الوطن
01-26-2018, 12:23 PM
النمل يتكلم.. إعجاز علمي
عبدالرحمن أبو المجد
كم كنَّا نضيق حرجًا من تطاوُل بعض العلمانيين الذين يزعُمُون أنَّ العلْم يخالف ما ذكرَتْه الكتبُ السماوية من حقائق علمية، آن الأوانُ لِحذْفها، مثل ما ذُكر حول النمل في التوراة: "أن النمل ليس له قائد، ولا مراقب، أو حاكم"؛
الأمثال 8 : 6 : 6، وفي أمثال الملك جيمس 30 : 24 - 25 أيضًا.
إنهم يسخرون بخبث بما ذُكر في القرآن الكريم من خطاب النملة للنمل، والذي استمع إليه سليمان - عليه السلام - ويُطالبون بحذف ما ذُكر من أحاديث حول النمل، ونؤكِّد أنَّنا متمسِّكين بما ذَكَرَهُ القرآن والسُّنَّة، واثقين بأن العلم لَم يفصِّل في القضية بعدُ؛ لأننا نعرف الحقيقة التي تقول بأن العلم لا يتعارَض مع القرآن، وإذا حدَث تعارُض فلا شك أنَّ هناك خطأً ما في النظرية العلمية أو في فُرُوضها، ولا يوجد إطلاقًا خطأٌ في القرآن.
كانوا يسْخرون ويُؤكِّدون أنَّ هذه البحوث خاصة بالاتصال عند النمل، ويُؤَكِّد علماءُ الحشرات أنَّ الاتصال عند النمل اتِّصال كيميائي، وأن النمل يستخدم مادة كيميائية تُدعى الفرومونات pheromones، كوسيط مفضل للاتِّصال الكيميائي، وهذه المادة لا تستخدم فقط بواسطة النمل؛ بل إنَّ الطُّفيليات التي لها علاقة بالنمل تستخدمها للتعامُل مع النمل وللسيطرة عليه.
ويقولون: أثبت العلْمُ هذا منذ 1929، ووصل لذروة الثبات العلمي، وليس هناك مزايدة أو مزيد.
كنا نجد ضيقًا وحرَجًا؛ لأنَّ هذا يُخالف القرآن الكريم، ونؤكِّد واثقين بما في القرآن، على الرغم من عدم وجود الأدلة المادية التي تُؤَكِّد ثقتنا، كنَّا واثقين بأنَّ هناك خطأً ما، علينا أن ننتظر - ولو طويلاً - لتصحيحه، نثق بما في القرآن، ولكننا نعجز أن نبرهنَ بصحَّته، فليس لدَيْنا أجهزةٌ دقيقة، ومجرد التفكير في الاتِّصال السمعي، كان من العبث الذي يُعَدُّ من الخرافة التي لا يُفَكِّر فيها أحد.
لكن كانتْ هناك تجارب أخرى بعيدة عن علماء الحشرات، يقوم بها عالِم اتِّصالات شهير، هو الأستاذ روبرت هيكلنغ Robert Hickling- رئيس تطبيقات السونار Sonometrics في Inc located in Huntington Woods - الذي تعمق في دراسة الأصوات عند الحشرات، باعتبار أنها ضِمن تَخَصُّصه (تطبيقات الموجات فوق الصوتية)؛ لأنها ترسل وتستقبل الموجات فوق الصوتية، وقد دَرَس صوتيات الحشرات لمدة ست سنوات، في الفترة من 1994 - 2000، ففي 1994 بدأ يطوِّر علم "صوتيات الحشرات" insect acoustics؛ لاكتشاف الحشرات في الزراعة من خلال الأصوات، يسجل بصبر طويل ما يصدر عنها من أصوات حقيقية، لَم يجد من الحشرات أفضل من النمل ليقوم بتطبيق تجاربه عليه، طَبَّق تجاربه على نَوْعٍ منَ النمل يدعى "نَمل النار"، يكثُر في الولايات المتحدة، ويمتاز بشراسته.
استطاع هيكلنغ أن يسجِّل أصوات النَّمْل، والتي تُعَبِّر عن أصوات حقيقيَّة لمختلف أنواع النمل، وتابع النمل في محاصيل الحقول ثلاث سنوات يرصد الظاهرة، ويُحَلِّلها.
وفي 1997م قام بدراسة الاتِّصال السمعي عند النمل Studies of Sound Transmission in Various Types of Stored Grain for Acoustic Detection of Insects، ثم قام بتحليل الاتِّصال السمعي عند النمل Analysis of acoustic communication by ants - فتَمَكَّن من إثبات هذه الفرضية: أنَّ النمل يتكلم.
أُذهِل العالِم عندما استطاع أن يسمعَ صوت النمل؛ لأنَّها كانت المرَّة الأولى التي تَمَكَّن فيها الإنسانُ من الاستماع لصوت النمل، فاجأ هيكلنغ العالَم أجمع بأصوات النمل التي تتفاوَت من نملة لأخرى، ومن نوع لآخر، ومن ظروف لأخرى، ونَشَر هذا الباحثُ واحدًا من أكثر البحوث أهمِّيَّة، إنه حول الاتِّصال بين النمل، تحت عنوان: "تحليل الاتِّصال السمعي للنمل"Analysis of acoustic communication by ants" في مجلة المجتمع السمعي بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو صاحب نظرية الاتِّصال عند النمل theory of communication by ants، هذه الفرضية كانتْ صدمةً قويةً لِمن يؤكِّد على أن الاتصال لدى النمل اتِّصال كيميائي فقط، أحدثت أبحاث هيكلنغ بلْبلة في نظرية الاتِّصال عند النمل، تباينت وجهات نظر علماء الحشرات منذ 1997م.
وبعد تجارب استمرَّتْ تتوالَى لأكثر مِن عشرة أعوام متوالية، حسم مجتمع علماء الحشرات الملكي RES، ومجتمع علماء الحشرات لندن ESOL الخلافَ العلمي بما لا يضَع مجالاً للشَّكِّ من أنَّ الاتِّصال سمعي، بفَضْل جُهُود هيكلينغ، وتقدُّم تقنياته السمعيَّة، تَمَكَّن العلماء من اكتشاف أنَّ النمل يُكَلِّم بعضه بعضًا في 2006م، وتأكَّدوا من أنَّ تجاربه تمتاز بعُمق ودقَّة علميَّة، وبهذا تراجَع علماء الحشرات عن النظرية القديمة التي تَمَّ إسقاطُها، والتي كانوا يزايدون بها على ما ذُكر في القرآن، وهكذا تراجَع العِلْم ليقرَّ ما ذُكِر في القرآن.
هذا بالإعجاز العلمي في كتاب الله، ليس لِمُجَرَّد السَّبْق بالإشارة إلى تلك الحقيقة العلميَّة قبل إقرار علماء الحشرات بها بقُرُون طويلة، ولكن لأنَّ القرآن الكريم أظهرها عبر تجربة عملية، وحدَّد طريقة الاتِّصال بدقة، لدرجة أدهشت هيكلنغ، عندما أخبرْتُه بما أكَّده القرآن، لَم يُعَلِّق بشيء غير قوله: النمل يتكَلَّم.
تكْمُن الأهمية أيضًا في تصحيح ما تَمَّ نشرُه وانتشاره حول النمل، مِن هذا يتَبَيَّن للجميع ما تبين لي من نتائج دراسة حول مضامين ما تَمَّ نشره وانتشاره ورقيًّا وإلكترونيًّا، من إعجاز حول "النمل يتكلم"، كان بمثابة نسخ كربونية، تتكرر ألفاظها أحيانًا، لَم تُبيِّن المعنى الإعجازي العلمي في الآية، بل بينت العجز، وما يتناقَض مع نظرية الاتصال عند النمل.
وهذا ما تفرَّدت الدراسة في إثباته - بفضْلٍ منَ الله ونعمة، أشكر الله عليها - فعلينا متابعة البحوث من مصادرها، مع ضرورة الترشيد في النشر بشأن الإعجاز العلمي، وجعل هيئة الإعجاز العلمي هي المرجعيَّةَ والجهة المنوطة في صكِّ بحوث الإعجاز العلمي ونشرها.
الاستدلال القرآني:
قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 18، 19].
الاستدلال العلمي:
إنَّ هاتَيْن الآيتين ترتبطان بإعجاز علمي، وحقيقة علمية ظلَّتْ لفترة طويلة محل خلافٍ علْمي، لَم تحسم إلا منذ وقت قريب، بدأ هذا الفتح العلمي البروفيسور روبرت هيكلنغ Robert Hickling- كانت هذه النظرية صدمة حقيقية لعلماء الحشرات، الذين كانوا يؤَكِّدُون أنَّ الاتِّصال لدى النمل اتِّصال كيميائي فقط، أحدثتْ أبحاث هيكلنغ بلبلة في نظرية الاتصال عند النمل، فتباينت وجهات نظر علماء الحشرات، أن تصدر الحشرة أصوات وتستقبلها كما أثبتت بحوث هيكلنغ فهذا يحتاج لحسم علمي، في خِضَمِّ الصراع بين علماء الحشرات وعلماء الصوتيات، يكتشف فيل دي فريس Phil De Vries أن الحشرات تصدر اهتزازات سمعية ضعيفة weak acoustic vibrations، وأن النمل يمكن أن يميز ذلك، هذا رجح كفة علماء الصوتيات، واستمرت التجارب ترجح كفة علماء الاتصال وتؤكد على صحة الاتصال السمعي عند النمل.
تحليل الاتصال السمعي:
بعد أن تأكَّد تمامًا من صحة نظريته بعد تسع سنوات من بحوث متواصلة في نظرية الاتصال عند النمل، نشر هيكلنغ بحثه العلمي في مجلة الاهتزازات والصوت Journal of Sound and Vibration في عام 2006م، الحَقّ أني لَم أقمْ بمتابعة بحوثه فقط، بل عرضتُ عليه دقة الأسلوب القرآني في تحديد نوع الاتصال الذي يتفق تمامًا مع نظريته ويسبقه في تأكيد هذه الحقيقة العلمية بقرون طويلة، تعجَّب ولاذ بالصمت الطويل، لعل الله يهديه ويسلم.
تجربة الخط الساخن عند النمل:
كثيرة هي التجارب التي أثبتت الاتصال الصوتي، منها هذه التجربة عندما انحشرت نملة بين الحائط وغطاء الصندوق، لَم تستطع أن تنقذ نفسها كانت في وضع مهلك، يقول هيكلنغ: لقد تمكَّنْتُ من رؤية الحقيقة: إنَّ النملة بدأتْ تصدر صوت الاستغاثة ينطلق مدوِّيًا، وأحرز النمْل مهمته بسرعة.
استنتج هيكلنغ أنَّ النملة المحصورة أطلقت إشارة استغاثة قويَّة، وأنَّ النمل استجاب على الفَوْر لإنقاذها.
إنَّ وُجُود ما يدعم نظرية الاتصال عند النمل، والتي لَم يتوصل إليها هيكلينغ إلا بعد دراسات متعمِّقة، استمرَّتْ لسنوات طويلة، إعجازًا علميًّا في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليس لمجرَّد السبق بالإشارة إلى تلك الحقيقة العلمية قبل إقرار علماء الحشرات بها بقرون طويلة، ولكن لأن القرآن الكريم أظهرها عبر تجربة عملية، وحدَّد طريقة الاتصال بدقة.
صياغة الآية بالغة الدقة في التعبير، والشمول في الدلالة، والإحاطة بحقيقة الاتصال عند النمل، يظل الإعجاز مهيمنًا على المعرفة العلمية على الرغم من اتِّساعها، شاهدًا للقرآن الكريم بأنه كلام الله - سبحانه وتعالى - وللنبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان نبيًّا.
