مسعدة اليامي
10-13-2014, 05:37 PM
حوار: مسعدة اليامي
2014/08/28
يتحدث لليمامة الروائي والقاص والشاعر والرسام والكاتب ماجد سليمان صاحب روايتي عيٌن حمئة... ودمٌ يترقرق بين العمائم واللحى والمجموعة القصصية نجم نابض في التراب والمشروع الموجة لطفل المتمثل في القصيدة والقصة والنص المسرحي مقتنعاً أن الإبداع لا يقف عند حد رغم أهمية ذلك، ولكن يظل لكل مبدع بصمة خاصة، عرج في حديثه إلى أن المشهد الثقافي غير مرتب، وأكد على أن جذور الرواية عربية الأصل وأوضح أن جائزة وزارة الثقافة والإعلام السعودي، لم تبرح مهدها رغم قدرتها على ذلك.
حدثنا عن بداياتك الكتابية المتنوعة؟ وبمن تأثرت بذلك سواء على الصعيد القرائي والمعرفة الشخصية؟
- قد تكون الصورة في ذاكرتي البعيدة إلى طفولتي أشبه بمن يفتح عينيه داخل الماء، ما أذكره هو عشقي لقصص الأطفال والنشيد الذي نردده مع أستاذ مادة اللغة العربية في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، كان جدي لأبي - رحمه الله- صاحب اطلاع أدبي واسع، ساعدني ذلك على أن أخطو بطريقة تخصني من خلال ما كان - رحمه الله- يقرأه ويتركه في غرفته، وقتذاك لم تكن الإمكانات الشخصية والاجتماعية بهذا الحجم المريح كالحصول على كتب من لبنان أو توافر الصحف المميزة، كان جدي رحمه الله قاصاً جذاباً في جلساتنا العائلية وما أذكره جيداً هي قصة حرب البسوس وما شابهها من مواضيع عربية غائصة في التراث العربي، وحين تجاوزت عمر المراهقة تعرفت على عالم غازي القصيبي، العالم الأدبي الغني بالقطبين: الشعر والنثر، بل حتى مقالاته وآراءه كانت جداً مغرية ومحفزة لبناء حياة أدبية راقية.
التباين الإبداعي
كيف تجد نفسك بين ذلك التباين الإبداعي من الشعر إلى الرواية إلى القصة إلى الكتابة للطفل بالإضافة إلى الرسم؟
- دائماً ما أزداد قناعة أن الإبداع لا يقف عند جنس بعينه رغم أهمية ذلك لكن حين تنفجر عروق الإلهام في الروح فلا جنس أدبي يستطيع أن يمنع هذه الإلهام من التدفق إلى أجناس أخرى مجاورة، والأمثلة على ذلك لا تحصى: غازي القصيبي كتب في الرواية والقصة والمسرحية والشعر والمقالة بأشكالها كافة، الأديب المصري الكبير أحمد شوقي كذلك، وأديب نوبل نجيب محفوظ كتب أيضاً في الرواية والقصة والمسرحية والمقالة، قد يفسر البعض أن ذلك هروباً وهذا معاكس لواقع المبدع الذي لا يشبعه جناحاه سماء محددة، فهو يطير في كل سماء وصوته لا يكفّ عن الغناء.
أما الطفل فقد كان منجزاً تركته مخطوطاً من ثلاثة أعوام تقريباً لأسباب قد لا تكون مقنعة ألا وهي اهتمامي بمنجز مجاور كالرواية التي لا تفك عن شغل ذهني ومساءلتي عن ماذا سأفعل بها.
التعددية في مضمار الإبداع أمر طبيعي لمن يمتلك المهارة ولكن لماذا ينظر إلى أن ذلك معجزة؟
- هو أشبه ببصمة الفنان، ودائماً ما يكون الفنان هو صاحب بصمة تخصه في كل فن ينتمي لعائلة واحدة كالأدب، هناك أيضاً حالات مشابهة في غير الأدب ففي الفن التشكيلي تجدين فنانين يمارسون الموسيقى ويُطربون الآخرين بأصواتهم الأخاذة، بالإضافة إلى حضورهم المدهش على المسارح العالمية، وفي عالمنا العربي فقط يُنظر لذلك على أنه معجزة لأننا أمة اعتادت على أنها لا تتخطّى هدف واحد بينما الأمم الأخرى لا تنتهي أهدافها.
القصة القصيرة
أطلقت على القصة القصيرة أنها استراحة وفن غير قادر على كشف المستور.... لماذا ذلك التجني على القصة القصيرة؟
- لقد أساء الكثيرون فهمي حين قلت ذلك، رغم أنه ثابت بالتجربة للسابقين والمعاصرين للقصة القصيرة، القصة القصيرة هي (لقطة) أو (مشهد) صحيح أنها نبيلة القصد عالية الهدف لكنها محاطة بقيد (الأحادية) فلا يتسع فيها الزمن ولا يمتد فيها المكان ولا تزيد فيها الشخصيات التي تسند الشخصيات الرئيسية كي تكوّن المضمون العام إن كان هذا المضمون كبيراً، وكنت ولا أزال أقول: القصة القصيرة لا تستطيع التعمق كالرواية، لأنها محدودة الأركان وغير قادرة على النمو داخل القضايا الكبرى التي تتناولها، والشواهد كثيرة: نجيب محفوظ لم يُعرف لولا قدرته الروائية رغم كثرة مجاميعه القصصية والمسرحية والمقالية، بالتأكيد هي ستكون استراحة بين روايتين، واستراحة هي مدح كبير وليست ذماً ففي الاستراحة نحتاج الأجواء الهادئة والاتكاء الراقي والتأمل العميق، ثم بعدها نرفع الهمّة إلى خوض غمار رواية جديدة والرواية كما نعرف تحتاج كدّاً ذهنياً وتركيزاً كبيراً ووقتاً طويلاً خلاف القصة التي قد تكتب في دقائق.
الكتابة للطفل
الكتابة لطفل من أصعب الفنون الكتابية... كيف ركبت تلك الموجة في مشروعك مثلث الشكل فكتبت القصة والقصيدة والنص المسرحي لطفل؟
- هي ليست موجة ولم (ولن) تكون موجة، لأنها مهملة أصلًا في سجلنا الأدبي، ولا يذكرها أحد لمجرد الذكر، أدب الطفل كان منجزاً تركته مخطوطاً من ثلاثة أعوام تقريباً لأسباب قد لا تكون مقنعة، ودائماً ما أحدّث نفسي بذلك، صحيح أنه أصعب الفنون الأدبية ليس لأركانه، بل لأن به ركناً صعباً جداً ألا وهو (النزول إلى عقل الطفل) والتفكير كما يفكر، ومع ذلك على المبدع الفنان أن يكون شجاعاً ويقفز كل الحواجز التي يتصورها أو يُصورها له الآخرون، نحن لسنا معذورين أبداً أمام المكتبة العربية بقلة ما يكتب للطفل، لدينا أدباء قادرون على ذلك واستغرب تراجعهم عن هذه التجربة، قد يُقال: قد لا ننجح.. أقول: لا بأس المهم أن نفعل حتى ترتاح ضمائرنا حين (ننجح) أو (لا ننجح).
المشهد الثقافي السعودي
كيف ترى المشهد الثقافي السعودي؟ وهل هناك حراك ثقافي إيجابي في المشهد السردي؟
- المشهد الثقافي السعودي بشكل عام أراه غير مرتب، ولا أدري من ألوم، رغم أنني أحب العتاب لا اللوم، لأن العتاب صفة المحب، هناك تداخل رهيب في مؤسساتنا الثقافية، وقرارات لا علاقة لها بالأدب أصلًا، المشهد الثقافي لدينا مريض (بالمحسوبيات) ومهدّد (بالدخلاء) عليه من الذين لا علاقة لهم بالأدب أصلاً وأقصد الذين جاؤوا تحت لباس ليس بلباسهم كمن يسمي نفسه ناقداً وهو لم يكتب في حياته نصاً أدبياً، أو قارئاً ومتذوقاً وهو ما برح يدور في فلك المحاضرة الجامعية، لدينا مشهد أدبي غريب، نجد من لم يكتب رواية واحدة في حياته يُقدم محاضرة عن كتابتها وفنياتها، كذلك بقية الأجناس، ومن المتعارف عليه فطرياً أن التجربة هي أصل كل فن وميزة كل محاور لهذه الفنون، اليوم يأتيك من لم يكتب بيتاً شعرياً واحداً ينظر في الشعر ويقال عنه إنه أديب، لذا صرت اطلع على السيرة الذاتية الأدبية لكل شخص لأضمن جانبه الأدبي وللأسف أكثر الظاهرين في المشهد هم (كتاب مقالات) مرة اجتماعية ومرة أدبية ومرة سياسية، فما عدت أعرف لهم قبلة أو أرى لهم وجهاً واحداً ليتحدّثوا به، ومع ذلك يبقى أملي كبيراً في الغد؛ لأن الساحة الأدبية بدأت ترتب نفسها.
