الكاتب الشاعر
03-01-2011, 07:16 PM
ثويبة الأسلمية:
أم الرسول بالرضاع
السيد إبراهيم أحمد
فى دنيا البشر كثيراً ما نسمع أن هناك من اختاره الله ليسعده ؛ فيسوقه الله حيث نعمة تصيبه ، أو يسوقها إليه ، أو يقصيه عن شر لو أصابه لتبدلت حياته تماماً ، ومن أولئك الناس ثويبة مولاة أبى لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم التى لم تحدث نفسها بالعتق يوماً ، وربما حدثت نفسها أو حادثت غيرها عن هذا الحلم والأمل المشروع ، ولكنها كانت تراه مستحيلاً وعليها أن تعيش جارية عند سيدها وتموت كذلك ، كما أن عليها أن ترضى وتقنع بهذا .
غيم الحزن الكثيف فوق ديار بنى هاشم ، فزهرة شباب قومه بل مكة بأسرها ومطمح فتياتها ، مات شاباً فى مقتبل حياته الجديدة ، غريباً ، بعيداً عن الديار ، وترك خلفه زوجة أسيفةً عليه ، تهدمت أحلامها الوليدة فى دنياها الجديدة ، وفى أحشائها يتحرك جنيناً هو كل مايربطها بزوجها الراحل .
تعلقت أنظار بنى هاشم وآمالهم بالبقية الباقية من عبدالله الذبيح الثانى وأحب أولاد عبد المطلب إلى قلبه ، ظلوا يترقبون مولد ذلك الجنين بالشوق الممزوج بالصبر، والأمل المشوب بالخوف والحذر من تصاريف القدر ، ليزيح بنور قدومه تلك الغيمة الرابضة فوق قلوبهم ، وليبدد فى جنبات مكة ذلك الحزن الجاثم فى نفوس القوم وأسمارهم .
لم تكد تمر خمسون يوماً بعد محاولة أبرهة الأشرم بأفياله على الكعبة المشرفة ، والتى كان مصيرها الخسران المبين ، وحديث مكة لم ينقطع عن سرد بطولة شيخ مكة وسيدها عبد المطلب ووقوفه أمام الطاغية المعتدى ذلك الحبشى أبرهة ، وكانت تلك الفرحة الوحيدة التى أظلت الجميع وتوارى فيها على استحياء قصة وفاة عبدالله الحزينة ،بل ربما نسوا معها ولو قليلاً ذلك الجنين الذى يواصل نموه حتى طرق أبواب الشهر السابع أو ربما تجاوزه ، لكن آمنة ما كان لها أن تنسى وهى تحس بأن بشائر قدومه لدنياها تتوالى بل اقترب زمن تحققها ، حتى جاء إلى الوجود ابن عبدالله وهى الفرحة الأكبر التى انتظر الجميع حدوثها .
سرى الخبر فى مكة سريعاً وكيف لا ينتشر وعبد المطلب فور ارسال آمنة إليه من يخبره بالحدث السعيد أتى إليها مهرولاً فرحاً فحمل حفيده بين ذراعيه ومضى يطوف به الكعبة ثم عاد لينحر الذبائح ويطعم أهل الحرم .
كما طارت ثويبة الأسلمية كالشعاع إلى سيدها أبي لهب عم الوليد الهاشمى تبشره بقدومه إلى الدنيا فطار الرجل فرحاً هو الأخر ولم يدر ما يفعل مع ثويبة مكافأةً لها على بشارتها الطيبة غير أن يكافئها بعتقها لتصبح حرة ، فكان هذا الوليد خيراً عليها فتملك حبه قلبها .
انقطع اللبن فى صدر آمنة ربما لشعورها بالحزن والقلق وعدم الارتياح النفسى كما توصف هذة الحال المراجع الطبية فى عصرنا الراهن ، فكان من حظ ثويبة أن تتولى إرضاع الوليد حيث أرضعت قبله صلى الله عليه وسلم ابنها مسروح وبعده عم الرسول حمزة بن عبد المطلب .
والواقع يقول أنه ببشارة ثويبة لأبى لهب وعتقه إياها جلبت الخير لنفسها كما جلبت الخير لسيدها أيضاً فقد قيل أن العباس بن عبد المطلب رأى أخاه أبا لهب بعد موته بعام في النوم فقال له: ما حالك ؟ فقال: في النار، إلا أن العذاب يخفّف عني كل أسبوع يوماً واحداً وأمص من بين إصبعيَّ هاتين ماء ـ وأشار برأس إصبعه ـ وان ذلك اليوم هو يوم إعتاقي ثويبة عندما بشّرتني بولادة النبي عليه الصلاة والسلام.
أخبرنا محمد بن عمر عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير أن ثويبة كان أبو لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم بشر حيبة ، فقال: ماذا لقيت قال أبو لهب : لم نذق بعدكم رخاء غير أني سُقيت في هذه بعتاقي ثويبة وأشار إلى النقيرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع.
ماتت آمنة بعد هذا بعامين ثم تولى كفالة الطفل جده ولما مات أوصى بكفالته لابنه أبى طالب وكبر فى بيته ، ثم تزوج من السيدة خديجة رضى الله عنها وأرضاها ، ، وفى كل هذه المراحل الحياتية كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يصلها وهو بمكة وكانت خديجة تكرمها حتى بعد مبعثه بمكة نبياً ، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان يبعث إليها بصلة وكسوة حتى جاءه خبرها أنها قد توفيت سنة سبع من الهجرة بعد فتح خيبر، فقال : ’’ما فعل ابنها مسروح ؟’’ ، فقيل : مات قبلها ولم يبق من قرابتها أحد .
سأل عنها صلى الله عليه وسلم ووصلها سواء بمكة أو بالمدينة وهو بعيد عنها ، وسواء كان قبل مبعثه أم بعده صلى الله عليه وسلم ، كما سأل عمن خلفها من قومها ليصلهم . هكذا خلق الله صلى الله عليه وسلم وفياً أشد ما يكون الوفاء مع كل من تعهده أو اتصل به سواء أكان عربياً أم غير عربى ، مؤمناً أم كافراً ، رجلاً كان أم امرأة ، حراً كان أم عبداً ، وكلما توغلنا فى سيرته من الآن فصاعداً ستتصاعد معنى قيمة وشيمة الوفاء فى خلقه صلى الله عليه وسلم وسجاياه مهما كلفه الأمر من عنت أو بذل وجهد ، صلى الله على النبى العربى الوفى ورحم الله أول مرضعة له غير أمه ثويبة الأسلمية فكانت أول أم له بالرضاع ، أصابها منه الخير وليداً ورجلاً وبشراً نبيا .
أم الرسول بالرضاع
السيد إبراهيم أحمد
فى دنيا البشر كثيراً ما نسمع أن هناك من اختاره الله ليسعده ؛ فيسوقه الله حيث نعمة تصيبه ، أو يسوقها إليه ، أو يقصيه عن شر لو أصابه لتبدلت حياته تماماً ، ومن أولئك الناس ثويبة مولاة أبى لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم التى لم تحدث نفسها بالعتق يوماً ، وربما حدثت نفسها أو حادثت غيرها عن هذا الحلم والأمل المشروع ، ولكنها كانت تراه مستحيلاً وعليها أن تعيش جارية عند سيدها وتموت كذلك ، كما أن عليها أن ترضى وتقنع بهذا .
غيم الحزن الكثيف فوق ديار بنى هاشم ، فزهرة شباب قومه بل مكة بأسرها ومطمح فتياتها ، مات شاباً فى مقتبل حياته الجديدة ، غريباً ، بعيداً عن الديار ، وترك خلفه زوجة أسيفةً عليه ، تهدمت أحلامها الوليدة فى دنياها الجديدة ، وفى أحشائها يتحرك جنيناً هو كل مايربطها بزوجها الراحل .
تعلقت أنظار بنى هاشم وآمالهم بالبقية الباقية من عبدالله الذبيح الثانى وأحب أولاد عبد المطلب إلى قلبه ، ظلوا يترقبون مولد ذلك الجنين بالشوق الممزوج بالصبر، والأمل المشوب بالخوف والحذر من تصاريف القدر ، ليزيح بنور قدومه تلك الغيمة الرابضة فوق قلوبهم ، وليبدد فى جنبات مكة ذلك الحزن الجاثم فى نفوس القوم وأسمارهم .
لم تكد تمر خمسون يوماً بعد محاولة أبرهة الأشرم بأفياله على الكعبة المشرفة ، والتى كان مصيرها الخسران المبين ، وحديث مكة لم ينقطع عن سرد بطولة شيخ مكة وسيدها عبد المطلب ووقوفه أمام الطاغية المعتدى ذلك الحبشى أبرهة ، وكانت تلك الفرحة الوحيدة التى أظلت الجميع وتوارى فيها على استحياء قصة وفاة عبدالله الحزينة ،بل ربما نسوا معها ولو قليلاً ذلك الجنين الذى يواصل نموه حتى طرق أبواب الشهر السابع أو ربما تجاوزه ، لكن آمنة ما كان لها أن تنسى وهى تحس بأن بشائر قدومه لدنياها تتوالى بل اقترب زمن تحققها ، حتى جاء إلى الوجود ابن عبدالله وهى الفرحة الأكبر التى انتظر الجميع حدوثها .
سرى الخبر فى مكة سريعاً وكيف لا ينتشر وعبد المطلب فور ارسال آمنة إليه من يخبره بالحدث السعيد أتى إليها مهرولاً فرحاً فحمل حفيده بين ذراعيه ومضى يطوف به الكعبة ثم عاد لينحر الذبائح ويطعم أهل الحرم .
كما طارت ثويبة الأسلمية كالشعاع إلى سيدها أبي لهب عم الوليد الهاشمى تبشره بقدومه إلى الدنيا فطار الرجل فرحاً هو الأخر ولم يدر ما يفعل مع ثويبة مكافأةً لها على بشارتها الطيبة غير أن يكافئها بعتقها لتصبح حرة ، فكان هذا الوليد خيراً عليها فتملك حبه قلبها .
انقطع اللبن فى صدر آمنة ربما لشعورها بالحزن والقلق وعدم الارتياح النفسى كما توصف هذة الحال المراجع الطبية فى عصرنا الراهن ، فكان من حظ ثويبة أن تتولى إرضاع الوليد حيث أرضعت قبله صلى الله عليه وسلم ابنها مسروح وبعده عم الرسول حمزة بن عبد المطلب .
والواقع يقول أنه ببشارة ثويبة لأبى لهب وعتقه إياها جلبت الخير لنفسها كما جلبت الخير لسيدها أيضاً فقد قيل أن العباس بن عبد المطلب رأى أخاه أبا لهب بعد موته بعام في النوم فقال له: ما حالك ؟ فقال: في النار، إلا أن العذاب يخفّف عني كل أسبوع يوماً واحداً وأمص من بين إصبعيَّ هاتين ماء ـ وأشار برأس إصبعه ـ وان ذلك اليوم هو يوم إعتاقي ثويبة عندما بشّرتني بولادة النبي عليه الصلاة والسلام.
أخبرنا محمد بن عمر عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير أن ثويبة كان أبو لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم بشر حيبة ، فقال: ماذا لقيت قال أبو لهب : لم نذق بعدكم رخاء غير أني سُقيت في هذه بعتاقي ثويبة وأشار إلى النقيرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع.
ماتت آمنة بعد هذا بعامين ثم تولى كفالة الطفل جده ولما مات أوصى بكفالته لابنه أبى طالب وكبر فى بيته ، ثم تزوج من السيدة خديجة رضى الله عنها وأرضاها ، ، وفى كل هذه المراحل الحياتية كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يصلها وهو بمكة وكانت خديجة تكرمها حتى بعد مبعثه بمكة نبياً ، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان يبعث إليها بصلة وكسوة حتى جاءه خبرها أنها قد توفيت سنة سبع من الهجرة بعد فتح خيبر، فقال : ’’ما فعل ابنها مسروح ؟’’ ، فقيل : مات قبلها ولم يبق من قرابتها أحد .
سأل عنها صلى الله عليه وسلم ووصلها سواء بمكة أو بالمدينة وهو بعيد عنها ، وسواء كان قبل مبعثه أم بعده صلى الله عليه وسلم ، كما سأل عمن خلفها من قومها ليصلهم . هكذا خلق الله صلى الله عليه وسلم وفياً أشد ما يكون الوفاء مع كل من تعهده أو اتصل به سواء أكان عربياً أم غير عربى ، مؤمناً أم كافراً ، رجلاً كان أم امرأة ، حراً كان أم عبداً ، وكلما توغلنا فى سيرته من الآن فصاعداً ستتصاعد معنى قيمة وشيمة الوفاء فى خلقه صلى الله عليه وسلم وسجاياه مهما كلفه الأمر من عنت أو بذل وجهد ، صلى الله على النبى العربى الوفى ورحم الله أول مرضعة له غير أمه ثويبة الأسلمية فكانت أول أم له بالرضاع ، أصابها منه الخير وليداً ورجلاً وبشراً نبيا .