محمود فالح مهيدات
03-12-2011, 09:17 PM
التدخين
1. إن من أسوأ العادات السائدة بين أفراد المجتمع البشري هي عادة التدخين. ففي التدخين خروج عن قاعدة العقل والفطرة السليمة: خروج عن قاعدة العقل، لأنه ـ أي العقل ـ لا يقبل ما يضر بصاحبه؛ وخروج عن الفطرة السليمة، لأن الإنسان وُلدَ غير مدخن وقد ارتبط بهذه العادة الذميمة فيما بعد.
2. إن الفطرة السليمة هي الإسلام، وفي ذلك قال نبي الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام: ( ما من مولود إلاّ ويولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسُّون فيها من جدعاء؟). وقال تبارك وتعالى: (( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) 30/ الروم.
3. لقد عني الإسلام الحنيف بالإنسان فأرسى وأقام القواعد التي تكفل حماية الجنس البشري على مرِّ العصور، فأحلَّ الحلال وحرِّم الحرام؛ أحلَّ الطيبات وحرِّم الخبائث، والخبائث هي كل ما يضر بالمال والجسد؛ حرِّم الخمر والميسر كما حرَّم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها.
4. أما الدخان المعروف ( التبغ)، فهو أشد خبثاً من الخمرة، فهو حرام بناء على الأدلة التالية:
أ. الدخان خبيث. بما أن الخبيث هو كل ما يضر بالمال والجسد، والدخان يضر بهما في آن واحد، فهو بلا شك من الخبائث التي حرَّمها الله تبارك وتعالى بقوله: (( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) 157/الأعراف.
ب. الأمراض الفتاكة. لقد ثبت علمياً بأن التدخين يسبب العديد من الأمراض التي تؤدي إلى هلاك المدخن، ومن هذه الأمراض: أمراض القلب والأوعية الدموية، الذبحة الصدرية، جلطة القلب الدموية، تصلب الشرايين، ارتفاع ضغط الدم، كما يسبب السرطان والسل الرئوي، ويؤثر على الغدد الجنسية عند الذكر والأنثى مما يؤدي إلى قلة الإخصاب أو عدمه. فكل هذه الأمراض مهلكة للإنسان، والتدخين سبب رئيس لهذه الأمراض؛ أليس ذلك إلقاء للنفس وزجٌّ بها في المهالك خلافاً لقول ربِّ العزَّة في كتابه المجيد: (( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) 195/ البقرة.
جـ. قتل النفس (الانتحار). بما أن التدخين يسبب الأمراض الآنفة الذكر وغيرها، فإن ذلك قتل بطيء للنفس، فهو الانتحار بعينه، وقد نهانا رب العالمين عن قتل أنفسنا حين قال: (( ... وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)) 29/ النساء. ومن الجدير بالذكر بأن كل سيجارة يدخنها المرء هي بمثابة مسمار في نعشه، وقد أعجبني ما يطلقه الأمريكان على السجائر بأنها ( Coffin Nails ) أي مسامير النعش.
د. إثمه أكبر من نفعه. إن ضرر التدخين أكبر من نفعه، بل لا نفع فيه على الإطلاق. ففي الخمر قال تبارك وتعالى: (( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ...)) 219/ البقرة. وأما التدخين فلا نفع فيه أبداً.
هـ.التلويث. يشترك الناس في أشياء عدة: في الماء والكلأ والهواء والنار، فيحرم شرعاً تلويث الماء والهواء، كما أن القانون الدولي للحرب حرَّم تلويث مصادر المياه والهواء فحرَّم استعمال الغازات السامة في الحروب لما لها من تأثير كبير في تلويث الهواء وبالتالي الإضرار بالجنس البشري. ففي التدخين تلويث تام للجو والهواء مما يضر بالآخرين، والمدخن يضر نفسه بالتدخين كما يضر الآخرين بإفساد الهواء الذي يستنشقون، وفي هذا مخالفة لأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( لا ضرر ولا ضِرار).
و. التبذير. التبذير من عمل الشيطان؛ وقد نهى الله تبارك وتعالى عن الإسراف ووصف المؤمنين بأنهــم (( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)) 67/الفرقان. كما وصف المبذرين بقوله سبحانه:(( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)) 27/الإسراء. ففي التدخين تبذير وإضاعة للمال. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( كره الله لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ).
ز. المدخن جليس سوء. وصف الرسول صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير إذا لم يؤذيك فسوف يحرق ثيابك أو تشم منه رائحة كريهة؛ والمدخن كذلك، فإن لم يكوِ يدك بمقدمة سيجارته أو يحرق ثوبك، فلا بد أن يؤذيك برائحة الدخان الكريهة المنبعثة بالإضافة إلى تلويث الهواء بسبب الدخان المنبعث من السيجارة والمدخن على السواء. قال صلوات الله وسلامه عليه: ( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يؤذيك وإما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة) ـ متفق عليه.
ح. الدخان مسكر. إذا نظرنا في تركيب مادة التبغ نجدها تحتوي على النيكوتين ـ والنيكوتين مسكر ومخدرـ ( فما أسكر كثيره فقليله حرام)، كما تحتوي مادة التبغ على القطران السام وهو أشد فتكاً من سمِّ الأفعى، فإذا ما وضعت شيئاً يسيراً منه في فم الأفعى ستموت من فورها. فالمدخن والحالة هذه يتجرَّع السمَّ الزعاف بيديه وهو بالتالي سيقوده إلى حتفه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تحسَّى سمًّا فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلَّداً فيها).
ط. شديد الكراهية. التدخين أشد كراهية من رائحة الثوم والبصل، وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن أكل البصل أو الثوم ثم الذهاب إلى المسجد لتأدية صلاة الجماعة لئلا يؤذي المسلمين برائحة الثوم أو البصل المنبعثة من فم من أكل منهما، مع العلم بأم البصل والثوم لم يُحرَّما ولا مسكرات فيهما، بل فيهما علاج وفوائد جمَّة: فالبصل والثوم يقللان من نسبة السكر في الدم كما يخففان من ارتفاع ضغط الدم ويقللان من احتمال حدوث جلطة في الدم حيث يعملا على تمييع الدم، كما يقلل الثوم من نسبة الدهون في الدم. أما الدخان، فرائحته تطغى على رائحة البصل والثوم، كما تطغى على رائحة الغائط، فهل بعد هذا الخبث خبث؟؟.
ي. لا تأكله البهائم.شجرة التبغ، إذا ما قورنت بالأشجار التي تصنع من ثمارها الخمور، فالخمرة تصنع من العنب والتمر والتفاح وغيرها، وكلها ثمار يأكلها الإنسان والحيوان. أما نبتة التبغ، فلا يأكلها أي من الدواب؛ لا تأكلها المواشي ولا الحمير ولا حتى الخنازير ولا تصاب بالآفات الزراعية، فكيف يتقبلها الإنسان الذي كرَّمه رب العالمين فقال: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) 70/الإسراء، فينفق عليها الأموال ويجوِّع من أجلها العيال بالإضافة إلى الإضرار بصحته؟؟!!
ك. بيع التبغ. لا يصح شرعاً بيع أي مادة لا يُنتفع بها، ولا شراؤها أو أخذ المال مقابلها، لأن في ذلك أكل لأموال الناس بالباطل، وهو ما نهانا عنه مولانا بقوله: ((وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) 188/ البقرة. فإذا كان لا يصح بيع أو شراء ما لا يُنتفع به، فإن منع الاتجار بما فيه الضرر من باب أولى، مثل المخدرات والمواد المسكرة بأنواعها ومنها الدخان (التبغ). قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه).
5. وهكذا، وبعد أن عرفنا ما في آفة التدخين من مضار خطيرة على الجنس البشري، وما في تعاطيه من مخالفة لشرع الله جلَّ في علاه، ومخالفة لسنة مصطفاه عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه ومن والاه، (( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)) 16/ الحديد ، فهي دعوة إسلامية إنسانية للإقلاع عن التدخين .. فرحمة بأنفسكم وأهليكم أيها المدخنون .. والله أسأل لكم العون على أنفسكم والفلاح في الدارين.
[/align]
.... محمود فالح مهيدات ....
1. إن من أسوأ العادات السائدة بين أفراد المجتمع البشري هي عادة التدخين. ففي التدخين خروج عن قاعدة العقل والفطرة السليمة: خروج عن قاعدة العقل، لأنه ـ أي العقل ـ لا يقبل ما يضر بصاحبه؛ وخروج عن الفطرة السليمة، لأن الإنسان وُلدَ غير مدخن وقد ارتبط بهذه العادة الذميمة فيما بعد.
2. إن الفطرة السليمة هي الإسلام، وفي ذلك قال نبي الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام: ( ما من مولود إلاّ ويولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسُّون فيها من جدعاء؟). وقال تبارك وتعالى: (( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) 30/ الروم.
3. لقد عني الإسلام الحنيف بالإنسان فأرسى وأقام القواعد التي تكفل حماية الجنس البشري على مرِّ العصور، فأحلَّ الحلال وحرِّم الحرام؛ أحلَّ الطيبات وحرِّم الخبائث، والخبائث هي كل ما يضر بالمال والجسد؛ حرِّم الخمر والميسر كما حرَّم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها.
4. أما الدخان المعروف ( التبغ)، فهو أشد خبثاً من الخمرة، فهو حرام بناء على الأدلة التالية:
أ. الدخان خبيث. بما أن الخبيث هو كل ما يضر بالمال والجسد، والدخان يضر بهما في آن واحد، فهو بلا شك من الخبائث التي حرَّمها الله تبارك وتعالى بقوله: (( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) 157/الأعراف.
ب. الأمراض الفتاكة. لقد ثبت علمياً بأن التدخين يسبب العديد من الأمراض التي تؤدي إلى هلاك المدخن، ومن هذه الأمراض: أمراض القلب والأوعية الدموية، الذبحة الصدرية، جلطة القلب الدموية، تصلب الشرايين، ارتفاع ضغط الدم، كما يسبب السرطان والسل الرئوي، ويؤثر على الغدد الجنسية عند الذكر والأنثى مما يؤدي إلى قلة الإخصاب أو عدمه. فكل هذه الأمراض مهلكة للإنسان، والتدخين سبب رئيس لهذه الأمراض؛ أليس ذلك إلقاء للنفس وزجٌّ بها في المهالك خلافاً لقول ربِّ العزَّة في كتابه المجيد: (( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) 195/ البقرة.
جـ. قتل النفس (الانتحار). بما أن التدخين يسبب الأمراض الآنفة الذكر وغيرها، فإن ذلك قتل بطيء للنفس، فهو الانتحار بعينه، وقد نهانا رب العالمين عن قتل أنفسنا حين قال: (( ... وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)) 29/ النساء. ومن الجدير بالذكر بأن كل سيجارة يدخنها المرء هي بمثابة مسمار في نعشه، وقد أعجبني ما يطلقه الأمريكان على السجائر بأنها ( Coffin Nails ) أي مسامير النعش.
د. إثمه أكبر من نفعه. إن ضرر التدخين أكبر من نفعه، بل لا نفع فيه على الإطلاق. ففي الخمر قال تبارك وتعالى: (( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ...)) 219/ البقرة. وأما التدخين فلا نفع فيه أبداً.
هـ.التلويث. يشترك الناس في أشياء عدة: في الماء والكلأ والهواء والنار، فيحرم شرعاً تلويث الماء والهواء، كما أن القانون الدولي للحرب حرَّم تلويث مصادر المياه والهواء فحرَّم استعمال الغازات السامة في الحروب لما لها من تأثير كبير في تلويث الهواء وبالتالي الإضرار بالجنس البشري. ففي التدخين تلويث تام للجو والهواء مما يضر بالآخرين، والمدخن يضر نفسه بالتدخين كما يضر الآخرين بإفساد الهواء الذي يستنشقون، وفي هذا مخالفة لأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( لا ضرر ولا ضِرار).
و. التبذير. التبذير من عمل الشيطان؛ وقد نهى الله تبارك وتعالى عن الإسراف ووصف المؤمنين بأنهــم (( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)) 67/الفرقان. كما وصف المبذرين بقوله سبحانه:(( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)) 27/الإسراء. ففي التدخين تبذير وإضاعة للمال. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( كره الله لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ).
ز. المدخن جليس سوء. وصف الرسول صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير إذا لم يؤذيك فسوف يحرق ثيابك أو تشم منه رائحة كريهة؛ والمدخن كذلك، فإن لم يكوِ يدك بمقدمة سيجارته أو يحرق ثوبك، فلا بد أن يؤذيك برائحة الدخان الكريهة المنبعثة بالإضافة إلى تلويث الهواء بسبب الدخان المنبعث من السيجارة والمدخن على السواء. قال صلوات الله وسلامه عليه: ( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يؤذيك وإما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة) ـ متفق عليه.
ح. الدخان مسكر. إذا نظرنا في تركيب مادة التبغ نجدها تحتوي على النيكوتين ـ والنيكوتين مسكر ومخدرـ ( فما أسكر كثيره فقليله حرام)، كما تحتوي مادة التبغ على القطران السام وهو أشد فتكاً من سمِّ الأفعى، فإذا ما وضعت شيئاً يسيراً منه في فم الأفعى ستموت من فورها. فالمدخن والحالة هذه يتجرَّع السمَّ الزعاف بيديه وهو بالتالي سيقوده إلى حتفه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تحسَّى سمًّا فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلَّداً فيها).
ط. شديد الكراهية. التدخين أشد كراهية من رائحة الثوم والبصل، وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن أكل البصل أو الثوم ثم الذهاب إلى المسجد لتأدية صلاة الجماعة لئلا يؤذي المسلمين برائحة الثوم أو البصل المنبعثة من فم من أكل منهما، مع العلم بأم البصل والثوم لم يُحرَّما ولا مسكرات فيهما، بل فيهما علاج وفوائد جمَّة: فالبصل والثوم يقللان من نسبة السكر في الدم كما يخففان من ارتفاع ضغط الدم ويقللان من احتمال حدوث جلطة في الدم حيث يعملا على تمييع الدم، كما يقلل الثوم من نسبة الدهون في الدم. أما الدخان، فرائحته تطغى على رائحة البصل والثوم، كما تطغى على رائحة الغائط، فهل بعد هذا الخبث خبث؟؟.
ي. لا تأكله البهائم.شجرة التبغ، إذا ما قورنت بالأشجار التي تصنع من ثمارها الخمور، فالخمرة تصنع من العنب والتمر والتفاح وغيرها، وكلها ثمار يأكلها الإنسان والحيوان. أما نبتة التبغ، فلا يأكلها أي من الدواب؛ لا تأكلها المواشي ولا الحمير ولا حتى الخنازير ولا تصاب بالآفات الزراعية، فكيف يتقبلها الإنسان الذي كرَّمه رب العالمين فقال: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) 70/الإسراء، فينفق عليها الأموال ويجوِّع من أجلها العيال بالإضافة إلى الإضرار بصحته؟؟!!
ك. بيع التبغ. لا يصح شرعاً بيع أي مادة لا يُنتفع بها، ولا شراؤها أو أخذ المال مقابلها، لأن في ذلك أكل لأموال الناس بالباطل، وهو ما نهانا عنه مولانا بقوله: ((وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) 188/ البقرة. فإذا كان لا يصح بيع أو شراء ما لا يُنتفع به، فإن منع الاتجار بما فيه الضرر من باب أولى، مثل المخدرات والمواد المسكرة بأنواعها ومنها الدخان (التبغ). قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه).
5. وهكذا، وبعد أن عرفنا ما في آفة التدخين من مضار خطيرة على الجنس البشري، وما في تعاطيه من مخالفة لشرع الله جلَّ في علاه، ومخالفة لسنة مصطفاه عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه ومن والاه، (( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)) 16/ الحديد ، فهي دعوة إسلامية إنسانية للإقلاع عن التدخين .. فرحمة بأنفسكم وأهليكم أيها المدخنون .. والله أسأل لكم العون على أنفسكم والفلاح في الدارين.
[/align]
.... محمود فالح مهيدات ....