عاشقة الفردوس
07-26-2014, 12:48 AM
إنسانية الإسلام في النظرة إلى الكون
الإنسان والكون بين الإيمان العلمي والإلحاد الخرافي
توجد في الساحات الفكرية المعاصرة تيارات ثلاثة تؤرِّخ للعلم وتَطوُّرِه:
فأمَّا أولاها، فهي التي تتكلَّم عن العلم بكثيرٍ من الحياد، فلا تربطه بأفكار مسبقة، ولا تزعم أنه يكفي الإنسان وحده، بل تكاد تعترف - ضمنًا وليس صراحة - بأن الإنسان يحتاج مع العلم إلى الدين والأخلاق.
وهناك مدرسة ثانية قوية - وإن لم تكن كبيرة الحجم - تؤمن بأن (العلم يدعو إلى الإيمان)، وبأن (الإيمان يتجلى في عصر العلم)، وبأن الإنسان (ذلك المجهول) لا يعلم مفاتيحه إلا الذي خلقه، ولن تتحقَّق سعادته إلا بخضوعه للمنهج الربَّاني الذي أنزله الله، الذي يعلم مَنْ خلق، وهو (وحده) اللطيف الخبير!
وهناك منهج ثالث متهافِت، لكنه مدعَّم من أبواق الإعلام الصِّهْيَونية والإلحادية في العالم، ويحاول أصحاب هذا الاتجاه الوقيعة بين العلم والدين، ويزعمون أن الإنسان يستطيع أن يقوم وحده، وأنه ليس في حاجة إلى قوة أخرى تساعده، وهؤلاء يحاولون أن يُخْفُوا وجوهَهم الحقيقية في بعض ما يكتبون، فيستعملون مصطلحات غائمة، لا يدرك ما وراءها إلا الذي يعرف أهدافهم وأساليبهم.
فمن المصطلحات التي يتسترون خلفها رفضُهم مبدأ (العلِّية) الكونية، تحت راية أن نظرية المعرفة (الأبستمولوجيا) ترفض اطِّراد الطبيعة على نسق واحد، (وكأنه لا قوانين)، وبالتالي ترفض العلِّيّة أو الثبات في القوانين، وتؤمن بمبدأ المصادفة، أو كما تقول الدكتورة يُمنى طريف الخولي، في كتابها الذي أصدرتْه سلسلة (عالم المعرفة) بالكويت، تحت عنوان (فلسفة العلم في القرن العشرين)، تقول الدكتورة في كتابها هذا [1]: "لقد ارتَدَتِ المصادفةُ ثوبًا قشيبًا، وتخلَّصتْ من أدران جائرة لحقتْ بها في عهود يقين العلم الحتمي، الذي كان يفسِّر المصادفة والاحتمال تفسيرًا ذاتيًّا؛ أي: كان يرجعهما إلى جهل الذات العارفة وعجزها عن الإحاطة بعلل الظاهر.
علَّمتنا الميكانيكا الموجبة ومعادلات (إبرفين شرودنجر)، أن المصادفة والاحتمال تفسيران لصميم طبيعة الظاهرة موضوع الدراسة، لقد أصبح الاحتمال موضوعيًّا".
وتتابع الدكتورة تحليلها (اللاعلمي)؛ فتقول: "والمحصلة أنه قد تبخَّر اليقين في عالَم العلم، حتى شاع القول الدارج: إن العلماء ليسوا على يقينٍ من أي شيء، ويكفي أن العَوام على يقين من كل شيء".
وكلام الدكتورة - المذكور نصًّا - مجرَّد نموذج من نماذج التعمية والتورية، واستخدام الألفاظ الزئبقية، التي تُخفِي وراء مضامينها الجحودَ بالله، والإيمانَ بالعَبَثية، والمصادفة، والاحتمال، واللاقانونية في الكون، بديلاً عن (العناية)، و(الرعاية)، و(القانونية) و(السببية)، و(العلِّيّة) التي يحكم بها الكون، ويسيِّره بها إلى أن تأتي أوامر بانفراط عقد الكون والحياة؛ فيقول للجبال الراسيات: "كوني صوفًا منفوشًا"، ويقول للسماء: "أقلعي"، ومن ثَمَّ يُبَعْثَر ما في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور!
