المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأديبة نور مؤيد الجندلي


سمر محمد
10-05-2010, 08:42 PM
- من مواليد مدينة حمص – سورية 1978 م.
- إجازة في الأدب العربي .
- عضو رابطة أدباء الشـام، وموقع القصة السوريّة.
- كتبت في كثير من الصحف والمجلات العربيّة ولديها صفحة شهرية خاصّة في مجلة تواصل بعنوان : " تواصل المعاني "
- لديها مئات المقالات والخواطر منشورة في المواقع والمنتديات الإلكترونية - وصفحة : نور ومسك : صيد الفوائد ، وموقع نور الجندلي : منتديات المسك .
- حاصلة على شهادة اجتياز دورة التحرير الصحفي، ودورة استراتيجيات إدارة الوقت من مركز أكاديمك مصدقة من الجمعية الأمريكية للتعليم والتطوير .
الجوائز التي حصلت عليها :
1- جائزة دار الفكر لأفضل رواية للعام 2006م عن روايتها : " قلوبٌ لا تموت "
2- جائزة دار ناجي نعمان للثقافة عن مجموعتها القصصية : طيور بلا أجنحة .
3- جائزة الواحة الأدبية للخاطرة عن نص : " رفات المجد " ، كما حصدت المركز الثاني في مسابقة بيت الجود عن قصتها : " عندما لاح الهلال " .
المؤلفات المطبوعة :
1- قلوب لا تموت .. رواية .
2- بريق في داخلي – قصص قصيرة .
3- رؤى .. حكم وتأملات .
4- إليكِ أختاه .. قلائد من نور..
5- إليكَ زوجي .. أوراق الورد والود.
6- قلوب لا تعرف الحب .
7- كتاب إلكتروني : روح وريحان في موضوعات سور القرآن الكريم .
للأطفال :
1- كتب تعليمية : مدينة الحروف ، مدينة الكلمات .
2- كتب تربوية : سلسلة سارة تتعلم الأخلاق الإسلاميّة ، سلسلة سارة تتعلم الآداب العامة.
3- كتب إسلامية : سلسلة من روائع قصص القرآن، قصص الأنبياء.
المؤلفات المخطوطة :
1- طيف المطر – خواطر
2- أقمارٌ بغداديّة – رواية
3- طيورٌ بلا أجنحة – مجموعة قصصيّة
4- رصاصة من أجل غزة - كتيب

سمر محمد
10-05-2010, 08:43 PM
وفي القلبِ قِنديلٌ يتَوهّج ..

نور مؤيد الجندلي


وأتانا رمضان ..
فرصة العمر التي طالما مرّ طيفها في أحلام يقظتنا، هاهي تُمنح لنا من جديدٍ ، والصّفحة البيضاء التي تمنيناها أن تفتح في سجلّ أعمارنا، هاهي تُفتح خصّيصاً من أجلنا .. وبأسمائنا ..
ندركُ أن كل الألوان جميلة، ولكن .. للنور لون أجمل !
وأن كل حلل الملوكِ قشيبة، لكن حلة الإيمانِ أثمن ..
وندرك أن لكل نوعٍ من الشّعور إحساس ونبض ومعنى .. لكن مشاعر المؤمن لحظة استقبال رمضان تفوقُ كل معنى .. ولهذا نخفقُ حباً كلما لاح هلاله، وتغمرنا نشوة الفرح كلما ذكر اسمه الغالي .. رمضان !
في الحياة ..يؤمن الناس كثيراً بالخوارق والمعجزات أن تأتي، فتغير مجرى حياتهم للأجمل، وتنتشلهم من أحزانهم بلمح البصر، ينتظرون تلك العصا السّحرية التي تقلب بؤسهم إلى فرح .. ولا يملون الانتظار ..
كثيراً ما وقفوا أمام بركة الأمنيات، وألقوا فيها نقوداً معدنيّة، وتمنوا أمنيات أرادوها بشدة .. ثم مضوا وقد ربطوا مستقبلهم بخرافة..
وأمام قالب الحلوى في أيام ميلادهم كم أضمروا من أمنيات سعيدة قبل إطفاء الشّموع، راغبين أن تتحقق ..
وكم جنت عرّافات الأرض من مال لقاء ما تهمسُ به كذباً عن مستقبل سعيد مشرق آتٍ عن قريب ليملأ الحياة بهجة وسروراً ..
الأمنيات لا تنتهي .. والبحثُ عن السعادة أيضاً لا ينتهي ..
وإذا لم نخطئ في اختيار ما نتمناه، فلابد وأننا أدرنا دفة السّفينة نحو الوجهة الخطأ، ونحن نظن بأننا نقصد جزيرة السعادة؛ فنبتعد عنها، رغم أنها تكون الأقرب إلينا ..
ورمضان هو تلك الجزيرة آسرة الجمال بين شهور العام، تلك التي يقصد وجهتها الراغبون بالتغيّر، الباحثون عن النور، على شواطئه ترسو سفن المتعبين من الحياة ومشكلاتها، فلا تغادر إلا محملة بالخيرات، ولا يبحر عنها الملاحون إلا وقد قرّت أعينهم بعطايا الكريم المنان ..
كل عام ..يتجدد الموعد معه، فيحتفي به من يحتفي، ويحصد السعادة من جدّ في طلبها، ويغفل عنها من أطفأ المنبّه الداخلي، في لحظات عبوره، فلم يستيقظ إلا بعد رحيله ..
وكل عام .. نحدّث أنفسنا عن فرصة العمر لعلها تأتينا، عن لحظة قد نولد فيها من جديد، عن صحيفة سوداء نتمنى لو طويت، وعن رغبات كثيرة نتمناها لنغدو من جديد أناساً صالحين .. ويمضي العام .. وننسى التاريخ الأهم ..
ننبشُ في أيامنا عن ذلك اليوم السّمين المكتنز بالخير، عن لحظات الغنيمة الباردة في حياتنا، عن الكنوز المنسيّة تحت أنقاض أعمارنا .. فندرك أنها قد ضاعت منا يوم رحيل رمضان .. وغيابنا عنه..!
أوليست الأعمارُ فرصة، والأوقات كنوز ؟
هاهو شهرٌ في العام يأتينا كأجمل فرصة في العمر، وأثمن كنز في الحياة، ليجعلنا معه وبه نولد من جديد..
ويمضي العمر ..أرواحنا فيه بين مد وجزر .. نتمنى لو أننا أكثر قوة، أقوى إيماناً، أشد عزيمة، أنهض همّة، أجمل قلباً ..
نشتاق للحظات الصّفاء، نتوق للقياها وأدخنة الحياة تتصاعد حولنا ..
ليأتينا بحلته المضيئة في لجج الخوف والقلق والرهبة من المجهول، فينير لنا حياتنا، ويحدد وجهتنا، ويقودنا نحو المسار الصحيح ..
فالصوم يعلمنا تهذيب النفس على الخير والطاعة، وينقي كل جارحة من جوارحنا بالطاعة، يعوّدها على لغة الطهر، ويغسلها من كل خبث .. يرفعها عن الدنايا، ويأخذها إلى عالم من النور كلما أوغل المرء فيه .. تدفقت في شرايينه أنهار الخير فعمّت حياته بالنجاح والسعادة فوق ما يتمنى ..
هو موسم توحّد القلوب على الإيمان، وإثبات عبوديتها الخالصة لله تعالى .. وقد فرّقتها مشكلات الدنيا وهمومها، فلن يجمعها الآن إلا النقاء في رمضان، والصوم واحد، والفطر واحد، والرغبة في الإصلاح كبيرة والكنوز وفيرة..
وهو شهر المساواة بين الغني والفقير، يفتح صفحة التواصل بينهما من جديد، والتقارب على لغة المحبة، فهذا يعطي، وذاك يسعد، وهذا يبذل وذاك يشكر ..
وهو فرصة رائعة للتعبير عن الوحدة بأشكالها، وحدة في العبادة، ووحدة في الرغبة بالتغيير نحو الأفضل، ووحدة في نبذ العوائق والسدود التي تحجز المؤمن عن طريقه الذي ارتضاه الله في الاستقامة والسعادة ..
وهو شهر التنوع في العبادات، فالصوم للتنقية والتزكية، والقرآن دستور يعلمنا أبجدية حياة السعداء, ويرفعنا إلى سماء الأنقياء .. والصلاة قربى ورفع لهمة واغتنام لخير، والصدقة مفتاح السرور والتقارب بين المؤمنين، والدعاء بابٌ مفتوح لا يخيب من قصده، ولا يضيع من سلك طريقه ..
والتواصل بين البشر مشروع حضارة في الأمة، تبدأ من صلة مع الأقارب، وتمتد إلى كل أهل الأرض محبة ووئاماً ..
إنه شهر يعلمنا معنى أن نحمل الرسالة برقي ونبلغها بحضارة، فكما يعرف كل أهل الأرض رمضان بهلاله وقناديله، يجدر بنا أن نريهم ذلك الجمال الكامن في شعائره وعبادته ..
فمن كان يفتش في حياته عن فرصة لتجديد العزيمة، وبناء النفس، فليلجأ إلى الله في هذا الشهر مقوماً لنفسه متعبداً مصلحاً داعياً ..
ومن أمسك قلماً يرسمُ به مستقبلاً زاهراَ ، فليرسم في زاوية عمره حديقة غناء مورقة، يكللها الزهر والريحان، وليطلق عليها اسم " رمضان "
ومن أتعبته صراعات نفسه، وتمنى لو تغلب عليها، فليسلك درب الإيمان في هذا الشهر، فلن تضيع وجهته ، ولن يضل أبداً طريقه..
لحظات لا تنسى ..
كم من لحظة في العمر تمرّ بنا ذات صفاء فتنقينا، وتشعرنا أننا حقاً نجحنا في التغيير نحو الأفضل !
وكم لحظة في العمر تساوي العمر كله، إذ أنها تقلب الموازين، وترتب النفوس المتعبة، وتعطر الروح فتفلح إذ زكاها إيمانها ..
وكم من لحظة فارقة صنعت أبطالاً في الحياة، لما صدقوا مع أنفسهم، فأعمروا الأرض سلاماً ونوراَ ..
ماذا إن عزمنا أن تكون نقطة التحول هذه في رمضان؟ إذ أن النفوس مهيأة، والقلوب مشتاقة للفلاح ؟
ماذا إن تعاهدنا أن نتغير، وتسابقنا للأفضل، وتنافسنا على درب الخير ؟
ألن نفلح ونرتقي ونعود لنقود الأمم برقيّ الإسلام وحضارته ؟
رمضان ليس مجرد شهر يعبر من الهلال إلى الهلال ويمضي دون أثر ..
رمضان هديّة الرحمن.. شمس تشرق في الحياة، لتتوهج عبرها قناديل القلوب بنور آسر عجيب .. فلنعمل في كل لحظة على أن نستضيء فنتوهج .

- المقال لمجلة تواصل -

سمر محمد
10-05-2010, 08:43 PM
شَظَايَا بَغدَادِيَّة
-1-
قضى نصفَ النّهارِ يفتّشُ في صَناديقِ الغُرفَةِ المُهملةِ، وصوتُ سُعاله يعلو مع تصاعد الغبارِ بين الأشياءِ القديمة، وكانت هي في الخارجِ تَرقُبه، وقلقٌ يزلزلُ كيانها..
تروحُ وتجيءٌ كأنما تقف أمام غرفة العناية المشددة، وزوجها السبعينيُّ مصرٌّ على تنفيذِ رَغبته..
نَفذَ صبرُها وصرخت به ..
- إلى متى ستظلُّ تبحثُ عنهم؟ لقد رحلوا ولن يعودوا يوماً إلى بغداد ..
خرج منتصراً وبيده صورة لأفراد العائلة الواحد والخمسين .
بطرفِ كمّه مسحَ عنها الغُبار، ناداها لتحدّق معه في وجوههم السّعيدة ..
وقال وفي صوته سكن الحنين :
- يمكنني الموتُ الآن مطمئناً، وسقفُ أجدادي يظلّني، وعائلتي كلها معي !
-2-
أسرَع إلى داخلِ غُرفته يعدو بخفّة ؛ وقد أخفى شيئاً ما تحت ثيابه..
أغلقَ البابَ بسُرعة، فتبعتهُ عيناها تنظران من ثقبِ المفتاح .
احمرَّ وجهها وصرخت به غضبى :
- أتنهبُ أرضكَ وتسرقُ أهلكَ من جديد أيها الولد الطائش؟
أجابها من خلف الباب :
- لكنّها آنية ثمينةٌ مهملةٌ في مبنى آيلٍ للسّقوط .
ركلت الباب بقدمها فأوجعتها، وبألمٍ قالت لأخيها :
- أعدها إلى مكانها فنحن لم نُخلق غربانا تقعُ على جيفة، إنما خلقنا الله نُسوراً تحلّقُ فوق هاماتهم، لتقتلعهم من أرضنا .. وسيبقى الخيرُ لنا !
-3-
في غربته البعيدة وقف أمام النّافذة يتأمل صفاء السّماء ..
لحظات .. ولمع شهابٌ في الأفق ، عكس بريق الدمع على خدّيه ..
ليتذكّر بحسرة سماءً أخرى في الوطن، تحتفلُ كل ليلة بوابلٍ من الشّهب المُحرقة ..
أسرع إلى القبو، وأشعلَ شمعةً في المكان، نادى على زوجته، وحمل طفله الرّضيع، وابنتيه الصغيرتين، دثّرهم بأغطية كثيرة، وقال بوجل :
- بغداد الآن تعاني القصف !
-4-
نظرت في مرآتها الصّغيرة طويلاً، وأمسكت مشط جدّتها العاجيّ، ومررته على شعرها الحريري الفاحم، وترنمت بأغنية قديمة، كانت تسمعها من أمها أيّام الطفولة، وقالت بفرح :
- تجمّلي كلّ يوم أيتها الحسناء، واستعدي لأميركِ القادم إليكِ على حصانه الأبيض.
قريباً .. سيحرر الوطن ويأتيكِ خاطباً، وستهدي له وردة من شجرتكِ التي ستنمو من مجديد ..
وسيُعمرَ أبناؤكِ العراق مجدداً، عندما يطردُ فارسكِ الجندي المحتلّ الأخير .
-5-
حاولت الأم أن تثني صغيرتها عن الإنصات لأخبار القتلى والجرحى في التلفاز، لكن الصغيرة كانت مرغمةً أن تغفو وتصحو كل صباح على أصوات القصف، وأخبار الضحايا ..
ذات مساء ..حملت دميتها الجميلة وهي تبكي ..
لفّتها بخرقة بيضاء، وضعتها في حُفرة صغيرةٍ قرب المنزلِ، وأهالت عليها التُّراب..
وازداد نحيبها ..

سمر محمد
10-05-2010, 08:44 PM
سِتّون عَامَاً عَلَى النّكبَة !

نور الجندلي
أطلي يا سيدتي واثقةً من بين الحشود
وامشي الهوينى، واصعدي المسرح
لا تخجلي من تجاعيد وجهكِ
وإن التقطتها عدسات الصحفيين
ولا تستحي من الرقع الكثيرة التي تفترشُ خضرة ثوبك
وإن علقوا أنها قبيحةّ!
ولا تفكري بما سيقالُ عنك
وأنك قد بلغتِ من عمركِ الستين
لا تشيحي بوجهك عنهم كي لا يروا بؤسه
لا تحاولي إخفاء ضعفكِ
حدثيهم وإن بُحَّ صوتكِ
أظهريه كصوت الناي عذباً حزيناً
يخترق القلوب، يفطرها ألماً
وامضي بجرأة ..
تحدثي الآن ..
لا تظهري دمعة!
وإن بدت عيناك غائرتان من أثر البكاء
فأنت منذ ستين عاماً تنتحبين !
وهم من وقتها نائمون
واليوم بكل جبنٍ يحتفلون
بأعوامكِ الستين ..
ويصمت العالم
ويقف المخلصون
دقيقة صمتٍ
يتذاكرون
أعداد الضحايا
موت القرى
رحيلُ الأهل
تقسيم الأرض
يتأملون بجزع سكاكين الذبح
ورفات القتلى
يتحسسون جدران السجون
وبكل حزن يستنكرون ..!
----
بين الحشود يقف العدو متوجساً
يفتشُ في ملامحكِ عن صدى الحقيقة!
بهمسٍ يسأل أين مصدرها ؟!
ترعبه فكرة أنها موجودة
يقلقه ترددها في وقتٍ ومكان
يثير جنونه أنها بلا هيئة بلا مكان بلا مصدر ..
يحاول مجدداً أن يبحث ..
ينادي جنده ..
يتبعثرون من صوت النداء
كأنه صوت الموت آتياً من أجلهم
دون رحمة..
يتجهون إلى كل ناحية ..
يهدّمون البيوت
يحرّقون الحقول
يقلبون الصخور والتراب وحبات الحصى
يسألون الرائح والغادي
يقبضون على الخيالات والأوهام والظلال
يحققون بفزع
أين يكمن مصدرها ؟
أخبرونا لنصوب أسلحتنا نحوها
لنوجه جنودنا لاغتيالها
لنسير دباباتنا تسحقها
لعلها تموت.. فبموتها يهنأ العيش
ويتلاشى القلق !
---
وفي ظلكِ الأسود تصمد فلسطين
تحتفظ بكل الشموخ رغم الأسى
ترضيها طعنات الغدر على أن لا تبيع كرامتها
هي تعلم بأن الستين عاماً ليست بزمنٍ أمام قضية!
وبأن كل من استشهدوا فوق ترابها أهدوها وسام الشّرف
وكل من أسروا يوماً حرروها من قيود الذل
ومن يُتّموا تبنوها بصبرهم
ومن هجروا ولاشك سيعودون
ومن صمدوا .. سيحققون النصر
ويكسبون المعركة
فلتتقدمي، ولتسردي حكاياكِ من قبل الولادة
ففلسطين ولا شك عائدة يوماً
وستون عاماً ليست بشيء
أمام قضية !

سمر محمد
10-05-2010, 08:44 PM
ذّواتُنَا .. دَاخِلَ عُلبٍ مَعدنيّة
نور الجندلي
نغلق في كثير من الأحيان على عقولنا، فنمنعها من التفكير الإيجابي، نحتجزها داخل نطاقٍ مغلق، أشبه ما يكون بعلبة معدنية مقفلة، نمنع انطلاقتها ومصافحتها للهواء والشمس والحياة، لتتآكلها الرطوبة، وتصدأ وهي لا تزال داخلنا، لنعيش مراحل كئيبة، وقد قيدتنا أغلال وهمية لم ندرك مصدرها .. رغم أننا نحن من أقحمنا أنفسنا داخلها، فصنعنا ضعفنا بأيدينا .
ولو أننا قمنا بالعكس، فأطلقنا لأفكارنا العنان، ودعمناها بما نستطيع من قوة وجهد، لحولناها إلى مشروعات ضخمة، تعود علينا بكل الفائدة ..
يتحدث حول هذا الموضوع رئيس الوزراء الماليزي السابق محاضير محمد، حول تجربة ماليزيا في النهوض والتنمية، فيقول بأن الشعب الماليزي شعر بالنقص أيام الحكم البريطاني، فاعتقد بأنه لن يتجاوز في تقدمه أكثر من كون أفراده فلاحين أو صيادين، وبأنهم لن يصبحوا يوماً مهندسين أو تقنيين ماهرين .. لقد فقدوا الثقة بأنفسهم، وانغلقوا في دائرة تفكيرهم الخاص فلم يستطيعوا التفكير بطريقة للخروج من هذه الدائرة المحكمة الإغلاق .
فترتبت على الحكومة الماليزية مهمة تغيير ذهنية الناس وزرع الثقة في قدراتهم، فابتكرت شعاراً قوياً أقنع الماليزيين بإمكانياتهم، وحطم الوهم المبني داخل نفوسهم حول محدودية طاقاتهم، وكان الشعار هو : ( ماليزيا قادرة ) وبهذا تشجع الماليزيون، وأنجزوا أعمالاً لم يحلموا بإنجازها من قبل، في زمن قياسي، وهي الآن تقف في صفوف الدول المزدهرة والمتقدمة .
ولا زلتُ أذكر حكاية طفل صغير، تجاوز حدود الفكرة النائمة في خبايا العقل، إلى أفق التطبيق الفعلي، حين دخل على ضيوف والده وهم في جلسة عائلية كبيرة، وهو يحمل علبة من الحليب، وأخذ يطوف بينهم الواحد تلو الآخر طالباً منهم أن يضعوا فيها نقوداً ..
ضحك الجميع من تصرف هذا الطفل، فيما شعر والده بالحرج الشديد لما فعله صغيره، ولما اقترب وسأله عن سبب ما يفعله، أخبره بأن معلم الصّف قد حدثهم اليوم عن أطفال الصومال الجائعين، وحاجتهم الماسة للطعام والشراب والملبس، فقرر أن يجمع لهم بعض النقود ليرسلها إلى هناك ..
فوجئ الجميع بتصرف الصغير، وشعروا بخجل شديد من أنفسهم، إذ أن واحداً منهم لم يفكّر بمساعدة هؤلاء الجياع ولو بمبلغ زهيد ..!
لقد لاحت للطفل الفكرة، فأطلق لها العنان لتكبر بحرّية، فنمَت بشكلٍ سويّ، وأصبحت مشروعاً حضارياً رائعاً لمساعدة الآخرين، ولو أنه كغيره احتجزها في خانة مغلقة، لذوت وماتت، كما تموت مشاريع كثيرة نفكر فيها، لكننا لا نعطيها حقها اللازم والمطلوب من الدعم والمعنويات والإيمان لكي تغدو حقيقة ..!
إن طفلاً صغيراً يحملُ علبة حليبٍ فارغة في يده، وروحاً رائعة في داخله قد استطاع أن يعلّم جميع من مرّ بهم طالباً المساعدة كيف تكون حقيقة الإيمان بفكرة، وكيف يتم خوض الصعب والمستحيل في حدود إمكانياته وأطر تفكيره.. كما استطاعت دولة ماليزيا على النطاق الكبير والواسع أن تنهض بشعبها عبر الدعم المعنوي، وخلق شعار تدور حوله أفكار متميزة، تنهض بالأفراد ليحققوا يداً بيد مشاريعها النهضوية .
فلنفتش نحن أيضاً في خزائن عقولنا المقفلة، عن أفكار ظنناها قديمة رتيبة أو غير ممكنة، لننظر إليها بعيون جديدة، ونجعلها تتنفس من جديد، ومن يدري، قد تتألق هذه الفكرة يوماً لتغدو نجماً لامعاً في سماء الحياة، وفي عقول الآخرين .

سمر محمد
10-05-2010, 08:44 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حوار مجلة منبر الداعيات قسم أوراق أدبيّة مع .. نور الجندلي
أعدت الحوار الأستاذة : منال المغربي
للتعريف بالمجلة : منبر الداعيات مجلة إسلامية نسائية شهرية تعنى بشؤون المرأة والأسرة والمجتمع وتهتم بقضايا العالم الإسلامي، تصدر عن القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي- لبنان.
مضمون الحوار :
1- ما أهمّ ما يميّز الكاتب الناجح؟
بداية أشكر منبر الداعيات على دعوته الكريمة، وهي مجلة غنيّة عن التعريف أسأل الله لها دوام التألق والنجاح ..
الكاتب الناجح هو الذي يوائم في قلمه بين حلو العبارة وروعة الفكرة، بين الشكل الفني المتميّز، والمضمون القوي البارع، بين روح النص وقالبه . وهو الأبعد عن الأنا، الذي يتحدث بلغة الناس، ويُسكنُ مشاعرهم حروفه، فيجدون أنفسهم في كل كلمة.
وهو الذي يستطيع أن يتجدد، ويأتي بكل ما يدهشهم ويجذبهم إلى عالمه دون عناء .
2- ما أهمّ المؤثرات التي ساهمت في تكوين اتجاهاتك الأدبية؟
القراءة هي الينبوع الأصفى الذي نهلت منه، وتشربته منذ الصّغر، فكثيراً ما جذبتني القصص، وسحرني عالمها، وكثيراً ما اعتزلتُ في غرفة مقفلة قُرب كتاب، وهذا الانجذاب والتأثّر جعلني أدرك ما للكلمة من أهمية في التأثير على الناس، وما للعبارة الجذابة من صدى في النفوس، فكانت بدايتي عبر الخاطرة الطريق الأقرب للقلوب، وانتقلت بعدها إلى عالم القص، ومن ثم الرواية، بتحفيز وتشجيع من أدباء ونقّاد أصرّوا على أن لا أترك عالم الأدب إلا وقد تركت فيه بصمة خاصة .
كما أن دراستي للغة العربية وآدابها جعلني أقرب من أجواء النقد وارتقى بذائقتي الأدبية، وأيضاً علاقتي المتينة بأديبات رائعات من الوطن العربي كان له تأثير إيجابي، فكثيراً ما جمعتنا أمسيات رائعة عبر الإنترنت، كنا نتبادل فيها الآراء حول الأدب وأهميته وأدواته وسبل الارتقاء بالقلم وتطويره .
وهكذا تشكلت اتجاهاتي الأدبية عبر مزيج من كل ذلك، بتوفيق من الله تعالى .
3- إنّ الرواية والقصّة من أهم السبل للوصول إلى قلوب القرّاء والقارئات؛ فما السرّ برأيك؟
السّر كامن في أنها تطرقُ أبواب الشعور بطرقٍ غير مباشرة، وتوصل ما تريد دون أن تخبرك بأنها تود إيصاله عبر الحدث، وبطريقة جذابة ممتعة.. وكثيراً ما ينفر الناس من الأساليب المباشرة، فيوصدون أبواب قلوبهم عن سماعها حتى وإن كانت تحمل ما يسعدهم أو ينفعهم، ويتأثرون بقصّة أو رواية، لأنها تتحدث بشكل أو بآخر عنهم، أو عن جانب من جوانبهم بطريقة راقية، فالقصص بشكلٍ عام من أنجع الطرق في التأثير على الآخرين، وقد حمل لنا القرآن الكريم الكثير من قصص الأقدمين والأمم السالفة، كما تحدث عن بعض قصص الصحابة والغزوات في عهد النبوّة، ونجد القصص أيضاً في الأحاديث النبوية المطهرة، استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم أداة توجيهية وتربوية رائعة، وكل هذه دلائل تصب في مصلحة القصة والرواية، فهي دون شك الأسلوب الأرقى والأكثر تأثيراً لجماليتها وقربها من القلوب التي تتلقاها غالباً بفرحٍ كما تتلقى قطعة حلوى.
4- كيف ترَيْن حال الرواية والقصّة الإسلامية بالمقارنة مع الرواية العربية، ثم العالمية؟ وهل توازيها في الإبداع؟
قلة هي الروايات الإسلامية المتميزة التي توازي الروايات العربية والعالمية في الإبداع، برأيي هنالك روايات متميّزة بدأت تشق طريقها نحو التألق والنجاح، صيغت بأقلام رائعة تستحق أن تصل للعالم بأسره، ولكن هنالك معوقات كثيرة تقف في طريقها، إذ أنّها تحتاج لدعم مادي ومعنوي وإعلامي كبير، وتحتاج لإبرازها بشكل متميز، والترويج لها، وتسليط الضوء عليها، لتُقرأ وتأخذ حقها من التقييم، ولكن هذا إلى الآن لم يحدث إلا على نطاق ضيّق جداًُ .
نحنُ من ظلمنا القصّة الإسلامية، والرواية الإسلامية وقصّرنا في حقها فلم ندعمها بالشكل المطلوب، لكنني متفائلة جداً بالمستقبل، وبالعقول المتفتحة التي تقيّم الأدب الراقي الذي يحمل كل المعاني الرائعة، الأدب المتشرب من معين الإسلام الصافي .. وآمل منها الكثير والكثير ..
5- ما مقومات نجاح الرواية والقصّة الإسلامية، وكيف نعمل على انتشارها؟
القصّة الإسلامية برأي الشخصي هي التي تحمل الفكر النّظيف، وتروّج للمُثل والأخلاق، وترفع الآداب وتتوجها عبر أسلوب متميّز ، وباستخدام أدوات احترافية في كل تفاصيلها ودقائقها، حتى تصل إلى قلب القارئ بكل ما تحمله من معانٍ رائعة، بأسلوب غير مباشر، فلا يغادرها إلا وقد تركت أطيب الأثر في نفسه .
أما عن كيفية دعمها والمساعدة في انتشارها، فهذا يكون أولاً بالقراءة لها، وتوجيه النقد الإيجابي الذي يرتقي بكاتبها، ومن ثم الإعلان عنها، وحثّ الآخرين على قراءتها وتذوقها، ودعمها في كل المجالات المقروءة والمرئية والمسموعة، وإعطائها مكانتها في المحافل والمسابقات العالمية، وأيضاً عبر ترجمتها الترجمة اللائقة لتعريف الغرب بها .. ولن يعدم وسيلة من جعل نصرة الأدب الراقي غايته وهدفه .
6- مصطلح الأديبات الإسلاميات ظهر في الآونة الأخيرة؛ فما الآليات المطلوبة لنجاح مسيرتهن؟
المصطلح ليس مهماً بقدر ما يندرج تحته ومعه من قواعد ومفاهيم، فالأدب الإسلامي لا يختلف عن الأدب عموماً في شيء إلا كونه خاضعاً لضوابط الإسلام، فهو أدب ذو نطاقٍ فكري واسع، تظلله العقيدة الصحيحة، والتعاليم السامية، والبراعة هنا في إظهار الجيد دون تعدي الخطوط الحمراء، ومن فضل الله علينا أنه جعل لكل شيء قوانين تحكمه، وهذه القوانين لا تقيد بقدر ما تقدم مساحة شاسعة من الحرية .. لكننا نخطئ فنظن الإبداع في تحدي الخالق سبحانه، والإتيان بكل شاذٍ على صعيد الأدب والأخلاق والمجتمع، في حين أن الإبداع يأتي من كل فكر طاهر يسعى لخدمته، وبالنسبة للأديبات الملتزمات فكل ما عليهن هو تطوير أقلامهن، بالدربة وتقبل النقد، بل طلبه من أهل الاختصاص للرقي بأعمالهن إلى المستوى المأمول، فنحن لا نريد الأدب العادي، والنصوص المتشابهة الممجوجة، بل نريد التميز في أدب الرسالة، وفي رسالة الأدب، لأنها رسالة تستحق أن نتعب من أجلها، وأن نبدع لإبرازها وتقديمها بالشكل الأجمل، ذلك الشكل الذي يستقطب كل الأجناس والطبقات والأديان دون استثناء ..
الطريق قد تكون شاقة أمام أديباتنا، لكن العمل يحلو بالإصرار، فكم نحتاج للأديبة المثقفة الناضجة، التي تلم بأحوال العالم، وتكتب عنها بلغة احترافية متميزة، وبأدوات بارعة، ورسالة سامية ..
7- هل استطاعت الروائية أو القاصّة المسلمة أن تحرز نجاحاً ملحوظاً في ميدان الأدب في وقتنا الحاضر؟
أظنها لا تزال في البداية، والبداية هي المرحلة الأصعب في كل رحلة، لأنها تحتاج لجهد أكبر في التعريف عن نفسها، وعرض بضاعتها بالطريقة اللائقة، كما تحتاج لجهود كبيرة في الانتشار، وكل هذا يتطلب وقتاً من الزمن ليس بالقليل..
معظم المحاولات أجدها خجولة، لقلة الدعم والمساندة، لكنني على يقين بأنها ستصل، فكل ما أراه حولي يبشّر بالخير، والإقبال الرائع من القراء يبشر أيضاً بكل خير، ويبقى أن نأمل ونسأل الله لهن كل التوفيق والسداد .
8- إنّ صغر سنك يجعلنا نتساءل عن كيفية قدرتك على تحقيق هذه الإنجازات الأدبية في زمن قياسي نوعاً ما؟
مازلتُ أرى نفسي في بداية الطريق، وأرقب إنجازاتي بعينين خجولتين، إذ أنني أجدني قد تأخرت كثيراً، وضيّعت الكثير من الزمن الذي كان بإمكاني أن أضيف به شيئاً إلى فكري وقلمي.. لكنني سعيدة بما وهبه الله تعالى لي من توفيق، وبما أعان عليه، وما كان ذلك ليحصل إلا بتوفيقه، ثم بدعم قلوب رائعة كثيرة وقفت إلى جانبي وساندتني بكل سخاء، وأظن أن الإنسان حين يعثر على هدف يستحق الحياة من أجله، فإنه سيجعل من كل ساعة في حياته خطوة إلى الأمام، نحو الهدف المنشود، ولن يكون للعمر أية قيمة، إلا بحصاد يرجو منه النفع لنفسه وللآخرين ..
في النهاية أجدد شكري لمجلتكم الطيبة، وأتمنى لكم مسيرة حافلة بالعطاء ..

سمر محمد
10-05-2010, 08:45 PM
وأطلَّت ثَلاثُون ! ..

ثلاثون عاماً مرّت .. كلمح البصر ..
أخبرتني ورقة التقويم أنني قد بلغت الثلاثين .. فتوقفت ..
فكرتُ ملياً .. ثم كتبت ..
.
.
.......
ثلاثون عاماً .. وكُلّ شيءٍ يتشابه ..رغم تغير طفيف ..
الحروبُ الكوارثُ وأطماع البشر ..
كلما أخمدت حربٌ أشعلت أخرى .. وكلما تحررت مدينة أُسرت مدائن ..
فكأنما الجشعُ يتكاثرُ وينمو طفيلياً على الحياة ..
يفرضُ نفسهُ بجبنٍ ليشوّه وجهها الجميل في كلّ مكان ..
......
ثلاثون عاماً .. وسهامُ العداوة تتوجه صوب الإسلام
ينتشرُ الصقيعُ في الأراضي الدافئة .. ويهجّر أهلها .. وتسكنها المادّة بأثوابٍ شتّى ..
تبسطُ الغربة سطوتها في المكان فتؤلم ..
ذلك الألم الذي تتلذذ به الفئة القليلة ..
وقلوبها تنبضُ بـ " طوبى للغرباء " .
.....
ثلاثونَ عاماً .. والجُرحُ يزدادُ عُمقاً في الجسد الواحد ..
كثيرةً قد غدت الوجوه، ولكنّها بلا ملامح !
خفّاقة هي القلوب ولكنها بلا حياة ..
ماتت يوم ارتكبت خطيئة الخيانة ..
يوم وأدت ضميرها حيّاً
ويوم خاضت في وحل المعاصي
فأهلكها الغرورُ وقد ظنّت أنها على قيد الحياة..
.....
ثلاثونَ عاماً .. والمشاعرُ الإنسانيّة في شتات ..
الدفءُ الأسريُّ يتلاشى في صخب
ورباطُ المجتمع يتفكك ..
وترتفع شعارات تنادي .. نفسي .. نفسي ..
محضُ نداءات لم تدركها معاني الصدق ..
أكاذيب حاكوها لأنفسهم ليصدقوها .. فماتت نفوس ونفوس على شفير الانهيار!
.......
ثلاثون عاماً والمآذنُ مازالت تصدحُ في المساجد والقلوب .. تردد نداءات التكبير ..
والمنابرُ تنادي للخير .. والدعاة بإصرارٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..
والأقلام الداعية تكتب ..والقلوب الحانية تدعو ..
وكتابُ الله باقٍ رغُم كلّ شيء دستور الحياة ..
......
ثلاثون عاماً قد مضت ..
وعندي أملُ بأن نعود أجمل مما كُنّاه ..
أن ننقشَ على جدران مغاورنا قصص المجد
وأن يدون التاريخ ما أنجزناه بفخر ..
وأن نعزم على تغيير أنفسنا ونصحو يوماً نترنم فيه بأناشيد النّصر
......
ثلاثين عاماً قد بلغتُ .. فكم من سنبلة غرستُ وماذا حصدت ؟!
كأنّي بأعوامي تخبرني بأن العمر قطار يجري فوق سكّة.. تدعى الحياة ..
كأني بأيامي محطات وقوف .. أتزودُ في كل مرحلة منها زاداً يعين ..
أتوقفُ لأتبع عثراتي .. كي لا أتساءل .. ما بال الرحلة لا تمضي ؟!
عمري تطويه الأيام سريعاً لتفاجئني بعددٍ عشري جديد ..
......
ضوءُ القمرِ خجولٌ هذه الليلة في غُرفتي ..
لكنّه قد ظهر ..
شجاعاً قاوم أسراب الغيم الأسود ..
قوياً تحدّى سنا البرق ..
وغزارةَ المَطر ..
إنها تمطر في داخلي أيضاً
يتصافح الحبرُ والدمع معاً .. يتحدان عند اكتمال القمر
في ليلةٍ الثلاثين .. وكلّ ما فيها حنينٌ للقرار .. وكل ما فيها مطر ..!

سمر محمد
10-05-2010, 08:45 PM
عَبرَ بَوّابَةِ الزَّمَن ..

