محمود فالح مهيدات
07-13-2009, 04:36 PM
كلماتٌ مِنْ نُورٍ
بَعَثَ أميرُ المؤمنينَ الفاروقُ عمرُ بنُ الخطَّابِ، رضيَ اللهُ عنهُ، رسالةً إلى القائدِ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ وجيشِهِ في العراقِ، تضمَّنتْ بينَ طيَّاتِهَا وصيةً يجبْ أنْ تُكْتَبَ بحروفٍ مِنَ النُّورِ على صَفَحاتِ القلوبِ، وصيةً مِنَ القائدِ الأعلى في المدينةِ المنوَّرةِ إلى جُنْدِ الإسلامِ جَاءَ فِيهَـا: (( إيَّاكُمْ ونَعيمَ فارسٍ؛ وعليكُمْ بالشَّمسِ فإنَّهَا حِمَّامُ العَرَبِ؛ واخْشَوْشَبُوا واخْشَوْشَنوا واخْلَولَقوا؛ وتَمَعْدَدُوا فإنَّ أباكمْ مَعَدَّ كان يفعلُ ذلك؛ وارْمُوا الأغْرَاضَ وانزوا عَنِ الخَيْلِ نزواً)) ... دُرَرٌ مَصْفوفَةٌ فِي عِقْدٍ ثَمينٍ ... فَدَعُونا نتناولُهَا دُرَّةً تِلْوَ أخرى:
(1) إيَّاكُمْ ونَعِيمَ فَارِسٍ: تَحذيرٌ مِنَ الخليفةِ والقائدِ الأعلَى لجيشِ المسلمينَ لجنودِ المسلمينَ مِنَ الاغترارِ والانبهارِ بِنعيمِ بلادِ فارسٍ، فإنَّهُ نَعِيمٌ زَائلٌ لا مَحَالَةَ ... وللهِ دَرُّ لبيدَ ابنَ ربيعةَ العامريِّ حينَ قال:
ألا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ // وكُلُّ نَعيمٍ لا مَحَالةَ زَائلُ
وكُلُّ أناسٍ سَوفَ تَدخلُ بينَهمْ // دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الأنَامِلُ
وكُلُّ امريءٍ يوماً سَيعلمُ سَعْيَهُ// إذا كُشِّفتْ عندَ الإلهِ المَحَاصِلُ
(2) وعليكُمْ بالشَّمْسِ فإنَّهَا حِمَّامُ العَرَبِ: دعوةٌ لعَدَمِ الرُّكُونِ إلى وارفِ الظِّلالِ والرَّاحَةِ والدَّعَةِ، فَفِي أشعةِ الشمسِ فوائدٌ جَمَّةٌ، فلا بُدَّ مِنَ التعرُّضِ لأشعتِهَا .. فهاهي قُطْعانُ الغَرْبِ
والشرقِ يفدونَ إلى بلادِنَا للاستمتاعِ بشمسِنَا وبُغْيَةَ الاستحْمَامِ بأشِّعَتِهَا .. فترى الشواطيءَ العربيةَ تزدحمُ بقطعانِ عُرَاةِ الغَرْبِ والشرقِ، ذكوراً وإناثاً، يتعرَّضُونَ للشمسِ لتكتسبَ بشَرَاتُهُمْ اللَّوْنَ البرونزي، وهو ما يقاربُ لونَ البشَرةِ العربيةِ المُشَرَّبةِ بأشعةِ الشمسِ فلوَّحَتْهَا ... فَهُمْ لا يَحْسِدونَنَا على دِينِنَا وتقاليدِنَا وقِيَمِنَا وثَرواتِنَا فَحَسْبْ، بَلْ يَحْسِدونَنَا حتى على أشعةِ الشمسِ!!!!
(3) واخشَوشَبوا واخشَوشَنوا واخلولقوا: اخشَوْشَبوا، حَثٌّ على مُواصَلَةِ تدريباتِ اللياقَةِ البدنيةِ لتصبحَ أجسامُهُمْ كالخَشَبِ صَلابَةً ... اخشَوْشَنوا، دعوةٌ إلى الاعتيادِ على خشونةِ العيشِ مِنْ مَأكَلٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْلَكٍ؛ فاللباسُ الخَشِنُ يُعطي المَرْءَ شعوراً خاصاً يَتَّسِمُ بالقوةِ والثقةِ، وأمَّا لباسُ الحريرِ والديباجِ والناعِمِ مِنَ القماشِ، فيعكسُ النعومَةَ والليونَةَ ... اخلولقوا، حَثٌّ للجُنْدِ لارتداءِ الملابسِ القديمةِ، لأنَّكَ إذا ما لبستَ جديداً، فيغلبُ عليكَ الحِرْصُ على اللباسِ الجَديدِ أكثرَ مِنْ حِرْصِكَ على نفسِكَ !! أمَّا خَلَقُ اللباسِ، فتجلسُ كيفما شِئْتَ وأينما شِئْتَ وحيثما شِئْتَ ... ارمُوا الأغْرَاضَ، حَثٌّ على مُوَاصَلَةِ التدريبِ على الرِّمَايةِ لأنَّ الرمايةَ عنصرٌ أسَاسٌ ومَطْلَبٌ رئيسٌ في الجنديةِ، فالجنديُّ العاجزُ عَنِ استخدامِ سِلاحِهِ بالرَّمْيِ الدقيقِ جنديٌ فاشلٌ لأنَّ العدوَّ سيسبقُهُ ويقتنصُهُ !! ... وانزوا عَنِ الخَيْلِ نَزْوَاً، حَثٌّ على الفروسيةِ ورُكُوبِ الخيلِ، فتلكَ هِيَ أدواتُ الحَرْبِ آنذاك؛ السَّيفُ والرُّمْحُ والتُّرْسُ والسَّهْمُ والفَرَسُ.
(4) وتمعددوا فإنَّ أباكُمْ مَعَدَّ كان يفعلُ ذلكَ: [ تمعددوا ] نسبةً إلى ( مَعَدٍّ) أحدُ أجْدَادِ العَرَبِ، ومعنى ذلك، الحَثُّ على السَّيْرِ حُفَاةَ الأقدامِ، ففي ذلك تقويةٌ للرِّجْلينِ بخاصةٍ والجسمِ بِعامَّةٍ وتعزيزٌ للصبرِ والجَلَدِ ... وها نحنُ نأتي بالمدرِّبينَ مِنَ الصِّينِ وكوريا وغيرِهِمَا لتدريبِ أبنائِنَا عَلى مهَاراتِ الجُودو والكَراتيه والتيكواندو وغيرها مِنْ فنونِ القتالِ اليدويِّ والدفاعِ عَنِ النفْسِ، وينبغي أنْ يكونَ المُتدَرِّبُ حافياً لأنَّ ذلكَ مُتطلَّبٌ أسَاسٌ في هذه التدريباتِ وتلكَ الفنونِ القتاليةِ ... وَرِثْنَا التَمَعْدُدَ عَنْ جَدِّنَا مَعَدٍّ، ونأتي بالأجانبِ ليعلموننا كيف نسيرُ حُفاةً لتذكيرِنَا بإرْثِنَا الصِحِيِّ والرياضِيِّ المَفْقودِ !!!
فأينَ نحنُ مِنْ هذه الوصيةِ السَنِيَّةِ وهذه الخَرِيدَةِ الفَرِيدَةِ ؟؟!! فقدْ يقولُ قائلٌ: هذه أمُورٌ كانتْ قبْلَ أربعةَ عَشَرَ قرْناً مِنَ الزَّمَانِ، فلا تنسَحِبُ على أيَّامِنَا الحاضِرَةِ، فنحنُ في عَصْرِ الآلةِ والكمبيوترِ والإنترنيت، فمَا فائدةُ هذه الأمورِ القديمةِ البائدةِ ؟؟!! ... فأقولُ: أليسَتْ شواطئنا ملآى بالمتنزِّهينَ الغربيينَ والشرقيينَ مِنْ غيرِ العَرَبِ والمسلمينَ يسْتَحِمُّونَ بأشِعَّةِ شمسِنَا؟؟ أليستْ مُدُننا زاخرةٌ بأنديةِ تدريبِ والتيكواندو والكاراتيه وغيرهما؟؟ ... ألمْ يَقُلْ الصَّادِقٌ المَصْدوقُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (( علِّموا أولادَكُمْ السِّباحَةَ والرِّمَايَةَ ورُكُوبَ الخَيْلِ))؟؟!! .. وقدْ خالفْنَا هذه الوصيةَ بلْ هذا الأمْرَ النبويَّ؛ فما أنْ يبدأ الطفلُ العَرَبِيُّ تمْييزَ الأشياءَ مِنْ حَوْلِهِ، حتى يبدأَ والداهُ بإدخَالِ الخَوْفِ إلى قلبِهِ مِنَ الذي جَعَلَ اللهُ منهُ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ، المَاء .. فَيَشِبُّ ويَشِيبُ ولا يَعْرِفُ السِّباحَةَ، كَيْفَ يتعلمُ السباحةَ وهوَ قدْ غُذِّيَ منذُ صِغَرِهِ بأنَّ المَاءَ عدوٌّ، فباتَ يخافُ الغَرَقَ حتى ولو في ( بانيو ) الحَمَّاِم !! وهذا الأمرُ ليسَ بجديدٍ، فهذا ابن الرومي سبقَنَا إلى هذا الخَوْفِ مِنَ المَاءِ، كَمَا يُسَمُّونَهُ اليومَ ( الماءُفوبيا )، فقدْ قالَ ذاتَ يومٍ مُبَرِّراً عَدَمَ رُكوبِهِ البَحْرَ في سفينةٍ فقالَ:
لا أركبُ البحْرَ إنِّي // أخَافُ مِنْهُ المَعَاطِبْ
أنا طِينٌ وَهْوَ مَاءٌ // والطِّينُ في المَاءِ ذَائِبْ
أمَّا الرِّمَايَةُ فَحَدِّثْ ولا حَرَجٌ ... فَكَمْ مِنَ الذَخَائِرِ تَسْتَنْزِفُ دُولُنَا لتدريبِ الجيوشِ على الرمايةِ ولا يُجيدونَهَا، إلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبِّي ... فإذا ما أطْلَقَ الجُندِيُّ العَرَبِيُّ طَلْقَتَهُ نَحْوَ عَدُوِّهِ فَرَمْيَتُهُ خَائبةٌ، أمَّا إذا وَجَّهَهَا نَحْوَ أخِيهِ العَرَبِيِّ فَهْيَ صَائبةٌ ولا تُصِيبُ إلاَّ مَقْتَلاً !!! ... أمَّا الخَيْلُ، فَمَعْقُودٌ بِنَواصِيهَا الخَيْرُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، كَمَا أخْبَرَ نَبِيُّ الهُدَى والرَّحْمَةِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ... صَحِيحٌ أنَّ الخّيَْلَ انتَهى دَوْرُهَا كَوَسِيلَةِ حَرْبٍ رَئيسةٍ، لكنَّها اسْتُبْدِلَتْ بِمَا هُوَ أقوَى وأسْرَعُ وأفتَكُ ... السَيَّاراتُ والدَبَّاباتُ والمُدَرَّعَاتُ وغَيرُهَا، مُعَزَّزَةٌ بالطَائراتِ المقاتلةِ والقاذفاتِ الاستراتيجيةِ والمروحياتِ والبارجاتِ الحَرْبيةِ البَحْريةِ والغواصاتِ والمدفعيةِ والصواريخِ وغيرِها ... لننظرَ إلى المُفَارَقَةِ العَجِيبَةِ: يَومَ كانَ أبطالُ المسلمينَ يَمْتَطُونَ الصَافِنَاتِ الجِيَادِ، كمَا وصفَهَا رَبُّ العِزَّةِ فِي القرآنِ الكَرِيمِ، دَكُّوا مَشَارِقَ الأرضِ ومَغَارِبَهَا , وأنشأوا دولةً إسلاميةً لا تَغيبُ عنْهَا الشمسُ، وأورثونا بلاداً شُرِّبَتْ أرْضُهَا بنجيعِ دمائِهِمْ الطَاهِرَةِ الزَكِيَّةِ ... فمَاذا فَعَلْنَا بالدبابةِ والمِدفَعِ والطائرةِ والصاروخِ ؟؟!! ... أضَعْنَا كُلَّ شَيءٍ ... فَقَدْنَا فِلسْطِينَ بِرُمَّتِهَا وتَلاهَا العِرَاقُ، واللهُ وحْدَهُ يَعْلَمُ مَاذا بَعْدَ ذلكَ !!! فالقُوَّةُ ليسَتْ بالدبابةِ والطائرةِ والمِدْفَعِ فَحَسْبْ، فاللهُ تباركَ وتعالى يقولُ فِي مُحْكَمِ التنزيلِ: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)) .. نكََّرَ العَامَّ ( قُوَّة ) لتشملَ كُلُّ أنواعِ القوَّةِ، مِنْ سَيْفٍ وتُرْسٍ ورُمْحٍ وسَهْمٍ وبندقيةٍ ورشاشٍ ومِدْفَعٍ ودبابةٍ وطائرةٍ وصاروخٍ وقنبلةٍ نوويةٍ وغيرِهَا ... ثُمَّ أكَّدَ عَلَى الخَاصِّ وَهْوَ ( الخَيْلُ ) ولوازمُهَا لأنَّهَا هيَ أداةُ الحّرْبِ الرئيسةِ في ذلكَ العصْرِ، وهيَ عُنْصُرُ الحَرَكَةِ الرَّئيسِ الذي يُعْطِي المُحَارِبَ مُرونَةً وقابليةً للحركةِ.
فمَاذا أعْدَدْنَا مِنْ قُوَّةٍ ؟؟!!
فالدبابةُ موجودةٌ بأنماطٍ مختلفةٍ وتسليحٍ حديثٍ
والطائرةُ مُتاحَةٌ، مِنْ أحْدَثِ مَا توصَّلَتْ إليهِ عقولُ الغَرْبِ والشرْقِ
والمِدْفَعُ جَاهِزٌ بأعيرتِهِ المختلفةِ، الخفيفةِ والمتوسطةِ والثقيلةِ
والرشاشُ فتاكٌ، مِنْ عِيارِ 65ر5ملم إلى عيارِ 40 ملم فأكبر
والصواريخُ وراجماتُهَا العاليةُ الجُودةِ لا تُحصَى
والذخَائرُ والمتفجراتُ كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً
وآلاتُ الحَرْبِ المختلفةُ موجودةٌ ووفيرةٌ
ومَنْ يُشَغِّلُ هذه الأدواتِ مِنَ أفرادٍ كثيرونَ لوْ أرادوا وتَسَلَّحُوا بالقُوَّةِ الحقيقيةِ والعزيمةِ الفعليةِ وهْيَ قُوَّةُ الإيمانِ والعقيدةِ ...
فَكَمْ مِنْ دبابةٍ شُطِبَتْ وخَرَجَتْ مِنَ الخِدْمَةِ ولَمْ تُطْلَقْ منها طلقةٌ واحدةٌ نحوَ العَدوِّ؟؟
وكَمْ أطْنَانٍ مِنَ الذخائرِ والقنابلِ أُتْلِفَتْ وأُلْقِيَتْ فِي أعْمَاقِ البِحَارِ بِحُجَّةِ انتهَاءِ عُمُرِهَا الزَمَنِيِّ، وَتَمَّ التَخَلُّصً مِنْهَا لتتسَلَّحَ بَهَا الأسْماكُ والحِيتَانُ والدلافينُ فِي أعماقِ البحَارِ، ولِيَتِمَ بَعْدَ ذلكَ شِراءُ غَيرِهَا مِنْ شَرِكَاتِ التَصنيعِ الحَرْبِيِّ الغربيةِ والشرقيةِ المستعدةِ على الدوَامِ لامتصاصِ دِمَائِنَا قَبْلَ بِتْرولِنَا وأمْوَالِنَا ؟؟!! ...
فالأعدادُ البشريةِ العربيةُ والإسلاميةُ هِيَ بِعَدَدِ الحَصَى ... والأمْوَالُ والثرواتُ العربيةُ والإسلاميةُ بِعَدَدِ الرِّمَالِ .... وَلَكِنْ ..
خَرْقَاءُ وَجَدَتْ صُوفَاً !!
... محممود فالح مهيدات/ أبو كارم ...
بَعَثَ أميرُ المؤمنينَ الفاروقُ عمرُ بنُ الخطَّابِ، رضيَ اللهُ عنهُ، رسالةً إلى القائدِ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ وجيشِهِ في العراقِ، تضمَّنتْ بينَ طيَّاتِهَا وصيةً يجبْ أنْ تُكْتَبَ بحروفٍ مِنَ النُّورِ على صَفَحاتِ القلوبِ، وصيةً مِنَ القائدِ الأعلى في المدينةِ المنوَّرةِ إلى جُنْدِ الإسلامِ جَاءَ فِيهَـا: (( إيَّاكُمْ ونَعيمَ فارسٍ؛ وعليكُمْ بالشَّمسِ فإنَّهَا حِمَّامُ العَرَبِ؛ واخْشَوْشَبُوا واخْشَوْشَنوا واخْلَولَقوا؛ وتَمَعْدَدُوا فإنَّ أباكمْ مَعَدَّ كان يفعلُ ذلك؛ وارْمُوا الأغْرَاضَ وانزوا عَنِ الخَيْلِ نزواً)) ... دُرَرٌ مَصْفوفَةٌ فِي عِقْدٍ ثَمينٍ ... فَدَعُونا نتناولُهَا دُرَّةً تِلْوَ أخرى:
(1) إيَّاكُمْ ونَعِيمَ فَارِسٍ: تَحذيرٌ مِنَ الخليفةِ والقائدِ الأعلَى لجيشِ المسلمينَ لجنودِ المسلمينَ مِنَ الاغترارِ والانبهارِ بِنعيمِ بلادِ فارسٍ، فإنَّهُ نَعِيمٌ زَائلٌ لا مَحَالَةَ ... وللهِ دَرُّ لبيدَ ابنَ ربيعةَ العامريِّ حينَ قال:
ألا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ // وكُلُّ نَعيمٍ لا مَحَالةَ زَائلُ
وكُلُّ أناسٍ سَوفَ تَدخلُ بينَهمْ // دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الأنَامِلُ
وكُلُّ امريءٍ يوماً سَيعلمُ سَعْيَهُ// إذا كُشِّفتْ عندَ الإلهِ المَحَاصِلُ
(2) وعليكُمْ بالشَّمْسِ فإنَّهَا حِمَّامُ العَرَبِ: دعوةٌ لعَدَمِ الرُّكُونِ إلى وارفِ الظِّلالِ والرَّاحَةِ والدَّعَةِ، فَفِي أشعةِ الشمسِ فوائدٌ جَمَّةٌ، فلا بُدَّ مِنَ التعرُّضِ لأشعتِهَا .. فهاهي قُطْعانُ الغَرْبِ
والشرقِ يفدونَ إلى بلادِنَا للاستمتاعِ بشمسِنَا وبُغْيَةَ الاستحْمَامِ بأشِّعَتِهَا .. فترى الشواطيءَ العربيةَ تزدحمُ بقطعانِ عُرَاةِ الغَرْبِ والشرقِ، ذكوراً وإناثاً، يتعرَّضُونَ للشمسِ لتكتسبَ بشَرَاتُهُمْ اللَّوْنَ البرونزي، وهو ما يقاربُ لونَ البشَرةِ العربيةِ المُشَرَّبةِ بأشعةِ الشمسِ فلوَّحَتْهَا ... فَهُمْ لا يَحْسِدونَنَا على دِينِنَا وتقاليدِنَا وقِيَمِنَا وثَرواتِنَا فَحَسْبْ، بَلْ يَحْسِدونَنَا حتى على أشعةِ الشمسِ!!!!
(3) واخشَوشَبوا واخشَوشَنوا واخلولقوا: اخشَوْشَبوا، حَثٌّ على مُواصَلَةِ تدريباتِ اللياقَةِ البدنيةِ لتصبحَ أجسامُهُمْ كالخَشَبِ صَلابَةً ... اخشَوْشَنوا، دعوةٌ إلى الاعتيادِ على خشونةِ العيشِ مِنْ مَأكَلٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْلَكٍ؛ فاللباسُ الخَشِنُ يُعطي المَرْءَ شعوراً خاصاً يَتَّسِمُ بالقوةِ والثقةِ، وأمَّا لباسُ الحريرِ والديباجِ والناعِمِ مِنَ القماشِ، فيعكسُ النعومَةَ والليونَةَ ... اخلولقوا، حَثٌّ للجُنْدِ لارتداءِ الملابسِ القديمةِ، لأنَّكَ إذا ما لبستَ جديداً، فيغلبُ عليكَ الحِرْصُ على اللباسِ الجَديدِ أكثرَ مِنْ حِرْصِكَ على نفسِكَ !! أمَّا خَلَقُ اللباسِ، فتجلسُ كيفما شِئْتَ وأينما شِئْتَ وحيثما شِئْتَ ... ارمُوا الأغْرَاضَ، حَثٌّ على مُوَاصَلَةِ التدريبِ على الرِّمَايةِ لأنَّ الرمايةَ عنصرٌ أسَاسٌ ومَطْلَبٌ رئيسٌ في الجنديةِ، فالجنديُّ العاجزُ عَنِ استخدامِ سِلاحِهِ بالرَّمْيِ الدقيقِ جنديٌ فاشلٌ لأنَّ العدوَّ سيسبقُهُ ويقتنصُهُ !! ... وانزوا عَنِ الخَيْلِ نَزْوَاً، حَثٌّ على الفروسيةِ ورُكُوبِ الخيلِ، فتلكَ هِيَ أدواتُ الحَرْبِ آنذاك؛ السَّيفُ والرُّمْحُ والتُّرْسُ والسَّهْمُ والفَرَسُ.
(4) وتمعددوا فإنَّ أباكُمْ مَعَدَّ كان يفعلُ ذلكَ: [ تمعددوا ] نسبةً إلى ( مَعَدٍّ) أحدُ أجْدَادِ العَرَبِ، ومعنى ذلك، الحَثُّ على السَّيْرِ حُفَاةَ الأقدامِ، ففي ذلك تقويةٌ للرِّجْلينِ بخاصةٍ والجسمِ بِعامَّةٍ وتعزيزٌ للصبرِ والجَلَدِ ... وها نحنُ نأتي بالمدرِّبينَ مِنَ الصِّينِ وكوريا وغيرِهِمَا لتدريبِ أبنائِنَا عَلى مهَاراتِ الجُودو والكَراتيه والتيكواندو وغيرها مِنْ فنونِ القتالِ اليدويِّ والدفاعِ عَنِ النفْسِ، وينبغي أنْ يكونَ المُتدَرِّبُ حافياً لأنَّ ذلكَ مُتطلَّبٌ أسَاسٌ في هذه التدريباتِ وتلكَ الفنونِ القتاليةِ ... وَرِثْنَا التَمَعْدُدَ عَنْ جَدِّنَا مَعَدٍّ، ونأتي بالأجانبِ ليعلموننا كيف نسيرُ حُفاةً لتذكيرِنَا بإرْثِنَا الصِحِيِّ والرياضِيِّ المَفْقودِ !!!
فأينَ نحنُ مِنْ هذه الوصيةِ السَنِيَّةِ وهذه الخَرِيدَةِ الفَرِيدَةِ ؟؟!! فقدْ يقولُ قائلٌ: هذه أمُورٌ كانتْ قبْلَ أربعةَ عَشَرَ قرْناً مِنَ الزَّمَانِ، فلا تنسَحِبُ على أيَّامِنَا الحاضِرَةِ، فنحنُ في عَصْرِ الآلةِ والكمبيوترِ والإنترنيت، فمَا فائدةُ هذه الأمورِ القديمةِ البائدةِ ؟؟!! ... فأقولُ: أليسَتْ شواطئنا ملآى بالمتنزِّهينَ الغربيينَ والشرقيينَ مِنْ غيرِ العَرَبِ والمسلمينَ يسْتَحِمُّونَ بأشِعَّةِ شمسِنَا؟؟ أليستْ مُدُننا زاخرةٌ بأنديةِ تدريبِ والتيكواندو والكاراتيه وغيرهما؟؟ ... ألمْ يَقُلْ الصَّادِقٌ المَصْدوقُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (( علِّموا أولادَكُمْ السِّباحَةَ والرِّمَايَةَ ورُكُوبَ الخَيْلِ))؟؟!! .. وقدْ خالفْنَا هذه الوصيةَ بلْ هذا الأمْرَ النبويَّ؛ فما أنْ يبدأ الطفلُ العَرَبِيُّ تمْييزَ الأشياءَ مِنْ حَوْلِهِ، حتى يبدأَ والداهُ بإدخَالِ الخَوْفِ إلى قلبِهِ مِنَ الذي جَعَلَ اللهُ منهُ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ، المَاء .. فَيَشِبُّ ويَشِيبُ ولا يَعْرِفُ السِّباحَةَ، كَيْفَ يتعلمُ السباحةَ وهوَ قدْ غُذِّيَ منذُ صِغَرِهِ بأنَّ المَاءَ عدوٌّ، فباتَ يخافُ الغَرَقَ حتى ولو في ( بانيو ) الحَمَّاِم !! وهذا الأمرُ ليسَ بجديدٍ، فهذا ابن الرومي سبقَنَا إلى هذا الخَوْفِ مِنَ المَاءِ، كَمَا يُسَمُّونَهُ اليومَ ( الماءُفوبيا )، فقدْ قالَ ذاتَ يومٍ مُبَرِّراً عَدَمَ رُكوبِهِ البَحْرَ في سفينةٍ فقالَ:
لا أركبُ البحْرَ إنِّي // أخَافُ مِنْهُ المَعَاطِبْ
أنا طِينٌ وَهْوَ مَاءٌ // والطِّينُ في المَاءِ ذَائِبْ
أمَّا الرِّمَايَةُ فَحَدِّثْ ولا حَرَجٌ ... فَكَمْ مِنَ الذَخَائِرِ تَسْتَنْزِفُ دُولُنَا لتدريبِ الجيوشِ على الرمايةِ ولا يُجيدونَهَا، إلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبِّي ... فإذا ما أطْلَقَ الجُندِيُّ العَرَبِيُّ طَلْقَتَهُ نَحْوَ عَدُوِّهِ فَرَمْيَتُهُ خَائبةٌ، أمَّا إذا وَجَّهَهَا نَحْوَ أخِيهِ العَرَبِيِّ فَهْيَ صَائبةٌ ولا تُصِيبُ إلاَّ مَقْتَلاً !!! ... أمَّا الخَيْلُ، فَمَعْقُودٌ بِنَواصِيهَا الخَيْرُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، كَمَا أخْبَرَ نَبِيُّ الهُدَى والرَّحْمَةِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ... صَحِيحٌ أنَّ الخّيَْلَ انتَهى دَوْرُهَا كَوَسِيلَةِ حَرْبٍ رَئيسةٍ، لكنَّها اسْتُبْدِلَتْ بِمَا هُوَ أقوَى وأسْرَعُ وأفتَكُ ... السَيَّاراتُ والدَبَّاباتُ والمُدَرَّعَاتُ وغَيرُهَا، مُعَزَّزَةٌ بالطَائراتِ المقاتلةِ والقاذفاتِ الاستراتيجيةِ والمروحياتِ والبارجاتِ الحَرْبيةِ البَحْريةِ والغواصاتِ والمدفعيةِ والصواريخِ وغيرِها ... لننظرَ إلى المُفَارَقَةِ العَجِيبَةِ: يَومَ كانَ أبطالُ المسلمينَ يَمْتَطُونَ الصَافِنَاتِ الجِيَادِ، كمَا وصفَهَا رَبُّ العِزَّةِ فِي القرآنِ الكَرِيمِ، دَكُّوا مَشَارِقَ الأرضِ ومَغَارِبَهَا , وأنشأوا دولةً إسلاميةً لا تَغيبُ عنْهَا الشمسُ، وأورثونا بلاداً شُرِّبَتْ أرْضُهَا بنجيعِ دمائِهِمْ الطَاهِرَةِ الزَكِيَّةِ ... فمَاذا فَعَلْنَا بالدبابةِ والمِدفَعِ والطائرةِ والصاروخِ ؟؟!! ... أضَعْنَا كُلَّ شَيءٍ ... فَقَدْنَا فِلسْطِينَ بِرُمَّتِهَا وتَلاهَا العِرَاقُ، واللهُ وحْدَهُ يَعْلَمُ مَاذا بَعْدَ ذلكَ !!! فالقُوَّةُ ليسَتْ بالدبابةِ والطائرةِ والمِدْفَعِ فَحَسْبْ، فاللهُ تباركَ وتعالى يقولُ فِي مُحْكَمِ التنزيلِ: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)) .. نكََّرَ العَامَّ ( قُوَّة ) لتشملَ كُلُّ أنواعِ القوَّةِ، مِنْ سَيْفٍ وتُرْسٍ ورُمْحٍ وسَهْمٍ وبندقيةٍ ورشاشٍ ومِدْفَعٍ ودبابةٍ وطائرةٍ وصاروخٍ وقنبلةٍ نوويةٍ وغيرِهَا ... ثُمَّ أكَّدَ عَلَى الخَاصِّ وَهْوَ ( الخَيْلُ ) ولوازمُهَا لأنَّهَا هيَ أداةُ الحّرْبِ الرئيسةِ في ذلكَ العصْرِ، وهيَ عُنْصُرُ الحَرَكَةِ الرَّئيسِ الذي يُعْطِي المُحَارِبَ مُرونَةً وقابليةً للحركةِ.
فمَاذا أعْدَدْنَا مِنْ قُوَّةٍ ؟؟!!
فالدبابةُ موجودةٌ بأنماطٍ مختلفةٍ وتسليحٍ حديثٍ
والطائرةُ مُتاحَةٌ، مِنْ أحْدَثِ مَا توصَّلَتْ إليهِ عقولُ الغَرْبِ والشرْقِ
والمِدْفَعُ جَاهِزٌ بأعيرتِهِ المختلفةِ، الخفيفةِ والمتوسطةِ والثقيلةِ
والرشاشُ فتاكٌ، مِنْ عِيارِ 65ر5ملم إلى عيارِ 40 ملم فأكبر
والصواريخُ وراجماتُهَا العاليةُ الجُودةِ لا تُحصَى
والذخَائرُ والمتفجراتُ كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً
وآلاتُ الحَرْبِ المختلفةُ موجودةٌ ووفيرةٌ
ومَنْ يُشَغِّلُ هذه الأدواتِ مِنَ أفرادٍ كثيرونَ لوْ أرادوا وتَسَلَّحُوا بالقُوَّةِ الحقيقيةِ والعزيمةِ الفعليةِ وهْيَ قُوَّةُ الإيمانِ والعقيدةِ ...
فَكَمْ مِنْ دبابةٍ شُطِبَتْ وخَرَجَتْ مِنَ الخِدْمَةِ ولَمْ تُطْلَقْ منها طلقةٌ واحدةٌ نحوَ العَدوِّ؟؟
وكَمْ أطْنَانٍ مِنَ الذخائرِ والقنابلِ أُتْلِفَتْ وأُلْقِيَتْ فِي أعْمَاقِ البِحَارِ بِحُجَّةِ انتهَاءِ عُمُرِهَا الزَمَنِيِّ، وَتَمَّ التَخَلُّصً مِنْهَا لتتسَلَّحَ بَهَا الأسْماكُ والحِيتَانُ والدلافينُ فِي أعماقِ البحَارِ، ولِيَتِمَ بَعْدَ ذلكَ شِراءُ غَيرِهَا مِنْ شَرِكَاتِ التَصنيعِ الحَرْبِيِّ الغربيةِ والشرقيةِ المستعدةِ على الدوَامِ لامتصاصِ دِمَائِنَا قَبْلَ بِتْرولِنَا وأمْوَالِنَا ؟؟!! ...
فالأعدادُ البشريةِ العربيةُ والإسلاميةُ هِيَ بِعَدَدِ الحَصَى ... والأمْوَالُ والثرواتُ العربيةُ والإسلاميةُ بِعَدَدِ الرِّمَالِ .... وَلَكِنْ ..
خَرْقَاءُ وَجَدَتْ صُوفَاً !!
... محممود فالح مهيدات/ أبو كارم ...