الوطن
12-27-2017, 09:14 AM
الإصلاح بالتدرج في العلاج
والإصلاح بالتدريج لا يعنى التفريط في شرع الله، وإنما هو من شرع الله ولكنه يحتاج لجراح ماهر يعلم كيف يأخذ بأيدي الناس خطوة خطوة إلى التمسك بالكتاب والسنة، فهو يدعو لترك المحرَّمات جملة واحدة، ويعلم أنّ الطاعات فرائض وسنن، والسنن درجات، والأحاديث مراتب، وعلى ذلك يملك الداعي البصير والحصيف والفطن أداة الإصلاح بالتدريج والتي قال فيها الله في أسلوب الحكمة في العلاج: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل125
والتى قال فيها صلى الله عليه وسلم في حديث معجز يبين كيف أن التدريج هو السنة الطبيعية لإصلاح الأمور وكذلك لإفسادها فقال صلى الله عليه وسلم: {لا يَلْبَثُ الجَوْرُ بَعْدِي إلاَّ قَليلاً حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّما طَلَعَ مِنَ الجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ العَدْلِ مِثْلُهُ، حتى يُوْلَدُ في الجَوْرِ مَنْ لا يَعْرِفُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يأتِي الله تَبَارَكَ وَتَعالى بالعَدْلِ، فَكُلَّمَا جاءَ مِنَ العَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الجَوْرِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُوْلَدَ في العَدْلِ مَنْ لا يَعْرِفُ غَيْرَهُ}{1}
فكيف استخدم القرآن والنبي العدنان مبدأ التدرج في العلاج؟ نأخذ مثالاً على ذلك كلكم تعرفونه وهو موضوع تحريم الخمر.
وجد صلى الله عليه وسلم في مجتمع يغلب على سكانه شرب الخمر ويعدونها علامة على الصواب والقوة والفتوة، وينشدون الشعر فخراً بذلك ويتباهون بهذا الصنيع ولم يكن عندهم الكثير غيرها فكيف قضى عليها القرآن الكريم؟ بالتدرج الإلهي الذي طالب الله المسلمين بإتباعه عند أي أمر.
ولذلك يقول أمير الشعراء أحمد شوقي عند وصفه لرسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم: {دَاوَيْتَ مُتَّئِدًا وَدَاوَوْا طَفْرَةً}، أي: دَاويت بالتُّؤدة والتَّروِّي والأناة، وهم يريدون أن يقضوا على الداء بمشرط، وليس كُلُّ داءٍ ينفع معه المشرط، فالداء إذا وصل إلى النَّفس وتلذذت به، تحتاج إلى التمهل في استئصاله، ولا يستطيع الإنسان أن يقضي عليه بقانون، لأنه مَرَضَ مرضًا اشتدت وطأته على نفوس متعاطيه، لكن يحتاجون إلى هذا العلاج القرآني.
فكان أول ما بدأهم الله - وقد حدث في الصلاة - أن بعضهم كان يؤم رفاقه، فقرأ بعد قراءة الفاتحة: {قل يا أيها الكافرون. أعبد ما تعبدون}، وَصِحَّتُهَا: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الكافرون2
فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} النساء43
كأنه أعطِ نفسك وقتًا تفيق فيه من سكرتك لتؤدي الصلاة لربِّك، فمن شرب الخمر عصراً لابد أن يعطي نفسه وقتاً يفيق منها لصلاة المغرب، وبعد المغرب هناك صلاة العشاء، ثم هناك الفجر والظهر والعصر، فأصبحت الأوقات التي يسمح فيها بتعاطي الخمر ضيقة وقليلة فقلت كمية تعاطيها منهم، ثم بعد ذلك حدث خلاف بين بعضهم وكان يشرب الخمر فلم يدر ما قال.
والله من حكمته في شريعة الإسلام أنه جعل كل أحكام الشريعة تدور حول خمسة مقاصد للشريعة، أو أحكام، في الصلاة والصيام والميراث والزواج والطلاق وفي الحرب والسلم, فالغاية من جميع الأحكام: حفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العرض، وحفظ الوطن، وكلُّ أحكام الإسلام تدور حول هذه الكليات الخمس:
فالعقل هبةٌ من الله، ولذلك أمر الله المؤمنين بالإبتعاد عما يغيب هذا العقل، وكان ذلك هو السبب والعلة في تحريم الخمر والمسكرات، والإسلام يحفظ النسل، ويريد من الناس أن يتناسلوا بالطرق الحلال الشرعية، ولذلك حرَّم الزِّنا وحرَّم حتَّى الإقتراب منه، حتى لا يقع الإنسان في المحظور بعد دخول هذا الحمى الذي حرَّمه الله بالكُليَّة.
وأمر الله بحفظ المال لكل فرد، ولذلك حرَّم السرقة والإختلاس والرشوة والنهب، ووضع القواعد الشرعية الإلهية لقسمة الميراث حفظاً لهذه الأموال، حتى لا يتعرض الناس للمشاحنات والتقاتل والتخاصم، لأن هذا المال هو موضع الداء وهو سرُّ الشحناء والبغضاء بينهم، وكذا العرض والوطن وهى أمور لا تحتاج لبيان.
هذه الأمور الكلية هي التي يدور عليها كل الأحكام التشريعية في الديانة الإسلامية فلما أراد الله أن يحفظ العقل منع المؤمن من الإقتراب من الخمر في البداية عند الصلاة، ثم لما وقع الشجار بعد شربها وغياب عقل شاربه وتطورت الحوادث، والمسلمون بين أمر وآخر حتى رغبوا في البيان القاطع فيها، وسأروى لكم الحديث الكامل عن سيدنا عمر لتروا كيف تدرج الله معهم في تحريمها خطوة خطوة
قال عُمَرَ رضي الله عنه: {لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانا شَافِيا فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}البقرة219
فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانا شَافِيا فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} النساء43
فَكَانَ مُنَادِي رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَقَامَ الصَّلاَةَ نَادَى: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حتى تعلموا ما تقولون}، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانا شَافِيا؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَ: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}، قَالَ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا}{2}
فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين من شربها وجعلها من الخبائث ونهى عنها وقال فيها صلى الله عليه وسلم: {الخَمْرُ أُمُّ الخَبَائِثِ}{3}
يعنى لا تقربوها وابتعدوا عنها حتى لا تقعوا في الخبائث، ونهى عن عصرها، وعن بيعها، وعن الإتجار فيها، وعن حملها، وعن تقديمها، وعن الجلوس حتى على مائدة تدار عليها الخمور، فقال صلى الله عليه وسلم: {لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ}{4}
وقد جمع في سبب تحريمها عشرة أشياء جمعها الأئمة الأعلام من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الخمر والميسر - يعني القمار، والأنصاب- يعنى الأصنام التي تصنع من الحجارة،- والأزلام - وهى الأصنام التي تصنع من الخشب، كلَّها شيئًا واحداً، وهي أربعة، فكان الواجب طبقًا لقواعد اللغة العربية أن يقول: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوهم، لكن الله قال: {فَاجْتَنِبُوهُ}، يعني جعل الأربعة لهم حرمة واحدة، أي أن شرب الخمر يعادل عبادة الأصنام بأنواعها، ويعادل القمار بأصنافه ودروبه وأشكال، إذاً حرَّم الله الخمر في هذه الآية كتحريمه لعبادة الأصنام وهذا ما اجتمع عليه المسلمون.
ولذلك لما نزلت هذه الآية وصاح المنادى بتحريمها؛ روت كتب السنة أن أهل المدينة لما سمعوا النداء أراقوا كل ما عندهم من دنان الخمر بأصنافها في الطرقات فى ساعة واحدة بلا سؤال ولا تثبُّت، ومما روى روى فى ذلك: {حرِّمت ولم يكن للعرب يومئذ عيش أعجب منها، وما حرِّم عليهم شيء أشد من الخمر، فأخرجنا الحباب إلى الطريق فصببنا ما فيها، فمنا من كسر حبه، ومنا من غسله بالماء والطين، ولقد غودرت أزقة المدينة بعد ذلك حيناً، كلما مطرت استبان فيها لون الخمر وفاحت ريحها}{5}
وقيل: {فو الله ما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل، فجرت في سكك المدينة فانصبت حتى استنقعت في بطن الوادي}{6}
فلم يحتاجوا إلى قانون جنائي، ولا إلى مكاتب للمتابعة أو للقبض على المخالفين، لأن تشريع الله مُبَجَّلٌ من الجميع، وفيه النفع والشفاء للجميع، وقد نزل لهم مع بيان الحكمة الشافية، فكان علاجًا لهذا الأمر ناجعاً إلى يوم الدين، وكذلك موقفهم من كل المنكرات.
وأنتم تعلمون من كتابنا هذا في الباب الأول كيف أن أمريكا حرَّمت الخمر ثم عادت وأباحتها مرة ثانية لما لم تستطع أن تجبر الناس على تركها بالقانون، ولكن مجتمع الإسلام في المدينة المنورة كان مجتمع التربية الإيمانية.
والإصلاح بالتدريج لا يعنى التفريط في شرع الله، وإنما هو من شرع الله ولكنه يحتاج لجراح ماهر يعلم كيف يأخذ بأيدي الناس خطوة خطوة إلى التمسك بالكتاب والسنة، فهو يدعو لترك المحرَّمات جملة واحدة، ويعلم أنّ الطاعات فرائض وسنن، والسنن درجات، والأحاديث مراتب، وعلى ذلك يملك الداعي البصير والحصيف والفطن أداة الإصلاح بالتدريج والتي قال فيها الله في أسلوب الحكمة في العلاج: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل125
والتى قال فيها صلى الله عليه وسلم في حديث معجز يبين كيف أن التدريج هو السنة الطبيعية لإصلاح الأمور وكذلك لإفسادها فقال صلى الله عليه وسلم: {لا يَلْبَثُ الجَوْرُ بَعْدِي إلاَّ قَليلاً حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّما طَلَعَ مِنَ الجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ العَدْلِ مِثْلُهُ، حتى يُوْلَدُ في الجَوْرِ مَنْ لا يَعْرِفُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يأتِي الله تَبَارَكَ وَتَعالى بالعَدْلِ، فَكُلَّمَا جاءَ مِنَ العَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الجَوْرِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُوْلَدَ في العَدْلِ مَنْ لا يَعْرِفُ غَيْرَهُ}{1}
فكيف استخدم القرآن والنبي العدنان مبدأ التدرج في العلاج؟ نأخذ مثالاً على ذلك كلكم تعرفونه وهو موضوع تحريم الخمر.
وجد صلى الله عليه وسلم في مجتمع يغلب على سكانه شرب الخمر ويعدونها علامة على الصواب والقوة والفتوة، وينشدون الشعر فخراً بذلك ويتباهون بهذا الصنيع ولم يكن عندهم الكثير غيرها فكيف قضى عليها القرآن الكريم؟ بالتدرج الإلهي الذي طالب الله المسلمين بإتباعه عند أي أمر.
ولذلك يقول أمير الشعراء أحمد شوقي عند وصفه لرسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم: {دَاوَيْتَ مُتَّئِدًا وَدَاوَوْا طَفْرَةً}، أي: دَاويت بالتُّؤدة والتَّروِّي والأناة، وهم يريدون أن يقضوا على الداء بمشرط، وليس كُلُّ داءٍ ينفع معه المشرط، فالداء إذا وصل إلى النَّفس وتلذذت به، تحتاج إلى التمهل في استئصاله، ولا يستطيع الإنسان أن يقضي عليه بقانون، لأنه مَرَضَ مرضًا اشتدت وطأته على نفوس متعاطيه، لكن يحتاجون إلى هذا العلاج القرآني.
فكان أول ما بدأهم الله - وقد حدث في الصلاة - أن بعضهم كان يؤم رفاقه، فقرأ بعد قراءة الفاتحة: {قل يا أيها الكافرون. أعبد ما تعبدون}، وَصِحَّتُهَا: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الكافرون2
فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} النساء43
كأنه أعطِ نفسك وقتًا تفيق فيه من سكرتك لتؤدي الصلاة لربِّك، فمن شرب الخمر عصراً لابد أن يعطي نفسه وقتاً يفيق منها لصلاة المغرب، وبعد المغرب هناك صلاة العشاء، ثم هناك الفجر والظهر والعصر، فأصبحت الأوقات التي يسمح فيها بتعاطي الخمر ضيقة وقليلة فقلت كمية تعاطيها منهم، ثم بعد ذلك حدث خلاف بين بعضهم وكان يشرب الخمر فلم يدر ما قال.
والله من حكمته في شريعة الإسلام أنه جعل كل أحكام الشريعة تدور حول خمسة مقاصد للشريعة، أو أحكام، في الصلاة والصيام والميراث والزواج والطلاق وفي الحرب والسلم, فالغاية من جميع الأحكام: حفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العرض، وحفظ الوطن، وكلُّ أحكام الإسلام تدور حول هذه الكليات الخمس:
فالعقل هبةٌ من الله، ولذلك أمر الله المؤمنين بالإبتعاد عما يغيب هذا العقل، وكان ذلك هو السبب والعلة في تحريم الخمر والمسكرات، والإسلام يحفظ النسل، ويريد من الناس أن يتناسلوا بالطرق الحلال الشرعية، ولذلك حرَّم الزِّنا وحرَّم حتَّى الإقتراب منه، حتى لا يقع الإنسان في المحظور بعد دخول هذا الحمى الذي حرَّمه الله بالكُليَّة.
وأمر الله بحفظ المال لكل فرد، ولذلك حرَّم السرقة والإختلاس والرشوة والنهب، ووضع القواعد الشرعية الإلهية لقسمة الميراث حفظاً لهذه الأموال، حتى لا يتعرض الناس للمشاحنات والتقاتل والتخاصم، لأن هذا المال هو موضع الداء وهو سرُّ الشحناء والبغضاء بينهم، وكذا العرض والوطن وهى أمور لا تحتاج لبيان.
هذه الأمور الكلية هي التي يدور عليها كل الأحكام التشريعية في الديانة الإسلامية فلما أراد الله أن يحفظ العقل منع المؤمن من الإقتراب من الخمر في البداية عند الصلاة، ثم لما وقع الشجار بعد شربها وغياب عقل شاربه وتطورت الحوادث، والمسلمون بين أمر وآخر حتى رغبوا في البيان القاطع فيها، وسأروى لكم الحديث الكامل عن سيدنا عمر لتروا كيف تدرج الله معهم في تحريمها خطوة خطوة
قال عُمَرَ رضي الله عنه: {لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانا شَافِيا فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}البقرة219
فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانا شَافِيا فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} النساء43
فَكَانَ مُنَادِي رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَقَامَ الصَّلاَةَ نَادَى: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حتى تعلموا ما تقولون}، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانا شَافِيا؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَ: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}، قَالَ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا}{2}
فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين من شربها وجعلها من الخبائث ونهى عنها وقال فيها صلى الله عليه وسلم: {الخَمْرُ أُمُّ الخَبَائِثِ}{3}
يعنى لا تقربوها وابتعدوا عنها حتى لا تقعوا في الخبائث، ونهى عن عصرها، وعن بيعها، وعن الإتجار فيها، وعن حملها، وعن تقديمها، وعن الجلوس حتى على مائدة تدار عليها الخمور، فقال صلى الله عليه وسلم: {لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ}{4}
وقد جمع في سبب تحريمها عشرة أشياء جمعها الأئمة الأعلام من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الخمر والميسر - يعني القمار، والأنصاب- يعنى الأصنام التي تصنع من الحجارة،- والأزلام - وهى الأصنام التي تصنع من الخشب، كلَّها شيئًا واحداً، وهي أربعة، فكان الواجب طبقًا لقواعد اللغة العربية أن يقول: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوهم، لكن الله قال: {فَاجْتَنِبُوهُ}، يعني جعل الأربعة لهم حرمة واحدة، أي أن شرب الخمر يعادل عبادة الأصنام بأنواعها، ويعادل القمار بأصنافه ودروبه وأشكال، إذاً حرَّم الله الخمر في هذه الآية كتحريمه لعبادة الأصنام وهذا ما اجتمع عليه المسلمون.
ولذلك لما نزلت هذه الآية وصاح المنادى بتحريمها؛ روت كتب السنة أن أهل المدينة لما سمعوا النداء أراقوا كل ما عندهم من دنان الخمر بأصنافها في الطرقات فى ساعة واحدة بلا سؤال ولا تثبُّت، ومما روى روى فى ذلك: {حرِّمت ولم يكن للعرب يومئذ عيش أعجب منها، وما حرِّم عليهم شيء أشد من الخمر، فأخرجنا الحباب إلى الطريق فصببنا ما فيها، فمنا من كسر حبه، ومنا من غسله بالماء والطين، ولقد غودرت أزقة المدينة بعد ذلك حيناً، كلما مطرت استبان فيها لون الخمر وفاحت ريحها}{5}
وقيل: {فو الله ما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل، فجرت في سكك المدينة فانصبت حتى استنقعت في بطن الوادي}{6}
فلم يحتاجوا إلى قانون جنائي، ولا إلى مكاتب للمتابعة أو للقبض على المخالفين، لأن تشريع الله مُبَجَّلٌ من الجميع، وفيه النفع والشفاء للجميع، وقد نزل لهم مع بيان الحكمة الشافية، فكان علاجًا لهذا الأمر ناجعاً إلى يوم الدين، وكذلك موقفهم من كل المنكرات.
وأنتم تعلمون من كتابنا هذا في الباب الأول كيف أن أمريكا حرَّمت الخمر ثم عادت وأباحتها مرة ثانية لما لم تستطع أن تجبر الناس على تركها بالقانون، ولكن مجتمع الإسلام في المدينة المنورة كان مجتمع التربية الإيمانية.