والحق أنّ العلم الحق غير الموظَّف لأغراض أيديولوجية؛ قد أسقط الماركسيَّة، كما أسقط هذه الفلسفة العَبَثية التي تحاول أن تَظلِم العلم، وتقوده إلى الصدام مع الحقائق الكبرى، التي يقوم الكون عليها؛ ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
ولقد أصبحت الحضارة الأوربية نفسها تَئِنُّ من هذا الاتجاه، ويرفضه علماؤها الكبار وفلاسفة تاريخها، وقد ظهر هذا الاتجاه جليًّا في النصف الثاني من القرن العشرين كله، لدرجة أن الكاتب الهندي الكبير (تقي الدين الأميني)، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة (عليكره) - رحمه الله - رصد ظاهرة انهيار الفلسفة المادية العَبَثية للعلم في كتاب كامل سمَّاه: "عصر الإلحاد - خلفيته التاريخية ونهايته"، كما أن الكاتب الهندي الكبير (وحيد الدين خان) دحض هذا الاتجاه في كتابيه المعروفين: "الإسلام يتحدى"، و"الدين في مواجهة العلم".
وفي عالمنا العربي دحَضَ هذا الاتجاهَ أيضًا، وأبان تهافتَه وسطحية القائلين به - مفكِّرون كثيرون، على رأسهم العلامة "نديم الجسر" مفتي طرابلس لبنان رحمه الله تعالى - وذلك في كتابه: "قصة الإيمان بين الفلسفة والدين والعلم".
فما بال بعض أَدْعِياء العلم والفكر في مشرقنا المبتلَى، ما يزالون يجلسون على المائدة الإلحادية والعَبَثية، مع أن فساد أطعمتها قد وضح لكلِّ ذي عقل وقلبٍ؟!
إن نظرياتٍ إلحاديةً كثيرة تلحَّفتْ برِدَاء العلم الغربي - كالتطورية الدارونية، والجنسية الفرويدية، والوضعية الكونتية، والمادية الماركسية - قد أسقطها العِلمُ نفسه.
نعم أسقطها العلم الغربي والشرقي على السواء.
فما بال بعضنا يبقى متخلفًا حتى في التَّبَعية، ولا يعبأ إلا بالطعام الرديء المغشوش (اللاعلمي واللاعقلاني)، والعلم بريء من ذلك كله؟!
الإنسان والكون بين الإيمان العلمي والإلحاد الخرافي
توجد في الساحات الفكرية المعاصرة تيارات ثلاثة تؤرِّخ للعلم وتَطوُّرِه:
فأمَّا أولاها، فهي التي تتكلَّم عن العلم بكثيرٍ من الحياد، فلا تربطه بأفكار مسبقة، ولا تزعم أنه يكفي الإنسان وحده، بل تكاد تعترف - ضمنًا وليس صراحة - بأن الإنسان يحتاج مع العلم إلى الدين والأخلاق.
وهناك مدرسة ثانية قوية - وإن لم تكن كبيرة الحجم - تؤمن بأن (العلم يدعو إلى الإيمان)، وبأن (الإيمان يتجلى في عصر العلم)، وبأن الإنسان (ذلك المجهول) لا يعلم مفاتيحه إلا الذي خلقه، ولن تتحقَّق سعادته إلا بخضوعه للمنهج الربَّاني الذي أنزله الله، الذي يعلم مَنْ خلق، وهو (وحده) اللطيف الخبير!
وهناك منهج ثالث متهافِت، لكنه مدعَّم من أبواق الإعلام الصِّهْيَونية والإلحادية في العالم، ويحاول أصحاب هذا الاتجاه الوقيعة بين العلم والدين، ويزعمون أن الإنسان يستطيع أن يقوم وحده، وأنه ليس في حاجة إلى قوة أخرى تساعده، وهؤلاء يحاولون أن يُخْفُوا وجوهَهم الحقيقية في بعض ما يكتبون، فيستعملون مصطلحات غائمة، لا يدرك ما وراءها إلا الذي يعرف أهدافهم وأساليبهم.
فمن المصطلحات التي يتسترون خلفها رفضُهم مبدأ (العلِّية) الكونية، تحت راية أن نظرية المعرفة (الأبستمولوجيا) ترفض اطِّراد الطبيعة على نسق واحد، (وكأنه لا قوانين)، وبالتالي ترفض العلِّيّة أو الثبات في القوانين، وتؤمن بمبدأ المصادفة، أو كما تقول الدكتورة يُمنى طريف الخولي، في كتابها الذي أصدرتْه سلسلة (عالم المعرفة) بالكويت، تحت عنوان (فلسفة العلم في القرن العشرين)، تقول الدكتورة في كتابها هذا [1]: "لقد ارتَدَتِ المصادفةُ ثوبًا قشيبًا، وتخلَّصتْ من أدران جائرة لحقتْ بها في عهود يقين العلم الحتمي، الذي كان يفسِّر المصادفة والاحتمال تفسيرًا ذاتيًّا؛ أي: كان يرجعهما إلى جهل الذات العارفة وعجزها عن الإحاطة بعلل الظاهر.
علَّمتنا الميكانيكا الموجبة ومعادلات (إبرفين شرودنجر)، أن المصادفة والاحتمال تفسيران لصميم طبيعة الظاهرة موضوع الدراسة، لقد أصبح الاحتمال موضوعيًّا".
وتتابع الدكتورة تحليلها (اللاعلمي)؛ فتقول: "والمحصلة أنه قد تبخَّر اليقين في عالَم العلم، حتى شاع القول الدارج: إن العلماء ليسوا على يقينٍ من أي شيء، ويكفي أن العَوام على يقين من كل شيء".
وكلام الدكتورة - المذكور نصًّا - مجرَّد نموذج من نماذج التعمية والتورية، واستخدام الألفاظ الزئبقية، التي تُخفِي وراء مضامينها الجحودَ بالله، والإيمانَ بالعَبَثية، والمصادفة، والاحتمال، واللاقانونية في الكون، بديلاً عن (العناية)، و(الرعاية)، و(القانونية) و(السببية)، و(العلِّيّة) التي يحكم بها الكون، ويسيِّره بها إلى أن تأتي أوامر بانفراط عقد الكون والحياة؛ فيقول للجبال الراسيات: "كوني صوفًا منفوشًا"، ويقول للسماء: "أقلعي"، ومن ثَمَّ يُبَعْثَر ما في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور!
والحق أنّ العلم الحق غير الموظَّف لأغراض أيديولوجية؛ قد أسقط الماركسيَّة، كما أسقط هذه الفلسفة العَبَثية التي تحاول أن تَظلِم العلم، وتقوده إلى الصدام مع الحقائق الكبرى، التي يقوم الكون عليها؛ ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
ولقد أصبحت الحضارة الأوربية نفسها تَئِنُّ من هذا الاتجاه، ويرفضه علماؤها الكبار وفلاسفة تاريخها، وقد ظهر هذا الاتجاه جليًّا في النصف الثاني من القرن العشرين كله، لدرجة أن الكاتب الهندي الكبير (تقي الدين الأميني)، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة (عليكره) - رحمه الله - رصد ظاهرة انهيار الفلسفة المادية العَبَثية للعلم في كتاب كامل سمَّاه: "عصر الإلحاد - خلفيته التاريخية ونهايته"، كما أن الكاتب الهندي الكبير (وحيد الدين خان) دحض هذا الاتجاه في كتابيه المعروفين: "الإسلام يتحدى"، و"الدين في مواجهة العلم".
وفي عالمنا العربي دحَضَ هذا الاتجاهَ أيضًا، وأبان تهافتَه وسطحية القائلين به - مفكِّرون كثيرون، على رأسهم العلامة "نديم الجسر" مفتي طرابلس لبنان رحمه الله تعالى - وذلك في كتابه: "قصة الإيمان بين الفلسفة والدين والعلم".
فما بال بعض أَدْعِياء العلم والفكر في مشرقنا المبتلَى، ما يزالون يجلسون على المائدة الإلحادية والعَبَثية، مع أن فساد أطعمتها قد وضح لكلِّ ذي عقل وقلبٍ؟!
إن نظرياتٍ إلحاديةً كثيرة تلحَّفتْ برِدَاء العلم الغربي - كالتطورية الدارونية، والجنسية الفرويدية، والوضعية الكونتية، والمادية الماركسية - قد أسقطها العِلمُ نفسه.
نعم أسقطها العلم الغربي والشرقي على السواء.
فما بال بعضنا يبقى متخلفًا حتى في التَّبَعية، ولا يعبأ إلا بالطعام الرديء المغشوش (اللاعلمي واللاعقلاني)، والعلم بريء من ذلك كله؟!