المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر إيليا أبو ماضي


سمر محمد
10-09-2010, 05:14 AM
ولد إيليا ضاهر أبي ماضي في المحيدثة في المتن الشمالي في جبل لبنان عام 1889 وهاجر إلى مصر سنة 1900م وسكن الإسكندرية وأولع بالأدب والشعر حفظاً ومطالعة ونظماً. أجبره الفقر أن يترك دراسته بعد الابتدائية، فغادر لبنان إلى مصر ليعمل في تجارة التبغ، وكانت مصر مركزاً للمفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك، نشر قصائد له في مجلاتٍ لبنانية صادرة في مصر، أهمها "العلم" و"الاكسبرس"، وهناك، تعرف إلى الأديب أمين تقي الدين، الذي تبنى المبدع الصغير ونشر أولى اعمال إيليا في مجلته "الزهور"
أصدر أبو ماضي أول دواوينه الشعرية عام 1911، بعنوان "تذكار الماضي"، وكان يبلغ من العمر 22 عاماً، شعره السياسي والوطني جعله عرضةً لمضايقات السلطة الرسمية، فهاجر عام 1912 إلى أمريكا الشمالية، وصل أولاً إلى مدينة سينسيناتي، وهناك عمل مع أخيه مراد في التجارة، وتنقل بعدها في الولايات المتحدة إلى ان استقر في مدينة نيويورك عام 1916 وهناك عمل نائباً لتحرير جريدة مرآة الغرب وتزوج من ابنة مالكها السيدة دورا نجيب دياب وأنجبت له اربعة أولاد.
تعرف إلى عظماء القلم في المهجر، فأسس مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الرابطة القلمية، التي كانت أبرز مقومات الأدب العربي الحديث، وتعتبر هذه الرابطة أهم العوامل التي ساعدت أبي ماضي على نشر فلسفته الشعرية.
في 15 أبريل 1919، قام إيليا أبو ماضي بإصدار أهم مجلة عربية في المهجر، وهي"مجلة السمير" التي تبنت الأقلام المغتربة، وقدمت الشعر الحديث على صفحاتها، واشترك في إصدارها معظم شعراء المهجر لا سيما أدباء المهجر الأمريكي الشمالي، وقام بتحويلها عام 1936 إلى جريدة يومية. امتازت بنبضها العروبي. لم تتوقف "السمير" عن الصدور حتى فارق الشاعر الحياة بنوبة قلبية في 13 نوفمبر 1957.
تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة، وأصدر عدة دواوين رسمت اتجاهه الفلسفي والفكري أهمها:
"تذكار الماضي" (الإسكندرية 1911): تناول موضوعات مختلفة أبرزها الظلم، عرض فيها بالشعر الظلم الذي يمارسه الحاكم على المحكوم، مهاجماً الطغيان العثماني ضد بلاده.
"إيليا أبو ماضي" (نيويورك 1918): كتب مقدمته جبران خليل جبران، جمع فيه إيليا الحب، والتأمل والفلسفة، وموضوعات اجتماعية وقضايا وطنية كل ذلك في إطار رومانسي حالم أحياناً وثائر عنيف أحياناً أخرى، يكرر شاعرنا فيه تغنيه بجمال الطبيعة.
"الجداول" (نيويورك 1927): كتب مقدمته ميخائيل نعيمة.
"الخمائل" (نيويورك 1940): من أكثر دواوين أبي ماضي شهرةً ونجاحاً، فيه اكتمال نضوج ايليا أدبياً، جعله شعر التناقضات، ففيه الجسد والروح، والثورة وطلب السلام، والاعتراف بالواقع ورسم الخيال.
"تبر وتراب"
"الغابة المفقودة"
" قصص الأغرش ومرأته الهبلة " "مغامرات احمص مع مجمع الهندى"
يسميه النقاد: شاعر الأمل والتفاؤل (قال السماء كئيبةً وتجهمَ، قلت ابتسم يكفي التجهم في السما، قال الصبا ولّى فقلت له ابتسم، لن يرجع الأسف الصبا المتصرّما)كان الجمال حاضراً في أغلب أعمال أبي ماضي، وامتاز بعشقه للطبيعة (يا ليتني لصٌ لأسرق في الضحى، سرَّ اللطافة في النسيم الساري، وأَجسَّ مؤتلق الجمالِ بأصبعي، في زرقة الأفقِ الجميلِ العاري) وجعله قريناً بكل شيء، ويوصف بأنه كان يحمل روح الشرق في المهجر، حمل هم أمته، فكتب لمصر عندما هددها الطغيان: (خَلِّني أستصرخُ القومَ النياما، أنا لا أرضى لمصرٍ أن تُضاما، لا تلُم في نصرة الحقِ فتىً، هاجه العابثُ بالحق فلاما).
كما لم ينس أوجاع الفقراء والمسحوقين فكتب لهم كثيراً وجعلهم من ثوابت قلمه المبدع (وإن هم لم يقتلوا الأشقياء، فيا ليت شعريَ من يقتلونْ، ولا يحزننكمُ موتُهمْ، فإنهمُ للردى يولدونْ، وقولوا كذا قد أراد الإله، وإن قدر الله شيئا يكونْ).
أما الوطن، فلم يغب، فكان لبنان محور يوميات ايليا أبو ماضي، (اثنان أعيا الدهر أن يبليهما، لبنان والأمل الذي لذويه) وأجاد مع الحرب العالمية في ترجمة الحنين إلى العائلة والأرض شعراً: (يا جارتي كان لي أهلٌ وإخوان، فبتت الحرب ما بيني وبينهم، كما تقطع أمراس وخيطان، فاليوم كل الذي فيه مهجتي ألم، وكل ما حولهم بؤس وأحزان، وكان لي أمل إذا كان لي وطن) وكتب عنه الشاعرالعراقي المعروف فالح الحجية في موقعه (إسلام سيفلايزيشن) \شعر ابي ماضي جيد الأسلوب تغلب عليه روح التفاؤل والرومانسية وقد كتب في اغلب الفنون الشعرية وخاصة في المجالات الوطنية ونقد المجتمع)
نصل إلى الحب، كانت تجارب أبي ماضي قاسيةً عاطفياً، ولكنه احتفظ بالأمل الذي لم يفارق كتاباته، فكان يخرج دوماً حالماً مبرراً القسوة والانكسار جاعلاً منه قلعة تفاؤل وتمسك بالحب، رغم أنه لم ينف الحزن في قلبه، الا انه ميزه عن اليأس، (إنما تلك أخلفت قبل ليلين من موعدي، لم تمت لا وإنما أصبحت في سوى يدي).يوميات اليوم في اذار المجسد فهي على اصناف اختلافاتها فليوم
إيليا أبو ماضي، هو الشاعر الفيلسوف، كان ذو رؤيةٍ فلسفية لكل شيء، فله في الموت فلسفة وفي الكون والوجود، وفي السياسة وفي المجتمع وفي الحب، آمن أن الإنسان خالد وأن الموت ليس آخر المطاف، بل تكملة للمسيرة، شارك جبران خليل جبران في ايمانه بالتقمص والعودة بأشكالٍ حياتية أخرى، خصص مساحةً من شعره للماورائيات، عادى التعصب والطائفية، ونبذها في قصائده مبشراً بديانة الإنسان!

نستطيع أن نجزم أخيراً، ان ما تعرضنا له، هو أحد أهم معالم الشعر الحديث، ومادة النقد الدسمة التي احتار فيها النقاد، فإيليا أبو ماضي طوب بفلسفته وحكمته وعبقرية عباراته ونظرياته، طوب نفسه قديس الشعر، والمغامر الذي جعل الشعر رسالةً فلسفية، وكسر جماد الشعر القديم وكيفه مع الحداثة، في مزيجٍ حضاري بين الغرب والشرق. وقلده في ذلك الكثيرون من الشعراء وحذوا حذوه ومنهم الشاعر الفلسطيني سمير لطفي موسى حيث ترجم له للإيطاليه العديد من الاعمال كما نجزم أن أبو ماضي، هو شاعر القضية، قضية الوطن والجمال والثورة الاجتماعية والحب.
توفي سنة 1957.رحمه الله في مصر

سمر محمد
10-09-2010, 05:17 AM
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> السجينة
رآهــا يـحـلُّ الفـجـرُ عـقــد جفـونـهـا = ويُـلـقـي علـيـهـا تــبــرهُ فــيــذوبُ
وينـفـض عــن أعطافـهـا الـنـورَ لـؤلـؤاً = مـن الـطـلِّ مــا ضُـمـت علـيـه جـيـوبُ
فعالجـهـا حـتـى اسـتـوت فـــي يمـيـنـه = وعــاد إلــى مغـنـاه وهـــو طـــروبُ
وشــاء فأمـسـت فــي الإنــاء سجـيـنـةً = لتـشـبـع مـنـهــا أعــيــنٌ وقــلــوبُ
فليـسـت تحـيـي الشـمـس عـنـد شروقـهـا = وليـسـت تحـيـي الشـمـس حـيـن تـغـيـبُ
ومــن عُصـبـت عيـنـاه فالـوقـت كـلــه = لــديــه وإن لاح الـصـبــاحُ غــــروبُ
لهـا الحجـرة الحسنـاءُ فــي القـصـر إنـمـا = أحـــب إلـيـهـا روضــــةٌ وكـثـيــبُ
وأجـمـل مــن نــور المصابـيـح عنـدهـا = حُبـاحـبُ تمـضـي فــي الـدجـى وتــؤوبُ
وأحلـى مــن السـقـف المـزخـرف بالـدمـى = فـضـاءٌ تـشـع الشـهـبُ فـيــه رحـيــبُ
تـحـنُ إلــى مــرأى الغـديـر وصـوتــه = وتُـحــرم مـنــه ، والـغـديـر قــريــبُ
وكـانـت قلـيـل الـطـل ينـعـش روحـهــا = وكـانــت بمـيـسـور الـشـعـاع تـطـيـبُ
تمشـى الضنـى فيهـا وأيــار فــي الحـمـى = وجـفــت وسـربــال الـربـيـع قـشـيـبُ
إســارك يــا أخــت الرياحـيـن مـفـجـعٌ = ومـوتـك يــا بـنـت الـربـيـع رهـيــبُ

سمر محمد
10-09-2010, 05:19 AM
الغابة المفقودة
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ= كنتُ وهنداً نلتقي فيها
أنا كما شاءَ الهوى والصبا =وهيَ كما شاءَتْ أمانيها
تكادُ من لُطْفِ معانيها=يشربُها خاطرُ رائيها
آمنتُ باللهِ وآياتهِ =أليسَ أنّ اللهَ باريها ؟
***
نباغتُ الأزهارَ عند الضحى= متَّكئاتٍ في نواحيها
ألوى على الزَنْبقِ نَسرِينُها=والتفَّ عاريها بكاسيها
واختلجتُ في الشمسِ ألوانها= كأنَّها تذكرُ ماضيها
تآلفتْ ، فالماءُ من حولها=يرقصُ والطيرُ تغنِّيها
مَنْ لقَّنَ الطيرَ أناشيدها؟= وعلَّمَ الزهرَ تآخيها؟
يا هندُ هذي معجزاتُ الهوى=وإنَّها فينا كما فيها
لا تستحي الزهرُ بإعلانها=فما لنا نحنُ نواريها ؟
وتهِتفُ الطيرُ بها في الربى= فما لنا نحن نعمِّيها ؟
للهِ فيْ الغابةِ أيَّامُنا= ما عابَها إلا تلاشيها
طوراً علينا ظلُّ أدواحها=وتارةً عطفُ دواليها
وتارةً نلهو بأعنابها =وتارةً نُحصي أقاحيها
تسكتُ إذ نشكو شحاريرُها = كأنَّما التغريدُ يؤذيها
وإنْ تضاحكنا سمعنا الصُّدى= يضحكُ معنا في أقاصيها
وإنْ مَشَيْنا فوقَ كثبانها =لاحتْ فَشاقَتنا أدانيها
وفوقَنا الأغصانُ معقودةٌ= ذوائبٌ طالَ تدلِّيها
إذا هَزَزْناها عن غُرَّةٍ=ألقتْ من الذُّعرِ لآليها
نسيرُ من كهفٍ إلى جدولٍ=نكتشفُ الأرضَ في حواشيها
وتختبي هندٌ فأشتاقها = وأختبي عنها فأُغريها
كم أوهمتني الخوفَ من طارئٍ= تشجي بذا نفسي فتشجيها
فرحت أعدو نحوَهَا مشفقاً= فكانَ ما حاذرتُ تمويها !
فاعجب لأطواري وأطوارِها= تعبثُ منِّي وأُجاريها !
***
أَللهُ لو دامَ زمانُ الهوى= ودامَ من هندٍ تجنِّيها
لا غابتي اليومَ كعهدي بها= ولا التي أحْبَبْتُها فيها
ولا تلالٌ كنهودِ الدُّمى= ولا سفوحٌ كتراقيها
ولا الندى درَّ على عُشبها = ولا الأقاحي في روابيها
ولا الضُّحى يُلقي على أرضِها = شباكَ تِبْرٍ مِنْ أعاليها
أهبَطني أمسُ إلى حضنِها = شوقي إلى شَجْعِ قماريها
قد بدَّلَ الإنسانُ أطوارها =واعتصبَ الطيرَ مآويها
وفتَّ بالبارودِ جلمودَهَا = واجتثَّ بالفأسِ دواليها
وشادَ من أحجارِها قريةً=سكَّانُها الناسُ وأهلوها
***
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ= كنتُ وهنداً نلتقي فيها
جنَّةُ أحلامي وأحلامِها= ودارُ حبِّي وتصابيها
نبكي من اليأسِ على شوكِها= وكانَ يُدميني ويُدميها
كانتْ تغطِّينا بأوراقِها = فصارتِ الدورُ تغطِّيها !

سمر محمد
10-09-2010, 05:22 AM
فلسطين

ديارُ السلامِ ، وأرضُ الهنا = يشقُّ على الكلِّ أنْ تحزنا
فَخَطْبُ فلسطينَ خطبُ العلى = وما كانَ رزءُ العُلى هيِّنا
سَهِرنْا لَهُ فكأنَّ السيوفَ = تخزُّ بأكبادِنا ههنا
وكيفَ يزورُ الكرى أعيناً = ترى حولَهَا للرَّدى أعينا ؟
وكيفَ تطيبُ الحياةُ لقومٍ = تُسدَّ عليهمْ دروبُ المنى ؟
بلادهمُ عرضةٌ للضَّياعِ = وأمَّتهمْ عرضةٌ للفنا
يُريدُ اليهودُ بأنْ يصلبوها = وتأبى فلسطينُ أنْ تذعنا
وتأبى المرؤةُ في أهلِها = وتأبى السيوفُ ، وتأبى القَنَا
أأرضُ الخيالِ وآياتِهِ = وذاتُ الجَلالِ ، وذاتُ السنا
تصيرُ لغوغائهمْ مسرحاً = وتغدو لشذَّاذِهمْ مَكْمنا ؟
بنفسيَ (أُردنُّها) السلسبيلُ = وَمَنْ جاوروا ذلكَ الأُردنا
لقد دافعوا أمسِ دونَ الحمى = فكانتْ حروبهمُ حربنا
وجادوا لكلِّ الذي عندهمْ = ونحنُ سنبذلُ ما عندنا
فقلْ لليهودِ وأشياعهم = لقد خدعتكمْ بُروقُ المنى
ألا لَيتَ (بلفورَ) أعطاهمُ = بلاداً لَهُ لا بلاداً لنا
(فلندنُ) أرحبُ من قُدسِنا = وأنتمْ أحبُّ إلى (لندنا)
ومنَّاكمُ وطناً في النجومِ = فلا عربيَّ بتلكَ الدنى
أيسلبُ قومَكم رشدَهمْ = ويدعوهُ قومكمُ محسنا ؟
ويدفعُ للموتِ بالأبرياءِ = ويحسبهُ معشرٌ دِّينا ؟
ويا عَجَباً لكمُ توغرونَ = على العَرَبِ (التامزَ والهدسنا)
وترمونهمْ بقبيح الكلامِ = وكانوا أحقَّ بضافي الثنا
وكلُّ خطيئاتهمْ أنَّهمْ = يقولونَ ؛ لا تسرقوا بيتنا
فليستْ فلسطينُ أرضاً مشاعاً = فَتُعطى لمنْ شاءَ أن يسكنا
فإنْ تطلبوها بسمرِ القنا = نردُّكمُ بطوالِ القنا
ففي العربيِّ صفاتُ الأنامِ = سوى أنْ يخافَ وأنْ يجبُنا
وإنْ تحجلوا بيننا بالخداعِ = فلنْ تَخْدعوا رجلاً مؤمنا
وكانتْ لأجدادنا قبلَنا = وتبقى لأحفادِنا بعدنا
وإنْ لكمْْ بسواها غنى = وليسَ لنا بسواها غنى
فلا تحسبوها لكُمْ موطناً = فلمْ تكُ يوماً لكمْ موطنا
وليسَ الذي نَبْتغيهِ مُحالاً = وليسَ الذي رُمتمُ ممكنا
نصحناكُم فارعووا وانبذوا = (بليفورَ) ذيَّالكَ الأرعنا
وإمَّا أبيتمْ فأُوصيكمُ = بأنْ تحملوا معكمُ الأكفنا
فإنَّا سنجعلُ من أرضِها = لنا وطَناً ولكمْ مدفنا !

سمر محمد
10-09-2010, 05:24 AM
التينة الحمقاء
وتينة غضة الأفنان باسقةٍ = قالت لأترابها والصيف يحتضر
بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني = عندي الجمال وغيري عنده النظر
لأحبسن على نفسي عوارفها = فلا يبين لها في غيرها أثر
لذي الجناح وذي الأظفار بي وطر = وليس في العيش لي فيما أرى وطر
إني مفصلة ظلي على جسدي = فلا يكون به طول ولا قصر
ولست مثمرة إلا على ثقةٍ = أن ليس يطرقني طير ولا بشر
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه = فازينت واكتست بالسندس الشجر
وظلت التينة الحمقاء عاريةً = كأنها وتد في الأرض أو حجر
ولم يطق صاحب البستان رؤيتها = فاجتثها فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به = فإنه أحمق بالحرص ينتحر

سمر محمد
10-09-2010, 05:32 AM
أنا

حرّ ومذهب كلّ حرّ مذهبي = ما كنت بالغاوي ولا المعتصب
أني لأغضب للكريم ينوشه = من دونه وألوم من لم يغضب
وأحبّ كلّ مهذب ولو أنّه = خصمي، وأرحم كلّ غير مهذب
يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى = حبّ الأذية من طباع العقرب
لي أن أردّ مساءة بمساءة = لو انني أرضى ببرق خلب
حسب المسيء شعوره ومقاله = في سرّه : يا ليتني لم أذنب
أنا لا تغشّني الطيالس والحلى = كم في الطيالس من سقيم أجرب؟
عيناك من أثوابه في جنّة = ويداك من أخلاقه في سبسب
وإذا بصرت به بصرت بأشمط = وإذا تحدثه تكشّف عن صبي
إني إذا نزل البلاء بصاحبي = دافعت عنه بناجذي وبمخلي
وشددت ساعده الضعيف بساعدي = وسترت منكبه العريّ بمنكي
ورأى مساوئه كأني لا أرى = وأرى محاسنه وإن لم تكتب
وألوم نفسي قبله إن أخطأت = وإذا أساء إلّي لم أتعتّب
مقترب من صاحبي فإذا مشت = في عطفه الغلواء لم أتقرب
أنا من ضميري ساكن في معقل = أنا من خلالي سائر موكب
فإذا رآني ذو الغباوة دونه = فكما ترى في الماء ظلّ الكوكب

سمر محمد
10-09-2010, 05:34 AM
الطلاسم
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسأبقى ما شيا ان شئت هذا ام ابيت
كيف جئت؟ كيف ابصرت طريقي ؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حر طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنى أنني أدري ولكن ...
لست أدري!
وطريقي ما طريقي؟أطويل أم قصير ؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور؟
أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير
ام كلانا واقف والدهر يجري؟
لست أدري!
ليت شعري وأنا في عالم الغيب الأمين
أتراني كنت أدري أنني فيه دفين
وبأني سوف أبدو وبأني سأكون
أم تراني كنت لا أدرك شيئا؟
لست أدري!
أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويا
أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيئا
الهذا اللغز حل أم سيبقى أبديا
لست أدري ..... ولماذا لست أدري؟
لست أدري!
البحر:
قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟
أم ترى ما زعموا زورا وبهتانا وإفكا؟
ضحكت أمواجه مني وقالت :
لست أدري!
أيها البحر أتدري كم مضت ألف عليكا
وهل الشاطئ يدري أنه جاث لديكا
وهل الأنهار تدري أنها منك إليكا
ما الذي الأمواج قالت حين ثارت؟
لست أدري!
أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك
أنت مثلي أيها الجبار لا تملك أمرك
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك
فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟..........
لست أدري!
ترسل السحب فتسقي أرضنا والشجرا
قد أكلناك وقلناقد أكلنا الثمرا
وشربناك وقلنا قد شربنا المطرا
أصواب ما زعمنا أم ضلال ؟
لست أدري!
قد سألت السحب في الآفاق هل تذكر رملك
وسألت الشجر المورق هل يعرف فضلك
وسألت الدر في الأعناق هل تذكر أصلك
وكأني خلتها قالت جميعا :.........
لست أدري!
يرقص الموج وفي قاعك حرب لن تزولا
تخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولا
قد جمعت الموت في صدرك والعيش الجميلا
ليت شعري أنت مهد أم ضريح؟...........
لست أدري!
كم فتاة مثل ليلى وفتًى كابن الملوح
أنفقا الساعات في الشاطئ، تشكو وهو يشرح
كلما حدث أصغت وإذا قالت ترنح
أحفيف الموج سر ضيعاه؟..
لست أدري!
كم ملوك ضربوا حولك في الليل القبابا
طلع الصبح ولكن لم نجد إلا الضبابا
ألهم يا بحر رجعة أم لا مآبا
أم هم في الرمل؟ قال الرمل إني.....
لست أدري!
فيك مثلي أيها الجبار أصداف ورمل
إنما أنت بلا ظل و لي في الأرض ظل
إنما أنت بلا عقل ولي يا بحر عقل
فلماذا يا ترى أمضي وتبقى؟....
لست أدري!
يا كتاب الدهر قل لي أله قبل وبعد
أنا كالزورق فيه وهو بحر لا يحد
ليس لي قصد فهل للدهر في سيري قصد
حبذا العلم ولكن كيف أدري؟....
لست أدري!
إن في صدري يا بحر لأسرارا عجابا
نزل الستر عليها وأنا كنت الحجابا
ولذا أزداد بعدا كلما ازددت إقترابا
وأراني كلما أوشكت أدري.........
لست أدري!
إنني يا بحر، بحر شاطئاه شاطئكا
الغد المجهول ولأمس اللذان اكتنفاكا
وكلانا قطرة يا بحر في هذا وذاكا
لا تسلني ما غد ، ما أمس ...إني ....
لست ادري
ان يك الموت قصاصا ً اي ذنب للطهارة
واذا كان ثوابا ً ، اي فضل ٍ للدعارة
واذا كان وما فيه جزاءٌ او خسارة
فلمَ الاسماء اثم ٌ وصلاح ٌ
لست ادري
......
ايها القبر تكلم واخبريني يا رمام
هل طوى احلامك الموت وهل مات الغرام
من هو المائت من عام ومن مليون عام
ايصير الوقت في الارماس محوا ً
لست ادري
....
ان يك الموت رقاداً بعده صحوٌ جميل
فلماذا ليس يبقى صحونا هذا الجميل
ولماذا المرء لا يدري متى وقت الرحيل
ومتى ينكشف الستر فندري
لست ادري
........
ان يك الموت هجوعا يملأُ النفس سلاما
وانعتاقا لا اعتقالا وابتداءً لا ختاما
فلماذا اعشق النوم ولا اهوى الحمام
ولماذا تجزع الارواح منه
لست ادري
.........
أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور
فحياة فخلود ام فناءٌ فدثور
أكلام الناس صدقٌ ام كلام الناس زور
أصحيح ٌ ان بعض الناس يدري
لست ادري
......
ان اكن ابعث بعد الموت جثمانا وعقلا
اترى ابعث بعضا ام ترى ابعث كلا
اترى ابعث طفلا ام ترى ابعث كهلا
ثم هل اعرف بعد البعث ذاتي
لست ادري
.....
يا صديقي لا تعللني بتمزيق الستور
بعدما اقضي فعقلي لا يبالي بالقشور
ان اكن في حالة الادراك لا ادري مصيري
كيف ادري بعدما افقد رشدي
لست ادري
........
انني جئتُ وامضي وانا لا اعلم ُ
أنا لغزٌ، وذهابي كمجيئي طلسمُ
والذي اوجد هذا اللغز لغزٌ مبهمُ
لا تجادل ..ذو الحجى من قال اني
لست ادري ......

سمر محمد
10-09-2010, 05:35 AM
تلك السنون
تلك السنون الغاربات ورائي= سفر كتبت حروفه بدمائي
ما عشتها لأعدّها بل عشتها= لتبين في سمائها سمائي
سيّلن لو أني قنعت بعدّها =عمري وعمر الصخرة الصماء
ولبذّني يوم التفاخر شاطىء= ما فيه غير رماله الخرساء
لا حت لي العلياء في آفاقها= فأردتها دربا ألى العلياء
ومحبة للخير تسري في دمي =ورعاية للضعف والضعفاء
وعبادة للحق أين وجدته= والحسن في الأحياء والأشياء
لتدور بعدي قصة عن عاشق= رقصت به الدنيا جناح ضياء
نشر الطيوب على دروب حياته= وسرى هوى في الطيب و الأنداء
وأطلّ في قلب البخيل سماحة =وشجاعة في السلم والهيجاء
ومشى ألى المظلوم بارق رحمة =وهوى على الظلام سوط بلاء
متعوّ دنيا قد طوت آبائي =وتهش دنيا أطلعت أبنائي
تلك السنون ببؤسها ونعيمها= مالت بعودي وانطوت بروائي
أين الشباب ألفّ أحلامي به= ليس الشباب الآن لي برداء
نفسي تحس كأنما أثقالها قد= خيرت فتخيرت أعضائي
كم من رؤى طلعت على جنباتها =ركبا من الأضواء و الأشذاء
قلبت فيها بعد لأي ناظري= فتعثرت عيناي بالأشلاء
يا للضحايا لا يرفّ لموتها =جفن ولا تحصى مع الشهداء
ودعت للذّات الخيال وعفتها= ورضيت أن أشقى مع الحكماء
فعرفت مثلهم بأني موخد= بؤسي،وأني خالق نعمائي
...
إني أراني بعد ما كابدته= كالفلك خارجة من لأنواء
وكسائح بلغ المدينة بعدما =ضلّ الطريق وتاه في البيداء
شكرا لأصحابي فلولا حبهم= لم أقترب من عالم اللألاء
بهم اقتحت العاصفات بمركي= وبهم عقدت على النجوم لوائي
شكرا لأعدائي فلولا عيشهم= لم أدر أنهمو الغوغاء
نهش الأسى لما ضحكت قلوبهم= عرس المحبة مأتم البغضاء
ذني إلى الحسّاد أني فتّهم =وتركهم يتعثرون ورائي
وخطيئتي الكبرى إليهم أنهم= قعدوا ولم أقعد على الغبراء
عفو المروءة والرجولة أنني= أخطأت حين حسبتهم نظرائي
...شكرا لكلّ فتى مزجت بروحه= روحي فطاب ولاؤه وولائي
من كان يحلم بالسماء فإني= في قلب إنسان وجدت سمائي
ليس الجمال هو بذاته =الحسن يوجد حين يوجد رآء
ما الكون؟ ما في الكون لولا آدم= إلا هباء عالق بهباء
وأبو البرية ما أبان وجوده =وأنتم غايته سوى حواء
إني سكبت الخمر حين سكبتها= للناس ، لا للأنجم الزهراء
لا تشرب الخمر النجوم وإن تكن= معصورة من أنفس الشعراء
...
تلك السنون ، عقيمها كولودها= حلو ليّ، كذا يشاء وفائي
فالليلة العسراء من عمري وعم=ر الدهر مثل الليلة السمحاء
يا من يقول (ظلمت نفسك فاتئد)= دعني ، فلست بحامل أعبائي
إنّ الحياة الروح بعض عطائها= وأنا ثمار الروح كلّ عطائي
ما العمر؟ إان هو كالإناء وإنني= بالطيّب الغالي ملأت إنائي
فإذا بقيت ، فللجمال بقائي= وإذا فنيت ، ففي الجمال فنائي
...
للّه ما أحلى وأسنى ليلتي= هي في كتاب العمر كالطغراء
يا صحب لن أنسى جميل صنيعكم= حتى تفارق هيكلي حوبائي
وتقول عيني "قد فقدت ضيائي"= ويقول قلبي"قد فقدت رجائي"

سمر محمد
10-09-2010, 05:36 AM
الطبيعة
روض إذا زرته كئيبا=نفّس عن قلبك الكروبا
يعيد قلب الخليّ مغرا=و ينسى العاشق الحبيبا
إذا بكاه الغمام شقّت=من الأسى زهرة الجيوبا
تلقى لديه الصّفا ضروبا=و لست تلقى له ضريبا
و شاه قطر الندى فأضحى=رداؤه معلما قشيبا
فمن غصون تميس تيها=و من زهور تضوع طيبا
و من طيور إذا تغنّت=عاد المعنّى بها طروبا
و نرجس كالرقيب يرنو=و ليس ما يقتضي رقيبا
و أقحوان يريك درّا=و جلّنار حكى اللّهيبا
و جدول لا يزال يجري=كأنّه يقتفي مريبا
تسمع طورا له خريرا=و تارة في الثرى دبيبا
إذا ترامى على جديب=أمسى به مربعا خصيبا
أو يتجنّى على خصيب=أعاده قاحلا جديبا
صحّ فلو جاءه عليل=لم يأت من بعده طبيبا
و كلّ معنى به جميل=يعلّم الشاعر النسيبا
أرض إذا زارها غريب=أصبح عن أرضه غريبا

سمر محمد
10-09-2010, 05:37 AM
فردوسي
بنيت فردوسي وزخرفته=حتى أذاما تم ضّيعته
أجريت في أنهاره كوثرا=فذاقه الناس وما ذقته

سمر محمد
10-09-2010, 05:38 AM
فقيد الوطنية
بكيت ولكن بالدموع السخينة=وما نفذت حتى بكيت بمهجتي
على كامل الأخلاق والنّدب مصطفى=فقد كان زين العقل زين الفتوّة
نعاه لنا الناعي فكادت بنا الدّنى=تميد لّهول الخطب خطب المروءة
وذابت قلوب العالمين تلهّفا=وسالت دموع الحزن من كلّ مقلة
أجل قد قضى في مصر أعظم كاتب=فخلّف في الأكباد أعظم حسرة
ولو كان يفدى بالنفوس من الرّدى=جعلنا فداه كلّ نفس أبية
فتى مات غضّ العمر لم يعرف الخنا=ولم ينطوي في نفسه حبّ ريبة
وقد كان مقداما جريئا ولم يكن=ليغي الرّدى غير النفوس الجريئة
وكان جوادا لا يضنّ بحاجة=لذلك أعطى روحه للمنّية
سلام على مصر الأسيفة بعده=فقد أودعت آماله جوف حفرة
خطيب بلاد النيل مالك ساكنا=وقد كنت تلقي خطبة إثر خطبة؟
تطاولت الأعناق حتى اشرأبّت=فهل أنت مسديها ولو بعض لفظة؟
نعم كنت لولا الموت فارج كربها=فيا للرّدى من غاشم متعنّت
تفطّرت الأكباد حزنا كأنّما=مماتك سهم حلّ في كلّ مجة
وما حزنت أم لفقد وحيدها=بأعظم من حزني عليك ولوعتي
تناديك مصر الآن يا خير راحل=ويا خير من يرجى لدفع الملّمة
عهدتك تأبى دعوة غير دعوتي=فمالك تأبى( مصطفى) كلّ دعوة؟
فقد تك ريانا فيا طول لهفتي=لقد كنت سيفي في الخطوب وجنّتي
أجل طالما دافعت عن مصر مثلما=يدافع عن مأواه نحل الخليّة
فأيقظها من رقدة بعد رقدة=وأنهضتها من كبوة تلو كبوة
وقوّيت في أبنائها الحبّ نحوها=وكنت لهم في ذاك أفضل قدوة
رفعت لواء الحقّ فوق ربوعها=فضم إليه كلّ ذي وطنيّة
لئن تك أترعت القلوب محبة=فإنّك لم تخلق لغير المحبّة
فنم آمنا وفيت قومك قسطهم=فيا طالما ناموا وأنت بيقظة
سيبقي لك التاريخ ذكرا مخلدا=فقد كنت خير الناس في خير أمّة
عليك من الرّحمن ألف تحية=ومن أرض مصر ألف ألف تحيّة

سمر محمد
10-09-2010, 05:38 AM
قال ينقد أحدهم
لما سكت حسبت أنك تاج=هيهات إنّي كالمنون أفاجي
تاللّه تطمع بالسلامة بعدما=ألقاك جهلك في يد الأمواج
إن كان داخلك الغرور فإنّه=ما انفكّ في البسطاء والسّذاج
إني أنا الأسد الهصور بسالة=ويل لقوم حاولوا إحراجي
حاولت أن تهتاجني عن مربضي=لتنال ذكرا ، خبت يا ذا الرّاجي
عار إذا أنشبت فيك مخالبي=إذ ليس من خلقي افتراس نعاج
وظننت أنّك بالغ شأوي إذا=رمت القريض فما ظفرت بحاج
إنّ القوافي كالخرائد منعة=وتفوقها في نبذ كلّ مداج
والشعر تاج لو عامت ولم تكن=مّمن يليق بحمل هذا التاج
خذها مثّقفة إذا وقعت على=جبل لأزعج أيّما إزعاج
أنا خير من قال القوافي مادحا=أنا خير من قال القوافي هاجي
قد كنت أزهد في الهجا لو لم يكن=لك يا مريض العجب، خير علاج

سمر محمد
10-09-2010, 04:30 PM
هاتها
هاتها في القدح=نسمة في شبح
هاتها فالنّفس في=حاجة للفرح
واسقنيها كوثرا=وعلّي اقترح
إن تكن قد حرّمت=فعلى المستقبح
هي في سفرتها=طلعة المفتضح
وهي في حمرتها=كخديد المستحي
وهي في شدّتها=ثورة المجترح
وهي في رقّتها=خاطرا لم يلح
أتراها شفقا=كللت بالصّبح
أم هي الوجنات قد=ذوبت في قدح؟

سمر محمد
10-09-2010, 04:31 PM
حكاية قديمة
وربّت أمريكيّة خلت ودّها=يدوم، ولكن ما لغانية ودّ
صبوت إلى هند فلمّا رأيتها=سلوت بها هندا وما صنعت هند
وأوحت لها عيناي أنّ صبابة=تلجلج في صدري وأحذر أن تبدو
فألقت إلى أترابها وتبسّمت=أعي سكوت الصّب أم صمته عمد؟
فقلت سلام اللّه ، قالت وبرّه=فقلت : أهزل ذلك القول أم جدّ
وأمسكت أنفاسي وأزهقت مسمعي=ففي نفسي جزر وفي مسمعي مدّ
فقالت وددنا لو عرفنا من الفتى=وما يبتغيه ؟ قلت ما يبتغي العبد؟
قتيل ولكن ثوبه كفن له=وكلّ مكان يتريح به لحد
فإن لم يكن من نظرة ترأب الحشا=فردّي عليه قلبه وبه زهد
فضرّج خدّيها احمرار كأنّما=تصاعد من قلبي إلى خدّها الوجد
وقرّبها منّي وقرّبني الهوى=إلى أن ظننّا أنّنا واحد فرد
وكهرب روحينا فلمّا تنهدت=تنهّدت حتّى كاد صدري ينهد
وكان حديث خلت أنّي حفظته=فأذهلني عنه الّذي كان من بعد
أمرت فؤادي أن يطيع فؤادها=فيبكي كما تبكي وتشدو كما تشدو
وقلت لنفسي هذه منتهى المنى=وهذا مجال الشّكر إن فاتك الحمد
فإن ترعني عنها ، وفيك بقيّة ،=فما أنت نفسي إنّما أنت لي ضدّ
ومرّت ليال والمنى تجذب المنى=وقلبي ، كما شاءت ، يلين ويشتدّ
نروح ونغدو واللّيالي كأنها=وقوف لأمر لا تروح ولا تغدو
رأى الدّهر سدّا حول قلبي وقلبها=فما زال حتّى صار بينهما السّدّ
خدعت بها والحرّ سهل خداعه=فلا طالعي يمن ولا كوكبي سعد
وكنا تعاهدنا على الموت في الهوى=فما لبثت إلاّ كما يلبث الورد
كأنّي ما ألصقت ثغري بثغرها=ولا بات زندي وهو في جيدها عقد
ولم نشتمل بالليل والحيّ نائم=ولم نستتر بالرّوض واللّيل ممتدّ
ولا هزّنا شدو الحمائم في الضّحى=ولا ضمّنا بيت ولم يحونا برد
أإن لاح في فودي القتير نكرتني=أيزهد في الصّمصام إن خلق الغمد
لئن كان لون الشّعر ما تعشقينه=فدم أبيضا مادمت يا شعري الجعد
فلا تشمتي منّي فلست بمأمن=ولا تزهدي فيه، فليس به زهد
هو الفاتح الغازي الذي لا تردّه=عن الفاتح الغازي قلاع ولا جند
فلو كان غير الشّيب عني صرفته=ولكنّ حكم اللّه ليس له ردّ
وإن تعرضي عن مفرقي وهو أبيض=فيا طالما قبلته وهو مسودّ
شفى اللّه نفسي لا شفى اللّه نفسها=ولا غاب عن أجفانها الدّمع والسّهد
ولا قدّها غصن ولا خيزرانة=ولا خصرها غور ولا ردفها نجد
ولا وجهها شمس ولا شعرها دجى=ولا صدّها حرّ ولا وصلها برد
أحبّ إلى نفسي الرّدى من لقائها=وأجمل في عينّي من وجهها القرد
فإن تلمس الثّوب الّذي أنا لابس=قددت بكفّي الثوب من قبل ينقدّ
وإن تقرب الدّار التي أنا ساكن=هجرت مغانيها ولو أنّها الخلد
فإن كان غيري لم يزل دينه الهوى=فإني ، ولا أخشى الملامة ، مرتدّ!!

سمر محمد
10-09-2010, 04:32 PM
عيد النهى
قل للحمائم في ضفاف الوادي=يا ليتكن على شغاف فؤادي
لترين كيف تبعثرت أحلامه=وجرت به الآلام خيل طراد
كانت تشعّ على جوانبه المنى=فخبت وبدّل جمرها برماد
أسعدنه، فعسى يخفّ ولوعه=إنّ الشجي أحقّ بالإسعاد
ذهب الصبا وبقيت في خسراته=ليت الأسى مثل الصبا لنفاد
إنّ الشباب هو الغني فإذا مضى=وأقمت لا ينفكّ فقرك بادي
أمسيت أنظر في الحياة فلا أرى=إلا سوادا آخذا بسواد
ألقى تقابلني النجوم تخاوصت=فكأنما هي أعين الحسّاد
ما ثمّ من ذكرى إذا خطرت على=قلبي استراح سوى خيال الوادي
أفلا تزال الشمس تصبغ وجهه=بالورس آونة وبالفرصاد
أفلا يزال يذوب في أمواجه=ذهب الأصيل وفضّة الآراد؟
لهفي إذا ورد الرفاق عشيّة=وذكرت أني لست الزوّاد
وإذا الحمام شدا وصفّق موجه=أن لا أصفقّ للحمام الشادي
وإذا النخيل تطاولت أظلاله=أن لا يكون مظلّتي ووسادي
وإذا الكواكب رصّعت آفاقه=أن لا يكون لرعيهنّ سهادي
ذقت الهوى وعرفته في شطه=إن الهوى للمرء كالميلاد
لا تدرك الأكباد سرّ وجودها=حتى يجول الحبّ في الأكباد
ما عشت لم يمسس جوانحك الهوى=لم ندر ما في العيش من أمجاد
لا تبصر العين الرياض وحليها=إلاّ على ضوء الصباح الهادي
وطنان أشواق ما أكون إليهما=مصر التي أحببتها وبلادي
ومواطن الأرواح يعظم شأنها=في النفس فوق مواطن الأجساد
حرصي على حبّ ((الكنانة)) دونه=حرص السجين على بقايا الزاد
بلد الجمال خفيّة وجليّه=والفنّ من مستطرف وتلاد
عرضت مواكبها الشعوب فلم أجد=إلاّ بمصر نضارة الآباد
كم من دفين في ثراها لم يزل=كالحي ذا مقة وذا أحقاد
ومشيّد ، للناس إذ يغثونه=من كلّ أرض خشية العبّاد
عاش الجدود وأثّلوا ما أثّلوا=واليوم ينبعثون في الأحفاد
ألمسبغين على النوابغ فضلهم=كالفجر منبسطا على الأطواد
أبناء مصر الناهضين تحية=كودادكم إن لم أقل كودادي
من شاعر كلف بكم وبأرضكم=أبدا يوالي فيكم ويعادي
إن تكرموا شيخ الصحافة تكرموا=أسنى الكواكب في سماء الضاد
خلع الشباب على الكنانة مطرفا=هو كالربيع على ربى ووهاد
ما زال يقحم في الجهالة نوره=حتى تقاصر ليلها المتمادي
بصحيفة نور العيون سوادها=وبياضها من ناصع الأجياد
ينبوع معرفة ،وهيكل حكمه،=ووعاء آداب ، وكنز رشاد
أغلى المواهب والعقول رأيتها=سكنت قصور مهارق ومداد
ذكر المجاهد في الحقيقة خالد=ويزول ربّ السيف والأجناد
لولا جبابرة القرائح لم يسر=في الأرض ذكر جبابر القوّاد
ما ذلّلت سبل المعالي أمّة=إلا بقوة مصلح أو هادي
((صرّوف)) يسألك الأنام فقل لهم=كم في حياتك ساعة استشهاد
طلع القنوط عليك من أغواره=فرددت طائره وجأشك هادي
ومضيت تستقصي الحياة وسرّها=في كلّ عاقلة وكلّ جماد
حتى لكدت تحسّ هاجسة المنى=وتبين كم في النفس من أضداد
أنت الذي أسرت به عزماته=والدرب غامضة على الروّاد
والليل آفات على أغوارها=والهول أنجاد على الأنجاد
إنّ الحقائق أنت ناشر بندها=في حين كان العلم كالإلحاد
والعقل في الشرقّي من أوهامه=كالنسر في الأوهاق والاصفاد
تشقى متى تشقى الشعوب بجهلها=وتعزّ حين تعز بالأفراد
ألساهرين الليل مثل نجومه=فكأنهم للدهر بالمرصاد
ألباذلين نفوسهم لم يسألوا=وعلى النفوس مدارع الفولاد
خفضوا جناحهم وتحت برودهم=همم الملوك وصولة المرّاد
لهم الزمان قديمه وحديثه=ما الناس في الدنيا سوى الآحاد
أنّ الأنام على اختلاف عصورهم=جعلوا لأهل العلم صدّر النادي
ما العيد للخمسين بل عيد النهى=وفنونه والخاطر الوقّاد
عيد الحصافة والصحافة كلّها=في مصر ، في بيروت، في بغداد
ما العيش بالأعوام كم من حقبة=كالمحو في عمر السواد العادي
ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ=كالقفر طال به عناء الحادي
وسوى حياة العبقريّ نقيسها=فتقاس بالآجال والآماد

سمر محمد
10-09-2010, 04:33 PM
في الليل
جلست وقد هجع الغافلون=أفكر في أمسنا والغد
وكيف ، استبد بنا الظّلمون=وجاروا على الشّيخ والأمرد
فخلت اللّواعج بين الجفون،=وأنّ جهّنم في طرقدي
وضاق الفؤاد بما يكتم=فأرسلت العين مدرارها
ذكرت الحروب وويلاتها=وما صنع السّيف والمدفع
وكيف تجور على ذاتها=شعوب لها الرّتبة الأرفع
وتخضب بالدّم راياتها=وكانت تذمّ الذي تصنع
فباتت بما شيّدت تهدم=صروح العلوم وأسوارها
نساء تجود بأولادها=على الموت، والموت لا يرحم
وجند تذود بأكبادها=عن الأرض ، والأرض لا تعلم
وتغدو الطّيور بأجسادها=فإن عطشت، فالشّراب الدّم
وفي كلّ منزلة مأتم=تشقّ به الغيد أزرارها
لقد شبع الذئب والأجل=وأقفرت الدّور والأربع
فكم يقتل الجحفل الجحفل=ويفتك بالأروع الأروع
ولن يرجع القتل من قتلوا=ولن يستعيدوا الّذي ضيّعوا
فبئس الألى بالوغى علّموا=وبئس الألى أجّجوا نارها
أمن أجل أن يسلم الواحد=تطلّ الدّماء وتفنى الألوف؟
ويزرع أولاده الوالد=لتحصدهم شفوات السّيوف؟
أمور يحار بها النّاقد=وتدمي فؤاد اللّبيب الحصيف
فيا ليت شعري ، متى نفهم=معاني الحياة وأسرارها؟
وحوّلت طرفي إلى المشرق=فلم أر غير جيال الغيوم
تحوم علىبدره المشرق=كما اجتمعت حول نفسي الغموم
فأسندت رأسي إلى مرفقب=وقلت وقد غلبتني الهموم
بربّك، أيّتها الأنجم،=متى تضع الحرب أوزارها؟
كما يقتل الطير في الجنّة=ويتنص الظّي في السّبسب
كذلك يجنى على أمّتي=بلا سبب وبلا موجب
فحتأم تؤخذ بالقوّة=ويقتصّ منها ولم تذنب؟
وكم تستكيين وتستسلم=وقد بلغ السّيل زنّارها؟
وسيقت إلى النّطع سوق النّعم=مغاويرها ورجال الأدب
وكلّ امرىء لم يمت بالخذم=فقد قتلوه بسيف السّغب
فما حرّك الضّيم فيها الشمم=ولا روية الدّم فيها الغضب
تبدّلت النّاس والأنجم=ولّما تبدّل أطوارها
أرى اللّيث يدفع عن غيضته=بأنيابه وبأظفاره
ويجتمع النّمل في قريته=إذا خشي الغدر من جاره
ويخشى الهزار على وكنته=فيدفع عنها بمنقاره
فلا الكاسرات ، ولا الضّيغم=ولا الشّاة تمدح جزّارها
عجبت من الضّاحك اللاّعب=وأهلوه بين القنا والسّيوف
يبيتون في وجل ناصب=فإن أصبحوا لجأوا للكهوف
ومّمن يصفقّ للضّارب=وأحبابه يجرعون الحتوف
متى يذكر الوطن النّوم=كما تذكر الطّير أوكارها؟

سمر محمد
10-09-2010, 04:34 PM
سقوط بورت ارثور
من أسود تسربلت بالحديد=و من الجنّ في رواء الجنود
ينشدون الوغى و ما ينشد=الحسناء غير المتيّم المعمود
كلّ قرم درع من الصبر=و درع مسرودة من حديد
تحته أجرد أشدّ حنينا=و اشنياقا ألى الوغى من نجيد
سابح عنده العسير يسير=و القصيّ القصيّ غير بعيد
و صبا للنجوم من قد علاه=أصبح الجوّ تحته كالصعيد
تحسب الأرض قد جرت يجرى=و تراه كأنّه في ركود
إنّما يركب الجواد جواد=و يصون الذمار غير بليد
و خميس يحكي النجوم انتظاما=عجبا من كواكب في بيد
أوقع الرّعب في قلوب الضواري=فاستكانت كأنّها في قيود
أصبحت تهجر المياه و كانت=لا ترى الماء غير ماء الوريد
خافقات أعلامه ، أرأيتم=كقلوب العشّاق عند الصدود
قاده ذلك الغضنفر ( نوجي )=و يناط الحسام بالصنديد
رجل دونه الرجال مقاما=مشبه في الأنام بيت القصيد
كلّ سيف في غير قيضة نوجي=فهو عند السيوف غير سعيد
يا يراعي سل ( بورت أرثور ) عنه=إنّ تلك الحصون خير شهود
معقل أصبحت جحافل هيتو=حوله كالعقود حول الجيد
هجموا هجمة الضراغم لمّا=حسبوها فريسة للأسود
و تعالى الضجيج للأفق حتى=كاد ذاك الضجيج بالأفق يودي
و توالى هجومهم و المنايا=ضاحكات ، فيا لها من صيود
كم جريح مضرّج بدماه=و قتيل على الثرى ممدود
و أسير إلى أسير يساقون=تباعا إلى الشقاء العتيد
أسطرهم مدافع الروس نارا=أصبحوا بعدها بغير جلود
دامت الحرب أشهرا كلّما قيل=خبت نارها ذكت من جديد
و المنايا تحوم السرايا=حومة العاشقين حول الغيد
حيث حظّ المقدام مثل سواه=و كحظّ الكبير حظّ الوليد
صبر الروس صبر أيوب للبلوى=على ذلك العدوّ العنيد
غير أنّ االأيّام ( وستوسل )=يمني أجفانه بالهجود
فتولاهم القنوط من النصر=فردّوا أسيافهم للغمود
كان هذا للصّفر عيدا و عند= الروس ضربا من الليالي السود
قلعة صانها الزمان فلولا =كيد نوجي لبشرت بالخلود

سمر محمد
10-09-2010, 04:36 PM
يّها الراعي

شهور العام أجمملها " ربيع "=و أبغضها إلى الدنيا " جمادى "
و خير المال ما أمسى زكاة=و خير الناس من نفع العبادا
بربّك قل لنا و خلاك ذمّ=أعيسى كان يذّخر العتادا ؟
تنبّه أيّها الراعي تنبّه=فمن حفظ الورى حفظ العبادا
خرافك بين أشداق الضواري=و مثلك من حمى ووقى النقادا
تبدّل أمنهم رعبا و خوفا=و صارت نار أكثرهم رمادا
لقد أكل الجراد الأرض حتى=تمنّوا أنّهم صاروا جرادا
فمالك لا تجود لهم بشيء=وقد رقّ العدوّ لهم وجادا ؟
و مالك لا تجيب لهم نداء=كأنّ سواك ، لا أنت ، المنادى ؟
...
وربّت ساهر في " بعلبك "=يشاطر جفنه النجم السّهادا
يزيد الليل كربته اشتدادا=وفرط الهمّ ليلته سوادا
إذا مال النعاس بأخدعيه=ثنى الذعر الكرى عنه وذادا
به الداءان من سغب وخوف=فما ذاق الطعام و لا الرقادا
تطوف به أصيبيه صغار=كأنّ وجوههم طليت جسادا
جياع كلّما صاحوا و ناحوا=توهّم أنّ بعض الأرض مادا
إذا ما استصرخوه وضاق ذرعا=نبا عنهم و ما جهل المرادا
و لكن لم يدع بؤس اللّيالي=طريفا في يديه و لا تلادا
و لو ترك الزّمان له فؤادا=لما تركت له البلوى فؤادا
...
أتفترش الحرير و ترتديه=و يفترش الجنادل و القتادا
و يطلب من نبات الأرض قوتا=و تأبى غير لحم الطير زادا
و تهجع هانئا جذلا قريرا=و قد هجر الكرى وجفا الوسادا
عجيب أن تكون كذا ضنينا=و لم تبصر بنا إلّا جوادا
أما تخشى ذي لسان :=أمات الناس كي يحيي الجمادا
...
لذاتك همّهم نفع البرايا=و همّك أن تكيد و أن تكادا
نزلت بنا فأنزلناك سهلا=وزدناك النضار المستفادا
فكان حزاؤنا أن قمت فينا=لاتعلّمنا القطيعة و البعادا
فلمّا ثار ثائر حرّ=رجعت اليوم تمتدح الحيادا
أتدفع بالغويّ إلى التمادي=و تعجب بعد ذلك إن تمادى ؟
سكتّ فقام في الأذهان شكّ=و قلت فأصبح الشّكّ اعتقادا
تجهّمت القريض ففاض عتبا=و إن أحرجته فاض انتقادا
و لولا أن أثرت الخلف فينا=وددنا لو محضناك الودادا

سمر محمد
10-09-2010, 04:38 PM
الرزء الأليم
عدمت قلبي لم يعدم الجلدا=و نال نفسي الردى إن لم تذب كمدا
آها و لو نفعت آه أخا شجن=لم يبتع غيرها عند الأسى عضدا
آها و لو لم يكن خطب ألمّ بنا=ما سطّرتها يدي في كاغد أبدا
ألمرء مجتهد و الموت مجتهد=أن ليس يترك فوق الأرض مجتهدا
ساوى الرضيع به شاب مفرقه=و العبد سيّده و الثعلب الأسدا
قد غادر الفضل بالأحزان منفردا=من كان بالفضل دون الناس منفردا
مات ( البيان ) بموت ( اليازجّي ) فمن=لم يبك هذا بكى هذا الذي فقدا
و الله ما ولدت حواء أطهر من=هذا الفقيد فؤادا لا ولن تلدا
أين ( الضياء ) الذي زان البلاد كما=يزين البدر في جنح الدّجى الجلدا ؟
أين اليراع الذي قد كان يطربنا=صريره في أديم الطرس منتقدا ؟
و أين أين سجاياه التي حسدت=يبكي الشقيق أخا والوالد الولدا
أقسمت ما اهتز فوق الطرس لي قلم=إلاّ جعلت له دمعي البتيت مددا
و لا تخذت أخا في الدهر يؤنسني=بعد الجليل سوى الحزن الذي وجدا

سمر محمد
10-09-2010, 10:10 PM
إلى صديق
يا من قربت من الفؤاد=و أنت عن عيني بعيد
شوقي إليك أشدّ من=شوق السليم إلى الهجود
أهوى لقاءك مثلما=يهوى أخو الظمإ الورود
و تصدّني عنك النوى=و أصدّ عن هذا الصدود
وردت نميقتك التي=جمعت من الدرّ النضيد
فكأنّ لفظك لؤلؤ=و كأنّما القرطاس جيد
أشكو إليك و لا يلام=إذا شكى العاني القيود
دهرا بليدا ما ينيل=وداده إلاّ بليد
و معاشرا ما فيهم=إن جئتهم غير الوعود
متفرّجين و ما التفرنج=عندهم غير الجحود
لا يعرفون من الشجاعة=غير ما عرف القرود
سيّان قالوا بالرضى=عنّي أو السخط الشديد
من ليس يصّدق في الوعود=فليس يصدّق في الوعيد
نفر إذا عدّ الرجال=عددتهم طيّ اللحود
تأبى السماح طباعهم=ما كلّ ذي مال يجود
أسخاهم بنضاره=أقسى من الحجر الصلود
جعد البنان بعرضه=يفدي اللجين من الوفود
و يخاف من أضيافه=خوف الصغير من اليهود
تعس امريء لا يستفيد=من الرجال و لا يفيد
و أرى عديم النفع ان=وجوده ضرر الوجود

سمر محمد
10-09-2010, 10:14 PM
وقال معاتبا
إن كان ذنبي دفاعي عن حقوقكم=فلست أدري وربّي كيف أعتذر
أعيذكم أن يقول الناس قد مدحوا=فما أثابوا على قول و لا شكروا

سمر محمد
10-09-2010, 10:22 PM
مرآة الغرب
سلام عليها طفلة و فتيّة=كزهر الربى البسّام باكره القطر
كعاب تلاقى الحسن و الفضل عندها=كما يلتقي في الصفحة السّطر و السطر
لها صولة الأبطال إن حمس الوغى=و فيها حياء البكر عمّا به وزر
و فيها من الشيخ الحكيم وقارة=و فيها من الخود الملاحة و الطهر
ألا إنّ حسنا لا يرافقه النّهى=و إن دام يوما لا يدوم له قدر
....
هي الروض فيه النبت و الندّ و الندى=و فيه الشوادي المطرباتك و الزهر
هي الشمس تبدو كل يوم جديدة=يروح بها ليل و يأتي بها فجر
لكلّ فتاة خدرها و سوارها=و لكنّ هذي كلّ قلب لها خدر
يريد سناها الطيّ و النشر رونقا=و يخلق حتّى المصحف الطيّ و النشر
أنيس الفتى إن غاب عنه أنيسه=و أنجمه إن غابت الأنجم الزهر
و سفر تلذّ المرء محتوياته=إذا لم يكن في البيت ناس و لا سفر
إذا رضيت فالنور في كلماتها=و إن غضبت فهي الأسنّة و الجمر
و في كلّ حرب يعقد الحقّ فوقها=أكاليل نصر يشتهي مثلها البدر
و لا غرو إن عزّت وهان خصومها=فللحقّ مهما جعجع الباطل ، النصر
فكم مرجف أغراه فيها سكوتها=فلمّا أهابت كاد يقتله الذعر
و كم كاشح غاو أراد بها الأذى=ثنى طرفه عنها و في نفسه الضرّ
لها في ربوع الشرق جيش عرمرم=و أعوانها في الغرب ليس لهم حصر
و لو كان في المرّيخ أرض و أمّة=لكان لها في أرضه عسكر مجر
لتسحب ذيول الفخر تيها فوحدها=يحقّ لها ما بين أترابها الفخر
و لا غرو إن أهدى لها الشعر وحيه=فيا طالما سارت و سار بها الشهر
و لا غرو إن صغنا لها النثر حلية=" ففي عنق الحسناء يستحسن الدرّ "
و إن يكن الأحرار من نصرائها=فكم نصر الأحرار صاحبها الحرّ
أديب عفيف قلبه و يراعه=بغيض إليه الطيش و الفيش و الهجر
ثمان و عشر و هو يخدم قومه=ألا حبّذا تلك الثّمانيّ و العشر
ففي العسر لم يجهر بشكوى لسانه=و في اليسر لم يلعب بأعطافه الكبر
وشرّ المزايا أن يصيبك حادث=و تجهر بالشكوى و في وسعك الصّبر
أهذا كمن يمسي و يضحي معربدا=و قدّمه طبل و من خلفه زمر ؟
أهذا كمغتاب يروح و يغتدي=و في نطفة شرّ و في صمته شرّ ؟
أهذا كمفطور على الشرّ و الأذى=أحاديثه نكر و أعماله نكر ؟
أهذا كأفعى همّها نفث سمّها=و نهش الذي تلقى و لو أنّه صخر
أكمن إلى الوزر عامدا=و يضحك مختالا إذا مسّه الوزر ؟
أهذا الذي قد حارب المكر جهده=كمن شاب فوداه و ديدنه المكر ؟
إذا الدهر لم يعرف لكلّ مكانه=إذن قل لأهل الدهر قد فسد الدهر

سمر محمد
10-09-2010, 10:29 PM
قتل نفسه
تأمّل في أمسه الدابر=فكاد يجنّ من الحاضر
أهاج التذكّر أشجانه=و كم للسعادة من ذاكر .
فتى كان أنعم من جاهل=فأصبح أتعس من شاعر
أضاع الغنى و أضاع الصحاب=و ربّ مريض بلا زائر
و يا طالما أحدقوا بالفتى=كما تحدق الجند بالظافر
فلما انقضى مجده أعرضوا=و ما الناس إلا مع القادر
و ما الناس إلا عبيد القوي=فكن ذاك أو كن بلا شاكر
أشدّ من الدهر مكرا بنوه=فويل لمن ليس بالماكر
فكن بينهم خاتلا غادرا=و لا تشتك الغدر من غادر
تعيس تعانقه النائبات=عناق الحبائل للطائر
كثير الهموم بلا ناصر=كسير الفؤاد بلا جابر
قضى ليله ساهيا ساهرا=إلى كوكب مثله ساهر
يفتّش عن آفل في الثّرى=و ما كان في الأفق بالسافر
و تالله يجدي فتى بائسا=كلام المنجّم و الساحر
و لمّا تولّت دراري السماء=و غاب الهلال عن الناظر
بكى ، ثمّ صاح أحتّى النجوم=تصدّ عن الرجل العاثر ؟
إلى م أعاند هذا الزمان=عناد السفينة للزاجر
و أدعو و ما ثمّ من سامع ،=و أشكو ، و لكن إلى ساخر
و أرجو الوفاء و تأبى النفوس=و أنّى الولادة للعاقر
سئمت الحياة فليت الحمام=يعيد إلى أصله سائري
فتنطلق النّفس من سجنها=و يسجن تحت الثّرى ظاهري
وزاد سواد الدّجى يأسه=وقد كاد يسفر عن باهر
فشاء التخلّص من دهره=الخؤون ، و من عيشه الحازر
فأغمد في صدره مديه=أشدّ مضاء من الباتر
و كم مثله قد قضى نحبه=شهيد التّأمل في الغابر

سمر محمد
10-09-2010, 10:32 PM
إذا

إذا جدّفت جوزيت على التجديف بالنار=و إن أحببت عيّرت من الجاره و الجار
و إن قامرت أو راهنت في النادي أو الدار=فأنت الرجل الآثم عند الناس و الباري
...
و إن تسكر لكي تنسى هموما ذات أوقار=خسرت الدين و الدنيا و لم تربح سوى العار
...
و إن قلت : إذن فالعيش أوزار بأوزار=و إنّ الموت أشهى لي إذا أقض أوطاري
و أسرعت إلى السيف أو السّمّ أو النار=لكي تخرج من دنيا ذووها غير أحرار

سمر محمد
10-09-2010, 10:35 PM
العاشق المخدوع
أبصرتها في الخمس و العشر=فرأيت أخت الرئم و البدر
عذراء ليس الفجر والدها=و كأنّها مولودة الفجر
بسّامة في ثغرها درر=يهفو إليها الشاعر العصري
و لها قوام لو أشبّهه=بالغصن باء الغصن بالفخر
مثل الحمامة في وداعتها=و كزهرة انّسرين في الطهر
مثل الحمامة غير أنّ لها=صوت الهزار و لفتة الصقر
...
شاهدتها يوما وقد جلست=في الرّوض بين الماء و الزهر
ويد الفتى " هنري " تطوّقها=فحسدت ذاك الطّوق في الخصر
و حسدت مقلته و مسمعه=لجمالها و كلامها الدرّي
أغمضت أجفاني على مضض=و طويت أحشائي على الجمر
و خشيت أنّ الوجد يسلبني=حلمي ، و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه=باليأس آونة و بالصّبر
ثمّ انقضى عام و أعقبه=ثان و ذاك السرّ في صدري
فعجبت ، منّي كيف أذكرها=و قد انقضى حولان من عمري
خلت اللّيالي في تتابعها=تزري بها عندي فلم تزر
زادت ملاحتها فزدت بها=كلفا ، و موجدة على " هنري "
...
و سئمت داري و هي واسعة=فتركتها و خرجت في أمر
فرأيت فتيان الحمى انتظموا=كالعقد ، أو كالعسكر المجر
يتفكّهون بكلّ نادرة=و على الوجوه علائم البشر
ساروا فأعجبني تدفّقهم=فتبعتهم أدري و لا أدري
ما بالهم ؟ و لأية وقفوا ؟=لمن البناء يلوح كالقصر
أوّاه ! هذي دار فاتنتي=من قال ما للشمس من خدر
و عرفت من " فرجين " جارتها=ما زادني ضرّا على ضرّ
قد كان هذا يوم خطبتها=يا أرض ميدي ! يا سما خرّي
و رأيت ساعدها بساعده=فوددت لو غيّبت في قبر
و شعرت أن الأرض واجفة=تحتى ، و أنّ النار في صدري
و خشيت أنّ الوجد يسلبني=حلمي و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه=اليأس آونة و بالصّبر
...
قالوا : الكنيسة خير تعزية=لمن ابتلي في الحبّ بالهجر
فنذرت أن أقضي الحياة بها=و قصدتها كيما أفي نذري
لازمتها بدرين ما التفتت=عيني إلى شمس و لا بدر
أتلو أناشيد النبيّ ضحى=و أطالع الإنجيل في العصر
حينا مع الرهبان ، آونة=وحدي ، و أحيانا مع الحبر
في الغاب فوق العشب مضطجعا=في السّفح مستندا إلى الصّخر
في غرفتي ، و الريح راكدة=بين المغارس ، و الصّبا تسري
حتى إذا ما القلب زايلة=تبريحه ، و صحوت من سكري
و سلوتها و سلوت خاطبها=و ألفت عيش الضنك و العسر
عاد القضاء إلى محاربتي=ورجعت للشكوى من الدهر
...
في ضحوة وقف النسيم بها=متردّدا في صفحة النهر
كالشاعر الباكي على طلل=أو قاريء حيران في سفر
و الشمس ساطعة و لامعة=تكسو حواشي النهر بالتبر
و الأرض حالية جوانبها=بالزّهر من قان و مصفرّ
فكأنّها بالعشب كاسية=حسناء في أثوابها الخضر
و علا هتاف الطير إذ أمنت=بأس العقاب و صوله النسر
تتلو على أهل الهوى سورا=ليست بمنظوم و لا نثر
يحنو الهزار على أليفته=و يداعب القمريّة القمري
و انساب كلّ مصفّق عذب=و اهتزّ كلّ مهفهف نضر
فتذكّرت نفسي صبابتها=ما أولع المهجور بالذّكر
أرسلت طرفي رائد فجرى=و جرى على آثاره فكري
حتى دوى صوت الرئيس بنا=فهرعت و الرهبان في إثري
و إذا بنا نلقى كنيستنا=بالوافدين تموج كالبحر
و إذا " بها " و إذا الفتى هنري=في حلّة بيضاء كالفجر
تمشي بين ذي أدب=حلو ، و بين مليحة بكر
رفع الرئيس عليها يده=و أنا أرى و يدي على صدري
يا قلب ذب ! يا مهجتي انفطري=يا طرف فض بالأدمع الحمر
أغمضت أجفاني على مضض=و طويت أحشائي على الجمر
و خشيت أنّ الوجد يسلبني=حلمي ، و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه=باليأس آونة و بالصبر
و خرجت لا ألوي على أحد=و رضيت بعد الزّهد بالكفر
...
أشفقت من همّي على كبدي=و خشيت من دمعي على نحري
فكلفت بالصهباء أشربها=في منزلي ، في الحان ، في القفر
أبغي الشفاء من الهموم بها=فتزيدني وقرا على وقر
و تزيدني و لعا بها و هوى=و تزيدني حقدا على هنري
قال الطبيب و قد رأى سقمي :=لله من فعل الهوى العذري
ما لي بدائك يا فتى قبل=السحر محتاج إلى سحر
و مضى يقلّب كفّه أسفا=و لبثت كالمقتول في الوكر
ما أبصرت عيناي غانية=إلاّ ذكرت إلى الدمى فقري
...
و سئمت داري و هي واسعة=فتركتها و خرجت في أمر
فرأيتها في السوق واقفة=و دموعها تنهلّ كالقطر
في بردة كاللّيل حالكة=لهفي على أثوابها الحمر
فدنوت أسألها وقد جزعت=نفسي ، وزلزل حزنها ظهري
قالت : قضى هنري ! فقلت : قضى=من كاد لي كيدا و لم يدر
لا تكرهوا شرّا يصيبكم=فلربّ خير جاء من شرّ
رهفا هواها بي فقلت لها :=قد حلّ هذا الموت من أسري
قالت : و من أسري ! فقلت : إذن=لي أنت ؟ قالت : أنت ذو الأمر
فأدرت زندي حول منكبها=و لثمتها في النحر و الثّغر
و شفيت نفسي من لواعجها=و تأرت بالتصريح من سرّي
ثمّ انثنيت بها على عجل=باب الكنيسة جاعلا شطري
و هناك باركني و هنّأني=من هنّأوا قبلي الفتى هنري
...
من بعد شهر مرّ لي معها=أبصرت وضح الشيب في شعري
ما كنت أدري قبل صحبتها=أنّ المشيب يكون في شهر
فكرت في هنري و كيف قضى=فوجدت هنري واضح العذر
يا طالما قد كنت أحسده=و اليوم أحسده على القبر

سمر محمد
10-09-2010, 10:37 PM
الشاعر
قالت وصفت لنا الرحيق و كوكبها=و صريعها و مديرها و العاصرا
و الحقل و الفلّاح فيه سائرا=عند المسا يرعى القطيع السائرا
ووقفت عند البحر يهدر موجه=فرجعت بالألفاظ بحرا هادرا
صوّرت في القرطاس حتى الخاطرا=فخلبتنا و سحرت حتى الساحرا
و أريتنا في كلّ قفر روضة=و أريتنا في كلّ روض طائرا
لكن إذا سأل امروء عنك امرءا=أبصرت محتارا يخاطب حائرا
من أنت يا هذا ؟ فقلت لها : أنا=كالكهرباء أرى خفيّا ظاهرا
قالت : لعمرك زدت نفسي ضلّة=ما كان ضرّك لو وصفت الشاعرا ؟
...
فأجبتها : هو من يسئل نفسه=عن نفسه في صبحه و مسائه
و العين سرّ سهادها و رقادها=و القلب سرّ قنوطه و رجائه
فيحار بين مجيئه و ذهابه=و يحار بين أمامه وورائه
و يرى أفول النجم قبل أفوله=و يرى فناء الشيء قبل فنائه
و يسير في الرّوض الأغنّ فلا ترى=عيناه غير الشوك في أرجائه
إن نام لم ترقد هواجس روحه=و إذا استفاق رأيته كالتائه
ما إن يبالي ضحكنا و بكاءنا=و يخيفنا في ضحكه و بكائه
كالنار يلتهم العواطف عقله=فيميتها و يموت في صحرائه
...
قالت : أتعرف من وصفت ؟ فقلت : من ؟=قالت : وصفت الفيلسوف الكافرا
يا شاعر الدنيا و فيك حصافة=ما كان ضرّك لو وصفت الشاعرا ؟
...
فقلت : هو امروء يهوى العقارا=كما يهوى مغازلة العذارى
إذا فرغت من الرّاح الدنان=توهّم أتنّما فرغ الزّمان
يعاقرها على ضوء الدّراري=فإن غربت ، على ضوء النّهار
و يحسب مهرجان النّاس مأتم=بلا خمر ، و جنّتهم جهنّم
ملول لا يدوم على ولاء=و لكن لا يدوم على عداء
أخو لبّ و لكن لا إرادة=وذو زهد و لكن بالزهاده
يميل إلى الدّعابة و المزاح=و لو بين الأسنّة و الصّفاح
و يوشك أن يقهقه في الجنازة=و يرقص كالعواصف في المفازه
إذا بصرت به عين الأديب=فقد وقعت على رجل مريب
يعنّفه الصّحاب فلا ينيب=و يزجره المشيب فلا يتوب
فقالت : جئت بالكم البديع=و لكن ما وصفت سوى " الخليع "
...
و خفت إعراضها عنّي فقلت : إذن=هو الذي أبدا يبكي من الزمن
كأنّما ليس في الدنيا سواه فتى=معرّض لخطوب الدّهر و المحن
يشكو السّقام و ما في جسمه مرض=و السّهد و هو قريب العهد بالوسن
و الهجر ، و هو بمرأى من أحبّته=و الأسر ، و هو طليق الروح و البدن
و لا يرى حسنا في الأرض يألفه=أو يشتهيه و كم في الأرض من حسن
ينوح في الرّوض و الأشجار مورقه=كما ينوح على الأطلال و الدمن
فقاطعتني : و قالت : قد بعدت بنا=ما ذي الصفات الشاعر الفطن
...
قلت : مهلا إذا ضللت و عذرا=ربّما أخطأ الحكيم و ضلّا
هو من ترسم الجمال يداه=فنراه في الطرس أشهى و أحلى
لوذعيّ الفؤاد يلعب بالأل=باب لعبا إن شاء أن يتسلى
و يرينا ما ليس يبقى سيبقى=و يرينا ما ليس يبلى سبيلي
يطبع الشّهب للأنام نقودا=و هو يشكو الإملاق كيف تولّى
أفما ذا من تبتغين و أبغي=و صفه ؟ قالت المليحة : كلا ! ..
...
يا هذه إنّي عييت بوصفه=و عجزت عن إدراك مكنوناته
لا تستطيع الخمر سر صفاتها=و الروض وصف زهوره و بناته
هو من نراه سائرا فوق الثرى=و كأنّ فوق فؤاده خطواته
إن ناح فالأرواح في عبراته=و إذا شذا فالحبّ في نغماته
يبكي مع النائي على أوطانه=و يشارك المحزون في عبراته
و تغيّر الأيام قلب فتاته=و يظلّ ذا كلف بقلب فتاته
هو من يعيش لغيره و يظنّه=من ليس يفهمه يعيش لذاته !!!

سمر محمد
10-09-2010, 10:42 PM
طبيبي الخاص
بتّ أرعى في الظلام الأنجما=ليس للعشّاق حظّ في الكرى
صرعتني نظرة حتى لقد=كدت أن أحسد من لا يبصر
نظرة قد أورثت قلبي الكمد=ما بلاء القلب إلاّ النّظر
لا رعاك الله يا يوم الأحد=لا ولا حيّاك عنّي المطر
أنت من أطلعت هاتيك الدّمى=سافرات فتنة للشّعرا
همت فيمن حسنت صورتها=مثلما قد حسنت منها الخصال
أخجلت شمس الضحى طلعتها=و استحى من لحظها لحظ الغزال
كلّ ما فيها جميل يشتهى=ما بها عيب سوى فرط الجمال
لو رآها لائمي فيها لمّا=لامني في حبّها بل عذارا
ذات حسن خدّها كالورد في=لونه و الطيّب في نكهته
زهرة لكنّها لم تقطف=و جمال الزّهر في روضتيه
درّة ما خرجت من صدف=ترخص الدّرّ على قيمته
بضّة الخدّين و النّهدين ما=سفرت إلاّ رأيت القمرا
ذات شعر مسبل كالأفعوان=يتهادى فوق ردف كالكثيب
و قوام لو رآه الغصن بان=خجلا من ذلك الغصن الرّطيب
كاد لولا ما به من عنفوان=يقف الورق به و العندليب
و جفون أشبهتني سقما=كمن السّحر بها و استترا
تبعث الحبّ إلى الخليّ=و هو لا يدري و لا يستشعر
و الهوى في بدئه عذب شهيّ=كلّ شيء بعده محتقر
كلّ من لا يعرف الحبّ شقيّ=لا يرى في دهره ما يشكر
يصرف العمر و لكن سأما=عبثا يطلب أن لا يضجرا
لم أكن أعرف ما معنى الهنا=قبل أن أعرف ما معنى الغرام
يضحك النّاس سرورا و أنا=عابس حتى كأنّي في خصام
عجبوا منّي و قالوا علنا=قد رأينا الصّخر في زيّ الأنام
أوشكوا أن يحسبوني صنما=لو رأوا الأصنام تخفي كدرا
لم أزل في ربقة اليأس إلى=أن أعاد الحبّ لي بعض الرّجا
كنت قبل الحبّ أسري في ظلا=م و لا ألقى لنفسي مخرجا
فجلاه الحبّ عنّي فانجلى=مثلما يجلو سنا الشمس الدّجى
بات قلبي بالأماني مفعما=و هو قبلا كان منها مقفرا
روّعتني بالنّوى بعد اللّقاء=و كذا الدّنيا دنو و افتراق
غضب الدّهر على كأس الصّفاء=مذ رآها فأبى ألاّ تراق
و لو أنّ الدّهر يدري بالشّقاء=ساعد الصبّ على نيل التلاق
لم أجد لي مشبها تحت السما=في شقائي ، لا ولا فوق الثّرى
و أبي لو أن ما بي بالجبال=أصبحت تهتزّ من مرّ النسيم
فاعذروني إن أكن مثل الخيال=و اعذلوني إن أكن غير سقيم
إنّ دائي جاء من صاد ودال=و دواء القلب في ضاد و ميم
بات صبري مثل جسمي عدما=إنّما يصبر من قد قدرا
ربّ ليل عادني فيه السّهاد=و نأى عن مقلتي طيب الكرى
هاجت الذّكرى شجونا في الفؤاد=فبكى طرفي عقيقا أحمرا
نبّه الأهل بكائي و العباد=فأتوا يستطلعون الخبرا
قلت داء في الفؤاد استحكما=كاد قلبي منه أن ينفطرا
صدّقوا ما قلته ثمّ مضى=واحد منهم يستدعي الطبيب
سار و الكلّ على جمر الغضا=و أنا بين أنين و نجيب
لم يكن إلاّ كبرق و مضا=و إذا ( الدكتور ) من مهدي قريب
قال للجمهور ماذا الاجتماع=أخرجوا أو زدتموه خطرا
خرج الكلّ فأمست غرفتي=مثل قلب الطفل أو جيب الأديب
فدنا يسألني عن علّتي=و أنا أسمع لكن لا أجيب
فنضا الثّوب فأبصرت التي=كاد جسمي في هواها أن يغيب
خلعت عنها لباس الحكما=فرأت عيناي بدرا نيّرا
و اعترتني دهشة لكنّها=دهشة ممزوجة بالفرح
كدت أن أخرج عن طزر النّهى=ربّ سكر لم يكن من قدح
يا لها من ساعة لو أنّها=بقيت كالدّهر لم تستقبح
عانقتني و أنا أبكي دما=و هي تبكي لبكائي دررا
و جعلنا بعد أن طال العناق=تتناجى بأحاديث القلوب
بينما نحن على هذا الوفاق=قرع الباب فأوشكنا نذوب
فأشارت لي قد حان الفراق=فاقطعنا وارتدّت ثوب الطبيب
أقبل القوم فقالت كلّ ما=كان يشكو منه عنه قد سرى

سمر محمد
10-09-2010, 10:43 PM
إليك عنّي

كم تستثير بي الصبابة و الهوى=عنّي إليك ، فإنّ قلبي من حجر
مالي و للحسناء أغري مهجتي=بوصلها ، و الشيب قد و خط الشعر ؟
كم " بالجزيرة " لو يتاح لي الهوى=من غادة تحكي بطلعتها القمر ؟
و لكم بها من جدول و حديقة=من صنعه الرحمن لا صنع البشر
فيها اللّواتي إن رمت ألحاظها=شلّت يد الرامي و قطّعت الوتر
قد كان لي في كلّ خوذ مطمع=و لكلّ رائعة المحاسن بي وتر
أيّام شعري كالدّجى محلولك ،=أيّام عيشي لا يخالطه كدر
***
ذرني و أشجاني و جسمي ، و الضّنى ،=و يدي ، و أقلامي ، و طرفي ، و السهر
أأبيت ألهو و الهموم تحيط بي=و أنام عن قومي ، و قومي في خطر
صوت المصفّق موعد ما بيننا=ماذا أقول لهم إذا الديك استحر ؟

سمر محمد
10-09-2010, 10:47 PM
أما أنا ...
لا تنثني في الرّوض أغصان الشّجر
حتّى تدغدغها النّسائم في السّحر
و أنا كذلك لا يفارقني الضّجر
حتّى تداعب لمّتي بيديها
***
الشّمس تلقى في الصّباح حبالها
و تبيت تنظر في الغدير خيالها
أمّا أنا فإذا وقفت حيالها
أبصرت نور الشمس في خدّيها
***
الطّود يقرأ في السّماء الصّافيه
سفرا ، جميل متنه و الحاشيه
أمّا أنا فإذا فقدت كتابيه
أتلو كتاب الحبّ في عينيها
***
الطّير إن عطشت ولجّ بها الظّما
هبطت إلى الأنهار من علو السّما
أمّا أنا فإذا ظمئت فإنّما
ظمأي الشديد إلى لمى شفتيها
***
الندّ يطلبه الخلائق في الرّبى
بين الورود و في نسيمات الصّبا
أمّا أنا فألذّ من نشر الكبا
عندي ، الذي قد فاح من نهديها
***
الرّاح تصرف ذا العناء عن العنا
و تطير بالصّعلوك في جوّ المنى
قيرى الكوكب تحته ، أمّا أنا
فتظلّ أفكاري تحوم عليها
***
فيها و منها ذلّتي و سقامي
و بها غرامي ، القاتلي ؛ و هيامي
أشتاقها في يقظتي و منامي
و أطول شوق المستهام إليها

سمر محمد
10-09-2010, 10:50 PM
الاشباح الثلاثة
روأني النوم وما برحا=حتى طأطأت له رأسي
أطبقت جفوني فانفتحا=باب الرؤيا والوسواس
أبصرت كأني في موضع=ما فيه غير الأرواح
فوقفت بعيدا أتطلّلع=فلمحت ثلاثة أشباح
ولد يتهادى في العشر=وفتّى في برد العشرينا
والثالث شيخ في طمر=ذو جسم يحكي العرجونا
وإذا بالأول يقترب=مني كالطائر في الوثب
فشعرت كأني أضطرب=وكأن خطاه على قلبي
يا نفسي ما هذا الفرق؟=لا رمح معه ولا نبل
ولماذا الخشية والقلق=والخلق أحبهم الطفل
وإذا بالطفل يخاطبني=بكلام لا يتكلّفه
ويمازحني، ويداعبني،=فكأني شخص يعرفه
((ما بالك منكمشا كمدا؟=قم نلعب في فيّ الشجر
ونهزّ الأغصن والعمدا=ونذود الطير عن الثمر
أو نصنع خيلا من قصب=أو طيّارات من ورق
ومدّى وسوفا من خشب=ونجول ونركض في الطرق
أو نأتي بالفحم القاتم=ونصوّر فوق الأبواب
تنّينا في بحر عائم=أو ليثا يخطر في غاب
أو كلبا يعدو ، أو حملا=يرعى ، أو نهرا، أو هضبه
أو ديكا ينقد، أو رجلا=يمشي ، أو مهرا، أو عربه
أو نجبل ماء وترابا=ونشيد بيوتا وقبابا
أو نجعل منه أنصابا=أو نصنع حلوى وكبابا))
مثّلت الطفل ودنياه=فأحبّت نفسي دنياه
ووددت لو أني إيّاه=بل خلت كأني إيّاه
فضحكت ولجّ بي الضحك=حتى استلقيت على ظهري
فاستيقظ في الولد الشك=فتوقف يعجب من أمري
ويقول: أيا هذا قدكا=فوحقك ذا الطيش الأكبر
ما تضحك مني بل منكا=إيّاك أنا لو تتذكر!
وتوارى عني واحتجبا=كالموجة في عرض النهر
فتضايق قلبي واضطربا=وارتجّت روحي في صدري
2
وإذا الشبح الثاني أقبل=يترّنح مثل المخمور
ألليل على الدنيا مسدل=وعليه وشاح من نور
معصوب المقلة والدرب=وعر وكثير الآفات
كسفين ليس لها ربّ=تجري في بحر الظلمات
ماذا في الأفق ؟فقد وقفا=يتأمل فيه ويبتسم
هل لاح له وجه عرفا=أم هزّ جوارحه نغم؟
أم أبصر آلهة الحب=تدعوه إليها إيماء
لا شيء في الأقف الرحب=وكأن هناك أشياء
ألطير تغني للزهر=ويظنّ الطير تساجله
والزهر ترحّب بالفجر=ويظنّ الزهر تغازله
ونظرت إليه في البّر=يتمنّى لو خاض البحرا
ونظرت إليه في البحر=يتمنى لو بلغ البرّا
يتأفّف من بطء الدهر=والدهر يسير به وثبا
وينام ليحلم بالفجر=والفجر يضيء له الدربا
ويسائل عن كأس الخمر=ويائله عنها الناس
في الليل ، وفي وضح الفجر=والخمرة فيه والكأس
فصيرت ولازمت الصمتا=حتى دانى الظلّ الظلّ
فأشرت إليه: من أنتا ؟=فأجاب: أنا ذاك الطفل
ومضى كالظلّ إذا انتقلا=وأنا أرجو لو لم يمض
فأعدت لنفسي ما ارتجلا=متعجّب بعضي من بعضي
3
ألشمس تزلّ عن الأفق=كالروح المحتضر الساجي
غمرتها أمواج الغسق=فتوارت خلف الأمواج
والغيم الأسود يحتشد=طبقا في الجوّ على طبق
والليل يطول ويطّرد=والأرض كسار في نفق
وإذا شيخ في صحراء=كالزورق في عرض البحر
إعياه الصلح مع الماء=وأضاع الدرب إلى البّر
يمشي في الأرض على مهل=وعلى حذر، لكن يمشي
كالشاة تساق إلى القتل=بعصا جبّار ذي بطش
يا شيخ... لماذا لا تقف؟=دميت رجلاك من الركض
فأجاب بصوت يرتجف=ألأرض تسير على الأرض!
يا شيخ... رويدا فالبد=سيضيء الدرب فتستهدي
فأجاب: ويتلوه الفجر=لكن سيضيء لمن بعدي
أيلذّ لغصن منكسر=عرّته الريح من الورق
أن يبصر في ضوء القمر=ما كان عليه على الطرق؟
ما لذّة ميت في الرمس=بالزّهر الفوّاح العطر
نور لا يشرق في النفس=كغباء في إذن الحجر
ما استخفت عني الأفلاك=والشهب، بل استخفى حبّي
لم تملأ دربي الأشواك=إنّ الأشواك لفي قلبي
يا شيخ: شجاني ما قلتا=وزرعت بنفسي آلامك
من أنت؟ أجاب: أنا أنتا=أنا ذاتك تمشي قدّامك
كم أبحث بين الأجرام=عني وأنقّب في الأرض
أحلامي تطمر أحلامي=بعضي مدفون في بعضي
لم أبصر ذاتي بالأمس=في لوح زجاج أو ماء
بل لاحت نفسي في نفسي=فهي الورئيّة والرائي

سمر محمد
10-09-2010, 10:54 PM
ضيف ثقيل
أقصّ عليكم ما جرى لي بالأمس=فلي قصص تجلو الهموم عن النفس
إذا فلت قال الدهر أحسنت يا فتى=ولو كان ذا حس لغاب عن الحسّ
فدونكم هذا الحديث فإنّه=ألذّ وأشهى من معاقرة الكأس
جلست إلى طرسي وقد عسعس الدّجى=أسطّر ما توحيه نفسي في طرسي
وليس سوى نور ضئيل بجانبي=يلوح ويخفى كالرّجاء لدى اليأس
وكالنّقع في جوف الدواة أو الدّجى=وكالهندواني بين أنملي الخمس
فصاحة قس أودعت في لسانه=وحكة لقمان ، ويحسب في الخرس
ضعيف الخطى،بادي التحول كأنما=يشدّ إلى قيد، يشدّ إلى حبس
أقلّبه فوق الطروس وإنما=أقلّب فوق الطرس سعدي أو نحسي
فنّبهني طرق على باب غرفتي=وصوت ضعيف وهو أقرب للهمس
نهضت ولكن مثلما ينهض الذي=به نشوة ، أو من يفيق من المسّ
ولما فتحت الباب أبصرت راهبا=ولو كنت طفلا قلت غول من الإنس
فأزعجني مرآة حتى كأنما=رسول الرّدى قد جاء ينعى لي نفسي
فقلت وقاني اللّه شرّك ما الذي=أتى بك، يا مشؤوم ، في ساعة الأنس
أجاب كفيت السوء جئتك طالبا=مديحك لي بين الأعارب والفرس
فقلت وحقّ الشعر مدحك واجب=ومثلي يقضيه على العين والرأس
خبرت بني الدنيا وفتّشت فيهم=فلم تر عيني قطّ أثقل من قسّ

سمر محمد
10-09-2010, 10:56 PM
ليتهم عرفوه!
يا نفس قد ذهب الرفيق الألمعي=فتجلّدي لفراقه أو فاجزعي
هذي النهاية ، لا نهاية غيرها،=للحي إن يسرع وإن لم يسرع
للموت من ملك البسيطة كلّها=أو حاز من دنياه بضعة أذرع
فازرع طريقك بالورود وبالسنا=لا يحصد الإنسان إن لم يزرع
واعمل لكي تمضي وتبقى رقة=في مبسم ، أو نغمة في مسمع
أو صورة مثل الربيع جميلة=في خاطر أو ناظر مستمتع
يا صحب يعقوب ، ويا عشراءه=من منكمو أبكي ولا يبكي معي
إنّا تساوينا فبين ضلوعكم=نار ومثل سعيرها في أضلعي
لبنان، هذا من روضك زهرة=ذهبت كأن في الأرض لم تتضوّع
لبنان هذا من سمائك كوكب=غرّبته حتى انطوى في بلقع
لبنان هذا من مروجك قطعة=فيه بشاشة كلّ مرج ممرع
قل للبنفسج في سفوحك والرّبى=ولّي شبيهك في الوداعة فاخشع
وأمر طيورك أن تنوح على فتى=قد كان يهواها وإن لم تسجع
قد عاش مثلك للمروءة والعلى=متعفّفا كالزاهد المتورّع
مترفّعا في قوله وفعاله=عمّن غوى وهوى ولم يترفّع
كم حرّضته النفس في نزواتها=ليكون صاحب حيلة أو مطمع
فأجابها: يا نفس لا تتوّرطي=صدأ النفوس هي المطامع فاقتعي
ليس المحارب في الوغى بأشدّ بأسا=من محارب نفسه أو أشحع
يا صاحبي أضنيت جسمك فاسترح=وأطلت ، يا يعقوب، سهدك فاهجع
حدّثت قومك حقبة فتسمّعوا=والآن دور حديثهم فتسّع
هجروا الكلام إلى الدموع لأنّهم=وجدوا البلاغة كلّها في الأدمع
كيف التفتّ وسرت لا ألقى سوى=متوجع يشكو إلى متوجّع
حتى الألى نفشوا عليك سمومهم=حزّ الأسى أكبادهم كالمبضع
عرفوا مكانك بعد ما فارقتهم=يا ليتهم عرفوه قبل المصرع
ولكم تمنّوا لو تعود إليهم=أنت الشباب إذا مضى لم يرجع
حنّوا إلى أرج الأزاهر بعدما=عبثت بها أيدي الرياح الأربع
واستعذبوا الماء المسلسل بعدما=نضب الغدير وجفّ ماء المشرع
يا لوعة الأحباب حين تساءلوا=عنه وعادوا بالجواب الموجع
إن الذي قد كان معكم قد مضى=من موضع أدنى لأرفع موضع
من عالم متكلّف متصنّع=تشقى نفوس فيه لم تتصنّع
للعالم الأسمى الطهور ، ومن مجاورة=الأنام إلى جوار المبدع

سمر محمد
10-09-2010, 10:59 PM
تعالي
تعالي نتعاطاها كلون التبر أو أسطع=ونسقي النرجس الواشي بقايا الراح في الكاس
فلا يعرف من نحن ولا يبصر ما نصنع=ولا ينقل عند الصّبح نجوانا إلى الناس
تعالي نسرق اللذات ما ساعفنا الدهر=وما دمنا وما دامت لنا في العيش آمال
فإن مرّ بنا الفجر وما أوقظنا الفجر=فما يوقظنا علم، ولا يوقظنا مال
تعالي نطلق الروحين من سجن التقاليد=فهذي زهرة الوادي تذيع العطر في الوادي
وهذا الطير تياه فخور بالأغاريد=فمن ذا عنّف الزهرة أو من وبّخ الشادي؟
أراد الّه أن نعشق لما أوجد الحسنا=وألقى الحبّ في قلبك إذ ألقاه في قلبي
مشيئته... وما كانت مشيئته بلا معنى=فإن أحببت ما ذنبك أو أحببت ما ذنبي؟
دعي اللاحي وما صنّف والقالي وبهتانه=أللجدول أن يجري وللزهرة أن تعبق،
وللأطيار أن تشتاق أيارا وألوانه،=وما للقلب ، وهو القلب، أن يهوى وأن يعشق؟
تعالي ، إنّ ربّ الحب يدعونا إلى الغاب=لكي يمزجنا كالماء والخمرة في كاس
وبغدو النور جلبابك في الغاب وجلبابي=فكم نصغي إلى الناس ونعصي خالق الناس
يريد الحبّ أن نضحك فلنضحك مع الفجر=وأن نركض فلنركض مع الجدول والنهر
وأن نهتف فلنهتف مع البلبل والقمري=فمن يعلم بعد اليوم ما يحدث أو يجري ؟
تعالي ، قبلما تسكت في الروض الشحارير=ويذوي الحور والصفصاف والنرجس والآس
تعالي ، قبلما تطمر أحلامي الأعاصير=فنستيقظ لا فجر، ولاخمر، ولا كاس

سمر محمد
10-09-2010, 11:01 PM
وداع وشكوى
أزفّ الرّحيل وحان أن نتفرّقا=فإلى اللّقا يا صاحبّي إلى اللّقا
إن تبكيا فلقد بكيت من الأسى=حتى لكدت بأدمعي أن أغرقا
وتسعّرت عند الوداع أضالعي=نارا خشيت بحرّها أن أحرقا
ما زلت أخشى البين قبل وقوعه=حتى غدوت وليس لي أن أفرقا
يوم النوى ، للّه ما أقسى النّوى=لولا النّوى ما أبغضت نفسي البقا
رحنا حيارى صامتين كأنّما=للهول نحذر عنده أن ننطقا
أكبادنا خفّاقة وعيوننا=لا تستطيع ، من البكا، أن ترمقا
نتجاذب النظرات وهي ضعيفة=ونغالب الأنفاس كيلا تزهقا
لو لم نعلّل باللقاء نفوسنا=كادت مع العبرات أن تتدّفقا
يا صاحبي تصبّرا فلربّما=عدنا وعاد الشّمل أبهى رونقا
إن كانت الأيّام لم ترفق بنا=فمن النّهى بنفوسنا أن نرفقا
أنّ الذي قدر القطيعة والنّوى=في وسعه أن يجمع المتفرّقا!..
ولقد ركبت البحر يزأر هائجا=كالليث فارق شبله بل أحنفا
والنفس جازعة ولست ألومها=فالبحر أعظم ما يخاف ويتّقى
فلقد شهدت به حكيما عاقلا=ولقد رأيت به جهولا أخرقا
مستوفز ما شاء أن يلهو بنا=مترّفق ما شاء أن يتفرّقا
تتنازع الأمواج فيه بعضها=بعضا على جهل تنازعنا البقا
بينا يراها الطّرف سورا قائما=فاذا بها حالت فصارت خندقا
والفلك جارية تشقّ عبابه=شقّا، كما تفري رداء أخلقا
تعلو فنحسبها تؤمّ بنا النّسما=ونظنّ. أنّا راكبون محلّقا
حتّى إذا هبطت بنا في لجّة=أيقنت أنّ الموت فينا أحدقا
والأفق قد غطّى الضباب أديمه=فكأنّما غشي المداد المهرفا
لا الشّمس تسطع في الصّباح ، ولا نرى=إمّا استطال اللّيل؛ بدرا مشرقا
عشرون يوما أو تزيد قضيتها=كيف التفتّ رأيت ماء مغدقا
(نيويورك) يا بنت البخار، بنا اقصدي=فلعلّنا بالغرب ننسى المشرقا
وطن أردناه على حبّ العلى=فأبى سوى أن يستكين إلىالشّقا
كالعبد يخشى ، بعدما أفنى الصبى=يلهو به ساداته ، أن يعتقا
أو كلّما جاء الزمان بمصلح=في أهله قالوا. طغى وتزندقا؟
فكأنما لم يكنه ما قد جنوا=وكأنما لم يكفهم أن أخفقا
هذا جزاء ذوي النّهى في أمّة=أخذ الجمود على بينها موثقا
وطن يضيق الحرّ ذرعا عنده=وتراه بالأحرار ذرعا أضيقا
ما إن رأيت به أديبا موسرا=فيما رأيت، ولا جهولا مملقا
مشت الجهالة فيه تسحب ذيلها=تيها، وراح العلم يمشي مطرقا
أمسى وأمسى أهله في حالة=لو أنها تعرو الجماد لأشفقا
شعب كما شاء التخاذل والهوى=متفرّق ويكاد أن يتمزّقا
لا يرتضي دين الآله موفّقا=بين القلوب ويرتضيه مفرقا
كلّف بأصحاب التعبّد والتّقى=والشرّ ما بين التعبّد والتّقى
مستضعف، إن لم يصب متملقا=يوما تملّق أن يرى متملقا
لم يعتقد بالّلم وهو حقائق=لكنّه اعتقد التمائم والرّقى!
ولربما كره الجمود وإنما=صعب على الانسان أن يتخلّقا!..
وحكومة ما إن تزحزح أحمقا=عن رأسها حتّى تولّي أحنقا
راحت تناصبنا العداء كأنما=جئنا فريّا أو ركبنا موبقا
وأبت سوى إرهقنا فكأنما=كلّ العدالة عندها أن ترهقا
بينا الأحباب يعبثون بها كما=عبث الصّبا سحرا بأغصان النّقا
(بغداد) في خطر ( ومصر) رهينة=وغدا تنال يد المطامع (جلّقا)
ضعفت قوائمها ولما ترعوي=عن غيّها حتى تزول وتمحقا
قيل اعشقوها قلت: لم يبق لنا=معها قلوب كي نحبّ ونعشقا
إن لم تكن ذات البنين شفيقة=هيهات تلقى من بينها مشفقا
أصبحت حيث النّفس لا تخشى أذى=أبدا وحيث الفكر يغدو مطلقا
نفسي اخلدي ودعي الحنين فإنما=جهل بعيد اليوم أن نتشوّقا
هذي هي ((الدّنيا الجديدة)) فانظري=فيها ضياء العلم كيف تألّقا
إني ضمنت لك الحياة شهيّة=في أهلها والعيش أزهر مونقا

سمر محمد
10-09-2010, 11:02 PM
يا جنتي
ما رأيت الورد في خدّيك=وشقائق النعمان في شفتيك
ونشقت من فوديك ندّا عاطرا=لّما مشت كفّاك في فوديك
ورأيت رأسك بالأقاح متّوجا=والفلّ طاقات على نهديك
وسمعت حولك همس أرواح الصبا=عند الصباح تهنزّ من عطفيك
أيقنت أنّك جنة خلاّبة=فحننت من بعد المشيب إليك
ولذاك قد صبّرت قلبي نحلة=يا جنّتي كيما يحوم عليك

سمر محمد
10-09-2010, 11:03 PM
في يوبيل شكيب ارسلان
امنحيني، يا نجوم، الألقا=وهبيني، يا زهور ، العبقا
أبعث الشعر إلى الدنيا هوى=وضياء وغناء شيّقا
فإذا خامر نفسا طربت=وإذا يروى لباك صفّقا
فمن الشعر لقوم حكمة=ومن الشعر لأقوام رقى
أنا لا أستعذب الشعر إذا=لم أجده روضة أو أفقا
حبّذا ليلتنا من ليلة=يكرم الأحرار حرّا لبقا
شاعر ما أن جرى في حلبة=أبدا إلاّ وكان الأسبقا
كاتب، لا بل سحاب هتن،=كم روى الأرواح خمرا وسقى
قل لمن حاول أن يلحقه=إنّ هذا عارض لن يلحقا
قلم يهمي على أمّته=رحمة إذ تمطر الدنيا شقا
وإذا ما أوذيت أو ظلمت=أمطر الدنيا شواظا محرقا
ودوت زععقاته كابن الشّرى=ريع في عرّيسه أو ضويقا
هو للحقّ إلى أن ينجلي=وعلى الباطل حتى يزهقا
أنفق العمر على خدمتها=آه ما أغلى الذي قد أنفقا
قل لمن أرجف كي يقلقه=في حماه 'نه لن يقلقا
ولمن حاول أن يغضبه=إنه أعلى وأسمى خلقا
أأمير تتقيه دولة=يتوقى كاشحا مختلفا؟

سمر محمد
10-09-2010, 11:05 PM
حكاية حال
هجرت القوافي ما بنفسي ملالة=سواي ، إذا اشتدّ الزّمان، ملول
ولكن عدتني أن لأقول حوادث=إذا نزلت بالطود كاد يزول
وبغّضني الأشعار أنّ دعاتها=كثير ، وأنّ الصّادقين قليل
وأنّ الفتى في ذي الرّبوع عقاره=وأمواله والباقيات فضول
سكتّ سكوت الطّير في الرّوض بعدما=ذوى الرّوض واجتاح النّبات ذبول
فما هزّني إلاّ حديث سمعته=عن الغيد كالغيد الحسان جميل
فما أنا في هذي الحكاية شاعر=ولكن كما قال الرّواة أقول
فتّى من سراة النّاس، كلّ جدوده=سريّ، كريم النّبعتين، نبيل
قضى في ابتناء المكرمات زمانه=ينال ويرجوه السّوى فينيل
فدكّ مباني غزّه الدّهر بغتة=وقلّم منه الظّفر فهو كليل
هوى مثلما يهوي إلى الأرض كوكب=كذاك اللّيالي بالأنام تدول
وكان له الدّهر بطش وصولة=فأعوزه، عند البلاء، خليل
تفرّق عنه صحبه فكأنّما=به مرض ، أعيا الأساة ، وبيل
وأنكره من كان يحلف باسمه=كما ينكر الدّين القديم عميل
فأصبح مثل الفلك في البحر ضائعا=يميل مع الأمواج حيث تميل
يكاد يمدّ الكفّ لولا بقيّة=من الصّبر في ذاك الرّداء تجول
زوى نفسه كي لا يرى النّاس ضرّه=فيشمت قال أو يسرّ عذول
بدار... أناخ البؤس فيها ركابه=وجرّت عليها للخراب ذبول
مهدّمة الجدران مثل ضلوعه=بها اليأس ضمت والسّقام يحول
إذ ما تجلّى البدر في الأفق طالعا=رعاه ، إلى أن يعتريه أفول
حبال الأماني عند قوم شعاعه=ولكنّه في مقلتيه نصول
فيا عجبا حتّى النّجوم تضّلّه=وفي نورها للمدلحين دليل
وهل تهتدي بالبدر عين قريحة=عليها من الدّمع السّجين سدول؟
غفا الناس، واستولت عليهم سكينة،=فما باله استولى عليه ذهول؟
تأمّل في أحزانه وشقائه=فهان عليه العيش وهو جميل
فمدّ إلى السّكين كفا نقيّة=أبت أن يراها تستغيث بخيل
وقرّبها من صدره ثمّ هزّها=وكاد بها نحو الفؤاد يميل
وإذ شيح يستعجل الخطو نحوه=وصوت لطيف في الظّلام يقول:
رويدك، فالضّنك الذي أنت حامل=متى زال هذا اللّيل سوف يزول
نعم؛ هي إحدى محسنات نسائنا=ألا إنّ أجر المحسنات جزيل
أبت نفسها أن يكحل النّوم جفنها=وجفن المعنّى بالسّهاد كحيل
وأن تتولّى الابتسامات ثغرها=وفي الحي مكلوم الفؤاد عليل
فألقت إليه صرّة وتراجعت=وفي وجهها نور السّرور يجول
فلم تتناقل صنعها ألسن الورى=ولا قرعت في الخافقين طبول
لا أحسنت كي تعلن الصّحف إسمها=فتعلم جارات لها وقبيل
كذا فليواس البائسين ذوو الغنى=وإني لهم بالصّالحات كفيل
فإن القصور الشّاهقات إذا خلت=من البّر والإحسان فهي طلول
وخير دموع الباكيات هي التي=متى دمع البائسين تسيل!
ألا إن شعبا لا تعزّ نساؤه=وإن طار فوق الفرقدين ، ذليل
وكلّ نهار لا يكنّ شموسه=فذلك ليل حالك وطويل
وكلّ سرور غيرهنّ كآبة=وكلّ نشاط غيرهنّ خمول

سمر محمد
10-09-2010, 11:07 PM
ريح الشمال
سألت: وقد مرّت الشمأل=تنوح وآونه تعول
إلى أيما غاية تركضين ؟=ألا مستقر ؟ ألا موئل؟
وكم تعولين، وكم تصرخين،=كعصفورة راعها الأجدل؟
لقد طرح الغصن أوراقه=من الذعر ، واضطرب الجدول
وضلّ الطريق ألى عشه=فهام على وجهه البلبل
وغطى السّهى وجهه بالغمام=كما يتزوى الخائف الأعزل
وكادت تخرّ الهضاب=وتركض قدّامك الأجبل
أبنت الفضاء أضاق الفضاء=فأنت ألى غيره أميل؟
أغاظك أنّ الدجى لا يزول=وأن الكواكب لا تأقل؟
أتبكين آمالك الضائعات ؟=هل الريح مثل الورى تأمل؟
أيعدو وراءك جيش كثيف؟=أمثلك يرهبه الجحفل؟
وما فيك عضو ولا مفصل=فتقطع أوصلك الأنصل
فجاوبني عاتف في الظلام:=غلطت فما هذه الشمأل
ولكنها أنفس الغابرين=تجوس الديار ولا تنزل
فقلت: أينهض من القبور=وفوقهم الترب والجندل؟
أجاب الصدى ضاحكا ساخرا=إلى كم تحار، وكم تسال؟
وترفع عينيك نحو السماء=وليست تبالي ولا تحفل؟
من البحر تصعدي هذي الغيوث=وتهطل في البحر إذ تهطل
وفي الجوّ إن خفيت نسمة=وفي الأرض إن نضب المنهل
لقد كان في أمس ما قبله=وفي غده يومك المقبل
عجبت لباك على أوّل=وفي الآخر النائح الأول
هم في الشراب الذي نحستي=وهم في الطعام الذي نأكل
وهم في الهواء الذي حولنا=وفي ما نقول وما نفعل
فمن حسب العيش دنيا وأخرى=فذا رجل عقله أحول

سمر محمد
10-10-2010, 12:12 AM
1916
كم ، قبل هذا الجيل، ولّى جيل=هيهات ، ليس إلى البقاء سبيل
ضحك الشّباب من الكهول فإغرقوا=واستيقظوا، فإذا الشّباب كهول
نأتي ونمضي والزّمان مخلّد=الصّبح صبح والأصيل أصيل
حرّ وقرّ يبلسان جسومنا=ليت الزّمان ، كما نحول، يحول
إنّ التّحول في الجماد تقلّص=في الحي موت؛ في النّبات ذبول
قف بالمقابر صامتا متأملا=كم غاب فيها صامت وسؤول
وسل الكواكب كم رأت من قبلنا=أمما، وكم شهد النّجوم قبيل
تتبدّل الدّنيا تبدّل أهلها=واللّه ليس لأمره تبديل
يا طالعا لفت العيون طلوعه=بعد الطّلوع ، وإن جهلت ، أفول
عطفا ورفقا بالقلوب فإنما=حقد القلوب على أخيك طويل
أنظر فوجه الأرض أغير شاحب=واسمع ! فأضوات الرّياح عويل
ومن الحديد صواعق ، ومن العجاج=غمائم، ومن الدّماء سهول
ما كنت أعلم قبلما حمس الوغى=أنّ الضّواري والأنام شكول
يا أرض أوربّا ويا أبناءها=في عنق من هذا الدّم المطلول؟
في كلّ يوم منكم أو عنكم=نبأ تجيء به الرّواة مهول
مزّقتم أقسامكم وعهودكم=ولقد تكون كأنّها التّنزيل
وبعثتم الأطماع فهي جحافل=من خلفهن جحافل وخيول
ونشرتم الأحقاد فهي مدافع=وقذائف وأسنّة ونصول
لو لم تكن أضغانكم أسيافكم=أمسى بها، مّما تسام، فلول
علّمتم((عزريل)) في هذي الوغى=ما كان يجهل علمه عزريل
إن كان هذا ما يسمى عندكم=علما، فأين الجهل والتّضليل
إن كان هذا ما يسمى عندكم=دنيا فأين الكفر والتّعطيل
عودا إلى عصر البداوة ، إنّه=عصر جميل أن يقال جميل
قابيل، يا جدّ الورى ، نم هانئا=كلّ امرىء في ثوبه قابيل
لا تفخروا بعقولكم ونتاجها=كانت لكم، قبل القتال ، عقول
لا أنتم أنتم ولا أرباضكم=تلك التي فيها الهناء يقيل
لا تطلبوا بالمرهفات ذحولكم=في نيلها بالمرهفات ذحول
إنّ الأنام على اختلاف لغاتهم=وصفاتهم ، لو تذكرون ، قبيل
يا عامنا! هل فيك ثّمة مطمع=بالسّلم هذا الشقاء يطول
مرّت عليها حجتّان ولم تزل=تتلو الفصول مشاهد وفصول
لم يعشق النّاس الفناء وإنّما=فوق البصائر والعقول سدول
أنا إن بسمت ، وقد رأيتك مقبلا=فكما يهشّ لعائديه عليل
وإذا سكنت إلى الهموم فمثلما=رضي القيود الموثق المكبول
لا يستوي الرّجلان ، هذا قلبه=خال وهذا قلبه ( لجهول)
لا يخدعنّ العارفون نفوسهم=إنّ المخادع نفسه لجهول
في الشّرق قوم لم يسلّوا صارما=والسّيف فوق رؤوسهم مسلول
جهلوا ولم تجهل نفوسهم الأسى=أشقى الأنام العارف المجهول
أكبادهم مقروحة كجفونهم=وزفيرهم بأنينهم موصول
أمّا الرّجاء، وطالما عاشوا به=فالدّمع يشهد أنّه مقتول
واليأس موت غير أن صريعه=يبقى، وأمّا نفسه فتزول
ربّاه، قد بلغ الشّقاء أشدّه=رحماك إنّ الرّاجعين قليل
في اللّه والوطن العزيز عصابة=نكبوا ، فذا عان وذاك قتيل
لو لم يمت شمم النّفوس بموتهم=ثار الشآم ، لموتهم ، والنّيل
يا نازحين عن الشآم تذكروا=من في الشّآم وما يليه نزول
همّ الممالك في الجهاد ، وهمّكم=قال تسير به الطّروس وقيل
هبّوا؛ اعملوا لبلادكم ولنسلكم=بئس الحياة سكينة وخمول
لا تقبطوا الأيدي فهذا يومكم=شرّ الورى جعد البنان بخيل
وعد الاله المحسنين ببرّه=وكما علمتم ، وعده تنويل

سمر محمد
10-10-2010, 12:13 AM
المجنون
أطار عني النوم صوت في الدجى=كأنه دمدمة الشّلال
يصرخ، والريح تردّد الصدى=في أذن الفضاء والتلال
يا ليل هنيهة قبالي
تر البرايا وأر الليالي
أنا الشادي ، أنا الباكي،=أنا العاري، أنا الكاسي
أنا الخمرة والدنّ،=أنا الساقي، أنا الحاسي
***
خلعت ثوبا لم تفصّله يدي=وهمت في الوادي بلا سريال
وخلتني انطلقت من سلاسلي=وخلصت ذاتي من الأوحال
فلم أزل أرسف في أغلالي
ولم أزل في حندس المحال
فما أبكي من الغربة=عن جار وعن خدن
فقد يرجع جيراني=وتبقى غربتي عني
***
عرفت في النهار كل مقبل=ومدبر، وما عرفت حالي
واستترت عني السهول والربى=تحت الدجى ، والبحر ذو الأهوال
لكنما لم تستتر_ آمالي
عني ولا نقصي ولا كمالي
ولا ضعفي، ولا عزمي ،=ولا قبحي، ولا حسني
فكم أهرب من نفسي=وما لي مهرب مني
***
فقلت من هذا ؟ فقال صحبي=موسوس يهذي من الخيال
يأوي إلى الأدغال في نهاره=كأنه جزء من الأدغال
وفي الدجى له صراخ عال
كأنه والليل في نضال
كأن الليل يوثقه=بأغلال وأمراس
ويضرب جسمه العاري=بسوط الظالم القاسي
***
ما أن رآه أحد إلاّ رآه=شاخص الطرف إلى الأعالي
كأنما يرقب ركبا صاعدا=أو هابطا وليس غير الآل
كأنما يخشى على الهلال
وسائر الشهب من الزوال
فصاح الصوت : ما أرجوه=في نفسي وما أحذر
فهما رحب الأفق=فنفسي الأفق الأكبر
***
ليس جلال الليل ما أدهشني=وإنما أدهشني جلالي
ولا جمال الشهب ما حيّرني=وإنما حيّرني جمالي
إن كان بي شوق إلى وصال
فإنّما شوقي إلى خيالي
توشّحت الضحى والليل=في أنسي وفي حزني
فما زاد الدجى خوفي=ولا زاد الضحى أمني
***
لم هاجر الناس فأصناف الورى=من السلاطين إلى الموالي
إلى ذوي العلم ، إلى أهل الغنى=من واصل وهاجر وسال
وحاضر وسابق وتال
في قبضتي ((اليمنى)) بلا جدال
تلاقى الأحمق الجاهل=والعالم في كفي
ومن كان له إلف=ومن كان بلا إلف
***
وفي يدي ((الشمال)) أشكال المنى=وصور اليقين والضلال
وكلّ ما لعاقل أو جاهل=من لذة أو ألم قتّال
وسائر الأمور والأحوال
وكلّ شيء قال شخص : ذا لي
وكان الليل قد أزمع=أن يحدو مطاياه
فساد الصمت في الوادي=كأن الموت يغشاه
***
فسرت والفجر دليلي باحثا=في الغاب والسفوح والتلال
فلم أجد غير صريع هامد=منطرح في جانب الشّلال
((لا شيء)) في قبضته الشمال
وليس في اليمنى سوى ((صلصال))

سمر محمد
10-10-2010, 12:16 AM
في السفينة
تسير بنا عجل=وإن شاءت على مهل
وتسعى سعي مشتاق=بلا قلب ولا عقل
وتمشي في عباب الماء=مشي الصّل في الرّمل
فما تعبس للحزن=ولا تضحك للسهل
أبت تعرف الشّكوى=من التّرحال والحلّ
فطورا في قرار اليمّ=للغامض تستجلي
وآونة تناجيها=دراري الأفق بالوصل
وأحيانا تواني سيرها=ساكنة الظّلّ
وللموج حواليها=زئير اللّيث ذي الشّبل
ركبناها ونار الشّوق=في أحشائها تغلي
فيا للّه حتّى السّفن=مثلي ما لها مسل
فلا تعجب إذا أعجب=من أطوارها مثلي
فما أعرف مركوبا=سوى الأفراس والإبل
وما أعلم قبل الآن=أنّ الطّود ناق لي
تركنا ((غادة الشّرق))=إلى ((لبنان))ذي الفضل
فمن وطن إلى وطن=ومن أهل إلى أهل

سمر محمد
10-10-2010, 12:17 AM
فتح اورشليم
للّه ما أحلى البشير وقوله=سقط الهلال إلى الحضيض ودالا
بشرى نسينا كلّ شيء قبلها=النّاس والدّولات والأجيالا
ردّت على الشّيخ المسنّ شبابه=وعلى الحزين اليائس الآمالا
وعلى الصّديق صديقه ، وعليهما=أبويهما؛ وعلى الأب الأطفالا
لو سلوم الخلق الّذي وافى بها=بذلوا له الأرواح والأموالا
من مبلغ الأبطال عني أنّني=أهوى القروم الصّيد والأبطالا
بالأمس قطّعت الجزيرة قيدها=ورمت بوجه الغاشم الأغلالا
واليوم ودّعت المظالم أختها=ومشيت تجر ذبولها إدلالا
أبنات أورشليم ضمّخن الثّرى=بالطّيب واملأن الدّروب جمالا
حتّى يمرّ الفاتحون فإنّهم=كشوا الأذى عنكنّ والإذلالا
فاخلعن أثواب الكآبة والأسى=وألبسن من نور الضّحى سربالا
وانفخن بالبسمات كلّ سيمذع=خاض العجاج ووجهه يتلالا
هذا مجال للفتى أن يزدهي=فيه ، وللحسناء أن تختالا
يا قائد الصّيد الغطارفة الألى=تحنى الرؤوس ، لذكرهم ، إخلالا
ظنّ المغول جنودهم تحميهم=والقرد يحسنه أبوه غزالا
فتألّبوا وتهدّدوا وتوّعدوا=حتّى طلعت فأجفلوا إجفالا
ذعر الطّيور سطا عليهم باشق=وبنات آوى أبصرت رئبالا
كم حجفل بعثوا إليك مع الدّجى=لاقاه جيشك ، والصّباح ، فزالا
طاردتهم فوق الجبال وتحتها=كالليث يطرد دونه الأوعالا
فملأت هاتيك الأباطح والرّبى=بجسومهم وملأتهم أهوالا
وحميت إلاّ السّهد عن أجفانهم=ومنعت إلاّ عنهم الأوجالا
ساقوا إليك مثنهم وألوفهم=فرقا وسقت إليهم الآجالا
وصنعت من أسيافهم ودروعهم=لرقابهم وزنودهم أغلالا
لو لم تساقطهم إليك جبالهم=عند الضحى زلزلتها زلزالا
إن يأمنوا وجدوا المنايا يمنة=أو يأسروا وجدوا الجيوش شمالا
وشكت خيولك في اليادين الوجى=فجعلت أرؤسهم لهنّ نعالا
ورأوك قد عرّضت صدرك للظّبى=عند الحصون فعرّضوا الأكفالا
هنّئت بالنّصر المبين فإنه=نصر يعزّ على سواك منالا
هذي القلوب نسجتها لك أحرفا=لو أستطيع صنعتها تمثالا
أرضيت موسى والمسيح وأحمدا=والنّاس أجمع والإله تعالى

سمر محمد
10-10-2010, 12:19 AM
وردة وأميل
يا ليتما خلق الزمان أميلا=إني أراه كالشّباب جميلا
ولّى، فودّعت السماء بهاءها=من بعده ،هوى النّهار عليلا
جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما=تبغي رقادا أو تريد مقيلا
وتناثرت قطع السحاب كأنها=الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا
هذا وقد بسط السكون جناحه=والليل أمسى ستره مسدولا
قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد،=وكلّ جفن بالكرى مكحولا
إلا مهفهفة بها نزل الهوى=ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا
غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى=أني لأحسد ذلك الموصولا
تحكي المدامة رقة وقساوة=تحكي المهاة لواحظا وتليلا
ماء الحياء يجول في وجناتها=فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا
والخدّ أبهج ما يكون موردا=والطرف أفتن ما يكون كحيلا
نظرت وربّ منية من نظرة=قد كان عنها ربّها مشغولا
فهوت وربّ هوى تنال به تامنى=وهوى ينال به الحمام نبيلا
والحبّ مصدره العيون وربّما=تخذ السماع إلى القلوب سيلا
فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى=عينيك ، إنّ من العيون قتولا
ودّت وقد نال الذّبول خدودها=لو أن في الشّوق المقيم ذبولا
وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء=لم بجد عذل العاذلين فتيلا
سمعت دويا في الظّلام فهرولت=مذعورا بعد الوقوف طويلا
وأنين مختضر يقول قتلتني=ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا
تعدو وتجذبها روادفها إلى=خلف فتجهد خضرها المتبولا
فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما=وكأنّ في ذاك الإزار عذولا
تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا=ومن الأنين إلى الأنين دليلا
تبغي الوّقوف على حقيقة أمره ،=تبغي حليلا لا تراه جليلا
وتدير في تلك البنان مسدّسا=تركت قذائفه السهام فضولا
في طرفه كمن الهلاك فلو رنا=طرف الزّمان إليه عاد كليلا
قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه=فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا
يحمي الضعيف من القوي وربّما=قتل الجبان به الفتى البهلولا
ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل=قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا
حتى إذا رأيت المراد وما رأت=إلا خيالا واقفا مجهولا
حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت=أنّ الذي علقت به المقتولا
فدنت وأطلقت المسدّس نحو من=بصرت به عرضا فخرّ قتيلا
صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت=أسدا يخرّ له الهزير ذليلا
كالبدر حسنا ، كالغمام سماحة،=كالغصن غضّا، كالحسام صقيلا
ثبت الجنان قويّة، عف الإزارنقيّه ،=ما خان قطّ خليلا
هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى=فيها، وأغضب كاشحا وعذولا
ما نال بعد جهاده إلا الرّدى=والبدر يكسيه المسير أفولا
لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها=من لم تر أبدا سواء جميلا
عرفت وذلك عندما طلع الضّحى=ورأت عيانا نعشه محمولا
لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه=إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا
يا صاحبي إن جزت في قبريهما=فاتل السّلام عليهما ترتيلا
من شاعر ما حرّك الغصن الهوا=إلا تذّكر وردة وإميلا

سمر محمد
10-10-2010, 12:20 AM
الى الشبان المتفرّجين
يا أيّها الشّرق انظر إلى=القوم الذين شددت أزرك فيهم
ما زلت تكلأهم بطرف ساهر=يحيي الظلام و هم هجود نوّم
و الغرب يرنو خافا=أجدادهم و يودّ لو لم ينعموا
حتى إذا طرّت شواربهم و بات=من الشباب لهم طراز معلم
خرجوا عليك و أنت لا تدري و هم=لا يشعرون و لو دروا لتندّموا
يا طالما مثلوا لديك كأنّهم=أذد الشّرى فنسيت أنّك تحلم
ورجوت ما يرجوه كلّ أب لدى=أبنائه / أنّ العقوق مذمّم
و لطالما شدت القصور من المنى=خاب الرّجاء و ساء ما تتوهّم
ألهتهم الدّنيا فهذا بالطّلى=صبّ و هذا بالحسان متيّم
و الخمر فاتكة بناعم=ترف يكاد من النّسائم يسقم
قد أصبحوا وقفا على شهواتهم=يستسلمون لها و لا تستسلم
لم يفهموا معنى الحياة و كنهها=إنّ البليّة أنّهم لم يفهموا
فليقلعوا عن غيّهم إنّي أرى=خور الشيوخ بهم و لمّا يهرموا
قد قلّدوا الغربيّ في آفاقه=تقليده الشّرقيّ فيما يعصم
فتنتهم لغة الأعاجم إنّما=لغة الأعاجم منهم تتبرّم
أمسى الذي تهدى إليه لآليء=و كأنّما هو بالحجارة يرجم
لا تعذل الشعراء إن بخلوا به=إنّ القريض على الغبيّ محرّم
بتنا و بات الشّرق يمشي القهقرى=مع ذاك نحسب أنّنا نتقدّم

سمر محمد
10-10-2010, 12:22 AM
تلك المنازل
تلك المنازل ... كيف حال مقيمها=إنّا قنعنا بعدها ....برسومها
تمشي على صور الطيور لحاظنا=نشوى ، كمن يصغى إلى ترنيمها
و نكاد نعشق في الأزاهير الدمى=أزهارها ، و نحسّ نفخ شميمها
نشتاقها ، في بؤسنا و نعيمنا=و نحبّها ، في بؤسها و نعيمها
لولا الخيال يعين أنفسنا لمّا=سكنت ، و لم يهدأ صراخ كلومها
و لكان شهد الأرض في أفواهنا=و هو اللّذيذ أمرّ من زقّمها
يا حاملا في نفسه و حديثه=أحلام أرزتها و لطف نسيمها
حدّث بنيها شيخهم و فتاهمو=عن ليث غابتها و ظبي صريمها
خبّرهم أنّ الكواكب لم تزل=تحنو على العشّاق بين كرومها
ما زال بلبلها يغنّي للربى=و السّحر تنفثه لواحظ ريمها
و الريح تلتقط الشّذى و تذيعه=من شيحها طورا و من قيصومها
و هضابها يلبسن عسجد شمسها=حينا ، و أحيانا لجين نجومها
و الفجر يرقص في السهول و في الذرى=متمهّلا فتهشّ بعد وجوهما
إن بدّلت منها التخوم فإنّها ما=بدّلت و الله غير تخومها
حدّثهم عن ليلها و نجومها=و عن الهوى في ليلها و نجومها
و عن الشّطوط الحالمات بعوده=للغائبين ، و رجعة لنعيمها
و عن الروابي الشاخصات إلى السما=ألعالقات رؤوسها بغيومها
فكأنّها سحب هوت من حالق=ورست على وجه الثّرى بهمومها
و عن الحياة جميلها و قبيحها ،=و عن النفوس صحيحها و سقيمها
و عن الألى ملكوا فلم يتورّعوا=عن سلب أعزلها و ظلم يتيمها
و عن الثعابين التي في أرضها ،=و عن الذئاب العصل خلف تخومها
ألجاهليّة ، آه من أصنامها=بوركت ، يا من جدّ في تحطيمها
و الطائفيّة أنت أوّل معول=في سورها ، ثابرعلى تهديمها
حتّى تعود وواحد أقنومها=و يحلّ روح الله في أقنومها
قل للشبيبة أن تبين وجودها=و تعزّ أنفسها بهون جسومها
كم ذا تشعّ و لا تضيء علومها=سرج الظلام إذن جليل علومها
يا واحد منها يحمّل نفسه=آلام عانيها وليل سليمها
إن أكرمتك نفوسنا في ليلة=فلكم قضيت العمر في تكريمها

سمر محمد
10-10-2010, 12:23 AM
صاحب القلم
أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم=و أتعس الخلق حظّا صاحب القلم
عاف الزّمان بني الدنيا و قيّده=و الطير يحبس منها جيّد النغم
و حكّمت يده الأقلام في دمه=فلم تصنه و لم يعدل إلى حكم
فيا له عاشقا طاب الحمام له=إن المحبّ لمجنون فلا تلم
لكلّ ذي همّة في دهره أمل=و كلّ ذي أمل في الدهر ذو ألم
ويل اللّيالي لقد قلّدنني ذربا=أدنى إلى مهجتي من مهجة الخصم
ما حدّثتني نفسي أن أحطّمه=إلاّ خشيت ععلى نفسي من الندم
فكلّما قلت زهدي طارد كلفي=رجعت و الوجد فيه طارد سأمي
يأبى الشّقاء الذي يدعونه أدبا=أن يضحك الطرس إلاّ إن سفكت دمي
لقد صحبت شبابي و اليراع معا=أودى شبابي ... فهل أبقي على قلم
كأنّما الشعرات البيض طالعة=في مفرقي ، أنجم أشرقن في الظلم
تضاحك الشيب في رأسي فعرّض بي=ذو الشّيب عند الغواني موضع التهم
فكلّ بيضاء عند الغيد فاحمة=و كلّ بيضاء عندي ثغر مبتسم
قل للتي ضحكت من لمّتي عجبا=هل كان ثمّ شباب غير منصرم
أصبحت أنحل من طيف ، و أحير من=ضيف ، و أسهر من راع على غنم
و ليلة بتّ أجني من كوكبها=عقدا كأنّي أنال الشّهب من أمم
لا ذاق جفني الكرى تنال يدي=ما لا يفوز به غيري من الحلم
ليس الوقوف على الأطلال من خلقي=و لا البكاء على ما فات من شيمي
لكنّ ( مصرا ) ، و ما نفسي بناسبه=مليكة الشّرق ذات النيل و الهرم
صرفت شطر الصّبا فيها فما خشيت=نفسي العثار ؛ و لا نفسي من الوصم
في فتنة كالنّجوم الزهر أوجههم=ما فيهم غير مطبوع على الكرم
لا يقبضون مع اللّاواء أيديهم=و قلّما جاد ذو وفر مع الأزم
حسبي من الوجد همّ ما يخامرني=إلاّ و أشرقني بالبادر الشيم
في ذمّة الغرب مشتاق ينازعه=شوق إلى مهبط الآيات و الحكم
نا تغرب الشمس إلاّ أدمعي شفق=تنسى العيون لديه حمرة العنم
و ما سرت نسمات نحوها سحرا=إلاّ وددت لو أنّي كنت في النّسم
ما حال تلك المغاني بعد عاشقها=فانّني بعدها للهمّ و السّقم
جاد الكنانة عنّي وابل غدق=و إن يك النّيل يغنيها عن الديّم
الشرق تاج ، و مصر منه درّته=و الشرق جيش ، و مصر حامل العلم
هيهات تطرّف فيها عين زائرها=بغير ذي أدب أو غير ذي شمم
أحنى على الحرّ من أمّ على ولد=فالحرّ في مصر كالورقاء في الحرك
ما زلت و الدهر تنبو عن يدي يده=حتّى نبت ضلّة عن أرضها قدمي
أصبحت في معشر تقذي العيون بهم=شرّ من الدّاء في الأحشاء و التّخم
ما عزّ قدر الأديب الحرّ بينهم=إلاّ كما عزّ قدر الحيّ في الرّمم
من كلّ فظّ يريك القرد محتشما=و يضحك القرد منه غير محتشم
إذا بصرت به لا فاته كدر=رأيت أسمج خلق الله كلّهم
من الأعاب لكن أنشده=جواهر الشّعر ألقاه من العجم
ما إن تحرّكه همّا و لا طربا=كأنّما أنا أتلوها على صنم
لا عيب في منطقي لكن به صمم=إنّ الصوادح خرس عند ذي الصّمم
حجبت عن كلّ معدوم النّهى درري=إنّي أضنّ على الأنعام بالنعم
قوم أرى الجهل فيهم لا يزال فتى=في عنفوان الصّبا و العلم كالهرم

سمر محمد
10-10-2010, 12:24 AM
أنا أمام الذين هاموا
لمني إذا حلّت عن عهودي=و لا تلمني على هيامي
ما كنت أخشى من المنايا=فكيف أخشى من الملام ؟
قد نزل الحبّ في فؤادي=ضيفا ، و لكن على الدوام
فبات قلبي له طعاما=وبتّ أنأى عن الطعام
أعدى غرامي النجوم حتّى=أسهرها في الدجى غرامي
لو تعرف الشمس ما للهوى لم=تبن لطرف من السّقام
أصاب سهم الفراق قلبي=و أخطأت قلبه سهامي
و كان خوفي من التنائي=خوف كفيف من ( التّرام )
إن فراق الحبيب عندي=أشدّ وقعا من الحمام
لو يبعد البعد عن حبيبي=ما عنّ يوما لمستهام
أنا إمام الذين هاموا=و أيّ قوم بلا إمام
فليس قبلي و ليس بعدي=و لا ورائي ولا أمامي

سمر محمد
10-10-2010, 12:25 AM
كمنجة الشوا
كمنجة ((الشوّا)) عليك السلام=بهيكل الوحي وعرش الغرام
فيك التفت أرواح أهل الهوى=نجوى وشكوى وبكا وابتسام
وأودعت فيك الصّبا همسها=وخبّأ الأسرار فيك الظلام
وذاب فيك الحبّ ذوب الندى=في مبسم الورد وجفن الخزام
ردّي إلينا اليوم دنيا الرؤى=فإنّنا نشقى بدنيا الحطام
أجنحة الأشواق مقصوصة=أو موثقات، والأماني رمام
قد انقضى العمر وأرواحنا=مفطومة بالحرص ، بئس الفطام
ننأى عن الحسن ونشتاقه=ونهجر الماء ونشكو الأوام
ويبعث الحقل إلينا الشّذى=ونحن لا ننشق إلاّ الرّغام
نسير والأضواء من حولنا=كأنّنا في هبوة أو قتام
والماء يجري حولنا كوثرا=ونحن نستسقي السحاب الجهام
ونسهر الليل لغير الهوى=ما تنفع اليقظة والقلب نام؟
حتى نسينا كيف لون الضحى=ولم نعد نذكر سجع الحمام
خير من اليقظة عندي الكرى=إن كانت الغبطة بنت المنام
خلنا الهوى ترجع أيّامه=لم يرجع الحبّ ولا المال دام
فيا فتى ((الشهباء)) يا شاعرا ،=قد رفع الفنّ لأسمى مقام
رجعت بالسحر وكان انطوى=وجئتنا بالوحي في غير جام
هذا عصير الوحي في آلة=خرساء يجري فتنا للأنام
فإن تجدنا حولها عكّفا=فالمنهل العذب كثير الزّحام
فدغدغ الأوتار لا تكترث=أنّ تذهب الفتنة بالاحتشام
سعادة الأنفس في نشوة=من صورة أو نغم أو مدام
وقل لمن يحذر أن يشتكي=ويحبس الدمع لئلاّ يلام
إسمع فهذا وتر نائح=وانظر فهذا خشب مستهام
نيويورك يا ذات البروج التي=سمت وطالت كي تمس الغمام
لن تبلغي واللّه باب السما=إلاّ بأوتار كنار الشآم
فاصغي إلى ألحانه لحظة=تحتقري كلّ صنوف الكلام
وتدركي أنّ قصور المنى=تبقى ةتنهدّ قصور الرّجام
فرّحي معنا به واهتفي:=هذا أمير الفنّ، هذا الإمام

سمر محمد
10-10-2010, 12:27 AM
البدر الآفل
أبعدك يعرف الصّبر الحزين=وقد طاحت بهجته المنون ؟
رمتك يد الزمان بشرّ سهم=فلمّا أن قضيت بكى الخؤون
رماك و أنت حبّه كلّ قلب=شريف ، فالقلوب له رنين
و لم يك للزمان عليك ثار=و لم يك في خلالك ما يشين
و لكن كنت ذا خلق رضيّ=على خلق لغيرك لا يكون
و كنت تحيط علما بالخفايا=و تمنع أن تحيط بك الظنون
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا=فعندك سرّه الخافي مبين
حكيت البدر في عمر و لكن=ذكاؤك لا تكوّنه قرون
عجيب أن تعيش بنا الأماني=و أنّا للأماني نستكين
و ما أرواحنا إلاّ أسارى=و ما أجسادنا إلاّ سجون
و ما الكون مثل الكون فان=كما تفنى الدّيار كذا القطين
لقد علقتك أسباب المنايا=وفيّا لا يخان و لا يخون
أيدري النعش أيّ فتى يواري=و هذا القبر أيّ فتى يصون ؟
فتى جمعت ضروب الحسن فيه=و كانت فيه للحسنى فنون
فبعض صفاته ليث و بدر=و بعض خلاله شمم و لين
أمارات الشّباب عليه تبدو=و في أثوابه كهل رزين
ألا لا يشمت الأعداء منّا=فكلّ فتى بمصرعه رهين
...
أيا نور العيون بعدت عنّا=و لمّا تمتليء منك العيون
و عاجلك الحمام فلم تودّع=و بنت و لم يودّعك القرين
و ما عفت الوداع قلى و لكن=أردت و لم يرد دهر ضنين
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي=نعيّك بعد ما طال السّكون
و لهف شقيقك النّائي بعيدا=إذا ما جاءه الخبر اليقين
ستبكيك الكواكب في الدّياجي=كما تبكيك في الرّوض الغصون
و يبكي أخوة قد غبت عنهم=و أمّ ثاكل و أب حزين
فما تندى لنا أبدا ضلوع=عليك ، و ما تجفّ لنا شؤون
قد ازدانت بك الفتيان طفلا=كما يزدان بالتّاج الجبين
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا=فما في الدهر بعدك ما يزين
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء=و كنت لنا المعين فلا معين
أبعدك ، يا أخي ، أبغي عزاء=إذا شلّت يساري و اليمين ؟
يهون الرزء إلاّ عند مثلي=بمثلك فهو رزء لا يهون
عليك تقطّع الحسرات نفسي=و فيك أطاعني الدّمع الحرون
فملء جوانحي حزن مذيب=و ملء محاجري دمع سخين
و ما أبقى المصاب على فؤادي=فأزعم أنّه دام طغين
يذود الدمع عين عيني كراها=و تأبى أن تفارقه الجفون
لقد طال السّهاد و طال ليلي=فلا أدري الرّقاد متى يكون
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي=عليك أسى لذلك ما يبين
جزاك الله عنّا كلّ خيرو جاد ضريحك الغيث الهتون

سمر محمد
10-10-2010, 12:28 AM
في سبيل الاصلاح
حيّا الصّبا عني ربى لبنان=حيث الهوى ومراتع الغزلان
ورعى المهيمن ساكنيه فإنّهم=في خير أرض خيرة السكّان
قوم صفت أخلاقهم ووجوههم=فالحسن مجموع إلى الإحسان
لهم الأيادي البيض والشّيم التي=لو مثلت كانت عقود جمان
شيم الكرام قصائد في الكون غرّ ،=وهى في شيم الكرام معان
قوم إذا زار الغريب بلادهم=جعلوه منهم في أجل مكان
إن خفت شرّ طوارق الحدثان فاق=صدهم،تخفك طوارق الحدثان
لو أنّ في كيوان دار إقلتي=لهجرت كيوانا إلى لبنان
قيّدت قلبي في هواه فلم أعد=أهوى السّوى إذ ليس لي قلبان
والحبّ تجمل في الشبيبة والصّبى=كجمال زهر الرّوض في نيسان
هو جنّة الخلد التي منّى بها=رسل الهدى قدما بني الإنسان
خلت الدّهور ولا يزال كأنّما=بالأمس شادته يد الرحمن
يا ساكنيه تحية من نازح=إن التحيّة لهي جهد العاني
أصبحتم فوق الممالك رقعة=لولا وجود معاشر(الغربان)
قوم قد اتخذوا الديانة بينكم=شركا لصيد الأصفر الرّتان
فتظاهر بالزّهد حتى أوشكت=تخفى دخائلهم على اليقظان
وتفنّنوا بالمكر حتى أصبحوا=وغبّيهم أدهى من الشيطان
ضربوا على الشّعب الرّسوم شراهة=حسب التعيس ضرائب السّلطان
كفروا بنعمته التي أسداهم=ورموه بالإحاد والكفران
ولقد تفانوا في انتهاك حقوقه=وهو المحبّ رضاهم المتفاني
حتّى حسبنا أنه ينحطّ عن=كسل ، ولم قطّ بالكسلان
لكنّه يسعى ويذهب سعيه=للقّس والشّماس والمطران
لولا احترامي مذهبا عرفوا به=لكشفت مستوارتهم ببيان
فتنّهبوا إن كنتم في غفلة=فالدّهر بالمرصاد للغفلان
إنّ الأبالس حين أعيا أمركم=جاءتكم في صورة الرّهبان
فحذرا من أن تخدعوا بلباسهم=فهم الضّواري في لباس الضّان
من يتبع العميان حبّا بالهدى=لا يأمننّ تعثّر العميان
**
فجعل قوم يلومونه على ذلك فقال:
- - -
إن كان لي ذنب وهم غفرانه=آثرت أن أبقى بلا غفران
أو كنت في النيران حيث لديهم=منها النجاة رضيت بالنيران
أشهى إلى من الذّل الرّدى=لا يرتضي بالذّل غير جبان

سمر محمد
10-10-2010, 12:29 AM
الحرب العظمى
لو استطيع كتبت بالنّيران=فلقد عييت بكم وعيّ بياني
ولكدت استحي القريض وأتّقي=أن يستريب يراعتي وجناني
أمسى يعاصيني لما جشّمته=فيكم وكنت وكان طوع بناني
يشكو إلّي وأشتكي إعراضكم=اللّه في عان يلوذ بعان
عاهدته أن لا أثير شجونه=أو يستير كوامن الأشجان
يا طالما استبكيته فبكى لك=لولا الرّجاء بكيته وبكاني
كم ليلة أحيتها متململا=طرفي وطرف النّجم ملتقيان
تحنو على قلمي يميني والدّجى=حان على فتيات والفتيان
أجلو عرائسه لكم وأزفها=ما بين بكر كاعب وعوان
متألما فيكم وفي أبنائكم=وهم وأنتم نائمو الأحزان
ما غال نومي حبّ معسول اللّمى=ممنوعه، لكن هوى الأوطان
أنفقت أيّام الشّباب عليكم=في ذّمة المضي الشّباب الفاني
كم تسألوني أن أعيد زمانه=يا قوم ، مرّ زمانه وزماني
هان اليراع على البواتر والقنا=ما تصنع الأقلام بالمرّان
ليس الكلام بنافع أو تغتدي=حمر المضارب خلف كلّ لسان
والشّعب ليس بمدرك آماله=حتّى يسير على النّجيع القاني!..
***صلّ الحديد وشّمرت عن ساقها=وتنكّر الإخوان للإخوان
فالخيل غاضبة على أرسانها=والبيض غاضبة على الأجفان
والموت من قدّامهم وورائهم=والهول كلّ ثنيّة ومكان
بسطت جناحيها ومدّت ظلّها=فإذا جناحا السّلم مقصوصان
تغشى مواكبها ثلاث غياهب=من قسطل ودجنّة ودخان
ويردّ عنها كلّ خائض لّجة=سيلان: من ماء ومن نيران
أنّى التفتّ رأيت رأسا طائرا=أو مهجة مطعونة بسنان
يمشي الرّدى في إثر كلّ قذيفة=فكأنّما تقتاده بعنان
فالجوّ مّما من أرواحهم=لا تستبين نجومه عينان
والنّهر مّما سال من مهجاتهم=يجري على أرض من المرجان
والأرض حمراء الأديم كأنّها=خدّ الييّة أو خضيب بنان
كم من مبيح للضّيوف طعامه=أمسى طعام الأجدال الغرثان
ومقاتل ناش الكتيبة، ناشه=ظفر العقاب ومخلب السّرحان
ومخلّق بين المجرّة والسّها=صعد الحمام إليه في الطيران
ومشيّد وقف الزّمان حياله=متحيّرا بجماله الفتّان
أخنى على ذكر ((الخورنق)) ذكره=وسما على ((الحمراء)) و((الإيوان))
وقضى العصور النّاس في تشييده=أودت به مقذفة وثوان
ومدينة زهراء آمنة الحمى=هدمت منازلها على السّكان
خرست بلابلها الشّوادي في الضّحى=وعلا صياح البوم والغربان
وتعطلّت جنّانها وقصورها=ولقد تكون بغبطة وأمان
حرب أذلّ بها التّمدّن أهله=وجنى الشّيوخ بها على الشّبان
سحق القويّ بها الضّعيف وداسه=ومشى على أرض من الأبدان
بئس الوغى يجني الجنود حتوفهم=في ساحها والفجر للتيجان
ماأقبح الإنسان يقتل جاره=ويقول هذي سنّة العمران
بلي الزّمان وأنت مثلك قبله=يا شرعة قد سنّها الجدّان
فالقاتل الآلاف غاز فاتح=والقاتل الجاني أثيم جان
لا حقّ إلاّ تؤيّده الظّبى=ما دام حبّ الظّلم في الإنسان
لو خيّر الضّعفاء لاختاروا الرّدى=لكنّ عيش الأكثرين أماني
ما بال قومي نائمين عن العلى=ولقد تنبّه للعلى الثّقلان
تبّاع أحمد والمسيح ، هوادة=ما للعهد أن يتنكّر الأخوان
اللّه ربّ الشّرعتين وربّكم=فإلى متى الدّين تختصمان
مهما يكن من فارق فكلاكما=ينمى إلى قحطان أو غسّان
فخذوا بأسباب الوفاق وطهّروا=أكبادكم من لوثة الأضغان
في ما يحيق بارضكم ونفوسكم=شغل لمشتغل عن الأديان
نمتم وقد سهر الأعادي حولكم=وسكنتم والأرض في جيشان
لا رأي يجمعكم إذا اختلف القنا=وتلاقت الفرسان بالفرسان
لا رأية لكم يدافع دونها=مردالعوارض، والحتوف دواني
لا ذنب للأقدرا في إذلالكم=هذا جزاء الغافل المتواني
لو لم يعزّ الجهل بين ربوعكم=ما هان جمعكم على الحدثان
المرء ، قيمته المعارف والنّهى=ما نفع باصرة بلا إنسان
ما بالكم لا تغضبون لمجدكم=غضبات ملطوم الجبين مهان
أو لستم كالنّاس أهل حفائظ=أم أنتم لستم من الحيوان؟
أبناؤكم ، لهفي على أبنائكم=يلهو بهم أبناء جنكيز خان
النّازعون الملك من أيديكم=العابثون بكم وبالقرآن
أو كلّما طلعت عليهم أزمة=هاجوا ضغائنكم على الصّلبان
لا تخدعنّكم لسّياسة إنّها=شتّى الوجوه كثيرة الألوان
لو تعقلون عملتم لخلاصكم=من دولة القينات والخصيان
عارعلى نسل الملوك بني العلى=أن _ يستذلّهم بنو الرّعيان
ثوروا عليهم واطلبوا استقلالكم=ونشبّهوا بالصّرب واليونان
مذا يروع نفوسكم ، ما فيكم=وكلّ ولا التّرك غير جبان
وهبوهم الرّومان في غلوائهم=أفما غلبتم أمّة الرّومان
ما الموت ما أعيا النّطاسي ردّه=موت الذّليل وعيشه سيّان

سمر محمد
10-10-2010, 12:30 AM
عش للجمال
عش للجمال تراه العين مؤتلقا=في أنجم الليل أو زهر البساتين
وفي الرّبى نصبت كفّ الأصيل بها=سرادقا من نضار للرياحين
وفي الجبال إذا طاف المساء بها=ولفّها بسرابيل الرّهابين
وفي السواقي لها كالطفل ثرثرة=وفي البروق لهاضحك المجانين
وفيابتسامات ((أيار)) وروعتها=فإن تولّى ، في أجفان(( تشرين))
لا حين للحسن ، لا حدّ يقاس به=وإنّما نحن أهل الحدّ والحين
فكم تماوج في سربال غانية=وكم تألق في أسمال مسكين
وكم أحسّ به أعمى فجنّ له=وحوله ألف راء غير مفتون
عش للجمال تراه ههنا وهنا=وعش له سرّ جدّ مكنون
خير وأفضل ممن لا حنين لهم=إلى الجمال ، تماثيل من الطين

سمر محمد
10-10-2010, 12:31 AM
لا أنت ولا أنا
قلت: السعادة في المنى فرددنني=وزعمت أنّ المرء آفته المنى
ورأيت في ظلّ الغنى تمثالها=ورأيت أنت البؤس في ظلّ الغنى
ما لي أقول بأنها قد تقتني=فتقول أنت بأنها لا تقتني؟
وأقول إن خلقت فقد خلقت لنا ،=فتقول إن خلقت فلم تخلق لنا؟
وأقول إني مؤمن بوجودها=فتقول ما أحراك أن لا تؤمنا؟
وأقول سر سوف يعلن في غد=فتقول لا سرّ هناك ولا هنا؟
يا صاحبي، هذا حوار باطل=لا أنت أدركت الصواب ولا أنا

سمر محمد
10-10-2010, 12:32 AM
الفاتحة
يا رفيقي ... أنا لولا أنت ما وقّعت لحنا
كنت في سرّي لما كنت وحدي أتغنّى
ألبس الروض حلاه أنّه يوما سيجنى
هذه أصداء روحي ، فلتكن روحك أذنا
إن تجد حسنا فخذه واطّرح ما ليس حسنا
إنّ بعض القول فنّ فاجعل الإصغاء فنّا
تك كالحقل يردّ الكيل للزراع طنّا
ربّ غيم صار لمّا لمسته الريح مزنا
ربّما كنت غنيّا غير أنّي بك أغنى
ما لصوت أغلقت من دونه الأسماع معنى
كلّ نور غير نور مرّ بالأعين وسنى
يا رفيقي ، أنت راعيت فجري صار أسنى
و إذا طفت بكرمي زدته خصبا و أمنا
قد سكبت الخمر كي تشرب ، فاشرب مطمئنّا
زاسق من شئت كريما لا تخف أن تتجنى
كلّما أفرغت كأسي زدت في كأسي دنّا
فهي بالإنفاق تبقىو هي بالإمساك تفنى
...
لست منّي إن حسبت الشّعر ألفاظا ووزنا
خالفت دربك دربي وانقضى ما كان منّا
فانطلق عنّي لئلّا تقتني همّا و حزنا
واتّخذ غيري رفيقا و سوى دنياي مغنى

سمر محمد
10-10-2010, 12:32 AM
ماء و طين
سألتني و قد رجعت إليها=و على مفرقي غبار السنينا :
أيّ شيء وجدت في الأرض بعدي ؟=قلت : إنّي وجدت ماء و طينا
جمع الحسن و الدمامة و الإق=دام و الخوف و النهى و الجنونا
و الرجاء الذي يصير به الفد=فد روضا ، و شوكه نسرينا
و القنوط الذي يعرّي من الأو=راق في نشوة الربيع الغصونا
ووجدت الهوى كما كان قدما=ثقة تارة ، و طورا ظنونا
و شبابا سكران من خمرة الوهم=يخال المحال أمرا يقينا
فإذا شاخت الرؤى و تلاشت=وصحا بات جزمه تخمينا
لا يزال الإيمان نوعا من=الرّهبة ، و الحسن للغرور خدينا
لا يزال الغنيّ يختال في الأر=ض و إن كان جاهلا مأفونا
كلّ من قد لقيت مثلك ، يا نف=سي ، في ما تبدين أو تخفينا
فانظري مرّة إليك مليّا=تبصري الأوّلين و الآخرينا

سمر محمد
10-10-2010, 12:33 AM
إلى الله راجعون
بيني و بين العيون سرّ=الله في السّرّ و العيون
إذا عصت فكرتي القوافي=أوحت لنفسي بها الجفون
***
هات اسقني الخمر جهرا=و لا تبال بما يكون
إن كان خير أو كان شرّ=إنّا إلى الله راجعون !!

سمر محمد
10-11-2010, 07:51 AM
زعــم الـمـرء أنّـمـا ربّ = كم يلـوك الكـلام هـذا الإلـه
يلفظ البحر و هـو ملـح أجـاج = لؤلـؤا يبهـر العيـون سـنـاه
ما ادّعى الدّرّ أنّه صـورة البـح = ر و لا قـال : إنّـنـي إيّــاه
لا ولا قال كلّ شيء إلـى المـح = و و ما خـصّ بالخلـود سـواه
إن تكن للخلود ذاتـك فـي الـد = نيا ، فما ذا الأمر الـذي تهـواه
و إذا صرت غير شخصك في الأ = خرى فهذا الفنـا الـذي تخشـاه
في التراب الـذي تـدوس عليـه = ألـف دنيـا و عالـم لا تـراه
أنت جزء مـن الكيـان و فيـه = كثـراه ، كنبتـه ، كحـصـاه
كالـورود التـي تحـبّ شذاهـا = و البعـوض الـذي تخـاف أذاه
ما لحيّ بالموت عنـه انفصـال = إنّ دنـيـاه هــذه أخـــراه

سمر محمد
10-11-2010, 07:52 AM
اسألوها
اسألوها ، أو فاسألوا مضناها=أيّ شيء قالت له عيناها ؟
فهو في نشوة و ما ذاق خمرا=نشوة الحبّ هذه إيّاها
ذاهل الطرف شارد الفكر ،=لا يلمح حسنا في الأرض إلاّ رآها
ألسواقي لكي تحدّث عنها=و الأقاحي لكي تذيع شذاها
و حفيف النسيم في مسمع=الأوراق نجوى تبثّها شفتاها
يحسب الفجر قبسه من سناها=و نجوم السماء بعض حلاها
و كذلك الهوى إذا حلّ في الأرواح=سارت في موكب من رؤاها
كان ينهى عن الهوى نفسه الظمأى=فأمسى يلوم من ينهاها
لمس الحبّ قلبه فهو نار=تتلظّى و يستلذّ لظاها !
كلّ نفس لم يشرق الحبّ فيها=هي نفس لم تدر ما معناها

سمر محمد
10-11-2010, 07:53 AM
يا قائد القوم
يا أيّها الشعر أسعفني فأرثيه=و يا دموع أعينيني فأبكيه
بحثت لي عن معزّ يوم مصرعه=فلم أجد غير محزون أعزّيه
و ما سألت امرءا فيما تفجّعه=إلاّ و جاوب - " إنّي من محبّيه "
كأنّما كلّ إنسان أضاع أخا=أو انطوت فجأة دنيا أمانيه
فذا أساه لهيب في أضالعه=و ذا أساه دموع في مآقيه
فهل درى أيّ سهم في قلوب رمى=لما نعاه إلى الأسماع ناعيه ؟
***
يا شاعر الحسن هذا الروض قد طلعت=فيه الرياحين و افترّت أقاحيه
و شاع " أيّار " عطرا في جوانبه=و نضرة و اخضرارا في روابيه
فأين شعرك يسري من نسائمه ؟=و أين سحرك يجري في سواقيه ؟
هجرته فامّحت منه بشاشته=مات الهوى فيه لمّا مات شادية
أغنى عن الدّرّ في القيعان مختبئا=درّ يساقطه الحدّدا من فيه
و كان للسحر تأثيره فأبطله=بالسحر يجري حلالا في قوافيه
بلاغة " المتنبّي " في مدائحه ،=و دمع " خنساء صخر " في مراثيه
لا يعذّب الشعر إلاّ حين ينظمه ،=أو حين ينشده ، أو حين يرونه
و يا طبيبا يداوي الناس مع علل=داء الأسى اليوم فيهم من يداويه ؟
أمسى الذي كان يشجينا و يطربنا=لا شيء يطربه ، لا شيء يشجيه
لقد تساوى لديه شدو ساجعة=و صوت نائحة في الحيّ تبكيه
صارت لياليه نوما غير منقطع=و لم تكن هكذا قبلا لياليه
قد كان نبراسنا في المعضلات إذا=ما ليلها جنّ واربدّت نواصيه
فمن لنا في غد إن أزمة عرضت=و ليس فينا أخو حزم يضاهيه
من للحزين يواسيه و يسعده=و للمريض يداويه فيشفيه
يا قائد القوم إن تسأل فإنّهم=باتوا حيارى كإسرائيل في التيه
لمّا رأوك مسجّى بينهم علموا=ما العيش غير أخاييل و تمويه
يا رزق ، قلبي عليك اليوم منفطر=و كلّ قلب كقلبي في تشطّيه
لم يحو نعشك جسما لا حراك به=بل أنت آمالنا موضوعة فيه
غدا يواريك عن أبصارنا جدث=لكنّ فضلك لا شيء يواريه

سمر محمد
10-11-2010, 07:54 AM
لقاء و فراق
صبرا على هجرنا إن كان يرضيها=غير المليحة مملول تجنّيها
فالوصل أجمله ما كان بعد نوى=و الشمس بعد الدّجى أشهى لرائيها
أسلمت للسّهد طرفي و الضّنى بدني=إنّ الصبابة لا يرجى تلاقيها
إنّ النساء إذا أمرضن نفس فتى=فليس غير تدانيهنّ يشفيها
فاحذر من الحبّ إنّ الريح خفيت=لولا غرام عظيم مختف فيهعا
يمضي الصفاء و يبقى بعده أثر=في النفس يؤلمها طورا و يشجيها
مرّت ليال بنا كان أجملها=تمّت فما شانها إلاّ تلاشيها
تلك اللّيالي أرجو تذكّرها=خوف العناء و لا أخشى تناسيها
أصبو إليها و أصبو كلّما ذكرن=عندي اشتياقا إلى مصر و أهليها
أرض سماء سواها دونها شرفا=فلا سماء و لا أرض تحاكيها
رقّت حواشيها و اخضرّ جانبها=و أجمل الأرض ما رقت حواشيها
كأنّ أهرامها الأطواد باذخة=هذي إلى جنبها الأخرى تساميها
و نيلها العذب ما أحلى مناظره=و الشّمس تكسوه تبرا في تواريها
كأنّها كعبة حجّ الأنام لها=لولا التقى قلت فيها جلّ بانيها
و ما أحيلى الجواري الماخرات به=تقلّ من أإرضه أحلى جواريها
من كلّ الوجه يغرينا تبسّمها=إن نجتديها ، و يثنينا تثنيها
و ناهد حجبت عن كلّ ذي بصر=حشاشتي خدرها و القلب ناديها
فقي كلّ جارحة منّي لها أثر=" و الدار صاحبها أدرى بما فيها "
و في الكواكب جزء من محاسنها=و في الجآذر جزء من معانيها
يمّميتها و نجوم الأفق تلحظني=في السير شذرا كأنّي من أعاديها
كادت تساقط غيظا عندما علمت=أنّي أؤم التي بالنفس أفديها
أسرى إليها و جنح اللّيل مضطرب=كأنّه مشفق أن لا ألاقيها
و الشوق يدفعني و الخوف يدفعني=هذا إليها و هذا عن مغانيها
أطوي الدّياجي و تطويني على جزع=تخشى افتضاحي و أخشى الصّبح يطويهعا
فما بلغت مغاني من شغف بها=إلاّ وقد بلغت نفسي تراقيها
هناك ألقيت رحلي و انتحيت إلى=خود يرى الدّمية الحسناء رائيها
بيض ترائبها سود ذوابيها=زجّ حواجبها كحل مآقيها
نهودها من ثنايا الثوب بارزة=كأنّها تشتكي ممّا بولريها
و الثوب قد ضاق عن إخفائها فنبا=عنها فيا ليتني برد لأحميها
و تحت ذلك خصر يستقلّ به=دعص ترجرج حتّى كاد يلفيها
قامت تصافحني و الرّدف يمنعها=و الوجد يدفعها و القدّ يثنيها
دهشت حتّى كأنّي قطّ لم أرها=و كدت و الله أنسى أن أحيّيها
باتت تكلّمني منها لواحظها=بما تكنّ و أجفاني تناجيها
حتّى بدا الفجر و اعتلّت نسائمه=و كاد ينشر أسراري و يفشيها
بكت دموعا و أبكتني الدموع دما=ورحت أكتم أشياء و تبديها
كأنّها شعرت في بعدنال أبدا=فأكثرت من وداعي عند واديها
فما تعزّت بأن الدّهر يجمعنا=يوما و لا فرحت أنّي أمنيها
تقول و الدمع مثل الطلّ منتثر=على خدود خشيت الدّمع يدميها
و الهف نفسي على أنس بلا كدر=ترى تنال من الدنيا أمانيها ؟
فقلت صبرا على كيد الزمان لنا=فكلّ حافر بئر واقع فيها

سمر محمد
10-11-2010, 07:55 AM
دموع و تنهّدات
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا=أصاب سلوا أو أصاب الأمانيا
أجنّ الأسى حتّى إذا ضاق بالأسى=تدفّق من عينيّ أحمر قانيا
تهيج بي الذكرى البروق ضواحكا=و تغري بي الوجد الطيور شواديا
فأبكي لما بي من جوى و صبابة=و أبكي إذا أبصرت في لأرض باكيا
فلا تحسباني أذرف الدّمع عادة=و لا تحسباني أنشد الشعر لاهيا
و لكنّها نفسي إذا جاش جأشها=و فاض عليها الهمّ فاضت قوافيا
يشقّ على خدع فؤاده=و إن خادع الدنيا و داجى المداجيا
طلبت على البلوى معينا ففاتني=يؤاسيك من يحتاج فيك مؤاسيا
و من لم تضرّسه الخطوب بنابها=يظنّ شكايات النفوس تشاكيا
رميت من الدنيا بما لو قليله=رميت به الأيّام صارت لياليا
فلا يشتك غيراي البؤوس فإنّني=ضمنت الرزايا و احتكرت العواديا
تمرّ اللّيالي ليلة إثر ليلة=و أحزان قلبي باقيات كما هيا
ولو أنّ ما بي الخمر أو بارد اللّمى=سلوت ، و لكن أمّتي و بلاديا
إذا خطرت من جانب الشّرق نفحة=طربت فألقى منكباي ردائيا
أحنّ إلى تلك المغاني و أهلها=و أشتاق من يشتاق تلك المغانيا
و ما سرّني أنّ الملاهي كثيرة=و في الشّرق قوم يجهلون الملاهيا
إذا مثّلوا و النوم يأخذ مقلتي=بأهدابها أمسيت و سنان صاحبا
و كيف اغتباط المرء لا أهل حوله=و لا هو من يستعذب الصّفو نائيا
***
تبدّلت الدنيا من السّلم بالوغى=و صار بنوها العاقلون ضواريا
فما تنبت الغبراء غير مصائب=و ما تمطر الأفلاك إلاّ دواهيا
وناكر حتّى اللّيل زهر نجومه=و ما الخضمّ المنشآت الجواريا
و بات سبيل كان يسري به الفتى=بلا حارس ، يمشي به الجيش خاشيا
تقطّعت الأسباب بيني و بينهم=فليس لهم نحوي وصول و لا ليا
و كان لنا في الكتب عون على الأسى=و في ( البرق ) ما يدني المدى المتراميا
فلم تأمن الأسرار في ( السّلك ) سارقا=و لم تأمن الأخباتر في الطرس ماحيا
إذا قيل هذا مخبر ملت نحوه=بسمعي و لو كان المحدّث واشيا
و تعلم نفسي أنّه غير عالم=و لكنّني أستدفع اليأس راجيا
سرى الشّكّ ما نصدّق راويا=و طال فبتنا ما نكذّب راويا
أقضي نهاري طائر النفس حائرا=و أقطع ليلي كاسف البال ساهيا
فما هم بأموات فنبكي عليهم=ولاهم بأحياء فنرجو التّلاقيا
***
كأنّي بهم أخرجوا من بيوتهم=حفاة عراة جائعين صواديا
كأنّي بالغوغاء ثارت عليهم=و بالجند تعطي الثائرين المواضيا
كأنّي بهم أعمل السّيف فيهم=كأنّ الدم القاني يسيل سواقيا
كأنّي بالدّور الحسان خرائب=كأنّي بالجنّات صارت فيافيا
مشاهد لاحت لي فهزّت فرائصي=كما ذعر الملسوع راء الأفاعيا
فبتّ كأنّ السّهم بين أضالعي=كأنّي أقلّ الشّاهقات الرّواسيا
و لو أجنبي لاتّقينا سهامه=و لكنّما الإخوان صاروا أعاديا
أطاعوا طغاة الترك فينا و طالما=عصا فيهم التركي و فينا النواهيا
و كم راغ ما بين المسيح و أحمد=و حارب " بالسوري " أخاه " اليمانيا "
فإن ينس " حورانا " فتاه و جاره=فأنّ ربى حوران لم تنس ( ساميا )
ألا ليت من باعوا على الغبن ودّنا=من الترك باعوا ذلك الودّ غاليا
و يا ليت من باع البلاد و أهلها=" بفلكين " لم يخت لها البؤس شاريا
***
فيا أمّة قد طال عهد سباتها=متى يكشف الإصباح عنك الدّياجيا
إلى كم تودّين البقاء لمعشر=بقاؤهم يدني إليك التّلاشيا
ثلاثة أجيال تقضّت و أنتم=تسامون منهم ما تسام المواشيا
أم آن يسترجع التاج أهله=و يسترجع التاج المهابة ثانيا
من كان ( جنكيز ) " لقحطان " سيّدا=فيسمى بنو هذا لذاك مواليا ؟
***
و يا عقلاء العرب هذا زمانكم=فكونوا لمن ضلّ المحجّة ، هاديا
إذا عذر الأعمى الروى في ضلاله=فلا يعذرون النّاظر المتعاميا
أرى ظلمات مطبقات حوالكم=فإن تطلعوا فيها رأيت الدّراريا
غدا ينشر التاريخ حديثه=و يتلو الذي يتلوه ما كان خافيا
فإن شئتم أمسى عليكم محامدا=و إن شئتم أمسى عليكم مساويا
***
و يا أيّها الجالون بلادكم=تناديكم لو تسمعون مناديا
لقد عقّدت فيها الخطوب عجاجة=وساق عليها جبشه الجوع غازيا
و بات ذووكم يجهلون مصيرهم=كأنّهم ماء أضاع المجاريا
من العار أن يغشى الرقاد جفونكم=على حين يغشى الدمع تلك المآقيا
من العار أين يكسو الحرير جسومكم=و لم تبق منهم شدّة الضّنك كاسيا
من العار أن يبقى عليكم جمودكم=وقد بلغت تلك النفوس التراقيا
إذا المال لم ينفقه في الخير ربّه=رآه عليه العالمون مخازيا
إذا المرء لم يسع لخير بلاده=يكن كالذي في ضرّها بات ساعيا

سمر محمد
10-11-2010, 07:57 AM
الأسطورة الأزليّة

كان زمان ، لم يكن كائنا=و حالة ، ما برحت باقية
ملّ بنو الإنسان أطوارهم=و برموا بالسقم و العافية
فاستصرخوا خالقهم و اشتهوا=لو أنّه كوّنهم ثانية
و بلغت أصواتهم عرشه=في ليلة مقمرة صافية
فقال ، إنّي فاعل ما اشتهوا=لعلّ فيه حكمة خافية
و شاهدوه هابطا من عل=فاحتشدوا في السّهل و الرّابيه
من القرى القانعة الطاوية=و المدن الجامحة الغادية
تألّبوا من كلّ صوب كما=تجتمع الأمطار في الساقيه
يسابق الصّعلوك ربّ الغنى=و الأبله الباقعة الداهية
و يدفع الشّيخ التوى عوده=وصار مثل الرمّة البالية
فتى مضى الفجر و لمّا نزل=روعته في وجهه باقية
و تزحم الحسناء ممكورة=خلذابة كالروضة الحالية
دميمة تشبه في قبحها=مدينة مهجورة عافية
فقال ربّ العرش : ما خطبكم :=مابالكم صرخاتكم عالية ؟
هل أصبحت أرضكم عاقرا ،=أم غارت الأنجك في هاوية ؟
أم أقلع الماء فلا جدول ،=و ماتت الطير فلا شادية ؟
أم فقدت أعينكم نورها ،=أم غشيت أرواحكم غاشية ؟
أين الهوى ، إن لم يكن قد قضى=فكل جرح واجد آسية
الفتى :
قال الفتى : يا ربّ إنّ الصّبا=مصدر أحزاني و آلامي
ألبستنيه مونقا بعدما=أبلاه أخوالي و أعمامي
و صار في مذهبهم عصره=فترة زلاّت و آثام
فاختلفت حالي و حالاتهم=كأنّني في غير أقوامي
وصرت كالجدول في فدفد=أو شاعر ما بين أصنام
و الأخضر المورق في يابس=أو مثل صاح بين نوّام
دنياهم دنياي ، لكنّما=أعلامهم ليست كأعلامي
عندهم الروضة أشجارها=و الروض عندي الزهر النامي
و الطير لحم ودم عندهم=و ليس عندي غير أنغام
سكري بها أو بالندى و الشذى=و سكرهم بالخمر في الجام
يسخر قلبي بلياليهم=و يسخر الدهر بأيّامي
كأنّني جئت لتبكيتهم=كأنّما جاؤوا لإيلامي
عبء على نفسي هذا الصّبا=ألجائش المستوفز الطامي
يزرع حولي زهرات المنى=و شوكها في قلبي الدامي
فان ؛ له كلّ فان هوى=فان ، و لا ينجو من الذام
خذه ، و خذ قلبي و أحلامي=فإنّني أشقى بأحلامي
ومر يمرّ الدهر في لحظة=كالطيف أو كالبرق قدّمي
وازرع نجوم في لمّتي=فينجلي حندس أوهامي
الشبح :
وجاء شيخ حائر واجف=مشتعل اللّمّة بالي الإهاب
كأنّما زلزلة تحته=لما به رعشة واضطراب
فصاح : يا ربّاه خذ حكمتي=واردد على عبدك عصر الشباب
إنّ أماني الروح أزهارها=و إنّ روحي اليوم قفر يباب
تلك الأماني ، على كذبها ،=لم تكن اللّذّة فيها كذّاب
زالت و ما زالت ؛ و إنّ الشّقا=أن تطمس الآي و يبقى الكتاب
و تسلب السرحة أرواقها=و لم تزل أعراقها في التراب
كنت غنيّا في زمان الصّبا=و كنت صفر الكفّ ، صفر الوطاب
صحوت من جهلي فأبصرتني=كأنّني سفينة في العباب
قيل لها ، في البحر كلّ المنى=فلم تجد فب البحر إلاّ الضّباب
نأت عن الشّطّ و لم تقترب=شبرا من السرّ الذي في الحجاب
و لو ترجّى أو به لاشتفت=لكنّما عزّ عليها الإياب
مر تقف الأيّام عن سيرها=فإنّها تركض مثل السّحاب
وضع أمامي ، لا ورائي ، المنى=وطوّل الدرب ، وزد في الصّعاب
ما لذّتي بالماء أروى به=بل لذّتي بالعدو خلف السّراب
الحسناء :
و قالت الحسناء : يا خالقي=و هبتني الحسن فأشقيتني
وجهي سنّي مشرق ، و إنّم=مرعى عيون الخلق وجهي السني
حظّي منه حظّ ورد الربى=من عطره الفوّاح و السوسن
و مثل حظّ السرو من فيئه=و الطير من تغريدها المتقن
و مثل حظّ النجم من نوره=في الحندس المعتكر الأدجن
للقائل الفيء ، و السامع=التغريد ، و الزهرة للمجتني
و النور للمدلج و المجتلي ،=و الدرّ للغائص و المقتني
كم ريبة دبّت إلى مضجعي=مع الجمال الرائع الممكن
إن عشقت نفسي فويل لها=و الويل لي إن رجل حبّني
السمّ و الشوك و جمر الغضا=أهون من كاشحة الألسن
كم تقتفيني نظرات الخنا=ويلي من خائنة الأعين
لم يبق في روحي من موضع=يت ربّ لم يخدش و لم يطعن
إنّ الغنى في الوجه لي آفة=فليت أنّي دمية ليتني ...
الجارية :
و سكتت ؛ فصاحت الجارية=باكية من بؤسها شاكية :
ذنبي إلى هذا الورى خلقتي=فهل أنا المجرمة الجانية ؟
إن أخطأ الخزّاف في جبله ال=طين فأيّ ذنب للآنية ؟
أليس من يسخر بي يزذري=بالقوّة الموجدة البارية ؟
لو كنت حسناء بلغت العلى=فللجمال الرتبة العالية
فبات من أسجد قدّامه=صاغرة يسجد قدّمية
فإنّني في ملإ ظالم=أحكامه جائرة قاسية
ليس لذّات القبح من غافر=وفيه من يغفر للزّانية
نفسي جزء منك ، يا خالقي=و إنّها عاقلة راقية
أليس ظلما ، و هي بنت العلى ،=إن تك بالقبح إذن كاسية ؟
فليكن الحسن رداء لها=ترفل به ، أو فلتكن عارية
الفقير :
و أقبل الصّعلوك مسترحما=في مقلتيه شبح اليأس
يصرخ يا ربّاه حتّى متى=تحكّم الموسر في نفسي ؟
و تضع التاج على رأسه=و تضع الشوك على رأسي ؟
و يشرب اللّذّات من كأسه=و أشرب الفصّات من كأسي
و تنجلي الأنجم في ليله=ضاحكة كالغيد في عرس
و يتوارى في نهري السنا=أو يتبدّى حانق الشّمس
يا ربّ لا تنقله عن أنسه=و إنّما إلى الأنس
فإن تشأ أن لا يذوق الهنا=قلبي فجرّدني من الحسّ
لو لم يكن غيري في غبطة=ما شعرت روحي بالبؤس
الغني :
و قال ذو الثّروة : ما أشتهي=لا أشتهي أنّي ذو ثروة
أنفقت أيّامي على جمعها=و خلتني أدركت أمنيتي
فاستعبدتني في زمان الصبا=و أوقرت بالهمّ شيخوختي
قد ملكتني قبلما حزتها=و ملكتني و هي في حوزتي
كنحلة أمسكها شهدها=من الجناحين فلم تفلت
حسبتها تكسبني قوّة=فافترست قوّتها قوّتي
جنت على نفسي و أحلامها=جناية الشوك على الوردة
ينمو فتذوي فهي علّيقه=يحذرها الطائف بالروضة
من قائل عنّي لمن خالني=أمرح من دنياي في جنّة :
لا تنظر الأضواء في حجرتي=وانظر إلى الظلماء في مهجتي
و لا يغرّنّك قصري فما=قصري سوى سجن لحرّيّتي
أنّي في الصرح الرفيع الذرى=كطائر ، في قفص ، ميّت
كم في عباب البحر من سابح=قد مات ظمآنا إلى قطرة
موت الطوى شرّ و لكنّما=أفظع منه الموت بالتّخمة
إن سهر العاشق من لوعة=أو سهر المحزون من كربه
فالشوق كالحزن له آخر=و ينقضي في آخر المدّة
أمّا أنا فقلقي دائم=ما دمت في مالي و في فضّتي
و الخوف من كارثة لم تقع=أمصّ من كارثة حلّت
كم من فقير مرّ بي ضاحكا=كأنّما يسخر من غصّتي
رأيته بالأمس من كوّتي=فخلتني أنظر من هوّة
و كنت كالحوت رأى موجة=ضاحكة ترقص كالطفله
أو حيّة تدبّ في منجم=ترنو إلى فراشة حرّه
قد اختفت ذاتي في بردتي=فما يرى الخلق سوى بردتي
فهم إذا ما سلّموا سلّموا=على خيوط البرد و الحلّة
ربّاه أطلق من عقال الغنى=روحي ، فإنّي منه في محنه
وانزع من الدينار من قبضتي=صلابة الدينار من سحنتي
و حوّل المال إلى راحة=و حوّل القصر إلى خيمة
للأبله :
و صرخ الأبله مستفسرا=ما القصد من خلقي كذا و المراد ؟
ألم يكن يكمل هذا الورى=إلاّ أوجدتني في فساد
لي صورة النّاس و حاجاتهم=من مطعم أو مشرب أو رقاد
لكنّ لبّي غير ألبابهم=فإنّه مكتنف بالسواد
يعجزني إدراك ما أدركوا=كأنّ عقلي فحمة أو رماد
إن كنت إنسانا فلم يا ترى=لست بادراكي كباقي العباد ؟
أولم أكن منهم فمرني أكن=جرادة أو أرنبا أو جواد
فالندّ لا يعدم مع ندّه=ذريعة للسلم أو للجهاد
لا تسخر النّملة من نملة=و ليس يزري بالقراد القراد
أم أنت كالحقل على رغمه=ينمو مع الحنطة فيه القتاد
للأديب :
وجاء بعد المستريب=الألمعي العبقريّ اللّبيب
فقال : إنّي تائه حائر=أنا غريب في مكان غريب
أبحث عن نفسي فلا أهتدي=و ليس يهديني إليها أريب
أنا عليم حيث لا عالم=أنا لبيب عند غير اللّبيب
لو أنّني كنت بلا فطنه=سرت و لم تكثر أمامي الدروب
و كان عقلي كعقول الورى=و كان قلبي مثل باقي القلوب
و ثار عندي كالنجوم الورى=فلا عدوّ فيهم أو حبيب
ولم أر في ضحكهم و البكا=شيئا سوى الضّحك و غير النّحيب
و لم أسائل كوكبا طالعا=ما لك تبدو ، و لماذا تغيب
و لم أقف في الروض عند الضحى=يذهلني لون و شكل و طيب
و لم أقل ما كنت من قبلما=كنت ، و لا ما في سجلّ الغيوب
ما العقل ، يا ربّ ، سوى محنة=لولاه لم تكتب عليّ الذنوب
الخاتمة :
لمّا وعى الله شكايا الورى=قال لهم : كونوا كما تشتهون
فاستبشر الشيخ و سرّ الفتى=و الكاعب الحسناء و الحيزبون
...
لكنّهم لمّا اضمحلّ الدجى=لم يجدوا غير الذي كانا
...
هم حدّدوا القبح فكان الجمال=و عرّفوا الخير فكان الطلاح
و ليس من نقص و لا من كمال=فالشوك في التحقيق مثل الأقاح
...
و ذرّة الرمل ككلّ الجبال=و كالذي عزّ الذي هانا

سمر محمد
10-11-2010, 07:58 AM
الكريم

قالوا : ألا تصف الكريم لنا ؟ فقلت على البديهة :
إنّ الكريم لكالربيع ، تحبّه للحسن فيه
و تهشّ عند لقائه ، و يغيب عنك فتشتهيه
لا يرضي أبدا لصاحبه الذي لا يرتضيه
و إذا اللّيالي ساعفته لا يدلّ و لا يتيه
و تراه يبسم هازئا في غمرة الخطب الكريه
و إذا تحرّق حاسدوه بكى ورقّ لحاسديه
كالورد ينفح بالشّذى حتّى أنوف السارقيه

سمر محمد
10-11-2010, 07:59 AM
أنت
مهبط الوحي مطلع الأنبياء=كيف أمسيت مهبط الأرزاء؟
في عيون الأنلم عنك نبوّ=لم يكن في العيون لو لم تسائي
أنت كالحرّة التي انقلب الدّه=ر عليها فأصبحت في الإماء
أنت كالبردة الموشّاة أبلى الطّي=والنّشر ما بها من رواء
أنت مثل الخميلة الغنّاء=عرّيت من أوراقها الخضراء
أنت كاللّيث فلّم الدّهر ظفريه=وأحنى عليه طول الثّواء
أنت كالشّاعر الذي ألف الوحدة=... في محفل من الغوغاء
أنت مثل الجبّار يرسف في الأغلال=في مشهد من الأعداء
لو تشائين كنت أرفة حالا=أو لست قديرة أن تشائي
أنا ما زلت ذا رجاء كثير=ولئن كنت لا أرى ذا رجاء
قد بكى التار كوك منك قنوطا=فبكى الساكنوك خوف التّنائي
كثر النّائحون حولك حتّى=خلت أني في حاجة للعزاء
بذلوا دمعهم وصنت دموعي=إنّما اليائسون أهل البكاء
لو تفيد الدّموع شيئا لأحيت=كلّ عاف مدامع الشّعراء
أنت في حاجة إلى مثل (موسى)=لست في حاجة إلى (أرمياء)
...
مقلة الشّرق ! كم عزيز علينا=أن تكوني ربيّة الأقذاء
شرّدت أهلك النّوائب في الأرض=وكانوا كأنجم الجوزاء
وإذا المرء ضاق بالعيش ذرعا=ركب الموت في سبيل البقاء
لا يبالي مغرب في ذوبة=أن يراه ذووه في الغرباء
...
أرض آبائنا عليك سلام=وسقى اللّه أنفس الآباء
ما هجرناك إذ هجرناك طوعا=لا تظنّي العقوق في الأبناء
يسأم الخلد والحياة نعيم=أفترضى الخلود في البأساء؟
هذه أرضنا بلاقع، تمشي=فوقها كلّ عاصف هوجاء
هذه دورنا منازل للبو=وكانت منازل الورقاء
بدلتها السّنون شوكا من الزّهر=وبالوحش من بني حوّاء
ما طوت كارثا يد الصّبح إّلا=نشرته لنا يد الإمساء
نحن في الأرض تائهون كأنا=قوم موسى في اللّيلة اللّيلاء
تترامى بنا الرّكائب في البيداء=طورا؛ وتارة في الماء
ضعفاء محقّرون كأنا=من ظلام والنّاس من لألاء
واغتراب القوي عزّ وفخر=واغتراب الضّعيف بدء الفناء
عابنا البيض أنّنا غير عجم=والعبدّى بالسّحنة البيضاء
ويح قومي قد أطمع الدّهر فيهم=كلّ قوم حتى بني السّوداء
فإذا فاتنا عدو تجنّى=فأنارانا الأحباب في الأعداء
أطربتنا الأقلام لّما تغنّت=بالمساواة بيننا والإخاء
فسكرنا بها فلماّ صحونا=ما وجدنا منها سوى أسماء !!
...
نحن في دولة تلاشت قواها=كالنّضارة المدفون في الغبراء
أو كمثل الجنين ماتت به الحامل=حيا يجول في الأحشاء
عجبا كيف أصبح الأصل فرعا=والضّحى كيف حلّ في الظّلماء
ما كفتنا مظالم التّرك حتى=زحفوا كالجراد أو كالوباء
طردوا من ربوعهم فأرادوا=طردنا من ربوعنا الحسناء
ما لنا ، والخطوب تأخذ منّا=نتلهّى كأننا في رخاء
ضيم أحرارنا وريع حمانا=وسكتنا، والصّمت للجبناء
نهضة تكشف المذلّة عنّا=فلقد طال نومنا في الشّقاء
نهضة تلفت العيون إلينا=إنّ خوف البلاء شرّ بلاء
نهضة يحمل الأثير صداها=للبرايا في أوّل الأنباء
نهضة تبلغ النفوس مناها=فهي مشتاقة إلى الهيجاء
إنّ ذا هيكل نحن فيه القلب=والقلب سيّد الأعضاء
زعم الخائنون أنّا بما نبغيه=نبغي الوصول للعنفاء
سوف يدرون أنما العرب قوم=لا يبالون غير الأسنّة السّمراء
يوم تمشي على جبال من الألاء=تمشي في لأبحر من دماء
يوم يستشعر المواؤون منّا=إنّما الخاسرون أهل الرّياء

سمر محمد
10-11-2010, 08:01 AM
أخو الورقاء
للّه من عبث القضاء وسخره=بالناس والحالات والأشياء
كم درة في التاج ألف مثلها=في القاع لم تخرج من الظلماء
ولكم تعثّر سميذع=وانداحت الأطواد للجبناء
ولكم جنى علم أربابه=وجنى الهناء جماعة الجهلاء
أرأيت أعجب حالة من حالنا=أزف الرحيل ولم تفز بلقاء!
عاشت شهورا بالرجاء قلوبنا=وبلجظة أمست بغير رجاء
ماتت أمانينا الحسان أجنّة=لم تكتحل أجفانها بضياء
فكأنها برق تألّق وانطوى=في الليل لم تلمحه مقلة راء
وكأننا كنا نحلّق في الفضا=صعدا لنلمس منكب الجوزاء
حتى إذا حان الوصول ... رمت بنا=نكباء عانية إلى الغبراء!
وكأن ((تكس)) وهي في هذا الحمى=صفع ((كسانبول )) قصي ناء
طوبى لها إن كان يعلم أهلها=أنّ النزيل بها أخو الورقاء
كانت مسارح ((للرعاة)) فأصبحت=لما أتاها كعبة الشعراء
هو بلبل عبق النبوّة في أغانيه ،=وفيها نكهة الصهباء
وجلال لبنان ، وقد غمر المسا=هضباته، وانسال في الأوداء
غنّى ، ففي النسمات ، والأوراق،=والغدران، أعراس بلا ضوضاء
وبكى، فشاع الحزن في الأزهار،=والأظلال ، والألوان، والأضواء
هو نفحة قدسية هبطت إلى=هذا الثرى من عالم اللألاء
لو عاد للدنيا البراق وحزته=ما كان إلا نحوه إسرائي
أشكو البعاد وليس لي أن أشتكي=فسماؤه موصولة بسمائي
ما حال بين نفوسنا ، ما حال بين =جسومنا من أجبل وفضاء
فلكم نظرت إلى الرّبى فلمحته=في الأقحوان الخيّر المعطاء
وسمعت ساقية تئنّ فخلتني=لبكائه أوطانه إصغائي
وإذا تلوح لي الجبال ذكرته=فالشاعر القرويّ طود إباء
من كان يحلم بالغدير فإنه=يبدو له في كلّ قطرة ماء
إن كنت لم أره فقد شاهدته=بعيون أصحابي، وذاك عزائي
...
أفتى القوافي كالشّواظ على=قلوب الصّحب كالأنداء
سارت إليك تحيتي ولو انّني=خيرت ، كنت تحيتي ودعائي

سمر محمد
10-11-2010, 08:02 AM
الشاعر في السماء
رآني اللّه ذات يوم=في الأرض أبكي من الشقاء
فرقّ، واللّه ذو حنان=على ذوي الضرّ والعناء
وقال: ليس التراب دارا=للشعر، فارجع إلى السماء!
وشاد فوق السّماك بيتي=ومدّ ملكي على الفضاء
فالتفّت حول عرشي=وسار في طاعتي الضياء
وصرت لا ينطوي صباح=إلا بأمري ولا مساء
ولا تسوق الغيوم ريح=إلاّ ولي فوقها لواء
فالأمر بين النجوم أمري=لي الحكم فبيها ولي القضاء
...
لكنّني لم أزل حزينا=مكتئب الروح في العلاء
فاستغرب اللّه كيف أشقى=في عالم الوحي والسّناء
وقال: ما زال آدميّا=يصبو إلى الغيد والطّلاء
ومسّ روحي واستلّ منها=شوقي إلى الخمر والنساء
وظنّ أنّي انتعى بلائي=فلم يزدني سوى بلاء
واشتدّ نوحي وصار جهرا=وكان من قبل في الخفاء
وصار دمعي سيول نار=وكان قبلا سيول ماء
...
يا أيّها الشاعر المعنّى=حيّرني داوّك العياء
هل تشتهي أن تكون طيرا؟=فقلت: كلاّ، ولا غناء!
هل تشتهي أن تكون نجما؟=أجبت : كلاّ ولا بهاء!
هل تبتغي المال؟ قلت: كلاّ=ما كان من مطلي الثراء
ولا قصورا ، ولا رياضا=ولا جنودا ولا إماء
وليس ما بي ، يا ربّ، داء=ولا احتياجي إلى دواء
ولا حنيني إلى القناني=ولا اشتياقي إلى الظباء
ولا أريد الذي لغيري=ذا حكمة كان أم مضاء
لكن أمنية بنفسي=يسترها الخوف والحياء!
فقال: يا شاعرا عجيبا=قل لي إذن ما الذي تشاء؟
فقلت: يا ربّ، فصل صيف=في أرض لبنان أو شتاء
فإّنني هنها غريب=وليس في غربة هناء!
فاسضحك اللّه من كلامي=وقال: هذا هو الغباء
لبنان أرض ككلّ أرض=وناسه والورى سواء
وفيه شيء تشتاق فيه؟=فقلت: ما سرّني وساء
تحنّ نفسي إلى السواقي ،=إلى الأقاحي، إلى الشّذاء
الى الروابي تعرى وتكسي،=إلى العصافير والغناء
الى العناقيد ، والدوالي،=والماء، والنور، والهواء!
فأشرف اللّه من علاه=يشهد ((لبنان)) في الماء
فقال: ما أنت ذو جنون=وإنّما أنت ذو وفاء
فإنّ لبنان ليس طودا،=ولا بلادا،لكن سماء!

سمر محمد
10-11-2010, 08:03 AM
أمينة إلاهة
أحبّ إله في صباه إلاهة=جرى السحر في أعطافها والترائب
تمنّت عليه آية يجىء بها=إله سواه في العصور الذواهب
ليمسي على الأرباب أجمع سيّدا ،=وتمسي تباهي كلّ ذات ذوائب
وكان إلها جامحا متضرّما=هوى، فأتى بالمعجزات الغرائب
كسا الأرض بالزهر البديع لأجلها=ورصّع آفاق السما بالكواكب
وما زال حتى علّم الطير ما الهوى=فحنّت وغنّت في الذّرى والمناكب
وأنشأ جنات وأجرى جدواولا=ومدّ المروج الخضر في كلّ جانب
وشاء، فشاع العطر في الماء والضّيا=وفي كلّ صوت أو صدى متجاوب
ومسّ الضّحى فارفضّ تبرا على الربى=وسال عقيقا في حواشي السباسب
وقال لأحلام البحار تجسّدي=مواكب ألوان وجيش عجائب
فكانت لآل في الشطوط ، وفي الفضا=غيوم، وموج ضاحك في الغوارب
ولما رأى الأشياء أحسن ما ترى=وتّمت له دنيا بغير معايب
دعاها إليه كي تبارك صنعة=ولم يدر أنّ الحبّ حمّ المطالب
فقالت له : أحسنت! أحسنت مبدعا=فيا لك ربّا عبقريّ المواهب
ولكنّ لي أمنية ما تحقّقت=إذا لم تنلنيها فما أنت صاحبي!
******
فدنياك هذي على حسنها=وسحر مشاهدها والصور
تشاركني سائر لالآهات=لذاذاتها ونساء البشر
أريد دنيا فيها شعاع=يبقي أذا غابت النجوم
أريد دنيا تحسّ نفسي=فيها نفوسا بلا جسوم
أريد خمرا بلا كؤوس=من غير ما تنبت الكروم
أريد عطرا بلا زهور=يسري وإن لم يكن نسيم
وزادت فقالت: أريد أنينا=يشوّش روحي ولا محتضر
وماء يموج ولا جدول،=ونارا بلا حطب تستعر
فأطرق ذاك الاله الفتيّ=وفي نفسه ألم مستتر
وقال امهليني ثلاث ليال=أذلّل فيها المراد العسر!
وراح يجوب رحاب الفضاء=يحدوه شوق ويدعوه سر
فسال مع الشمس فوق الربى=وغلغل في الحندس المعتكر
وأصغى إلى نسمات المروج=وأصغى إلى نفحات الزّهر
وبعد ثلاث ليال أتاها=فظنته جاء لكي يعتذر
فقال وجدت الذي تطلبين=لدي شاعر ساحر مبتكر
وأخرج خيطا قصير المدى=بلون التراب ولين الشّعر
فلما رأته عراها الأسى=وغوّر إيمانها واندثر
فصاحت بغيط: أتسخر مني؟=إذن فاحمل العار، او فانتحر!
أجاب رويدّك ، يا ربّتي=فما في التعجّل إلاّ الضرر!
وشدّ إلى آله خيطه=ودغدغة صامتا في حذر
ففاضت خمور ، وسالت دموع،=وشعّت بروق، ولاحت صور!
فصاحت به وهي مدهوشة: ألا إنّ ذا عالم محتضر!
فيا ليت شعري ماذا يسمّى؟=فقال لها: إن هذا الوتر

سمر محمد
10-11-2010, 08:05 AM
الرأي الصواب
يا نفس هذا منزل الأحباب=فانسي عذابك في النّوى و عذابي
و تهلّلي كالفجر في هذا الحمى=و تألّقي كالخمر في الأكواب
و لتسمح البشرى دموعك مثلما=يمحو الصباح ندى عن الأعشاب
و استرجعي عهد البشاشة و الرّضى=فالدهر عاد تضاحكا و تصابي
أنا بين أصحابي الذين أحبّهم=ما أجمل الدنيا مع الأصحاب
قد كنت مثل الطائر المحبوس في=قفص ، و مثل النجم خلف ضباب
يمتدّ في جنح الظلام تأوّهي=و يطول في أذن الزمان عتابي
و أهزّ أقلامي فترشح حدّة=و أسى ، و يندى بالدموع كتابي
حتى لقيتكم فبت كأنّني=لمسرّتي استرجعت عصر شبابي
ليس التعبّد أن تبيت على الطّوى=و تروح في خرق من الأثواب
لكنه إنقاذ نفس معذّب=من ربقة الآلام و الأوصاب
لكنه ضبط الهوى في عالم=فيه الغوايه جمّة الأسباب
و حبائل الشيطان في جنباته=و المال فيه أعظم الأرباب
هذا هو الرأي الصواب و غيره=مهما حلا للناس غير صواب

سمر محمد
10-11-2010, 08:06 AM
تحيّة الشام
حيّ الشآم مهندا و كتابا=و الغوطة الخضراء و المحرابا
ليست قبابا ما رأيت و إنّما=عزم تمرّد فاستطال قبابا
فالثم بروحك أرضها تلثم عصورا=للعلى سكنت حصى و ترابا
و اهبط على بردى يصفّق ضاحكا=يستعطف التلعات و الأعشابا
روح أطلّ من السماء عشية=فرأى الجمال هنا .. فحنّ ، فذابا
و صفا و شفّ فأوشكت ضفاته=تنساب من وجد به منسابا
با أدمع حور الجنان ذرفنها=شوقا ، و لم تملك لهنّ إيابا
بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا=و بنى النهى فترشّفوك رضابا
******
بأبي و أمّي في العراء موسّد=بعث الحياة مطامعا و رابا
لما ثوى في ميسلون ترنّحت=هضباتها و تنفّست أطيابا
و أتى النجوم حديثة فتهافتت=لتقوم حرّاسا له حجّابا
ما كان يوسف واحدا بل موكبا=للنور غلغل في الشموس فغابا
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى=كي لا يرى في جلّق الأغرابا
و إذا نبا العيش الكريم بماجد=حرّ رأى الموت الكريم صوابا
إنّي لأزهى بالفتى و أحبذه=يهوى الحياة مشقّة و صعابا
و يصوغ عطرا كلما شدّ الأسى=بيديه يعرك قلبه الوثّابا
و يسيل ماء إن حواه فدفد=و إذا طواه الليل شعّ شهابا
و إذا العواصف حجّبت وجه السما=جدل العواصف للسما أسبابا
و إذا تقوّض صرح آمال بنى=أملا جديدا من رجاء خابا
فابن الكوكب كلّ أفق أفقه=وابن الضراغم ليس يعدم غابا
******
عجبا لقومي و العدوّ ببابهم=كيف استطابوا اللّهو و الألعابا ؟
و تختذلت أسيافهم عن سحقه=في حين كان النصر منهم قابا
تركوا الحسام إلى الكلام تعلّلا=يا سيف ليتك ما وجدت قرابا
دنياك ، يا وطن العروبة ، غابة=حشدت عليك أراقما و ذئابا
فالبس لها ماء الحديد مطارفا=واجهل لسانك مخلبا أو نابا
لا شرع في الغابات إلاّ شرعها=فدع الكلام شكاية و عتابا
هذي هي الدنيا التي أحببتها=و سقيت غيرك حبّها أكوابا
و ضحكت مع أحلامها ، و بكيت في=آلامها ، و جرعت معها الصّابا
و أضلّ روحك في السرى و أضلّها=ما خلته ماء فكان سرابا
و نظرت ، و الأوصاب تنهش قلبها ،=فرأيت كلّ لذاذة أوصابا
شاء الظلوم خرابها فإذا الورى=لا يبصرون سوى نهاه خرابا
دنياك تألّق أمسها في يومها=فاستجمع الأنساب و الأحسابا
و سرى سناء الوحي من آفاقها=يغشى العصور و يغمر الأحقابا
ألحقّ ما رفعت به جدرانها=و الخير ما زانت به الأبوابا
فاستنطق التاريخ هل سفره=مجد يضاهي مجدها الخلّابا ؟
شابت حضارات ، و دالت و انطوت=أمم ، و مجد أميّة ما شابا
الأمس كان لها و إنّ لها غدا=تتلفّت الدنيا له إعجابا
غنّيت من قبل المحولة و العرا=أفلا تغنّي الروضة المخصابا ؟
عطفت لياليها عليك بشاشة=فانس الليالي غربة و عذابا
وانشر جناحك فالفضاء منوّر=و املأ كؤوسك قد وجدت شرابا
فلشدو مثلك كوّنت ، و لمثلها=خلق الإله البلبل المطرابا
******
ليت الرياض تعيرني ألوانها=لأصوغ منها للرئيس خطابا
و أقول إنّي عاجز عن شكره=عجز الأنامل أن تلم عبابا
أشكو إلى نفسي العياء فتشتكي=مثلي ، و تصمت لا تحير جوابا
فلقد رأيت البحر حين رأيته=فوقعت مضطرب الرؤى هيّابا
أعميد سوريّا و كاشف ضرّها=خلقت يداك من الشيوخ شبابا
و بلابل كانت تئنّ سجينة=أطلقتها و أطرتها أسرابا
يا صاحب الخلق المصفّى كالنّدى=و لم تكن بشرا لكنت سحابا
أمل الشبيبة في يديك وديعة=فارفع لها الأخلاق و الآدابا
فالجهل أنّي كان فهو عقوية ،=و العلم أنّى كان كان ثوابا
يا ويح نفسي كم تطارني النّوى=و تهدّ منّي القلب و الأعصابا
ودّعت خلف البحر أمس أحبّة=و غدا أودّع ها هنا أحبابا

سمر محمد
10-11-2010, 08:08 AM
بردي يا سحب
رضيت نفسي بقسمتها=فليراود غيري الشّهبا
كلّ نجم لا اهتداء به=لا أبالي لاح أو غربا
كلّ نهر لا ارتواء به=لا أبالي سال أو نضبا
ما غد ، يا من يصوره=لي شيئا رائعا عجبا
ما له عين و ل أثر=هو كالأمس الذي ذهبا
أسقني الصهباء إن حضرت=ثمّ صف لي الكأس و الحببا
ليس يرويني مقالك لي=أنّها العقيان منسكبا
إنّ صدقا لا أحسّ به=هو شيء يشبه الكذبا
لا ينجي الشاه من سغب=أنّ في أرض السّهى عشبا
ما على من لا يطيق يرى=نوّر الوادي أو اكتئبا
ما يفيد الطير في قفص=ضاق هذا الجوّ أو رحبا
******
برّدي ، يا سجي ، من ظمأي=واهطلي من بعد ذا ذهبا
أو فكوني غير راحمة=حمما حمراء لا سحبا
ولأكن وحدي لها هدفا=و لتكن نفسي لها حطبا
أنا من قوم إذا حزنوا=وجدوا في حزنهم طربا
و إذا ما غاية صعبت=هوّنوا بالترك ما صعبا

سمر محمد
10-11-2010, 08:11 AM
جرجي زيدان
ثكل الشّرق فتاه=ليتني كنت فداه
ليتني كنت أصمّا=عندما النّاعي نعاه
قد نعى النّاعون "=زيدانا " إلى البدر سناه
و إلى التاريخ و العلم=أباه و أخاه !
...
سرى نعيه في الدمع في كلّ محجر=كأنّ قلوب الناس خلف المحاجر
و للطير في اجنان إرنان ثاكل=و للماء أنّت الغريب المسافر
و للنجم ، و هو النجم ، مشية ظالع=و للأرض ، و هي الأرض ، وقفة حائر
و ما كاهن فيه الأسى غير كامن=و لا ظاهر فيه الأسى غير ظاهر
و هي " البرق " ممّا حملوه فلم يطق=يحدّثنا عنه بغير الأشائر
فيا خبرا ألقى الفجيعة بيننا=لأنت علينا اليوم أشأم طائر
و يا ناقل الأنباء يجهل كنهها=كرهناك حتّى قادما بالبشائر
أقام الأسى بين العزاء و مهجتي=و باعد ما بين القريض و خاطري
فأمسيت لا أدري أستر من الدّجى=على الشّمس أم ضيّعت أسود ناظري
و بات فؤادي يتّقي نزواته=كما يتّقي العصفور بأس الكواسر
كأنّ بقلبي شاعرا ينظّم الأسى=كأنّي مدمعي كلّ ناثر
ألا ليت شعري بعدما طار نعيه=أفي أرض مصر نائم غير ساهر
و هل في سماء النّيل غير دياجر=و هل في مياه النيل غير مجامر
و هل في ضفاف النيل بين نخليه=مغرّدة أو آنس غير نافر
بم سمر الإخوان في كلّ ليلة=و صاحبهم في اللّحد غير مسامر
لبّيكعليه المسلمون فإنّهم=أضاعوا به محبّي العصور الدّوائر
و تبك النّصارى فخرها و عميدها=فما بعده من حجّة لمفاخر
فما جادت الدنيا عليهم بمثله=و غير يسير أن تجود بآخر
أيا جبل العلم الذي ماد هاويا=عزيز علينا أن ترى في الحفائر
عليك يودّ الغرب لو كان مشرقا=و فيك يحبّ الحيّ أهل المقابر
و يغبط تبر الأرض فيك ترابها=و يحسد ماء الجفن ماء المحابر
و ما عادة خفض الرّجال رؤوسها=و لكنّما في الأرض كنز الجواهر
لتفخر على الشّهب و الحصى=ففيها هلال العلم شمس المحاضر
شأوت الأوالي جامعا و مؤلّفا=وزدت بأن أحرزت فضل الأواخر
تخيّر أحداث اللّيالي كبارنا=كأنّ المنايا صبّة بالأكابر
و نضحك للآمال ضحكة وامق=فيضحك منّا الدّهر ضحكة ساخر
رضينا بأن الغزاة بلادنا=و نمنا و ما نامت عيون المعاشر
لها كلّ يوم حكم جائر=وإقدام موتور و فتكة ثائر
على أنّها من غير مذنب=و تأخذ بالأوتار من غير واتر
فيا ويح هذا الشوق كيف اغتباطه=و أمضى مواضيه مليل الأظافر ؟
...
جلل في مصر لكن=في العراقين صداه
ماد لبنان و ماد=الشّام لمّا سمعاه
كاد أن يخذل فيه=كلّ طود منكباه
أيّها الرّاحل عنّا=بلّغ الحزن مداه
قد بكاك الأفق حتّى=فرقداه و سهاه
يا خليليّ أعينا=من عصاه مسعداه
خانت النّفس قواها=خانت البين قواه
قد مضى من تتمنّى=كلّ عين أن تراه
فتمنّى كلّ قبر=حين أودى لو حواه
مات " زيدان "=أبو التاريخ فليحي فتاه !

سمر محمد
10-11-2010, 08:11 AM
ومليحة
ومليحة لا هند من أسمائها=كلاّ، وليست كالحسان الخرّد
نشز الجواري والإماء تمردّدت=وونت فلم تنشز ولم تتمرّد
في النّفس منها ما بها من دهرها=أزكى السّلام عليك أرض الموعد
يا ليت شعري كم أقول لها انهضي=وتقول أحداث الزّمان لها اقعدي
ليس الذي لاقته هينا إنّما=حمل الأذى هين على المتعوّد!