#1
|
||||||||
|
||||||||
عجائب القرآن
من الجميل لنا أن نقرأ كتاب الله و نعطر به ألسنتنا و آذاننا آناء الليل و أطراف النهار لكن الأجمل أن نتدبر كلام الله و نتوقف عند بعض من أسراره و معانيه فتزداد حلاوة القرآن في قلوبنا . انظر إلي هذه السورة رغم قلة كلماتها فهي عبارة عن عشر كلمات في آيات ثلاث لكن معانيها عجيبة و كثيرة كآيات القرآن كله إنها سورة الكوثر و التي كأنها كالمقابلة مع سورة الماعون التي قبلها مباشرة فلقد وصف الله تعالى في آخر سورة الماعون المنافق بأمور أربعة: أولها: البخل وهو المراد من قوله:فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴿٢﴾وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴿٣﴾. الثاني: ترك الصلاة وهو المراد من قوله:الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴿٥﴾. والثالث: المراءاة في الصلاة هو المراد من قوله:الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴿٦﴾. والرابع: المنع من الزكاة وهو المراد من قوله:وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴿٧﴾. فذكر في هذه السورة في مقابلة تلك الصفات الأربع صفات أربعة. فذكر في مقابلة البخل قوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴿١﴾ أي إنا أعطيناك الكثير، فأعط أنت الكثير ولا تبخل. وذكر في مقابلة: الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴿٥﴾قوله: فَصَلِّأي دم على الصلاة. وذكر في مقابلة: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴿٦﴾ قوله: لِرَبّكِأي ائت بالصلاة لرضا ربك، لا لمراءاة الناس. وذكر في مقابلة: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴿٧﴾ قوله: وَٱنْحَرْوأراد به التصدق بلحم الأضاحي، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة، ثم ختم السورة بقوله: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُأي المنافق الذي يأتي بتلك الأفعال القبيحة المذكورة في تلك السورة سيموت ولا يبقى من دناه أثر ولا خبر، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل، وفي الآخرة الثواب الجزيل. والوجه الثاني: في لطائف هذه السورة أن السالكين إلى الله تعالى لهم ثلاث درجات: أعلاها أن يكونوا مستغرقين بقلوبهم وأرواحهم في نور جلال الله وثانيها: أن يكونوا مشتغلين بالطاعات والعبادات البدنية وثالثها: أن يكونوا في مقام منع النفس عن الانصباب إلى اللذات المحسوسة والشهوات العاجلة، فقوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴿١﴾فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿٢﴾فهو إشارة إلى المرتبة الثانية، وقوله: وٱنْحَرْ إشارة إلى المرتبة الثالثة، فإن منع النفس عن اللذات العاجلة جار مجرى النحر والذبح، ثم قال: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ ومعناه أن النفس التي تدعوك إلى طلب هذه المحسوسات والشهوات العاجلة، أنها دائرة فانية، وإنما الباقيات الصالحات خير عند ربك، وهي السعادات الروحانية والمعارف الربانية التي هي باقية أبدية. ولنشرع الآن في التفسير قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴿١﴾ اعلم أن فيه فوائد: الفائدة الأولى: أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها من السور. أما أنها كالتتمة لما قبلها من السور، فلأن الله تعالى جعل سورة وَٱلضُّحَىٰ في مدح محمد عليه الصلاة والسلام وتفصيل أحواله، فذكر في أول السورة ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته أولها: قوله:مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ، وثانيها: قوله:و للآخرة خير لك من الأولي ، وثالثها: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰثم ختم هذه السورة بذكر ثلاثة أحوال من أحواله عليه السلام فيما يتعلق بالدنيا وهي قوله:أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَاوَىٰ وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ. ثم ذكر في سورة أَلَمْ نَشْرَحْ أنه شرفه بثلاثة أشياء أولها: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وثانيها: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ٱلَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وثالثها: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ. ثم إنه تعالى شرفه في سورة التين بثلاثة أنواع من التشريف أولها: أنه أقسم ببلده وهو قوله: وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ ، وثانيها: أنه أخبر عن خلاص أمته عن النار وهو قوله: إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ، وثالثها: وصولهم إلى الثواب وهو قوله: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ. ثم شرفه في سورة اقرأ بثلاثة أنواع من التشريفات أولها: ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ أي اقرأ القرآن على الحق مستعيناً باسم ربك وثانيها: أنه قهر خصمه بقوله: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ ، وثالثها: أنه خصه بالقربة التامة وهو: وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب. وشرفه في سورة القدر بليلة القدر التي لها ثلاثة أنواع من الفضيلة أولها: كونها: خَيْرًا مّن أَلْفِ شَهْرٍ، وثانيها: نزول: ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا وثالثها: كونها: سَلاَماً حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ. وشرفه في سورة لَمْ يَكُنِ بأن شرف أمته بثلاثة تشريفات أولها: أنهم: خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ وثانيها: أن جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتُ، وثالثها: رضي الله عنهم. وشرفه في سورة إذا زلزلت بثلاث تشريفات: أولها: قوله: يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا وذلك يقتضي أن الأرض تشهد يوم القيامة لأمته بالطاعة والعبودية والثاني: قوله: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَـٰلَهُمْ وذلك يدل على أنه تعرض عليهم طاعاتهم فيحصل لهم الفرح والسرور، وثالثها: قوله: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ومعرفة الله لا شك أنها أعظم من كل عظيم فلا بد وأن يصلوا إلى ثوابها ثم شرفه في سورة العاديات بأن أقسم بخيل الغزاة من أمته فوصف تلك الخيل بصفات ثلاث: وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ ضَبْحاً فَٱلمُورِيَـٰتِ قَدْحاً فَٱلْمُغِيرٰتِ صُبْحاً ثم شرف أمته في سورة القارعة بأمور ثلاثة أولها: فمن ثقلت موازينه وثانيها: أنهم في عيشة راضية وثالثها: أنهم يرون أعداءهم في نار حامية. في شرفه ثم سورة الهاكم بأن بين أن المعرضين عن دينه وشرعه يصيرون معذبين من ثلاثة أوجه أولها: أنهم يرون الجحيم وثانيها: أنهم يرونها عين اليقين وثالثها: أنهم يسألون عن النعيم. ثم شرف أمته في سورة والعصر بأمور ثلاثة أولها: الإيمان: إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ، وثانيها: وعملوا الصالحات وثالثها: إرشاد الخلق إلى الأعمال الصالحة، وهو التواصي بالحق، والتواصي بالصبر. ثم شرفه في سورة الهمزة بأن ذكر أن من همز ولمز، فله ثلاثة أنواع من العذاب أولها: أنه لا ينتفع بدنياه البتة، وهو قوله: يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ وثانيها: أنه ينبذ في الحطمة، وثالثها: أنه يغلق عليه تلك الأبواب حتى لا يبقى له رجاء في الخروج، وهو قوله: إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ. ثم شرف في سورة الفيل بأن رد كيد أعدائه في نحرهم من ثلاثة أوجه أولها: جعل كيدهم في تضليل وثانيها: أرسل عليهم طير أبابيل وثالثها: جعلهم كعصف مأكول. ثم شرفه في سورة قريش بأنه راعى مصلحة أسلافه من ثلاثة أوجه أولها: جعلهم مؤتلفين متوافقين لإيلاف قريش وثانيها: أطعمهم من جوع وثالثها: أنه آمنهم من خوف. وشرفه في سورة الماعون، بأن وصف المكذبين بدينه بثلاثة أنواع من الصفات المذمومة أولها: الدناءة واللؤم، وهو قوله: يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ وثانيها: ترك تعظيم الخالق، وهو قوله: الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿٥﴾الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴿٦﴾وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴿٧﴾ وثالثها: ترك انتفاع الخلق، وهو قوله: وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ. ثم إنه سبحانه وتعالى لما شرفه في هذه السور من هذه الوجوه العظيمة، قال بعدها: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ أي إنا أعطيناك هذه المناقب المتكاثرة المذكورة في السوره المتقدمة التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها، فاشتغل أنت بعبادة هذا الرب، وبإرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم، أما عبادة الرب فإما بالنفس، وهو قوله: فَصَلّ لِرَبّكَ وإما بالمال، وهو قوله: وَٱنْحَرْ وأما إرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم في دينهم ودنياهم، فهو قوله: يأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ فثبت أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وأما أنها كالأصل لما بعدها، فهو أنه تعالى يأمره بعد هذه السورة بأن يكفر جميع أهل الدنيا بقوله: قُلْ يأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. أنه تعالى لما قال: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ وهذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة، وأن خيرات الدنيا ما كانت واصلة إليه حين كان بمكة، والخلف في كلام الله تعالى محال، فوجب في حكمة الله تعالى إبقاؤه في دار الدنيا إلى حيث يصل إليه تلك الخيرات، فكان ذلك كالبشارة له والوعد بأنهم لا يقتلونه، ولا يقهرونه، ولا يصل إليه مكرهم بل يصير أمره كل يوم في الازدياد والقوة وثالثها: أنه عليه السلام لما كفروا وزيف أديانهم ودعاهم إلى الإيمان اجتمعوا عنده، وقالوا: إن كنت تفعل هذا طلباً للمال فنعطيك من المال ما تصير به أغنى الناس، وإن كان مطلوبك الزوجة نزوجك أكرم نسائنا، وإن كان مطلوبك الرياسة فنحن نجعلك رئيساً على أنفسنا، فقال الله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ أي لما أعطاك خالق السموات والأرض خيرات الدنيا والآخرة، فلا تغتر لما لهم ومراعاتهم ورابعها: أن قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ يفيد أن الله تعالى تكلم معه لا بواسطة، فهذا يقوم مقام قوله:وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً. بل هذا أشرف لأن المولى إذا شافه عبده بالتزام التربية والإحسان كان ذلك أعلى مما إذا شافهه في غير هذا المعنى، بل يفيده قوة في القلب ويزيل الجبن عن النفس، فثبت أن مخاطبة الله إياه بقوله: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ. فقدم هذه السورة على سورة: قُلْ يٰ أَيُّهَاٱلْكَـٰفِرُونَ حتى يمكنه الاشتغال بذلك التكليف الشاق. فانظر كيف أنجزت لك الوعد، وأعطيتك كثرة الأتباع والأشياع، إن أهل الدنيا يدخلون في دين الله أفواجاً، ثم إنه لما تم أمر الدعوة وإظهار الشريعة، شرع في بيان ما يتعلق بأحوال القلب والباطن، وذلك لأن الطالب إما أن يكون طلبه مقصوراً على الدنيا، أو يكون طالباً للآخرة، أما طالب الدنيا فليس له إلا الخسار والذل والهوان، ثم يكون مصيره إلى النار، وهو المراد من سورة تبت، وأما طالب الآخرة فأعظم أحواله أن تصير نفسه كالمرآة التي تنتقش فيها صور الموجودات، وقد ثبت في العلوم العقلية أن طريق الخلق في معرفة الصانع على وجهين: منهم من عرف الصانع، ثم توسل بمعرفته إلى معرفة مخلوقاته، وهذا هو الطريق الأشرف الأعلى، ومنهم من عكس وهو طريق الجمهور. ثم إنه سبحانه ختم كتابه الكريم بتلك الطريق التي هي أشرف الطريقين، فبدأ بذكر صفات الله وشرح جلاله، وهو سورة: قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في سورة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية، وعند ذلك ختم الكتاب، وهذه الجملة إنما يتضح تفصيلها عند تفسير هذه السورة على التفصيل،. فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة المودعة في كتابه الكريم. فهلا تبين لنا كم نتدبر من آيات كتاب الله الكريم من فوائد جمة و هذا غيض من فيض جود الله في كتابه . اللهم علمنا ما جهلنا و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه . ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك |
رد علي الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|