المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة السماوات كما صورها القرآن


حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:26 PM
حقيقة السماوات كما صورها االقرآن
كتاب نشر عام 2006م
بسم الله الرحمن الرحيم
السماوات لم تنل بحثًا جادًا لتحديدها
كل من يتكلم في السماوات أو لم يتكلم لا يدري من أين أخذ مفهوم السماوات،
هل أخذها من رؤيته ؟ من أهله ؟ من مدرسته؟
من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة؟
من الكتب الدينية ؟ من القرآن؟ من محاضرات العلماء؟
معرفة حقيقة السماوات ليس بالأمر السهل،
عدد الآيات التي تتطرق لهذا المفهوم كثيرة،
الربط بينها جميعًا على مفهوم واحد ليس بالأمر السهل،
لو يقف مفهوم السماوات على آيات القرآن فقط؛ لهان الأمر مع وجود المشقة والتفرع الكثير فيها،
ولكن هناك أحاديث تدخل بقوة لتسجل حضورها عند البحث في معرفة حقيقة السماوات،
وهناك قصة الإسراء والمعراج التي لها الحضور الذي لا يمكن تجاهله في تحديد مفهوم السماوات
قادني حدث في نهاية عام 1976م للبحث في خلق السماوات والأرض واستمر البحث دون توقف
وكلما انتهيت من أمر تولد غيره .. في سلسلة لا تنتهي ..
وإنَّ نقض أمر علمي أسهل من ايصال مفهوم جديد لآية يتولد من لغتها يخالف ما ألفه الناس.
وبعد خمسة عشر عامًا تقريبًا (1991م) أصبح مفهوم السماوات لدي واضحًا ويقينيًا،
بأنها لا تزيد عن 120كم بناء على الوصف الذي جاء لها في القرآن مع هامش من الاحتياط في هذا التحديد
وأن النجوم والقمر والشمس هي خارجة حدود السماوات في الآفاق،
ولم يوقفني إلا آية واحدة: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات،
وتركت البحث أكثر من شهر عام 1990م
وقلت في نفسي: أن تسأل الله عز وجل في كل صلاة أن يجعلك من الهداة المهتدين، وألا يجعلك من الضالين المضلين .. وهذه الآية تناقض ما توصلت إليه.
ورجعت مرة أخرى إلى نفسي وقلت: أنت تتبع منهجًا في البحث ..
فلماذا تتخلى عن هذا المنهج مع هذه الآية؟
فرجعت مرة أخرى لمواصلة البحث بعد دراسة سبب تسمية الدنيا بالدنيا، ومتى يوصف الشيء بالزينة، فكان دراستها داعمًا لما توصلت إليه من قبل ..
البحث في خلق السماوات والأرض؛ يحتاج إلى فقه عال في اللغة، ومعلومات واسعة فيما يتعلق بالسماوات والأرض
وقد تأخرت عن نشر الكتاب الأول "حقيقة السماوات كما صورها القرآن نور وهدى من الرحمن"
خمسة عشر سنة أخرى أخذا بالاحتياط مما قد يظهر ويبطل ما توصلت إليه .. إلى أن اطمأن قلبي
وأعطيته إخوة يراجعون لغة الكتاب .. وللأسف فإنهم ينشغلون بما ورد في الكتاب على حساب التدقيق اللغوي
حتى قال لي مدرسي في الثانوية الأستاذ بكر ذياب والذي صار بعد ذلك مديرًا ثم موجهًا للغة العربية،
منهجك هذا إذا أخذ به فيجب مراجعة اللغة العربية كلها ويقصد؛ (فقه استعمال الجذور الذي تعرف به سبب تسمية المسميات) ، وقد راجع كتابي هذا (حقيقة السماوات) وكتابي "أحبك أيها المسيح"
وقال: أعانك الله على نشر الكتاب ومما ستلاقيه ...
وقال لي أحد الدكتاترة الذي اطلع على كتابي: كنت سأرد عليك بكتب ... فلما جلست معك صرت مقتنعًا بـ 90% من الكتاب.
وقل آخر لا اعتراض لي على ما في الكتاب؛ فقد ناقشت كل شيء، ولم تهمل شيئًا، ولم يبق شيء دون تناول،
ولكني ألفت مفاهيم معينة عن السماوات من صغري، ثم جئت تنقضها لي ... فليس من السهل أن أتخلى عنها ، وأسلم لك بما تقول بسهولة ،
فأنا أحتاج إلى ثلاثين سنة أخرى مثلك ؛ إما أن أنقض رأيك أو أتبعك على ما أنت فيه ..
هذان الاثنان أولدا في نفسي أن المكتوب لا يوصل الفكرة مباشرة كما يوصلها السمع،
وما ان ينتقل القارئ إلى باب جديد حتى ينسى ما ورد في الباب السابق ...
وأن من سيخالفك هو يدافع عما ألفه، وليس لأنه مقتنع بالمخالفة...
ولذلك لا بد من الشجاعة في النشر
فالعلم أمانة .. والتبليغ امانة
ولقد فهمت من تجربتي مع العلوم لماذا حمل الإنسان الأمانة وهو جاهل بما يترتب عليها من تحمل تبعات هذا الحمل.
نحن ننفق المال والوقت ونفقد من الصحة لنتعلم؛ فإذا حصلنا على العلم صار تعليمه وإبلاغة والعمل به أمانة نحاسب عليها،
وقد طلب مني الأخ مجذوب العيد المشراوي أن أفتح باب مفهوم السماء والسماوات في القرآن
وأنه لا أحد يجرؤ على فتح الباب .. ومعه حق في ذلك .. وليس ذلك بالأمر السهل والهين.
ولولا أن لي كتابًا في ذلك، واهتمام منذ أربع وثلاثين سنة تقريبًا؛ لما أقدمت على هذا الموضوع،
وباشرت في الأمس واليوم بتحويل الآيات الواردة في الكتاب بالرسم العثماني إلى الرسم الإملائي حتى يتقبله الإنترنت
- ومن المصادفات أن الأستاذ بكر ذياب الذي راجع كتابي؛ توفي قبل ليلتين، وشاركت في الصلاة عليه، والدفن قبل أمس ...يرحمه الله تعالى رحمة واسعة .. وكان مثالا للخلق الحسن بشهادة الجمع الغفير الذي شارك في الصلاة والجنازة، وقد أم الناس في الصلاة عليه ابنه أسامة وهو شاب ملتزم خلوق مثل أبيه وكان بارًا به.
أرجو من الإخوة أن يسألوا ويناقشوا ما ورد في الكتاب كما يشاءون
ولكن بعد تنزيل أكثر من 112 بابًا منه
فرب سائل يريد أن يسأل سؤالاً، أو يرى مخالفة لفكرة تعود عليها في بداية الكتاب؛ يجد الإجابة عليها متأخرة في باب آخر
وأنا أرحب بكل رأي، جاد ووجهة نظر مبنية على علم وفهم وتدبر للمكتوب وما يعرض.
وتنزيل المواضيع قد يحتاج إلى ثلاثة أيام .. وسأحاول تقليل المدة ما استطعت .
فعليكم بالصبر مع حسن القراءة والتدبر