في لحظاتٍ مرّت من زمانٍ مضى .. كنتَ هنا تقلّب وجهكَ في فراغ، تفتشُ عن شيء مجهول كي تجده، تبحثُ عن أمرٍ لا تعرف كنهه، لكنك بشدة تريده ..
كنت وقتها كمن يتجول في شوارع لمدينة غريبة عنه، أو بالأحرى هو غريب عنها..
مدينة مبنية من طراز غريب، سكانها مجهولون، بملامح غريبة، أرصفتها متناسقة، ولكن بشكلٍ عجيب، لا إشارات حمراء فيها ولا خضراء، فالكل يمتلك حريّة التوقف أو العبور ..
مؤسسها لم يكن ديموقراطياً كثيراً حتى يسمح بهذا الكم من الحرية، لكنه كان متأكداً أن من سيزور المدينة لن يتمكن من التوقف أبداً عن التجوال فيها ..
في تلك المدينة، وكما في كل المدن، أناسٌ فضلاء تتوسم الخير في ملامحهم، وغيرهم سفهاء تنفر منهم حد البغض، وهناك سفهاء يرتدون زي الصالحين، وبؤساء ضاعوا في زقاق السفهاء، ستجد أمكنة تبدو أجمل من أن تكون مصحّات عقلية، وأرقى من أن يسكنها مجانين، وأمكنة أخرى مهجورة، كانت يوماً مشروع دار لطلب العلم، أو مدرسة لتعليم الأخلاق، لكن الشركاء فيها اختلفوا فيما بينهم، وتقاتلوا من أجل السيادة فقرروا تهديم أسوارها، وستجدُ جنّات خضراء بأيدٍ زرعتها، وصحارى جرداء تأسف على سكانها، وجبالاً شاهقة وعرة تُحجم عن فكرة تسلقها ..
في المدن الحقيقية ترى الملامح، وتسمع الأصوات، وتتبع حدسك، وفي المدينة هذه لا ترى إلا أسماء حقيقية وأخرى وهمية، وجانباً من أفكار أهل الدار ..
ولأن السفر في هذه المُدن سهلٌ ميسر، يشبه إلى حد كبير بوابة الزمن، التي قرأت عنها كثيراً في الكتب الخيالية، وشاهدت بعضاً منها في أفلام ضحكوا عليك لتشاهدها فقالوا أنها أفلام خيال علمي، كتلك البوابة تعبرُ من زمن لآخر في لحظات، وتتنقل من مكان لآخر مع مرور بسيط لعقرب الثواني .. لتجد نفسك في عالم مختلف ..
ولأنك أدمنت التجوال، وصارت تلك المُدن المخفيّة جزءً من حياتك، وصار سكانها رغم اختلافهم وغموضهم مثل أفراد أسرتك، فكثيراً ما قرأت ما كتبه سكارى الحب فأسفت لحالهم، ولعلك مررت ببعض نواديهم فخرجت نادماً مستغفراً عما اقترفت أيديهم، وما اقترفته أنت بالصمت على جهلهم ..
وكم ولجت أمكنةً أشعرتك بأنها كما المساجد طهراً ونقاء، أو جُبت ساحات مدارس توقفت فيها لساعات، إذ أن كلام مدرسيها قد أعجبك، ونادى جزءً من كيانكَ فتوحد بك ..
وكم وكم أنصت لحديث أخوي أخذ بمجامع قلبك، من شخص لم تشعر للحظة أنك لا تعرفه، ولم تحدثك نفسك بأنك لم تألفه ..
كم من أناسٍ سكنوا قلبك عبر حروفهم، وأنت لم تعرفهم، ولم تلتقِ بهم يوماً ..
وكم من حروف صنعت منك شخصاً آخر لا يشبه شخصك القديم، لأنه أنضج، وأكثر جمالاً ..
فحروفهم علمتك تذوق الجمال، وطرقاتهم قادتك على مكمن كل جمال ..
كم مرّة بكيت وأنت تقرأ مقالاً لأحدهم لامس قلبك ؟!
وكم مرة تبسم قلبك، أو قهقهت فرحاً كالمجنون وحدك ؟!
كم عدد الأيدي التي رسمت خليط فكرك؟
وكم نسبة الطاهرة المتوضئة منها؟
من أنت أيها الغريب؟ وإلى أين تسلك ؟ وما هي غايتك؟
أنت خارجٌ عن قانون المعقول، تتجولُ في مدنٍ مجهولة، تراقب بصمت خفي، تتشبه بالأشباح، وتمضي وقتما تريد فلا تبرز هويتك، ولا تعلن عن نفسك ..
أنت عالقٌ في الشبكة العنكبوتية منذ زمن، أنت تائه لم تحدد بعد هويتك ..
فضلاً منك عرّف عن نفسك، أبرز بطاقتك التي نقشت عليها أهدافك، حدد غاياتك، ثم اختر مدينة تناسبك، ولا تنس أن تعود إلى واقعك لتأخذ منه التجارب وإليه، وتذكر دائماً بأنك خلقت لتكون مواطناً صالحاً في أية مدينة سكنت، وبأن قلبك مدينة أخرى أكبر من كل مكانٍ عرفته، مدينة تستحق أن تتخذها وطناً تشحذ من أجل بنائه قوتك، وتجعل منه عاصمة لدولتك، فمهما جبت في مدائن الأرض، فإلى نقائه تعود ليسيرك .

سمر محمد
10-05-2010, 08:45 PM
مقدمة رواية : قلوب لا تموت
الحائزة على جائزة دار الفكر 2006 م

في الحياة تتقلب مفاهيم البشر، وفقاً لما يتعرضون إليه من أحداث وظروف، بعضهم يخوضُ معركة المبادئ فيسقطُ صريعاً من الجولة الأولى، والبعض ينذر حياته من أجل إيصال فكرة، أو تحقيق هدف.
الكلّ يحملُ أهدافه على عاتقه، والعبرة فيمن يحسن اختيار الهدف، وكذلك يحسن التنفيذ.
هي قصة فتيات مقبلات على الحياة بما فيها من فرح أو حزن، يجمعهن القدر بامرأة في الخمسين، تغرس في طريقهن الأمل والخير والنور، عبر فكرة ( صندوق الأمنيات) ذلك الصّندوق السحري الذي يصنع منهن نساء متميزات في أقل من عام . عبر تجارب كثيرة يتعرضن لها ويتعلمن منها كيف ينقشن بصمة واضحة في الحياة، لا يفنيها الزمن ، لتحيا قلوبهن فلا تموت، بحياة عرفن كيف يصنعنها ويسلكن دروبها بكل ثبات .

سمر محمد
10-05-2010, 08:46 PM
مقدمة كتاب رؤى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة
الحياة صندوقٌ صغير مليء بالأسرار والعبر والأخبار، وكل شخص منا، له صندوق حياته الخاص، الذي خبأ في داخله الكثير من الحكم التي تعلمها، والدروس التي تلقاها، والمواقف التي حمل منها الخبرة وروح التجربة.
وتختلف رؤى الحياة من شخص لآخر، فالمنظرُ البديع قد يوحي للشاعر المتميز أن يكتب قصيدة مستوحاة من سحره، وقد يوحي للرسام أن يبدع لوحة أخاذة تنطق بلغته، وللأديب أن يصوغ نصاً رائعاً يأخذ بمجامع القلوب فتنتشي بقراءته ..
لكل رؤيته الخاصة، هذه حقيقة الحياة، وجمال الاختلاف، ولكن التباين في الرؤى لا يمنع من توافق واتحاد في القلوب، فتآلفها واتحادها من أجل غاية عظيمة واحدة، وهدف نبيل، هو ما يجعلنا جميعاً نفيد مما حولنا، وقبل ذلك كله نفيد أنفسنا، فنصل بها إلى شاطئ الأمان .
وقد اقتبستُ من الحياة ومضات فكر، توجتها بروح الأدب، وأسبغتُ عليها من خفقات القلب شيئاً من الود، وسكبتها مجزأة في محبرة العقل، لأنثرها بدفء على بياض الورق، فتجدُ صداها منذ الولادة، وتشير علي الأديبة صباح الضامن أن أنظمها في عقد ياسميني فواح، وأصدرها كتاباً أبثُّ فيه ما طبعته الحياة في داخلي من معان وخبرات مكتسبة، لأتبادلها بلغة الحب مع كل الناس، فلا أملك إلا وأن أستجيب لرأيها، فيكون ( رؤى) مولودي الأدبي الأول، ذلك المولود الذي احتل مكانته الخاصة عبر الشبكة العنكبوتية، مما شجعني أن أنشره عبر الورق، وإني لأسأل الله أن يجد له مكاناً في قلب كل من يقرأ، وأن يتقبله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع بكل حرف ويرفع

سمر محمد
10-05-2010, 08:46 PM
أردتُ أن أحتفي بهلالِ الشّهرِ وحدي، فأرقبُ حلوله مع منظاري الأسود القديم، فخرجتُ إلى سفح الجبل الكبير على حافّة المدينة، قرب القلعة، وصعدتُ أنشدُ ذاك الهلال ورغبة تعتريني بأن أصاب بحمّى الفرح.
ذلك المرض النادرُ الذي أنتظر الإصابة به منذُ قرون دون جدوى .. فكلما مرّ عمرٌ أتوسمُ في القادم خيراً، ولما يطلُّ أبكي حسرة على الذي فات ورحل .
وقد تعبتُ الليلة في حساب عمري الحقيقي، فوجدتّ العام يمرُّ بثقل قرن، فغضضتُ الطرف عن إحصائه إذ أنني لا أحسنُ العد .
كانت السماءُ غائمة بحزنٍ لا تشتهي البكاء، بل تبتلع دموعها بأسى، وتخفي في غيمها الأبيض الرقيق جمال الهلال..
نظرة واحدة للهلال تهيّجُ في داخلي الكثير من الهموم.
أتوكأ على جدارِ القلعة ورغبة في داخلي تُلحُّ لأن أتوحّد معه .
هذه القلعة القديمة قد كانت في يوم ما أبيّة شامخة ترهبُ العدو وترجفه، فيحسبُ لها ألف حساب.. وهاهي اليوم كومة حجارة بالكاد تحميني من دوار العجز.
أستأذنُ الغيمة والقلعة وحتى الهلال بأن أنوب الليلة عنهم جميعاً بالبكاء، وأوصيهم بألا يحدّقوا في دموعي، فلا أحد يحبُّ أن يرى دموع الرجال.. لكنّ قلبي يبكي كعجوزٍ ثكلى، والأرض مثلي تنتحب، فهي تحتضنُ كلّ يوم عشرات من أبناءها الشهداء .
مذياعي الصغيرُ في جيبي قد أخبرني عن موجز الأنباء ..
فلسطينُ تئنُّ ولكن بإباء، تستقبلُ رمضانها رضيّة، فقد خلقت لتعلمنا الكفاح، وكنّا تلاميذاً كُسالى في مدرستها، فتعلمنا كل دروس الحزن، وتغيبنا عن صفوف الشجاعة والنضال.
العراقُ تعيشُ رمضانها صامتة .. فما عادت تصرخ منذُ أن قطعوا حبالها الصوتية، ومنذُ أن استساغ الناس علّة الصمم، تتحاملُ على جراحها لتحفظ ما تبقّى منها من أشلاء طاهرة، وتغفو لتحلم آملة بالعودة، وتبتهل لله في كل ليلة داعية لله بأن يحبر الكسر ويعيد كلّ من رحل.
في باقي المدن العربية احتفالات كبيرة.. بشهر عبادة قد حوّلوه إلى مهرجان .. وعلّقوا كل القناديل الملوّنة، وحبال الزينات.. نصبوا الخيام وهيئوها لكلّ وسائل المرح..
رمضان قد غدا شهر المرح!
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
عظّم الله أجركِ يا أمتي في مصابك، ولماذا لم تعلميني كي أعزّيكِ بموتى القلوب ؟!
ستنظرين إليّ بغرابة وتسألين .. أولا تدري أنها ماتت منذُ زمن؟ ورمضان شهرُ حزينٌ لم يزل ..
وأنت هنا وحدك تبكي وتتجرع ألوان الألم .
نسمةٌ تهبُّ فترتجفُ أوصالي، أشعرُ أنني أقربُ للموت من كل حين، قلبي يعاود إزعاجي بطرقه العنيف، أتهاوى قرب جدار القلعة، وعيناي معلقتان على الهلال الغائب بين الغيوم ..
فجأة .. يسري الدفء في كل خليّة من جسدي ..
شيء ثقيل يدثرني أمناً ..
إنه معطفي الأسود !
- أهذه أنت يا مريم ؟!
أما تعبتِ يا ابنتي من اللحاق بي في العتمة ؟
تبتسمُ بحنان، وتلمع عيناها العسليتان في الظلمة ..
بحب تهمس ..
- هيا لنذهب يا أبتِ ..
- لكنني أتيت بحثاً عن فرحي ..
- سيعود يا أبتِ .. سيعودُ يوماً ..
- لكنني لا أراه، لا أسمعُ تكبير المآذن، لا ألحظُ نوراً يشعُّ في بيوت المدينة ..!
تساعدني على النهوض، وتعيد ترتيب معطفي على كتفي، وتهمسُ واثقة ..
- فقرهم للقرآن سيعيدهم إليه، نحنُ أمة لا تموتُ ؛ كلما انتكست أحست بألم الجرح فانتشلت نفسها وعادت أقوى .. سنعود يوماً يا أبتِ لدفء المعاني في الحياة، وسنتوقف عن اصطياد الفرح ليلة إطلالة الهلال، لأن حياتنا كلها ستغدو رمضان..
لا أملك إلا أن أومئ موافقاً ، وأبتلعُ الجرح والملح والمرارة والألم، وأعودُ معها إلى بيتنا الدافئ، فرمضان قد أتانا مواسياً أحزاناً تسكننا، وهلاله قد لاح لنرفع الحجب عن ظلمة قلوبنا، ونور القرآن قد أطل ليشرق روعة في كل تفاصيل حياتنا، فهل نملكُ إلا أن نبتسم ؟!

سمر محمد
10-05-2010, 08:46 PM
وتسألني ما السّعادة ؟!
قبل البدء .. لابد من تحيّة .. إلى الأستاذ أسامة عامر، وقد فتح بتساؤله على موضوعي ( على بعد خطوة ) آفاقاً أخرى، منه تدافعت الكلمات لتصل إلى هنا .. فجزاه الله خير الجزاء ..
إنها هنا .. على بُعدِ خطوة ..
بذرة صالحةٌ في قلبٍ نقيّ طاهر، يسقيها ماءٌ عذبٌ زلال، وترعاها يدٌ متوضئة سخيّة، وتدفئها شمسٌ حنون، تتنامى كل لحظة، لتورق مثل شجرة باسقة .. ويوماً بعد يوم تصبحُ الشجرة أشجاراً .. فغابات كثيفة .. ظلالاً وأطياراً، خضرة وجمالاً .. جنة رائعة التكوين في القلب .. هي السعادة !
....
إيمانٌ يسري في القلب، يضيءُ حنايا الرّوح، ونُورٌ يشعُّ من قسماتِ الوجه، وبسمة رضا..
وكم يعجبون من سعادةِ أهل الإيمان، كيف يمتلكونها، ومن أين يحصدونها، وهم الذين قد تجافت دنياهم عنهم، وأرتهم وجوهاً قاتمة، وهم الذين تنكر لهم الأحبة فعاشوا غربة داخل وطن وبين أهل، ورغم ذلك تراهم سعداء، بكل جدارة ..!
أتراهم لمسوا معانيها في سجدة خاشعة، أو دمعة توبة صادقة، أتراهم استشعروها فزالت عنهم غمّة الحزن، وفارقوا الألم إلى غير رجعة؟ أتراهم تبصروا بنعم الله وفضائله عليهم فتوارى الهم خجلاً من سعة الخير في حياتهم؟
أتراهم تصالحوا مع أنفسهم وقنعوا بما وُهبوا، وشكروا على ما أُعطوا، ففتحت الدنيا ذراعيها لهم، فأحاطت بهم السعادة من كل ناحية، بل وسكنت قلوبهم ..
...
إنها قريبة .. أقرب مما نتخيل، فقط لو تفكرنا بدروبها وأسبابها ..
إيمانٌ صادقٌ يباشرُ القلب .. وعلمٌ من أجل نفع، وعملٌ وتطبيقٌ وإحياء لدين الله في الأرض، صحبة صالحة في زمنِ غربة، وسرورٌ تدخله على مسلم، وأن تأكل مالاً حالاً، وتبيتُ كالاً من عملِ يديك، بقلبٍ صافٍ من ضغائن، وروح مطمئنة متسامحة، ولسان دائم الذكر ..
تلك هي السعادة، فهل مازلت تبحث عنها ؟!

سمر محمد
10-05-2010, 08:47 PM
وردة الإخاء
هي رسالة أضاءت بعد طول غياب صندوق رسائلي، أدمعت العين، وهيجت مشاعر الشوق الكامنة خلف أسوار الصمت .. قرأتها بلهفة .. وخططتُ ردي إليها ..
إلى من أرجو الله أن تكون بخير ..
رسالتها :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد أعود يوما لتواصل أجمل
قد أجد لي مكانا و قد لا أجد
أتمنى أن أجد و أتمنى أن أعود
صديقتي لما تقبل علي المحن ألتفت فأجد اسمك منقوشا في صدري
على غرابة هذا الإحساس هو موجود حقيقي
سبحان الذي جعل اللغات تختلف من قلب لقلب و جعل الحب ينبض وحده على إيقاع واحد
ينتابني الخوف من المرض
أراني ضعيفة واهنة فأتضاءل في عيني نفسي
ثم أعود أبحث عن القوة فأجدها في ضعفي نفسه
هل لك أن لا تقلقي و هل لك أن تدعي لصديقتك بظهر الغيب فما أحوجني لدعوة صالحة
و هل لك أن ترسمي وردة جميلة تسقينها أملا من يوم لآخر ثم تسمينها الإخاء و هل لك ان تحفظي تلك الوردة فلا تقطفينها و تتركي الايام تعمل فيها ما تعمله الايام في المبتلى الذي لا يستسلم لحلم اللقاء و العودة بعد طول غياب
هل لك أن تفهمي كلمات مبهمة تنطلق من قلب ما عاد يحسن الكلام فكأن الكلام كان طفولة فيه ثم كبرت مع الأيام فصمت
الوردة التي امكلها أحبها كثيرا
لا ارعاها بالتفقد و السؤال
لكنها وردتي في جميع الأحوال
لما ستحييني المحن سيعود قلبي للجهاد من جديد و سيلتقي أحبابه في معترك الايام ليناضل سطوة الغفلة بين صفوفهم
لا افهم ما اكتبه فافهميه انت
نور يا صديقتي اعتني بنفسك كثيرا
اشتقت لك كما دوما
في حفظ الله و رعايته
أحبك في الله
---------
ردّي ..
صديقتي الحبيبة ..
هاهي رسالتكِ تلوح أخيراً بعد طول غياب ..
وأنا التي ترقبُ زواجل الفرح تخبرني عنك، كلما زارني نهارٌ جديد افتقدتكِ، وتفقدتُ مكانكِ فإذا هو حافلٌ بخفقات الود .. تلك الخفقات التي لم تنقطع .. منذُ أن غادرتِ ..
أحدّق في الفراغ الذي تركته وراءكِ، وأتخيلكِ موجودة قربي .. فأبتسم ..
أنصبُ حاجزاً يمنع من اختراق المكان أو احتلاله، فقد عمّره قلبكِ المحب ببناء أسمى، وزينته روحكِ العذبة بجمالٍ أخاذ، فكان لكِ منذ البداية وسيبقى ..
وسيكبرُ الود بيننا أكثر ..
أما مررتِ يوماً بحقول السنابل ؟
أما شاهدتها ذهبيّة تلمع تحت وهج الشمس؟
هل خطر ببالكِ أن تقطفي سنبلة منها، وتعدّي حبّاتها؟
ما أكثرها .. وما أوفر خيرها ..
كذلك هو الحب الذي ربط بين قلبينا .. أجمل من حقل السنابل وأثمن من كل الذهب ..
ذاك الحب الذي تقاسمنا رغيفه يوماً فأشبعنا، وتعاهدنا أن نطعم منه البائس والمحتاج فما توانينا ..
صديقتي ..
لا تعجبي أن وجدتني في زاوية من زوايا القلب أنتظركِ ذات محنة ..
فكم جمعتنا محنٌ فتلاحمنا، وكم تعانقت أرواحنا في بعد فاقتربنا ..
وكم طوينا من ليالٍ ندعو الخالق أن يفرّج عنا ..
ألم يكن ذلك حقيقة ؟!
بلى والذي ألف بين قلبينا على محبته وطاعته
وجعل التآخي فيه والتناصح في سبيله نبراسنا ومنهجنا ..
ها أنتِ اليوم تعودين، بخطواتٍ أثقلها المرض ..
لستُ خائفة عليكِ يا من توجتِ عمركِ بالرضا، وجعلت من المحن بوابة قرب منه سبحانه ..
لن أقلق عليكِ وأنا أعلم من أنتِ، وكم تلمذتني المواقفُ على يديكِ فتعلمت أن المرء طبيب نفسه، يداويها بالإيمان، وبأن العلل الجسديّة أمرٌ هين بالمقارنة بأمراض القلب ..
عزيزتي ..
قد تعانين الغربة فلا تقلقي .. وهل نحن إلا في زمن الغرباء، فابحثي في قلبكِ عن جذوة الإيمان وتدفئي بها، ستقيكِ موجات صقيعهم ..
وقد تحاصركِ المحن من كل ناحية فاثبتي، وتشبثي بحبال التقوى، فإنها وحدها من ستنجيكِ من جراحها ..
وقد تكبلك المشكلات والهموم فاستعيني بالله عليها يفكُّ قيدك، ويتلاشى همكِ، واحرصي على بسمتكِ الدائمة، وروحك المتفائلة التي عرفتكِ بها ..
والله أسأل أن يشفيكِ من كل مرض وسوء، وأن يعمر قلبكِ بحبه وأن يتم عليكِ نعمة العافية ..
وردتكِ موجودة منذُ زمن ..
أولستِ أنتِ من زرعتها وسقيتها بيديك ؟
قد غرستُ قربها شجرة كبيرة تظللها، وحفرتُ مجرى لنهر الود كي يسقيها، ودققتُ أوتاداً للصداقة عميقة، وجعلت المكان موطناً سيبقى لنا .. أنا وأنتِ ..
صديقتي المسافرة مع أسراب الطيور المهاجرة ..
سأبقى أنتظر عودتكِ بذات الشوق، لن تخبو أبداً جمرته، ولن يتلاشى وميضه ..
وستبقى لكِ دعوات في ظهر الغيب ترافقكِ ..
لتجمعنا منابر النور يوم القيامة، ولنجتمع في الجنة إخوانا على سرر متقابلين ..
محبتي وصادق ودي ..

سمر محمد
10-05-2010, 08:47 PM
مََقبَرَة الشّيَاطِين
أتاني مهرولاً ينادي من بعيد، وتوقف لحظة ليلتقط أنفاسه، ابتسامته الماكرة أوحت بأنه سيقول خبراً مهماً، ورغم فضولي الشديد لأن أعرف ما الذي قد جاء به في هذه الساعة المتأخرة من الليل، إلا أنني أحببت أن أغيظه قليلاً، وأطفئ حماسه في تبليغي الخبر الهام الذي يحمله، فتصنعت البرود وسألته :
- ماذا حصل ؟ هل انهزم الجنود الأمريكان بعد أن طاردتهم بسيفك الخشبي على صهوة حمارك ؟
بامتعاض أجابني :
- يالك من ساخر، ولكن .. يمكنك أن تقول بأنهم سيرحلون قريباً، فهناك قوة عظمى تطاردهم ..
دون مبالاة أجبته محاولاً ضبط أعصابي :
- لابد وأنك كنت نائماً، وقد شاهدت سفن الفضاء تحط في نينوى، وتقاومهم وتطردهم بدلاً عنا .
أطلق ضحكة غريبة، وتابع المماطلة :
- بل أقوى من ذلك وأعتى ..
وقتها قررت الاستسلام، فأمسكت بتلابيبه وصرخت به :
- هات ما عندك فوراً، وإلا فاخرج للأبد .
سكت لدقيقة، وأخرج منديلاً من جيبه، وراح يمسح حبات العرق عن جبينه، وقال وعيناه تنطقان بالخوف :
- إنه الثعبان الضخم الذي كان يتحدث الرعاة عنه ..
- أهذا ما جئت من أجله، إنه محض أكذوبة يدعونها ليبرروا إهمالهم في الرعي !
- بل هو حقيقة .. لقد جاء أحدهم إلى دكان والدي وأخبره بأن الثعبان يبتلع أغناماً كثيرة في غضون ثوان قليلة، وبأنه أضخم مما يمكن تخيله، إنه سريع شرس لا يمكن لأحد أن يقف في طريقه أبداً .
لقد اختفى من القطعان إلى الآن عدد كبير جداً، ثم إنه .. وصمت لحظة .. نظرت إليه فإذا هو يرتعد وهو يقولها :
- إنه يبتلع البشر، ويقضي عليهم بشراسة، فيختفون ولا يبقى لهم أي أثر .
عندها لم أستطع أن أمسك نفسي، فأطلقت ضحكة عالية مجلجلة، ووضعت يدي على كتفه مهدئاً ..
- حباً بالله يا صديقي .. لا تقل بأنه ابتلع زوج تلك المرأة التي استنجدت بالشرطة تشتكي غيابه في تلك المنطقة منذ أسبوع، ولا عن أولئك الشبان الذين كانوا يتجولون بالقرب من الآثار ولم يعودوا إلى منازلهم، لا تصدق هذه الخرافات، فالأمر واضح، إننا في منطقة مشوبة بالمشاكل والحروب على أشكالها، ولا تستبعد مسألة الخطف أو القتل أو احتجاز الرهائن، أنت شاب سطحي جداً، لقد خيبت ظني ! وكأن العراق كان ينقصها ثعبانك لتكتمل فيها سلسلة الإرهاب..
شعرت وكأنني بكلامي سكبت الزيت على النار، فاحمرّ وجهه، ونطقت عيناه بالشرر، وانصرف وهم يتمتم بصوت مخنوق ..
- ابق على وعيك هذا وستجد نفسك يوماً في بطن ذلك الثعبان !
حاولت إيقافه ومراضاته بكوب من الشاي، ولكن دون جدوى، لقد اختفى لثلاثة أيام، لم يظهر فيها أبداً ..
راجعت نفسي وأيقنت أنني كنت مستخفاً به إلى درجة كبيرة، وكان بإمكاني إقناعه بفكرتي بطريقة أكثر تحضراً ..
فانطلقت إليه باحثاً عنه في دكان والده، لكنني فوجئت به يشير إلي من بعيد، ويركض مسرعاً باتجاه الطريق العام ، ناديته ولكنه لم يجب، وتبعته أركض محاولاً تحصيله، وإذا بي أرى الناس كلهم يتجهون إلى نفس الاتجاه، ويتوقفون فجأة قرب منطقة الأسلاك الشائكة ..
توقعت أن أرى حادثاً مرورياً، أو بعض القتلى كما تعودنا أن نرى دائماً، ودسست رأسي بين الحشود وإذا بي أرى ما لا يمكن تصديقه ..
لقد كان ضخماً لدرجة لا يمكن تصورها، ثعبان رهيب المنظر، قد علق بسور الأسلاك الشائكة ولم يستطع الفكاك، قد فتح فكه الكبير ، وأخذ يصدر أصواتاً مرعبة وكأنه يتوعد الجميع بالتهامهم دون أدنى رحمة..
كان الناس في حالة ذهول، يراقبونه بذعر، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب خطوة، إلى أن أتى بعض الجنود الأمريكان، وأطلقوا عليه من بعيد السهام المخدرة، ليحتفظوا به حياً في سجن يليق به، وقبل أن يفقد الوحش الشرير وعيه، فاجأهم بأن لفظ من فمه ثلاث خوذ لجنود أمريكان، كانت الدوريات تمر بين الحين والحين لتسأل عنهم !
قال لي صديقي فيما بعد أن وزن الثعبان كان سبعة عشرة طناً، وبأنه أصبح شهيراً جداً إلى درجة أن حضرته سيضاف إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكبر ثعبان في العالم، فقلت له محاولاً استفزازه من جديد ..
- هنيئاً لنا نحن العراقيين، ولم يبق وغد أو شيطان أو سفاح إلا وقد عشق أرضنا، فطاب له المقام بيننا !
فأجابني وعيناه تطفحان إباء ..
- أياً كان، فالعراق ستبقى إما سجناً لهم أو قبراً .

سمر محمد
10-05-2010, 08:47 PM
رِيَاضَةُ النّاجِحِيْن
ترتبط الحياة بصفة المرونة، وتتوائم معها بنسقٍ رائع، لتشكل سلسلة من النجاحات لا تنتهي، مادامت خفقات الناجحين تلازمها، ومادامت عامرة بجوهر أصيلٍ، وحس واعٍ، ورغبة بتقديم الأفضل للمجتمع .
ولو تأملنا الطبيعة لحظة، ودققنا النظر في حال الشجرة المورقة اليانعة، لوجدناها بأغصانها الخضراء المرنة قادرة على أن تهب الظل والجمال وأطايب الثمر، بينما الغصن الجاف لا يمكن إلا أن يكون حطباً، أو قطع فحم تتحول بعدها إلى رماد بلا قيمة، فالمرونة تعني الحياة، والصلابة تشبه الفناء، ونحن بين هذا وذاك نحتاج لأن نبحث عن الأنسب في حياتنا، مما يعيننا على خوضها بنجاح ..
إن بعض المصطلحات العلمية تقودنا لصناعة قوانين حياتيّة متميزة، فمثلاً تعرّف المرونة علمياً بأنها : قدرة بعض الأجسام على العودة إلى هيئتها وأشكالها الأصليّة، وذلك بتأثير قوّة خاصّة تؤدي إلى التغيير .
ولو حاولنا الاستفادة من هذا القانون بإسقاطه على حياة الإنسان لعثرنا على الكثير من الأمور المهمة، فحين نغدو بأفكارنا وطباعنا وسلوكياتنا مجرد أجسام جامدة، غير قابلة للتكيف الإيجابي مع الأحوال والأحداث المحيطة، فنحن ولاشك نفتقر إلى المرونة، والمرونة لا تعني مسايرة الآخرين، حتى نغدو نسخاً مطابقة لهم، لكنها تكيفٌ من نوع متميز، يستمد قوته من داخل القلب، من الرغبة الحقيقية بالتأثير والتأثر الفاعل وسط المجتمع، دون أن نضعف أو تُمحى شخصياتنا، ودون أن نحجر على عقولنا ونحرمها روعة الحكمة وإدراك الفائدة. فالحكمة تقول : (لا تكن صلباً فتكسر، ولاتكن ليناً فتعصر).
أما عن تعاملنا مع الأفكار، فنحن عادة نستقبل الأفكار المتميزة كما نستقبل المولود الجديد، بكل الحفاوة وكل الفرح، تبهرنا فيه كل التفاصيل، ويسعدنا أن نقضي الأوقات نفكر ونخطط لمستقبله، ونجاحاته، وعندما تولد الفكرة الجديدة من بنات أفكارنا، فنحن نجعلها شغلنا الشاغل، ومصدر فخر واعتزاز لنا، وحديثنا الأول الذي يتصدر ساحات حواراتنا مع الآخرين .
إن تبنينا لفكرة معينة عادة ما يجعلنا نرفض تغييرها أو تبديلها، أو إجراء تعديلات عليها مهما كانت هذه التعديلات طفيفة .
وكم يصدمنا أن يواجهنا شخص ما بأفكار مناقضة أو مخالفة لما أجهدنا أنفسنا في تحقيقه، ليغدو لنا عدواً يريد إحراق نجاحاتنا، أو سارق حلم يود الاستيلاء على طموحاتنا .
نواصل المسير بالفكرة المتبناة أو الوليدة، نحاصرها بحبنا، ونفرض عليها سجناً خاصاً لكيلا تتغير، نكافح بها لنحقق النجاح، لكن الأمر المؤلم أن النجاح لا يأتي أبداً، فنحن قد منعنا الفكرة من التطور، بافتقارنا للمرونة في تقبل آراء الآخرين، وفهم وجهات نظرهم بحيادية .
إن الفكرة الأنجع هي التي تحمل رؤى متعددة، تضمها في بوتقة واحدة، وهي التي تألقت بعد أن تعرضت للانصهار والصقل والطرق حتى بدت في أروع حلة .
إن الأفكار المرنة هي مفاتيح النجاح ويمكننا عبرها أن نصل إلى ما نريد دون تصادم أو انزواء ..
تلك هي المرونة المطلوبة، تجدد واستمرارية، قوة مصدرها القلب، وتواصل بالمجتمع مع المحافظة على الثوابت .. المرونة هي الطريق الذي يتيح لنا أن نتعايش مع كل الظروف والأحوال، وأن نتقبل كل الأشخاص ونؤثر فيهم، وأن نتعلم من التجارب مع المحافظة على الجميل الذي تحتويه قلوبنا، وكذلك أن ننظر إلى المشكلات على أنها تجارب، فنحاول بجدّ حلها بطرق متنوعة ومختلفة دون تحجّر أو صرامة، إنها الورقة الأكثر فائدة في تكوين الشخصية المتميزة، وهي حقاً رياضة الناجين في هذه الحياة !

سمر محمد
10-05-2010, 08:48 PM
الحَيَــاة مبدَأ

على قدر ما نخوض مصاعب الحياة، ونعطيها من ثمرة الجهد والوقت، والفكر والكدّ والعناء، على قدر ما نأخذ منها من إنجازات ونجاحات تضافُ إلى أرصدتنا الخاصّة.
كلما صعدنا سلّمها كلما ازداد شعورنا بفرح الارتقاء، وازدادت رغبتنا بالوصول أسرع إلى الهدف المنشود الذي رصدناه لأنفسنا .
كثيراً ما تضيع الأهداف وتتساقط على الطريق، وتبقى أشباحها، وهياكلها الفارغة، لتشعرنا بالطمأنينة لوجودها إن هزّنا وازع الضمير في البحث عنها.
نرمقها من بعيد وقد اعتلاها غبارُ الزمن، ونبتسم كونها موجودة في حال سُئلنا عنها، ونكمل سيرنا وقد أغرقتنا مشكلات الوصول وعقباته وحواجزه، لتلهينا وتشغلنا بفتات النجاح، عن جوهره ومكنونه !
لكن الاكتشاف لحقيقة الذات ومعدنها لا يكون إلا عبر اختبارٍ قاسٍ نخضع له..
ذلك الاختبار قد يظهر لنا عبر صورة ساحرة، أو عرض مغرٍ يسحر القلب، ويغري العقل، عرض لا يمكن مقاومته، ولا حتى رفضه، لأنه لا يوجد أحد عاقل أبداً قد يفكر برفض شيء مثله ..
في تلك اللحظة يقع الصراع ..
نفسك تشدّك بقوة صوبه، تصرخ بك كي تقبل به، وأنت حائرٌ قد وجدت نفسك فجأة أمام أمر لم تتوقعه، تخشى استشارة أحد المقربين فيخذلك، تكاد تستسلم، تتجه خطوة نحوه، فتتبدى خطورته فجأة، وتفكر ..
ماذا اقترفت ؟ وإلى أين اتجهت ؟ هل هذا هو طريقك حقاً ؟ هل تمشي نحو هدفك ؟ أم تاهت بك السبل، وتشتت بك الدروب ..
ما تزال نفسك تنادي بك كي تستسلم، لكن وازع الضمير يهزّك، يحركك إلى أن تتخذ قراراً قد يبدو صعباً في بدايته، تفكر ملياً، وتحدق في دربك، تتذكر رفيع أهدافك، وكل ما قامت عليه إنجازاتك من مبادئ، ولا تلبث وأن تحسم أمرك، وتواجه الصعب بشجاعة، لتتراجع بضع درجات في السلم، مقدار مدة التوقف والضياع، تحمد الله كثيراً أن هداك لكي تعود، ولا تلبث وأن تتابع سيرك، بسعادة لا تخفى، وقد فهمت بأن الحياة مبدأ، وسعدت بأن عثرت على نفسك من جديد .

سمر محمد
10-05-2010, 08:48 PM
مساحة فارغة

ظننتُها مساحتي وحدي .. أخربشُ بها ما أحبّ على هواي ..
فإذا بي هنا أرى نفسي بكل تجرّد.. رصيفاً يتجول عليه الآخرون، يتوقفون قليلاً، ليقلبوا النظر بمعالمه دون مبالاة ..
كما يقلبون الجريدة، ينتظرون أول حافلة مغادرة، ويرحلون سريعاً دون وداع ..
بعضهم قد يلقي عليه جم غضبه، فيكسر أطرافه، ويحدثُ في سطحه تشوّهات لا تصل إلى العمق .. ولن تصل ..
لأنه اعتاد أن يبتلع الغضب، ويبقي ابتسامته مرفأ أمان لهم ..
والبعض قد يلقي عليه ما شاء من قصاصاته المجعدة، ومهملاته السامة، ثم يمضي وكأنه ما اقترف شيئاً ولا ترك جرحاً ..
والبعضُ يأتي ليغرس على حافّته زهرة، ويقتلع الأعشاب التي تنمو على حافّته دون أن يأبه إن كان يحبها على طبيعتها أو تمردها الجميل الأخضر .. يظن بذلك أنه يسدي خدمة كبيرة لرصيف قديم، لا يُشكل أيّ معنى في حياة أي أحد .
أما الشخصيات الهامة فتزورني لتمنحني شعوراً بالفخر، بأنها مرّت هنا، تغتصب اسمي المجهول، وتطلقُ علي اسماً يعجبها، ويسيرُ على هواها .. وتغادرُ وهي تحمّلني الكثير من الامتنان لها على هذه المكرمة !
ينتابني أحياناً شعورٌ بالعجز، وتلوح رغبة قوية في أن أنتقل، وأغادر إلى مكان آخر .. البحر مثلاً ..
كم أشتاقه !
إن آلمتني خطوات العابرين فأمواجه تغسلها، وتزيح كل ملامح الألم عنّي ..
وإن اقترب الفجر أجدني وحدي أناغي نجمة الفجر وتضحكُ لي ..
أحلمُ بأن أحمل أحجاري القديمة لأساند تلك القلعة العتيقة بشيء من ود، أحلم أن أنهض فأحدثهم عن خلجات روحي .. وأحلم أن أتحدث بصوت مسموع .. أن أنزف دموعاً مرئيّة تستوقف كل من يمرّ عابراً لا مبالٍ بي وبسكاني الأشباح الذين كانوا يوماً بشراً ..
أتمنى أن أمسك قلماً فأحكي مأساة من ماتوا على حافتي ذات صقيع، جلّد أطرافهم برد الشتاء، ومن تعللوا بالنوم لحظة مختفين في إحدى زواياي هرباً من غول الخوف الذي آل على نفسه أن يلتقمهم إن لمحهم يسيرون هنا أو هناك ..
أتمنى أن أطوي نفسي مثل حقيبة، أخفي في داخلي ما أتمنى من معاني الحب والتفاني والوفاء، تلك التي مرت بي يوماً ..
وألقي في الحاوية المجاورة كل ما كرهته يوماً في حياة البشر ..
وإلى ذلك الحين .. لستُ أدري كم عليَّ أن أحتمل ؟!

سمر محمد
10-05-2010, 08:48 PM
عزفٌ شِتَـائيّ .. بانتظارِ الرّبيع
اليوم .. وسطح الأرض يُصقل بحبات البَرَد ..
وريحٌ تعصفُ في الجوار ..
تتطايرُ أوراقُ الحنين ..
تنقلبُ صناديقُ الذكريات ..
يتوهُ الدفء في ممرات الشتاء
وينكسر غصن شجرتي ..
وأغدو اليوم بلا ظِلٍّ بلا أوراق ..
...
بانتظار الربيع ..
يحلو التصبر قرب جذوة من نار
إذ لا مجال للمسير على الأرض المجلدة
ولا طاقة لي بأن أسمع صوت تكسّر الأرض تحت قدميّ المتعبتين ..
ولا سبيل لإتعاب روح تكاد تخبو مثل شعلة
يبقيها بنورها كلّ اليقين
بأن الشتاء سيسحبُ رداءه يوماً ويمضي ..
وبأن أرضي ستذوق طعم العشب يمتدُّ على سطحها
وبأنها ستزين خصلات شعرها بزهر البراري
وستولد من جديد ..
...
أنا لن أستطيع اليوم جبر أغصاني المتكسرة
ولن أقو على هذا الألم
سأترك للزمان حلّ قضيتي
وأسعى بحب لأبقى كما أنا ..
لا تعكرني الليالي، ولا تبدلني الخطوب .

