رقة احساس
07-23-2014, 08:15 PM
خطبة من المسجد الحرام
][خطورة الهم - الشيخ سعود الشريم][
========================
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102 سورة آل عمران) ..
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1 سورة النساء) ..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (70 – 71 سورة الأحزاب)
أما بعد ، فيا أيها الناس : أيام المرء حبل ممدود لا يدري متى ينقطع ، وطرفا هذا الحبل ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ ، فلربما التفت إلى الماضي يتحسر عليه فيقنط أو يحزن عليه فيكسل ، ولربما التفت إلى المستقبل مشرئبا إلى معرفته قبل أوانه وتذوقه قبل إبانه ، والواقع - عباد الله - أنه ليس له إلا الحاضر الذي يعيش فيه ؛ لأن أمس الماضي لا يجد لذته ولا يحس بشدته ، ولأن المستقبل غيب والأمر فيه على خطر ؛ فما للمرء إذن إلا الساعة التي يعيش فيها .. فلن يستطيع رد الأمس ولا تعجيل الغد .
وهو ما دام ذا روح يقلبها فهو يعيش على أمر قد قُدِر .. لا يخلو فيه من مصيبة وقلما ينفك عن عجيبة ، كما أن النسيم لا يهب عليلا سرمدا في حياة المرء دونما قتر ؛ إذ المنغصات كثيرة والمشوشات حثيثة ، والأنس في الحياة ذو فتح وذو إغلاق ، فمن هذه المخاطر والحادثات ينشأ هاجس أقلق القلوب وأفزع الرجال والنساء .. ألا إنه الهمُّ .
نعم الهم .. الذي هو شعور يعتري المرء فيودع في نفسه الحزن والاضطراب واليأس ليزاحم الأنس والاستقرار والفأل ؛ فلا يهنأ حينها بنوم ولا يلذ بطعام ولا يسيغ شرابا .. نعم إنه الهم الذي يشعر المرء بأن النهار لن يدرك الليل ، وأن الليل لن يعقبه نهار ليجعل الدقيقة ساعات طويلة .. ويا للهِ ما أطول الليلَ على من لم ينم !
الهم يخترم الجسيم نحافة ويُشيب ناصية الصبي ويُهرم ، الهم - عباد الله - يجعل البال مشتتا والفكر مشغولا .. يضيق على المرء الواسعة بما رحبت ولو سكن قصرا فخما أو برجا مشيدا ؛ فيصير صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء حتى يكون حرضا أو يكون من الهالكين ..
ومن منا يا ترى الذي عاش عمره كله بلا همٍّ ، أو لم يصبه دخان الهم وغباره إلا من شاء الله ؛ صاحب المنصب والشرف يتوجس فقده كل لحظة فيصيبه الهم ، والأبوان همومهما كثيرة بسبب حاضر الأولاد ومستقبلهم .. فهما مهمومان بكسوة هذا وتزويج تلك وتوظيف هذه وتربية ذاك .
وإنه لمخطئ أشدَّ الخطأ مَنْ جعل الهم حكرا على ذوي المسكنة وملتحفي المسغبة والإملاق ؛ لأننا نرى كبراء مهمومين وأغنياء مضطربين .. كما أننا نرى فقراء راضين مستقرين ..
وإذا كان بعض الفقراء يصاب بالهم من فراغ بطنه إبان إملاقه .. فإننا نرى من الأغنياء من يصاب بالهم بسبب تخمة بطنه إبان إغداقه ، وقولوا مثل ذلكم - عباد الله - في الصبي والشاب ، والذكر والأنثى ، والصحيح والسقيم ، والغني والفقير .
إن الكثيرين في الواقع يتبرمون بالزوابع التي تحيط بهم والمدلهمات التي تفاجئهم بين الحين والآخر .. مع أن المتاعب والآلام تربة خصبة تنبت على جوانبها بذور القوة والنشاط ؛ إذ ما تفتقت مواهب العظماء إلا وسط ركام من المشاق والجهود المضنية ..
ولو رجع المرء إلى نفسه قليلا لاتهم مشاعره المتأججة تُجاه ما ينزل به ، فمن يدري رُبَّ ضارةٍ نافعة ، وربما صحت الأجسام بالعلل ، ورب محنة في طيها منحة ، وكم بسمة كانت بعد غصة ، ورب فرحة بعد ترحة .
وإن الحوادث والخطوب - وإن شرقت وغربت - فلن ينالك منها أيها المرء إلا ما كتب لك ، ولن يصرف عنك منها إلا ما كتب أن يصرف عنك ؛ فعلام الهم إذن ؟ فعلام الهم إذن ؟ فعلام الهم إذن أيها المرء ؟
ألا تدري أن عواقب الأمور تتشابه في الغيوب .. فرب محبوب في مكروه ، ورب خير في شر ، .... وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216 سورة البقرة)
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :
أيَّ يوميَّ منَ المرءِ أفِر ***يومَ لا يُقدَر أو يومَ قُدِر
يومَ لا يقدرُ لا أحذَرُه *** ومِن المقدُورِ لا ينجُو الحذِر
فعلام الهم إذن - عباد الله - ؟ ..
مر إبراهيم بن أدهم على رجل مهموم فقال له : إني سائلك عن ثلاثة فأجبني ، قال : أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله ؟ أو ينقص من رزقك شيء قدره الله ؟ أو ينقص من أجلك لحظة كتبها الله ؟ فقال الرجل : لا ، قال إبراهيم : فعلام الهم إذن ؟
عباد الله .. إن الهم جند من جنود الله يبتلي به عباده لينظر ما يعملون ، وهو وإن كان شعورا وليس مادة إلا أنه أشد أثرا من المؤذيات المادية ، ويؤكد ذلك ما ذكره علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حينما سئل : " من أشد جند الله ؟ فقال : الجبال ، والجبال يقطعها الحديد .. فالحديد أقوى ، والنار تذيب الحديد .. فالنار أقوى ، والماء يطفئ النار .. فالماء أقوى ، والسحاب يحمل الماء .. فالسحاب أقوى ، والريح تعبث بالسحاب .. فالريح أقوى ، والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه .. فالإنسان أقوى ، والنوم يغلب الإنسان .. فالنوم أقوى ، والهم يغلب النوم ؛ فأقوى جند الله هو الهم .. يسلطه الله على من يشاء من عباده " ، ولقد صدق الله : فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( 125 سورة الأنعام ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
][خطورة الهم - الشيخ سعود الشريم][
========================
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102 سورة آل عمران) ..
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1 سورة النساء) ..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (70 – 71 سورة الأحزاب)
أما بعد ، فيا أيها الناس : أيام المرء حبل ممدود لا يدري متى ينقطع ، وطرفا هذا الحبل ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ ، فلربما التفت إلى الماضي يتحسر عليه فيقنط أو يحزن عليه فيكسل ، ولربما التفت إلى المستقبل مشرئبا إلى معرفته قبل أوانه وتذوقه قبل إبانه ، والواقع - عباد الله - أنه ليس له إلا الحاضر الذي يعيش فيه ؛ لأن أمس الماضي لا يجد لذته ولا يحس بشدته ، ولأن المستقبل غيب والأمر فيه على خطر ؛ فما للمرء إذن إلا الساعة التي يعيش فيها .. فلن يستطيع رد الأمس ولا تعجيل الغد .
وهو ما دام ذا روح يقلبها فهو يعيش على أمر قد قُدِر .. لا يخلو فيه من مصيبة وقلما ينفك عن عجيبة ، كما أن النسيم لا يهب عليلا سرمدا في حياة المرء دونما قتر ؛ إذ المنغصات كثيرة والمشوشات حثيثة ، والأنس في الحياة ذو فتح وذو إغلاق ، فمن هذه المخاطر والحادثات ينشأ هاجس أقلق القلوب وأفزع الرجال والنساء .. ألا إنه الهمُّ .
نعم الهم .. الذي هو شعور يعتري المرء فيودع في نفسه الحزن والاضطراب واليأس ليزاحم الأنس والاستقرار والفأل ؛ فلا يهنأ حينها بنوم ولا يلذ بطعام ولا يسيغ شرابا .. نعم إنه الهم الذي يشعر المرء بأن النهار لن يدرك الليل ، وأن الليل لن يعقبه نهار ليجعل الدقيقة ساعات طويلة .. ويا للهِ ما أطول الليلَ على من لم ينم !
الهم يخترم الجسيم نحافة ويُشيب ناصية الصبي ويُهرم ، الهم - عباد الله - يجعل البال مشتتا والفكر مشغولا .. يضيق على المرء الواسعة بما رحبت ولو سكن قصرا فخما أو برجا مشيدا ؛ فيصير صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء حتى يكون حرضا أو يكون من الهالكين ..
ومن منا يا ترى الذي عاش عمره كله بلا همٍّ ، أو لم يصبه دخان الهم وغباره إلا من شاء الله ؛ صاحب المنصب والشرف يتوجس فقده كل لحظة فيصيبه الهم ، والأبوان همومهما كثيرة بسبب حاضر الأولاد ومستقبلهم .. فهما مهمومان بكسوة هذا وتزويج تلك وتوظيف هذه وتربية ذاك .
وإنه لمخطئ أشدَّ الخطأ مَنْ جعل الهم حكرا على ذوي المسكنة وملتحفي المسغبة والإملاق ؛ لأننا نرى كبراء مهمومين وأغنياء مضطربين .. كما أننا نرى فقراء راضين مستقرين ..
وإذا كان بعض الفقراء يصاب بالهم من فراغ بطنه إبان إملاقه .. فإننا نرى من الأغنياء من يصاب بالهم بسبب تخمة بطنه إبان إغداقه ، وقولوا مثل ذلكم - عباد الله - في الصبي والشاب ، والذكر والأنثى ، والصحيح والسقيم ، والغني والفقير .
إن الكثيرين في الواقع يتبرمون بالزوابع التي تحيط بهم والمدلهمات التي تفاجئهم بين الحين والآخر .. مع أن المتاعب والآلام تربة خصبة تنبت على جوانبها بذور القوة والنشاط ؛ إذ ما تفتقت مواهب العظماء إلا وسط ركام من المشاق والجهود المضنية ..
ولو رجع المرء إلى نفسه قليلا لاتهم مشاعره المتأججة تُجاه ما ينزل به ، فمن يدري رُبَّ ضارةٍ نافعة ، وربما صحت الأجسام بالعلل ، ورب محنة في طيها منحة ، وكم بسمة كانت بعد غصة ، ورب فرحة بعد ترحة .
وإن الحوادث والخطوب - وإن شرقت وغربت - فلن ينالك منها أيها المرء إلا ما كتب لك ، ولن يصرف عنك منها إلا ما كتب أن يصرف عنك ؛ فعلام الهم إذن ؟ فعلام الهم إذن ؟ فعلام الهم إذن أيها المرء ؟
ألا تدري أن عواقب الأمور تتشابه في الغيوب .. فرب محبوب في مكروه ، ورب خير في شر ، .... وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216 سورة البقرة)
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :
أيَّ يوميَّ منَ المرءِ أفِر ***يومَ لا يُقدَر أو يومَ قُدِر
يومَ لا يقدرُ لا أحذَرُه *** ومِن المقدُورِ لا ينجُو الحذِر
فعلام الهم إذن - عباد الله - ؟ ..
مر إبراهيم بن أدهم على رجل مهموم فقال له : إني سائلك عن ثلاثة فأجبني ، قال : أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله ؟ أو ينقص من رزقك شيء قدره الله ؟ أو ينقص من أجلك لحظة كتبها الله ؟ فقال الرجل : لا ، قال إبراهيم : فعلام الهم إذن ؟
عباد الله .. إن الهم جند من جنود الله يبتلي به عباده لينظر ما يعملون ، وهو وإن كان شعورا وليس مادة إلا أنه أشد أثرا من المؤذيات المادية ، ويؤكد ذلك ما ذكره علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حينما سئل : " من أشد جند الله ؟ فقال : الجبال ، والجبال يقطعها الحديد .. فالحديد أقوى ، والنار تذيب الحديد .. فالنار أقوى ، والماء يطفئ النار .. فالماء أقوى ، والسحاب يحمل الماء .. فالسحاب أقوى ، والريح تعبث بالسحاب .. فالريح أقوى ، والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه .. فالإنسان أقوى ، والنوم يغلب الإنسان .. فالنوم أقوى ، والهم يغلب النوم ؛ فأقوى جند الله هو الهم .. يسلطه الله على من يشاء من عباده " ، ولقد صدق الله : فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( 125 سورة الأنعام ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .