سعود بن محمد
02-12-2011, 05:19 AM
http://www.almotamar.net/photo/07-02-02-1247225385.jpg بقلم :د. محمد الطريقي * -
نقاء الانتماء.. بين الوطنية والقبلية
في فسحتي الفكرية استوقفني ما كتبه الأخ جميل الذيابي في صحيفة الحياة في عددها الصادر بتاريخ 19/11/2006م تحت عنوان (الوطنية لا القبلية) وطرق خلال مقالته موضوعاً في غاية الحساسية لما يتطلبه من جرأة في الطرح.
لا أخفي عليكم أنني وجدت الذيابي يحمل فكراً ناضجاً وطرحاً جيداً وموفقاً وإن كانت المقالة ينقصها تلمس مواطن التحقيق الثقافي لثقافة الوطن الكبير وثقافة القبيلة، فهو يطرح مخاوفه من الولاءات القبلية ترميزاً لبعض النشاطات الاجتماعية لبعض القبائل ويخشى من إنتاج مجتمع تنقسم ولاءاته بين الدولة والقبلية بما قد يقيض مكاسب الوطن الوحدوية.
الحقيقة التي أبحث عنها في الطرح السابق تبحث عن إجابات لأسئلة ضاربة في العمق تنطلق وفق السياق الآتي:
هل الانتماء القبلي فطرة أم تنظيم مكتسب؟ هل القبلية تنظيم اجتماعي أم سياسي يتخذ شكل الإطار الحزبي؟ هل الولاءات القبلية ذات ترابط تسلسلي يعزز الانتماء للوطن والدولة أم أنها انفصام عن هذا الانتماء؟ وهل الانتماء للوطن هو ذاته الانتماء للدولة؟ وهل القبلية ضمن مؤسسات الدولة أم ضمن مؤسسات الوطن؟
(وجعلناكم شعوباً وقبائل...) من هذا الهدي القرآني أخوض غمار المعادلة، خاصة أن هدف هذا التكوين البشري قد جاء صريحاً بقوله تعالى: (... لتعارفوا) ثم التقرير بقوله تعالى: (... إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
الولاءات القبلية ليست خطراً يهدد مكاسب الوطن الوحدوية بل على العكس تعززها إذا ما كانت ضمن إطار مؤسسة الدولة الكبرى، بل أن هناك دولاً بحد ذاتها قائمة على أسس التجمعات القبلية، وهي تجمعات محمودة لا مذمومة، والولاءات فيها هي من باب إنتماء الفرد إلى الجماعة، وبلا انتماءات قبلية لا يمكن أن تتكون فكرة الوحدة والتوحيد ولا فكرة الدولة المؤسسية، إذاً فنحن مع الانتماءات القبلية، ولكننا لسنا مع العنصرية القبلية أو الجاهلية القبلية.. وأعتقد أن هذا هو مرمى حديث أخي الذيابي الذي تبعد المسافة كثيراً بيني وبينه في مصطلح الانتماءات القبلية ولكنني ألتقي معه في مصطلح العنصرية القبلية وضرورة وقف أي مظهر من مظاهرها.. أما الانتماءات القبلية فهي ذاتها السياسة يا أخي الذيابي!!
وإن كان لابد من النقاش والخوض في الإنتماءات القبلية فالأجدر بنا أن نخوض الموضوع الأكثر حساسية وهو نقاء هذه الانتماءات من شوائب الدخلاء فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" وقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار".
إذا تمثلت القيادة في قبيلة والقبيلة في قيادة فهل يمكن أن يغيب الولاء للقبيلة؟.. إن هذا يعني غياب الولاء للقيادة!! وإذا كان الوطن مجموعة متناسقة من نظام القبائل الأصيلة، ألا يعني ذلك أن غياب الانتماء لهذه القبائل هو غياب الانتماء للوطن بأكمله؟!
إن الحاجة للانتماء إلى الجماعة (القبلية) هي حاجة فطرية في كل مخلوقات الله حتى غير العاقل منها، فما بالنا بالعاقل الذي كرّمه الله؟!.. لقد استعاضت الشعوب التي لم يجمعها نظام القبلية بنظام الحزبية وهو النظام الأخطر في ولاءاته من حيث الخطر الذي قد يقسِّم ولاءات أبناء الشعب بين الحزب والدولة.. خاصة أن بعض الأفكار الحزبية والأنظمة الحزبية مستوردة في الشكل والمضمون من خارج قيم الشعوب ومبادئها وثقافتها وتاريخها وحضارتها.. هنا يمكن أن يُدق ناقوس الخطر!!
إن الدولة المسلمة العربية التي يكوِّن النظام القبلي جزءاً من منظومتها هي الأكثر ثباتاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهي الأكثر حفاظاً على مكتسبات الوطن الوحدوية.. لأنه ببساطة فطرة انتمائها القبلي هي ذاتها فطرة انتمائها الوطني.. فابن القبلية الوطن كل بيته، لذا فإن شعاراً عربياً أو إسلامياً واحداً كفيل بأن يجعل منه المخلص في السلم والحرب، في حين أن افتقار مثل هذه الأدوات لدى البعض هو مكمن الخطر.. وعلى هذا فإن التجارب حولنا كثيرة!!
أنا لا أريد أن أعقد مقارنة بين الأنظمة القبلية أو الحزبية ولست على خلاف مع أيٍ منها، فلكل أمة رؤية ولكل شعب قرار ونحن ننظر إلى الأوطان العربية والمسلمة ولا ننظر إلى أحزابها إذا ما دعت الضرورة لذلك، لأننا في المملكة العربية السعودية نملك حصانة (الإنسانية) وهي انتماءٌ يفوق كل الانتماءات خاصة أن مصدره كتاب الله وسنة رسوله.
إذا قامت مؤسسة الدولة بناءً على هدم مؤسسة القبيلة، هنا يُخشى ما يُخشى على الوطن، أما إذا قامت مؤسسة الدولة على توحيد مؤسسات القبيلة وفق دستور إسلامي عظيم ورؤى عربية خالصة ونظرة إنسانية شاملة.. إذاً فلنطمئن تماماً أننا في أحسن حال.. ويكفينا أننا لا نخشى الذئب على أغنامنا!!
إن قراءة واحدة لفكر التوحيد في هذه الأرض الطاهرة واستيعاب مضامينها ومواقفها التاريخية وكيفيات بنائها هو شاهد ما بعده شاهد على أن الحكمة يختص الله بها من شاء من عباده، وهي الضمان الوحيد للحفاظ على مقدرات ومكتسبات الوطن الوحدوية.. والله من وراء القصد.
* المشرف العام على مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان
::
نقاء الانتماء.. بين الوطنية والقبلية
في فسحتي الفكرية استوقفني ما كتبه الأخ جميل الذيابي في صحيفة الحياة في عددها الصادر بتاريخ 19/11/2006م تحت عنوان (الوطنية لا القبلية) وطرق خلال مقالته موضوعاً في غاية الحساسية لما يتطلبه من جرأة في الطرح.
لا أخفي عليكم أنني وجدت الذيابي يحمل فكراً ناضجاً وطرحاً جيداً وموفقاً وإن كانت المقالة ينقصها تلمس مواطن التحقيق الثقافي لثقافة الوطن الكبير وثقافة القبيلة، فهو يطرح مخاوفه من الولاءات القبلية ترميزاً لبعض النشاطات الاجتماعية لبعض القبائل ويخشى من إنتاج مجتمع تنقسم ولاءاته بين الدولة والقبلية بما قد يقيض مكاسب الوطن الوحدوية.
الحقيقة التي أبحث عنها في الطرح السابق تبحث عن إجابات لأسئلة ضاربة في العمق تنطلق وفق السياق الآتي:
هل الانتماء القبلي فطرة أم تنظيم مكتسب؟ هل القبلية تنظيم اجتماعي أم سياسي يتخذ شكل الإطار الحزبي؟ هل الولاءات القبلية ذات ترابط تسلسلي يعزز الانتماء للوطن والدولة أم أنها انفصام عن هذا الانتماء؟ وهل الانتماء للوطن هو ذاته الانتماء للدولة؟ وهل القبلية ضمن مؤسسات الدولة أم ضمن مؤسسات الوطن؟
(وجعلناكم شعوباً وقبائل...) من هذا الهدي القرآني أخوض غمار المعادلة، خاصة أن هدف هذا التكوين البشري قد جاء صريحاً بقوله تعالى: (... لتعارفوا) ثم التقرير بقوله تعالى: (... إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
الولاءات القبلية ليست خطراً يهدد مكاسب الوطن الوحدوية بل على العكس تعززها إذا ما كانت ضمن إطار مؤسسة الدولة الكبرى، بل أن هناك دولاً بحد ذاتها قائمة على أسس التجمعات القبلية، وهي تجمعات محمودة لا مذمومة، والولاءات فيها هي من باب إنتماء الفرد إلى الجماعة، وبلا انتماءات قبلية لا يمكن أن تتكون فكرة الوحدة والتوحيد ولا فكرة الدولة المؤسسية، إذاً فنحن مع الانتماءات القبلية، ولكننا لسنا مع العنصرية القبلية أو الجاهلية القبلية.. وأعتقد أن هذا هو مرمى حديث أخي الذيابي الذي تبعد المسافة كثيراً بيني وبينه في مصطلح الانتماءات القبلية ولكنني ألتقي معه في مصطلح العنصرية القبلية وضرورة وقف أي مظهر من مظاهرها.. أما الانتماءات القبلية فهي ذاتها السياسة يا أخي الذيابي!!
وإن كان لابد من النقاش والخوض في الإنتماءات القبلية فالأجدر بنا أن نخوض الموضوع الأكثر حساسية وهو نقاء هذه الانتماءات من شوائب الدخلاء فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" وقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار".
إذا تمثلت القيادة في قبيلة والقبيلة في قيادة فهل يمكن أن يغيب الولاء للقبيلة؟.. إن هذا يعني غياب الولاء للقيادة!! وإذا كان الوطن مجموعة متناسقة من نظام القبائل الأصيلة، ألا يعني ذلك أن غياب الانتماء لهذه القبائل هو غياب الانتماء للوطن بأكمله؟!
إن الحاجة للانتماء إلى الجماعة (القبلية) هي حاجة فطرية في كل مخلوقات الله حتى غير العاقل منها، فما بالنا بالعاقل الذي كرّمه الله؟!.. لقد استعاضت الشعوب التي لم يجمعها نظام القبلية بنظام الحزبية وهو النظام الأخطر في ولاءاته من حيث الخطر الذي قد يقسِّم ولاءات أبناء الشعب بين الحزب والدولة.. خاصة أن بعض الأفكار الحزبية والأنظمة الحزبية مستوردة في الشكل والمضمون من خارج قيم الشعوب ومبادئها وثقافتها وتاريخها وحضارتها.. هنا يمكن أن يُدق ناقوس الخطر!!
إن الدولة المسلمة العربية التي يكوِّن النظام القبلي جزءاً من منظومتها هي الأكثر ثباتاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهي الأكثر حفاظاً على مكتسبات الوطن الوحدوية.. لأنه ببساطة فطرة انتمائها القبلي هي ذاتها فطرة انتمائها الوطني.. فابن القبلية الوطن كل بيته، لذا فإن شعاراً عربياً أو إسلامياً واحداً كفيل بأن يجعل منه المخلص في السلم والحرب، في حين أن افتقار مثل هذه الأدوات لدى البعض هو مكمن الخطر.. وعلى هذا فإن التجارب حولنا كثيرة!!
أنا لا أريد أن أعقد مقارنة بين الأنظمة القبلية أو الحزبية ولست على خلاف مع أيٍ منها، فلكل أمة رؤية ولكل شعب قرار ونحن ننظر إلى الأوطان العربية والمسلمة ولا ننظر إلى أحزابها إذا ما دعت الضرورة لذلك، لأننا في المملكة العربية السعودية نملك حصانة (الإنسانية) وهي انتماءٌ يفوق كل الانتماءات خاصة أن مصدره كتاب الله وسنة رسوله.
إذا قامت مؤسسة الدولة بناءً على هدم مؤسسة القبيلة، هنا يُخشى ما يُخشى على الوطن، أما إذا قامت مؤسسة الدولة على توحيد مؤسسات القبيلة وفق دستور إسلامي عظيم ورؤى عربية خالصة ونظرة إنسانية شاملة.. إذاً فلنطمئن تماماً أننا في أحسن حال.. ويكفينا أننا لا نخشى الذئب على أغنامنا!!
إن قراءة واحدة لفكر التوحيد في هذه الأرض الطاهرة واستيعاب مضامينها ومواقفها التاريخية وكيفيات بنائها هو شاهد ما بعده شاهد على أن الحكمة يختص الله بها من شاء من عباده، وهي الضمان الوحيد للحفاظ على مقدرات ومكتسبات الوطن الوحدوية.. والله من وراء القصد.
* المشرف العام على مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان
::