قد يقول قائل: إنَّ القرآن لا يثبت إلا الاتصال السمعي، فأين الاتِّصال الكيميائي؟
سؤال يُمكن إثارته في ظلِّ الشبهات التي تتزايد، وتتزايد حتى على المسلَّمات والثوابت في القرآن والسنة.
نتفق على أن الآية أثبتت الاتصال السمعي، وقد غاب عن هذا أنه انتزع الآية وأخرجها من سياقها؛ ليضلل في معانيها، لنقرأ الآية، ونردفها بالآية التالية لتتضح الحقيقة مجردة:
إن الحالة خطيرة جدًّا، نملة رأت جيشًا قادمًا، وليس مجرد جيش، إنه سليمان وجنوده من جن وإنس ووحوش، فاستخدمت الاتصال الكلامي، لَم تستخدم الاتصال الكيميائي، إنها أثبتت الطريقة التي يجب على النمل استخدامها عند الخطر؛ لما لها من مزايا أفضل عند المقارنة بطريقة الاتصال الكيميائية، أثبتت بحوث هيكلنغ أن النمل لا يستخدم إلا الاتصال الكلامي عند الحالات الضرورية العاجلة، أو بتعبير عصري اتصالات الخط الساخن.
يثبت هذا دقة تحديد التعبير القرآني في استخدام طريقة الاتصال الأنسب عند النمل وقت الخطر.
ولو استخدمت النملة الاتصال الكيميائي لسجَّل القرآن: "فتَبَسَّم ضاحكًا من رائحتها"، ولاحتاج لكلام كثير يغوص في أعماق هذه الرائحة، ويترجم معانيها، وربما لا تصل هذه الرائحة لأنف سليمان - عليه السلام.
من هذا يتَبَيَّن سبق القرآن الكريم لتحديد نوع الاتصال، وهذا شيء عظيم لَم يتوصل إليه العلم إلا بعد تجارب أثبتت صحة صوتيات النمل، لقد تأكدنا الآن من أن كل الكتابات التي انطلقت بمجرد إعلان أن النمل يتكلم، لم تثبت الإعجاز العلمي الموجود في هذه الآية، بنظرة علمية أثبتت العجز، لا الإعجاز - أنها لم تفهم الآية فهمًا علميًّا دقيقًا؛ لأن الآية تحدد حالة الاتصال الضرورية عند الخطر.
إن الاتصال السمعي عند النمل وقت الخطر منظور علمي دقيق، ينسجم مع واقع قرآني يحقق السبق والعمق، ويزيد الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - ويؤكد لغير المسلمين أن القرآن كتاب الله، وليس من تأليف محمد - صلى الله عليه وسلم.
ذكر أبو داود في سننه - باب: قتل الذر - أربعة أحاديث نبوية تتعلَّق بالنمل، نذكر من نصوص الأحاديث النبوية:
((إنَّ نملةً قرصت نبيًّا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأُحْرِقَتْ، فأوحى الله إليه: في أن قرصتك نملة، أهلكتَ أمة من الأمم تُسَبِّح)).
((عن ابن عباس قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرَد)).
أمة مسبحة:
((أمة من الأمم تُسَبِّح))، ينسجم مع قوله تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
إن النمل أمة مسبحة، منهي عن قتْلها؛ لأنها تنظف البيئة من كثير من الآفات الضارة، ووجودها في البيئة يُشَكُّل توازنًا طبيعيًّا منسجمًا، وإن في قتلها انهيارًا لمنظومة التوازن الطبيعية.
إنَّ نَهْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النمل لهو أول أسس ظهور علم الحشرات التطبيقي Entomology Applied، فسبحان الذي علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعله لا ينطق عن الهوى!
سبحان الله العظيم! يظل الإعجاز العلمي يدلل للعلماء غير المسلمين في مختلف مجالات العلم: أن القرآن الكريم كلام الله - سبحانه وتعالى - وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله.
الألوكة الثقافية
عبدالرحمن أبو المجد
كم كنَّا نضيق حرجًا من تطاوُل بعض العلمانيين الذين يزعُمُون أنَّ العلْم يخالف ما ذكرَتْه الكتبُ السماوية من حقائق علمية، آن الأوانُ لِحذْفها، مثل ما ذُكر حول النمل في التوراة: "أن النمل ليس له قائد، ولا مراقب، أو حاكم"؛
الأمثال 8 : 6 : 6، وفي أمثال الملك جيمس 30 : 24 - 25 أيضًا.
إنهم يسخرون بخبث بما ذُكر في القرآن الكريم من خطاب النملة للنمل، والذي استمع إليه سليمان - عليه السلام - ويُطالبون بحذف ما ذُكر من أحاديث حول النمل، ونؤكِّد أنَّنا متمسِّكين بما ذَكَرَهُ القرآن والسُّنَّة، واثقين بأن العلم لَم يفصِّل في القضية بعدُ؛ لأننا نعرف الحقيقة التي تقول بأن العلم لا يتعارَض مع القرآن، وإذا حدَث تعارُض فلا شك أنَّ هناك خطأً ما في النظرية العلمية أو في فُرُوضها، ولا يوجد إطلاقًا خطأٌ في القرآن.
كانوا يسْخرون ويُؤكِّدون أنَّ هذه البحوث خاصة بالاتصال عند النمل، ويُؤَكِّد علماءُ الحشرات أنَّ الاتصال عند النمل اتِّصال كيميائي، وأن النمل يستخدم مادة كيميائية تُدعى الفرومونات pheromones، كوسيط مفضل للاتِّصال الكيميائي، وهذه المادة لا تستخدم فقط بواسطة النمل؛ بل إنَّ الطُّفيليات التي لها علاقة بالنمل تستخدمها للتعامُل مع النمل وللسيطرة عليه.
ويقولون: أثبت العلْمُ هذا منذ 1929، ووصل لذروة الثبات العلمي، وليس هناك مزايدة أو مزيد.
كنا نجد ضيقًا وحرَجًا؛ لأنَّ هذا يُخالف القرآن الكريم، ونؤكِّد واثقين بما في القرآن، على الرغم من عدم وجود الأدلة المادية التي تُؤَكِّد ثقتنا، كنَّا واثقين بأنَّ هناك خطأً ما، علينا أن ننتظر - ولو طويلاً - لتصحيحه، نثق بما في القرآن، ولكننا نعجز أن نبرهنَ بصحَّته، فليس لدَيْنا أجهزةٌ دقيقة، ومجرد التفكير في الاتِّصال السمعي، كان من العبث الذي يُعَدُّ من الخرافة التي لا يُفَكِّر فيها أحد.
لكن كانتْ هناك تجارب أخرى بعيدة عن علماء الحشرات، يقوم بها عالِم اتِّصالات شهير، هو الأستاذ روبرت هيكلنغ Robert Hickling- رئيس تطبيقات السونار Sonometrics في Inc located in Huntington Woods - الذي تعمق في دراسة الأصوات عند الحشرات، باعتبار أنها ضِمن تَخَصُّصه (تطبيقات الموجات فوق الصوتية)؛ لأنها ترسل وتستقبل الموجات فوق الصوتية، وقد دَرَس صوتيات الحشرات لمدة ست سنوات، في الفترة من 1994 - 2000، ففي 1994 بدأ يطوِّر علم "صوتيات الحشرات" insect acoustics؛ لاكتشاف الحشرات في الزراعة من خلال الأصوات، يسجل بصبر طويل ما يصدر عنها من أصوات حقيقية، لَم يجد من الحشرات أفضل من النمل ليقوم بتطبيق تجاربه عليه، طَبَّق تجاربه على نَوْعٍ منَ النمل يدعى "نَمل النار"، يكثُر في الولايات المتحدة، ويمتاز بشراسته.
استطاع هيكلنغ أن يسجِّل أصوات النَّمْل، والتي تُعَبِّر عن أصوات حقيقيَّة لمختلف أنواع النمل، وتابع النمل في محاصيل الحقول ثلاث سنوات يرصد الظاهرة، ويُحَلِّلها.
وفي 1997م قام بدراسة الاتِّصال السمعي عند النمل Studies of Sound Transmission in Various Types of Stored Grain for Acoustic Detection of Insects، ثم قام بتحليل الاتِّصال السمعي عند النمل Analysis of acoustic communication by ants - فتَمَكَّن من إثبات هذه الفرضية: أنَّ النمل يتكلم.
أُذهِل العالِم عندما استطاع أن يسمعَ صوت النمل؛ لأنَّها كانت المرَّة الأولى التي تَمَكَّن فيها الإنسانُ من الاستماع لصوت النمل، فاجأ هيكلنغ العالَم أجمع بأصوات النمل التي تتفاوَت من نملة لأخرى، ومن نوع لآخر، ومن ظروف لأخرى، ونَشَر هذا الباحثُ واحدًا من أكثر البحوث أهمِّيَّة، إنه حول الاتِّصال بين النمل، تحت عنوان: "تحليل الاتِّصال السمعي للنمل"Analysis of acoustic communication by ants" في مجلة المجتمع السمعي بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو صاحب نظرية الاتِّصال عند النمل theory of communication by ants، هذه الفرضية كانتْ صدمةً قويةً لِمن يؤكِّد على أن الاتصال لدى النمل اتِّصال كيميائي فقط، أحدثت أبحاث هيكلنغ بلْبلة في نظرية الاتِّصال عند النمل، تباينت وجهات نظر علماء الحشرات منذ 1997م.
وبعد تجارب استمرَّتْ تتوالَى لأكثر مِن عشرة أعوام متوالية، حسم مجتمع علماء الحشرات الملكي RES، ومجتمع علماء الحشرات لندن ESOL الخلافَ العلمي بما لا يضَع مجالاً للشَّكِّ من أنَّ الاتِّصال سمعي، بفَضْل جُهُود هيكلينغ، وتقدُّم تقنياته السمعيَّة، تَمَكَّن العلماء من اكتشاف أنَّ النمل يُكَلِّم بعضه بعضًا في 2006م، وتأكَّدوا من أنَّ تجاربه تمتاز بعُمق ودقَّة علميَّة، وبهذا تراجَع علماء الحشرات عن النظرية القديمة التي تَمَّ إسقاطُها، والتي كانوا يزايدون بها على ما ذُكر في القرآن، وهكذا تراجَع العِلْم ليقرَّ ما ذُكِر في القرآن.
هذا بالإعجاز العلمي في كتاب الله، ليس لِمُجَرَّد السَّبْق بالإشارة إلى تلك الحقيقة العلميَّة قبل إقرار علماء الحشرات بها بقُرُون طويلة، ولكن لأنَّ القرآن الكريم أظهرها عبر تجربة عملية، وحدَّد طريقة الاتِّصال بدقة، لدرجة أدهشت هيكلنغ، عندما أخبرْتُه بما أكَّده القرآن، لَم يُعَلِّق بشيء غير قوله: النمل يتكَلَّم.
تكْمُن الأهمية أيضًا في تصحيح ما تَمَّ نشرُه وانتشاره حول النمل، مِن هذا يتَبَيَّن للجميع ما تبين لي من نتائج دراسة حول مضامين ما تَمَّ نشره وانتشاره ورقيًّا وإلكترونيًّا، من إعجاز حول "النمل يتكلم"، كان بمثابة نسخ كربونية، تتكرر ألفاظها أحيانًا، لَم تُبيِّن المعنى الإعجازي العلمي في الآية، بل بينت العجز، وما يتناقَض مع نظرية الاتصال عند النمل.
