منتديات مشاعرهم الادبية

منتديات مشاعرهم الادبية (http://moh99d.com/vb/index.php)
-   المكتبه الادبيه لمشاعرهم (http://moh99d.com/vb/forumdisplay.php?f=43)
-   -   الشاعر بدر شاكر السياب (http://moh99d.com/vb/showthread.php?t=4079)

سمر محمد 07-19-2010 12:37 PM

الشاعر بدر شاكر السياب
 

ولد الشاعر بدر شاكر السياب في 25/12/1925 في قرية جيكور التي اغرم بها وهام أحدهما الآخر... وهي من قري قضاء (أبي الخصيب) في محافظة البصرة.
والده: شاكر بن عبدالجبار بن مرزوق السياب، ولد في قرية (بكيع) واكمل دراسته في المدرسة الرشيدية في أبي الخصيب وفي البصرة أثناء العهد العثماني، زاول التجارة والأعمال الحرة وخسر في الجميع ثم توظف في دائرة (تموين أبي الخصيب) توفي في 7/5/1963. وأولاده (د. عبدالله وبدر ومصطفي).
والدته: هي كريمة بنت سياب بن مرزوق السياب، توفيت قبله بمدة طويلة، وتركت معه اخوان اصغر منه، فتزوج ابوه امرأة أخري.
قريته : هي قرية جيكور... قرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها آنذاك علي (500) نسمة، اسمها مأخوذ في الأصل من الفارسية من لفظة (جوي كور) أي (الجدول الأعلي)، تحدثنا كتب التاريخ علي أنها كانت موقعاً من مواقع الزنج الحصينة، دورها بسيطة مبنية من طابوق اللبن، الطابوق غير المفخور بالنار وجذوع أشجار النخيل المتواجدة بكثرة في بساتين جيكور التي يملك (آل السياب) فيها أراضٍ مزروعة بالنخيل تنتشر فيها انهار صغيرة تأخذ مياهها من شط العرب...، وحين يرتفع المد تملئ الجداول بمائه، وكانت جيكور وارفة الظلال تنتشر فيها الفاكهة بأنواعها ـ مرتعاً وملعباً ـ وكان جوّها الشاعري الخلاب أحد ممهدات طاقة السياب الشعرية وذكرياته المبكرة فيه ظلت حتي أخريات حياته تمد شعره بالحياة والحيوية والتفجر (كانت الطفولة فيها بكل غناها وتوهجها تلمع أمام باصرته كالحلم... ويسجل بعض اجزائها وقصائده ملأي بهذه الصور الطفولية...) كما يقول صديقه الحميم، صديق الطفولة : الشاعر محمد علي إسماعيل. هذه القرية تابعة لقضاء أبي الخصيب الذي اسسه (القائد مرزوق أبي الخصيب) حاجب الخليفة المنصور عام 140 هـ والذي شهد وقائع تاريخية هامة سجّلها التاريخ العربي، ابرزها معركة الزنج ما تبعها من أحداث. هذا القضاء الذي برز فيه شعراء كثيرون منهم (محمد محمود) من مشاهير المجددين في عالم الشعر والنقد الحديث و(محمد علي إسماعيل) صاحب الشعر الكثير في المحافظة و(خليل إسماعيل) الذي ينظم المسرحيات الشعرية ويخرجها بنفسه ويصور ديكورها بريشته و(مصطفي كامل الياسين) شاعر و(مؤيد العبد الواحد) الشاعر الوجداني الرقيق وهو من رواة شعر السياب و(سعدي يوسف) الشاعر العراقي المعروف و(عبد اللطيف الدليشي) الاديب البصري و(عبد الستار عبد الرزاق الجمعة) وآخرين...
نهر بويب : تنتشر في أبي الخصيب انهار صغيرة تأخذ مياهها من شط العرب وتتفرع إلي انهار صغيرة... منها (نهر بويب) ، النهر الذي ذكره الشاعر كثيراً في قصائده... هذا النهر الذي كان في الأصل وسيلة اروائية بساتين النخيل، يبعد عن شط العرب اكثر من كيلومتر واحد، والذي لا ينبع منه بل يأخذ مياهه من نهر آخر اسمه (بكيع) بتصغير كلمة (بقعه )، يتفرع إلي فرعين احدهما نهر بويب، أما الآن فهو مجري عادي صغير جفّت مياهه وغطّي النهر نباتات (الحلفاء) وبعض الحشائش. وفي السابق كان علي جانبيه أشجار الخوخ والمشمش والعنب، وكان بدر يحب ان يلعب في ماء بويب ويحلو له ان يلتقط المحار منه ويجلس علي نخلة ينظر الماء المنساب..
وفي لقاء مع (عبدالمجيد السياب) عم الشاعر قال...: (كنت أعرف مكان السياب علي النهر (نهر بويب) من الأوراق... إذ كان عندما يكتب يمزق كثيراً من الأوراق ويرميها في النهر فأهتدي بها إليه...). وعن سر اهتمام السياب بـ (بويب) قال السيد عبد المجيد..lفي نهاية الأربعينيات قرأت قصيدة لبابلو نيرودا يتحدث عن نهر لا اذكر اسمه وكان السياب قريب مني، فقرأ القصيدة واعتقد انه تأثر بها فكتب قصيدته (بويب)..).
منزل الأقنان: قال أحمد عبدالعزيز السياب..: (ان دار السياب قد قسمت إلي قسمين... دار جدي... ومنزل الأقتان الذي خلّده كثيراً في شعره، يبعد هذا المنزل عشرين متراً عن الدار الحقيقية وهو بيت فلاحي جد بدر الذين استغلتهم عائلة السياب، وهو بيت واسع قديم مهجور كان يدعي (كوت المراجيح) وكان هذا البيت في العهد العثماني مأوي عبيد (أسرة السياب) وكان الشعر بدر قد جعل من منزل الأقتان في أيام طفولته مقر الجريدة كان يخطّها ويصدرها الشاعر بإسم (جيكور) يتناقلها صبيان القرية ثم تعود في ختام قراءتها من قبل أصدقاء بدر ليلصقها الشاعر علي حائط منزل الأقتان.
بعض من ارتبط بهن وأحبهنّ: ,لآق. ولابد من ذكر من ارتبط بهن وأحبهن...:
ـ كانت الراعية (هويله) هي أول امرأة خفق لها قلبه وأحبها، حيث كانت اكبر منه سنا ترعي أغنام لها، يقابلها خارج قريته، وفجأة تحول إلي حب فتاة جميلة عمرها آنذاك (15) سنة، كانت تأتي إلي قريته والسياب في عنفوان شبابه وهو الباحث عن الحنين فالتجأ يتشبث بحب (وفيقه) التي كانت تسكن علي مقربة من بيت الشاعر. كان البيت فيه شباكاً مصبوغاً باللون الأزرق يعلو عن الأرض مترا أو يطل علي درب قرب من بيت قديم، شباك وفيقة التي لم يسعده حظه في الزواج منها، في شباكها قال شعرا جميلا، ولم يعرف لحد الآن هل ان وفيقة كانت تبادله الحب أم لا. ولم يكن في جيكور مدرسة في ذلك الوقت، لذا كان علي السياب ان يسير مشيا إلي قرية (آل إبراهيم) الواقعة بالقرب من جيكور بعد ان انهي الصف الرابع بنجاح وانتقل إلي مدرسة المحمودية والتي كانت إدارة المدرسة مطلة علي الشارع، شناشيل ملونة، وكان بيت الجلبي يقع خلف المدرسة، كان الشاعر يجول في هذه الطرقات المؤدية إليه سيما وان له زملاء وهو بعيد عن جيكور، وكانت (ابنة الجلبي) فتاة جميلة كان يراها السياب وهو ماراً بزقاق يؤدي لمسكنها، فان يتغزل بها ويحبها من طرف واحد فقط.
ـ وفي دار المعلمين العالية في بغداد وقع في حب جديد، فتاة بغدادية اخذت حظها من العلم والمعرفة ولها فوق ثقافتها جمال يأخذ بالالباب وهي التي يصفها بأن لها في وجهها غمّازة، تلبس العباءة وكانت عندما تمر به تضع العباءة علي وجهها كي لا تراه وكانت (نازك الملائكة) صديقة (لباب) التي احبها الشاعر من جانب واحد وكانت ذكية وجميلة جدا وكان أهلها يوصونها ان تعبس عندما تسير لكي لا يطمع الآخرون بملاحقتها وقد اعرضت عن كل الذين خطبوها.
وأحب زميلة له حبا من طرف واحد أيضا وكان حبا افلاطونيا ارتفع حب الخيال حتي جاوز الحد وتضاءلت فيه رغبة الجسم فما كان منها إلا ان تتزوج رجلا ثريا وتترك السياب بآلامه.
وتعرّف علي الشاعرة (لميعة عباس عمارة) في دار المعلمين العالية، وكانت علاقة...
كانت بادئ ذي بدء ذات طابع سياسي ولكن ـ كعادته ـ وقع في حبها لأنها كانت من اخلص صديقاته، وقال فيها قصائد كثيرة ودعاها السياب لزيارته في جيكور وبقيت في ضيافته ثلاثة أيام كانا يخرجان سوية إلي بساتين قريته ويقرأ لها من شعره وهما في زورق صغير. ويتعرف الشاعر علي صديقة بلجيكية، اسمها (لوك لوران) وقد وعدته ان تزور قريته جيكور فكتب قصيدة تعتبر من أروع قصائده الغزلية... وشاء حظه ان يلتقي بمومس عمياء اسمها (سليمه) فاكتشف من خلالها عالم الليل والبغاء واكتشف اسرارا غريبة واعطانا صورة صادقة لما كانت تعانيه هذه الطبقة من الناس، فكانت قصيدته الرائعة (المومس العمياء) التي صوّر فيها الواقع الاجتماعي آنذاك وواقع المرأة بصورة خاصة.
زواجه : ويتزوج السياب إحدي قريباته، وأحب زوجته فكان لها الزوج المثالي الوفي، وكانت هي كذلك، فقد انجبت منه غيداء وغيلان والاء، ولمّا اصابه المرض كانت مثال المرأة الحنونة، المحتملة كل متاعب والأم الحياة، حيث كانت الأيام معه اياما قاسية. تقول عنها زوجته السيدة اقبال...: (عندما تغدو قسوة الأيام ذكريات، تصبح جزءا لا يتجزأ من شعور الإنسان، تترسب في أعماقه طبقة صلبة يكاد يشعر بثقلها إذ ما تزال تشدني ذكرياتي معه كلما قرأت مأساة وسمعت بفاجعة).
تقول عن كيفية زواجها منه...: لم أتعرف عليه بمعني الكلمة (التعارف والحب واللقاء) إنما كانت بيننا علاقة مصاهرة حيث ان اختي الكبري كانت زوجة لعم الشاعر (السيد عبدالقادر السياب) في أوائل الثلاثينات، وكان أخي قد تزوج من أسرة السياب، وبعد نيل الموافقة الرسمية تم عقد الزواج في 19 حزيران (يونيو) 1955 في البصرة ثم انتقلنا إلي بغداد
كانت السنوات الثلاث الأخيرة من حياته فترة رهيبة عرف فيها صراع الحياة مع الموت. لقد زجّ بجسمه النحيل وعظامه الرقاق إلي حلبة هذا الصراع الذي جمع معاني الدنيا في سرير ضيق حيث راح الوهن وهو يتفجرعزيمة ورؤي وحبا، يقارع الجسم المتهافت المتداعي، وجه الموت يحملق به كل يوم فيصدّه الشاعر عنه بسيف من الكلمة... بالكلمة عاش بدر صراعه، كما يجب ان يعيش الشاعر، ولعل ذلك لبدر، كان الرمز الأخير والأمضّ، للصراع بين الحياة والموت الذي عاشه طوال عمره القصير علي مستوي شخصه ومستوي دنياه معاً. فهو قبل ذلك إذ كان جسده الضامر منتصبا، خفيفا، منطلقا يكاد لا يلقي علي الأرض ظلا لشدة شفافيته.
للسياب اثار مطبوعة هي:
ازهار ذابلة (شعر)، اساطير (شعر)، المومس العمياء (ملحمة شعرية)، حفار القبور (قصيدة طويلة)، الاسلحة والاطفال (قصيدة طويلة)، مختارات من الشعر العالمي الحديث (قصائد مترجمة)، انشودة المطر (شعر)، المعبد الغريق (شعر)، منزل الاقنان (شعر)، شناشيل ابنة الجلبي (شعر)، ديوان بجزئين (اصدار دار العودة).
أما اثاره المخطوطة فهي:
زئير العاصفة (شعر)، قلب اسيا (ملحمة شعرية)، القيامة الصغري (ملحمة شعرية)، من شعر ناظم حكمت (تراجم)، قصص قصيدة ونماذج بشرية، مقالات وبحوث مترجمة عن الانكليزية منها السياسية والادبية.. مقالات وردود نشرها في مجلة الاداب... شعره الاخير بعد سفره إلي الكويت ولم يطبع في ديوانه الاخير (شناشيل ابنة الجلبي) قصائد من ايديث ستويل.

