مشاهدة النسخة كاملة : قصص مشرفة من حياة السلف
عاشقة الفردوس
07-05-2015, 10:03 PM
قصص التوبة عند السلف
عن الفضل بن موسى قال: "كان الفضيل بن عياض لصاً يقطع الطريق، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تالياً يتلو: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} (الحديد:16)، فلما سمعها قال: بلى يا رب! قد آن. فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها قافلة، فقال بعضهم: نرحل. وقال بعضهم: حتى نصبح؛ فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا. قال: ففكرتُ وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني؟ وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام".
وعن زاذان قال: "كنتُ غلاماً حسن الصوت، جيّد الضرب بالطنبور، فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذ، وأنا أغنّيهم، فمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فدخل فضرب البساط وكسر الطنبور، ثم قال: لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت!! ثم مضى، فقلت لأصحابي: من هذا؟ قالوا: هذا عبدالله بن مسعود، فألقى الله في نفسي التوبة، فسعيت أبكي وأخذتُ بثوبه، فأقبل عليّ، فاعتنقني وبكى، وقال لي: مرحباً بمن أحبه الله، اجلس. ثم دخل وأخرج لي تمراً".
عن إبراهيم بن بشار قال: "قلت لإبراهيم بن أدهم: كيف كان بدء أمرك؟ قال: كان أولى بك أن تسأل عن غير هذا، فقلت له: أخبرني، لعل الله أن ينفعنا به يوماً، فقال: كان أبي من الملوك الموسرين، وحُبب إلينا الصيد، فركبت ذات مرة، فثار أرنب أو ثعلب، فحرّكت فرسي نحوه، فسمعت نداء من ورائي: ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر يمنة يمنة ويسرة، فلم أر أحداً، فقلت: لعن الله إبليس. ثم حرّكت فرسي، فأسمع نداء أقوى من الأول: يا إبراهيم! ليس لذا خلقت ولا بذا أمرت، فوقفت أنظر، فلا أرى أحداً، فقلت: لعن الله إبليس. فأسمع نداء من عند سرجي بذاك، فقلت: انتصحت انتصحت!! جاءني نذير ربي، والله لا عصيت الله بعد يومي ما عصمني الله. فرجعت إلى أهلي، فخليت فرسي ثم جئت إلى رعاة لأبي، فأخذت جبة كساء، وألقيت ثيابي إليهم، ثم أقبلت إلى العراق، فعملت بها أياماً فلم يصْفُ لي منها الحلال، فقيل لي: عليك بالشام، ولم أزل هناك".
وكان بشر بن الحارث في زمن لهوه في داره، وعنده رفقاؤه يشربون ويطربون، فاجتاز بهم رجل من الصالحين، فدقّ الباب، فخرجت إليه جارية فقال لها: "صاحب هذه الدار حر أو عبد؟"، فقالت: "بل حر"، فقال: "صدقت؛ لو كان عبداً لاستعمل أدب العبودية، وترك اللهو والطرب". فسمع بشر محاورتهما، فسارع إلى الباب حافياً حاسراً، وقد ولّى الرجل، فقال للجارية: "ويحك، من كلمك على الباب؟"، فأخبرته بما جرى، فقال: "أي ناحية أخذ هذا الرجل؟"، فقالت: "كذا"، فتبعه بشر حتى لحقه، فقال له: "أنت يا سيدي! وقفت بالباب وخاطبت الجارية؟"، قال: "نعم"، قال: أعد علي الكلام"، فأعاده، فمرّغ بشر خدّه على الأرض، وقال: "بل عبد! عبد!!"، ثم هام على وجهه حافياً حاسراً، حتى عُرف بالحفَّاء، فقيل له: "لم لا تلبس نعالاً؟"، قال: "لأني ما صالحني مولاي إلا وأنا حاف، فلا أزول عن هذه الحالة حتى الممات".
عاشقة الفردوس
07-05-2015, 10:04 PM
قصص من حلم السلف
كان معاوية بن أبي سفيان يقول: "إني لآنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي".
وعن زياد بن أبيه قال: "ما غلبني معاوية في شيء إلا مرة واحدة، استعملت فلاناً، فكسر متاعي، فخشي أن أعاقبه، ففرّ مني إلى معاوية، فكتبت إليه: إن في هذا أدب سوء لمن استعملته، فكتب إليّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، أن نلين جميعاً فيمرح الناس في المعصية، ولا نشتد جميعاً فنحمل الناس على المهالك، ولكن تكون أنت للشدة والفظاظة، وأكون أنا للين والألفة".
وذُكر أن رجلاً من التابعين مدحه رجل في وجهه، فقال له: يا عبد الله! لم تمدحني، أجرّبتني عند الغضب، فوجدتني حليماً؟ قال: لا، قال: أجرّبتني في السفر، فوجدتني حسن الخلق؟ قال: لا، قال: أجرّبتني عند الأمانة، فوجدتني أميناً؟ قال: لا. فقال: ويحك! ما لأحد أن يمدح أحداً ما لم يجربه في هذه الأشياء الثلاثة.
أغلظ رجل للأحنف بن قيس فى الكلام -وكان رحمه الله قد اشتهر بحلمه- فقال الرجل: "والله يا أحنف! لئن قلت لي واحدة لتسمعنّ بدلها عشراً". فقال له: "إنك إن قلت لي عشراً، لا تسمع مني واحدة".
وجاء رجل إلى الأحنف فشتمه فما رد عليه، فأعاد الرجل فسكت عنه، فأعاد فسكت عنه، فقال الرجل: "والهفاه!! ما يمنعه من أن يرد علي إلا هواني عنده".
وقال رجل مرّة لسالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم: "يا شيخ السوء!"، فقال له سالم: "ما أراك بعدت يا أخي".
كان الفضيل بن عياض إذا قيل له: "إن فلاناً يقع فيك"، يقول: "والله لأغيظن أمره -ويعني بذلك إبليس–"، ثم يقول: "اللهم إن كان صادقاً، فاغفر لي، وإن كان كاذباً، فاغفر له".
وشتم رجل الربيع بن خيثم، فقال له: "يا هذا! قد سمع الله كلامك، وإن دون الجنة عقبة، إن قطعتُها، لم يضرّني ما تقول، وإن لم أقطعها، فأنا شرّ مما تقول".
قال أحد السلف: "لما ولي عمر بن عبد العزيز خرج ذات ليلة، ومعه حرسه الذين يحرسونه، فدخل المسجد فمر في الظلمة برجل نائم فعثر به، فرفع النائم رأسه إليه، فقال: أمجنون أنت؟ فرد عليه عمر: لا. فهمّ به الحراس، فقال لهم عمر: اتركوه؛ إنما سألني: أمجنون أنت؟ فقلت: لا".
عاشقة الفردوس
07-05-2015, 10:07 PM
مع السلف في الإيثار
قال علي بن محمد: "طلب الحجاج إبراهيم النخعي، فجاء الرسول فقال: أريد إبراهيم، فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم، ولم يستحل أن يدله على النخعي، فأمر بحبسه في الديماس، ولم يكن لهم ظل من الشمس، ولا ملجأ من البرد، وكان كل اثنين في سلسلة، فتغيّر إبراهيم فعادته أمه فلم تعرفه، حتى كلّمها، فمات في سجنه، فرأى الحجاج في نومه قائلا يقول: مات في البلد الليلة رجلٌ من أهل الجنة، فسأل، فقالوا: مات في السجن إبراهيم التيمي، فقال: حلمٌ نزغة من نزغات الشيطان. وأمر به فألقي على الكناسة".
عن مصعب بن أحمد بن مصعب قال: "قدم أبو محمد المروزي إلى بغداد يريد مكة، وكنت أحب أن أصحبه، فأتيته واستأذنته في الصحبة فلم يأذن لي في تلك السنة، ثم قدم سنة ثانية وثالثة، فأتيته فسلمت عليه وسألته، فقال: اعزم على شرط: يكون أحدنا الأمير لا يخالفه الآخر. فقلت أنت الأمير. فقال: لا بل أنت، فقلت: أنت أسنّ وأولى، فقال: فلا تعصني. فقلت: نعم. فخرجتُ معه وكان إذا حضر الطعام يؤْثرني، فإذا عارضته بشيء قال: ألم أشرط عليك أن لاتخالفني؟ فكان هذا دأبنا حتى ندمت على صحبته؛ لما يلحق نفسه من الضرر. فأصابنا في بعض الأيام مطرٌ شديد ونحن نسير فقال لي: يا أبا أحمد اطلب الميل -وهو علامة الطريق- ثم قال لي: اقعد في أصله، فأقعدني في أصله، وجعل يديه على الميل، وهو قائم قد حنا عليّ وعليه كساء قد تجلل به يظلني من المطر، حتى تمنيت أني لم أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر، فلم يزل هذا دأبه حتى دخل مكة رحمه الله".
قال حذيفة العدوي: "انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي -ومعي شيء من الماء- وأنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم. فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق، فجئته فإذا هو قد مات، عدت إلى هشام فإذا هو قد مات، فعدت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات".
وحُكي عن أبي الحسن الأنطاكي: أنه اجتمع عنده نيفاً وثلاثين رجلا بقرية من قرى الريّ، ومعهم أرغفةٌ محدودةٌ لا تشبعهم جميعاً، فكسروا الأرغفة وأطفؤوا السُّرج، وجلسوا للطعام، فلما رُفع الطعام إذا هو بحاله لم يُمسّ؛ إذ تصنّع كل واحد منهم أنه يأكل، ولم يأكل مؤاثرة لأخيه، فلذا بقي الطعام على حاله.
عاشقة الفردوس
07-05-2015, 10:09 PM
عن أبي حازم سلمة بن دينار قال: "وجدت الدنيا شيئين: فشيء هو لي، وشيء لغيري، فأما ما كان لي: فلو طلبته قبل أجله لم أقدر عليه، وأما الذي هو لغيري فلم أصبه فيما مضى، ولا أرجوه فيما بقي، إن رزقي يُمنع من غيري، كما يُمنع رزقي غيري مني، ففي أي هذين أفني عمري؟".
وقيل له: ما مالُك؟ فقال: "ثقتي بالله، وإياسي مما في أيدي الناس".
وقيل عن محمد بن كعب أنه كانت له أملاك بالمدينة، وحصّل مالا مرّة فقيل له: "ادّخر لولدك"، قال: "لا، ولكن أدّخره لنفسي عند ربي، وأدّخر ربي لولدي".
عن أبي قدامة الرملي قال: "قرأ رجل هذه الآية: {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا} (الفرقان:58)، فأقبل عليّ سليمان الخوّاص، فقال: يا أبا قدامة! ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد بعد الله في أمره، انظر كيف قال الله تبارك وتعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ، فأخبرك أنه لا يموت، وأن جميع خلقه يموتون، ثم أمرك بعبادته، فقال: {وسبح بحمده}، ثم أتبعها بقوله: {وكفى به بذنوب عباده خبيرا}، فأخبرك بأنه خبير بصير. ثم قال سليمان: والله يا أبا قدامة! لو عامل عبدٌ ربه بحسن التوكل وصدق النية له بطاعته، لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم، فكيف يكون هذا محتاجاً، وملجؤه إلى الغني الحميد؟!".
قيل لحاتم الأصم: "على ما بنيت أمرك في التوكل؟"، قال: "على خصال أربعة: علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله، فأنا مستح منه".
عن شقيق البلخي قال: "لكل واحد مقام: فمتوكل على نفسه، ومتوكل على لسانه، و متوكل على سيفه، ومتوكل على سلطانه، ومتوكل على الله، فأما المتوكل على الله عزوجل فقد وجد الراحة، فإن الله عزوجل يقول: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} (الفرقان:58)، وأما من كان مستروحاً إلى غيره، فيوشك أن ينقطع به فيشقى، وإنما التوكل طمأنينة القلب بموعود الله عزوجل".
عن يحيى بن معاذ الرازي قال: "من طلب الفضل من غير ذي الفضل غرم وخسر، وإن ذا الفضل هو الله عزوجل: {إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} (البقرة:243)".
وقال الإمام ابن رجب الحنبلي في تعريف التوكل: "هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها".
عاشقة الفردوس
07-05-2015, 10:11 PM
هدي السلف في الدعاء
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: إنّه لا يحسن أن يصلي، فقال سعد: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتيْ العشاء، لا أنقص منها، أطيل في الأُولييْن، وأحذف في الأُخرييْن، فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فبعث رجالاً يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا قالوا خيراً، حتى أتوا مسجداً لبني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا بالله: فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسويّة، ولا يسير بالسريّة، فقال سعد: اللهم ان كان كاذباً فاعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون أصابتني دعوة سعد".
قال ابن المنكدر: "إني في البارحة مواجه هذا المنبر، أدعو في جوف الليل، إذا إنسان عند أسطوانة مقنعٌ رأسه، فأسمعه يقول: أي رب إن القحط قد اشتدّ على عبادك، وإني مقسم عليك يا رب إلا سقيتهم، قال: فما كان إلا ساعة إذا سحابة قد أقبلت، ثم أرسلها الله -وكان عزيزاً على ابن المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل الخير- فقال: هذا بالمدينة ولا أعرفه؟ فلما سلّم الإمام تقنّع وانصرف فاتّبعته، حتى أتى دار أنس، فدخل موضعاً، ففتح الباب ودخل، ورجعتُ فلما صلّيت الصبح أتيته، فقلت: أأدخل؟ قال: ادخل، فإذا هو يُصلح أقداحاً، فقلت: كيف أصبحت -أصلحك الله؟- قال: فاستشهرها وأعظمها مني، فلما رأيت ذلك قلت: إني سمعت إقسامك البارحة على الله، يا أخي! هل لك في نفقة تغنيك عن هذا، وتفرّغك لما تريد من الآخرة؟ قال: لا، ولكن غير ذلك: لا تذكرني لأحد، ولا تذكر هذا لأحد حتى أموت، ولا تأتني يا ابن المنكدر؛ فإنك إن تأتني شهرتني للناس، فقلت: إني أحب أن ألقاك، قال: القني في المسجد. فما ذكر ذلك ابن المنكدر لأحد حتى مات الرجل. وقد قال ابن وهب: "بلغني أنه انتقل من تلك الدار، فلم يُر، ولم يُدر أين ذهب، فقال أهل تلك الدار: "الله بيننا وبين ابن المنكدر؛ أخرج عنا الرجل الصالح".
وقال عباس الدوري: حدثنا علي بن أبي فزارة جارنا قال: "كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة، فقالت لي يوماً: اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي، فأتيت، فدقّقت عليه وهو في دهليزه، فقال: من هذا؟ قلت: رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا، فوليت منصرفاً، فخرجت عجوز فقالت: قد تركته يدعو لها، فجئت إلى بيتنا ودققت الباب، فخرجت أمي على رجليها تمشي".
وقال سليم بن عامر: "دخلت على الجراح، فرفع يديه، فرفع الأمراء أيديهم، فمكث طويلاً، ثم قال لي: يا أبا يحيى! هل تدري ما كنا فيه؟ قلت: لا، وجدتكم في رغبة، فرفعت يدي معكم، قال: سألنا الله الشهادة، فوالله ما بقي منهم أحد في تلك الغزاة حتى استُشهد".
وقال أبو سَبْرَة النخعي: "أقبل رجل من اليمن، فلما كان ببعض الطريق مات حماره، فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين، ثم قال: اللهم إني جئت من الدفينة مجاهداً في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وأنا أشهد أنك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد علي اليوم مِنّة، أطلب إليك اليوم أن تبعث حماري. فقام الحمار ينفض أذنيه".
عن بلال بن كعب أن الصبيان قالوا لأبي مسلم الخولاني: "ادع الله أن يحبس علينا هذا الظبي فنأخذه"، فدعا الله لهم فحبسه فأخذوه.
عاشقة الفردوس
07-05-2015, 10:12 PM
مواقف من صبر السلف
عن هشام بن عروة بن الزبير، أن أباه خرج إلى الوليد بن عبد الملك، حتى إذا كان بوادي القرى وجد في رجله شيئاً، فظهرت به قرحة، ثم ترقّى به الوجع، وقدم على الوليد وهو في محمل، فقال: "يا أبا عبد الله! اقطعها"، قال: "دونك". فدعا له الطبيب، وقال: "اشرب شيئاً كي لا تشعر بالوجع"، فلم يفعل، فقطعها من نصف الساق، فما زاد أن يقول: حس حس. فقال الوليد : "ما رأيت شيخاً قط أصبر من هذا".
وأصيب عروة بابنه محمد في ذلك السفر، إذ ركضته بغلة في اصطبل، فلم يسمع منه في ذلك كلمة، فلما كان بوادي القرى قال: "{لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} (الكهف:62)، اللهم كان لي بنون سبعة، فأخذتَ واحداً، وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذتَ طرفاً، وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت".
قال عبد الله بن محمد: "خرجت إلى ساحل البحر مرابطاً، فلما انتهيت إلى الساحل إذا أنا بخيمة فيها رجل، قد ذهب يداه ورجلاه، وثقل سمعه وبصره، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه، وهو يقول: اللهم أوزعني أن أحمدك حمداً أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً، فقلتُ: والله لآتين هذا الرجل، ولأسألنه أنّى له هذا الكلام، فأتيتُ الرجل، فسلمت عليه، فقلت: سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعني أن أحمدك حمداً أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً، فأيّ نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها!؟ وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها!؟ قال: أو ما ترى ما صنع ربي!! والله لو أرسل السماء علي ناراً فأحرقتني، وأمر الجبال فدمّرتني، وأمر البحار فغرّقتني، وأمر الأرض فبلعتني، ما ازددت لربى إلا شكراً؛ لما أنعم علي من لساني هذا، ولكن يا عبد الله إذ أتيتني، فإن لي إليك حاجة، قد تراني على أي حالة أنا، أنا لست أقدر لنفسي على ضرّ ولا نفع، ولقد كان معي ابن لي يتعاهدني في وقت صلاتي فيوضّئني، وإذا جعت أطعمني، وإذا عطشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسّسه لي رحمك الله. فقلت: والله ما مشي خلق في حاجة خلق كان أعظم عند الله أجراً ممن يمشي في حاجة مثلك. فمضيت في طلب الغلام، فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه، فاسترجعت، وقلت: بأي شيء أخبر صاحبنا؟ فبينما أنا مقبل نحوه، إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أتيته سلمت عليه، فرد عليّ السلام، فقال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى، قال: ما فعلتَ في حاجتي؟ فقلت: أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال: بل أيوب النبي!! قلت: هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى، قلت: فكيف وجده؟ قال: وجده صابراً شاكراً حامداً، قلت: لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه؟ قال: نعم، قلت: فكيف وجده ربه؟ قال: وجده صابراً شاكراً حامداً، قلت: فلم يرض منه بذلك حتى صيره عرضاً لمارّ الطريق، هل علمت ذلك؟ قال: نعم، قلت: فكيف وجده ربه؟ قال: صابراً شاكراً حامداً، أوجز رحمك الله!! قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل، وقد افترسه سبع فأكل لحمه؛ فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، فقال المبتلى: الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقاً يعصيه فيعذبه بالنار. ثم استرجع وشهق شهقة فمات. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عظمت مصيبتي في رجل مثل هذا، إن تركته أكلته السباع، وإن قعدت لم أقدر له على ضر ولا نفع، فسجّيته بشملة كانت عليه، وقعدت عند رأسه باكياً، فبينما أنا قاعد إذ جاء أربعة رجال، فقالوا: يا عبد الله! ما حالك؟ وما قصتك؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته، فقالوا لي اكشف لنا عن وجهه؛ فعسى أن نعرفه. فكشفت عن وجهه، فانكب القوم عليه يقبلون عينيه مرة ويديه أخرى، ويقولون: بأبي عين طالما غضت عن محارم الله، وبأبي جسم طالما كان ساجداً والناس نيام، فقلت: من هذا يرحمكم الله؟ فقالوا: هذا أبو قِلابَة الجَرمي صاحب ابن عباس رضي الله عنهما، لقد كان شديد الحب لله وللنبي صلى الله عليه وسلم. فغسّلناه وكفنّاه بأثواب كانت معنا، وصلينا عليه ودفناه، فانصرف القوم، وانصرفت إلى رباطي، فلما أن جن علي الليل وضعت رأسي، فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة، وعليه حلتان من حلل الجنة، وهو يتلو الوحي: {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} (الرعد:24)، فقلت: ألست بصاحبي؟ قال: بلى، قلت: أنّى لك هذا؟ قال: إن لله درجات لا تُنال إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية".
