الملكية
06-08-2016, 07:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:
(من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) [1]
ما أجمل أن ترزق الخوف من الله، وما أحلى أن تكون وقّافا عند أوامره؛ وما أروع أن تتيقن أنك موعود بالفلاح والنجاح إن اتقيته.. إن مسألة الخوف من الله عز وجل ومراقبته من لوازم الأمور في كل وقت، وفي وقتنا هذا بالأخص الذي أصبح يعج بأنواع المغريات والفتن التي تتعارض مع أوامر الله تعالى ونواهيه.
والخوف هو ألم يلازم القلب المقبل على الله بسبب توقع المكروه في المستقبل. والفرق بين الخوف من الله والخوف من غيره يقول أبو القاسم الحكيم: من خاف شيئا هرب منه، ومن خاف الله هرب إليه. وأخبر الحق جل شأنه عن حال أهل الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا: { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم } [الطور:25-27].
وفي الحديث القدسي: (قال الله تعالى: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) [2]
وعلى قدر العلم بالله سبحانه وتعالى ومعرفة العبد بنفسه يكون الخوف والخشية، فكلما قوي إيمان العبد وزادت معرفته بربه زاد خوفه منه وخشيته، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية » [3]
إن الخوف من الله سبحانه وتعالى يبعث على نيل الطاعات وترك المنهيات ولا خير فيمن لا يخاف الله سبحانه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه » [4]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يلج النار من بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا» [5]
ومن أعظم ثمرات الخوف أنه يقمع الشهوات ويكدر اللذات فتصير المعاصي التي كانت محببة إلى النفس مكروهة، فتحترق الشهوات بالخوف وتتأدب الجوارح ويذل القلب ويستكين، ويفارقه الكبر والحسد والحقد ويصير مستوعباً الهم لخوفه من ربه عز وجل وينظر في خطر عاقبته.
قال الله تعالى: { قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين } [الأنعام:15-16]
والمتأمل في أقوال السلف يجد العجب العجاب على صلاحهم وطاعتهم وجهادهم. فهذا عمر -رضي الله عنه- كان في وجهه خطان أسودان من الدموع، وكان يأخذ تبنة من الأرض ويقول: (يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئا مذكورا).
وهذا أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- يقول: (وددت أني شاة فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحتسون مرقي).
وهذا عبد الله بن المبارك يقول: (لو أن رجلا وقف على باب المسجد ونادى ليخرج شر الناس لما سبقني إليه إلا رجل أوتي أكثر مني قوة أو سمعا ).
وعن مالك بن دينار قال: بينما أنا أطوف بالبيت إذ أنا بجويرية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول: يا رب كم شهوة ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها، يا رب أما كان لك أدب وعقوبة إلا النار .. وتبكي، فما زال مقامها حتى طلع الفجر.. قال مالك: فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي صارخا أقول: ثكلت مالكا أمه.
وكان أبو سليمان الداراني يقول: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب.
وقال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.
وقال ذو النون: من خاف الله ذاب قلبه، واشتد حبه، وصح له لبه.
يقول الغزالي رحمه الله: والمحمود من الخوف هو الاعتدال والوسط، فأما القاصر منه فهو الذي يجري مجرى رقة النساء، يخطر على البال عند سماع آية من القرآن فيورث البكاء وتفيض الدموع، وكذلك عند مشاهدة سبب هائل، فإذا غاب ذلك السبب عن الحس، رجع القلب إلى الغفلة، فهذا خوف قاصر قليل الجدوى ضعيف النفع، وأما الخوف المفرط فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط وهو مذموم لأنه يمنع من العمل، فالمراد من الخوف ما هو المراد من السوط وهو الحمل على العمل، ولذلك قيل أن الخوف هو سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى [6]
قال المناوي: ( من خاف أدلج ) سار من أول الليل ( ومن أدلج بلغ المنزل ) يعني من خشي اللّه أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شر، وقال في الرياض: المراد التشمير في الطاعة. وقيل: معناه من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة والمبادرة بالعمل الصالح وخوف القواطع والعوائق. والأظهر أنه ضرب مثلاً لكل من خاف الردى أو فوت ما يتمنى أن يصل إلى السير بالسرى ولا يركن إلى الراحة والهوى حتى يبلغ المنى ( ألا إن سلعة اللّه غالية ) أي رفيعة القدر ( ألا إن سلعة اللّه الجنة ) قال الطيبي: هذا مثل ضربه لسالك الآخرة فإن الشيطان على طريقه، والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه، فإن تيقظ في سيره وأخلص في عمله أمن من الشيطان وكيده ومن قطع الطريق. وثمن هذه السلعة العمل الصالح المشار إليه بقوله: { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً } [الكهف:46]، وقال العلائي: أخبر أن الخوف من اللّه هو المقتضي للسير إليه بالعمل الصالح والمشار إليه بالإدلاج، وعبر ببلوغ المنزلة عن النجاة المترتبة على العمل الصالح وأصل ذلك كله الخوف [7]
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:
(من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) [1]
ما أجمل أن ترزق الخوف من الله، وما أحلى أن تكون وقّافا عند أوامره؛ وما أروع أن تتيقن أنك موعود بالفلاح والنجاح إن اتقيته.. إن مسألة الخوف من الله عز وجل ومراقبته من لوازم الأمور في كل وقت، وفي وقتنا هذا بالأخص الذي أصبح يعج بأنواع المغريات والفتن التي تتعارض مع أوامر الله تعالى ونواهيه.
والخوف هو ألم يلازم القلب المقبل على الله بسبب توقع المكروه في المستقبل. والفرق بين الخوف من الله والخوف من غيره يقول أبو القاسم الحكيم: من خاف شيئا هرب منه، ومن خاف الله هرب إليه. وأخبر الحق جل شأنه عن حال أهل الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا: { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم } [الطور:25-27].
وفي الحديث القدسي: (قال الله تعالى: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) [2]
وعلى قدر العلم بالله سبحانه وتعالى ومعرفة العبد بنفسه يكون الخوف والخشية، فكلما قوي إيمان العبد وزادت معرفته بربه زاد خوفه منه وخشيته، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية » [3]
إن الخوف من الله سبحانه وتعالى يبعث على نيل الطاعات وترك المنهيات ولا خير فيمن لا يخاف الله سبحانه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه » [4]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يلج النار من بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا» [5]
ومن أعظم ثمرات الخوف أنه يقمع الشهوات ويكدر اللذات فتصير المعاصي التي كانت محببة إلى النفس مكروهة، فتحترق الشهوات بالخوف وتتأدب الجوارح ويذل القلب ويستكين، ويفارقه الكبر والحسد والحقد ويصير مستوعباً الهم لخوفه من ربه عز وجل وينظر في خطر عاقبته.
قال الله تعالى: { قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين } [الأنعام:15-16]
والمتأمل في أقوال السلف يجد العجب العجاب على صلاحهم وطاعتهم وجهادهم. فهذا عمر -رضي الله عنه- كان في وجهه خطان أسودان من الدموع، وكان يأخذ تبنة من الأرض ويقول: (يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئا مذكورا).
وهذا أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- يقول: (وددت أني شاة فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحتسون مرقي).
وهذا عبد الله بن المبارك يقول: (لو أن رجلا وقف على باب المسجد ونادى ليخرج شر الناس لما سبقني إليه إلا رجل أوتي أكثر مني قوة أو سمعا ).
وعن مالك بن دينار قال: بينما أنا أطوف بالبيت إذ أنا بجويرية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول: يا رب كم شهوة ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها، يا رب أما كان لك أدب وعقوبة إلا النار .. وتبكي، فما زال مقامها حتى طلع الفجر.. قال مالك: فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي صارخا أقول: ثكلت مالكا أمه.
وكان أبو سليمان الداراني يقول: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب.
وقال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.
وقال ذو النون: من خاف الله ذاب قلبه، واشتد حبه، وصح له لبه.
يقول الغزالي رحمه الله: والمحمود من الخوف هو الاعتدال والوسط، فأما القاصر منه فهو الذي يجري مجرى رقة النساء، يخطر على البال عند سماع آية من القرآن فيورث البكاء وتفيض الدموع، وكذلك عند مشاهدة سبب هائل، فإذا غاب ذلك السبب عن الحس، رجع القلب إلى الغفلة، فهذا خوف قاصر قليل الجدوى ضعيف النفع، وأما الخوف المفرط فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط وهو مذموم لأنه يمنع من العمل، فالمراد من الخوف ما هو المراد من السوط وهو الحمل على العمل، ولذلك قيل أن الخوف هو سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى [6]
قال المناوي: ( من خاف أدلج ) سار من أول الليل ( ومن أدلج بلغ المنزل ) يعني من خشي اللّه أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شر، وقال في الرياض: المراد التشمير في الطاعة. وقيل: معناه من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة والمبادرة بالعمل الصالح وخوف القواطع والعوائق. والأظهر أنه ضرب مثلاً لكل من خاف الردى أو فوت ما يتمنى أن يصل إلى السير بالسرى ولا يركن إلى الراحة والهوى حتى يبلغ المنى ( ألا إن سلعة اللّه غالية ) أي رفيعة القدر ( ألا إن سلعة اللّه الجنة ) قال الطيبي: هذا مثل ضربه لسالك الآخرة فإن الشيطان على طريقه، والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه، فإن تيقظ في سيره وأخلص في عمله أمن من الشيطان وكيده ومن قطع الطريق. وثمن هذه السلعة العمل الصالح المشار إليه بقوله: { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً } [الكهف:46]، وقال العلائي: أخبر أن الخوف من اللّه هو المقتضي للسير إليه بالعمل الصالح والمشار إليه بالإدلاج، وعبر ببلوغ المنزلة عن النجاة المترتبة على العمل الصالح وأصل ذلك كله الخوف [7]