سمر محمد 07-19-2010 12:41 PM


أنشودة المطر

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر .
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهَرْ
يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر
كأنما تنبض في غوريهما ، النّجومْ ...
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء ،
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ،
والموت ، والميلاد ، والظلام ، والضياء ؛
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء
كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر !
كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ
وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر ...
وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم ،
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودةُ المطر ...
مطر ...
مطر ...
مطر ...
تثاءب المساء ، والغيومُ ما تزالْ
تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ .
كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :
بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ
فلم يجدها ، ثمَّ حين لجّ في السؤال
قالوا له : "بعد غدٍ تعودْ .. "
لا بدَّ أن تعودْ
وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ
تسفّ من ترابها وتشرب المطر ؛
كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباك
ويلعن المياه والقَدَر
وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ .
مطر ..
مطر ..
أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر ؟
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع ؟
بلا انتهاء – كالدَّم المراق ، كالجياع ،
كالحبّ ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر !
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ
سواحلَ العراق بالنجوم والمحار ،
كأنها تهمّ بالشروق
فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ .
أَصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والرّدى ! "
فيرجعُ الصّدى
كأنّه النشيجْ :
" يا خليج
يا واهب المحار والردى .. "
أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السّهول والجبالْ ،
حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تئنّ ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع ،
عواصف الخليج ، والرعود ، منشدين :
" مطر ...
مطر ...
مطر ...
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشّوان والحجر
رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ
مطر ...
مطر ...
مطر ...
وكم ذرفنا ليلة الرحيل ، من دموعْ
ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر ...
مطر ...
مطر ...
ومنذ أنْ كنَّا صغاراً ، كانت السماء
تغيمُ في الشتاء
ويهطل المطر ،
وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ .
مطر ...
مطر ...
مطر ...
في كل قطرة من المطر
حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ .
وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد
أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة !
مطر ...
مطر ...
مطر ...
سيُعشبُ العراق بالمطر ... "
أصيح بالخليج : " يا خليج ..
يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجع الصدى
كأنَّه النشيج :
" يا خليج
يا واهب المحار والردى . "
وينثر الخليج من هِباته الكثارْ ،
على الرمال ، : رغوه الأُجاجَ ، والمحار
وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لجَّة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ
من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى .
وأسمع الصدى
يرنّ في الخليج
" مطر ..
مطر ..
مطر ..
في كلّ قطرة من المطرْ
حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد
أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة . "
ويهطل المطرْ ..


سمر محمد 07-19-2010 12:44 PM

أقداح و أحلام


أنا لا أزال و في يدي قدحي= ياليل أين تفرق الشرب
ما زلت أشربها و أشربها = حتى ترنح أفقك الرحب
الشرق عُفر بالضباب فما = يبدو فأين سناك يا غرب؟
ما للنجوم غرقن ، من سأم = في ضوئهن و كادت الشهب ؟
أنا لا أزال و في يدي قدحي= ياليل أين تفرق الشرب ؟

******
الحان بالشهوات مصطخب= حتى يكاد بهن ينهار
و كأن مصاحبيه من ضرج = كفان مدهما لي العار
كفان ؟!بل ثغران قد =صبغا بدم تدفق منه تيار
كأسان ملؤهما طلى عصرت= من مهجتين رماهما الحب
آو مخلبان عليهما مزق = حمراء تزعم أنها قلب

******
الخمر جمعت الدهور , وما=فيهن بين جوانب الحان
ياويحها! أسكرتُ أم سكرتْ=أم نحن في السكرات سيّان
رمت العوالم والدهور على =ثغري وفوق يدي وأجفاني
كفي تمدّ فما تناولني =كأسا لعيني خمرها نهب
وأصافح الدنيا .. فياعجبا =البعد لان .. وأعرض القرب !

******
يا ليل ، أين تطوف بي قدمي ؟= في أي منعرج من الظلم
تلك السبيل أكاد أعرفها =بالأمس خاصر طيفها حلمي
هي غمد خنجرك الرهيب ، و قد= جردته و مسحت عنه دمي
تلك السبيل على جوانبها= تتمزق الخطوات أو تكبو
تتثاءب الأجساد جائعة = فيها كما يتثاءب الذئب
حسناء يلهب عريها ظمأي= فأكاد أشرب ذلك العريا
و أكاد أحطمه ، فتحطمني= عينان جائعتان كالدنيا
غرست يد الحمى على فمها= زهرا طوى شهواتها طيّا
إن فتحته بحرها شفة = سكرى يعربد فوقها ندب
رقص اللهيب على كمائمه =و مشى الطلاء يهزه الوثب
عين يرنح هدبها نفسي =وفم يقطع همسه الداء
ويد على كتفي مجلجلة =رباه .. ويك !أتلك حواء
لا كنت آدمها و لا لفحت= فردوسي الخمري صحراء
صوت النعاس يرن في أفقي= فتذوب ناعسة به السحب
إن الفراش يقيك ياقدمي= سوء العثار إذا دجى درب

******
أنا حائر متوجف قلق =كالظل بين جوانب البحر
المد قربني إلى شبحي=والآن تبعدني يد الجزر
وأنا الضياء تخيفني دجن= وأخاف أن سأضيع في الفجر
يانوم كل عوالمي حجب =ولو التقيتك ذابت الحجب
و انثال ، من سهري على =سهري ينبوعك المتثائب الرطب
أثملت بين جوانحي أملا= ماكنت أعلم أنه أمل
مثل الفراشة عاد يحبسها = دوح بذائب طله خضل
لولا خفوق جناحها غفلت= بيض الأزاهر عنه والمقل
أنا من ظلالك بين أودية = عذراء ، كل سهادها عشب
هام الضباب على جوانبها = طل الوشاح كنجمة تخبو

******
أنا كوكب ظمآن ترعشه= نطف مؤرجة من السحر
أنا غير جسمي عالمي حلم = بكر الظلال ، ولمحه عمري
قلبي تغرّب عن أحبته =وانسل من نغماته وتري
فإذا لثمت فغير خادعة = باتت لكل مخادع تصبو
وإذا شدوت أرن في أفق = عبر السماء غنائي العذب

******
هو يافؤادي طيفها مسحت= عنه التراب أنامل الغسق
هو غير تلك أما ترى ألقا = هو من دمائك أنت من حرقي
هو غيرها .. غدرت ، وبادلني =حبي ، و ضمد بالسنا أفقي
ومن المهازل أن يرى أمدا =بين الخيانة و الهوى _ هدب ؟
أين العوالم كيف غيّرها = نوم يرف وخاطر صب

******
خفقت ذوائبها على شفتي= و سنى فأسكر عطرها نفسي
نهر من النفحات أرشفني= ريحا تريب مجامر الغلس
فكأن نايا ضمخته يدا =آذار ناغم ليلة العرس
فغفا و ما زالت ملاحنه= ملء الفضاء يعيدها الحب
أو أن سوسنة يراقصها =رجع الغناء بشعرها تربو

******
ياقبلة أخذت على عجل =أفدي بعمري ذلك العجلا
الشعر ستّر بالظلال فمي= فهوى على الوجنات واشتعلا
فعلى جوانبهن منه سنا = يدعوه من جهل الهوى : خجلا
فضح احمرارك ياخدود فما= زال يفضحني بما يحبو
هو طفلك اللاهي ينازعه= أبدا إلى زهراتك اللعب

******
يا جسم ذاك الطيف ، أيا شبحا= من ذكرياتي يا هوى خدعا
لعناتي الحنقات ما برحت =تعتاد خدرك و الظلام معا
خفقت بأجنحة الغراب على =عينيك تنشر حولك الفزعا
الصبح ، صبحك ، ضحك شامتة = دام و لليلك مضجع ينبو
و إذا هلكت غدا ، فلا تجدي= قبرا و مزق صدرك الذئب ؟

******
و البوم يملأ عشه نتفا= من شعرك المتعفر الضجر
و يعود ثغرك للذباب لقى= و يداك مثقلتان بالحجر
لا تدفعان أذاه عن شفة =بالأمس أخرس لغوها و تري
و ليسق من دمك الخبث غداً= دوح تعشش فوقه الغرب
تأوي الصلال إلى جوانبه =غرثى و يعوي تحته الكلب

******
ويعود من خشباته نزق=جان ، بمقبض خنجر دام
ويعد منه سرير زانية= تهوى فتثقله بآثام
وتظل أعواد المشانق من =أعواده ، كسيت بأجسام
حتى إذا عصف الذبول به = وهوى عليه المعول العضب
كان الوقود لقدر ساحرة = بين المقابر شأنها القشب

سمر محمد 07-19-2010 12:45 PM


هوى واحد !

على مقلتيك ارتشفت النجوم
وعانقت آمالي الآيبة
وسابقت حتى جناح الخيال
بروحي إلى روحك الواثبة
أطلت فكانت سناً ذائباً
بعينيك في بسمة ذائبة
*

أأنت التي رددتها مناي
أناشيد تحت ضياء القمر
تغني بها في ليالي الربيع
فتحلم أزهاره بالمطر
ويمضي صداها يهز الضياء
ويغفو على الزورق المنتظر
*

خذي الكأس بلي صداك العميق
بما ارتج في قاعها من شراب
خذي الكأس لا جف ذاك الرحيق
و إلا صدى هامس في القرار
ألا ليتني ما سقيت التراب

*

خذي الكأس إني زرعت الكروم
على قبر ذاك الهوى الخاسر
فأعراقها تستعيد الشراب
وتشتفه من يد العاصر
خذي الكأس إني نسيت الزمان
فما في حياتي سوى حاضر
*

وكان انتظار لهذا الهوى
جلوسي على الشاطيء المقفر
وإرسال طرفي يجوب العباب
ويرتد عن أفقه الأسمر
إلى أن أهل الشراع الضحوك
وقالت لك الأمنيات : أنظري
*

أأنكرت حتى هواك اللجوج
وقلبي وأشواقك العارمة
وضللت في وهدة الكبرياء
صداها .. فيا لك من ظالمة
تجنيت حتى حسبت النعاس
ذبولا على الزهرة النائمة
*

أتنسين تحت التماع النجوم
خطانا وأنفاسنا الواجفة
وكيف احتضنا صدى في القلوب
تغني به القبلة الراجفة
صدى لج احتراق الشفاة
وما زال في غيهب العاطفة
*

ورانت على الأعين الوامقات
ظلال من القبلة النائية
تنادي بها رغبة في الشفاة
ويمنعها الشك .. والواشية
فترتج عن ضغطة في اليدين
جكعنا بها الدهر في ثانية
*

شقيقة روحي ألا تذكرين
نداء سيبقى يجوب السنين
وهمس من الأنجم الحالمات
يهز التماعاتها بالرنين
تسلل من فجوة في الستار
إليك وقال ألا تذكرين
*

تعالي فما زال في مقلتي
سنا ماج فيه اتقاد الفؤاد
كما لاح في الجدول المطمئن
خيال اللظى والنجوم البعاد
فلا تزعمي أن هذا جليد
ولا تزعمي أن هذا رماد؟

سمر محمد 07-19-2010 12:46 PM


.وداع.
أريقي على ساعدي الدموع
و شدي على صدري المتعب
فهيهات ألا أجوب الظلام
بعيدا إلى ذلك الغيهب
فلا تهمسي / غاب نجم السماء
ففي الليل أكثر من كوكب
**
وهل كان حلم بغير انتهاء
و هل كان لحن بلا آخر ؟
لكي تحسبي أن هذا الغرام
أبيد الرؤى ... خالد الحاضر
و أنا سنبقى نعد السنين
مواعيد في ظله الدائر ؟
**
على مقلتيك ارتماء عميق
و ذكرى مساء تقول ارجع!
نداء بعيد الصدى كالنجوم
يراها حبيبان في مخدع !
يكاد اشتياقي يهز الحجاب
و تومي ذراعي : هيا معي!!
**
سأمضي ... فلا تحلمي بالإياب
على وقع اقدامي النائية
و لا تتبعيني إذا ما التفت
ورائي إلى الشمعة الخابية
يرنحها في يديك النحيب
فتهتز من خلفك الرابية
**
ستنسين هذا الجبين الحزين
كما انحلت الغيمة الشاردة
و غابت كحلم وراء التلال
بعيداً.. سوى قطرة جامدة
ستنثرها الريح عما قليل
و تشربها التربة الباردة
**
ورب اكتئاب يسيل الغروب
على صمته الشاحب الساهم
وأغنية في سكون الطريق
تلاشت على هدأة العالم
أثارا صدى تهمس الذكريات
إذا ماانتهى همسة الحالم
**
غداً.. حين يبلى وراء الزجاج
كتا عليه اسمي الذابل
و تنفض كفاك عنه الغبار
و يخلو بك المخدع القاحل
سيلقاك و جهي خلال السطور
كما يسطع الكوكب الآفل
**
إذا ما قرأن اللقاء الاخير
تمنيت, في غفلة هاربة ,
لو استرجعت قبضتاك السنين
لو استرجعت ليلة ذاهبة!
و لكن شيئاً حواه الجدار
تحدى أمانيك الكاذبة
**
تلفت عن غير قصد هناك
فأبصرت.. بالانتحار الخيال!
حروفا من النار..ماذا تقول ؟
لقد مر ركب السنين الثقال
و قد باح تقويمهن الحزين
بأن اللقاء المرجى..محال!!


سمر محمد 07-19-2010 12:47 PM


أراها غداً
أراها غداً هل أراها غدا
وأنسى النوى أم يحول الردى
فؤادي وهل في ضلوعي فؤاد
لقد كدت أنساه لولا الصدى
كأني به خاذلي أن تمر
على بعد ما بيننا من مدى
مشى العمر ما بيننا فاصلا
فمن لي بأن اسبق الموعدا
ومن لي بطي السنين الطوال
ستمضي دموعي وحبي سدى
أراها فأذكر أني القريب
وأنسى الفتى الشارد المبعدا
أراها فأنفض عنها السنين
كما تنفض الريح برد الندى
فتغدو وعمري أخو عمرها
ويستوقف المولد المولدا
أغض اذا ما بدت ناظري
فهيهات تلعم كم سهدا
ولو أنها نبئت بالغرام
غرامي لقربت المنشدا
وقالت أيعصى ندا الحب
حرمت الهوى ان عصيت الندا
سأنسى الجراحات والامنيات
سوى أن عيني تراها غدا

سمر محمد 07-19-2010 12:48 PM


إتبعيني

فالضحى رانت به الذكرى على شط بعيد
حالم الأغوار بالنجم الوحيد
وشراع يتوارى واتبعيني
همسة في الزرقة الوسنى وظل
من جناح يضمحل
في بقايا ناعسات من سكون
في بقايا من سكون
في سكون !

**

هذه الأغوار يغشاها خيال
هذه الأغوار لا يسبرها إلا ملال
تعكس الأمواج في شبه انطفاء
لونه المهجور في الشط الكئيب
في صباح ومساء
وأساطير سكارى ... في دروب
في دروب أطفأ الماضي مداها
وطواها
فاتبعيني .. إتبعيني

**

إتبعيني ... ها هي الشطآن يعلوها ذهول
ناصل الألوان كالحلم القديم
عادت الذكرى به ساج كأشباح نجوم
نسي الصبح سناها والأفول
في سهاد ناعس بين جفون
في وجوم الشاطئ الخالي كعينيك انتظار
وظلال تصبغ الريح وليل ونهار
صفحة زرقاء تجلو في برود
وابتسام غامض ظل الزمان
للفراغ المتعب البالي على الشط الوحيد
إتبعيني في غد يأتي سوانا عاشقان
في غد حتى وإن لم تتبعني
يعكس الموج على الشط الحزين
والفراغ المتعب المخنوق أشباح السنين

**

أمس جاء الموعد الخاوي وراحا
يطرق الباب على الماضي على اليأس عليا
كنت وحدي .. أرقب الساعة تقتات الصباحا
وهي ترنو مثل عين القاتل القاسي إليا
أمس.. في الأمس الذي لا تذكرينه
ضوء الشطآن مصباح كئيب في سفينته
واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا
وتناءت في ارتخاء وتوان
غمغمات مجهدات وأغاني
وتلاشت تتبع الضوء الضئيلا
أقبلي الآن ففي الأمس الذي لا تذكرينه
ضوء الشطآن مصباح كئيب في سفينته
واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا .



سمر محمد 07-19-2010 12:48 PM


أساطير

أساطير من حشرجات الزمان
نسيج اليد البالية
رواها ظلام من الهاوية
وغنى بها ميتان
أساطير كالبيد ماج سراب
عليها وشقت بقايا شهاب
وأبصرت فيها بريق النضار
يلاقي سدى من ظلال الرغيف
وأبصرتني والستار الكثيف
يواريك عني فضاع انتظار
وخابت منى وانتهى عاشقان

**

أساطير مثل المدى القاسيات
تلاوينها من دم البائسين
فكم أومضت في عيون الطغاة
بما حملت من غبار السنين
يقولون : وحي السماء
فلو يسمع الأنبياء
لما قهقهت ظلمة الهاوية
بأسطورة بالية
تجر القرون
بمركبة من لظى في جنون
لظى كالجنون !

**

وهذا الغرام اللجوج
أيريد من لمسة باردة
على إصبع من خيال الثلوج
وأسطورة بائدة
وعرافة أطلقت في الرمال
بقايا سؤال
وعينين تستطلعان الغيوب
وتستشرقان الدروب
فكان ابتهال وكانت صلاة
تغفر وجه الآلة
وتحنو عليه انطباق الشفاة

**

تعالي فما زال نجم المساء
يذيب السنا في النهار الغريق
ويغشى سكون الطريق
بلونين من ومضة واطفاء
وهمس الهول الثقيل
بدفء الشذى واكتئاب الغروب
يذكرني بالرحيل
شراع خلال التحايا يذوب
وكف تلوح يا للعذاب

**

تعالي فما زال لون السحاب
حزينا .. يذكرني بالرحيل
رحيل
تعالي تعالي نذيب الزمان
وساعة في عناق طويل
ونصبح بالأرجوان شراعا وراء المدى
وننسى الغدا
على صدرك الدافئ العاطر
كتهويمة الشاعر
تعالي فملء الفضاء
صدى هامس باللقاء
يوسوس دون انتهاء

**

على مقلتيك انتظار بعيد
وشيء يؤيد
ظلال
يغمغم في جانبيها سؤال
وشوق حزين
يريد اعتصار السراب
وتمزيق أسطورة الأولين
فيا للعذاب
جناحان خلف الحجاب
شراع ..
وغمغمة بالوداع !!

سمر محمد 07-19-2010 12:49 PM


أساطير

أساطير من حشرجات الزمان
نسيج اليد البالية
رواها ظلام من الهاوية
وغنى بها ميتان
أساطير كالبيد ماج سراب
عليها وشقت بقايا شهاب
وأبصرت فيها بريق النضار
يلاقي سدى من ظلال الرغيف
وأبصرتني والستار الكثيف
يواريك عني فضاع انتظار
وخابت منى وانتهى عاشقان

**

أساطير مثل المدى القاسيات
تلاوينها من دم البائسين
فكم أومضت في عيون الطغاة
بما حملت من غبار السنين
يقولون : وحي السماء
فلو يسمع الأنبياء
لما قهقهت ظلمة الهاوية
بأسطورة بالية
تجر القرون
بمركبة من لظى في جنون
لظى كالجنون !

**

وهذا الغرام اللجوج
أيريد من لمسة باردة
على إصبع من خيال الثلوج
وأسطورة بائدة
وعرافة أطلقت في الرمال
بقايا سؤال
وعينين تستطلعان الغيوب
وتستشرقان الدروب
فكان ابتهال وكانت صلاة
تغفر وجه الآلة
وتحنو عليه انطباق الشفاة

**

تعالي فما زال نجم المساء
يذيب السنا في النهار الغريق
ويغشى سكون الطريق
بلونين من ومضة واطفاء
وهمس الهول الثقيل
بدفء الشذى واكتئاب الغروب
يذكرني بالرحيل
شراع خلال التحايا يذوب
وكف تلوح يا للعذاب

**

تعالي فما زال لون السحاب
حزينا .. يذكرني بالرحيل
رحيل
تعالي تعالي نذيب الزمان
وساعة في عناق طويل
ونصبح بالأرجوان شراعا وراء المدى
وننسى الغدا
على صدرك الدافئ العاطر
كتهويمة الشاعر
تعالي فملء الفضاء
صدى هامس باللقاء
يوسوس دون انتهاء

**

على مقلتيك انتظار بعيد
وشيء يؤيد
ظلال
يغمغم في جانبيها سؤال
وشوق حزين
يريد اعتصار السراب
وتمزيق أسطورة الأولين
فيا للعذاب
جناحان خلف الحجاب
شراع ..
وغمغمة بالوداع !!

سمر محمد 07-19-2010 12:57 PM


والتف حولك ساعداي
ومال جيدك في اشتهاء
كالزهرة الوسنى فما أحسست
إلا والشفاه فوق الشفاه
وللمساء عطر يضوع
فتسكرين به
وأسكر من شذاه
في الجيد والفم والذراع
فأغيب في أفق بعيد
مثلما ذاب الشراع
في أرجوان الشاطئ النائي
وأوغل في مداه

شفتاك في شفتي عالقتان
والنجم الضئيل يلقى سناه
على بقايا راعشات من عناق
ثم ارتخت عني يداك
وأطبق الصمت الثقيل
يا نشوة عبرى
وإغفاء على ظل الفراق
حلواَ كإغماء الفراشة
من ذهول وانتشاء
دوما إلى غير انتهاء
يا همسة فوق الشفاة
ذابت فكانت شبه آه
يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات
رانت كما سكن الجناح
وقد تناءى في الفضاء
غرقي إلى غير انتهاء
مثل النجوم الآفلات
لا لن تراني لن أعود
هيهات لكن الوعود
تبقى تلحّ فخفّ أنت
وسوف آتي في الخيال
يوما إذا ما جئت أنت
وربما سال الضياء
فوق الوجوه الضاحكات
وقد نسيت وما يزال
بين الأرائك موضع
خال يحدق في غباء
هذا الفراغ أما تحس به
يحدق في وجوم
هذا الفراغ أنا الفراغ
فخف أنت لكي يدوم !

هذا هواليوم الاخير ؟!
واحسرتاه! أتصدقين؟
ألن تخفّ إلى لقاء؟
هذا هو اليوم الأخير
فليته دون انتهاء !
ليت الكواكب لا تسير
والساعة العجلى تنام
على الزمان فلا تفيق!
خلفتني وحدي أسير
إلى السراب بلا رفيق

يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون
عنا فماذا يصنعون
لو أنني حان اللقاء
فاقتادني نجم المساء
في غمرة لا أستفيق
إلا وأنت خصري تحت أضواء الطريق ؟!

ليل ونافذة تضاء
تقول إنك تسهرين
أني أحسّك تهمسين
في ذلك الصمت المميت
ألن تخف إلى لقاء
ليل ونافذة تضاء
تغشى رؤاي وأنت فيها
ثم ينحل الشعاع
في ظلمة الليل العميق
ويلوح ظلك من بعيد
وهو يومئ بالوداع
وأظل وحدي في الطريق


سمر محمد 07-19-2010 12:57 PM


النهر و الموت
1
بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قارة البحر
الماء في الجرار، و الغروب في الشجر
وتنضج الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
" بويب .. يا بويب"
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
أود لو عدوت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و اسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر؟
و السمك الساهر هل ينام في السحر؟
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلاف من الإبر ؟
و أنت يا بويب
أود لو غرقت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصغار
وبابه الخفي كان فيك يا بويب
2
بويب .. يا بويب
عشرون قد مضين كالدهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام
و استقر في السرير دون أن أنام
و ارهف الضمير دوحة إلى السحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحس بالدماء و الدموع كالمطر
ينضحهن العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزؤام
أعماق ، كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
اشد قبضتي ثم أصفع القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
.و أبعث الحياة ، إن موتي انتصار



سمر محمد 07-19-2010 12:58 PM


غريب على الخليج
الريح تلهث بالهجيرة، كالجثام، على الأصيل
و على القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل
زحم الخليج بهن مكتدحون جوابو بحار
.من كل حاف نصف عاري
و على الرمال ، على الخليج
جلس الغريب، يسرح البصر المحير في الخليج
: و يهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج
أعلى من العباب يهدر رغوه و من الضجيج"
، صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى : عراق
.كالمد يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي : عراق
و الموج يعول بي : عراق ، عراق ، ليس سوى عراق ‍‍
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون
و البحر دونك يا عراق
.. بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانه
هي دورة الأفلاك في عمري، تكور لي زمانه
.في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
، وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهم مع الغروب
فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوب
،من الدروب وهي المفلية العجوز وما توشوش عن (حزام) 1
وكيف شق القبر عنه أمام عفراء الجميلة
.فاحتازها .. إلا جديله
زهراء أنت .. أتذكرين
تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
.كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
. بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
،حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه
.كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانه ؟
ان كان هذا كل ما يبقى فأين هو العزاء ؟
،أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
.و الليل أطبق ، فلتشعا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يدي .. هو اللقاء
شوق يخض دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولاده
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
.حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحس أن على الوساده
ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي و المدن الغريبة
،غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
.فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
،تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
،بين العيون الأجنبيه
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيه) 2
(و الموت أهون من (خطيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه
قطرات ماء ..معدنيه
،فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
.بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود
ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكن و استزيد ،
ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكن من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
،كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثوباء بقيا من نعاسي كالحجاب
:من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
.عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشك في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟
اليوم _ و اندفق السرور علي يفجأني- أعود
واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدخر النقود
و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام ، على الطعام ؟
لتبكين على العراق
فما لديك سوى الدموع
.وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع
الكويت 1953




سمر محمد 07-19-2010 01:01 PM


الوصية

من مرضي
من السرير الأبيض
من جاري انهار على فراشه و حشرجا
يمص من زجاجة أنفاسه المصفره ،
من حلمي الذي يمد لي طريق المقبره
والقمر المريض و الدجى ..؟
أكتبها وصية لزوجتي المنتظره
وطفلي الصارخ في رقاده : " أبي ، أبي"
تلم في حروفها من عمري المعذب
لو أن عوليس وقد عاد إلى دياره
صاحت به الآلهة الحاقدة المدمره
أن ينشر القلاع ، أن يضل في بحاره
دون يقين أن يعود في غد لداره
ما خضه النذير و الهواجس
كما تخض نفسي الهواجس المبعثره
اليوم ما على الضمير من حياء حارس
أخاف من ضبابة صفراء
تنبع من دمائي
تلفني فما أرى على المدى سواها
أكاد من ذلك لا أراها
يقص جسمي الذليل مبضع
كأنه يقص طينة بدون ماء
ولا أحس غير هبة من النسيم ترفع من طرف الستائر الضباب
ليقطر الظلام ، لست أسمع
سوى رعود رن في اليباب
منها صدى وذاب في الهواء …
أخاف من ضبابة صفراء
أخاف أن أزلق من غيبوبة التخدير
إلى بحار ما لها من مرسى
و ما استطاع سندباد حين أمسى
فيهن أن يعود للعود وللشراب والزهور،
صباحها ظلام
وليلها من صخرة سوداء
من ظل غيبوبتي المسجور
إلى دجى الحمام
ليس سوى انتقالة الهواء
من رئة تغفو ، إلى الفضاء
أخاف أن أحس بالمبضع حين يجرح
فاستغيث صامت النداء
أصيح لا يرد لي عوائي
سوى دم من الوريد ينضح
وكيف لو أفقت من رقادي المخدر
على صدى الصور ، على القيامة الصغيرة
يحمل كل ميت ضميره
يشع خلف الكفن المدثر ،
يسوق عزرائيل من جموعنا الصفر إلى جزيره
قاحلة يقهقه الجليد فيها ،
يصفر الهواء في عظامنا ويبكي
ماذا لو أن الموت ليس بعه من صحوه ،
فهو ظلام عدم ، ما فيه من حس ولا شعور ؟
أكل ذاك الأنس ، تلك الشقوه
و الطمع الحافر في الضمير
والأمل الخالق من توثب الصغير
ألف أبي زيد تفور الرغوه
من خيله الحمراء كالهجير
أكلها لهذه النهايه ؟
ترى الحمام للحياة غايه ؟
إقبال يا زوجتي الحبيبه
لا تعذليني ما المنايا بيدي
ولست، لو نجوت ، بالمخلد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما و ارحمي نجيبه
وعلميه أن يذيل القلب لليتيم و الفقير
وعلميه
ظلمة النعاس
أهدابها تمس من عيوني الغريبه
في البلد الغريب ، في سريري
فترفع اللهيب عن ضميري
لا تحزني إن مت أي بأس
أن يحطم الناي ويبقى لحنه حتى غدي ؟
لا تبعدي
لا تبعدي
لا …
بيروت 19 - 3 - 1962
من ديوان (المعبد الغريق
الطبعة الأولى دار
العلم للملايين
بيروت- 1962


سمر محمد 07-19-2010 01:02 PM


تنامين أنت الآن و الليل مقمر
أغانيه أنسام وراعيه مزهر
وفي عالم الأحلام ، من كل دوحة
تلقاك معبر
وباب غفا بين الشجيرات أخضر
لقد أثمر الصمت ( الذي كان يثمر
مع الصبح بالبوقات أو نوح بائع)
بتينٍ من الذكرى وكرم يقطّر
على كل شارع
فيحسو ويسكر
برفق فلا يهذي ولا يتنمر
***
رأيت الذي لو صدق الحلم نفسه
لمدّ لك الفما
وطوق خصراً منك و احتاز معصما؟
لقد كنت شمسه
وشاء احتراقاً على خديك و الثغر ، أحمر
وفي لهف يحسو ويحسو فيسكر .

***
لقد سئم الشعر الذي كان يكتب
كما ملَّ أعماق السماء المذنب
فأدنى و أدمعا :
حروب وطوفان ، بيوت تدمر
و ما كان فيها من حياة تصدعا.
لقد سئم الشعر الذي ليس يذكر
فأغلق للأوزان باباً وراءه
ولاح له باب من الآس أخضر
أرد دخولاً منه في عالم الكرى
ليصطاد حلماً بين عينيك يخطر
وهيهات يقدر !
***
من النفس ، من ظلمائها ، راح ينبع
وينثال نهر سال فانحل مئزر
من النور عن وضّاء تخبو وتظهر.
وفي الضفة الأخرى تحسين صوته
( فما كان يسمع) كما يشعر الأعمى إذ النور يظهر ،
يناديك :
" ها .. ها .. هو "
ماء ويقطر
من السعفة النشوى
بما شربت من غيمة نثها نجوى
و أصداء أقدام إلى الله تعبر .
***
وناديت : " ها .. ها …هو " لم ينشر الصدى
جناحيه أو يبك الهواء المثرثر
ونادى ورددا :
" ها .. ها … هو ّ"
وفتحت جفناَ وهو ما زال ينظر ،
ينادي ويجأر .
لندن 29 - 2 - 1963


سمر محمد 07-19-2010 01:02 PM


و أذكر من شتاء القرية النضاح فيه النور
من خلل السحاب كأنه النغم
تسرب من ثقوب المعزف - ارتعشت له الظلم
وقد غنى - صباحا قبل
فيم أعد ؟ طفلا كنت أبتسم
لليلي أو نهاري أثقلت أغصانه
النشوى عيون الحور
وكنا - جدنا الهدار يضحك أو يغني
في ظلال الجوسق القص
وفلاحيه ينتظرون : " غيثك يا اله"
و أختي في غابة اللعب
يصيدون الأرانب و الفراش
و (أحمد) الناطور
نحدق في ظلال الجوسق السمراء في النهر
ونرفع للسحاب عيوننا : سيسل بالقطر
وأرعدت السماء فرن قاع النهر
و ارتعشت ذرى السعف
و أشعلهن ومض البرق أزرق ثم أخضر ثم تنطفئ
وفتحت السماء لغيثها المدرار بابا بعد باب
عاد منه النهر يضحك وهو ممتلئ
تكلله الفقائع، عاد أخضر
عاد أسمر، غص بالأنغام واللهف
وتحت النخل حيث تظل تمطر كل ما سعفه
تراقصت الفقائع وتفجر- انه الرطب
تساقط في يد العذراء وهي تهز في لهفه
بجذع النخلة الفرعاء تاج
وليدك الأنوار لا الذهب،
سيصلب منه حب الآخرين ،سيبرئ الأعمى
ويبعث من قرار القبر ميتا هده التعب
من السفر الطويل إلى ظلام الموت
يكسو عظمه اللحما ويوقد قلبه الثلجي فهو بحبه يثب
و أبرقت السماء … فلاح، حيث تعرج النهر
وطاف معلقا من دون يلثم الماءا
شناشيل ابنة الجلبي نور حوله الزهر
(عقود ندى من اللبلاب تسطع منه بيضاءا
و آسية الجملية كحل الأحداق
منها الوجد و السهر
يا مطرا يا حلبي
عبر بنات الجلبي
يا مطرا يا شاشا
عبر بنات الباشا
يا مطر من ذهب
تقطعت الدروب، مقص هذا الهاطل المدار
قطعها و واراها،
و طوقت المعابر من جذوع النخل في الأمطار
كغرقي من سفينة سندباد
كقصة خضراء أرجأها و خلاها
إلى الغد (أحمد) الناطور
وهو يدير في الغرفة
كوؤس الشاي، يلمس بندقيته
ويسعل ثم يعبر طرفه الشرفه
ويخترق الظلام
وصاح ( يا جدي) أخي الثرثار
" أنمكث في ظلام الجوسق المبتل ننتظر؟
متى يتوقف المطر؟
و أرعدت السماء، فطار منها ثمة انفجرا
شناشيل ابنة الجلبي …
ثم تلوح في الأفق
ذرى قوس السحاب . وحيث كان يسارق النظرا
شناشيل الجميلة لا تصيب العين الا حمرة الشفق
ثلاثون انقضت، وكبرت : كم حب وكم وجد
توهج في فؤادي
غير أني كلما صفقت يدا الرعد
مددت الطرف أرقب : ربما ائتلق الشناشيل
فأبصرت ابنة الجلبي مقبلة إلى وعدي
ولم أرها هواء كل أشواقي ، أباطيل
و نبت دونتا ثمر ولا ورد
لندن 24 - 2 - 1962
من ديوان شناشيل ابنة الجلبي
الطبعة الثانية
دار الطليعة -بيروت حزيران 1965


سمر محمد 07-19-2010 01:04 PM


هل كانَ حُبّاً - للسياب
هَلْ تُسمّينَ الذي ألقى هياما ؟
أَمْ جنوناً بالأماني ؟ أم غراما ؟
ما يكون الحبُّ ؟ نَوْحاً وابتساما ؟
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرَّى ، إذا حانَ التلاقي
بين عَينينا ، فأطرقتُ ، فراراً باشتياقي
عن سماءٍ ليس تسقيني ، إذا ما ؟
جئتُها مستسقياً ، إلاّ أواما
* * *
العيون الحور ، لو أصبحنَ ظِلاً في شرابي
جفّتِ الأقداحُ في أيدي صِحَابي
دون أن يَحْضَينَ حتى بالحبابِ
هيئي ، يا كأسُ ، من حافاتكِ السَّكْرَى ، مكانا
تتلاقى فيه ، يوماً ، شَفتانا
في خفوقٍ والتهابِ
وابتعادٍ شاعَ في آفاقهِ ظلُّ اقترابِ
* * *
كم تَمَنَّى قلْبِيَ المكلومُ لو لم تستجيبي
من بعيدٍ للهوى ، أو من قريبِ
آهِ لو لم تعرفي ، قبل التلاقي ، من حبيبِ!
أيُّ ثغرٍ مَسَّ هاتيك الشفاها
ساكباً شكواهُ آهاً … ثم آها ؟
غير أنّي جاهلٌ معنى سؤالي عن هواها ؛
أهو شيءٌ من هواها … يا هواها ؟
* * *
أَحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكاً ، مما يلاقي ، أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما ،
السماء البكرُ من ألوانه آناً ، وآنا
لا يُنِيلُ الطَّرْفَ إلاّ أرجوانا
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوءِ السجينِ ؛
أهو حُبٌّ كلُّ هذا ؟! خبّريني


سمر محمد 07-19-2010 01:07 PM


الباب تقرعه الرياح
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ غَيْرُ الرِّيحِ في اللَّيْلِ العَمِيقْ
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ كَفُّكِ .
أَيْنَ كَفُّكِ وَالطَّرِيقْ
نَاءٍ ؟ بِحَارٌ بَيْنَنَا ، مُدُنٌ ، صَحَارَى مِنْ ظَلاَمْ
الرِّيحُ تَحْمِلُ لِي صَدَى القُبْلاَتِ مِنْهَا كَالْحَرِيقْ
مِنْ نَخْلَةٍ يَعْدُو إِلَى أُخْرَى وَيَزْهُو في الغَمَامْ
* * * *
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ غَيْرُ الرِّيحْ ...
آهِ لَعَلَّ رُوحَاً في الرِّيَاحْ
هَامَتْ تَمُرُّ عَلَى الْمَرَافِيءِ أَوْ مَحَطَّاتِ القِطَارْ
لِتُسَائِلَ الغُرَبَاءَ عَنِّي ، عَن غَرِيبٍ أَمْسِ رَاحْ
يَمْشِي عَلَى قَدَمَيْنِ ، وَهْوَ اليَوْمَ يَزْحَفُ في انْكِسَارْ .
هِيَ رُوحُ أُمِّي هَزَّهَا الحُبُّ العَمِيقْ ،
حُبُّ الأُمُومَةِ فَهْيَ تَبْكِي :
" آهِ يَا وَلَدِي البَعِيدَ عَنِ الدِّيَارْ !
وَيْلاَهُ ! كَيْفَ تَعُودُ وَحْدَكَ لاَ دَلِيلَ وَلاَ رَفِيقْ "
أُمَّاهُ ... لَيْتَكِ لَمْ تَغِيبِي خَلْفَ سُورٍ مِنْ حِجَارْ
لاَ بَابَ فِيهِ لِكَي أَدُقَّ وَلاَ نَوَافِذَ في الجِدَارْ !
كَيْفَ انْطَلَقْتِ عَلَى طَرِيقٍ لاَ يَعُودُ السَّائِرُونْ
مِنْ ظُلْمَةٍ صَفْرَاءَ فِيهِ كَأَنَّهَا غَسَق ُ البِحَارْ ؟
كَيْفَ انْطَلَقْتِ بِلاَ وَدَاعٍ فَالصِّغَارُ يُوَلْوِلُونْ ،
يَتَرَاكَضُونَ عَلَى الطَّرِيقِ وَيَفْزَعُونَ فَيَرْجِعُونْ
وَيُسَائِلُونَ اللَّيْلَ عَنْكِ وَهُمْ لِعَوْدِكِ في انْتِظَارْ ؟
البَابُ تَقْرَعُهُ الرِّيَاحُ لَعَلَّ رُوحَاً مِنْك ِ زَارْ
هَذَا الغَرِيبُ !! هُوَ ابْنُكِ السَّهْرَانُ يُحْرِقُهُ الحَنِينْ
أُمَّاهُ لَيْتَكِ تَرْجِعِينْ
شَبَحَاً . وَكَيْفَ أَخَافُ مِنْهُ وَمَا أَمَّحَتْ رَغْمَ السِّنِينْ
قَسَمَاتُ وَجْهِكِ مِنْ خَيَالِي ؟
أَيْنَ أَنْتِ ؟ أَتَسْمَعِينْ
صَرَخَاتِ قَلْبِي وَهْوَ يَذْبَحُهُ الحَنِينُ إِلَى العِرَاقْ ؟
* * * *
البَابُ تَقْرَعُهُ الرِّيَاحُ تَهُبُّ مِنْ أَبَدِ الفِرَاقْ

لندن 13- 3 -1963


سمر محمد 07-19-2010 01:14 PM


رأيت قوافل الأحياء ترحل عن مغانيها
تطاردها ، وراء الليل ، أشباح الفوانيسِ
سمعت نشيج باكيها ،
و صرخة طفلها ، وثغاء صادٍ من مواشيها ،
و في وهج الظهيرة صارخاً " يا حاديَ العيسِ "
على ألم مغنّيها .
و لكن لم أرَ الأموات يطردهنّ حفارُ
من الحفر العتاق و يترع الأطفان عنها أو يغطيها _
و لكن لم أرَ الأموات ، قبل ثراك ، يُجليها
مجونُ مدينةٍ ، و غناء راقصةٍ ، و خمّارُ .
يقول رفيقي السكران : " دعها تأكل الموتى
مدينتنا لتكبر ، تحضن الأحياء ، تسقينا
شراباً من حدائق برسفون ، تعلّنا حتى
تدور جماجمُ الأموات منسُكرٍ مشى فينا ! "
مدينتنا منازلها رحىً و دروبها نارُ ،
لها من لحمنا المعروك خبزٌ ، فهو يكفيها ..
علام تمدّ للأموات أيديها ، و تختارُ ،
تلوك ضلوعَها و تقيئها للريح تسفيها ؟
تسلّل ظلّها الناري من سِجن و مستشفى
و من مبغى و من خمارةٍ .. من كلِّ ما فيها ،
و سار على سلالم نومنا زحفا
ليهبط في سكينة روحنا ألماً فيبكيها .
و كانت ، إذ يُطلَ الفجر ، تأتيك العصافيرُ
تساقَطُ ، كالثمار على القبور ، تنقِّر الصمتا
فتحلم أعين الموتى
بكركرة الضياء و بالتلال يرشّها النورُ ،
و تسمع ضجةَ الأطفال أمّ ثلاثةِِ ضاعوا
يتامى في رحاب الأرض : إن عطشوا و إن جاعوا
فلا ساقٍ و لا من مُطعمٍ ، في الكوخ ظلو و اعتلى النعش
رؤوس القوم و الاكتاف .. أفئدة و أسماعُ
و لا عينٌ ترى الأمَّ التي منها خلا العشّ .
و في الليلِ
إذا ما ذرذر الأنوار في أبدٍ من الظلمه ،
و دبّت طفلة الكفّين ، عارية الخطى ، نسمه
تلمّ من المدينة ، كالمحار و كالحصى من شاطىء رمل ،
نثار غنائها و بكائها _ لم تترك العتمه
سوى زبَدٍ من الأضواء منثور
يذوب على القبور ، كأنه اللِبنات في سور
يباعد عالَم الأموات عن دنيا من الذّل ،
من الأغلال ، و البوقات ، و الآهات ، و الزُّحمه
و أوقدت المدينة نارها في ظلَّة الموت
تقلّع أعين الأموات ثم تدسُّ في الحفرِ
بذور شقائق النعمان ، تزرع حبّة الصمتِ
لتثمر بالرنين منالنقود ، و ضجّة السفر ،
و قهقهة البغايا و السكارى قي ملاهيها .
و عصّرت الدفين من النهود من بكل أيديها
تمزّقهن بالعجلات و الرقصات و الزُمُر
و تركلهنّ كالأكَر
تفجرها الرياح على المدارج في حواشيها
و حيث تلاشت الرعشات و الأشواق و الوجد
و عاد الحب ملمس دودة و أني أعصار ،
تثاءبت المدينة عن هوىً كتوقّد النارِ
تموت بحرِّها و رمادها ودخانها الهاري ،
و يا لغة على الأموات أخفى من دُجى الغابه
ترددها المقاهي : " ذلك الدلال جاء يريد أتعابه "
إذا سمععوك رنّ كأنه الجرس الجديد يرن في السَحر
صدى من غمغمات الريف حول مواقد السَمَر :
" إذا ما هزت الأنسام مهد السنبل الغافي
و سال أنين مجداف
كأن الزورق الأسيان منه يسيلُ في حُلُم ،
عصرتُ يديَّ من ألَمِ . "
فأين زوارق العشاق من سيارة تعدو
ببنت هوى ؟ و أين موائدُ الخمار من سهل يمد موائد القَمَر ؟
على أموتك المتناثرين بكلِّ مُنحَدَرِ
سلامٌ جال فيه الدمعُ و الآهاتُ و الوَجدُ ،
على المتبدّلات لحودهِم و الغادياتِ قبورُهم طُرقا
و طيبُ رقادهم أرَقا
يحنّ إلى النشور و يحسب العَجَلات في الدرب
و يرقب مَوعدَ الربّ .


سمر محمد 07-19-2010 01:15 PM


_ 1 _
في المقهى القديم المزدحم النائي ، في ذات مساء ،
و عيوني تنظر في تعب ،
في الأوجه ، و الأيدي ، و الأرجل ، و الخشب :
و الساعة تهزأ بالصخب .
و تدق _ سمعت ظلال غناء ..
أشباح غناء ..
تتنهد في الحاني ، و تدور كإعصار
بال مصدور ،
يتنفس في كهف هار
في الظلمة منذ عصور !
_ 2 _
أغنية حب .. أصداء
تنأى .. و تذوب .. و ترتجف
كشراع ناء يجلو صورته الماء
في نصف الليل .. لدى شاطئ إحدى الجزر ؛
و أنا أصغي .. و فؤادي يعصره الأسف :
لِمَ يسقط ظل يد القدر
بين القلبين ؟! لم أنتزع الزم القاسي
من بين يدي و أنفاسي ،
يمناك ؟! و كيف تركتك تبتعدين .. كما
تتلاشى الغنوة في سمعي .. نغما .. نغما ؟!
_ 3 _
آه ما أقدم هذا التسجيل الباكي
و الصوت القديم ؛
الصوت القديم
ما زال يولول في الحاكي .
الصوت هنا باق ؛ أما (( ذات )) الصوت .
القلب الذائب إنشاداً
و الوجه الساهم كالأحلام ، فقد عادا
شبحاً في مملكة الموت _
لا شيء _ هنالك في العدم .
و أنا أصغي .. و غداً سأنام عن النغم !
أصغيت .. فمثل إصغائي
لي وجه مغنية كالزهرة حسناء
يتماوج في نبرات الغنوة ، كاَلظل
في نهر تقلقلة الأنسام ؛
في آخر ساعات الليل ،
يصحو .. و ينام .
أثور ؟! أأصرخ بالأيام ! و هل يجدي ؟!
إنا سنموت
و سننسى ، في قاع اللحد ؟
حباً يحيا معنا .. و يموت !
_ 4 _
ذرات غبار
تهتز وترقص ، في سأم ،
في الجو الجائش بالنغم ،
ذرات غبار !
الحسناء المعشوقة مثل العشاق
ذرات غبار !
كم جاء على الموتى _ و الصوت هنا باق _
ليل .. نهار !!
هل ضلقت ، مثلي ، بالزمن
تقويماً حط على كفن ،
ذرات غبار ؟!؟


سمر محمد 07-19-2010 01:17 PM


منطرحاً أمام بابك الكبيرْ
أصرخ ، في الظلام ، أستجيرْ :
يا راعيَ النمال في الرمالْ
و سامعَ الحصاة في قرارة الغدير .
أصيح كالرعود في مغاور الجبال
كآهة الهجير .
أتسمع النداء ؟ يا بوركتَ ، تسمعُ .
و هل تجيب إن سمعتَ ؟
صائدُ الرجال
و ساحِقُ النساء أنتَ ، يا مفجِّعُ
يامهلك العباد بالرجوم و الزلازلِ
ياموحشَ المنازل
منطرحاً أمام بابك الكبير
أحسّ بانكسارة الظنون في الضمير .
أثور ؟ أغضبُ ؟
و هل يثور في حماكَ مذنبُ
*
لا أبتغي في الحياة غير ما لديّ :
الهريُ بالغلال يزحم الظلام في مداه ،
و حقلي الحصيد نامٍ في ضحاه
نفضتُ من ترابه يديّ .
ليأت في الغداه
سواي زارِعون أو سواي حاصدون !
لتنثر القبور و السنابلَ السنون !
أريد أن أعيشَ في سلام :
كشمعة تذوب في الظلام
بدمعةٍ أموت و ابتسام .
تعبتُ من توقْد الهجير
أصارع العباب فيه و الضمير ،
و من لياليّ مع النخيل ، و السراج ، و الظنون
أتابع القوافي
في ظلمة البحار و الفيافي
و في متاهة الشكوك و الجنون .
تعبت من صراعي الكبير
أشقّ قلبي أطعم الفقير ،
أضيئ كوخه بشمعة العيون ،
أكسوه بالبيارق القديمة
تنث من رائة الهزيمة .
تعبت من ربيعيَ الأخير
أراه في اللقاح و الأقاح و الورود ،
أراه في كل ربيع يعبر الحدود .
تعبتُ من تصنع الحياه
أعيش بالأمس ، و أدعو أمسي الغدا .
كأنني ممثل من عالم الردى
تصطاده الأقدار من دجاه
و توقد الشموع في مسرحه الكبير ،
يضحك الفجر و ملء قلبه الهجير .
تعبت كالطفل إذا أتعبه بكاه !
*
أودّ لو أنام في حماك
دثاريَ الآثام و الخطايا
و مهديَ اختلاجة البغايا
تأنف أن تمسّني يداك .
أود لو أراك .. من يراك ؟
أسعى إلى سدّتك الكبيره
في موكب الخطاة و المعذبين ،
صارخة أصواتُنا الكسيرة
خناجراً تمزّق الهواء بالأنين :
" وجوهنا اليباب
كأنها ما يرسم الأطفالُ في التراب ،
لم تعرف الجمال و الوسامه .
تقضّت الطفولة . انطفا سنا الشباب
و ذاب كالغمامه ،
و نحن نحمل الوجوه ذاتَها ،
لا تلت العيون إذ تلوح للعيون
و لا تشفّ عن نفوسنا ، و ليس تعكس التفاتَها .
إليك يا مفجّر الجمال ، تائهون
نجن ، نهيم في حدائق الوجوه . آهْ
من عالم يرى زنابق الماء على المياه
و لا يرى المحار في القرار
و اللؤلؤ الفريد في المحار ! "
*
منطرحاً أصيح ، أنهش الحجار :
" أريد أن أموت يا إله !


سمر محمد 07-19-2010 01:19 PM


حملت للنزال سيفك الصديءْ
يهتز في يدٍ تكاد تُحرق السماءْ
من دمها المتقد المضيء ،
تريدُ أن تمزّق الهواء .
و تجمعُ النساء
في امرأةً شفاهُها دمٌ على جليدْ
و جسمها المخاتل البليد
أفعى إذا مشت ، و سادة على الفراش ..
لا تُريدْ
أن تفتح الكوى ليدخل الضيِّاء
كيْ لا تُحسّ أنها خُواء .
و يرفع الشَّرْقُ أمام عينيك الستورْ ،
توشك أن تعانقَ الجَمال عند سُدَّة الأله ،
تكاد أن تراه
يهفُّ وسطَ غيْمةٍ من عَبَقٍ و نور .
تراه في حُلمة نَهدٍ توقد النجوم
بحمرةٍ لها ..
أريتَه يقوم
من قبره ، تحمله سحابةُ الدّخان
ينام تحت ظلَّها الفقير و الشريد :
فهو أميرٌ حوله الكؤوسُ و القيان ،
و بيته العتيد
جزيرٌ من جُزُر المرجان
كأنّ بحراً غاسلاً لسبوسَ بالأجاج
تشربه روحك من صدى إلى القرار
كأن سافو أورثتك من العروق نار ،
و أنت لا تضمّ غير حُلمِك الأبيد
كمن يضمّ طيفَه المُطلّ من زجاج :
حُرقة نرسيس ، و تنتلوس و الثمار !
كأنّ أفريقية الفاترة الكسول
( أنهارُها العراضُ و الطبول
و غابُها الثقيلُ بالظلالِ و المطرْ ،
و قبظُها النديّ .. و القَمَر )
تكورتْ في امرأة خليعةِ العذار
رضعتَ منها السم واللهيبْ ،
قطرتَ فيها سُمّك الغريب ..
كأنّها سحابةُ الدخان و الخَدَرْ
أقمْتَ منها ، بين عالم تَشَدّه نوابضُ النّضار
و بين عالمٍ من الخيال و الفِكَرْ ،
و نشوةٍ جدار
تقبع خلف ظلِّه فلا ينالُكَ البَشَر .
دخلتُ ، من كتابك الأثيم ،
حديقةَ الدم التي تؤجّ بالزّهَرْ ،
شربتُ من حروفه سلافةَ الجحيم
كأنها أثداء ذئبةٍ على القفار
حليبُها سُعار
و فيْئُها نعيم .
غرقتُ فيه ، صكّني العُبابْ
يقذفني من شاطئ لشاطئ قديم ،
حملتُ من قراره محارةَ العذاب
حماتُها إليْكْ
فمُدّ ليَ يديْك
و زحزحِ الصخورَ و التراب




سمر محمد 07-19-2010 01:20 PM



المومس الأجيرة الحقيره
أكثر من حبيبتي سخاءا
أتيتُها مساءا
معانقاً .. أعانق الهواءا
هبّ من القطب على الظهيره ،
مقبّلاً عيونها الخواءا ،
كأنني كيشوت في الأصيل
يركض خلف ظله الطويل
و يطعن السنابل الكسيره
يظنها الأعداء .
ضممتُ منها جثةً بيضاءا
تكفنت من داخلٍ ، و قبرها
في جوفها تناءى .
حملت منها صخرة صمّاءا
تشدني إلى الثرى ،
أرفعها لتلثم الجوزاءا
الحب أن تبذل ، أن تنال ما تريدُ
كانبع إذ يدفق ، لا كالبئرِ ،
كالنار تطوي نحوك السماءا
لا شرر الزناد .
أستزيدُ
فألتقي دمعي ، كغيمة تعيد نفسها للبحر .
أتعلم السحابة المرعدة المبرقة المجلجله
بأن ماءها سيستحيل غيمة إليها مقبله ،
تبذله في الفجر
و تلتقي به قبيل العصر ؟
أريد أن أضمّ ، أن أقبِّلَ
الدم الذي ينبض في الشفاه
كأنما القلب الذي يقبِّلُ .
الجسد الموات لا يحس شهقة الأله
تغور كالمدية حين تقتل
فتبعث الحياة في القتيلِ .
أريد أن أحرق كالحريق من أخيلِ :
في القلب و اليدين و الكعبينِ
و يأكل النار لظى في عيني .
لو كان ما تحسه الحبيبه
الألم ، الدوار .. لا الخواءا
ما كنت مثل غيمة غريبه
ترعد حتى تشعل الهواءا
رعداً
و تأبى الأرض أن تجيبه !


سمر محمد 07-19-2010 01:20 PM


و تراجع الطوفان ، لملم كل أذيال المياه
و تكشّفت قمم التلال ، سفوحها ، و قرى السهول ،
أكواخها و بيوتها خِرب تناثر في فلاه .
عركت نيوب الماء كل سقوفها و مشى الذبول
فيما يحيط بهن من شجر .. فآه
آهٍ على بلدي ، عراقي : أثمر الدم في الحقول
حسكا ، وخلّف جرحه التتري ندباً في ثراه .
يا للقبور كأن عاليها غدا سفلا و غار إلى الظلام
مثل البذور تنام في ظلم الثمار و لا تفيق .
يتنفس الأحياء فيها كل وسوسة الرغام ،
حتى يموتوا في دجاها مثلما اختنق الغريق .
جثث هنا ، و دم هناك ..
و في بيوت النمل مد من الجفون
سقف يقرمده النجيع ، و في الزوايا
صفر العظام من الحنايا .
ماذا تخلف في العراق سوى الكآبة و الجنون ؟
أرأيت أرملة الشهيد ؟
الزوج مد عليه من ترب لحافاً ثم نام
متمدداً بأشد ما تجد العظام
من فسحة : سكنت يداه على الأضالع ،
و العيون
تغفو إلى أبد الإله ، إلى القيامة : في سلام .
رمت الرداء العسكري و نشّرته على الوصيد ..
لثمته ، فانتفض القماش يرد برد الموت ،
برد المظلمات من القبور .
يا فكرها عجباً .. ثقبت بنارك الأبد البعيد ،
يا فكر شاعرة يفتش عن قوافٍ للقصيد
ماذا وجدت وراء أمسي و عبر يومك من دهور
" الثأر " يصرخ كل عرق ، كل باب
في الدار . يا لفم تفتَّح كالجحيم .. من الصخور ،
من كل ردن في الرداء ، من النوافذ و الستور ،
من عيني ابنك ، يا شهيد ، تسائلان ، بلا جواب ،
عنك الأسرة و الدروب ، و تسألان عن المصير ،
مذ ألبسته الأم ثوبك في معاركك ، الأثير
و يداه في الردنين ضائعتان ، و الصدر الصغير
في صدرك الأبوي عاصفة تغلف بالسحاب
و رنا إلى المرآة
أبصر فيه شخصك في الثياب .
_ " أبني كان أبوك نبعاً من لهيب ، من حديد ،
سوراً من الدم و الرعود ،
و رماه بالأجل العميل فخرَّ _ واهاً _ كالشهاب ،
لكن لمحاً منه شع وفض اختام الحدود
و أضاء وجه الفوضوي ينز بالدم و الصديد
و كأن في أفق العروبة منه خيطاً من رغاب " .
و تنفس الغد في اليتيم و مد في عينيه شمسه
فرأى القبور يهب موتاهن فوجاً بعد فوج
أكفانها هرئت ..
و لكن الذي فيها يضم إليه أمسه
و يصيح " يا للثار .. يا للثار .. "
يصدي كل فج
و ترنّ أقبية المساجد و المآذن بالنداء .
و ينام طفلك و هو يحلم بالمقابر و الدماء .


سمر محمد 07-19-2010 01:21 PM


لوفيقه
في ظلام العالم السفليّ حقلُ
فيه مما يزرع الموتى حديقه
يلتقي في جوها صبح و ليلُ
و خيال و حقيقه
تنعس الأنهار فيها و هي تجري .
مثقلات بالظلال
كسلال من ثمار ، كدوال
سُرّحت دون حبال .
كل نهر
شرفَة خضراء في دنيا سحيقه .
ووفيقه
تتمطى في سرير منشعاع القمر
زنبقي أخضر ،
في شحوب دامع ، فيه ابتسام
مثل أفق من ضياء و ظلام
و خيال و حقيقه .
أي عطر من عطور الثلج وانِ
صعّدته الشفتان
بين أفياء الحديقه
يا وفيقه ؟
و الحمامُ الأسودُ
يا له شلالَ نور منطفي !
يا له نهر ثمارٍ مثلها لم يُقطفِ !
يا له نافورةً من قبر تموز المدمّى تصعدُ !
و الأزاهير الطوال ، الشاحبات ، الناعسه
في فتور عصّرت أفريقيا فيه شذاها
و نداها ،
تعزف النايات في أظلالها السكرى عذارى لا نراها
روّحت عنها غصون هامسه .
وفيقه
لم تزلتثقل جيكور رؤاها .
آه لو روّى نخيلات الحديقه
من بويب كركرات ! لو سقاها
منه ماء المد في صبح الخريف !
لم تزل ترقب باباً عند أطراف الحديقه
ترهف السمع إلى كل حفيف !
ويحها .. ترجو ولا ترجو و تبكيها مناها :
لو أتاها .. !
لو أطال المكث في دنياه عاماً بعد عامِ
دون أن يهبط في سلّم ثلجٍ و ظلامِ !
و وفيقه
تبعث الأشذاء في أعماقها ذكرى طويله
لعشيش بين أوراق الخميله
فيه من بيضاته الزرق اتقاد أخضرُ
( أي أمواج من الذكرى رفيقه )
كلما رفّ جناحٌ أسمر
فوقها و التم صدر لامعات فيه ريشاتٌ جميله
أشعل الجوَّ الخريفيَّ الحنانُ
و استعاد الضمّة الأولى و حواءَ الزمانُ .
تسأل الأموات من جيكور عن أخبارها ،
عن رُباها الربد ، عن أنهارها .
آه و الموتى صموتٌ كالظلامِ
أعرضوا عنها ومروا في سلامِ
و هي كالبرعم تلتف على أسرارها .
و الحديقه
سقسق الليلُ عليها في اكتئابِ
مثلَ نافورة عطرٍ و شرابِ
و خيال و حقيقة
بين نهديكِ ارتعاش يا وفيقه
فيه بَردُ الموت باكِ
و اشرأبّت شفتاكِ
تهمسان العطر في ليل الحديقه .


سمر محمد 07-19-2010 01:23 PM


عطرت أيامي بهذا الشذى =من شعرك المسترسل الأسود
الجو من حولي ، ربيع حبا =من خدره النائي إلى الموعد
هذا عبير الحب فجرته =يبحث عن مجرى له في غد
نبع أثيري الخطى ، حالم =بالظلة الخضراء و المسند
و العاشق السكران يحصي على=ثغرك ما في الليل من فرقد
أوقدت مصباح الهوى بعدما=خبا ؛ و لولا أنت لم يوقد
هبت عليه الريح مجنونة =محلولة الشعر ؛ خضيب اليد
الزيت من هذا الشذى و اللظى =من قبلة في الغيب لم تولد
تطفو على العطر خيالاً فلا =ترسب إلا في الفؤاد الصدي
أهم أن أهتف : أنت التي =مثلتها في أمسي الأبعد
و أنت من تحلم روحي بها =على ضفاف الزمن المزبد
تسائل الموج و تومي إلى =كل شراع علها تهتدي
أهم أن أهتف لولا خطى=عابرة في الخاطر المجهد
أطياف حسناواتي استيقظت=هاتفة : يا ذكريات اشهدي
ما نال منا غير أسمائنا=تسخر من آماله الشرد
مكتوبة بالنار ، في شعره=كالصورة الخرساء في معبد

سمر محمد 07-19-2010 01:24 PM


يتثاءب جسمك في خلدي
فتُجنّ عروق ،
عريان تزلَّقَ في أبدِ
تُنهيه الرعشة ، فهي شروق
في ليل الشهوة . كل دمي
يتحرق ، يلهث ، ينفجر ،
و يقبّل تغرك ألفُ فم
في جسمي تُنبِتُها سقَرُ
و أحنّ ، أتوق .
و أحس عبيرَك في نَفَسي
ينهدّ ، يدندن كالجرسِ .
و وليمةُ جسمكِ يا واها
ما أشهاها !!
يا فجر الصيف إذا بردا
يا دفء شتائي ، يا قبلاً أتمناها
أحيا منها ، و أموت بها و أضم الأمس
أمسّ غدا
و تعود اللحظةُ لي أبدا .
ما أنأى بيتكِ ، ما أنأى عينكِ
بحار ،
و جبالُ دم : زَمنٌ جمدا
ليعود مدى . و أجنُّ ، أثار
فأحسّ عبيرك في نَفَسي
ينهدّ ، يدندن كالجرسِ .
ما أسعدها ، ما أشقاها ؟!
أرضي ، آسيةُ العريانة
أنا في روما أبكيها و أعيش بذكراها
ألأنك فيها أهواها ؟
من جوع صغارك يا وطني ، أشبعتَ الغرب و غربانه .
صحراء من الدم تعوي ، ترجف مقروره
و مرابط خيل مهجوره
و منازل تلهث أوَّها
و مقابر ينشج موتاها .
و أحس عبيرَك في نَفَسي
ينهدّ ، يدندنُ كالجرسِ .
لو شئتُ لطيفك أوربا
وطناً ، لحملتُ معي زادي
و عبرتُ مرافئها ، و طويتُ شزارغها درباً دربا
أسقيه الشمس و اطعمه قُبلاً و براعم أورادِ .
لكنك أثبتُ في الشرق ..
سأعود فأقطع سلّمنا وثبا
لأضمَّك يا أبدَ الشوقِ
يا نور المرفأ يهدي القلب إذا تاها
يا قصة عنترَ إذ تروى حول التنُّور فأحياها
سأحس عبيرَك في نَفَسي
ينثال و يقرعُ كالجرَسِ


سمر محمد 07-19-2010 01:24 PM


مطفأةٌ هي النوافذ الكثار
و باب جدّي موصَدٌ و بيته انتظار
و أطرق الباب ، فمن يجيب ، يفتحُ ؟
تجيبني الطفوله ، الشباب منذ صار ،
تجيبني الجِرار جف ماؤها ، فليس تنضح :
" بويب " ، غير أنها تذرذر الغبار .
مطفأة هي الشموس فيه و النجوم .
الحُقُب الثلاث منذ أن خفقتُ للحياه
في بيت جدي ، ازدحمن فيه _ كالغيوم
تُختصر البحار في خدودهن و المياه .
فنحن لا تلم بالردى من القبور
فأوجه العجائز
أفصح في الحديث عن مناجل العصور
من القبور فيه و الجنائز .
و حين تقفز البيوت من بُناتها
و ساكنيها ، من أغانيها و من شكاتها
نحس كيف يسحق الزمان إذ يدور .
*
أأشتهيك يا حجارة الجدار ، يا بلاط ، يا حديد ، ياطلاء ؟
أأشتهي التقاءكن مثلما انتهى إلي فيه ؟
أم الصِّبا ، صباي و الطفولة اللعوب و الهناء ؟
و هل بكيت أن تضعضع البناء
و أقفر الفِناء أم بكيت ساكنيه ؟
أم أنني رأيت في خرابك الفناء
محدّقاً إليّ منك ، من دمي
مكشّراً من الحجارة ؟ آه ، أيّ برعم
يُربُّ فيك ؟ برعم الردى !! غداً أموت
و لن يظل من قواي ما يظل من خرائب البيوت :
لا أنشق الضباء ، لا أعضعض الهواء ،
لا أعصر النهار أو يمصّني امساء .
*
كأنّ مقلتي ، بل كأنني انبعث ( أورفيوس )
تمصّه الخرائب الهوى إلى الجحيم
فيلتقي بمقلتيه ، يلتقي بها ، بيورديس :
" آه يا عروس
يا توأم الشباب ، يا زنبقة النعيم ! " .
طريقه ابتناه بالحنين و الغناء :
براعم الخلود فتّحت له مغالقَ الفناء .
و بالغناء ، يا صباي ، يا عظام ، يا رميم ،
كسوتك الرواء و الضياء .
*
طفولتي ، صباي ، أين .. أين كلُّ ذاك ؟
أين حياة لا يحدّ من طريقها الطويل سور
كشر عن بوّابة كأعين الشباك
تفضي إلى القبور ؟
و الكون بالحياة ينبض : المياه و الصخور
و ذرة الغبار و النمال و الحديد .
وكل لحن ، كل موسمٍ ، جديد :
الحرث و البذار و الزهور .
و كل ضاحك فمن فؤاده ، و كل ناطق فمن فؤاده
و كل نائح فمن فؤاده . و الأرض تدور
و الشمس ، إذ تغيب ، تستريح كالصغير في رقاده .
و المرء لا يموت إن لم يفترسه في الظلام ذيب
أو يختطفه مارد ، و المرء لا يشيب
( فهكذا الشيوخ منذ يولدون
الشّعر الأبيض و العصيّ و الذقون ) .
*
و في ليالي الصيف حين ينعس القَمَر
و تذبل النجوم في أوائل السّحَر ،
أفيق أجمع الندى من الشجر
قي قدح ، ليقتل السعال و الهزال .
وفي المساء كنت أستحمّ بالنجوم ،
عيناي تلقطانهن نجمةً فنجمةً ، و راكب الهلال
سفينةً .. كأنّ سندباد في ارتحال :
شراعيَ الغيوم
و مرفأي المحال ،
و أُبصر اللّه على هيئة نخلةٍ ، كتاج نخلة يبيضُّ
في الظلام ،
أحسّه يقول : " يا بنيَّ ، يا غلام ،
وهبتُك الحياة و الحنان . و النجوم
وهبتها لمقلتيك ، و المطر
للقدمين الغصّتين . فاشرب الحياه
و عبّها ، يحبّك الإله . "
أهكذا السنون تذهبُ
أهكذا الحياة تنضب ؟
أحس أنني أذوب ، أتعبُ ،
أموت كالشجر .


سمر محمد 07-19-2010 01:26 PM


ديوانُ شعرٍ ملؤه غزَلُ=بين العذارى بات ينتقلُ
أنفاسيَ الحرَّى تهيم على=صفحاته ، و الحبُّ و الأمل
و يتلتقي أنفاسُهنَّ بها=وترفُّ في جنباته القُبَلُ
ديوانُ شعرٍ ملؤه غزَلُ=بين العذارى بات ينتقلُ
و إذارأينَ النَّوحَ والشكوى=كلُّ تقولُ : من التي يهوى ؟
و سترتمي نظراتهنَّ على الصَّفحات=، بين سطوره ، نشوى
و لسوف ترتجُّ النهودُ أسىً=و يُثيرها ما فيه من نجوى
و لربَّما قرأته فاتنتي=فمضت تقول : من التي يهوى ؟
ديوان شعري ، ربَّ عذراءِ=أذكرتها بحبيبها النائي
فتحسّستْ شفةً مُقبِّلةَ=و شتيتَ أنفاسٍ و أصداءِ
فطوتْك فوق نهودها بيدٍ=و استرسلتْ في شبه إغفاءِ
ديوان شعري ، ربَّ عذراءِ=أذكرتها بحبيبها النائي
ياليتني أصيحتُ ديواني=لأفرَّ من صَدرٍ إلى ثانِ
قد بتُّ من حسدٍ أقول له :=ياليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوسُ و لي ثمالتُها=ولك الخلودُ ، و إنّني فانِ ؟
ياليتني أصيحتُ ديواني=لأفرَّ من صَدرٍ إلى ثانِ
سأبيتُ في نوْحٍ و تستهيدِ =وتبيتُ تحت وسائد الغيد
أو لستَ منّي ؟ إنني نكِدٌ=ما بالُ حظِّك غير منكودِ ؟
زاحمتَ قلبي في محبّته=وخرجتَ منها غيرَ معمودِ
أأبيتُ في نوْحٍ و تستهيدِ=و تبيتُ تحت وسائد الغيدِ ؟


سمر محمد 07-19-2010 01:26 PM


ذهبتِ فاستحال بعدكِ النهارْ
كأنه الغروبْ ،
كأنما سحبت من خيوطه النِّضار .
و ظلّل المدارجِ انكسارْ
و مثلها انكسرت ، غام في خيالي الجنوبْ
ينوء بالخريفْ
تعرَّت الكروم و الجداول انطفأنَ ، و الحفيفْ
يموت في ذرى النخيل ، و الدروب ،
بصمتها ، انتظار .
كحّل عينيك سوادٌ نار
تشبّ من قلبكِ ، من براعم النهود ،
يهتف بي إذا نظرتِ : أنتِ في استعار
يا أيّها البركان من ورود .
أواه لو أشد عينيك إلى النهار ،
إلى غدٍ فوق دمي يحومْ .
أي سماء أشعلتها رعشة النجومُ
و أثقل الظلام فيها من ندى المطرْ
نظرت من قرارها إليّ ، كاغيوم
تكنُّ في اربدادها الزَهَرْ !
يا نظرةً تخطفتني ريحها السّموم
إلى الضفاف الخضر من نَهَرْ
غرقتُ فيه ، أشعليني ! أطفئي اللهيبْ
يا نظرةً يشدّ قلبي بالسما وتر
يعزف مرُّها عليه غنوةَ القمر .

سمر محمد 07-19-2010 01:27 PM


قد انتصف الليل ، فاطو الكتاب=عن الريح و الشمعة الخابية
فعيناك لا تقرآن السطور=ولكنها العلة الواهية
فأنت ترى مقلتيها هناك=وذكرى من الليلة الماضية
فتطوي على ركبتيك الكتاب=وترنو إلى الأنجم النائية
هنا أنت بين الضياء الضئيل=و بين الدجى في الفضاء الرحيب
و كم من مصابيح تفنى هناك=تنير الثرى و الفراغ الرهيب
مصابيح كانت تذوب=وتنحل في شعرها :
خطانا ، ولون الغروب ،=وما ضاع من عطرها .
و تلقي على ذكريات الشتاء=ستاراً من الأدمع الراجفة
فتخبو مصابيحهن البعاد=بطيئاً ... كما تبرد العاطفة
كما افترقت ، يوم حان الرحيل=يد صافحتها يد واجفة
كرجع الخطى في الطريق البعيد ،=كما انحلت الرغبة الخائفة
و تصغي و لا شيء إلا السكون=وإلا خطى الحارس المتعب
و إلاارتعاش الضياء الضئيل=وخفق الظلال على المكتب
و أسفارك البالية=كأشباح موتى تسير
حيارى إلى الهاوية=_ و حلم ادكار قصير _
و تناسب مثل الشراع الكئيب=وراء الدجى ؛ روحك الشاردة
ترى وجهها كالتماع النجوم=وتطويه عنك اليد الماردة
إلى أن يذوب الضباب الثقيل=وتنهار ألوانه الجامدة
فها أنت ذا تستعيد اللقاء=كما عادت الجثة الباردة
و تمتد يمناك نحو الكتاب=كمن ينشُد السلوة الضائعة
فتبكي مع العبقري المريض=وقد خاطب النجمة الساطعة :
(( تمنيت يا كوكب=ثباتاً كهذا _ أنام
على صدرها في الظلام=وافني كما تغرب ))
و يغشى رؤاك الضياء القديم=بطيئاً .. كما سارت القافلة
ترى الباب مثل انعكاس المغيب=على صفحة الجدول الناحلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم=ينير لك الغرفة الآفلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم=فيا لانتفاضتك الهائلة !
ترى الباب ألقى عليه الأصيل=ظلالاً من الكرمة العارية
فما كان غير اعتناق طويل=عصرنا به القوة الباقية
وألقيتُ عبء السنين=ورأسي ، على صدرها
فشدت عليه اليمين=وأدنته من ثغرها...
و أيقنت أن الحياة ؛ الحياة=_ بغير الهوى _ قصة فاترة
و أني بغير التي ألهبت=خيالي بأنفاسها العاطرة ...
شريد يشق ازدحام الرجال=وتخنقه الأعين الساخرة

سمر محمد 07-19-2010 01:28 PM


الداءُ يثلج راحتي ، و يطفئ الغد .. في خيالي
و يشلّ أنفاسي ، و يطلقها كأنفاس الذبال
تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال
مشدودتين إلى ظلام القبر بالدّم والسعال ..
*
وا حسرتا !؟ كذا أموت ؟ كما يجف ندى الصباح ؟
ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق و الأقاحي ،
فتضوع أنفاسُ الربيع تهزُّ أفياء الدوالي ،
حتى تتلاشى في الهواء .. كأنه خفق الجناح !
*
كم ليلة ناديت باسمك أيها الموت الرهيبُ
و ودت لا طلع الشروق علي إن مال الغروب
بالأمس كنت أرى دجاك أحب من خفقات آلِ
راقصن آمال الظماء .. فبلها الدم واللهيب !
*
بالأمس كنت أصيح : خذني في الظلام إلى ذراعك
و أعبر بي الأحقاب يطويهن ظل من شراعك
خذني إلى كهف تهوم حوله ريح الشمال ..
نام الزمان على الزمان . به ، وذابا في شعاعك .
*
كان الهوى وهماً يعذبني الحنين إلى لقائه
ساءلت عنه الأمنيات ؛ و بت أحلم بارتمائه
زهراً و نوراً في فراغ من شكاة و ابتهال ..
في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه
*
و اليوم حببت الحياة إلي ، و ابتسم الزمان
في ثغرها ، و طفا على أهدابها الغد و الحنان _
سمراء .. تلتفت النخيل المساهمات إلى الرمال
في لونها .. و تفر ورقاء .. و يأرج اقحوان ..
*
شع الهوى في ناظريها .. فاحتواني و احتواها
و ارتاح صدري ، و هو يخفق باللحون ، على شذاها
فغفوت استرق الرؤى و الشاعرية من رؤاها
و أغيب في الدفء المعطر ... كالغمامة في نداها
*
عينان سوداوان أصفى من أماسي اللقاء ،
و أحب من نجم الصباح إلى المراعي و الرعاء ،
تتلألأن عن الرجاء كليلة تخفي دجاها
فجرأ بلون بالندى ؛ درب الربيع ، و بالضياء
*
سمراء يا نجماً تألق في مسائي .. أبغضيني
و اقسي عليّ .. و لا ترقي للشكاة و عذبيني
خلي احتقاراً في العيون ، و قطبي تلك الشفاها
فالداء في صدري تحفز لافتراسك في عيوني !
*
يا موت .. يا رب المخاوف ، و الدياميس الضريرة
اليوم تأتي ؟! من دعاك ؟ و من أرادك أن تزوره ؟
أنا ما دعوتك أيها القاسي فتحرمني هواها
دعني أعيش على ابتسامتها و إن كانت قصيرة
*
لا ! سوف أحيى ، سوف أشقى ؛ سوف تمهلني طويلا
لن تطفئ المصباح .. لكن سوف تحرقه فتيلا
في ليلة .. في ليلتين .. سيلتقي آها فآها
حتى يفيض سنى النهار فيغرق النور الضئيلا !!
*
يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل
بين السعال ، على الدماء ، فيختم الفصل الطويل
و الحفرة السوداء تفغر ، بانطفاء النور ، فاها _
إني أخاف .. أخاف من شبح تخبِّئه الفصول !!
*
و غداً إذا ارتجف الشتاء على ابتسامات الربيع
و انحل كالظل الهزيل و ذاب كاللحن السريع ،
و تفتحت بين السنابل _ و هي تحلم بالقطيع
و الناي _ زنبقة ، مددت يدي إليها في خشوع
*
و هويت أنشقها فتصعد كلما صعد العبير ،
من صدري المهدوم حشرجة فتحترق العطور
تحت الشفاه الراعشات و يطفأ الحقل النضير
شيئاً فشيئاً .. في عيوني ثم ينفلت الأسير !!


سمر محمد 07-19-2010 01:29 PM


عيناك ؛ و النور الضئيل من الشموع الخابيات
و الكأس ، والليلُ المطلّ ، من النوافذ ، بالنجوم ؛
يبحثنَ في عينيّ عن قلب .. و عن حبِّ قديم ؛
عن حاضرٍ خاوٍ ، و ماضِ في ضباب الذكرياتِ
ينأى ؛ و يصغر ، ثم يفنى إنه الصّمتُ العميقْ
و الباب توصده وراءك في الظلام يدا صديق !
_ 2 _
كالشاطئ المهجور قلبي ، لا وميض و لا شراع ،
في ليلة ظلماءَ بلّ فضاءَها المطرُ الثقيلْ _
لا صرخة اللقيا تُطيف به و لا صمتُ الرّحيل .
يمناك و النورُ الضئيل .. أكان ذاك هو الوداع ؟!
باب ، و ظلُّ يدين تفترقان _ ثم هوى الستار ،
و وقفتُ أنظر ، في الظلام ، و سرت أنت إلى النهار !
_ 3 _
في ناظريكِ الحالمين رأيتُ أشباحَ الدموع
أنأى من النجم البعيد ، تمر في ضوء الشموع .
و اليأسُ مدّ على شفاهك ، و هي تهمس في اكتئاب ؛
ظلاً _ كما تلقي جبال نائيات من جليد
أطيافهن على غدير تحت أستار الضباب ،
لا تسألي : ماذا تريد ؟ _ فلستُ أملك ما أريد !
_ 4 _
باب و ظلُّ يدين تفترقان _ ليتك تعلمين
أن الشموع سينطفين ، و أن أمطار الشتاء
بيني و بينك سوف تهوي كالستار .. فتصرخين ،
الريحُ تُعولُ عند بابي ، لست أسمعُ من نداء
إلاّ بقايا من حديث رددته الذكريات
و سنان هوّم كالسحابة في خيالي ... ثم مات !
_ 5 _
أنا سوف أمضي ، سوف أنأى ، سوف يصبح كالجماد
قلب قضيت الليل باحثة ، على الضوء الضئيل ،
عن ظله في مقلتيَّ .. فما رأيتِ سوى رماد !!
أنا سوف أمضي _ ربما أنسى ، إذا سال الأصيل
بالصمت ، أنك في انتظاري ترقبين .. و ترقبين ؛
أو ربما طافت بي الذكرى ... فلم تذك الحنين
_ 6 _
الزورق النائي ، و أنات الجاذيف .. الطوال
تدنو على مهل .. و تدنو _ في انخفاض و ارتفاع ،
حتى إذا امتدت يداك إليّ في شبه ابتهال
و هميت : (( هاهو ذا يعود ! )) _ رجعت فارغة الذِّراع !
و أفقت في الظلماء حيرى ، لا ترين سوى النجوم
ترنو إليك من النوافذ في وجوم .. في وجوم !
_ 7 _
قد لا أؤوب إليك إلا في الخيال ، و قد أؤوب
لا أمس في قلبي ، و لا في مقلتي هوى قديم :
كفان ترتجفان حول الموقد الخابي ... و كوب
تتراقص الأشباح فيه .. و تنظرين إلى النجوم
حذر البكاء .. و (( كيف أنتِ ؟ )) تهز قلبك في ارتخاء
_ (( عاد الشتاء .. )) _
فتهمسين : (( و سوف يرجع في الشتاء ! ))


سمر محمد 07-19-2010 01:30 PM


ذراعا أبي تلقيان الظلال=على روحي المستهام الغريب
ذراعا أبي و السراج الحزين=يطاردنني في ارتعاش رتيب
و حفت بي الأوجه الجائعات=حيارى . فيا للجدار الرهيب !
ذراعا أبي تُلقيان الظلالَ=على روحيَ المستهام الغريب

**
و طال انتظاري .. كأن الزمان=تلاشى فلمْ يبقَ إلا الانتظار !
و عيناي ملُّ الشمال البعيد=فيا ليتني أستطيع الفرار
و أنتِ التقاء الثرى بالسماء=على الآل في نائيات القفار
و طال انتظاري كأن الزمان=تلاشى فلمْ يبقَ إلا الانتظار !

**
أألقاك ؟ تأتي عليّ النجوم=وتمضي .. و ما غيرُ هذا السؤال
تغنيه في مسمعيّ الرياح=وتُلقيه في ناظري الظلال
و ترنو على جرسه الأمنيات=إلى ذكريات الهوى في ابنتها
أألقاك ؟ تأتي عليّ النجوم=وتمضي ، و ما غيرُ هذا السؤال

**
أصيخي ! أما تسمعين الرنين=تدوِّي به الساعة القاسية ؟؟
أصيخي .. فهذا صليل القيود=وقهقة الموت في الهاوية !
زمان .. زمان _ يهز النداءُ=فؤادي فأدعوك ؛ يانائية .
أصيخي ! أما تسمعين الرنين=تدوِّي به الساعة القاسية ؟؟

**
أما تبصرين الدخان الثقيل=يجرُّ الخطى من فم الموقد ؟!
تلوى .. فأبصرت فيه الظهور=وقد قوستها عصا السيد
و أبصرت فيه الحجاب الكثيف=على جبهة العالم المجهد
أما تبصرين الدخان الثقيل=يجرُّ الخطى من فم الموقد ؟!

**
و لا بد من ساعة .. من مكان=لروحين ما زالتا في ارتقاب !
سألقاك أيها الزمان الثقيل=إذا ما التقينا ؛ و أين العذاب ؟!
سينهار على مقلتيك الجدار=وتفنى ذراعا أبي كالضباب
ولا بد من ساعة .. من مكان=لروحين ما زالتا في ارتقاب !

**
و كيف التلاقي ، و بين المنى=وإدراكهن ؛ الدخان الثقيل ؟
تموج الأساطير في جانبيه=ويحبو على صدره المستحيل
و نحن الغريقان في لجه=سننسى الهوى فيه .. عما قليل ؟
و كيف التلاقي ، و بين المنى=وإدراكهن ؛ الدخان الثقيل ؟

**
لينهد هذا الجدار الرهيب=وتندك حتى ذراعا أبي !!
أعد الليالي خلال الكرى=وارعى نجوم الظلام العميق
فلا تيأسي _ أن تمر السنون=ويطفين في وجنتيك البريق
سأبقى وراء الجدار القديم=وعينان لا تبرحان الطريق


سمر محمد 07-19-2010 01:31 PM


بقايا من القافلة
تُنير لها نجمة آفلة
طريق الفناءْ ،
و تؤنسها بالغناءْ
شفاه ظماء _
تهاويلَ مرسومة في السراب
تمزِّق عنها النقاب
لى نظرة ذاهلة
و شوق يُذيب الحدود .
*
ظلال على صفحة باردة
تحركها قبضة ماردة
و تدفعها غنوة باكية ،
إلى الهاوية .
ظلال على سلم من لهيب
رمى في الفراغ الرهيب
مراتبة البالية
و أرخى على الهاوية
قناع الوجود .
سنمضي ويبقى السراب
و ظلّ الشفاه الظماءْ
يهوم خلف النقاب ،
و تمشي الظلال البطاء
على وقع أقدامك العارية
إلى ظلمة الهاوية ،
و ننسى على قِمةِ السلمِ
هوانا .. فلا تحلمي
بأنّا نعودْ !


سمر محمد 07-19-2010 01:31 PM


سوف أمضي . أسمعُ الرِّيح تُناديني بعيداً
في ظلام الغابةِ اللفّاء .. و الدَّرْبُ الطويل
يتمطى ضَجَراً ، و الذئبُ يعوي ، و الأفول
يسرقُ النَّجمَ كما تسرق روحي مُقلتاك
فاتركيني أقطع الليل وحيداً
سوف أمضي ، فهي ما زالت هُناكَ .
في انتظاري .
*
سوف أمضي . لا هديرُ السيلِ صخَّباً رهيبا
يُغرق الوادي ، و لا الأشباح تُلقيها القبورُ
في طريقي تسأل الليلَ أين أسير _
كلُّ هذا ليس يثنيني ، فعودي و ا تركيني ،
و دعيني أقطع الليل غريبا .
إنها ترنو إلى الأفق الحزينِ
في انتظاري .
*
سوف أمضي . حوِّلي عينيك لا ترني إليَّا !!
إن سحراً فيهما يأبى على رجلي مسيرا ،
إن سراً فيهما يستوقف القلب الكسيرا ،
و ارفعي عني ذراعيك .. فما جدوى العناق
إن يكن لا يبعث الأشواق فيَّا ؟
اتركيني . ها هو الفجر تبدّى ، و رفاقي
في انتظاري


سمر محمد 07-19-2010 01:32 PM


و ذرّى سكونَ الصباحِ الطويلْ
هُتافٌ من الدِّيك لا يصدأُ
و هزّ الصدى سَعَفاتِ النخيلْ
و أشرقَ شباكُنا المطفَأُ .
هتافٌ سمعناه منذ الصِّغَرْ
سمعناه حتى نموتْ
يمرّ على عَتَبَاتِ البيوت
فيرسمُ أبوابَهَا و الحُجَرْ
و لا يهدأ
إلى أنْ تسيرَ الحقولْ
إلينا فتقطفَ منها الثمرْ
و عند الضحى و انسكاب السماء
على الطين و العشبةِ اليابسه ،
يشقّ إلينا غصونَ الهواء
صياحٌ ، بكاءٌ ، غناءٌ ، نداء
يُبشر شطآننا اليائسه
بأنّ المَطَرْ
على مَهْمهِ الرِّيح مدَّ القلوعْ
هو البطّ .. فَلْتَهنأي يا شموعْ
بموتٍ به تعرفين الحياةَ
به تعرفين ابتسامَ الدموعْ :
نذوراً تذوبين ، للأوْلياءْ .
صياحٌ .. كأنَ الصِّياحْ
ينشِّرُ ، مما انطوى من رياح ،
سهولاً وراءَ السهولْ
أزاهيرُها في الدجى من نباح
و عند النهار خُزامى _ أقاحْ
و ختميّةٌ ما لها من ذيول ..
ينشِّر في شاطئ مُشمسِ
من القَصَبِ الكثّ غاباً له عَذَبات تطولْ .
صياحٌ كأجراس ماءٍ .. كأجراس حقْلٍ من النرجسِ
يُدنْدِنُ و الشمسُ تُصغي ، يقولْ
بأنّ المطرْ
سيهطلُ قبل انطواء الجناح
و قبل انتهاء السّفَرْ ..


سمر محمد 07-19-2010 01:33 PM


عينان زرقاوان .. ينعس فيهما لونُ الغدير
أرنو . فينسابُ الخيالُ و ينصتُ القلب الكسير
و أغيبُ في نغم يذوب .. و في غمائم من عبير
بيضاء مِكسال التلوّي تستفيق على خرير
ناءٍ .. يموت و قد تثاءب كوكب الليل الأخير
يمضي على مهلٍ ، و أسمع همستين . و أستدير
فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير
***
حسناء .. يا ظلّ الربيع ، مللت أشباح الشتاءْ
سوداً تُطلُّ من النوافذ كلما عبس المساء
حسناء .. ما جدوى شبابي إن تقضى بالشقاء
عيناك .. يا للكوكبين الحالمين بلا انتهاء ..
لولاهما ما كنتُ أعلم أن أضواء الرجاء
زرقاء ساجية .. و أن النور من صنع النساء
هي نظرة من مقلتيك ؛ و بسمة تعد اللقاء
و يضيء يومي عن غدي ؛ و تفر أشباح الشتاء
***
عيناك .. أم غاب ينام على وسائد من ظلال ؟
ساجٍ تلثم بالسكون فلا حفيف و لا انثيال
إلا صدى واه يسيل على قياثر في الخيال .
إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال ..
في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال ،
و غفا الزمان .. فلا صباح ، و لا مساء ، و لا زوال !
إني أضيع مع الضباب .. سوى بقايا من سؤال :
عيناك .. أم غاب ينام على وسائد من ظلال !


سمر محمد 07-19-2010 01:34 PM


يا ضياء الحقول ، يا غنوة الفلاح
في الساجيات من أسحارهْ
أقبلي ، فالربيع ما زال في الوادي ،
فبلِّي صداكِ قبل احتضاره
لا تصيبُ العيونُ إلا بقاياه ،
و غير الشرود من آثاره :
دوحةً عند جدولٍ تنفض الأفياءَ
عنها و ترتمي في قراره
و على كل ماعلبٍ زهرةٌ غيناء
فرَّت إليه من أياره
**
في المساء الكئيب ،
والمعبرُ المهجورُ ،
والعلبساتُ من أحجاره
مصغياتٌ ، تكاد من شدّة الإصغاء
أن توهِمَ المدى بانفجاره
أرمق الدربَ ، كلما هبّت الريحُ
و حف العتيقُ من أشجاره
كلما أذهل الربى نوحُ فلاح
يبثُّ النجوم شكوى نهاره
صاحَ " يا ليلُ " فاستفاق الصدى
الغافي على السفح و الذي في جواره
فإذا كلُّ ربوةٍ رجَعُ " يا ليل " ..
و نامَ الصدى على قيثاره !
أين مِنهنَّ خفقُ أقدامك البيضاء
بين الحشيش فوق اخضراره
مثل نجمين أفلتا من مدارينِ
فجال الضياءُ في غير داره
أو فراشين أبيضين استفاقا
يسرقان الرحيق من خماره !!
أنت في كل ظلمةٍ موعدٌ و سنانُ ،
ما زال يومُه في انتظاره


سمر محمد 07-19-2010 01:35 PM


في ليلةٍ كانت شرايينها
فحماً ، و كانت أرضُها من لحود
يأكل من أقدامنا طينُها ،
تسعى إلى الماء ،
إلى شراعٍ مزقته الرعود
فوق سفينٍ دون أضواء ،
في الضفة الأخرى .. يكاد العراق
يومىء ؟ يا أهلاً بأبنائي
لكنّنا ، وا حسرتا ، لن نعود
أواهُ لو سيكارةٌ في فمي
لو غُنوةٌ .. لو ضمَّةٌ ، لو عناق
لسَعّفةٍ خضراءَ أو بُرعم
في أرضيَ السكرى برؤيا غدِ .
إنّا مع الصبح على موعِدِ
رَغم الدجى .. يا غراق !
ريفٌ وراء الشطِّ بين النخيل
يغفو على حُلمٍ طويل طويل ،
تثاءبت فيه ظلالٌ تسيل
كالماء بين الماء و العُشبِ .
يا ليتَ لي فيهِ
قبراً على إحدى روابيه ،
يا ليتي مازلت في لعبي
في ريف جيكورَ الذي لا يميل
عنه الربيعُ الأبيضُ الأخضرُ :
السّهل يندى و الرّبى تُزهرُ .
و يطفىء الأحلام في مقلتي
_ كأنها مِنفضةٌ للرماد _
هَمسٌ كشوكٍ مسّ من جبهتي
يُنذر بالسارين فوقَ الجياد
( سنابك الخيل مسامير نار
تدقّ تابوت الدجى و النهار :
ناعورةٌ تحرس كرمَ الحدود
أثقلَ طين الخوف ما للفرار
من قدم تدمى .. و مدّ السّدود .
أمن بلادي هاربٌ ؟ أيّ عار !!
و ارتعشَ الماءُ و سار السّفين
و هبَّتِ الريحُ من الغَرب
تحمل لي دَربي ..
تحمل من قَبرها ذرّ طين ،
تحمل جيكورَ إلى قلبي .
يا ريحُ يا ريحُ
توهَّجت فيكِ مصابيحُ
من ليل جيكور ، أضاءت ظُلمةَ السفين
لأبصرَ الأعينَ كالشَّهبِ
تلتمّ حولي ، لأراها تلين !
و أنجُمُ الشطِّ زهورٌ كبار
أوشكت أن أُبصرَ سيقانها
تمتدّ في الماء ، تمسّ القرار .
لَملَمَ فجرُ الصيف ألوانَها
كأنَّها أوجُهُ حورٍ تحار
فيها تباريحُ الهوى و الحياء
كأنّها زنبقُ نارٍ و ماء .


سمر محمد 07-19-2010 01:35 PM


لأنّي غريب
لأنّ العراقَ الحبيب
بعيد ، و أنّي هنا في اشتياق
إليه ، إليها .. أنادي : عراق
فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجّر عنه الصدى
أحسّ بأني عبرتُ المدى
إلى عالمٍ من ردى لا يجيب
ندائي ؛
و إمّا هززتُ الغصون
فما يتساقطُ غَيرُ الردى :
حجار
حجارٌ و ما من ثمار ،
و حتّى العيون
حجارٌ ، و حتى الهواء الرطيب
حجارٌ يندّيه بعضُ الدم .
حجارٌ ندائي ، و صَخرٌ فَمي
و رجلاي ريحٌ تجوب القفار .



الساعة الآن 03:29 AM.

Powered by vBulletin Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by عــراق تــ34ــم