هناك حراك ثقافي في المشهد السردي لكنه كغيره من المشاهد كالشعر والمقالة، ومن عجائب هذا الحراك التمجيد لأجناس يقال إنها جديدة وتحت مسميات تجعلك تسقط على ظهرك من شدة الضحك كمسمى (ق ق ج) التي جاء اسمها أطول منها فاختصروه إلى ذلك، رغم أنها موجودة في تراثنا العربي تحت مسميات مختلفة كالطُرفة والمُلحة والفكاهة وغيرها، لقد انتقلت العدوى من المشهد الشعري إلى المشهد السردي فاصبح المهووس بالمسميات والشكليات، تجدهم يجتمعون لأجل (مسمى) وشغلهم الشاغل حتى صارت مهنة المتسمين بالنقاد هي أن يهرطقوا ليل نهار بهذه المسميات.
البرامج الثقافية
سلط الضوء عليك في العديد من البرامج الثقافية، حيث شاركت في برنامج أربعة على الخط والصالون السردي والورشة الثقافية والمنتصف وغيرها الكثير ما منحك ذلك الضوء الإعلامي؟
- كل تلك البرامج التي دُعيت إليها كان ذلك من جمال المشرفين عليها أو المتابعين للحركة الأدبية في بلادنا، أشكرهم واحداً واحداً، برنامجاً برنامجاً، وما أنا إلا واحد من بلد غني بالمبدعين ومن أمّة ولّادة لكل فنان ومذهل، لا امتدح نفسي لكن أقول: أنا قدمت وعلي أن أقدم، وبقي الكثير لم أقدمه حتى الآن، وهذه رسالتي الحياتية ومطالب نفسي بالمسير فيها، فحين يكرمني هؤلاء الأعزاء بحضوري في برامجهم إنما هم يصوغون لي جمال المعنى في مشهدنا الأدبي، ويطوقون روحي ببياض أرواحهم.
الرواية الشبابية
ما رأيك في الرواية الشبابية التي أصبحت تشكل طوفاناً سنوياً؟ ولماذا أطلق عليها فقاعة وأيهم مقبل على ذلك الشباب أو الشابات؟
- دعيني آخذ السؤال من نهايته، الشابات أكثر كما بدى لي، لكن مشكلتهن أنهن يدرن في دائرة العاطفة والمشاعر، التي أرى أن الشعر يقوم مقامها بشكل أفضل، صحيح أن الرواية تجمع كل شيء ومنها العاطفة والمشاعر لكن ما هي إلا جزء من (كل) مهم فمثلاً رواية (رجل جاء وذهب) لغازي القصيبي جاء الحب بشكل كبير فيها لكنه لم يكن إلا مجاوراً للموضوع الأساسي الذي أسست عليه العمل.
بالنسبة لوصف الرواية الشبابية فهي فعلًا طوفان لكنه (غثاء) وأقصد بغثاء ضعف الموضوع المتناول وهشاشته وكلها في أمور يتحدث فيها العامة في كل مجلس ونادي، والآن لم يبق منه سوى أقل القليل، حتى اختفى هذا الطوفان مخلفاً وراءه سؤالًا واحداً (أين صدق رسالة هؤلاء.؟..) الأديب الحقيقي يستمر في عطائه لأنه مشغول برسالته الإنسانية الأدبية، صحيح أن هناك ما يُسمون في أدبنا العربي بأصحاب الواحدة لكنهم ليسوا معياراً لأنهم قلة والقلة لا تعطي نتيجة كما تعطي الكثرة وأقصد الكثرة الإيجابية، هناك أمر يجب الإشارة إليه، الذين أطلقوا على الرواية الشبابية (فقاعة) من هم؟. وما مكانهم في المشهد الأدبي.؟... اكتشفت أنهم مجرد منتفعين من المشهد لغرض الوجاهة الاجتماعية فهم لم يكتبوا رواية واحدة ويتجرأون على تسميات عجيبة كفقاعة وما شابهها، يُحمد للرواية الشبابية أنها فعلت شيئاً حتى لو لم يكن مرضياً المهم أنها أقدمت على الفعل، بينما أصحاب التسميات عاجزون عن فعل أقل شيء لأنهم فعلًا لا شيء لديهم سوى التنظير، وما أدراك ما التنظير.!
حركة النقد
ما رأيك في حركة النقد في المشهد الثقافي السعودي من الناحية السردية؟
- حركة النقد في مشهدنا الثقافي متدنية جداً لأن أغلب من يكتبون في النقد ليسوا أبناء الفن الذي يكتبون عنه، فمثلاً الذي يقرأ عن عالم الطائرات مهما تكلم عن عالمها ليس مثل الطيار الذي ركب الطائرة وجال بها في السماء، وشيء مهم في تدني حركة النقد هي أن الأدباء أنفسهم منشغلون بإبداعهم دون إعطاء بعض الوقت للكتابة في النقد الأدبي، مما سهل على المتطفلين على موائد الأدباء أن ينصبوا أنفسهم أساتذة على المشهد، وتأكدي أن الإبداع أصعب من النقد، فما أسهل النقد، والتنظير، والهرطقة، وما أصعب إنتاج الأدب والمعرفة، وبناء شواهق الإبداع كافّة، وما أسهل التمسّح بالثقافة، وما أصعب الحَسْم في شؤونها، إذا أردت أن تكون ناقداً في فن، عليك أن تكون ممارساً له، محترفاً في صناعته حتى لا تكون ناقداً مجانيّاً وما أكثر المتكلمين في غير فنهم.
كما أنه هناك من يضخم (النقد) وكأنه (علم) من العلوم، فأصبح لدينا هرطقات تطحن في بعضها.
الفيسبوك
هل لعبت فعلاً قنوات الإعلام الجديد من فيسبوك وتويتر وصحف ومجلات إلكترونية دوراً فاعلاً في بدايات المبدع؟
- عن نفسي أجد أن مواقع التواصل قدمت خدمة وأخذت خدمات، قدمت خدمة التواصل السريع مع أي صديق وأخذت متعة الكتابة ولذة الكتاب من مبدعين كثر، حتى تسرب إلى أذهان الأغلبية أن الأدب يجب أن يكون مبتوراً من أجل زمن السرعة التي أجدها ذريعة العاجزين، عن نفسي أضع مشاركتي في هذه المواقع ولا أجعل منها منهلًا لثقافتي لأنها لا تقدم ثقافة بقدر ما تفسد الذوق والحس الإبداعي هذا خلاف هدر الوقت بلا معنى، بداية المبدع كانت من ورقة صغيرة وهي أجل من كل موقع إلكتروني وأكثر متعة.
ما رأيك في جائزة وزارة الثقافة والإعلام السعودية، هل حققت وهجاً مثل مثيلاتها من جوائز عربية أو أنها لا تزال في المهد؟
- بكل صراحة جائزة وزارة الثقافة ما برحت في مهدها رغم أن لديها القدرة على تخطي الخطوط الأولى، مشكلتها أنها أوليت لمن لا علاقة لهم بالثقافة إطلاقاً، أوليت لأناس يرون ذلك ترفاً ثقافياً لا تحقيقاً واقعياً، لذا تجدها تمنح لاتجاهات بعيدة كل البعد عن المعنى الثقافي، بل تمنح لأعمال هي في الأصل في متناول الجميع وليست نادرة. أيضاً لا أظنها ستقف جنباً إلى جوائز أخرى حققت رسالتها من أول انطلاقة، إلا أن تغير من سياستها بالكامل.
من وجهة نظرك هل أثبتت المثقفة السعودية حضورها في المشهد الثقافي وما النسبة التقديرية لذلك؟
- المثقفة السعودية حاضرة من سنوات وحضورها لافت جداً ولكن هناك من جاء حضورها استثناء؛ وهذا ما يجب أن يكون ويؤخذ بعين الاعتبار، فالأديبة رجاء عالم مثال كبير على نضج المثقفة السعودية، بل هي منهج إبداعي مختلف بالكلية عن الأخريات، صحيح أن الأخريات يبذلن جهداً ليس بالهين لكنه جهد ضائع بسبب إمساكهن جميعاً بموضوع واحد (المرأة القضية) فقضيتك كفرد تصبح مهمة حين تكون في يد غيرك يكون هو المحامي والمناضل لأجلك، لكن حين تأتي أنت لتناضل من أجل قضيتك فالنجاح غير مضمون؛ لأننا في عالمنا العربي للأسف نرى ذلك تمرداً لا حقاً، فالمرأة المثقفة اليوم عليها أن تخرج من ألم (المرأة) نفسه منفتحة على فضاء أكبر وقضايا كبرى.
2014/08/28
يتحدث لليمامة الروائي والقاص والشاعر والرسام والكاتب ماجد سليمان صاحب روايتي عيٌن حمئة... ودمٌ يترقرق بين العمائم واللحى والمجموعة القصصية نجم نابض في التراب والمشروع الموجة لطفل المتمثل في القصيدة والقصة والنص المسرحي مقتنعاً أن الإبداع لا يقف عند حد رغم أهمية ذلك، ولكن يظل لكل مبدع بصمة خاصة، عرج في حديثه إلى أن المشهد الثقافي غير مرتب، وأكد على أن جذور الرواية عربية الأصل وأوضح أن جائزة وزارة الثقافة والإعلام السعودي، لم تبرح مهدها رغم قدرتها على ذلك.
حدثنا عن بداياتك الكتابية المتنوعة؟ وبمن تأثرت بذلك سواء على الصعيد القرائي والمعرفة الشخصية؟
- قد تكون الصورة في ذاكرتي البعيدة إلى طفولتي أشبه بمن يفتح عينيه داخل الماء، ما أذكره هو عشقي لقصص الأطفال والنشيد الذي نردده مع أستاذ مادة اللغة العربية في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، كان جدي لأبي - رحمه الله- صاحب اطلاع أدبي واسع، ساعدني ذلك على أن أخطو بطريقة تخصني من خلال ما كان - رحمه الله- يقرأه ويتركه في غرفته، وقتذاك لم تكن الإمكانات الشخصية والاجتماعية بهذا الحجم المريح كالحصول على كتب من لبنان أو توافر الصحف المميزة، كان جدي رحمه الله قاصاً جذاباً في جلساتنا العائلية وما أذكره جيداً هي قصة حرب البسوس وما شابهها من مواضيع عربية غائصة في التراث العربي، وحين تجاوزت عمر المراهقة تعرفت على عالم غازي القصيبي، العالم الأدبي الغني بالقطبين: الشعر والنثر، بل حتى مقالاته وآراءه كانت جداً مغرية ومحفزة لبناء حياة أدبية راقية.
التباين الإبداعي
كيف تجد نفسك بين ذلك التباين الإبداعي من الشعر إلى الرواية إلى القصة إلى الكتابة للطفل بالإضافة إلى الرسم؟
- دائماً ما أزداد قناعة أن الإبداع لا يقف عند جنس بعينه رغم أهمية ذلك لكن حين تنفجر عروق الإلهام في الروح فلا جنس أدبي يستطيع أن يمنع هذه الإلهام من التدفق إلى أجناس أخرى مجاورة، والأمثلة على ذلك لا تحصى: غازي القصيبي كتب في الرواية والقصة والمسرحية والشعر والمقالة بأشكالها كافة، الأديب المصري الكبير أحمد شوقي كذلك، وأديب نوبل نجيب محفوظ كتب أيضاً في الرواية والقصة والمسرحية والمقالة، قد يفسر البعض أن ذلك هروباً وهذا معاكس لواقع المبدع الذي لا يشبعه جناحاه سماء محددة، فهو يطير في كل سماء وصوته لا يكفّ عن الغناء.
أما الطفل فقد كان منجزاً تركته مخطوطاً من ثلاثة أعوام تقريباً لأسباب قد لا تكون مقنعة ألا وهي اهتمامي بمنجز مجاور كالرواية التي لا تفك عن شغل ذهني ومساءلتي عن ماذا سأفعل بها.
التعددية في مضمار الإبداع أمر طبيعي لمن يمتلك المهارة ولكن لماذا ينظر إلى أن ذلك معجزة؟
- هو أشبه ببصمة الفنان، ودائماً ما يكون الفنان هو صاحب بصمة تخصه في كل فن ينتمي لعائلة واحدة كالأدب، هناك أيضاً حالات مشابهة في غير الأدب ففي الفن التشكيلي تجدين فنانين يمارسون الموسيقى ويُطربون الآخرين بأصواتهم الأخاذة، بالإضافة إلى حضورهم المدهش على المسارح العالمية، وفي عالمنا العربي فقط يُنظر لذلك على أنه معجزة لأننا أمة اعتادت على أنها لا تتخطّى هدف واحد بينما الأمم الأخرى لا تنتهي أهدافها.