عاشقة الفردوس
07-05-2015, 10:13 PM
مع السلف في القيام
عن مولى لأبي ريحانة -وكان أبو ريحانة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أنه رجع من غزوة كان فيها، فلما انصرف أتى أهله فتعشى من عشائهم، ثم دعا بوضوء فتوضأ منه، ثم قام إلى مسجده فقرأ سورة ثم أخرى، فلم يزل ذلك مكانه كلما فرغ من سورة افتتح أخرى، حتى إذا أذن المؤذن من السحر شد عليه ثيابه، فأتته امرأته فقالت: "يا أبا ريحانة! قد غزوت فتعبت في غزوتك ثم قدمت، ألم يكن لي منك حظ ونصيب؟"، فقال: "بلى، والله ما خطرت لي على بال، ولو ذكرتك لكان لك علي حق"، قالت: "فما الذي شغلك يا أبا ريحانة؟"، قال: "لم يزل يهوى قلبي في ما وصف الله في جنته من لباسها وأزواجها ولذاتها، حتى سمعت المؤذن".
عن إسحاق بن إبراهيم الطبري قال: "مارأيت أحداً أخوف على نفسه، ولا أرجى للناس من الفضيل، كانت قراءته حزينة بطيئة مترسّلة، كأنه يخاطب إنساناً، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها، ويسأل الله من نعيمها، وكانت صلاته بالليل طويلة، يُلقى له الحصير في مسجده فيصلي في أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينيه فيلقي نفسه على الحصير فينام قليلاً، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم هكذا حتى يصبح، وكان دأبه إذا نعس أن ينام، ويقول: أشد العبادة ما كان هكذا".
وعن رجاء بن مسلم العبدي قال: "كنا نكون عند عجردة العمية في الدار. فكانت تحيي الليل صلاة. وربما تقوم من أول الليل إلى السحر، فإذا كان السحر نادت بصوت لها محزون: إليك قطع العابدون دجى الليالي بتبكير الدلج إلى ظلم الأسحار، يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك، فبك إلهي لا بغيرك أسألك أن تجعلني في أول زمرة السابقين إليك، وأن ترفعني إليك في درجة المقربين، وأن تلحقني بعبادك الصالحين، فأنت أكرم الكرماء، وأرحم الرحماء، وأعظم العظماء، يا كريم. ثم تخر ساجدة فلا تزال تبكي وتدعو في سجودها حتى يطلع الفجر، فكان ذلك دأبها ثلاثين سنة".
وقال موسى بن طريف: "كانت الجارية تفرش لعلي بن بكّار، فيلمسه بيده ويقول: والله إنك لطيب، والله إنك لبارد، والله لا علوتك الليلة. وكان يصلي الفجر بوضوء العتمة".
وقال ابن سعد واصفاً سليمان التيمي: "هو من العباد المجتهدين، كثير الحديث، ثقة يصلي الليل كله بوضوء عشاء الآخرة، وكان هو وابنه يدوران بالليل في المساجد، فيصليان في هذا المسجد مرة وفي هذا المسجد مرة حتى يصبحا".
وعن حسين الكرابيسي قال: "بتّ مع الشافعي ليلة، فكان يصلي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة آية، وكان لا يمر بآية رحمة الا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا تعوذ، وكأنما جُمع له الرجاء والرهبة جميعاً".
وقالت أم سعيد: "كان بيننا وبين داود الطائي جدار قصير، فكنت أسمع حنينه عامة الليل لا يهدأ، وربما ترنّم في السحر بالقرآن، فأرى أن جميع النعيم قد جُمع له في ترنّمه".
وعن سعيد بن عامر قال: "كان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة".
وقال ابن شبرمة: "كان زبيد يجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءاً عليه، وجزءاً على ابنه، وجزءاً على ابنه الآخر عبد الرحمن، فكان هو يصلي ثم يقول لأحدهما: قم. فإن تكاسل صلّى جزءه، ثم يقول للآخر: قم. فإن تكاسل أيضاً صلى جزءه، فيصلي الليل كله".
عاشقة الفردوس
07-05-2015, 10:15 PM
مع السلف في حفظ الوقت
قيل ل عمر بن عبد العزيز يوماً: "أخّر هذا العمل إلى الغد"، فقال: "ويحكم؛ إنه يعجزني عمل يوم واحد، فكيف أصنع إذا اجتمع على عمل يومين؟". ومن أقواله رضي الله عنه: "إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما".
قال داود الطائي: "إنما الليل والنهار مراحل، ينـزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدّم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل؛ فإن انقطاع السفر عن قريب، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك".
وقال أحد الصالحين لتلاميذه: "إذا خرجتم من المسجد فتفرّقوا لتقرؤوا القرآن، وتسبّحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم".
وعن موسى بن إسماعيل قال: "كان حماد بن سلمة مشغولاً وقته كله، إما أن يحدِّث، أو يقرأ، أو يسبِّح، أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك".
ذكر علماء التراجم في سيرة الجنيد بن محمد، أنه حين أتته سكرات الموت، أخذ يقرأ القرآن، فأتى الناس -قرابته وجيرانه- يحدّثونه وهو في مرض الموت، فسكت وما حدثهم، واستمر في قراءته، فقال له ابنه: "يا أبتاه! أفي هذه الساعة تقرأ القرآن؟!". فقال: "ومن أحوج الناس مني بالعمل الصالح؟"، فأخذ يقرأ ويقرأ حتى قُبضت روحه.
كان معروف الكرخي يعتمر، فأتى من يقص شاربه، فحلق رأسه، ثم قال للقصاص: "خذ من شاربي"، فأخذ معروف يسبِّح الله، فقال له القصاص: "أنا أقص شفتك، اسكت"، قال: "أنت تعمل، وأنا أعمل". وذكروا عنه أنه ما رئي إلا متمتماً بذكر الله. ورووا عنه أنه كان إذا نام عند أهله سبّح، فلا يستطيعون النوم.
وعن ابن عساكر قال: "كان الإمام سليم بن أيوب لا يدع وقتاً يمضي بغير فائدة، إما ينسخ، أو يدرس، أو يقرأ، وكان إذا أراد أن يعدّ القلم للكتابة حرّك شفتيه بالذكر حتى ينتهي من ذلك".
قال الإمام ابن عقيل: "إني لا يحل لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا على الفراش، فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره. وإني لأجد من حرصٍ على العلم، وأنا في الثمانين من عمري أشد مما كنت أجده، وأنا ابن عشرين سنة، وأنا أقصّر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك، وتحسّيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، وإن أجلّ تحصيل عند العقلاء -بإجماع العلماء- هو الوقت، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص، فالتكاليف كثيرة، والأوقات خاطفة".
وقال الإمام ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".
vBulletin® v3.8.9, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd by