نسب المصطفى
08-06-2011, 12:40 AM
رمضان في نجد قديماً
عندما يحل رمضان يستقبله المسلمون أجمع بفرح وسرور طمعاً في المغفرة والرضوان من الله - سبحانه وتعالى - وتختلف الاستعدادات والطقوس المصاحبة لهذا الشهر الكريم من قطر إلى قطر في العالم الإسلامي بل من مجتمع إلى آخر في القطر نفسه تبعاً لتنوع ثقافات الشعوب واختلاف نظرتهم لهذا الشهر الكريم، فما أن يقترب موعده حتى يبادرون إلى استقباله باستعدادات روحانية ومادية مختلفة،
ولكن كيف كان أهل نجد في القرون السابقة يستقبلون الشهر وكيف يقضونه؟
دخول الشهر
ما أن يحل اليوم التاسع والعشرون من شعبان حتى يكون أمراء الأقاليم والبلدات قد استعدوا لترائي هلال شهر رمضان وحثوا الناس على ترائيه، فيخرج الأمير والقاضي وثلة من الناس الثقات الذين اشتهروا بحدة النظر إلى مرتفع في أقاصي البلد ويتراءون الهلال في الأفق الغربي، فإذا ما رأوه سارعوا إلى إبلاغ بقية المسلمين أو أكملوا عدة شهر شعبان ثلاثين يوماً إذا غمّ عليهم.
وحيث إن وسائل الاتصال لم تكن مهيأة آنذاك، كان الوالي أو الأمير يعلن دخول الشهر بالأمر على منادٍ ينادي في البلدة بذلك وقد يصاحب ذلك إطلاق النار بالبنادق في حالة توفرها، وبالنسبة للبلدات المجاورة فإنه يتم إرسال عدة أشخاص على الجياد والجمال لإبلاغهم وهم بدورهم يبلغون من يجاورهم وهكذا حتى ينتشر خبر الشهر في المنطقة بأسرها، أو يشعلون النار فوق الجبال والأكمات ليراها الناس من بعيد، ولكن كثيراً ما كان بعض أهل البلدات البعيدة لا يعلمون بدخول الشهر إلا ظهر أو عصر أول يوم من الشهر الكريم فيمسكون بقية اليوم ويقضونه لاحقاً، وقل مثل ذلك عند خروج الشهر وحلول العيد أيضاً!
استقبال رمضان والعمل فيه
كان النجديون يستزيدون من إنارة المساجد بعد رؤية الهلال ويتسابقون إلى تقديم الفوانيس والسرج التي تعبأ بالزيت أنسا للسابلة وإضاءة للمتهجدين وتنزيها لبيوت الله من وحشة الظلم، بل بلغ من عنايتهم بالمساجد وإعمارها في هذا الشهر الكريم أن أوقفوا في وصاياهم على المساجد بقرب تصنع من جلود ضحاياهم وتملأ بالماء طوال الشهر الكريم إضافة إلى وقف ثمر بعض النخلات على الصوام في هذا الشهر وإقامة ما يسمى آنذاك عشاء رمضان، ويندر أن تجد وصية من وصايا تلك الفترة لا تخصص جزءاً من الوقف على الصوام، بل إنهم يتسابقون إلى الظفر بالصائم وإطعامه رغم قلة ذات اليد، بل إن عدم تفطير الصائم من المستحيلات
أكلات رمضانية
وكان النجديون يخففون من شدة العطش بشرب (المريس) عند السحر وعند الإفطار، والمريس هو المشروب الحلو الناتج من نقع التمر الجيد في الماء ثم تصفيته وقد يضيفون إليه الأقط المطحون لإكسابه شيئا من الحموضة.
والموسرون منهم يأكلون من الأطعمة المشهورة آنذاك والتي لا زالت معروفة حتى الآن ومن ذلك (الحيس) وهو مكون من تمر وقمح وأقط أو تمر وأقط وسمن تعجن مع بعضها البعض وقد يضاف إليها الزبد وأحياناً حامض الأترج أو الليمون، وقد عرف في نجد منذ الجاهلية حيث تذكر كتب التاريخ أن بني حنيفة قد برعوا في صنعه، حتى عرف بهم فيقال: (حيس بني حنيفة) وهو يشبه الحنيني، كما يأكل النجديون في رمضان وغيره الحويس أو العفيس أو الدعيكة أو الخلاصة وهو خليط من التمر مع بقايا السمن ويطبخ مع الدقيق، كما يأكلون أيضاً القرصان والعصيد والمرقوق وأصلها جاهلي حيث عرفت بالرقاق أو المرقق، وذكر أن النجديين يصنعون من القمح المسمى اللقيمي طعاماً يطبخونه كالأرز مع إضافة الدهن الكثير إليه وهو من أبرز أطعمتهم، وهذا الوصف ينطبق بلا شك على الجريش.
النوافل والعبادات المصاحبة
وفي جانب العبادة، كانت المساجد التي تضاء بالسرج طوال الليل لا تخلو من المصلين والقائمين خاصة في العشر الأواخر
ويبادرون أيضاً إلى تلاوة القرآن الكريم وتعدد الختمات كل بحسب استطاعته ومن لا يجيد القراءة - وهم كثر - يبحث عمن يقرأ له، أو يقرأ عن ظهر قلب ما يحفظه.
وكان الموسرون (اي في يسر مادي) يبحثون عن القراء الذين يجيدون التلاوة وحسن الصوت فيجلبونهم ويدفعون لهم المال ليتولوا الإمامة والصلاة بهم في المساجد القريبة من منازلهم، ويقيمون موائد الإفطار في المساجد للفقراء وعابري السبيل.
مدخل : التاريخ في رمضان لا يتغير هو الشهر الوحيد الذي ترجع فيه كل العادات القديمه والتاريخ يجدد نفسه في كل رمضان