سمر محمد
10-05-2010, 08:49 PM
مَن يَمتلِكُ الفَرَح ؟!
نادرةٌ تلكَ اللحظات التي تمرُّ بك، فتشعرك كأنك ولدت من جديد ..
تفرحكَ حدّ البكاء، وتبكيكَ حد الحزن على فرح كهذا قد لا يعود..أجملُ ما في تلك اللحظات أنها صنعُ يديك، وأروع ما في الفرح أنه ليس ملكك، فهو لشخصٍ آخر ليس بالضرورة أن تعرفه، ولا أن يكون قريباً جداً أو طيباً جداً .. الجميلُ في كل هذا أنه قد فرح، وأنت كنت وسيلة فرحه.
.....
عندما تجلسُ وحيداً تتذكر حالته لحظة الفرح، تلك التعابير الجديدة على وجهه المُغلق، وقد امتلأ إشراقاً فجأة، فحاكى الفجر سطوعاً ..تتذكر ضحكاته اللاإرادية، مهما حاول كبتها، وكلماته الطائشة شرقاً وغرباً، وأحاديثه الملونة والمختلطة غير المتجانسة أحياناً .. تلك التي تحدث بها ليخبر بلغة أخرى أنه سعيد جداً لدرجة أنه يتكلم بعفوية ومرح وحب .. ذلك الشعور الذي ربما قد يئست من أن تتلمسه في داخله، وهو أنيس الصمت والوحشة والغربة منذ زمن ..
عندما تُجاريه فرحته، وتضحك بجنونٍ يباري جنون ضحكاته، وتشاركه أحاديثه التائهة في دائرة بلا مركز ..
عندما تتأمل كل ذلك .. تشعرُ بأنك سعيدٌ جداً .. وتغمرك رغبة ملحّة بأن تجهش بكاء ..!
.....
لماذا تطل الدموع في الفرح أكثر من الحزن؟
هل لأن الحزن أكبر من أن نبكي لأجله؟
أم لأن الفرح شحيح لدرجة أننا نبكي شوقاً له كلما زارنا كحبيبٍ أطال الغياب ..
ولماذا نفرح من أجلهم، أكثر من فرحنا لأجلنا ..؟!
ألأننا نرى صورة سعادتنا الغامضة في عيونهم؟ أم لأننا نجد فيهم أشباهنا ونظائرنا ولكن مع تغير في الملامح والأحداث .
......
الفرح .. ذلك الشّعورُ الرائع الذي نحنُّ إليه في وحدتنا، وأسفارنا وفي اللحظات الأصدق في حياتنا ..
الفرح ذلك السحر الذي يقلب الشّرّ في نفوسنا إلى خيرٍ أسخى من تساقط حبات المطر على أرض عطشى .. ذلك الخير الذي يجرف معه كل لحظات الحزن والألم والمعاناة التي قاسيناها قبيل حلوله ..الفرح هو من يجعل البشر لطفاء إلى أبعد حد، مهما كانوا قساة من قبل .
والفرح هو الذي يأتينا ببهرجة وأضواء مبهرة، نتألق فيها كأروع ما يمكننا أن نكون، مستسلمين للحظات الخدر تلك، فإذا مضت مضى أثرها، وعادت الطبيعة إلى حقيقتها، إلا عند من استطاع الاحتفاظ في قلبه بقبسٍ من ضوء اللحظة ..
وكم يذكرني هذا النوع من الفرح بمقولة لأحد الحكماء حين سُئِل :
هل شيء خير من الدراهم والدنانير؟ قال: نعم معطيهما. والكرماء هم سادة الناس وشموس الدنيا -
إنه وازعُ الخير وقد تجلى في روح نقيّة ، فتلاشى منها حبُّ الأنا، لما عرفت أن سعادة أكبر تنتظرها لما تمد جسور الفرح للآخرين بكل كرم وكل سخاء ..
إنها لحظات جديرة بالتأمل، لأنها تصقل جوهر الإنسان فيدرك أن من يهب السّعادة أشد فرحاً بعطائه من ذاكَ الذي يأخذها ..

سمر محمد
10-05-2010, 08:49 PM
تفاصيلٌ متميّزة في حياتنا
الجمعة, 18 جمادى الأولى, 1429
من ترسّبات الأحلام الكبيرة، يتشكل الفشل الكبير ..
ذلك أننا نُفتَنُ دائماً بالأشياء الكبيرة، تحتلُّ أفكارنا، وتطغى على رؤانا، وتقيّد تحركاتنا، لتجعلنا بشكلٍ أو بآخر عبيداً لها .
ليس عيباً أن نحلم، ولا أن نوسّع دوائر أحلامنا لتمتد في الآفاق واسعة ، وليست المشكلة فيما نختاره ليطغى على اهتماماتنا، فالإنسان الواعي عادة ما يتخيّر الأشياء المتميّزة التي تليق بإنسانيّته، لكن المشكلة تكمن في إهمالنا لكثير من التفاصيل الصّغيرة في الحياة، والتي نغض الطرف عنها غالباً لأنها صغيرة، أو لأن ضوء الاهتمامات الكبيرة هو ما يأسرنا، فيعمينا عن رؤيتها بشكلٍ نهائي ويقودنا إلى الفشل المحتم .
فالصعود للقمة لا يحصل عبر منطاد أو طائرة مروحيّة، إنما يكون نتيجة خطوات ثابتة ومتقاربة على سفح الجبال العالية، والارتقاء للأعلى لا يمكن تحقيقه بفعل معجزة، لأنه من الضروري تكثيف الجهود وإتقان العمل ليغدو متكاملاً ومتميزاً في آن معاً .
من رمالٍ ناعمة ملساء تُصنع القلاع الفاخرة، ومن الحجارة المتراصّة تُبنى الجُدر الحصينة، ومن الأيدي المتشابكة والقلوب المتلاحمة تنهض الأمم .. ومن أفكار إيجابيّة بناءة يتشكل الفكر الواعي ..
إننا عادة لا نأبه بالخطوة الإيجابية الواحدة، لأنها وحيدة لا تلفت الأنظار، ولا تحمل بريق المشروع الكبير، ولو أننا تأملناه عن كثب لوجدناه قد تأسس من خطوات متواصلة صبورة، وإيمانٍ قوي بالنجاح .
إن حالة الجهل المتفشية هذه الأيام ناجمة عن ماراثون الركض خلف ما نظنه الأفضل والأنسب بالنسبة إلينا، وما نعتقد بأنه يسبب لنا السعادة المطلقة، وكم من لحظات سعيدة تموت وتتلاشى على حساب اللحظة المنتظرة، كم من بسمة نقتلها بانتظار الفرح الكبير، وكم من كلمة طيبة نأسرها لننعم بقصيدة ثناء قد لا تُنظم أبداً ..
النهر الكبير تشكله قطرات صغيرة من الماء، وحياتنا نهر، وبأيدينا أن نحبس قطراته عن التلاحم والجريان وتحقيق النفع، كما بأيدينا أن نطلقها لنرسم حقيقة السعادة .. والنهاية تبقى الحكم !

سمر محمد
10-05-2010, 08:49 PM
بداية جديدة
الجمعة, 18 جمادى الأولى, 1429
عندما فقدتُ مدونتي القديمة، شعرتُ بأنني قد أضعتُ جزءً مني في مكانٍ لا أستطيع الوصول إليه ..
وأحسست بأنني حرمتُ من تلك العيون المضيئة التي رافقتني شهوراً طوالاً ..
اليوم .. استجمعت شجاعتي لأبدأ من جديد، لأفسح لقلمي مساحة حرّة يكتب بها على هواه ..
وسمحت لنفسي بأن تعيش التجربة مجدداً ..
لستُ متفائلة كثيراً من النتائج ..
لكنني سعيدة بالعودة، فكأنما كسرت حاجز الرهبة من تحطم الأشياء الجميلة في عالمي ..
لأصبح على يقين بأن كل جميل لابد وأن يعود، وإن لم يعُد، فستبقى ذكراه الحلوة راسخة في عمق القلب
في البدايات الجديدة عادة نجدد كل شيء ..
الروح والبسمة وخفقة القلب والمشاعر، وأهم من ذلك نجدد الهدف والنيّة والمقصد
، لكي ننعم بالراحة ونأنس بهذا الجديد الذي امتلكناه .. .
امتناني الكبير لكل من ساندني، ولكل من دعم بكلمة ..
واعتذاري للأحبة الذين لم أستطع شكرهم هناك ..
أنتم على الرحب والسّعة هنا ..

سمر محمد
10-05-2010, 08:50 PM
رَصَاصَةٌ مِن أجلِ غَزَّة ..

الإهداء
إلى كلّ من سانَدَ الحق فلم يرضخ لجبروتِ الباطل
إلى كلّ من قاسى القهر والتنكيل والأذى في سبيل قضيته
إلى الشّعب الأبيّ المحاصر في غزّة خاصّة، والشعب الفلسطيني المحاصر خلف حدود وطنه السّليب ..
إلى أرض الجولان التي مازلت أسمع عنها ولمَ أرها ..
وإلى الشعب العراقي الصابر ..
لكل من قُهروا واستضعفوا ولكنهم صمدوا فلم يستسلموا ..
إليهم أهدي رصاصتي هذه، لعلها تساندهم ولو بأقل القليل ..

نور الجندلي

فكرتُ بالأمرِ طويلاً، ثم انكفأتُ وتراجعت ..
محضُ جنونٍ أن أفعل .. وجنونٌ آخر .. كل ما يحدث ..
لستُ في زمنِ الفرسان الذين يحملون الرايات، ويقاتلون بالسيوف، ويدكون القلاع والحصون، ويحررون المدن المحاصرة ..
إنني في زمن الدبابة والمروحيّة وقاذفة الصواريخ والقنبلة النووية، إنني في زمن الموت بصمتٍ.. بذلٍ .. بانكسار ..
مقيّدةٌ أنا ، وكم يثقلني القيد هنا ..
قيد الزّمان، وقيد المكان ..
قيد العصر الذي لم يتسع لطموحاتي، ولم يحتضن أحلامي، أو ينصف تطلعاتي .. ولا تطلعات أي من أبناء جيلي ..
عصرٌ فيه الجُدُرُ مرتفعة، والحدودُ مُغلّقة، والضمائرُ نائمة، والشّعوبُ الأبيّة محاصرة .
مثقلة بالهمّ يتآكلني .. ككلِّ عربي، وكلّ مسلم ..
مثقلة بحبٍّ كبيرٍ يسكنني ليس بإمكاني أن أعبره، أو أتجاوزه، كي أنساه ..
حبٌّ توطد في قلبي منذ أن عرفتني الحياة، حبٌّ أتنفسه مع كل فجر، وأحيطه بدعائي قبل أن يأسرني سلطانُ النوم ..
حبٌّ لا أدري كيف نما ومن أين وإلى أين سيمتد !
يقيني الأوحد أنه النوع الحقيقي من الحب الذي كلما مرّت عليه الأيام كلما ترعرع ونما .. وهو خالدٌ .. يكبرُ في قلبي ولكنه أبداً لا يهرم ولا يشيب .
....
عندما يحبُّ المرء، فإنه يهب كل ذرّات كيانه لمن يحب، يستغني عن أغلى ما في حياته كي يبقى ..
يجوع لينمو هو ، ويعطش ليرتوي هو، ويقاسي التعب والحرمان والأذى، حتى يبقى الحب كما هو سليماً دون أذى .
الحب هو الذي يجعلنا تارة كالشياطين، نزبد ونرعد، نزلزلُ ما حولنا، ندمّر بجنونٍ جارفٍ كلّ من يخدش سموّ العاطفة ..
وهو ذاته الذي يجعلنا مسالمين لطفاء محبين حتى أبعد غاية ..
ولذلك فلا غرابة إن قيل بأن هذه العاطفة أخطر على البشر من مفعول قنبلة ذرّية، لأنه الدافع الذي يجعل المرء يستغني عن كل شيء، حتى عن نفسه – إذا توجّب الأمر- من أجل حمايته .
إنه أسطورتنا الرائعة، وطفلنا المدلل، والأوكسجين الذي يشعرنا بأننا أحياء ..
وهو صوتُ الضمير عندما يتكلم، يقلبنا على جمره، يقرعنا بحقيقته، فلا نملك إلا أن ننصاع لأمره، لأننا أمّة تعرف الحقيقة، وما وراء الحقيقة، أمّة الفراسة وسرعة البديهة، فإننا وإن خُدعنا تارة بحبنا فلا نلبث وأن نكتشف الحقائق، ونعود لرشدنا .
.....
لكنني الليلة لم أرغب أبداً أن أعود لرشدي، فقد رأيتُ الثورة هي الحلّ الأنسب !
قلبتُ الأمور في فكري وخاطري، وشاورتُ للحظة عقلي، ولم أدعه كثيراً ليتكلم في غير دوره، ويغرقني بفلسفاته، فقد هيأتُ له كلمة أخرى على ذات المنبر، ولكن .. ليس الآن، فالآن أوان الجنون، حيث الكلّ يعاني سكراته، والكل يتقلب تحت حممه ..
جنونٌ أن لا أفكر كيف أحمي إخوتي في غزّة، وأن لا أتقلب في فراشي يمنة ويسرة تحرّقني الفكرة، وتقض مضجعي القضيّة، وغمدي خالٍ لا سيف فيه، ولا أملك سوى هذا السلاح .. سلاح الكلمة ..
أجدني أحمل قلم الحبر ثقيلاً، أحاولُ أن أجعل منه سهماً ينفذ إلى قلوبهم، أحاولُ أن أحيي كل الأفكار النائمة لتنتفض مجدداً، وتغدو حقيقة وعملاً ..
مللتُ من الكتابة، كما ملّوا من القراءة ..
مللنا جميعاً من الكلام .. وآن أوان أن نفعل شيئاً .
اكتفينا من حالة التألم بصمت أمام الشاشات، وأتعبتنا أوراق الجرائد، أرهقتنا وكالات الأنباء، أحرقنا الإعلام بما يبثّه اللحظة تلو الأخرى من أخبار ..
بإمكان المرء أن يبلغ بفقد أخٍ أو صديق له فيتحامل على نفسه ويتجلد، لكن ليس بإمكانه أبداً أن يتلقى الخبر كل دقيقة فلا يتحطم ..
الأخبار تجلدنا بسياطٍ شتّى، قتل وإرهاب وتجويع وتشريد، وقد انقسمنا إلى قسمين: قسم يحترق ويتلاشى بصمت كئيب، وقسم قد اعتاد هذه الأخبار، وغدت في نظره أمور عادية يسمعها ويشاهدها كل يوم فما عادت تترك الأثر الذي تركته أول مرة .
لا نملك أي شيء !
لا نقوى على فعل شيء !
إنهم محاصرون خلف حدودهم، ونحن ضعفاء لا يمكننا اختراقها، لا يمكننا مجابهة أسلحتهم، وعدتهم وعتادهم، فلنسأل الله أن يعينهم، ولنهتم بمشكلاتنا الخاصة، فتلك الأمور تستهلك منا الكثير من التفكير ..
ليست هذه الأفكار من اختلاقي، بل هي الحقيقة التي ألمسها في كل مكان ..
غزّة تحت الحصار، ونحن نسوح في الأرض نجول مدائن العالم، نزور معالم المدن وملاهيها، نضحك ملء أفواهنا وننام ملء عيوننا ولا نأبه للعيون الساهرة هناك ..
غزّة جائعة لا مدد فيها ولا طعام، أطفالها يصرخون، يتلوون من ألم الجوع وموائدنا مفتوحة، والطعام الذي نلقيه في الحاوية بعد كل وليمة يطعم حيّاً كاملاً ..
غزّة بحاجة لدواء وإسعافات طبيّة، ونحن أصحاء نتقلب في رغد العيش، نستهلك شبابنا للهو وعبث ..
قد وصل بنا الترف في صحتنا لأن أصبح معظم شبابنا وفتياتنا من المدخنين، وعن المخدرات والمسكرات فحدث ولا حرج..
الصحة والمال والفراغ كلها بين أيدينا، ونحن الجيل المدلل، يطلب فيُعطى، ويأمرُ فيُطاع .
غزة تدفن شهداءها كل ساعة، ونحن ندفن ضمائرنا كل لحظة، ولا نترحم عليها ..
......
المعاناة هناك حكاية طويلة لا تتسع لها الصفحات، وأحيانا تتحدث الصورة فتقول ما لم يُقل من قبل ..
حظر التجول والنوم تحت الظلام، العقوبات الاقتصادية.. الهدم والتشريد ، إغلاق المعابر، التقتيل الأعمى للنساء وللشيوخ والأطفال .. وخنق المصلين في المساجد والمرضى في المستشفيات بالغاز المسيل للدموع ..
كلها مآسٍ لا يخبرنا بكل تفاصيلها الإعلام، فالصحافة ممنوعة من أداء دورها المطلوب، والحصار يشمل كل شيء دونما استثناء ..
وكل هذا وغزة تقاوم ببسالة، تتحامل على جراحها، ولا يركعها أي حصار ..
ففيها قوم استعذبوا حياة النضال، ووسموا تاريخهم بأمجاد وبطولات، خطّتها دماء الشهداء ..
غزة الأبيّة وإن نامت في ظلمة فسُرُجُ الحق فيها مضاءة، وإن استحالت إلى سجنٍ كبير فقلوب من فيها تطير في فضاءات الحريّة، تلك الحرية المتمثلة بالصمود والمقاومة..
غزّة إن قتل أهلها تزغرد دامعة، فقد زفّتهم إلى حور الجنان ..
وإن قيدوا معصمها بأغلال وحديد، فهي أقوى من أن يوجعها القيد، لأنها تدرك أن القيد الحقيقي هو قيد الباطل..
إنها تحدّق في عيون الجُبناء طويلاً لتخبرهم بأن شجاعتها ستخضعهم، وهي في معاناتها تخطُّ بكل أبجديات الحروف نبلاً وشهامة وإصراراً ..
غزّة لا تحتاجنا خُشباً مسنّدة ...
إنها تريد أرواحاً مساندة ..
فماذا بوسعنا أن نقدم لغزّة ؟ وكيف بوسعنا إعانتها ؟ لنحتفل بها ومعها بالنصر ..

النّصر .. ذلك الحلم الذي يراودنا كل لحظة، نشتاق لأن نعيشه بكل جوارحنا، نشتاق لوقعه في قلوبنا، ولكن من أين لنا به، ونحن نريده معلباً جاهزاً دون أن نتحرك خطوة واحدة إليه ..
للنصر صنعة يجب أن نتعلمها، وطرق علينا أن نسلكها كي نحققه ..
والخطوة الأولى إليه تتمثل بالرجوع إلى أنفسنا، والرغبة الملحّة في تغيير الخطأ في ذواتنا، واستبداله بالشيء الصحيح ..
نحن نعيش مع الخطأ اللحظة باللحظة، ولا نفكر أن نغيره، فمازلنا في مقتبل العمر، وفي الأيام متسع لنتجدد .. والتوبة يقبلها الله فعلام العجلة ؟!
تلك العبارات لطالما رددناها وأعطيناها لضمائرنا على شكل جرعات مسكنة لآلامها..
وتلك العبارات هي التي تشل حركتنا، وتحد من تقدمنا ووصولنا إلى ما نريد ..
فلنمحها بممحاة الإصرار، ولتكن تلك الآلام التي نعيشها دافعاً للتغيير ..
تغيير الخطأ وبناء النفوس مجدداً بناء قوياً متماسكاً لا تهدمه الرياح، بناء منيع ضد أية قوة تهدده، بناء محصن ضد الشيطان وما يلقيه في نفوسنا من خراب، هذا البناء يجب أن يؤسس على التقوى، وأن تكون كل لبنة فيه قائمة على الصدق والإيمان والمحبة..
إن نجحنا في رفعه فسننجح حتماً في تطوير مجتمعاتنا التي تتوق لتماسكنا معاً، وتشتاق لأبناء مخلصين يعمرونها بالعلم والأخلاق والتمسك الصحيح بالشرع القويم .
نحن ندافع عن غزة ونحن نتوج أعمالنا بالإخلاص، ونكمل مسيرتنا بالإصلاح، ومكافحة كل ألوان الفساد ..
نحن إن فعلنا فسنغدو قوة ترهب العدو، ولاشك وأنه سيحسب لها ألف حساب.
ومن هذه النقطة سيبدأ التغيير ..
وسيشكل كل فرد منّا دعامة تحمي الأمة.
وهو يمتلك سلاح الإيمان فأية قوة تراها قد تقهره ؟
....
أما عن السلاح الثاني..
فلكم قصّرنا فيه، وكم تكاسلنا عنه، وكم فترت عزائمنا في تقديمه لإخواننا هناك ..
سلاح الدعاء ..
بخلنا بالدعاء وقد علمنا أن الله قريب، يجب دعوة الداعي ..
بخلنا ونحن نعلم أثر الدعاء ..
ألا يكفي منه أن يُشعر إخواننا هناك بأننا نذكرهم في جوف الليل بدعوة صدق ؟
ألا يمدهم ذلك بالحماس والقوة ..!
فلترتفع أكفّنا كل ليلة بإيمان ورجاء ألا يخذلنا الله وينصر إخواننا ويسددهم، ولتلهج قلوبنا داعية في لحظات الإجابة، ولنذكرهم في سجداتنا، وليكن منا توبة وإلحاح ويقين بالإجابة، فلن يخذلنا الله إن فعلنا وقد وعد عباده أن يجيب دعاءهم .
....
سلاحٌ آخر نحتاجه ..
بعيداً عن التبرعات الماديّة، وإن كانت غزّة أحوج ما تكون إليها، إلا أنها أمرٌ مطلوب ومسلّم به، لكن هنالك سلاح اقتصادي آخر بوسعنا أن نعين به إخواننا هناك ..
سلاح المقاطعة للبضائع الأمريكية ..
ونحن حين نقاطع سلعة نبعد بها رصاصة موجهة إلى رأس طفل..
ونحن حين نقاطعهم نشل اقتصادهم، نربكُ حركتهم، نخبرهم بأننا قد لا نستطيع أن ندافع بشكل حي عن إخواننا هناك، لكن بوسعنا أن نتحد على كلمة واحدة، ورأي واحد، وهدف واحد .. هو المقاطعة !
....
لقد اكتفينا من حالة الاغتراب عن هويتنا، واشتقنا لوحدة القلوب ..
أنهكتنا الخيبات المتلاحقة وقلة المبالاة، وامتدت غابة واسعة من الاغتراب داخل كل شخصٍ منّا ..
اغتراب عن هويتنا، عن عالمنا المحيط، وهذه الغابة تحديداً قد حجبت ضوء الحقيقة من أن يتسلل إلى الجذور، وها نحن نمضي في صقيع ..
قد جرفتنا مادتهم بعيداً عن عالمنا وتقاليدنا وتراثنا، فاحتلت كل بقعة في أرواحنا، واستعبدتنا ببطشها اللذيذ فأغرقتنا في قاعها ..
لمحنا الغرب يتقدم بعدّته وعتاده إلينا، فأفسحنا له في مجالسنا، ورحبنا به، بكل أفكاره، أعرنا له سمعنا وأبصارنا وأفئدتنا فاختطفها، وجعلها سجينة بطشه ..
انتزعنا من جذورنا بقوّة ما يحمله معه أدوات سلبتنا العقل والوعي، وحرمتنا صفاء التفكر باللحظة، وسرنا معه، مأخوذون بكل تفاصيله ..
بالفكرِ والحضارة والعلم والتقدم، حتى نوع الطعام وشكل الثياب.
خلعنا حضارتنا الأصيلة، وارتدينا هشاشتهم، واستبدلنا لغتنا العظيمة بخليطٍ من لغاتهم، أردنا أن نقلد فقط، أن نكون نسخة مشابهة لهم ..
ونسينا أننا أمة التاريخ والتقدم والحضارة، وبأننا نحن من صدرنا لهم العلم منذ قرون ..
وقد آن أن نثبت لأنفسنا قبل أي أحد آخر بأننا أمة لها جذور ..
وبأننا نمتلك الخيرات والموارد مما يغنينا عن بضائعهم، وبأننا نهتم بما يحدث، ولن ندع الأمر يمضي دون أن نضع بصمتنا، ونعلن تخلينا عن بضائعهم، ونتحد بقرارنا حتى يراه ويسمعه العالم بأسره .
نحن من أمة الإسلام، أمة السلام، ننتمي للدين بقوة ليقيننا أنه دين الحق، نبراسنا قرآننا، وتعاليمنا مستقاة من كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ..
نحبّه بكل ذرات كياننا .. نحبه لما بلغنا وأرشدنا ودلّنا ووجهنا ..
نحب أخلاقه وفيها نقتدي، وتبهرنا أعماله، وعلى خطاها نسير، ومهما حاول الغرب أن يشوه صورته، ويحاربنا برسومات حاقدة، ظنّاً منهم بأنهم سينالون منا، ويفرضون حصارهم النفسي علينا، كما فرضوه على غزّة، وبأنهم إن فعلوا فهم يشوهون صورتنا .. فلن يستطيعوا ..فقد تكفل الله تعالى أن يدافع عنه، وتكفل بخلود القرآن ووعد بنصر الإسلام .. الذي سيبقى بتعاليمه الصورة المشرقة مهما حاولوا التشويش عليها ..
إنها ثوابتنا .. آمنا بها وصدّقنا ..
ومهما قاست أمتنا من نكبات، أو تعرضت لنكسات، سنصبر ونثبت ..
سيرافقنا الشموخ في كل خطوة، وستضيء قلوبنا بنور الإيمان ..
وسنتحد لنداوي جراحنا، ونلملم شتات أنفسنا، ونعيد أمجاد الإسلام بسلاح منبعه قلوبنا لننتصر من جديد ..
.....
وماذا بعد ..
لقد قررت اليوم أن أحملَ قلمي لأجعل منه رصاصة، أصوبها إلى كيان العدو، وقد كنتُ أفكرُ من قبل أن أحرم إسرائيل من رصاصٍ تصوبه إلى رؤوس وقلوب من أحب ..
فكرتُ أن لا تكون رصاصة طائشة، بل قويّة وحقيقيّة ومركزة كل التركيز على الرأس، ولكن أنى لي أن أفعل ؟ أنى لي أن أصوب رصاصتي وحيدة ..
لأنني وإن فعلت فقد تسدد ولا تصيب، وإن فعلت في هذه الضوضاء فلن يسمع لدويّها صدى ..
لذلك كل ما آمله أن نتّحد ولو لمرّة واحدة، أن نلملم شتاتنا للحظة، أن نصغي لأصوت ضمائرنا لوهلة ..
عندها سيتحول كل فرد منا إلى رصاصة، رصاصة ليست طائشة أبداً .