الموضوع الصفحة
1. المقدمة 11
2. المسيرة التي لم تتم 15
3. تعريف السماء في اللغة 15
4. أنرى سماء واحدة ؟ أم نرى السموات جميعها ؟ 17
5. المرور بآيات السموات 20
6. التفكير في خلق السموات 20
7. السموات شفافة لا يحجب بعضها بعضًا 21
8. الرزق من السموات ، وليس من سماء واحدة فقط 22
9. لم تأت "من" التبعيضية مع السموات إلا في آيتي الرزق 23
10. خزائن السموات والأرض 24
11. وفي السماء رزقكم وما توعدون 25
12. تسخير ما في السموات 27
13. ارتباط السموات بالأرض في 179 موضعًا 28
14. عرض الأمانة على السموات 29
15. فساد السموات 30
16. هل خلقت السموات من العدم؟ 31
17. تقديم السموات على الأرض والأرض على السموات 34
18. مادة السماء التي خلقت منها 35
19. السموات ليست أجرامًا صلبة وليست مجموعة أجرام 36
20. لون السماء 36
21. تسمية السماء بالغلاف الغازي وبالغلاف الجوي 37
22. فطر السموات 38
23. لا حياة دون سموات 40
24. فتق الله للسموات 41
25. توسيع الله للسماء 43
26. بناء السموات 44
27. السماء سقف محفوظ 46
28. سمك السماء 47
29. رفع السماء 48
30. ظلال من في السموات 50
31. حبة خردل في السموات 52
32. يخرج الخبء من السموات 53
33. أسباب السموات 54
34. لمس السماء 55
35. مسك السماء من الوقوع على الأرض 59
36. مدة خلق السموات 60
37. تقدير اليوم من أيام خلق السموات والأرض 62
38. أيهما أقدم الشمس والقمر أم السموات والأرض؟ 64
39. من أين تبدأ السماء ؟ 65
40. حدود السموات 66
41. هل الأجرام والكواكب والنجوم داخل السموات أو خارجها 67
42. "له ما في السموات والأرض" هل تشمل الكواكب والنجوم 68
43. أقطار السموات 72
44. أي شيء يثقبه النجم الثاقب ؟ 75
45. وسع كرسيه السموات والأرض 77
46. عدد السموات 79
47. كيف نحدد عدد السموات 81
48. هل السموات كل الغازات التي تحيط بالأرض أو هي جزء منها 84
49. تكون السماء من سبع طبقات 85
50. تكون السماء من سبع طرائق 86
51. السموات سبع شداد 87
52. حبك السماء 88
53. الحركة في السماء 89
54. العروج في السماء 90
55. الارتقاء في السماء 92
56. التصعد في السماء 93
57. سلمًا في السماء 94
58. إمساك الله الطير في جو السماء 96
59. طيران الإنسان في السماء 98
60. الهبوط بالمظلات من السماء 100
61. النفاذ من أقطار السموات 101
62. النـزول من السماء 102
63. الخرور من السماء 103
64. جو السماء 105
65. السحاب في السماء 106
66. جبال في السماء 107
67. بكاء السماء والأرض 110
68. والسماء ذات الرجع 112
69. إرسال السماء مدرارًا 113
70. إسقاط السماء كسفًا 114
71. ما بين السموات وما بين السموات والأرض 117
72. لا يجتمع ذكر الليل والنهار أو الشمس والقمر مع قوله (ما بينهما) في آية واحدة 119
73. بث الدواب في السموات والأرض 21
74. من الأحاديث التي شوشت فهم السموات وسعتها ؛ ما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام 128
75. أطت السماء وحق لها أن تئط 133
76. الأرض والسموات في الكرسي كحلقة في فلاة 135
77. عرض الجنة عرض السموات والأرض 135
78. زوال السموات والأرض 138
79. مقاليد السموات والأرض 138
80. السماء ذات البروج 140
81. حقيقة الفضاء 141
82. كيف ينير القمر السموات السبع ؟ 142
83. كيف يرى قوم نوح عليه السلام أن السماء سبعًا طباقًا 143
84. تزيين السماء الدنيا 144
85. الآفاق هي الاسم لما فوق السموات 152
86. الآفاق لا لون لها 153
87. لماذا لم يتحدث القرآن عن خلق الكون ؟ 155
88. هل يصح تسمية الكتب المنـزلة من الله بالكتب السماوية ؟ 156
89. أين أبواب السماء ؟ 160
90. الحدود التي ينتهي عندها غزو الفضاء 162
91. لماذا تحتاج كلمات الله من المداد بقدر ماء البحر وسبعة أمثاله وأكثر من ذلك ؟ 163
92. وما أنتم معجزين في الأرض ولا في السماء 164
93. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع 165
94. هل توجد مخلوقات أخرى في الكون ؟ 166
95. بديع السموات والأرض 167
96. الأرض هي مركز السموات وليست مركز الكون 168
97. مابين السماء والأرض فيما يراه الناظر 169
98. الإسراء والمعراج وحقيقة السموات 169
99. تهيئة جسد النبي لرحلة الإسراء والمعراج 171
100. الدابة التي ركبها النبي في الإسراء والمعراج 173
101. رؤية الأنبياء في السموات 178
102. العروج إلى السماء الدنيا 180
103. رؤية النيل والفرات في السماء 182
104. مكان سدرة المنتهى من السماء 184
105. مكان البيت المعمور من السماء 186
106. الاستواء إلى السماء وعلى العرش 188
107. سؤال الجارية: أين الله؟ 196
108. معية الله مع خلقه 198
109. نزول الله إلى السماء الدنيا 203
110. اتجاه البحث الغربي العلماني للكون 211
111. الخاتمة 213
112. المراجع 214

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:31 PM
المقدمة
بسم الله الرحمن الرجيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أحمد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين0
لقد أنعم الله تعالى على هذه الأمة بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنـزيل من حكيم حميد، حافظ ومصحح لذكرى الأولين، ومقوم لحياة القائمين، ومشرع لهم ما يصلح حياتهم في دنياهم وآخرتهم، ومنبئ بما سيكون من أمور الغيب، لينجو من نجا عن بينة ويهلك من هلك عن بينة0
لقد بين سبحانه وتعالى في طيات الكتاب العزيز أمورًا عن السموات والأرض بوصف صادق، فيه لطف شديد، من بداية الخلق يوم كان عرشه سبحانه وتعالى على الماء، إلى النفخة الثانية التي تبدأ بعدها حياة جديدة إما في شقاء وإما في نعيم0
ومن أساليب القرآن الكريم توزيع الأحداث التي كانت، والتي ستكون في آياته، ونثرها في سور عديدة من القرآن بأسلوب عجيب يأتي فيه على كل التفاصيل، وما علينا بعد ذلك إلا أن نجمعها وننسقها؛ لنخرج في ديباجة جميلة من تلك الدرر المنثورة فوق ديباجة نثرها0
السموات من أوائل الأشياء التي يجب علينا أن نعرفها، ونتعرف عليها، وهي موضوع كتابنا "حقيقة السموات"؛ فبدون تحديد هذه الحقيقة سنضع الآيات في غير مواضعها، ونظن أننا قد أحسنا صنعًا0
السماء بزرقتها المألوفة، وما يظهر فيها ليلاً من قمر ونجوم، أو نهارًا من شمس وسحب وطيور، من أوائل الأمور التي يتعرف عليها الإنسان في حياته0
ومع بداية إدراكه للأمور في طفولته يتعرف على اسمها باللغة التي ينطق بها قومه، ويستطيع تمييزها، ويلاحظ شدة ارتفاعها، وانحناءها، ليغيب امتدادها دائمًا خلف الأفق عند أطراف الأرض التي يعيش عليها0
ثم يكون لديه علم بعد ذلك بأن الله خلق سبع سموات وليست سماء واحدة 00
فهل السماء التي نراها هي سبع سموات؟، أو أنا لا نرى منها إلا السماء الدنيا أو الأولى فقط؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين بقية السموات؟ وهل السموات هي الكون؟ أو هي جزء من الكون؟
فما هي حقيقة السموات؟
تعال بنا نتعرف على السماء والسموات من كتاب الله، نمر في طريق بحثنا على كل أوصاف السموات في القرآن، وما تعلق بها، فلعل نظرتنا إليها تكون أكثر تحديدًا وصدقًا0 وهل سنحتفظ بالمفاهيم السابقة عنها، وما تلقيناه منذ صغرنا عن الآباء والأجداد والأهل خاصة، وعن المجتمع عامة، بعد بيان الله لحقيقتها؟ فهو تعالى الأعلم بحقيقتها قبل نزول القرآن وبعد نزوله، وهو العليم الذي فوق كل ذي علم، وما أوتينا من العلم إلى قليلاً0
إنني، بوصفي مسلمًا قبل كل شيء، يجب علي كما يجب على كل مسلم، قبل الحديث في هذا المجال، أن أجعل تقوى الله بين عيني فيما أتكلم به، فليس هذا حديثًا أدبيًا، ولا كراسًا علميًا أسجل فيه ملاحظاتي وما بدا لي في هذا الأمر00 وأن يكون كلامي في السماء يطابق قول الله تعالى فيما جاء في القرآن أولاً بعد طول البحث والتمحيص، لأن كلام الله هو المرجع الحق في هذا الأمر، لأن الله هو الشاهد على غيب الماضي والحاضر والمستقبل، وشهادة الله هي النور الذي يوجهنا، ويقومنا، ويصحح لنا معلوماتنا، فما نجهله أكثر بكثير من القليل الذي نعلمه0
يقول تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) الكهف0
فلما كثر اهتمام المسلمين وأنا واحد منهم بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والسنة النبوية، في أبوابه الكثيرة ومنها علوم الفلك والكون بعد غزو الإنسان للفضاء، وازدادت معلوماته باطراد، فكانت معرفة السماء كما صورها القرآن الكريم هي المطلب الأول الذي يضبط الفكر من الجنوح قبل عمل الفكر في الإعجاز العلمي الذي زاد آيات القرآن بيانًا وتلألؤًا فات السابقين من سلف هذه الأمة0
وكل ما في هذه الدراسة هو اعتقادي في هذا الباب، والدين الذي أدين به، وأرجو به وجه الله، وليس هو ترويجًا لأفكار جمعتها عن الآخرين، بل هو بحث قائم أحفظ فيه نفسي وأخوتي في الإيمان، فإن أحسنت فيه فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان0
وكل من عمل في علم، يحب أن يرى نور علمه منتشرًا بين الناس، في حياته، وليس بعد موته إن قدر لعلمه أن يحفظ، وينتشر من بعده، وألا يدفن جهده الذي قضى فيه جل شبابه، وألا ينسى بموته، وألا يكون شديد التفاؤل بأن يلقى علمه الرواج والانتشار بسرعة التي يأملها، وتتوق لها نفسه، مهما بلغت ثقة الخاصة به، وحتى لو كانت نظرتهم إليه نظرة إلى عبقري، أو أينشتاين في هذه الأمة، أو مجددًا تتمنى الأمة أن يولد فيها، ليجدد لها دينها وشبابها وحياتها، وأنى لأحد أن يبلغ هذه المنـزلة في أمة مرت عليها سلسلة من الهزائم والنكبات المحبطة لعزيمة كبارها وصغارها، وفقدت الثقة عند أكثر أفرادها 00 لكن لا يأس يستمر، ولا وضع يبقى على حاله0
ومما شجعني على إخراج هذا الكتاب في حقيقة السموات ما لمسته من حاجة الناس إلى إجابات للتساؤلات التي تجول في أنفسهم في بحث يتصف بالشمولية من غير إطالة، يريح الناس، ويكون فيه الإجابة التي يقتنع بها العقل، وتطمئن بها النفس بما يوافق كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه السلام، ولا يعارضهما في شيء لا يمكن التوفيق فيه بينهما، بعد أن رأيت أثر مواد هذا البحث فيهم سواء في الخطب أو المحاضرات التي ألقيتها، حتى سئلت بصراحة أين نجد الكتاب المتخصص في ذلك 000
فعزمت على جعل ما ألقيته وتمت لي دراسته في هذا الأمر، وقضيت فيه الشطر الأخير من حياتي؛ كتابًا يبين حقيقة السموات كما صورها القرآن، ويوطئ لكتاب ثانٍ في حقيقة خلق السموات والأرض، يكشف سر الحالة التي أفضت إليها الأرض والسموات، وكتاب ثالث في حال السموات والأرض يوم القيامة، والتغييرات التي ستحدث لهما، بنظرة علمية يدعم فيها البحث العلمي الإيمان الغيبي 00متوكلاً في كل ذلك على الله وحده 00 فالله تعالى هو ولي التوفيق، وهو سبحانه وتعالى ، نعم المولى ونعم الوكيل0

