محمود فالح مهيدات
02-19-2011, 11:34 AM
مولـــد أمـــة
المكان جزيرة العرب، فيها أمة تائهة ضائعةمقطعة الأوصال، ديدنها الغزو والحروب البينية والثارات والبغضاء والشحناء، وتسودهاشريعة الغاب حيث البقاء للأقوى والقوي يأكل الضعيف ... مشتتة الشمل بين قبائلوعشائر وعمائر ... يتحاربون ويقتتلون على أتفه الأسباب، وتدوم الحروب سنوات بل عقوداً: فحرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان تطحن رحاها أرواحاً كثيرةً لأن فرساًسبق فرساً آخر ... وحرب البسوس دامت أربعين سنة وتُزهق فيها أرواح جمًّة وتسبى النساء وييتم الأطفال ويذل الكرام ويسود اللئام، وتدوم العداوة بين الأشقاء، بكروتغلب، من أجل ماذا؟؟ ...من أجل ناقة جرباء تُدعى البسوس قتلها كُليب ..!!!
هذه الأمة تحتضن البيت العتيق الذي يحج إليه الناس ... وكانت مكة مركزاً تجارياً بالإضافة إلى وجود البيت ... فنشطت الحياة التجارية من مكة إلى بلادالشام شمالاً وإلى اليمن جنوباً .. وكانت قبيلة قريش لها الصدارة في مكة .. قال تعالى: (( لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)).
هذا الداخل باقتضاب... أما الخارج،فهناك قوتان عظيمتان: الفرس والروم ...فمن العرب من يدين ولاءً للإمبراطوريةالفارسية، ومنهم من يدين ولاءً لدولة الروم ... فعرب الغساسنة تبع للروم بزعامةالقيصر، بينما المناذرة فتبع للفرس بزعامة كسرى ... وهناك ثمَّة خطر آخر يتهددجزيرة العرب بعامة ومكة بخاصة، وهو خطر الأحباش، حيث سعى أبرهة الأشرم على رأس جيش عظيم لغزو مكة وهدم الكعبة: (( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل إليهم طيراً أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصفٍ مأكول)).
أما من الناحية الروحية والناحية الاجتماعية، فقد كان هناك فراغ روحي كبير ... وكانت الجزيرة خاوية: عبادة الأوثان .. النصرانية .. اليهودية .. المجوسية .. وغيرها ... أما الناحية الاجتماعية، فقد تطرقت لبعض من سماتها المتمثلة بالغزو والحروب والثارات، ويتوج ذلك كله وأد البنات والربا والخمر وتفشي الزنا وامتهان المرأة.
وفي خضم هذه الظروف القاتمة .. ومن قلب هذا الظلام الدامس، بزغ نجم محمد صلى الله عليه وسلم .. ففي عام الفيل، وفي 12 ربيع الأول في العام 570 ميلادية .. وفي ليلة صفت سماؤها وطاب هواؤها:
ولد الهدى فالكائنات ضياءُ // وفم الزمان تبسم وسناءُ
ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم .. من ذؤابة قريش،خيار من خيار من خيار ... حيث صنعه الله تبارك وتعالى على عينه .. ولما بلغ الأربعين من عمره، حمَّله الله تعالى مسؤولية حمل رسالة الإسلام إلى كل الأنامl((إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ))).. فأرسله رسولاً نبياً بشيراً ونذيراً وداعياًإلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ... فأخرج الناس من ظلمات الجهل والجاهلية إلى نورالهداية والإسلام ، ونقل العرب من قبائل مقطعة الأوصال إلى دولة لا تغيب عنها الشمس ملكت مشارق الأرض ومغاربها .. ومن أمة أمية جاهلة، إلى أمة قائدة رائدة أنارت علومها الشرق والغرب .. فأصبح العبيد سادة ، والمستضعفون قادة، والأميون علماء وأساتذة ... كل هذا بفضل من الله تبارك وتعالى حيث بعث حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم لقيادة سفينة الدين إلى شاطئ السلامة وبر الأمان...
بدأت قريش ويهود تحارب الني الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا الدين الجديد، إلى أن أمره الله تبارك وتعالى بالهجرة إلى (يثرب) ثم استبدل الأنصارُ هذا الاسم باسم (المدينة المنورة)،والله تبارك وتعالى سمَّاها (طيْبَةَ).
كان أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو بناء المسجد النبوي الشريف، فكان المسجد والمدرسة والجامعة والمنتدى ومكان المؤتمرات والكلية الحربية التي تخرج منها القادة الأفذاذ والجهابذة العظام مثل خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة عامر بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص، وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.
من المسجد سُيِّرتْ جيوش الفتح الإسلامي، فاستأصلتْ شأفة الروم والفرس، فبادت دولة الأكاسرة واندثرت دولة القياصرة ... ووصل قادة الفتح بجيوش التوحيد مشارق الأرض ومغاربها، فأسسوا دولة الإسلام التي امتدت من مطلع الشمس (أقصى المشرق) إلى مغربها (أقصى المغرب) ... وأصبحتْ أمة الإسلام الأمة الرائدة في شتى المجالات ومختلف مناحي الحياة، الدينية والعسكرية والعلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ... وقد نبغ في شتى المجالات رجالٌ أسهموا في الحضارة الإنسانية والعالمية أيما إسهام، كالفارابي، وابن سيناء،وابن رشد، والإدريسي، وجابر بن حيان، والحسن بن الهيثم والخوارزمي وابن خلدون، هذا بالإضافة إلى جهابذة العلوم الشرعية الذين ما زلنا نتتبع إضاءاتهم وإشراقاتهم.. فبنوا المعالم الحضارية في أرجاء المعمورة وما زالت شاهدة على نبوغهم الهندسي والمعماري حتى الآن، وما قصر الحمراء في قرطبة في الأندلس (إسبانيا حالياً) إلا أحدهذه المعالم الخالدة.
ثم تراجعت هذه الأمة، فتقطعت أوصال الدولة الإسلامية وانقسمت إلى دويلات، فكثر الطامعون، فغزاها المغول التتار والصليبيون، وطُردالمسلمون من الأندلس وكان آخر ملوك العرب هناك هو أبو عبد الله الصغير الذي بكى يوم سقوط الأندلس، فخاطبته أمه قائلة:
إبكِ مثل النساء ملكاً مُضاعاً // لم تحافظْ عليه مثل الرجالِ
تحضرني حادثة ..عندما فتح المسلمون جزيرة كريت في البحرالأبيض المتوسط، وكان في الجيش المسلم الصحابي الجليل أبو الدرداء، بكى أبو الدرداء بكاءً مراً، فقال له أحدهم: أتبكي يا أبا عبد الرحمن واليوم يوم النصر؟ .. فقال أبوالدرداء: " هؤلاء القوم نسوا الله فمكننا الله من رقابهم .. فالذي يبكيني خشيتي أن ننسى الله كما نسوه فيمكنهم الله من رقابنا..!!!".
لقد نسينا الله، فمكنهم الله من رقابنا ... طُردنا من الأندلس، وجاؤوا إلى بلادنا مستعمرين فنهبوا خيرات ومقدّرات البلاد .. وقسمونا إلى دويلات هزيلة لا حول لها ولا قوة .. ثم جاؤوا بأبناء الأفاعي، أحقر شعوب الأرض وقتلة الأنبياء ـ اليهود، إلى فلسطين، فطردوا أهلها وأقاموا فيها دولة قوية للصهاينة .. وما العراق عنا ببعيد..!! ورحم الله الملك فيصل بن الحسين بن علي عندما قال: " لقد طاب الموت يا عرب !!" ... ولله درالشاعر إبراهيم اليازجي حيث قال:
تنبهوا واستفيقوا أيها العربُ // فقد طمى السيل حتى غاصتْ الركبُ
فيمَ التعلل بالآمال تخدعكـم // وأنتــمُ بين راحـات الفناسُلُــبُ
كم تُظلَمون ولستم تشتكون وكم // تُستغضبون فلا يبدو لكم غضبُ
ألفتم الهون حتى صار عندكمُ // طبعاً وبعض طباع المرء مكتسـبُ
وفارقتكم لطــول الذلِّ نخوتكــــــم // فليس يؤلمكـــم خسـفٌ ولا عطــــبُ
((والله المستعان على ماتصفون))
((حسبنا الله ونعم الوكيل))
***
...محمود فالح مهيدات ...
المكان جزيرة العرب، فيها أمة تائهة ضائعةمقطعة الأوصال، ديدنها الغزو والحروب البينية والثارات والبغضاء والشحناء، وتسودهاشريعة الغاب حيث البقاء للأقوى والقوي يأكل الضعيف ... مشتتة الشمل بين قبائلوعشائر وعمائر ... يتحاربون ويقتتلون على أتفه الأسباب، وتدوم الحروب سنوات بل عقوداً: فحرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان تطحن رحاها أرواحاً كثيرةً لأن فرساًسبق فرساً آخر ... وحرب البسوس دامت أربعين سنة وتُزهق فيها أرواح جمًّة وتسبى النساء وييتم الأطفال ويذل الكرام ويسود اللئام، وتدوم العداوة بين الأشقاء، بكروتغلب، من أجل ماذا؟؟ ...من أجل ناقة جرباء تُدعى البسوس قتلها كُليب ..!!!
هذه الأمة تحتضن البيت العتيق الذي يحج إليه الناس ... وكانت مكة مركزاً تجارياً بالإضافة إلى وجود البيت ... فنشطت الحياة التجارية من مكة إلى بلادالشام شمالاً وإلى اليمن جنوباً .. وكانت قبيلة قريش لها الصدارة في مكة .. قال تعالى: (( لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)).
هذا الداخل باقتضاب... أما الخارج،فهناك قوتان عظيمتان: الفرس والروم ...فمن العرب من يدين ولاءً للإمبراطوريةالفارسية، ومنهم من يدين ولاءً لدولة الروم ... فعرب الغساسنة تبع للروم بزعامةالقيصر، بينما المناذرة فتبع للفرس بزعامة كسرى ... وهناك ثمَّة خطر آخر يتهددجزيرة العرب بعامة ومكة بخاصة، وهو خطر الأحباش، حيث سعى أبرهة الأشرم على رأس جيش عظيم لغزو مكة وهدم الكعبة: (( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل إليهم طيراً أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصفٍ مأكول)).
أما من الناحية الروحية والناحية الاجتماعية، فقد كان هناك فراغ روحي كبير ... وكانت الجزيرة خاوية: عبادة الأوثان .. النصرانية .. اليهودية .. المجوسية .. وغيرها ... أما الناحية الاجتماعية، فقد تطرقت لبعض من سماتها المتمثلة بالغزو والحروب والثارات، ويتوج ذلك كله وأد البنات والربا والخمر وتفشي الزنا وامتهان المرأة.
وفي خضم هذه الظروف القاتمة .. ومن قلب هذا الظلام الدامس، بزغ نجم محمد صلى الله عليه وسلم .. ففي عام الفيل، وفي 12 ربيع الأول في العام 570 ميلادية .. وفي ليلة صفت سماؤها وطاب هواؤها:
ولد الهدى فالكائنات ضياءُ // وفم الزمان تبسم وسناءُ
ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم .. من ذؤابة قريش،خيار من خيار من خيار ... حيث صنعه الله تبارك وتعالى على عينه .. ولما بلغ الأربعين من عمره، حمَّله الله تعالى مسؤولية حمل رسالة الإسلام إلى كل الأنامl((إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ))).. فأرسله رسولاً نبياً بشيراً ونذيراً وداعياًإلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ... فأخرج الناس من ظلمات الجهل والجاهلية إلى نورالهداية والإسلام ، ونقل العرب من قبائل مقطعة الأوصال إلى دولة لا تغيب عنها الشمس ملكت مشارق الأرض ومغاربها .. ومن أمة أمية جاهلة، إلى أمة قائدة رائدة أنارت علومها الشرق والغرب .. فأصبح العبيد سادة ، والمستضعفون قادة، والأميون علماء وأساتذة ... كل هذا بفضل من الله تبارك وتعالى حيث بعث حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم لقيادة سفينة الدين إلى شاطئ السلامة وبر الأمان...
بدأت قريش ويهود تحارب الني الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا الدين الجديد، إلى أن أمره الله تبارك وتعالى بالهجرة إلى (يثرب) ثم استبدل الأنصارُ هذا الاسم باسم (المدينة المنورة)،والله تبارك وتعالى سمَّاها (طيْبَةَ).
كان أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو بناء المسجد النبوي الشريف، فكان المسجد والمدرسة والجامعة والمنتدى ومكان المؤتمرات والكلية الحربية التي تخرج منها القادة الأفذاذ والجهابذة العظام مثل خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة عامر بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص، وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.
من المسجد سُيِّرتْ جيوش الفتح الإسلامي، فاستأصلتْ شأفة الروم والفرس، فبادت دولة الأكاسرة واندثرت دولة القياصرة ... ووصل قادة الفتح بجيوش التوحيد مشارق الأرض ومغاربها، فأسسوا دولة الإسلام التي امتدت من مطلع الشمس (أقصى المشرق) إلى مغربها (أقصى المغرب) ... وأصبحتْ أمة الإسلام الأمة الرائدة في شتى المجالات ومختلف مناحي الحياة، الدينية والعسكرية والعلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ... وقد نبغ في شتى المجالات رجالٌ أسهموا في الحضارة الإنسانية والعالمية أيما إسهام، كالفارابي، وابن سيناء،وابن رشد، والإدريسي، وجابر بن حيان، والحسن بن الهيثم والخوارزمي وابن خلدون، هذا بالإضافة إلى جهابذة العلوم الشرعية الذين ما زلنا نتتبع إضاءاتهم وإشراقاتهم.. فبنوا المعالم الحضارية في أرجاء المعمورة وما زالت شاهدة على نبوغهم الهندسي والمعماري حتى الآن، وما قصر الحمراء في قرطبة في الأندلس (إسبانيا حالياً) إلا أحدهذه المعالم الخالدة.
ثم تراجعت هذه الأمة، فتقطعت أوصال الدولة الإسلامية وانقسمت إلى دويلات، فكثر الطامعون، فغزاها المغول التتار والصليبيون، وطُردالمسلمون من الأندلس وكان آخر ملوك العرب هناك هو أبو عبد الله الصغير الذي بكى يوم سقوط الأندلس، فخاطبته أمه قائلة:
إبكِ مثل النساء ملكاً مُضاعاً // لم تحافظْ عليه مثل الرجالِ
تحضرني حادثة ..عندما فتح المسلمون جزيرة كريت في البحرالأبيض المتوسط، وكان في الجيش المسلم الصحابي الجليل أبو الدرداء، بكى أبو الدرداء بكاءً مراً، فقال له أحدهم: أتبكي يا أبا عبد الرحمن واليوم يوم النصر؟ .. فقال أبوالدرداء: " هؤلاء القوم نسوا الله فمكننا الله من رقابهم .. فالذي يبكيني خشيتي أن ننسى الله كما نسوه فيمكنهم الله من رقابنا..!!!".
لقد نسينا الله، فمكنهم الله من رقابنا ... طُردنا من الأندلس، وجاؤوا إلى بلادنا مستعمرين فنهبوا خيرات ومقدّرات البلاد .. وقسمونا إلى دويلات هزيلة لا حول لها ولا قوة .. ثم جاؤوا بأبناء الأفاعي، أحقر شعوب الأرض وقتلة الأنبياء ـ اليهود، إلى فلسطين، فطردوا أهلها وأقاموا فيها دولة قوية للصهاينة .. وما العراق عنا ببعيد..!! ورحم الله الملك فيصل بن الحسين بن علي عندما قال: " لقد طاب الموت يا عرب !!" ... ولله درالشاعر إبراهيم اليازجي حيث قال:
تنبهوا واستفيقوا أيها العربُ // فقد طمى السيل حتى غاصتْ الركبُ
فيمَ التعلل بالآمال تخدعكـم // وأنتــمُ بين راحـات الفناسُلُــبُ
كم تُظلَمون ولستم تشتكون وكم // تُستغضبون فلا يبدو لكم غضبُ
ألفتم الهون حتى صار عندكمُ // طبعاً وبعض طباع المرء مكتسـبُ
وفارقتكم لطــول الذلِّ نخوتكــــــم // فليس يؤلمكـــم خسـفٌ ولا عطــــبُ
((والله المستعان على ماتصفون))
((حسبنا الله ونعم الوكيل))
***
...محمود فالح مهيدات ...