما يخل به أو يضعفه أو يزيله، وبالمقابل: إن أعظم شيء نهى الإسلام عنه، وحرَّض على الابتعاد عن أي وسيلة قد تؤدي إليه أو تقرب منه، هو الشرك، الذي قال تعالى فيه: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif (http://forums.roro44.com)إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif (http://forums.roro44.com) [النساء:48].
فمن أجل ذلك كله، وتطبيقاً للقواعد التي ذكرناها، سنتكلم ـ إن شاء الله ـ في هذه الخطبة عن أمرٍ خطيرٍ جداً يقدح في باب التوحيد، ألا وهو الشرك الأصغر. وقد تطلَّب الكلام عنه شدَّة خفائه, وعِظم بلائه, وإفتنان الخلق ـ إلا من رحم الله ـ به. ولقد بالغ صلى الله عليه وسلم وحذّر وأنذر, وأبدأ وأعاد, وخصَّ وعَمّ، في حماية الحنيفية السمحة التي بعثه الله بها، كما قال بعض العلماء عن الشريعة الإسلامية: هي أشد الشرائع في التوحيد والإبعاد عن الشرك, وأسمح الشرائع في العمل.
أيها الأحبة في الله، إن كثيراً من المسلمين اليوم ـ وللأسف الشديد ـ قد لا يعلم أي شيء عن ماهية الشرك الأصغر, ومدى خطورته, وماهي أنواعه!! وإن الكلام عن كل ذلك يحتاج إلى عشرات الخطّب، ولكننا سنختصر ـ إن شاء الله ـ معظم هذه الأبحاث في هذه العُجالة.
فأعِرني سمعك ـ رعاك الباري ـ إلى تعريف الشرك الأصغر أولاً، فالشرك الأصغر هو كل ما نهى عنه الشرع؛ من اعتقاد أو قول أو عمل، مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر أو وسيلة للوقوع فيه... بل إنَّ بعض العلماء جعلوه كالشرك الأكبر في أن الله تعالى لا يغفره يوم القيامة, ولا يدخل تحت المشيئة كبقية المعاصي، أما الأمر الذي لا خلاف فيه، فهو أن الشرك الأصغر أعظم من الكبائر, وأن بعضه قد يكون بذاته شركاً أكبر, وبعض الآخر قد يتحول ويصبح شركاً أكبر, وبعضه المتبقي يؤدي إلى الشرك الأكبر ـ والعياذ بالله ـ.
إخوة الإيمان والعقيدة، لقد قسَّم العلماءُ، الشرك الأصغر إلى ثلاثة أنواع، اعتماداً على كيفية الإتيان به، أي مواقعته: الأول: الشرك الأصغر في أعمال القلوب. والثاني: الشرك الأصغر في الألفاظ. والثالث: الشرك الأصغر في الأعمال.
أما النوع الأول: وهو الشرك الأصغر في أعمال القلوب، فأول شرك يدخل فيه؛ الشرك الأصغر في المحبة؛ وهو الغلو في المحبة التي أصلها شرعي أو جَبَلِي. وأولى الأمثلة على هذا: الشرك الأصغر في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهو الغلو في محبة النبي http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif (http://forums.roro44.com) وغيره من باب أولى، كعلي http://www.alminbar.net/images/radia-icon.gif (http://forums.roro44.com) أو الأولياء ونحوهم, ورفعهم إلى مرتبةٍ فوق مراتبهم، أو الزيادة في الإطراء والمدح، والرسولصلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم, إنما أنا عبده, فقولوا: عبد الله ورسوله)).
ولذلك كرِه بعض العلماء تكرار كلمة "سيدنا" عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من باب أولى, ولكن ليت الأمر توقف عند هذا، بل اسمع إلى ما يقوله الصوفية والغلاة فيه صلى الله عليه وسلم, فهذا أحد كبار الصوفية يغلو في الرسول قائلاً:
ومن جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فليت شعري! ماذا أبقى لله تبارك وتقدّس؟!
ومن أنواع الشرك الأصغر في المحبة: محبة إنسان محبة تجعلك تطيعه في معصية الله؛ بجعل الحرام حلالاً أو جعل الحلال حراماً, ومنها أيضاً العشق الذي يُخرِج الإنسان عن الحد الطبيعي, حتى يشغله عن ربه في صلاته، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن المتحابين يحب أحدهما ما يحب الآخر بحسب الحب, فإذا اتبع أحدهما صاحبه على محبته ما يبغضه الله ورسوله، نقص من دينهما بحسب ذلك, إلى أن ينتهي إلى الشرك".
