المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حب لم يعرف الكلام


علي دغيم
06-05-2010, 06:27 AM
حب لم يعرف الكلام





غرقتْ الشمسُ بين جبال القدر , وتسلل شحوب المساء إلى كلِّ قلب , وتلألأت النجوم كدمعةٍ تترقرق في عيني محروم , وغاب البدر من قبة السماء خلف غيمةٍ عنيدة من غيوم الزمن دفنته خلفها , أما ( هناء ) فتسللت من بين الحضور كنغمةِ نايٍ حزين !
وقفت حائرةً وسندت كتفها إلى عمود شرفتها المطلة على الشارع , كانت قد اعتادت هذه الوقفة على مدى ثلاث سنين , نظرت إلى السماء , فحملتها موجة من الذهول ؛ أرجعتها إلى أيامٍ ماضية , وبدأ صمتها يتكلم :
حينُ كنتُ طفلة صغيرة كنت على قناعةٍ تامة ؛ أنَّ حقوقي لا تتعدى سوى الأكل والشرب , وتنفيذ الأوامر بدون اعتراض , ونشأتُ على هذه القناعة , التي دمرتني في النهاية .
كنت ُ أرغبُ أن يكون لي رأياً مستقلاً أعبّر فيه عن ذاتي , كنت أرغب أن أحلِّق في سماء أحلامي .
مضت المرحلة الثانوية , وأنا مازلتُ مقتنعة بأني غير قادرة على الخلود بآرائي , حتى بدأ شيءٌ في داخلي يكبر , ويشعرني بأني أصبحتُ فتاةً لي رأيي الخاص بي , لكن حياة الأسرة مازالت تقيّد هذا الشعور , وتوالت شهور الصيف بعد امتحان الثانوية العامة , وبدأت ميولي تتبلور في داخلي , وبدأ ينمو ميلٌ فطري إلى ابن جارنا ( راغب ) , شيءٌ يربكني أحياناً , ويحرك قلبي كطيرٍ أحياناً , ويجعلني مضطربة في معظم الأحايين .
لم أرَ شاباً حرَّك قلبي مثل راغب , بالرغم من أن أهلي لم يرسموا لي في حياتي إلا ابن عمي ( هاني ) الذي منذ ولدتُ وأنا أسمع صوتهم يهتف بأذني بأني حين أكبر سوف أتزوج ( هاني ) , ولم يكن لي رأيٌ في هذا الموضوع , مثلي مثل مئات البنات في بلدنا اللواتي أجبرن على تطبيق عادات الزواج البالية , بأن البنت لابن عمها , مثلها مثل المتاع يباع ويشترى ويُستملك !
عشقتُ شرفتي المطلة على الشارع التي كنت أرى منها ذلك الشاب الوسيم ( هاني ) الذي أصبحتُ حين أراه أحسُّ بامتلاكي الدنيا بأكملها .
قبل هذه الأيام ما كنتُ أعرف بالحب , وهل الحب موجودٌ على قائمة حقوقي .
بقيت أجهل الكثير عن حياة المحبين حتى أتت أمي تهمس في أذني شيءٌ من هذا القبيل , وتلمّح لي عن هاني ابن عمي من جديد . وصورة ( راغب ) أرسمها في قلبي حسب مقولات أمي عن الحب والغرام والعشق .
عشقتُ شرفتي التي كنت أسهر فيها وحيدة .
وفي مساء إحدى الليالي همس لي راغب من وراء جدار الشرفة بكلامٍ لم أفهمه , كلامٌ بدده خوفه وخروج أمي من البيت .
كان كلامه المجهول غريباً , لكنه ترك خلفه تساؤلات كثيرة وحلوة , لست أدري إن كان هذه الكلمات هي التي أذنت للحب أن يدخل قلبي , لستُ أدري إن كان الحب قد ولد في قلب ( راغب ) , كلُّ الذي أعرفه أنني أحببته .
ولد حبي له سراً وكنت أسعى لأن يبقى حبي له كلؤلؤة ٍ سحرية داخل صدفة في قاع البحر .
كنتُ أتباهى بكثرة صمتي وانتظر اليوم الذي يأتي ويحدثني حديث المحبين والعشاق , وكم عذَّبني هذا الانتظار .
أحببتُ ( راغب ) ولستُ أدري لم أحببته ,كان عندي الكبرياءُ الكافي لأكون صامتةً , وكان عنده الخجل الكبير لأن يكون جباناً .
أحببته ....
لا لوسامته أحببته ...
لا لنهري العسل واللبن في عينيه ...
لا لمشيته التي أحسها تداعب قلبي بأرق وأحلى الأنامل .
أحببته لأنه حين يخطو أمام بيتنا يجعلني أتبعه بعينيَّ , وأمشي في غاباتٍ من السحر , يكفيني منه أن يقول لي :
- أحبك يا هناء .
لأعطيه قلباً لا ينبض إلا على حروف اسمه .
يكفيني منه أن أسمع هذه الكلمة لأخلقه من جديد في دنيا مملوءة بالحنان .
يكفيني منه هذه الكلمة حتى أصهر ذاتي في ذاته ,ونصير شخصاً واحداً , لكنني ما سمعتها ....
كنتُ سأقتسمُ معه مصيراً واحداً نتحدى به العالم , فيا ليته جاءني وحدثني بما أنا لستُ أجهله .
بعد أن مضى شهران من العذاب الحلو , جاءني خبرٌ , أسعدني ورفرف بقلبي وطار عالياً ولم يسقطه إلا سهماً أطلقته ذكرى ( راغب ) !
صدرت نتائج الثانوية العامة , وكان اسمي من أوائل الناجحين .
فرحتُ كثيراً لأني سأذهب إلى الجامعة .
ولم ينغص علي هذه الفرحة إلا ( راغب ) .
فالذي كانيمنعه من الكلام معي هو الفراق الدراسي بيننا , فأنا سأدخل الجامعة , وهو لم يتجاوز الشهادة الإعدادية .
نشوة الفرح أنستني كل شيءٍ حولي حتى ( راغب ) , لكنَّ هذه النشوة تلاشت أمام حلول مساءٍ جديد ورؤيتي لملاكي الصامت يتهادى أمام شرفتنا !
مضت عطلة الصيف ...
وذهبتُ إلى جامعتي , ويا فرحتي سأصبحُ دكتورة ( قد الدنيا ) !!!
مريولي الأبيض كنت حين ألبسه ألبس فرحة العام, ولا ينغّص عليَّ هذه الفرحة إلا ( راغب ) , كلما لاحت ذكراه لي , لا أرى في مريولي سوى كفناً ألبسه وأنا مازلتُ في العشرين .
رغم كلِّ هذه الأشياء , ومرارة ما أعاني خبَّأتُ ( راغب ) ضمن عيوني كأسمى مقدساتي , طفتُ بأحلامي معه العالم , كنت أشرب ذكراه كالعسل حلوة رقراقة .
وأحضن صورته كما أحضن شعري المنساب بين منكبي وأنام .
أعود إلى بلدي ولاشيء يبهجني إلا شرفتي التي مازالت لي وفية ولم تخني ...
أخرج في كلِّ مساءٍ إلى الشرفة , وأزداد التصاقاً بعمود الشرفة المُطل على الشارع , وأنا أنتظر ( راغب ) خائفة ضائعة .
صار عمود الشرفة يلتهب من حرارة الشوق في جنبي .
أبوح لمن في داخلي ؟
لكن لمن ؟
اعتدت لغة الصمت والكتمان منذ أن كنت صغيرة , ولم يأتِ من يعلمني الكلام , فبقيتُ أميَّة في لغة العشق والغرام .
مازلتُ في كل مساء أشكو لشرفتي كآبتي , وأنا يا صديقي قد اقتنعتُ بحلاوة الانتظار الطويل , وكثيراً ما كنتُ أعودُ إلى غرفتي الصماء خائبة ,ورغم هذا ظل وجه (راغب ) وديعاً حنوناً حتى هذه الساعة .
مضت العطلة ....
وحان موعد عودتي إلى الجامعة , وكم بتُّ أكره هذه الكلمة التي قد تبعدني عن مَن أنا أحيا من أجله .
في الجامعة بدأت أفكار غريبة تهاجمني .
لم أعد أقوى على الانتظار .
لم أعد أقوى على الصمت الطويل , سأحدثه عند عودتي إلى البلد , وأريح رأسي , سأحدثه عن هواي له , وأزيل بعضاً من كبريائي .
سأعترف له بحبي رغم صمته الجبان القاتل .
وكعادتي في منتصف كلِّ أسبوع ٍ أهتف لأهلي لأطمئن عليهم , وأسأل عن الجديد من الأخبار .
زفّوا لي خبراً شيَّعتُ قلبي فور سماعه .
قالوا : إن ابن جارنا ( راغب ) قد تزوج .
كان هذا الخبر صاعقة نزلت على رأسي .
صحت بصوتٍ ليس من رأسي ( راغب ) ؟!
وجاء جواب أمي : ( راغب ) وما العجب ؟
أغلقتُ الهاتف وعدتُ تقودني أحزاني إلى غرفتي في الجامعة التي تشبه غرفتي في بيتنا , إلا أنها تفتقر إلى شرفة أنتظر فيها حبيبي المسافر !!!
عذَّبني كثيراً سماع الخبر ...
وذُهلتُ كثيراً ...
وكرهتُ الحقيقة أكثر ..
وأدركتُ الآنَ أني كنتُ مجرد دمية مقيّدة .
بعد أن مضى عامان من الهوى .... وأنا أحترقُ شوقاً إلى لقائه ... وخوفاً من لقائه ....
يأتيني خبر زواجه أسرع من لمح البصر !!!
عبثاً مزَّقتُ الحقيقة بأصابعي أبحثُ عن شيءٍ مخبئ أستر وراءه خجلي , أين سيذهب حبي لراغب ؟!!!
حبي لراغب كان أحلى ما غنَّاه قلبي .
استسلمتُ للعذاب المبهم الذي لا يوصف , عذابٌ قد شلَّ كلَّ عضوٍ من أعضائي , عذابٌ لا ينبعُ من رأسي أو من قدمي أو من ....
عذابٌ شاملٌ ممزقٌ , شمل أبعادوجودي كلّها !
تزوج راغب وانهمرت عيناي بالبكاء ...
ولكن !
لمَ أبكي ؟
وعلامَ أبكي ؟
على حبيبٍ لم يقل لي ولو كلمة حبٍ واحدة !
عامان مضيا دون لقيا بيننا !
إنها مأساتي .
مأساة صمتي .
أمضيتُ عمري أركضُ وراء كأسٍ مُلئ بماء الحياة , وأفنيتُ عمري لاهثةً وراء هذا الكأس , ولم أشرب منه ولو قطرة واحدة .
مأساتي أني أبوح لذاتي ما في ذاتي .
أحكي حكاية أعماقي البريئة , وحبي لراغب الذي لم يطّلع عليه إنسان .
أغني مع ذاتي أغنية العزلة التي لم أبح بها لمخلوق .
آهٍ ...
لماذا لا أملك إلا أن أحتسي مرارة صمتي سماً قاتلاً.
بعد أن مضى ثلاثة أعوام من العذاب , أصبحتُ في سنتي الجامعية الثالثة , أعود إلى شرفتي التي مازالت لي وفية , أسندُ كتفي إلى عمود الشرفة , والمساء يفتح لي جراحاً كانت قد التأمت.
هي خيبة عمري فكيف أنساها ؟!!
مازلتُ بعد أن مضى ثلاثة أعوام , أسهر وحيدة على أطلالي ,ولكن بدونِ أملٍ في أن يمر ( راغب ) من أمامها , ذلك الحلم المخنوق .
فجأةً ...
هبَّت نسمة باردة صحتني من ذهولي الطويل , وإذا بالليل يلسعني صقيعه , وأحس بشيءٍ دافئٍ حطَّ على كتفي , وإذا بها يد أمي .
تبتسم بابتسامةٍ مصطنعة وتقول :
- ادخلي يا ابنتي
- تعالي يا هنا ...
فهاني جاء هذه الليلة ليمنحك عمره ...!
أجاملُ أمي كعادتي بابتسامة ضيّقة جداً ...
وأدخلُ وقد فزتُ بكنزٍ من الذكرى ...
كلَّما لاح لي ازددتُ فقرا ...

******
سوريا / اللاذقية / صيف 2008

فتون عنفوان الضاد
06-06-2010, 03:50 PM
يا لوجع حب وقف على جرف هاو
قلب فتي تعلق بأول قبس ضوء
أعتنقه وعاشه بصمت يذيب الصخر
حب مات في ثنايا الحلم
أجمل مافيه أنه عاش البراءة
وابتعد عن الدنس
أخال أن لو هتكه البوح لكان الجرح دميا
ولصعب البحث حينها عن دواء

علي دغيم
عشت ثنايا الحرف
وكأني تلك الهناء
رباه كم تألمت حين قرأتها

أيها الجميل
أنتظر قادمك بشغف
لاتطل الغياب...

علي دغيم
06-06-2010, 07:27 PM
أختي العزيزة نفرتيتي

الذكريات المؤلمة لا تنسى .

وهناك الكثير من الذكريات لا يمكن للمرء أن ينساها مهما كانت ذاكرته رديئة ( ذكرى فرحة عارمة , وذكرى جرح عميق )
و( حب لم يعرف الكلام ) قصة واقعية سمعتها من فتاة , لذااااا
لاقت ما لاقت عندك

لك محبتي الخالصة , ودامت حياتك أفراح بعيدة عن الجراح

نـور القمــر
06-08-2010, 05:19 PM
وفآضت العينآن دمعاً ,,,,

همس الذكريآت ,,,,

وهمهمة الحنين ,,,,

كآنت هُنآ ,,,,

روزنآمة الإبدآع أنت ,,,,

ومطر التميز ستظل دوماً ,,,

لروحك أكآليل ورد ,,,,

علي دغيم
06-10-2010, 07:30 PM
نور القمر الغالية

أشكرك على وجودك الدائم على ضفاف أوراقي

ذكرى الغالي
05-10-2011, 10:32 PM
سلمت يداااااك
ذكرى الغالي