وهذا ما تفرَّدت الدراسة في إثباته - بفضْلٍ منَ الله ونعمة، أشكر الله عليها - فعلينا متابعة البحوث من مصادرها، مع ضرورة الترشيد في النشر بشأن الإعجاز العلمي، وجعل هيئة الإعجاز العلمي هي المرجعيَّةَ والجهة المنوطة في صكِّ بحوث الإعجاز العلمي ونشرها.
الاستدلال القرآني:
قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 18، 19].
الاستدلال العلمي:
إنَّ هاتَيْن الآيتين ترتبطان بإعجاز علمي، وحقيقة علمية ظلَّتْ لفترة طويلة محل خلافٍ علْمي، لَم تحسم إلا منذ وقت قريب، بدأ هذا الفتح العلمي البروفيسور روبرت هيكلنغ Robert Hickling- كانت هذه النظرية صدمة حقيقية لعلماء الحشرات، الذين كانوا يؤَكِّدُون أنَّ الاتِّصال لدى النمل اتِّصال كيميائي فقط، أحدثتْ أبحاث هيكلنغ بلبلة في نظرية الاتصال عند النمل، فتباينت وجهات نظر علماء الحشرات، أن تصدر الحشرة أصوات وتستقبلها كما أثبتت بحوث هيكلنغ فهذا يحتاج لحسم علمي، في خِضَمِّ الصراع بين علماء الحشرات وعلماء الصوتيات، يكتشف فيل دي فريس Phil De Vries أن الحشرات تصدر اهتزازات سمعية ضعيفة weak acoustic vibrations، وأن النمل يمكن أن يميز ذلك، هذا رجح كفة علماء الصوتيات، واستمرت التجارب ترجح كفة علماء الاتصال وتؤكد على صحة الاتصال السمعي عند النمل.
تحليل الاتصال السمعي:
بعد أن تأكَّد تمامًا من صحة نظريته بعد تسع سنوات من بحوث متواصلة في نظرية الاتصال عند النمل، نشر هيكلنغ بحثه العلمي في مجلة الاهتزازات والصوت Journal of Sound and Vibration في عام 2006م، الحَقّ أني لَم أقمْ بمتابعة بحوثه فقط، بل عرضتُ عليه دقة الأسلوب القرآني في تحديد نوع الاتصال الذي يتفق تمامًا مع نظريته ويسبقه في تأكيد هذه الحقيقة العلمية بقرون طويلة، تعجَّب ولاذ بالصمت الطويل، لعل الله يهديه ويسلم.
تجربة الخط الساخن عند النمل:
كثيرة هي التجارب التي أثبتت الاتصال الصوتي، منها هذه التجربة عندما انحشرت نملة بين الحائط وغطاء الصندوق، لَم تستطع أن تنقذ نفسها كانت في وضع مهلك، يقول هيكلنغ: لقد تمكَّنْتُ من رؤية الحقيقة: إنَّ النملة بدأتْ تصدر صوت الاستغاثة ينطلق مدوِّيًا، وأحرز النمْل مهمته بسرعة.
استنتج هيكلنغ أنَّ النملة المحصورة أطلقت إشارة استغاثة قويَّة، وأنَّ النمل استجاب على الفَوْر لإنقاذها.
إنَّ وُجُود ما يدعم نظرية الاتصال عند النمل، والتي لَم يتوصل إليها هيكلينغ إلا بعد دراسات متعمِّقة، استمرَّتْ لسنوات طويلة، إعجازًا علميًّا في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليس لمجرَّد السبق بالإشارة إلى تلك الحقيقة العلمية قبل إقرار علماء الحشرات بها بقرون طويلة، ولكن لأن القرآن الكريم أظهرها عبر تجربة عملية، وحدَّد طريقة الاتصال بدقة.
صياغة الآية بالغة الدقة في التعبير، والشمول في الدلالة، والإحاطة بحقيقة الاتصال عند النمل، يظل الإعجاز مهيمنًا على المعرفة العلمية على الرغم من اتِّساعها، شاهدًا للقرآن الكريم بأنه كلام الله - سبحانه وتعالى - وللنبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان نبيًّا.
قد يقول قائل: إنَّ القرآن لا يثبت إلا الاتصال السمعي، فأين الاتِّصال الكيميائي؟
سؤال يُمكن إثارته في ظلِّ الشبهات التي تتزايد، وتتزايد حتى على المسلَّمات والثوابت في القرآن والسنة.
نتفق على أن الآية أثبتت الاتصال السمعي، وقد غاب عن هذا أنه انتزع الآية وأخرجها من سياقها؛ ليضلل في معانيها، لنقرأ الآية، ونردفها بالآية التالية لتتضح الحقيقة مجردة:
إن الحالة خطيرة جدًّا، نملة رأت جيشًا قادمًا، وليس مجرد جيش، إنه سليمان وجنوده من جن وإنس ووحوش، فاستخدمت الاتصال الكلامي، لَم تستخدم الاتصال الكيميائي، إنها أثبتت الطريقة التي يجب على النمل استخدامها عند الخطر؛ لما لها من مزايا أفضل عند المقارنة بطريقة الاتصال الكيميائية، أثبتت بحوث هيكلنغ أن النمل لا يستخدم إلا الاتصال الكلامي عند الحالات الضرورية العاجلة، أو بتعبير عصري اتصالات الخط الساخن.
يثبت هذا دقة تحديد التعبير القرآني في استخدام طريقة الاتصال الأنسب عند النمل وقت الخطر.
ولو استخدمت النملة الاتصال الكيميائي لسجَّل القرآن: "فتَبَسَّم ضاحكًا من رائحتها"، ولاحتاج لكلام كثير يغوص في أعماق هذه الرائحة، ويترجم معانيها، وربما لا تصل هذه الرائحة لأنف سليمان - عليه السلام.
من هذا يتَبَيَّن سبق القرآن الكريم لتحديد نوع الاتصال، وهذا شيء عظيم لَم يتوصل إليه العلم إلا بعد تجارب أثبتت صحة صوتيات النمل، لقد تأكدنا الآن من أن كل الكتابات التي انطلقت بمجرد إعلان أن النمل يتكلم، لم تثبت الإعجاز العلمي الموجود في هذه الآية، بنظرة علمية أثبتت العجز، لا الإعجاز - أنها لم تفهم الآية فهمًا علميًّا دقيقًا؛ لأن الآية تحدد حالة الاتصال الضرورية عند الخطر.
إن الاتصال السمعي عند النمل وقت الخطر منظور علمي دقيق، ينسجم مع واقع قرآني يحقق السبق والعمق، ويزيد الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - ويؤكد لغير المسلمين أن القرآن كتاب الله، وليس من تأليف محمد - صلى الله عليه وسلم.
ذكر أبو داود في سننه - باب: قتل الذر - أربعة أحاديث نبوية تتعلَّق بالنمل، نذكر من نصوص الأحاديث النبوية:
((إنَّ نملةً قرصت نبيًّا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأُحْرِقَتْ، فأوحى الله إليه: في أن قرصتك نملة، أهلكتَ أمة من الأمم تُسَبِّح)).
((عن ابن عباس قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرَد)).
أمة مسبحة:
((أمة من الأمم تُسَبِّح))، ينسجم مع قوله تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
إن النمل أمة مسبحة، منهي عن قتْلها؛ لأنها تنظف البيئة من كثير من الآفات الضارة، ووجودها في البيئة يُشَكُّل توازنًا طبيعيًّا منسجمًا، وإن في قتلها انهيارًا لمنظومة التوازن الطبيعية.
إنَّ نَهْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النمل لهو أول أسس ظهور علم الحشرات التطبيقي Entomology Applied، فسبحان الذي علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعله لا ينطق عن الهوى!
سبحان الله العظيم! يظل الإعجاز العلمي يدلل للعلماء غير المسلمين في مختلف مجالات العلم: أن القرآن الكريم كلام الله - سبحانه وتعالى - وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله.
الألوكة الثقافية