أبو مسلم / عبد المجيد العرابلي

2- المسيرة التي لم تتم
من الأمور التي أثرت على مسيرة تقدم الأمة، بعد الجهود العظيمة التي بذلتها في سبيل تدوين لغتها، وتقعيد القواعد لها؛ من وضع قواعد للنحو، والصرف، والبلاغة، والبيان، ثم جمع اللغة في معاجم وقواميس نظمت على أساس الجذور، فجمعت حول كل جذر مشتقاته، والمبنيات التي بنيت منه 000 وتوقف العمل عند ذلك0
وكان الواجب إكمال السير في هذا الدرب، فبعد ربط المشتقات بالجذور كان الواجب أن توضع معان للجذور تبين سبب كل اشتقاق، وبناء منها، وتبين وتفسر سبب تسمية جميع المسميات 00 ولكن الاختلافات بين المدارس اللغوية في أصل اللغة وبدايتها سواء أكان من الأفعال أم من المصادر ؟ هو من الأسباب التي صرفت الأمة عن جدية البحث في ذلك، ولم تجعل ذلك هدفًا ومطلبًا تشد الرحال للوصول إليه0
وكان الواجب من إتمام المسيرة، وكشف الغطاء عن معاني الجذور، للكشف بعد ذلك عن معاني الحروف الهجائية، ليكون هذا الكشف قاعدة تسير عليه كل الشعوب والأمم، في دراستها للغاتها، تبعًا لجهد العرب فيه 00 لكن الأمر المؤسف أنه لم تتم هذه المسيرة، ولو وقفت على آثارها لوجدتها وخيمة0

3- تعريف السماء في اللغة

في بداية الحديث لا بد لنا من معرفة سبب تسمية السماء بهذا الاسم، ويعرف سبب التسمية من دراسة الجذر الذي اشتق الاسم منه، فبعد معرفة ما يدور عليه الجذر يقدر سبب التسمية، فالسماء من مادة سمو، وهي مادة للدوام، فالسماء سميت بالسماء لدوامها، وليس لارتفاعها كما هو معروف ومشهور، وإن كانت صفة العلو موجودة فيها، وثابتة لها في معظمها(لأن بعض السماء وبسماكة عدة كيلومترات تكون أسفل الواقف على رأس جبل مرتفع)، إلا أن التسمية لم تأت من ذلك .. فأنت إن كنت في طرف البر ثم تعمقت فيه قليلاً اختفى عنك البحر، وإذا دخلت البحر وتعمقت فيه غاب عنك البر، لكن السماء هي الدائمة معك، أينما كنت في أي بقعة في البر أو البحر، أو كنت في أقطاب الأرض، فهي لا تغيب عن ناظريك أبدًا ليلاً أو نهارًا0
ومن هذه المادة: الاسم، فالاسم يدوم بعد ذهاب صاحبه أو غيابه، فعندما أذكر لك آدم عليه السلام، فإنك تعي ما أقول، مع أنه عليه السلام قد مات قبل آلاف من السنين، فإن كان جسده قد غاب بالموت فإن اسمه قد دام بين الناس0
وقد سمَّى العربي الجورب الغليظ من الصوف وغيره الذي كان يلبسه الصياد لصيد الظباء في حر الظهيرة بالمسماة، من نفس مادة "سمو"، لأنه بهذا الجورب يستطيع أن يديم ملاحقة الظبي حتى يقبض عليه، لا يخشى حر الرمال، ولا صلابة الحصى، ولا وخز الأشواك، ولا خروج رجله منه أن تقطع ملاحقته للفريسة، ودون أن يحدث صوتًا وضجة تنبه الصيد قبل الوصول إليه0
فمعرفة أن سبب تسمية السماء جاء من الديمومة لا من العلو مهم جدًا لفهم السماء، فمتى انتهت الديمومة فيها انتهت السماء، وفي الديمومة شمول لصفة العلو التي فيها أيضًا، لأن علوها أيضًا دائم فوق كل بقعة من الأرض0
ويجب كذلك أن تعرف أن هناك رأيًا لأهل اللغة أن لفظ السماء، وإن كان يدل على مفرد، ففي حقيقته هو جمع سماءة 00كما أن لفظ مائة مفرد وجمعه مئات، لكنه يتكون في حقيقته من عشرات وآحاد، وأن الدينار مفرد له أجزاؤه من العشرات والآحاد، والقوم هو اسم مفرد يدل على جمع كبير من الناس0
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) البقرة، فقوله تعالى فسواهن دل على أن لفظ سماء يدل على الجمع أيضًا0

4- أنرى سماء واحدة أم جميع السموات ؟

إذا نظرنا إلى صفحة السماء فلا نرى إلا سماء واحدة زرقاء في النهار، تطير فيها أنواع من الطيور على ارتفاعات متفاوتة، وتسبح فيها قطع من السحاب، ونرى نـزول المطر منها في الشتاء، وتطلع الشمس فيها كل يوم ثم تغيب، ويظهر القمر فيها ليلاً، وعددًا لا يحصى من النجوم بالعين المجردة، وبعد تمكن الإنسان من صناعة المناظير، وتواصلت زيادته لأحجامها وقدراتها، رأى نجومًا اكثر مما لا يدركه البصر المجرد، ووجد السماء مرصوصة بالنجوم 00 فهل كل ما نراه في سماء واحدة أم في عدة سموات؟0
لو أخذنا بظاهر الآية الكريمة: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات – التي سيكون لها باب خاص في هذا الكتاب – دون تدبر فيها لمعرفة حقيقة وصف الله عز وجل في هذه الآية، فكل ما نراه هو في السماء الدنيا على اعتبار أن السماء الدنيا هي السماء الأولى القريبة منا 00 إذا كان الأمر كذلك فأين باقي السموات السبع؟ 00 هل تقع تحت حسنا ؟ فماذا يقول تعالى في كتابه ؟
انظر إلى قوله تعالى في هذه الآيات ودلالتها القطعية في رؤية السموات وأنها في محل نظرنا:
• : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) إبراهيم0
• : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) الإسراء0
• : (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) الأنعام0
• : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الأعراف0
• (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) لقمان0
• : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد0
• : (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) يونس0
• : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ (18) الحج0
• : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (41) النور0
• : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20) لقمان0
• : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) المؤمنون0
ففي هذه الآيات ما دل على أن السموات هي في محل الرؤية والنظر، وفي الآيات التالية أن السموات آيات في محل العبرة والتفكر، لأولي الألباب، والمؤمنين، وأهل الفكر، وأصحاب العقول، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت السموات موضع النظر والرؤية أيضًا0
• : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) آل عمران0
• : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران0
• : (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) الروم0
• : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (38) الزمر0
• : (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) الشورى0
• : (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) الجاثية0
فماذا بعد هذه الآيات هل ما نراه سماء واحدة أم سموات ؟ وهل الذي جعله الله آية دالة عليه سبحانه وتعالى للمؤمنين ولأولي الألباب ولقوم يوقنون سماء واحدة أم سموات؟ وهل التفكير فيما يقع عليه حسنا في سماء واحدة أم سموات ؟
فالآيات بينت بما لا يدع مجالاً للشك أن ما يقع تحت حسنا هي السموات كلها، لا سماء واحدة منها فقط، فنحن نرى السموات، ونرى آياتها، ونعلم الكثير مما فيها، وأننا نستطيع التفكير فيها0
فمن قال بعد هذه الآيات، والآيات التي سنذكرها في مواضعها، أننا لا نرى إلا سماء واحدة هي السماء الدنيا فقط، فقد خالف منطوق عشرات الآيات ومفهومها، وخالف كتاب الله، وأنكر ما جاء فيه مخالفة يخشى عليه بعدها، ونعيذ بالله كل مؤمن من ذلك، اتباعًا منه للهوى، أو لما ألف من أفكار لم تبنَ على علم مستند على فقه في كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه0

5- المرور على آيات السموات

قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) يوسف0
إن الله تعالى يبين لنا حقيقة أن ما نراه من آيات في السماء؛ كالقمر والشمس والنجوم والكواكب هو بسبب مرورنا عليها، وليست هي التي تمر علينا، وذلك أن وجودنا في الأرض جعلها كمركبة حاملة لنا على ظهرها، فحركة الأرض حول نفسها ونحن عليها يرينا الشمس من طلوعها إلى غروبها، وكذلك القمر والنجوم ومرور الأرض في حركتها حول الشمس يبدل نجوم الشتاء بنجوم الصيف، فكل ذلك لا يمر علينا وإنما نحن الذين نمر عليه، ولم ينسب سبحانه المرور للأرض، وإنما نسبه للناس، لأن الناس هم الذين يحسون بذلك، ولأن الناس انتشروا في الأرض، ففي كل لحظة يبدأ مرور أناس على الشمس مع الحركة الظاهرية لها في الشروق على مدار الأربع والعشرين ساعة، وكذلك تنقل الإنسان على وجه الأرض بحركة بطيئة أو سريعة حتى دار حول الأرض في يوم واحد ودون ذلك، فكان المرور للإنسان بنفسه، وبمركبته الأرضية التي يعيش عليها0



6- التفكير في خلق السموات


قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران0
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم0
دلت هاتان الآيتان على أن السموات واقعة تحت حس الإنسان بحيث يمكنه التفكير في خلقها، فمدح الله سبحانه في الآية الأولى الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، فيصلون بتفكيرهم أن الله لم يخلقهن باطلاً، فيشفقون على أنفسهم، فيسألون الله أن يقيهم من عذابه 000 فمن يفكر في خلق السموات والأرض سيصل إلى معرفة كم للنار وكم للطاقة الحرارية؛ (الداخلية منها أو الخارجية) التي قد تصل إلى ملايين الدرجات من تأثير ودور في خلق الكون وتشكيله، ومنه السموات والأرض، فيسأل الله تعالى العافية من النار0