عباد الله، وإن ثاني أنواع شرك أعمال القلوب: الشرك الأصغر في الخوف, وهو خوف غير الله بما يصد عن طاعة الله، مع اعتقاد أن الأمر لله، وهذا كمن ترك واجباً, أو فعل محرماً خوفاً من غير الله، فهذا شرك أصغر منافٍ لكمال التوحيد. أما أن يخاف الخوف الطبيعي من سبب تحقق إيذاؤه في مجاري العادة، فهذا ليس بمذموم، مع أن الكمال هو أن لا يبقى في قلب العبد خوف أحد غير الله, وطريقه تكميل الإيمان بالقدر. أما الخوف مما لم تجرِ العادة بأنه سبب للخوف، فهذا جبن وضعف في النفس، والله تعالى يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif (http://forums.roro44.com)فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif (http://forums.roro44.com) [المائدة:44].
أيها المسلمون، ومن أنواع الشرك الأصغر في أعمال القلوب: التطير، وهو التشاؤم من شيء معين ليس سبباً لذلك، كمن يتطير بالبوم أو الغربان، أو التطير بسماع بعض الكلمات، أو التطير والتشاؤم بملاقاة الأعور أو الأعرج أو العجوز, أو التطير إذا تعثر أو وقع, أو التطير والتشاؤم ببعض الأيام أو الساعات أو الجهات، فكل هذه الأمور محرمة وشرك أصغر، قد تؤدي إلى الشرك الأكبر المخرج من الملّة والعياذ بالله.
بل إنَّ خطورتها تكمن في أنَّ الإنسان إذا اعتقد أنَّ هذه الأشياء أو أحدها تملك بذاتها الضرر أو النفع أو ما شابه، فهذا بذاته هو الشرك الأكبر. فيجب على الإنسان أن يجاهد نفسه, ولا يلتفت إلى مثل هذه الأمور إطلاقاً، بل يعلّق قلبه بالله فقط، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((الطيرة شرك)).
عباد الله، ومن أنواع الشرك الأصغر: الاعتماد على الأسباب؛ أو بمعنىً أوضح: اعتقاد واتخاذ ما ليس بسبب كسبب، فمنها أولاً: ما هو شرك أكبر، كاتخاذ الأصنام أو القبور واسطة وسببًا بين الإنسان وبين الله عزَّ وجلّ. أو الاعتماد على سبب، يعتقد فيه النفع والضر بمشيئته المستقلة، فهذا انتقل من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر، فكل من أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًا أو قدريًا، فقد أشرك بالله شركًا أصغر، لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سببٌ، فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببًا.
أيها المسلمون، ومن أعظم أنواع الشرك الأصغر، الرياء والسمعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)), قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء, يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)) صححه الألباني.
والكلام عن الرياء وأقسامه يطول، ولكن ليعلم أن منه ما هو شرك أكبر وهو النفاق الأكبر، وهو أن يكون الرياء في أصل العبادة. ومن الرياء ما يطرأ أثناء العبادة، ومنه ما يصاحب العبادة، ومنه الرياء بعد الفراغ من العبادة، ومنه الفرح بحمد الناس وثنائهم، وهذه جميعها صاحبها على خطر عظيم، وجميعها شرك أصغر، وبعضها يُحبِط العمل ولا يقبل من صاحبه، وبعضها الآخر ينقص الأجر والثواب.
أما التسميع، وهو أن يعمل عملاً ولا يراه فيه أحد ـ أي غير مراء ـ ثم يذهب ويسمّع به، فهذا يعتمد على نية المسمِّع، وعلى كل، فليكن المسلم على حذر من هذا!! ومن وقع منه رياء فليتب إلى الله، ويستغفره.
ومن ذلك ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أمته بقوله لأبي موسى الأشعري: ((الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته، أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)) صححه الألباني. وهذا الدعاء وقاية وعلاج وكفارة ـ إن شاء الله ـ والله أعلم
ملخص الخطبة
1- التوحيد أعظم ما اعتنى الإسلام به. 2- أنواع الشرك الأصغر في أعمال القلوب. 3- من أعظم الشرك الأصغر الرياء والسمعة. 4- معنى الشرك الأصغر في الألفاظ. 5- الأفعال التي يحصل بها الشرك الأصغر. 6- شروط جواز الرقية. 7- لا يجوز التبرك بشيء لم يرد فيه دليل.
الخطبة الأولى
ثم أما بعد: عباد الله، إن الله عزّ وجلّ أحاط دينه وشرعه بسياج منيع, ونهى عن قربان هذا السّياج؛ فضلاً عن الوقوع فيه، قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif (http://forums.roro44.com)تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif (http://forums.roro44.com) [البقرة:187]، وقال في شأن الزنا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif (http://forums.roro44.com)وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif (http://forums.roro44.com) [الإسراء:32]، وما هذا إلا احتياط للشرع أن تنتهك حرمته، وفي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن, وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس, فمن اتقى الشُّبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحِمَى, يوشك أن يَرْتَع فيه)) متفق عليه.
بل أعظم من ذلك, إذا علمنا القاعدة الشرعية القائلة: "الطاعة المؤدية لمعصية راجحة واجبٌ تركها, فكل ما أدى إلى شر فهو شر".
أيها المسلمون، وإن أعظم شيء حمى الإسلام جنابه وحثّ على تقويته وتنميته وتغذيته هو "التوحيد"، بل نهى عن كل ما يخل به أو يضعفه أو يزيله، وبالمقابل: إن أعظم شيء نهى الإسلام عنه، وحرَّض على الابتعاد عن أي وسيلة قد تؤدي إليه أو تقرب منه، هو الشرك، الذي قال تعالى فيه: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif (http://forums.roro44.com)إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif (http://forums.roro44.com) [النساء:48].
فمن أجل ذلك كله، وتطبيقاً للقواعد التي ذكرناها، سنتكلم ـ إن شاء الله ـ في هذه الخطبة عن أمرٍ خطيرٍ جداً يقدح في باب التوحيد، ألا وهو الشرك الأصغر. وقد تطلَّب الكلام عنه شدَّة خفائه, وعِظم بلائه, وإفتنان الخلق ـ إلا من رحم الله ـ به. ولقد بالغ صلى الله عليه وسلم وحذّر وأنذر, وأبدأ وأعاد, وخصَّ وعَمّ، في حماية الحنيفية السمحة التي بعثه الله بها، كما قال بعض العلماء عن الشريعة الإسلامية: هي أشد الشرائع في التوحيد والإبعاد عن الشرك, وأسمح الشرائع في العمل.
أيها الأحبة في الله، إن كثيراً من المسلمين اليوم ـ وللأسف الشديد ـ قد لا يعلم أي شيء عن ماهية الشرك الأصغر, ومدى خطورته, وماهي أنواعه!! وإن الكلام عن كل ذلك يحتاج إلى عشرات الخطّب، ولكننا سنختصر ـ إن شاء الله ـ معظم هذه الأبحاث في هذه العُجالة.
فأعِرني سمعك ـ رعاك الباري ـ إلى تعريف الشرك الأصغر أولاً، فالشرك الأصغر هو كل ما نهى عنه الشرع؛ من اعتقاد أو قول أو عمل، مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر أو وسيلة للوقوع فيه... بل إنَّ بعض العلماء جعلوه كالشرك الأكبر في أن الله تعالى لا يغفره يوم القيامة, ولا يدخل تحت المشيئة كبقية المعاصي، أما الأمر الذي لا خلاف فيه، فهو أن الشرك الأصغر أعظم من الكبائر, وأن بعضه قد يكون بذاته شركاً أكبر, وبعض الآخر قد يتحول ويصبح شركاً أكبر, وبعضه المتبقي يؤدي إلى الشرك الأكبر ـ والعياذ بالله ـ.
إخوة الإيمان والعقيدة، لقد قسَّم العلماءُ، الشرك الأصغر إلى ثلاثة أنواع، اعتماداً على كيفية الإتيان به، أي مواقعته: الأول: الشرك الأصغر في أعمال القلوب. والثاني: الشرك الأصغر في الألفاظ. والثالث: الشرك الأصغر في الأعمال.
أما النوع الأول: وهو الشرك الأصغر في أعمال القلوب، فأول شرك يدخل فيه؛ الشرك الأصغر في المحبة؛ وهو الغلو في المحبة التي أصلها شرعي أو جَبَلِي. وأولى الأمثلة على هذا: الشرك الأصغر في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهو الغلو في محبة النبي http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif (http://forums.roro44.com) وغيره من باب أولى، كعلي http://www.alminbar.net/images/radia-icon.gif (http://forums.roro44.com) أو الأولياء ونحوهم, ورفعهم إلى مرتبةٍ فوق مراتبهم، أو الزيادة في الإطراء والمدح، والرسولصلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم, إنما أنا عبده, فقولوا: عبد الله ورسوله)).
ولذلك كرِه بعض العلماء تكرار كلمة "سيدنا" عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من باب أولى, ولكن ليت الأمر توقف عند هذا، بل اسمع إلى ما يقوله الصوفية والغلاة فيه صلى الله عليه وسلم, فهذا أحد كبار الصوفية يغلو في الرسول قائلاً:
ومن جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فليت شعري! ماذا أبقى لله تبارك وتقدّس؟!
ومن أنواع الشرك الأصغر في المحبة: محبة إنسان محبة تجعلك تطيعه في معصية الله؛ بجعل الحرام حلالاً أو جعل الحلال حراماً, ومنها أيضاً العشق الذي يُخرِج الإنسان عن الحد الطبيعي, حتى يشغله عن ربه في صلاته، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن المتحابين يحب أحدهما ما يحب الآخر بحسب الحب, فإذا اتبع أحدهما صاحبه على محبته ما يبغضه الله ورسوله، نقص من دينهما بحسب ذلك, إلى أن ينتهي إلى الشرك".
عباد الله، وإن ثاني أنواع شرك أعمال القلوب: الشرك الأصغر في الخوف, وهو خوف غير الله بما يصد عن طاعة الله، مع اعتقاد أن الأمر لله، وهذا كمن ترك واجباً, أو فعل محرماً خوفاً من غير الله، فهذا شرك أصغر منافٍ لكمال التوحيد. أما أن يخاف الخوف الطبيعي من سبب تحقق إيذاؤه في مجاري العادة، فهذا ليس بمذموم، مع أن الكمال هو أن لا يبقى في قلب العبد خوف أحد غير الله, وطريقه تكميل الإيمان بالقدر. أما الخوف مما لم تجرِ العادة بأنه سبب للخوف، فهذا جبن وضعف في النفس، والله تعالى يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gif (http://forums.roro44.com)فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif (http://forums.roro44.com) [المائدة:44].
أيها المسلمون، ومن أنواع الشرك الأصغر في أعمال القلوب: التطير، وهو التشاؤم من شيء معين ليس سبباً لذلك، كمن يتطير بالبوم أو الغربان، أو التطير بسماع بعض الكلمات، أو التطير والتشاؤم بملاقاة الأعور أو الأعرج أو العجوز, أو التطير إذا تعثر أو وقع, أو التطير والتشاؤم ببعض الأيام أو الساعات أو الجهات، فكل هذه الأمور محرمة وشرك أصغر، قد تؤدي إلى الشرك الأكبر المخرج من الملّة والعياذ بالله.
بل إنَّ خطورتها تكمن في أنَّ الإنسان إذا اعتقد أنَّ هذه الأشياء أو أحدها تملك بذاتها الضرر أو النفع أو ما شابه، فهذا بذاته هو الشرك الأكبر. فيجب على الإنسان أن يجاهد نفسه, ولا يلتفت إلى مثل هذه الأمور إطلاقاً، بل يعلّق قلبه بالله فقط، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((الطيرة شرك)).
عباد الله، ومن أنواع الشرك الأصغر: الاعتماد على الأسباب؛ أو بمعنىً أوضح: اعتقاد واتخاذ ما ليس بسبب كسبب، فمنها أولاً: ما هو شرك أكبر، كاتخاذ الأصنام أو القبور واسطة وسببًا بين الإنسان وبين الله عزَّ وجلّ. أو الاعتماد على سبب، يعتقد فيه النفع والضر بمشيئته المستقلة، فهذا انتقل من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر، فكل من أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًا أو قدريًا، فقد أشرك بالله شركًا أصغر، لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سببٌ، فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببًا.
أيها المسلمون، ومن أعظم أنواع الشرك الأصغر، الرياء والسمعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)), قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء, يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)) صححه الألباني.
والكلام عن الرياء وأقسامه يطول، ولكن ليعلم أن منه ما هو شرك أكبر وهو النفاق الأكبر، وهو أن يكون الرياء في أصل العبادة. ومن الرياء ما يطرأ أثناء العبادة، ومنه ما يصاحب العبادة، ومنه الرياء بعد الفراغ من العبادة، ومنه الفرح بحمد الناس وثنائهم، وهذه جميعها صاحبها على خطر عظيم، وجميعها شرك أصغر، وبعضها يُحبِط العمل ولا يقبل من صاحبه، وبعضها الآخر ينقص الأجر والثواب.
أما التسميع، وهو أن يعمل عملاً ولا يراه فيه أحد ـ أي غير مراء ـ ثم يذهب ويسمّع به، فهذا يعتمد على نية المسمِّع، وعلى كل، فليكن المسلم على حذر من هذا!! ومن وقع منه رياء فليتب إلى الله، ويستغفره.
ومن ذلك ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أمته بقوله لأبي موسى الأشعري: ((الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته، أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)) صححه الألباني. وهذا الدعاء وقاية وعلاج وكفارة ـ إن شاء الله ـ والله أعلم