الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :
فائدة ثمينة للغاية وعظيمة ومهمة ؛ أنَّ من الأحاديث العظيمة في تفسيرِ التوحيد وبيانِ معناه : التهليلاتُ التي ثبتت في الصحيحِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يهلِّلُ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ فيقول : (( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الملْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَةَ إِلَّا بِاللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ )) ، فهذه تهليلاتٌ من السُّنَّةِ أنْ يأتيَ بها كلُّ مسلمٍ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ، وهي ثلاثُ تهليلاتٌ ، ثلاثُ مراتٍ دُبُرَ الصَّلاةِ تقول: (( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ )) ، وفي كلِّ مرةٍ من هذه المراتِ أُتْبِعَتْ هذه الكلمةُ بما يُفسِّرُها ويُوضِّحُ معناها.
في المرَّة الأولى تقول : ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ)) وقد عرفتَ أنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فيها نفيٌ وإثبات : نفيٌ للعبوديةِ عن كلْ مَنْ سوى اللهِ ، وإثباتٌ للعبوديةِ بكلِّ معانيها للهِ وحده ، فقوله: ((وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ)) فيه تأكيدٌ للإثباتِ والنَّفي ؛ لأنَّ قولَ: ((وَحْدَهُ)) تأكيدٌ للإثباتِ ، وقولُه: ((لَا شَرِيكَ لَهُ)) تأكيدٌ للنَّفي ، «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ » نفيٌ وإثباتٌ ، أُكِّدَ الإثباتُ بقولِه: ((وَحْدَهُ)) ، وأُكِّدَ النَّفي بقوله: ((لَا شَرِيكَ لَهُ)) . ثمَّ قوله: ((لَهُ الملْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ)) هذه براهينٌ ودلائلٌ لوجوبِ توحيدِ اللهِ وإخلاصِ الدِّينِ له.
المرَّة الثانية قال : ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ)) ؛ قوله: ((وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ)) هذا ما هو ؟ هذا مدلول لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ : أن لَا نَعْبُدُ إِلَّا اللهُ ، فذُكِر في المرَّة الثانية مدلول ، في المرَّة الأولى تأكيد والمرَّة الثانية ذِكْر المدلول ((وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ)) هذا هو مدلول لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، ثمَّ ذُكِرتْ البراهين ، ((لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ)) هذه براهين على وجوبِ إخلاصِ الدِّين للهِ، وإفراده سبحانه وتعالى وحده بالعبادة.
لاحظ هنا إذا كان المسلم يهلِّل بهذه التهليلاتِ دُبُرَ كلِّ صلاة ويستحضر المعنى ؛ ماذا يكون لهذا من الأثر في ترسيخِ التوحيدِ وتمكينِه في القلبِ والتثبيتِ له وتوسيعِ مساحتَهُ في النفسِ واستذكارِه واستحضارِهِ ومُدَارستِهِ ؟ هذه مدارسةٌ للتوحيد دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ، ومُذاكرةٌ للتوحيد دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الملْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَةَ إِلَّا بِاللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ)) ، فإذا كان المسلم دُبُرَ كلِّ صلاةٍ يأتي بهذه التهليلاتِ العظيمةِ ويستحضر معناها هذا كلُّه داخلٌ في بابِ ترسيخِ التوحيد والتمكين له في القلبِ والتوسيعِ لمساحتِهِ في نفس المسلم ، ممَّا يكون لهذا الذكرِ الأثر المبارك.
أمَّا مَن يأتي بهذه الكلمات ولا يَعِي معناها ولا يعرف مدلولها فهذا من أبعد ما يكون أنْ يكون لهذا أثرٌ عليه ، ولهذا بعض النَّاس من الجُهَّال الضُّلاَّل النَّاشئين على الباطل تجده بعد الصَّلاة يقول: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الملْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ)) ثمَّ إذا فرغ من التهليل رفع يديه وقال: « مَدَد يا فلان، ألحقني يا فلان » وهذا سمعته بنفسي يُهلِّلُ بعد الصَّلاةِ ثمَّ خَشَعَ وبَكى وأنا أستمع إليه ، خَشَعَ وبَكى وسمعته في أثناء دعائه رفع صوته قليلًا وقال : «المدد يا رسول الله » وهو قبل قليل يقول: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ)) !! هل هذا فهِم هذا التهليل ؟! هل هذا عرف معناه ؟! ولهذا تلاحظون يقوله الآن وبعدها بدقيقة واحدة ينقضه ؛ لأنَّ دعاء الرسول أو دعاء الأولياء أو دعاء الصالحين هذا ناقض لِـ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» من الأساس وهادم لها من الأصل ، فذلك الرجل الذي أشرتُ إليه تحدثت معه حول هذه المعاني وأَحْمَدُ اللهَ سبحانه وتعالى أنَّه من ساعتِه نَدِمَ وتاب من هذا الأمر الذي هو عليه ، لكنه بسبب دعاة الباطل وأئمة الضلال والنشأة أيضًا في أوساط أهل الطُرُق الباطلة أوصلته إلى هذا الموصل ؛ أنْ يقول كلمة التوحيد وفي نفس اللحظة ينقُضها بالشِّرك - والعياذ بالله- والتنديد.
فالشاهد أنَّ هذه التهليلات مَنْ كان مواظبًا عليها مكرِّرًا لها دُبُرَ كلِّ صلاةٍ وهو يَعي معناها ويعرف مدلولها هذا من أعظم ما يكون في ترسيخ التوحيدِ وتثبيتِه والتمكينِ له في القلب.
والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر في المرَّة الثالثة قال : ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ)): وهذا فيه معنى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وأنها تعني إخلاصَ الدِّينِ للهِ { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة:5].
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك