المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انتهى العام وبدأ


سمر محمد
12-12-2010, 01:11 AM
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

اما بعد :


معاشر المؤمنين: أنتم على مشارف عام هجري جديد، وتوديع عام هجري مضى وانقضى، تصرمت أيامه، وذهبت لياليه، وغابت شمسه، قد آذن بالرحيل ليشهد لنا أو علينا بما أودعناه من أعمال، فالسعيد فيه من أعمره بالطاعات، والإكثار من الخيرات، والعلو في الدرجات.

تمرُّ الشهور بعد الشهور، والأعوام بعد الأعوام، وإن في مرورها لعبرةً وعظة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وهاأنتم تزلفون إلى عام جديد، وتودّعون عاماً من عمركم، مضى بما أودعتموه من عمل، فاتقوا الله أيها الناس، وتبصروا في هذه الأيام والليالي؛ فإنها مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة حتى تنتهوا إلى آخر سفركم، وكل يوم يمرُّ بكم فإنه يبعدكم عن الدنيا، ويقربكم من الآخرة، فطوبى لعبد اغتنم هذه الأيام بما يقربه إلى الله، طوبى لعبد شغلها بالطاعة واتعظ بما فيها من العظات: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ}5.

عباد الله: لعل هذا اليوم هو أخر يوم من هذا العام الهجري، فهنيئاً لمن أحسن فيه واستقام، وويل لمن أساء وارتكب الإجرام، فهلم نتساءل عن هذا العام:

كيف قضيناه؟ ولنفتش كتاب أعمالنا: كيف أمليناه؟ فإن كان خيراً حمدنا الله وشكرناه، وإن كان شراً تبنا إلى الله واستغفرناه، وإنه لحري بالمسلم أن يحاسب نفسه، بل على المجتمع أن يحاسب نفسه، وعلى الأمة جميعاً أن تحاسب نفسها، وتقف مع نفسها وقفات ومراجعات، كم يتمنى المرء تمام شهره وهو يعلم أن ذلك يُنقِص من عمره، وأنها مراحل يقطعها من سفره، وصفحات يطوِيها من دفتره، وخطوات يمشيها إلى قبره، فهل يفرح بذلك إلا من استعدّ للقدوم إلى ربه بامتثال أمره، واجتناب نهيه؟!

أيها الناس: حاسبوا أنفسكم اليوم فأنتم أقدر على العلاج منكم غداً، فإنكم لا تدرون ما يأتي به الغد، حاسبوها في ختام عامكم، وفي جميع أيامكم، فإنها خزائنكم التي تحفظ لكم أعمالكم، وعما قريب تفتح لكم فترون ما أودعتم فيها قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: "إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غيِّب عنكم عِلمه، فإن استطعتم أن لا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا"، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}6.

وفكَّر أحد الصالحين ذات مرة فجلس مع نفسه يحاسبها فقال: كم عمري الآن؟ فتذكر أنه ابن ستين سنة، فأخذ يحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألفاً وخمسمائة يوم، فقال يحاسب نفسه: ويلتا أألقى الله بواحد وعشرين ألفاً وخمسمائة ذنب؟! هذا على فرض أن الإنسان يذنب ذنباً واحداً كل يوم فقط، كيف وفي كل يوم عشرات الذنوب؟ فجعل يبكي ويبكي حتى سقط مغشياً عليه ميتاً - رحمه الله -، فلما مات سمعوا من يقول: يا لها من ركضة إلى الفردوس الأعلى!

نسير إلَى الآجال في كل لحظة وأيـامنا تطوى وهنّ مراحل

ترحل من الدنيا بزاد من التقى فعمـرك أيـام وهنّ قلائـل

معاشر المؤمنين: لنتذكر بانقضاء العام انقضاء العمر، وبسرعة مرور الأيام قرب الموت، وبتغير الأحوال زوال الدنيا وحلول الآخرة، فكم ولِد في هذا العام من مولود، وكم مات من حي، وكم استغنى فيه من فقير، وافتقر من غني، وكم عزَّ فيه من ذليل، وذلَّ فيه من عزيز، كم من قريب لنا وخليل وصاحب افتقدناه هذا العام، وأفضى إلى ما قدم وعمل!

معاشر الإخوة: والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتخبرنَّ بما كنتم تعلمون، فجنةٌ للمطيعين، ونار جهنم للعاصين {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}10.

عباد الله: من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، واشتدّت عليه حسراته، وأي حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى المزيد من الردى والشقوة؟ إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه.

ألا ينظر الناس فقد وهن العظم، وابيض الشعر، ورحل الأقران، ولم يبق إلا الرحيل؟ عجيب حال هذا الغافل: يوقن بالموت ثم ينساه، ويتحقق من الضرر ثم يغشاه، يخشى الناس والله أحق أن يخشاه، يغتر بالصحة وينسى السقم، ويفرح بالعافية ولا يتذكر الألم، يزهو بالشباب ويغفل عن الهرم، يهتم بالعلم ولا يكترث بالعمل، يحرص على العاجل ولا يفكر في خسران الآجل، يطول عمره ويزداد ذنبه، يبيض شعره ويسودّ قلبه، قلوب مريضة عزَّ شفاؤها، وعيون تكحلت بالحرام فقلَّ بكاؤها، وجوارح غرقت في الشهوات فحقّ عزاؤها.

ياسبحان الله عباد الله: ألم يأن لأهل الغفلة أن يدركوا حقيقة هذه الدار؟ أما علموا أن حياتها عناء، ونعيمها ابتلاء، جديدها يبلى، وملكها يفنى، ودها ينقطع، وخيرها ينتزع، المتعلقون بها على وجل إما في نعم زائلة، أو بلايا نازلة، أو منايا قاضية؟

يا قوم: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}11، العمر قصير، والخطر المحدق كبير، والمرء بين حالين: حال قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه.

فإذا كان الأمر كذلك - أيها الأحبة - فعلى صاحب البصر النافذ أن يتزود من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا سوى الجنة أو النار، ومن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه ما بينه وبين الناس، ومن صدق في سريرته حسنت علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه.

أيها الإخوة: الأعمال بالخواتيم، فمن أصلح فيما بقي غُفِرَ له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أُخِذَ بما مضى وما بقي، الموتى يتحسّرون على فوات الحسنات الباقية، والأحياء يتحسرون على فوات أطماع الدنيا الفانية، ما مضى من الدنيا وإن طالت أوقاته فقد ذهبت لذاته، وبقيت تبِعاته، وكأن لم يكن إذا جاء الموت وميقاته.

في صحيح البخاري قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((أعذر الله إلى من بلغه ستين من عمره))12.

فيا من طال عمره، وزاد ذنبه، وابيضَّ شعره، واسودَّ قلبه، يا من اقترف من الذنوب ما تعجز عن حمله المطايا، وبيّضت شعره الليالي، وسوّدت قلبه الخطايا، يا من تمر عليه سنة بعد سنة وهو مشتغل في نوم الغفلة والسنة، يا من يأتي عليه عام بعد عام وقد غرق في بحر الخطايا، يا من يشاهد الآيات والعبر كلما توالت عليه الأعوام والشهور، ويسمع الآيات والسور فلا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الأمور، ما الحيلة - عباد الله - فيمن سبق عليه الشقاء في الكتاب المسطور؟ {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}13، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}14.

معاشر المؤمنين: بانتهاء العام يجب أن تنظر إلى نهايتك المحتومة إما إلى نار أو إلى جنة، إما إلى نار قعرها بعيد، وحرّها شديد، وعذابها سعير، نار أوقد عليها حتى صارت مظلمة لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهيبها، نار عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يوم يقول الجبار: خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه، {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُون}15، يوم يقول: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}16، ويوم: {يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}17، نسأل الله العافية والسلامة، ونعوذ به من سخطه والنار، ونسأل جنته ومرضاته.

اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، ووفقنا لكل خير، وادفع عنا كل ضير، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

شمعه حياتي
12-12-2010, 03:07 AM
جزاك الله كل خير


وجعلها في موازين حسناتك

مشاعر هيمو
12-12-2010, 07:55 AM
اللهم اكتب لنا عاما جديدا افضل من الاعوام السابقه

ووسع رزقنا والبسنا لبس الصحه كي تعيننا بها على طاعتك ...

جزاك الله خيرا على هذا الطرح القيم

هواوي سدير
12-17-2010, 07:04 PM
جزاااااك الله الجنــه

اسسآل الله العلي العظيم ان لآيحرمك الآجر..

ذكرى الغالي
12-17-2010, 07:10 PM
جزاك الله خيرا على هذا الطرح القيم
وسلمت يدااااااك
تقديري واحتراااااااااااااامي
ذكرى الغالي

حمزة الدبعي
12-19-2010, 03:53 PM
اللهم تقبل منا ما قد مضى
وأعنا على تدالك باقي الأعمار
سمر محمد ...
جزاك الله خيراً وكثر من أمثالك
وجعلها في ميزان حسناتك
شكراً لك
تحياتي

سمر محمد
01-03-2011, 02:44 PM
شمعة حياتي ...
شكراًللمرور
وأثابك بخير ونور

وجزاك الخير كله

سمر محمد
01-03-2011, 02:46 PM
اللهم اكتب لنا عاما جديدا افضل من الاعوام السابقه

ووسع رزقنا والبسنا لبس الصحه كي تعيننا بها على طاعتك ...

جزاك الله خيرا على هذا الطرح القيم

شكراًللمرور
وأثابك بخير ونور

وجزاك الخير كله

سمر محمد
01-03-2011, 02:47 PM
جزاااااك الله الجنــه



اسسآل الله العلي العظيم ان لآيحرمك الآجر..


شكراًللمرور
وأثابك بخير ونور

وجزاك الخير كله

سمر محمد
01-03-2011, 02:48 PM
جزاك الله خيرا على هذا الطرح القيم
وسلمت يدااااااك
تقديري واحتراااااااااااااامي
ذكرى الغالي

شكراًللمرور
وأثابك بخير ونور

وجزاك الخير كله

سمر محمد
01-03-2011, 02:49 PM
اللهم تقبل منا ما قد مضى
وأعنا على تدالك باقي الأعمار
سمر محمد ...
جزاك الله خيراً وكثر من أمثالك
وجعلها في ميزان حسناتك
شكراً لك
تحياتي


شكراًللمرور
وأثابك بخير ونور

وجزاك الخير كله

عاشقة الفردوس
05-13-2014, 12:16 AM
جزاك الله الفردوس الاعلى

رقة احساس
07-16-2014, 02:05 PM
يعطيـــك الـــف عافيـة

علـى المواضـــيع الرائعـــة

كالعـادة إبــداع رائــــع

وطــرح يستحــق المتـــابعة

شكراً لك جزيـل الشــكر

بإنتـظار الجديــد القـــادم

دمـــت بكـــل خــــير
http://r17.imgfast.net/users/1715/30/58/14/smiles/3332828380.gif