القصة القصيرة
أطلقت على القصة القصيرة أنها استراحة وفن غير قادر على كشف المستور.... لماذا ذلك التجني على القصة القصيرة؟
- لقد أساء الكثيرون فهمي حين قلت ذلك، رغم أنه ثابت بالتجربة للسابقين والمعاصرين للقصة القصيرة، القصة القصيرة هي (لقطة) أو (مشهد) صحيح أنها نبيلة القصد عالية الهدف لكنها محاطة بقيد (الأحادية) فلا يتسع فيها الزمن ولا يمتد فيها المكان ولا تزيد فيها الشخصيات التي تسند الشخصيات الرئيسية كي تكوّن المضمون العام إن كان هذا المضمون كبيراً، وكنت ولا أزال أقول: القصة القصيرة لا تستطيع التعمق كالرواية، لأنها محدودة الأركان وغير قادرة على النمو داخل القضايا الكبرى التي تتناولها، والشواهد كثيرة: نجيب محفوظ لم يُعرف لولا قدرته الروائية رغم كثرة مجاميعه القصصية والمسرحية والمقالية، بالتأكيد هي ستكون استراحة بين روايتين، واستراحة هي مدح كبير وليست ذماً ففي الاستراحة نحتاج الأجواء الهادئة والاتكاء الراقي والتأمل العميق، ثم بعدها نرفع الهمّة إلى خوض غمار رواية جديدة والرواية كما نعرف تحتاج كدّاً ذهنياً وتركيزاً كبيراً ووقتاً طويلاً خلاف القصة التي قد تكتب في دقائق.
الكتابة للطفل
الكتابة لطفل من أصعب الفنون الكتابية... كيف ركبت تلك الموجة في مشروعك مثلث الشكل فكتبت القصة والقصيدة والنص المسرحي لطفل؟
- هي ليست موجة ولم (ولن) تكون موجة، لأنها مهملة أصلًا في سجلنا الأدبي، ولا يذكرها أحد لمجرد الذكر، أدب الطفل كان منجزاً تركته مخطوطاً من ثلاثة أعوام تقريباً لأسباب قد لا تكون مقنعة، ودائماً ما أحدّث نفسي بذلك، صحيح أنه أصعب الفنون الأدبية ليس لأركانه، بل لأن به ركناً صعباً جداً ألا وهو (النزول إلى عقل الطفل) والتفكير كما يفكر، ومع ذلك على المبدع الفنان أن يكون شجاعاً ويقفز كل الحواجز التي يتصورها أو يُصورها له الآخرون، نحن لسنا معذورين أبداً أمام المكتبة العربية بقلة ما يكتب للطفل، لدينا أدباء قادرون على ذلك واستغرب تراجعهم عن هذه التجربة، قد يُقال: قد لا ننجح.. أقول: لا بأس المهم أن نفعل حتى ترتاح ضمائرنا حين (ننجح) أو (لا ننجح).
المشهد الثقافي السعودي
كيف ترى المشهد الثقافي السعودي؟ وهل هناك حراك ثقافي إيجابي في المشهد السردي؟
- المشهد الثقافي السعودي بشكل عام أراه غير مرتب، ولا أدري من ألوم، رغم أنني أحب العتاب لا اللوم، لأن العتاب صفة المحب، هناك تداخل رهيب في مؤسساتنا الثقافية، وقرارات لا علاقة لها بالأدب أصلًا، المشهد الثقافي لدينا مريض (بالمحسوبيات) ومهدّد (بالدخلاء) عليه من الذين لا علاقة لهم بالأدب أصلاً وأقصد الذين جاؤوا تحت لباس ليس بلباسهم كمن يسمي نفسه ناقداً وهو لم يكتب في حياته نصاً أدبياً، أو قارئاً ومتذوقاً وهو ما برح يدور في فلك المحاضرة الجامعية، لدينا مشهد أدبي غريب، نجد من لم يكتب رواية واحدة في حياته يُقدم محاضرة عن كتابتها وفنياتها، كذلك بقية الأجناس، ومن المتعارف عليه فطرياً أن التجربة هي أصل كل فن وميزة كل محاور لهذه الفنون، اليوم يأتيك من لم يكتب بيتاً شعرياً واحداً ينظر في الشعر ويقال عنه إنه أديب، لذا صرت اطلع على السيرة الذاتية الأدبية لكل شخص لأضمن جانبه الأدبي وللأسف أكثر الظاهرين في المشهد هم (كتاب مقالات) مرة اجتماعية ومرة أدبية ومرة سياسية، فما عدت أعرف لهم قبلة أو أرى لهم وجهاً واحداً ليتحدّثوا به، ومع ذلك يبقى أملي كبيراً في الغد؛ لأن الساحة الأدبية بدأت ترتب نفسها.
هناك حراك ثقافي في المشهد السردي لكنه كغيره من المشاهد كالشعر والمقالة، ومن عجائب هذا الحراك التمجيد لأجناس يقال إنها جديدة وتحت مسميات تجعلك تسقط على ظهرك من شدة الضحك كمسمى (ق ق ج) التي جاء اسمها أطول منها فاختصروه إلى ذلك، رغم أنها موجودة في تراثنا العربي تحت مسميات مختلفة كالطُرفة والمُلحة والفكاهة وغيرها، لقد انتقلت العدوى من المشهد الشعري إلى المشهد السردي فاصبح المهووس بالمسميات والشكليات، تجدهم يجتمعون لأجل (مسمى) وشغلهم الشاغل حتى صارت مهنة المتسمين بالنقاد هي أن يهرطقوا ليل نهار بهذه المسميات.
البرامج الثقافية
سلط الضوء عليك في العديد من البرامج الثقافية، حيث شاركت في برنامج أربعة على الخط والصالون السردي والورشة الثقافية والمنتصف وغيرها الكثير ما منحك ذلك الضوء الإعلامي؟
- كل تلك البرامج التي دُعيت إليها كان ذلك من جمال المشرفين عليها أو المتابعين للحركة الأدبية في بلادنا، أشكرهم واحداً واحداً، برنامجاً برنامجاً، وما أنا إلا واحد من بلد غني بالمبدعين ومن أمّة ولّادة لكل فنان ومذهل، لا امتدح نفسي لكن أقول: أنا قدمت وعلي أن أقدم، وبقي الكثير لم أقدمه حتى الآن، وهذه رسالتي الحياتية ومطالب نفسي بالمسير فيها، فحين يكرمني هؤلاء الأعزاء بحضوري في برامجهم إنما هم يصوغون لي جمال المعنى في مشهدنا الأدبي، ويطوقون روحي ببياض أرواحهم.
الرواية الشبابية
ما رأيك في الرواية الشبابية التي أصبحت تشكل طوفاناً سنوياً؟ ولماذا أطلق عليها فقاعة وأيهم مقبل على ذلك الشباب أو الشابات؟
- دعيني آخذ السؤال من نهايته، الشابات أكثر كما بدى لي، لكن مشكلتهن أنهن يدرن في دائرة العاطفة والمشاعر، التي أرى أن الشعر يقوم مقامها بشكل أفضل، صحيح أن الرواية تجمع كل شيء ومنها العاطفة والمشاعر لكن ما هي إلا جزء من (كل) مهم فمثلاً رواية (رجل جاء وذهب) لغازي القصيبي جاء الحب بشكل كبير فيها لكنه لم يكن إلا مجاوراً للموضوع الأساسي الذي أسست عليه العمل.
بالنسبة لوصف الرواية الشبابية فهي فعلًا طوفان لكنه (غثاء) وأقصد بغثاء ضعف الموضوع المتناول وهشاشته وكلها في أمور يتحدث فيها العامة في كل مجلس ونادي، والآن لم يبق منه سوى أقل القليل، حتى اختفى هذا الطوفان مخلفاً وراءه سؤالًا واحداً (أين صدق رسالة هؤلاء.؟..) الأديب الحقيقي يستمر في عطائه لأنه مشغول برسالته الإنسانية الأدبية، صحيح أن هناك ما يُسمون في أدبنا العربي بأصحاب الواحدة لكنهم ليسوا معياراً لأنهم قلة والقلة لا تعطي نتيجة كما تعطي الكثرة وأقصد الكثرة الإيجابية، هناك أمر يجب الإشارة إليه، الذين أطلقوا على الرواية الشبابية (فقاعة) من هم؟. وما مكانهم في المشهد الأدبي.؟... اكتشفت أنهم مجرد منتفعين من المشهد لغرض الوجاهة الاجتماعية فهم لم يكتبوا رواية واحدة ويتجرأون على تسميات عجيبة كفقاعة وما شابهها، يُحمد للرواية الشبابية أنها فعلت شيئاً حتى لو لم يكن مرضياً المهم أنها أقدمت على الفعل، بينما أصحاب التسميات عاجزون عن فعل أقل شيء لأنهم فعلًا لا شيء لديهم سوى التنظير، وما أدراك ما التنظير.!
حركة النقد
ما رأيك في حركة النقد في المشهد الثقافي السعودي من الناحية السردية؟
- حركة النقد في مشهدنا الثقافي متدنية جداً لأن أغلب من يكتبون في النقد ليسوا أبناء الفن الذي يكتبون عنه، فمثلاً الذي يقرأ عن عالم الطائرات مهما تكلم عن عالمها ليس مثل الطيار الذي ركب الطائرة وجال بها في السماء، وشيء مهم في تدني حركة النقد هي أن الأدباء أنفسهم منشغلون بإبداعهم دون إعطاء بعض الوقت للكتابة في النقد الأدبي، مما سهل على المتطفلين على موائد الأدباء أن ينصبوا أنفسهم أساتذة على المشهد، وتأكدي أن الإبداع أصعب من النقد، فما أسهل النقد، والتنظير، والهرطقة، وما أصعب إنتاج الأدب والمعرفة، وبناء شواهق الإبداع كافّة، وما أسهل التمسّح بالثقافة، وما أصعب الحَسْم في شؤونها، إذا أردت أن تكون ناقداً في فن، عليك أن تكون ممارساً له، محترفاً في صناعته حتى لا تكون ناقداً مجانيّاً وما أكثر المتكلمين في غير فنهم.
كما أنه هناك من يضخم (النقد) وكأنه (علم) من العلوم، فأصبح لدينا هرطقات تطحن في بعضها.
الفيسبوك
هل لعبت فعلاً قنوات الإعلام الجديد من فيسبوك وتويتر وصحف ومجلات إلكترونية دوراً فاعلاً في بدايات المبدع؟
- عن نفسي أجد أن مواقع التواصل قدمت خدمة وأخذت خدمات، قدمت خدمة التواصل السريع مع أي صديق وأخذت متعة الكتابة ولذة الكتاب من مبدعين كثر، حتى تسرب إلى أذهان الأغلبية أن الأدب يجب أن يكون مبتوراً من أجل زمن السرعة التي أجدها ذريعة العاجزين، عن نفسي أضع مشاركتي في هذه المواقع ولا أجعل منها منهلًا لثقافتي لأنها لا تقدم ثقافة بقدر ما تفسد الذوق والحس الإبداعي هذا خلاف هدر الوقت بلا معنى، بداية المبدع كانت من ورقة صغيرة وهي أجل من كل موقع إلكتروني وأكثر متعة.
ما رأيك في جائزة وزارة الثقافة والإعلام السعودية، هل حققت وهجاً مثل مثيلاتها من جوائز عربية أو أنها لا تزال في المهد؟
- بكل صراحة جائزة وزارة الثقافة ما برحت في مهدها رغم أن لديها القدرة على تخطي الخطوط الأولى، مشكلتها أنها أوليت لمن لا علاقة لهم بالثقافة إطلاقاً، أوليت لأناس يرون ذلك ترفاً ثقافياً لا تحقيقاً واقعياً، لذا تجدها تمنح لاتجاهات بعيدة كل البعد عن المعنى الثقافي، بل تمنح لأعمال هي في الأصل في متناول الجميع وليست نادرة. أيضاً لا أظنها ستقف جنباً إلى جوائز أخرى حققت رسالتها من أول انطلاقة، إلا أن تغير من سياستها بالكامل.
من وجهة نظرك هل أثبتت المثقفة السعودية حضورها في المشهد الثقافي وما النسبة التقديرية لذلك؟
- المثقفة السعودية حاضرة من سنوات وحضورها لافت جداً ولكن هناك من جاء حضورها استثناء؛ وهذا ما يجب أن يكون ويؤخذ بعين الاعتبار، فالأديبة رجاء عالم مثال كبير على نضج المثقفة السعودية، بل هي منهج إبداعي مختلف بالكلية عن الأخريات، صحيح أن الأخريات يبذلن جهداً ليس بالهين لكنه جهد ضائع بسبب إمساكهن جميعاً بموضوع واحد (المرأة القضية) فقضيتك كفرد تصبح مهمة حين تكون في يد غيرك يكون هو المحامي والمناضل لأجلك، لكن حين تأتي أنت لتناضل من أجل قضيتك فالنجاح غير مضمون؛ لأننا في عالمنا العربي للأسف نرى ذلك تمرداً لا حقاً، فالمرأة المثقفة اليوم عليها أن تخرج من ألم (المرأة) نفسه منفتحة على فضاء أكبر وقضايا كبرى.