الوطن
03-08-2018, 06:22 AM
التربية تحت التهديد
http://www.lahaonline.com/media/images/articles//motherhood/2014_1520410495.jpg
يعتبر التهديد أحد وسائل العنف والتخويف، والتي تستخدم للإكراه على أمر ما، دون قبوله من الشخص المُكره، إنما يتقبله لتجنب عواقبه، وما يتبعه من عقاب.
وكثيراً ما يستخدم التهديد كوسيلة تربوية، يحاول من خلالها الوالدان ضبط بعض سلوكيات الأبناء، بالتهديد أو بإجبارهم على الطاعة من خلاله؛ لعمل ما يعتقدان نفعه دون إدراك الأبناء لذلك. ويتم استخدامه تربوياً على اعتباره أسلوباً مختصراً يوفر الوقت عليهما، بدلاً من الحوار والإقناع، خاصة إن كان أحد الأبناء يحب الجدال، ويتخذ منه أسلوباً في المواقف المختلفة مع الوالدين، أو لانخفاض التواصل بينهما، فضلاً عن استخدامه مع تكرار الابن للسلوك السلبي والإصرار عليه. مما يضطر الوالدان لاستخدامه على اعتبار أن التهديد والوعيد هما بوابتا الطاعة والعقاب الرادع للسلوك بحسب وجهة نظرهما.
غير أن الواقع يُثبت عكس ذلك تماماً، فالسلوك الإيجابي إن لم يصدر عن قناعة ذاتية، فإنه لن يتكرر مرة أخرى، وكذلك السلوك السلبي قد يتوقف تحت التهديد والخوف؛ لكنه يعود بمجرد غياب مصدر الخوف، ويترك آثاره السلبية على الناحية السلوكية والنفسية والانفعالية أيضاً.
فمن الناحية السلوكية فإنه يعمل على زيادة العناد، وزرع بذور العدوان والعنف لدى الأبناء، نتيجة إكراههم دون إقناعهم. كما وأن الحالة الانفعالية السلبية التي يخضع لها الأبناء نتيجة كثرة التهديد، كالقلق والارتباك تدفعانهم للكذب بالقول، أو بإنكار السلوك والظهور بالانضباط أمام الوالدين مع الاحتيال، بفعل ما يريدونه في الخفاء. بالإضافة إلى الشعور بعدم الأمان، مما يهز ثقتهم بأنفسهم ويجعلهم بحاجة بشكل دائم لمن يوجههم ويعلمهم الصواب من الخطأ، كما ويقتل فيهم المبادرة خوفاً من العقاب، ولذلك كله أثره السيء على النمو السوي لشخصياتهم في المستقبل.
لذلك من المهم أن يستخدم الوالدان بدائل تربوية عن التهديد، تؤتي نتائج أفضل منه ودون آثار سلبية. ومن أهم هذه البدائل: أن يجعلا من الحوار والإقناع منهجاً حياتياً في مواجهة جميع العوائق التربوية مع الأبناء؛ ليكون تطبيق السلوك أو الامتناع عنه، وفق قناعة ذاتية داخلية لا قراراً خارجياً يُفرض عليهم. مع ترك مساحة كافية للأبناء بالتجريب في بعض الأمور التي لا يقتنعون بها، والأفضل أن يكون ذلك في المواضيع اليسيرة، مع شرح العواقب المحتملة، فعندما يُشبع الأبناء حاجتهم إلى الحرية، ويلمسون ما شُرح لهم من عواقب، فإن ثقتهم بالوالدين تزداد، والعلاقة بينهما تقوى وتتأصل على مبدأ الشورى بينهم لاختيار الأنسب. بالإضافة إلى أن محاولتهما إيضاح الصورة كاملة للأبناء، تساهم في تقبل رأي الوالدين، بمعنى أن يشرحا لهم عن السلوك المراد تجنبه، وعن نتائجه وعواقبه، وإن استشهدا بمواقف حياتية واقعية، تدعم الصورة وتوضحها، وتوضح العواقب بشكل واقعي، مع تقديم السلوك البديل بصورته الإيجابية؛ فذلك يساهم بشكل كبير في ردعهم عن السلوك، ويقوي التواصل والثقة بين الوالدين والأبناء. أما إن لم يتمكن الوالدان من استبعاد التهديد من قاموسهم التربوي، عندها من المهم عند استخدام التهديد مراعاة عدة شروط من أهمها:
أن يسبق تهديدهما: تعليم السلوك المراد، أو السلوك البديل للسلوك السلبي المُراد تركه، والتأكد من فهم الابن لسبل التنفيذ.
محاولة استبدال التهديد بالكلمات، إلى التهديد بالنظرة الحادة التي توصل رسالة للابن، مفادها توقف عما تفعل وإلا ... أو لو لم تفعل... وهي أقسى من الكلمات وأكثر جدوى، فقد يهدد الوالدان ولا يستطيعان التنفيذ، أو يندما بعد زوال الغضب، بينما النظرة لن تجرهما للندم، ولن تجبرهما أن يتلفظا بكلمات عنيفة وعبارات شديدة، قد تصاحب التهديد، لتدعمه وتخفف من حدة انفعالهما.
على الوالدين الانتباه إلى أن التهديد دون تنفيذ، له سلبيات أكثر من تنفيذ ما تم التهديد بشأنه؛ لذا فإن عليهما الحرص على أن يتم تنفيذ ما يتم التهديد به، حتى لا يجعلا من كلامها عديم القيمة على أقل تقدير.
أن يكون التهديد لا يشكل عقاباً صارماً، أو التهديد بما يزيد من مخاوفهم، ويهز الأمن النفسي للأبناء، كالحرمان من احتياجات أساسية، أو التخويف بالحبس بالظلام أو الضرب المبرح.
الحرص ألا يكون التهديد أمام الضيوف أو جماعة الأصدقاء، حتى لا يكسر من هيبة الأبناء، ويجعلهم محل السخرية والضعف.
ألا يكون التهديد بشكل مستمر حتى لا يفقد أهميته. وأيضا لا يهز الأمن النفسي للأبناء، بجعلهم تحت مظلة الخوف في الكثير من الأوقات. مع مراعاة ضبط النفس قدر الإمكان، وآلا يكون بأي حال من الأحوال مقروناً بالدعاء على الأبناء، أو يكون التهديد بالغضب عليهم أو التلفظ بما يسئ لهم.
من المهم أن يكون الدور الوالدي في التربية دوراً يمنح الحصانة النفسية للأبناء، من الوقوع في المشكلات النفسية، غير أن كثرة التهديد يجعل من البنية التربوية مصدراً للخوف لا للأمان، فيجعل من السلوك الوالدي سبباً في الوقوع في المشكلات النفسية بدل الحماية منها. ومهما يكن من سلوك الأبناء: يبقى الهدف الأهم هو السمو بهم سلوكاً وفكراً ونفساً. ولا يكون ذلك بالعنف، بل باللين والصبر؛ للحفاظ على سلامة شخصياتهم، والحفاظ على الأمن النفسي لهم؛ لذا فإن مراعاة الأساليب التربوية لا يشكل أهمية فقط على سلوكيات الأبناء، بل على شخصياتهم وأمنهم النفسي المستقبلي، وارتباطهم العاطفي بوالديهم.
http://www.lahaonline.com/media/images/articles//motherhood/2014_1520410495.jpg
يعتبر التهديد أحد وسائل العنف والتخويف، والتي تستخدم للإكراه على أمر ما، دون قبوله من الشخص المُكره، إنما يتقبله لتجنب عواقبه، وما يتبعه من عقاب.
وكثيراً ما يستخدم التهديد كوسيلة تربوية، يحاول من خلالها الوالدان ضبط بعض سلوكيات الأبناء، بالتهديد أو بإجبارهم على الطاعة من خلاله؛ لعمل ما يعتقدان نفعه دون إدراك الأبناء لذلك. ويتم استخدامه تربوياً على اعتباره أسلوباً مختصراً يوفر الوقت عليهما، بدلاً من الحوار والإقناع، خاصة إن كان أحد الأبناء يحب الجدال، ويتخذ منه أسلوباً في المواقف المختلفة مع الوالدين، أو لانخفاض التواصل بينهما، فضلاً عن استخدامه مع تكرار الابن للسلوك السلبي والإصرار عليه. مما يضطر الوالدان لاستخدامه على اعتبار أن التهديد والوعيد هما بوابتا الطاعة والعقاب الرادع للسلوك بحسب وجهة نظرهما.
غير أن الواقع يُثبت عكس ذلك تماماً، فالسلوك الإيجابي إن لم يصدر عن قناعة ذاتية، فإنه لن يتكرر مرة أخرى، وكذلك السلوك السلبي قد يتوقف تحت التهديد والخوف؛ لكنه يعود بمجرد غياب مصدر الخوف، ويترك آثاره السلبية على الناحية السلوكية والنفسية والانفعالية أيضاً.
فمن الناحية السلوكية فإنه يعمل على زيادة العناد، وزرع بذور العدوان والعنف لدى الأبناء، نتيجة إكراههم دون إقناعهم. كما وأن الحالة الانفعالية السلبية التي يخضع لها الأبناء نتيجة كثرة التهديد، كالقلق والارتباك تدفعانهم للكذب بالقول، أو بإنكار السلوك والظهور بالانضباط أمام الوالدين مع الاحتيال، بفعل ما يريدونه في الخفاء. بالإضافة إلى الشعور بعدم الأمان، مما يهز ثقتهم بأنفسهم ويجعلهم بحاجة بشكل دائم لمن يوجههم ويعلمهم الصواب من الخطأ، كما ويقتل فيهم المبادرة خوفاً من العقاب، ولذلك كله أثره السيء على النمو السوي لشخصياتهم في المستقبل.
لذلك من المهم أن يستخدم الوالدان بدائل تربوية عن التهديد، تؤتي نتائج أفضل منه ودون آثار سلبية. ومن أهم هذه البدائل: أن يجعلا من الحوار والإقناع منهجاً حياتياً في مواجهة جميع العوائق التربوية مع الأبناء؛ ليكون تطبيق السلوك أو الامتناع عنه، وفق قناعة ذاتية داخلية لا قراراً خارجياً يُفرض عليهم. مع ترك مساحة كافية للأبناء بالتجريب في بعض الأمور التي لا يقتنعون بها، والأفضل أن يكون ذلك في المواضيع اليسيرة، مع شرح العواقب المحتملة، فعندما يُشبع الأبناء حاجتهم إلى الحرية، ويلمسون ما شُرح لهم من عواقب، فإن ثقتهم بالوالدين تزداد، والعلاقة بينهما تقوى وتتأصل على مبدأ الشورى بينهم لاختيار الأنسب. بالإضافة إلى أن محاولتهما إيضاح الصورة كاملة للأبناء، تساهم في تقبل رأي الوالدين، بمعنى أن يشرحا لهم عن السلوك المراد تجنبه، وعن نتائجه وعواقبه، وإن استشهدا بمواقف حياتية واقعية، تدعم الصورة وتوضحها، وتوضح العواقب بشكل واقعي، مع تقديم السلوك البديل بصورته الإيجابية؛ فذلك يساهم بشكل كبير في ردعهم عن السلوك، ويقوي التواصل والثقة بين الوالدين والأبناء. أما إن لم يتمكن الوالدان من استبعاد التهديد من قاموسهم التربوي، عندها من المهم عند استخدام التهديد مراعاة عدة شروط من أهمها:
أن يسبق تهديدهما: تعليم السلوك المراد، أو السلوك البديل للسلوك السلبي المُراد تركه، والتأكد من فهم الابن لسبل التنفيذ.
محاولة استبدال التهديد بالكلمات، إلى التهديد بالنظرة الحادة التي توصل رسالة للابن، مفادها توقف عما تفعل وإلا ... أو لو لم تفعل... وهي أقسى من الكلمات وأكثر جدوى، فقد يهدد الوالدان ولا يستطيعان التنفيذ، أو يندما بعد زوال الغضب، بينما النظرة لن تجرهما للندم، ولن تجبرهما أن يتلفظا بكلمات عنيفة وعبارات شديدة، قد تصاحب التهديد، لتدعمه وتخفف من حدة انفعالهما.
على الوالدين الانتباه إلى أن التهديد دون تنفيذ، له سلبيات أكثر من تنفيذ ما تم التهديد بشأنه؛ لذا فإن عليهما الحرص على أن يتم تنفيذ ما يتم التهديد به، حتى لا يجعلا من كلامها عديم القيمة على أقل تقدير.
أن يكون التهديد لا يشكل عقاباً صارماً، أو التهديد بما يزيد من مخاوفهم، ويهز الأمن النفسي للأبناء، كالحرمان من احتياجات أساسية، أو التخويف بالحبس بالظلام أو الضرب المبرح.
الحرص ألا يكون التهديد أمام الضيوف أو جماعة الأصدقاء، حتى لا يكسر من هيبة الأبناء، ويجعلهم محل السخرية والضعف.
ألا يكون التهديد بشكل مستمر حتى لا يفقد أهميته. وأيضا لا يهز الأمن النفسي للأبناء، بجعلهم تحت مظلة الخوف في الكثير من الأوقات. مع مراعاة ضبط النفس قدر الإمكان، وآلا يكون بأي حال من الأحوال مقروناً بالدعاء على الأبناء، أو يكون التهديد بالغضب عليهم أو التلفظ بما يسئ لهم.
من المهم أن يكون الدور الوالدي في التربية دوراً يمنح الحصانة النفسية للأبناء، من الوقوع في المشكلات النفسية، غير أن كثرة التهديد يجعل من البنية التربوية مصدراً للخوف لا للأمان، فيجعل من السلوك الوالدي سبباً في الوقوع في المشكلات النفسية بدل الحماية منها. ومهما يكن من سلوك الأبناء: يبقى الهدف الأهم هو السمو بهم سلوكاً وفكراً ونفساً. ولا يكون ذلك بالعنف، بل باللين والصبر؛ للحفاظ على سلامة شخصياتهم، والحفاظ على الأمن النفسي لهم؛ لذا فإن مراعاة الأساليب التربوية لا يشكل أهمية فقط على سلوكيات الأبناء، بل على شخصياتهم وأمنهم النفسي المستقبلي، وارتباطهم العاطفي بوالديهم.