وفي الثانية يحض تعالى على التفكير في خلق السموات والأرض، وأنه ما خلقهن إلا بالحق، ولن يعرض عنهن إلا من كذب بلقاء الله، فهاتان الآيتان بينتا مع غيرهن أن السموات في نطاق الرؤية لدى الناس وتحت المشاهدة والتفكير0


يـــــــــــــــنبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:32 PM
7- السموات شفافة لا يحجب بعضها بعضًا


من دلالة الآيات السابقة يتبين لنا أن السموات شفافة ولا يحجب بعضها بعضًا، إذ لو حجبت كل سماء ما فوقها لما أمكن رؤية بقية السموات، ولما رأينا ما يسبح ويتحرك فيها، ولما وصل إلينا ضوء الشمس، ولما أنارت الشمس الأرض، ولما رأينا القمر ولا النجوم والكواكب، ولكان مخاطبة الله لنا بالنظر إلى ما في السموات والتفكير في خلقهن فوق مقدرتنا، بل لن تكون هناك حياة في الأرض بدون هذه الصفة للسموات ولبقيت الأرض في ظلام مستمر لا نهار فيه0



8- الرزق من السموات وليس من سماء واحدة فقط


ذكر سبحانه وتعالى أنه يرزق الناس من السماء بصيغة المفرد في آيات كثيرة كما في الآيات التالية:
: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) فاطر0
: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) يونس0
: (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) النمل0
: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) غافر0
: (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) الجاثية0
تدلنا هذه الآيات على أن الرزق يأتينا من السماء وقلنا بأن السماء هي جمع سماءه ولكن انظر إلى قوله تعالى:
وقوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) سبأ0
وقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) النحل0
فالرزق يأتينا من السموات، والرزق هو المطر في الدرجة الأولى، لأنه سبب لإنبات النبات الذي نعتمد عليه في معاشنا، وتعيش عليه الحيوانات التي نعيش عليها أيضًا، ونحن نكاد ونجزم، ولا نشك بأنه لا شيء من الرزق يأتينا من أقرب الأجرام من حولنا كالقمر والزهرة والمريخ، فهل سيأتينا مما هو أبعد من ذلك؟ أو من أطراف الكون، وبيننا وبينه آلاف أو ملايين السنين الضوئية 00 والله يؤكد لنا بأن رزقنا يأتينا من السموات، وليس من سماء واحدة فقط فقد جاء الذكر للاثنين في كتاب الله مما يدل على أن السموات كلها قريبة منا وليست بعيدة كما يظن من لم يجعل للسماء حدودًا0 </b></i>
__________________


9- لم تأت "من" التبعيضية مع السموات إلا في آيتي الرزق


وقوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) سبأ0
وقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) النحل0
لِمِنْ معان كثيرة ولكن جميع معانيها مبنية على التبعيض ومن قال بأن المعنى الأصلي لمن هو ابتداء الغاية الزمانية والمكانية لم يوفق للحقيقة، والصحيح أن "من" للتبعيض لأن ابتداء الغاية أيضًا لا يكون إلا من بعض الأزمنة أو من بعض الأمكنة0
ولم يأت ذكر لـ "من" مرتبط مع السموات إلا في آيتين تبينان أن رزق الله يأتي من السموات 00 والمقصود الأول في الرزق هو المطر، لأننا منه نشرب، وبه ينمو النبات الذي عليه يتغذى الحيوان، فإن لم ينـزل المطر زمنًا طويلاً ماتت الأرض وما عليها0
والمطر هو جزء من السماء، تحول بعد حالته الغازية إلى الحالة السائلة، فتجمع في قطرات ثقلت على الحمل فنـزلت بشكل مطر ينتفع به الناس والنبات والحيوان 00 وحال السماء هو كحال الماء في حالته الغازية؛ لذلك يعد المطر جزءًا من السماء، وهو بعض مكوناتها التي لا تخلو منه0
والملاحظ أنه لم يذكر أي شيء آخر أنه بعض من السموات، مع أننا نرى عبر السماء أشياء كثيرة في الليل والنهار، فدل ذلك على أنها ليست من السموات، ولا من السماء على الحقيقة التي تبينها كل مواد هذا الكتاب القائمة على فهم آيات الله في القرآن الكريم0 </b></i>
__________________



10- خزائن السموات والأرض


جاء في كتاب الله ذكر خزائن الله مرتين، ومرة خزائنه، وخزائن ربك مرة، ومرتين خزائن رحمة ربي وخزائن رحمة ربك، ومرة خزائن الأرض، ومرة واحدة خزائن السموات والأرض، قال تعالى:
: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) المنافقون
نلاحظ أنه لم يأت ذكر خزائن السموات منفردة دون ذكر الأرض، بينما ذكرت خزائن الأرض منفردة في سورة يوسف، حيث يخزن ما يخرج من ثمرات الأرض ويحفظ0
فلماذا ربطت الخزائن في هذه الآية بالأرض وبالسموات معًا؟0
أهم مخزونات السموات هو الماء، ومصدره من الأرض؛ من بحارها وأنهارها، ومن حيث وجد فيها، وهذا الماء النقي الطاهر يكون منه حياة كل حي؛ نباتًا كان أو حيوانًا، ورزق الإنسان وما يحفظ حياته يؤخذ من الماء ومن النبات ومن الحيوان 00 لهذا لم يأت ذكر خزائن السموات إلا مع الأرض، لأن الماء مخزون فيهما معًا، بينما جاء ذكر خزائن الأرض منفردة، وكل هذه الخزائن من رحمة الله بخلقه، يجدونها كلما احتاجوا إليها، وكلما اشتدت الحاجة إليها0


11- وفي السماء رزقكم وما توعدون


قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) الذاريات0
يجمع المفسرون على أن المطر هو المقصود في قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ)، لأن الماء سبب الرزق، والماء على حاله هو رزق، وبه ينبت النبات، فيكون رزقًا، وعلى النبات تعيش الحيوانات، التي تصبح بالتالي رزقًا للناس، فعلى ذلك فسر الرزق بالمطر0
أما قوله تعالى: (وَمَا تُوعَدُونَ)، أي وفي السماء ما توعدون، فقد فسرت "بما يوعدون"؛ بالخير خاصة، وبالشر خاصة، وبالخير والشر، وبالجنة وبالنار، وبالمآب0
فإن قصد بالخير المطر، وبالشر الصيحة والصواعق، فهذه أمور تتجدد في السماء باستمرار، لوجود دورة للماء معروفة، ويرافق هذه الدورة تكون الصواعق والرعد الذَين يكون منهما العذاب على من يسلط عليهم، فهذه أمور يعرفها الإنسان، ويشاهدها0
أما تفسير "وما يوعدون" بالجنة والنار، فهذا أمر فيه نظر؛ فليس في كتاب الله آية تؤيد ذلك، فلم تشر أية آية على وجود الجنة أو النار في السماء، وليست الآية تصرح بذلك، وفي هذا القول مخالفة لعموم فهم حقيقة السموات كما صورها القرآن0
إن لم يكن هذا هو التفسير، فبماذا تفسر الآية إذًا؟0
من المعلوم والمعروف لدينا أن رزق الناس لا يتكون من ماء فقط، بل هناك من الأغذية النباتية والحيوانية بجانب الماء، وبها جميعًا يستمر الإنسان في حياته، فالماء يبقى على حاله؛ سواء أكان وجوده في السماء، أم كان وجوده في الأرض، أما الأغذية النباتية والحيوانية فأمرها مختلف؛ فهي في السماء مجموعة غازات لا يمكن أن نتغذى عليها مباشرة، فلا بد أن تتحول في النباتات إلى مواد كربوهيدارتية في جسم النبات وثماره أولاً، ثم إلى مواد بروتينية ودهنية في أجساد الحيوانات بعد التغذي عليها ثانيًا، ثم تكون هذه المواد بعد ذلك رزقًا للإنسان، وما يكون في هذه المواد من عناصر أرضية؛ كالحديد، والكالسيوم، والفسفور وغير ذلك، فهي من الضآلة بحيث لا تقاس إلا بالغرام، بل بالملي غرام؛ فرزقنا في معظمه وجله من السماء0
فلما صعب على الإنسان تناول هذه الأغذية مباشرة من السماء، واحتاج تحولها من غازات في السماء إلى مركبات عضوية كرزق للإنسان زمنًا يطول إلى بضع سنوات، أو يقصر إلى بضعة أشهر، أو أسابيع، ويكون في أزمان محددة، فكانت من باب الموعود بها أن تصبح رزقًا خلاف الماء الذي نتناوله مباشرة، ولا يتغير حاله أينما وجد في الأرض أو في السماء0
ومما يعد أيضًا من الرزق الكساء، والكساء إما أن يكون من جلود الحيوانان، أو من شعرها، أو من صوفها، أو من وبرها، أو من خيوط الحشرات كالحرير، وأما إذا كان من النبات فيكون من أليافها أو قشورها كالكتان، أو من زهرها كالقطن، فكل ذلك من مكونات الحيوان أو النبات وأصله من الماء ومكونات السماء وشيء يسير من مكونات الأرض حاله كحال الغذاء الموعود به الإنسان0
وانظر إلى ما يموت من الحيوانات ويبقى فوق وجه الأرض 00 فبعد زمن لا يبقى منه إلا العظام 00 فأين ذهبت عناصر جسمه؟ لقد تحولت إلى غازات وروائح انتشرت في السماء0
وانظر إلى قوله تعالى في سورة البقرة للذي أماته الله مائة عام ثم بعثه: (وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) البقرة، العظام تتكون من عناصر أرضية ثقيلة تبقى في الأرض، أما اللحم الذي كان فقد تحول إلى غازات في السماء فأعاده الله عز وجل بقدرته تعالى لحمًا يكسو به العظم مرة أخرى 00 حاله كحال بخار الماء الموجود في الهواء عندما يلمس كأس ماء بارد يتكثف عليه، وتكون اللحم حول العظم يشابه ذلك، لكن عناصره تحتاج إلى تحولات كثيرة لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى وحده0
ومن الرزق يتكون اللحم وينمو الجسم ويكبر حتى يكتمل الجسم 00 ولا ينس الإنسان أن بعض طعامه يتحول إلى غاز في أمعائه، وما يخزن في جسمه يتحول أيضًا إلى غازات في عملية الاحتراق الذاتي في الخلايا، ويتخلص منه الجسم في عملية التنفس التي لا تتوقف ليل نهار، وانظر إلى المرء السمين عندما يمرض وينـزل وزنه ويصبح خفيفًا 00 أين ذهب ما خسر من وزنه ؟!0
فما وعدنا الله سبحانه وتعالى من رزق هو عناصر وغازات منتشرة في السماء –أهمها: الأكسجين، والهيدروجين، والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون- لا نستطيع الانتفاع بها حتى تتحول إلى مواد كربوهيدراتية، أو بروتينية في ثمار نبات أو ساقه أو ورقه أو جذوره أو بذوره أو في لحم حيوان يؤكل أو في دهنه0 </b></i>
__________________



12- تسخير ما في السموات


قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية0
وفي هذه الآية بين الله سبحانه وتعالى أنه سخر لنا ما في السموات وما في الأرض، ونسب كل ذلك إليه سبحانه وتعالى ، وجعل ما سخر آيات منه دالة عليه، ولكن لا يعرفها ولا يستدل بها عليه إلا قوم لهم عقول، وأولوا ألباب يتفكرون فيها 00 والتفكير فيها لا يمكن أن يكون إذا لم يقع عليها الحس 00 فمعنى أن يقع عليها الحس أنا نراها وفي هذا أيضًا دلالة على أن السموات تقع تحت حسنا، وأنا نراها، فمما سخره تعالى: النجوم لنهتدي بها، والشمس جعلها ضياء لنا، والقمر نورًا، ولولا السموات لما تحقق ذلك، فالشمس نار محرقة، وفي أشعتها إشعاعات ضارة، وطبقات الغازات فوقنا هي التي تلطفها، وتنقيها لتصبح صالحة غبر ضارة، وكذلك تفعل مع نور القمر فلولاها لقارب نور القمر بدون سماء ضوء الشمس مع وجود السماء، وتقارب الليل من النهار، وتفعل مع النجوم بأن تجعلها زينة لها، وهي في حقيقتها إذا تعدينا نطاق السموات نراها نقطًا بيضاء صغيرة في صفحة سوداء شديدة السواد، لا بريق لها ولا لمعان، ولا أثر لها في إزالة وحشة الفضاء الخارجي0
وتسخير السموات جعل المنفعة بالليل والنهار، ونزول المطر، وحفظ الحياة بالغازات التي تتشكل منها السموات، وبما تسببه من ضغط يحفظ ضغط أجسامنا، ويحفظ دماءنا وقدرتنا على التنفس وغير ذلك من المنافع0


13- ارتباط السموات بالأرض في (179) موضعًا


بين تعالى في القرآن الكريم أن خلْق السموات وخلْق الأرض ارتبط أحدهما بالآخر؛ فمرة يقدم خلق السموات على خلق الأرض، ومرة يقدم خلق الأرض على خلق السموات، فهذا التقديم والتأخير هو بيان لهذا الارتباط الشديد بين خلق السموات وخلق الأرض، وأنه قد وقع في زمن واحد، ولم يقع في أزمان متباعدة، ولم يكن هناك انفصال في مراحل الخلق0
ويبن سبحانه وتعالى في سورة فصلت أنه لما استوى إلى السماء وهي دخان لإتمام خلقهن سبع سموات خاطب الأرض مع السماء: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت
فتبين لنا من ذلك أن سبب هذا الدخان هو الأرض، ولن تصفو السماء إلا إذا كانت هناك استجابة من الأرض، بوقف ما تبثه من الدخان في السماء في بداية خلقها،
وخلال خلقها، وما زال يحدث ذلك في الأرض في أكثر من خمسمائة بركان نشط موزعة في الأرض، ويشاهد بعضها الناس كل عام على شاشات التلفاز وهي تبث الغازات والأبخرة، والدخان، والرماد البركاني الذي يحجب الرؤية0
وكان الخطاب للأرض لتتمكن السموات العمل بأمر الله الذي أوحاه لكل واحدة منهن: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0
فهذا الارتباط بين السماء أو بين السموات والأرض قائم مؤثر في كل منهما، وأبينه الدخان الذي مصدره الأرض، وتأثيره في السموات، والذي دل على أن السموات شيء يرتبط بالأرض، وأن السموات ليست هي الكون بل هي والأرض جزء يسير منه0 </b></i>
__________________



14- عرض الأمانة على السموات


قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب0
انظر إلى هذه الآية الكريمة كيف أن الأمانة تعرض على السموات والأرض والجبال ولم تعرض على الشمس والقمر والنجوم 00 لماذا ؟0
وانظر إلى هذه الأمانة التي حملها الإنسان إنها هي عين الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال 00 فما مدى قدرة الإنسان في توصيل هذه الأمانة ؟
هل يستطيع الإنسان أن يوصل هذه الأمانة إلى كون لا حدود له، ولو ملك سرعة تفوق سرعة الضوء بمئات الأضعاف ؟0
إن السموات والأرض والجبال والإنسان في محيط واحد يستطيع الإنسان أن يصل إليها وأن يصل إليه ما فيها 00 كل هذه الأدلة تبين المدى المحدود للسموات المحيطة بالأرض فتدبرها0


15- فساد السموات


قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) الأنبياء0
وقال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) المؤمنون0
تبين الآية الأولى ما يقدر الإنسان على إداركه وهو أن السموات والأرض لا يصلح أمرهما إلا بإله واحد يدبر شأنهما، ولا يصلحان إلا بصلاحهما معًا لشدة الارتباط بينهما، ولو كان هناك أكثر من إله يتحكم فيهما لفسدتا0
أما الآية الثانية فتبين، بكل وضوح، أن يد الإنسان في الإفساد تلحق بالسموات والأرض إن أطلقت تبعًا لهوى الإنسان0
فتأثير الإنسان في السموات وفي الأرض بما أحدثه طلبًا للهوى من صناعات وطبائع أثرت في تربة الأرض، ومياهها، وبحارها، وطبقات السماء العليا؛ كطبقة الأوزون 00 لكننا على قناعة تامة أننا لا نؤثر في أقرب الأجرام إلينا كالقمر والمريخ 00 وحتى لو أجرينا عليها تفجيرات نووية فلن تؤثر هناك في شيء لأنها أجرام خالية من الحياة0 </b></i>
__________________

يتبــــــــــع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:34 PM
16- : هل خلقت السموات من العدم؟


بين الله تعالى أن الخلق في الأمثلة التي جاءت بالقرآن الكريم لم يكن من العدم؛ أي بدون مادة، بل كان من مادة، وإنما الصورة الجديدة التي وجدت للمادة هي التي كانت معدومة في المادة قبل الخلق، فأوجدها الله بعد أن لم تكن فيها، فالمادة هي من صنع الله تعالى، وهو الذي أوجدها سبحانه وتعالى ، ولكن عند القول بالخلق فيعني ذلك أن صورتها تغيرت إلى صورة جديدة لم تكن موجودة فيها من قبل، فالله تعالى خلق الإنسان من طين أي من ماء وتراب اختلطا معًا، فصورة الإنسان المخلوق من الطين غير صورة التراب وغير صورة الماء، وأصبح له خصائص وميزات لم تكن في الطين ولا من مكوناته، أي من الماء والتراب؛ قال تعالى:
: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) الطور0
: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) السجدة0
: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) المرسلات0
: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران0
: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) الروم0
: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات، أي خلق كل واحد منهم من طرفين هما الذكر والأنثى.
وقد سمى كل تغير للجنين من مراحل نموه خلقًا قال تعالى:
: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون.
لذا يجب أن نعي هذا الأمر جيدًا، وأن نعي مدلولات الألفاظ فلا نستخدمها إلا في الحدود التي وضعت من أجلها0
ولذلك فإن هذا التغيير في الصورة قد ينسب للإنسان، ولكن الإيجاد من العدم لا يصح أن ينسب لغير الله تعالى0
فقد قال تعالى عن عمل المشركين للأصنام، وتغيير مرأى الحجارة وصورتها إلى صورة أحياء:
: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا (17) العنكبوت0
: (أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) الأعراف0
وقوله تعالى في عمل عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير:
: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي (110) المائدة
وقوله تعالى: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ (49) آل عمران0
فقد نسب الخلق لعيسى عليه السلام ولكن بعد الإذن من الله، لأن هذا العمل من المحرمات لا يحل العمل به، وقد أذن الله لعيسى عليه السلام بذلك؛ ليصور من الطين كهيئة الطير لبيان معجزة من معجزات الله، وهذا خلق بحد ذاته قبل أن ينفخ فيه فيكون طيرًا من الأحياء، ولذلك جاء في اللغة خلِق: بمعنى بلي، فيقال ثوب خلِق، وقد أخلق أي أصابه البلى: أي تغيرت صورته من الصورة التي كان عليها0
ولا تعجب إن لم يذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه خلق النجوم، فهي على الإيجاد الأول لها، ولم تتغير بعد، وأنها من البعد الذي لا يمكننا من معرفتها على الحقيقة التي هي عليها، لأن النجوم نراها وهي مضيئة، فإذا بردت وانطفأت انعدمت رؤيتها0
فقد ذكر الله خلق الشمس والقمر: (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فصلت0
لأن التغيير الذي يحدث لهما أو كان فيهما مما يستطيع الإنسان التوصل إليه أو رصده0
وأنه تعالى خلق الليل والنهار: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء0
لأن التغير يحصل لكل منهما بتحوله إلى الآخر كل يوم وليلة0
وأنه تعالى خلق الإنس والجن:
: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات0
: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) ص0
وأنه تعالى خلق الدواب: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور0
وأنه تعالى خلق النبات: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) يس0
وأنه تعالى خلق الملائكة: (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) الصافات0
وأنه تعالى خلق الموت والحياة لما يكون من تغيير أحدهما ليكون الآخر: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك.
وتغيير الأرض وعمارتها بالبناء: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) الفجر0
وقال تعالى على سبيل العموم ولم يخص النجوم بأنها مما خلق فهل تدخل في عموم قوله تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) الأنعام ؟0



17- تقديم السموات على الأرض والأرض على السموات


تقدمت الأرض على السموات في بضع آيات فقط قال تعالى:
: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) فاطر0
: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر0
: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) إبراهيم0


: (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) طه0
في آية فاطر قدمت الأرض لأن الناس هم أكثر معرفة بها ولأنهم مشركون فهم أكثر تمسكًا بها لأن ما في السموات متعلق في الأرض ويتأثر بها0
أما في آيتي الزمر وإبراهيم فقد تعلق الأمر بأحداث يوم القيامة، والأرض هي التي يحدث فيها التأثيرات الكبرى من حمل الأرض والجبال ودكها، وما يحدث للجبال من نسفها وتحولها إلى هباء منثور في السموات، وكذلك تفجر البحار لتصبح جزءًا من السماء، وما يحصل لكل حي عليها، ويتبع أثر كل ذلك على السموات0
أما آية طه فإن خلق السموات بدأ مع خلق الأرض، وظهرت السموات قبل الأرض، فقدمت السموات على الأرض دون تحديد؛ أي السموات أولاً، فلما تم التحديد في هذه الآية على وجه الخصوص قدمت الأرض لأن الانتهاء من خلقها تم في اليوم الرابع من أيام الخلق الأولى، وفي آخر يومين كان إتمام خلق السموات وتسويتها حتى تمت سبع سموات 00 من هذا يتبين لنا لماذا قدمت الأرض وأخرت السموات العلى في سورة طه بما يوافق ما بينته سورة فصلت0
وفي هذا ما يظهر شدة القرب والارتباط والتعلق بين السموات والأرض0


18- مادة السماء التي خلقت منها
بما أن الله تعالى خلق السموات، وقلنا إن الخلق لا يكون إلا من شيء، فللسماء مادة خلقت منها 00 فمادة الأرض هي التراب والصخور المكونة منهما، ومادة البحر الماء 00 فما هي مادة السماء ؟ مادة السماء هي الغازات والأبخرة التي تتكون منها، وهي اليوم لدينا معلومة معروفة، فهي تتكون من النيتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، ونسب ضئيلة جدًا من غازات أخرى، ولأن الغازات شفافة، ومادتها خفيفة قليلة الكثافة تكاد من شدة شفافيتها لا ترى لولا ظهور زرقتها الناتجة من تشتيتها للضوء فيها، وظهور السحب فيها الدالة عليها0
كما وأننا نكاد لا نرى بعض الزجاج غير الملون لشدة شفافيته، وقس على ذلك كمية قليلة من الماء أو بعض السوائل، فكذلك المادة التي تتكون منها السماء0
فالسماء لها مادة، وهي شفافة، تدل عليها زرقة السماء، ونحس بها في حركة السحاب، وحركة الرياح وتحريكها للأشياء، وليست السماء فراغًا لا شيء، فمتى وصلنا إلى فراغ في الفضاء بلا غاز يؤثر فينا إيجابًا أو سلبًا، فمعنى ذلك أننا قد تعدينا السماء، ولم نعد فيها0



19- السموات ليست أجرامًا صلبة ولا مجموعة أجرام



السموات بطبيعتها الغازية لا توصف بأنها جرم من الأجرام، ولا هي مجموعة الأجرام في الكون، بل هي غازات مرتبطة بالأرض مشكلة غلافًا يحيط بها، وطرفها البعيد الذي تنتهي فيه ليس ببعيد عن وجه الأرض 00 وكل مسألة نصل إليها، ونعرضها تزيد حقيقة السموات جلاء ووضوحًا 00 ولن ندع شيئًا يجلي هذه الحقيقة أو يزيل غموض فهم السموات أو يشوش فهم السموات في آيات القرآن، أو الأحاديث النبوية، إلا سنتطرق إليه إن شاء الله تعالى، حتى لا يبقى في النفوس فهم خاطئ لها، يظن أصحابه أنه يعارض هذه الحقيقة للسموات كما صورها القرآن الكريم0


20- لون السماء


السماء خليط من مجموعة من الغازات الشديدة الشفافية بحيث لا تحجب من الضوء الذي يمر منها إلا النـزر اليسير، وهي تحجب من أشعة الشمس الضارة منها التي لا ترى بالعين المجردة، والتي تمكن الإنسان من معرفتها بعد التقدم العلمي في العصر الحديث0
ومن الأشعة التي تأتي مباشرة من الشمس ما يتشتت في جو السماء، أو مما ينعكس عن وجه الأرض، فيظهر هذا التشتت في السماء بلون أزرق0
ولا يصل هذا التشتت للضوء إلى مستوى الرؤية حتى يكون في سماكة كبيرة من السماء على خلفية سوداء للفضاء 00 فما بيننا وبين الجبال من السماء لا نرى له زرقة، وما بيننا وبين السحب من السماء لا نرى له زرقة 00 والخط الذي بيننا وبين الشمس في النهار، أو القمر في الليل لا نرى فيه زرقة0
لقد تصور السابقون أن السماء جسم صلب يسد الأفق حول الأرض 00 بل إن رؤية النجوم في بعض الحضارات هي رؤية للنار خلف فتحات وشقوق في جسم السماء 00 أين هذا من تصوير القرآن للسماء؟! لم يأت العلم إلا مبينًا دقة الوصف القرآني وصدقه كما يبينه هذا الكتاب بكل أبوابه0


21- تسمية السماء بالغلاف الغازي وبالغلاف الجوي


السماء اسم وضعه العرب، وعرف بينهم قبل نزول القرآن الكريم، وهو من صميم لغتهم، ولم يعرفوا للسماء اسمًا آخر يغلب على اسمها، وقد سموا ما يأتي منها كالمطر بالسماء كقول شاعرهم:
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابًا
وجعلوا ما واجه السماء بالسماء وما واجه الأرض بالأرض فوصفوا ظهر الدابة بالسماء وبطنها بالأرض0
وقد بينا أن سبب تسمية السماء بهذا الاسم لديمومة رؤيتها في كل مكان من الأرض، وديمومة ارتفاعها كذلك0
وبعد النهضة العلمية الواسعة في كل المجالات في العصور الأخيرة تبين أن السماء تتكون من مجموعة من الغازات، ولفظ غاز هو لفظ أجنبي غير عربي للمادة في حالة البخار؛ أي بعد تبخر المادة وتحولها من الحالة السائلة أو الصلبة إلى الغازية 00 أخذت السماء وصفًا لها بالغلاف الغازي ، ووصفها بالغازي وصف لحالة المادة التي تتكون منها، ووصفها بالغلاف لإحاطتها للأرض وتغليفها لها من جميع جهاتها 00 فغلب هذا الوصف في الوسط العلمي على اسم السماء حتى أصبح التعامل مع السماء التي هي اسمها الأصلي على أنها الغلاف الغازي، وأن لفظ السماء أشمل من ذلك؛ أي يشمل الكون بما فيه من نجوم وكواكب وشمس وقمر، والغلاف الغازي للأرض الذي كان لا يسمى إلا بالسماء0
وكذلك سميت السماء بالغلاف الجوي عند الحديث عن التقلبات التي تحدث فيه0
وإخراج الاسم عن مضمونه وصرفه إلى غير واقعه يزل بالأقدام، والعقول، والأقلام، فيُتكلم في كتاب الله بما لا يصح ولا ينبغي -أعاذنا الله تعالى من ذلك- فيجب الحذر من جعل السماء والغلاف الغازي شيئين مختلفين، وأنهما ليسا شيئًا واحدًا يتصف بصفتين أو أن له اسمين 00 فننكر لأجل ذلك أن السماء هي عين الغلاف الغازي المحيط بالأرض0


22- فطر الله تعالى للسموات
ذكر فطر السموات في عدة آيات منها؛ قال تعالى:
(قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر0
(قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) الأنبياء0
(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام0
بين تعالى أنه فاطر السموات في آيات عديدة؛ أي خالقهن، كما هو في التفاسير، ولكن فطر السموات له خصوصية فوق معنى الخلق؛ ففطر الشيء جعله ينفتح وينشق، ويمتد إلى الخارج، فقد كانت قدما رسول الله صلى الله عليه السلام تتفطر من طول القيام في الليل والضغط عليهما، والفطور هو الطعام الذي يفتح له المرء فمه في الصباح بعد طول إغلاق في الليل أو بعد طول صيام في النهار0
قال تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) الأنعام0
وقد فطر الله سبحانه وتعالى السموات والأرض، فجعلهما تنفتحان أمام ما يدخل فيهما، ويغلقان عليه، فلا يبقى الطريق مفتوحًا بعد دخول الشيء فيهما، ولولا هذه الحالة التي عليها السموات والأرض ما استطاع الإنسان الحركة على الأرض، ولا الانتفاع بهما، ولما طار طير في السماء0
وقد قال تعالى في خلق السموات والأرض: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد
وفطور السموات لا يطول ولا يثبت لطبيعة مادة السموات الغازية وإطباق بعضها على بعض قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) الملك0
أما يوم القيامة فهي واهية ضعيفة يزيد امتدادها في الفضاء ما يسمح للداخل إليها من الداخل والخارج بسهولة0
قال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) الانفطار0
وقال تعالى: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) المزمل0
ولطبيعتها الغازية فهي في محاولة دائمة للتفلت لولا قبض الأرض لها بقوة جاذبيتها، ويزيد هذا التفلت قوة إذا كانت هناك معصية لله، وإشراك به؛ لأنه تعالى لم يخلق السموات والأرض إلا ليعبد الإنس والجن الله فيهما0
قال تعالى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) مريم0
وقال تعالى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) الشورى0



يتبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:35 PM
23- لا حياة دون سموات


السموات مصدر تنفس الإنسان، ومصدر الضغط الذي يحفظ دم الإنسان في عروقه، وهي الحافظ له من شدة الحر ومن شدة البرد، وهي الحافظ له من الشهب والنيازك والأشعة الضارة، وهي محل حركة الإنسان والحيوان والطير والنبات، ونموها جميعًا، وهي مصدر الماء الذي لا حياة بدونه0
انظر إلى قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) غافر0
الملائكة حاملو العرش يستغفرون للمؤمنين خاصة، بأن يرحمهم الله، ويغفر لهم، ويقيهم عذاب الجحيم يوم القيامة، فهذا استغفار من الملائكة للذين آمنوا يوم القيامة، أو في الحياة الدنيا 00 فإن كان الاستغفار في الحياة الدنيا فإن العرش وحملته في مكان بعيد خارج السموات لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ولم يأت ذكر للسموات في هذه الآية0
وانظر إلى قوله تعالى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) الشورى0
الملائكة في هذه الآية التي ذكر فيها تفطر السموات تستغفر لمن في الأرض بغير تحديد؛ لأن السموات إذا تفطرت انعدمت الحياة، ووقع الهلاك على جميع الناس؛ مؤمنهم وكافرهم بلا استثناء، فكان الاستغفار لأهل الأرض جميعًا0
ودلالة هذه الآية على شدة قرب السموات من الأرض، وأثرهن في صلاح الحياة عليها، وأنه لا حياة في الأرض بدون سموات، وليس بدون سماء واحدة0


24- فتق الله للسموات


قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) الأنبياء0
لم يجهل العرب لغتهم، ولم يجهلوا معنى الرتق بأنه شدة الالتصاق، وأن الفتق هو النفش في جميع مشتقات الجذر؛ فمنه الفتاق اسم للخميرة التي تنفش العجين، ولليف الذي يستخدم في الاستحمام لانتفاشه، والفتق الذي يصيب الإنسان فيضعف الجلد وينتفش باندفاع شيء من الباطن إلى الخارج فيه، أو في الصفاق، وفتق الصوف والقطن هو نفشهما 00 كل ذلك لم يجدوا له رابطًا لفهم الآية لغياب كثير من معلومات عصرنا عنهم، فلا كروية للأرض، ولا جاذبية، ولا تصور لها بأنها سابحة في الفضاء، ولا معرفة بتمدد الأجرام، ولا انفجارها إذا عظم هذا التمدد0
فماذا لو كانت غازات السماء مسيَّلة في أحوال كانت سابقة للأرض بسبب قوة جاذبية الأرض، وانخفاض الحرارة، ثم تبخرت بعد ذلك، وأصبحت غازًا ؟0 فكل سم3 من الماء يتحول إلى 800سم3 من البخار، وقس على ذلك التحول الكبير الذي يحدث في بقية الغازات المكونة للسموات 00 أليس هذا هو عين الفتق للسموات ؟0
الحديث عن فتق السموات له مقدمات عديدة ليس هذا الكتاب محل الحديث عنها 00 لكن الآية تشير إلى شدة الارتباط والاتصال بين السموات والأرض، فقد كانتا رتقًا واحدًا وليس رتقين اثنين، وأن السموات كلها مع الأرض كانت رتقًا، وليس سماء واحدة0
أما الفتق فكان لكل واحدة منهما، فتميزت السموات عن الأرض بطبيعتها الغازية أو البخارية التي خالفت فيها طبيعة الأرض الصخرية أو الترابية مع اختلاط الماء معها أو عليها0
في التفسير جاء فهم الفتق على أن الأرض لم تكن تنبت ففتقت بالنبات، وأن السماء لم تكن تمطر ففتقت بالمطر منسوبًا إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا التفسير له جانب من المعنى اللغوي، وشيء منه، فلو بقيت الأرض صلبة كالصخر لما استطاع النبات أن ينبت، ويمد جذوره فيها، ولو بقيت السماء رتقًا مع الأرض لما تبخر الماء فيها، ولما أمطرت السماء، فكلما زاد ضغط الهواء انخفضت درجة الإشباع فيها0
الفتق والرتق له مع غيره حديث طويل أوسع بكثير مما ذكر، ولكن محله ليس في هذا الكتاب الذي أردنا فيه بيان حقيقة السموات، وتحديدها لا الحديث عن كيفية خلقها 00 ونسأله تعالى أن يعيننا على إخراج كتاب ثان يعقب هذا الكتاب، في كيفية خلق السموات والأرض كما صورها القرآن الكريم 0


25- توسيع الله سبحانه وتعالى للسماء



قال تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات0
السموات واسعة ولكن ليست كل شيء، قال تعالى:
: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) البقرة0
وقال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة0
فما مفهوم سعة السماء ؟0
سعة الشيء هو مقدار ما يحتمله الشيء ويوضع فيه أو عليه وما زاد على ذلك خرج عنه، فسعة الكوب مقدار ما يحتمله من الماء أو الشراب، وسعة الغرفة مقدار ما تحتمله من الداخلين فيها للجلوس أو النوم أو الوقوف حسب ما جعلت لأجله 00 فلكل شيء سعة وحدود ينتهي عندها 000 وما بين الأشياء من تباعد لا يعد سعة؛ لأن هذه الأشياء وإن كثرت، لا تحصر ما بينها إلا إذا اتصل بعضها ببعض 0
والحالة التي عليها الكون أنه يتكون من عدد يصعب تحديده من الأجرام بكل مسمياتها، في حالة تباعد بعضها عن بعض وهي سائرة في تباعد أشد، دل عليه انحراف طيف الضوء إلى الأحمر 00 وهذا التباعد لا يسمى سعة؛ لأنه يفقد شروطه، وهو باق على تباعده0
فاتساع السماء محدود، وهو متعلق بما نطلق عليه بالغلاف الغازي 00 وأي تغيير في حجم الأرض وقوة جاذبيتها سيؤثر في سعتها، وهي في الحقيقة تتسع، وإن كانت سعتها قليلة قياسًا على ضخامة أحجام ما في الكون من شموس وأجرام، فإن سعتها ستكون كبيرة مع أحداث يوم القيامة، وسيضعفها ذلك، ويجعلها واهية ومنفطرة ومنشقة ومفتحة الأبواب على الأوصاف التي وصفت بها السماء يوم القيامة0
وإنزال مفهوم آية الذاريات على تباعد الكون وجعله اتساعًا فيها لا يجاري ولا يماشي دقة اختيار ألفاظ القرآن، ومراعاة لأصل اشتقاقها، ناهيك عن أن السماء والسموات مع الأرض هي جزء من الكون وليسا الكون كله0
ولكن يمكن النظر إلى ما حدث أو يحدث للأرض والسموات، فنقيس عليه، ونسترشد به لفهم ما في الكون، لا على أنه هو المقصود، والله تعالى أعلم 0



26- بناء السموات


من الآيات التي أشارت إلى أن السماء والسموات هي بناء قائم؛
قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) البقرة0
: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) غافر0
: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) ق
: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات0
: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) النبأ0
: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) النازعات0
: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) الشمس0
لا يكون الشيء بناء حتى تكون له قاعدة يستند عليها، وأن يركب بعضه بعضًا فيكون له امتداد إلى أعلى، ويشد بعضه بعضًا0
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) الصف0
: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) الزمر0
فكيف نفهم من ذلك بناء السماء ؟0
السماء تلازم الأرض، وليس هناك شيء فاصل بينها وبين الأرض؛ فهي مرتكزة على الأرض، وضاغطة عليها بما يسمى بالضغط الجوي الذي يزداد قوة كلما زاد عمود الهواء على المكان 0000 وقد دل الضغط على أن أجزاء السماء يركب بعضها على بعض، ويؤثر فيه، ويضغطه باتجاه الأرض 00 فدل هذا على ارتكاز أعلاه واعتماده على أسفله، فبذلك تكون السماء على هذا الحال بناء، ويكون لها ارتفاع مقدر0
وثانيًا أن هدف البناء هو الحماية والإيواء، والسموات تحقق لنا ذلك؛ فهي حامية وحافظة لأنفسنا وما كان سببًا في استمرار حياتنا مما خلق الله من حيوان ونبات0


27- السماء سقف محفوظ


السقف لا يكون إلا على بناء، والسقف لا يكون معلقًا في الفضاء بدون أعمدة وركائز يعتمد عليها، وقد بينت آية الزخرف التالية أن السقوف كانت للبيوت المبنية؛
قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) الزخرف0
وبينت آية النحل التالية أنه لما ذهب البناء خر السقف ولم يثبت مكانه؛
قال تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) النحل0
وبينت آية الطور أن السقف الذي أقسم به الله سبحانه مرفوع، والرفع زيادة في الشيء المرفوع تبقيه على اتصاله بما تحته، كما سيأتي الحديث عنه لاحقًا0
قال تعالى مقسمًا بالسماء: (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) الطور0


أما آية الأنبياء فقد جعلت السماء هي السقف نفسه، ولما كان السقف يحتاج إلى بناء يقوم عليه والبناء بحاجة إلى السقف كانت السماء هي البناء كما بينته آيات أخرى وهي السقف أيضًا في آن واحد فالسقف جزء من البناء يمكننا من المرور تحته والسكنى تحته كذلك السماء، فنحن نتحرك فيها وهي محيطة بنا، فهي لنا البناء، وهي لنا السقف، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)

الأنبياء0
وقد وصفت السماء في هذه الآية بأنها محفوظة، وليست حافظة، فهو تنبيه آخر يبينه الله لنا أن السماء كونها بناء، وكونها سقفًا كان بفعل قوة جاذبية الأرض التي أمسكت هذه الغازات، ومنعتها من التفلت والانتشار، فتجمعت فوق الأرض، فكانت بناء، وكانت سقفًا، وحفظت أيضًا بمجال الأرض المغناطيسي الذي يصد عنها الجسيمات والأشعة الضارة، وبحفظها بهاتين حفظت أجسامنا وما فيه حياتنا، وحمتنا مما يضرب الأرض من شهب وغيرها، فسبحان الله العليم الحكيم !0
وأكثر أجزاء السماء حفظًا لنا مما يأتينا من فوقنا هي الأجزاء العليا من السماء فكانت هي السقف لما تحتها0

28- سمك السماء

قال تعالى عن السماء: (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) النازعات0
سمك السماء هو ما بين حديها، ورفع سمكها يكون بزيادة فيها من نفس مكوناتها، أو تغيير حالها بفتقها وانتفاشها، فيقل ضغطها، ويزداد حجمها، ويرتفع بذلك أعلاها0
والسمْك: سقف البيت وهو من أعلاه إلى أسفله وقامة كل شيء، والسامك: العالي المرتفع0
والسمَك: الحوت وفي صفته أنه يستطيع الحركة فيتفلت في داخل الماء من أعلاه إلى أسفله0
ورفع سمك السماء هو زيادة اتساعها بزيادة مادتها، وفتقها، فيصبح أعلاها أكثر ارتفاعًا من قبل، فتسهل الحركة فيها، فهذا من تسوية الله الخالق للسماء، وإتمامه بهذا الرفع لأعلاها0
وأرشدت هذه الآية كما أرشد غيرها من الآيات التي ذكرت فيها السماء إلى أن السماء مادة متماسكة متصلة، فلا تباعد بين أجزائها ولا مكوناتها0
ورفع سمك السماء هو عين الفتق، وعين توسع السماء، فكل آية في وصف السماء تسلط على جانب من الجوانب الدالة على حقيقة السموات بما في هذا الوصف من خصائص يتميز بها0


29- رفع السماء

الرفع: زيادة تعطى للشيء، أو تحصل فيه، فتعلو بها ذاته كرفع قواعد الكعبة بزيادة البناء عليها، والقواعد في محلها في قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة0
أو يعلو بها قدره ومنـزلته على غيره من الناس كما في:
قوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) الزخرف0
وكقوله تعالى في رفع بعض الأنبياء على بعض: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (253) البقرة0
وكقوله تعالى: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) مريم0
وكقوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) الشرح0
والشيء المرفوع لا بد له من شيء يرفعه من جنسه، كما في حجارة البناء، أو بخاصية يتفضل بها على غيره من مال أو علم أو كرامة من الله، أو بقدرة من الله كرفع الطور فوق الوجهاء الذين اختارهم موسى عليه السلام من بني إسرائيل، وطلبوا رؤية الله عز وجل؛
قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) البقرة0
وقد بين تعالى رفعه للسماء في عدد من الآيات 00في مجال الاعتبار والتفكر في رفع الله للسماء، وهذا يدل على أنها لم تكن مرفوعة في أول أمرها وبداية خلقها، كما في قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) الغاشية0
وفي مجال إتمامها وإكمالها بتسويتها كما في قوله تعالى: (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) النازعات0
وفي مجال بيان وضع السماء على حال تصلح للميزان كما في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) الرحمن0
فعمل الميزان يتأثر بالضغط الجوي للسموات، فكلما زاد الضغط الجوي على الأشياء تسلسل خروج الأشياء عن الوزن لتغير حالها مع وزن الهواء، فإذا نقصت كثافتها عن كثافة الهواء طفت وارتفعت في الهواء، كما يحصل للمناطيد وكما هو الحال في الماء الذي يمتنع فيه وزن ما يطفو عليه كالفواكه والخشب ويتعطل معها عمل الميزان0
وفي مجال كيفية ارتفاع السماء كما جاء في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد0
يحتمل فهم رفع السماء بغير عمد بالصيغة التي جاءت في الآية أن السماء رفعت بغير عمد، أو أن السماء رفعت بعمد لا ترى 00 أي أن هاء الضمير في ترونها إما تعود إلى السموات أو تعود إلى الأعمدة 00ووضع المعنى في صيغ لتحتمل أكثر من معنى، وهذا من أساليب القرآن الكريم التي تميز بها كتاب الله0
والمعنيان مقصودان، وبهما يفهم رفع السماء 00 ذلك أن السماء رفعت، ولا بد من شيء يرفعها، ويبقيها على اتصال بالقواعد التي بنيت عليها وهي الأرض، فكانت أعمدتها من نفسها، ونفس السماء مكون من غاز لا يرى فكذلك أعمدتها لا ترى0
وثانيًا أن الأعمدة التي رفعت السماء لا تباعد بينها، وهي في حال اتصال والتصاق بينها كقطعة واحدة مشكلة طبقات يرفع بعضها بعضًا كما ترفع طبقات البناء بعضها بعضًا 00 ولو تباعدت الأعمدة عن بعضها لأمكن التفريق بينها وتمييزها0
فعلى هذا تكون السماء قد رفعت بعمد، ولكن رفعها بحالة غير رفع العمد للخباء أو سقوف الأبنية، فهي قد رفعت نفسها بنفسها، فكانت كل سماء عمدًا لما فوقها من السموات0
وهناك أكثر من رفع للسماء لا صورة للعمد فيها؛ بزيادة مادتها بما يعرج فيها مما يخرج من الأرض من غازات وأبخرة البراكين وغيرها فيرفع سمكها0
ورفعٌ بسبب تغير قوة قبض الأرض على السماء بجاذبيتها، فتتحلل السماء من بعض هذه القبضة، فيعلو حدها الأعلى، ويرتفع سمكها، وتصبح أكثر فتقًا0
كل ذلك مما يحتمله نص الآية والله تعالى أعلم0

يتــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:36 PM
30- ظلال من في السموات


الظلال: جمع الظل، وهو الظلمة الخفيفة من بقية ظلام الليل التي تستمر على يسار الأشياء القائمة الثابتة إلى الظهيرة، والتي لا يضربها ضوء الشمس بعد طلوعها0
ولهذا السبب سمي الظل بالظل لاستمراره بعد طلوع الشمس، ولا يسمى بعد الظهر بالظل، بل يسمى بالفيء؛ لأنه يفيء أي يعود إلى المواضع التي ضربتها الشمس في أول النهار0
أما ظل الإنسان فهو دائم ومستمر معه في النهار غير مرتبط بأول النهار أو آخره لصريح قوله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15) الرعد0
فهو ظل في أول النهار، وظل في آخر النهار، وذلك لأن الإنسان متحرك لا يثبت في مكان إلا لحاجة أو سبب0
والظل مرتبط بالشمس ارتباطًا لا انفكاك منه، وهي الدليل عليه، وسبب هذا الظل هو دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس، فيحدث من ذلك الحركة الظاهرية للشمس، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) الفرقان0
وآية الرعد بينت أن موضع الساجدين هو السموات والأرض، حيث يكون لهم فيهما ظلال في الغدو والآصال، فدل هذا البيان على أن السموات والأرض يحدث فيهما ظل النهار 00 ومن المعلوم علميًا الآن أن الشمس ترى عند أطراف حدود المجموعة الشمسية كأي نجم آخر، ليس لها هذا الضوء الذي نراه، ولا الظل الذي نشاهده 00 وهذه الآية كأخواتها اللواتي يتحدد بهن مفهوم السموات0
وأمر آخر قبل الانتقال من الحديث عن شهادة هذه الآية في بيان حقيقة السموات نتساءل عن المقصود بظلالهم 00 ظل كل إنسان هو الذي يتبعه أينما ذهب تحت ضوء الشمس 00 أهو المقصود في الآية ؟ أم غيره ؟ أم هو مع غيره ؟0
منطوق الآية يقول أن الظل المعروف هو المقصود0
ولما كان الظل تابعًا فمن المعقول المقبول أن يراد بالظل كل تابع يتبع غيره فيكون معه أيضًا في السجود، لأن السادة والعبيد والرئيس والمرؤوس وكل شيء يخضع لله، ويسجد له، فلا يخرج عن أحكام الله وسننه التي وضعها في الكون0
فعلى هذا الاتساع في المعنى يكون كل حاكم ومحكوم، وآمر ومأمور، لا يمتنع من السجود لله ولو في سنن الله في الكون دون شرعه0 </b></i>
__________________





31- حبة خردل في السموات
قال تعالى في وصية لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان
الخردل نبات أرضي معروف، وله حب صغير 00والله سبحانه وتعالى لا يضيع عنده ولا يغيب عنه مثقال حبة من خردل، ولو كانت هذه الحبة، على صغرها، في بطن صخرة قد أغلقت عليها منذ زمن بعيد، قبل أن تتحول إلى صخرة صلدة، أو كانت في داخل الأرض على اتساعها، أو في السموات على ارتفاعها واتساعها، يعلمها سبحانه وتعالى ، ويأتي بها0
والأماكن التي يحتمل وجود حبة الخردل فيها هي إما في صخرة من الصخور، وكثير من الصخور هي رسوبية قد احتوت على بذور نباتات عديدة، وإما في الأرض، فتكون حبة الخردل على وجهها، أو بين ترابها، وإما في السموات، قد رفعتها فيها رياح أو زوابع أو أعاصير0
ولا يشطط بنا الخيال في حبة الخردل التي هي من نبات حي من نباتات الأرض، الذي لا يوجد إلا على الأرض لنجعلها في القمر أو المريخ 00 السموات هي السموات التي ارتبطت بالأرض لا بغيرها، وطوقتها من كل الجهات فأطبقت عليها بشدة، وهذه الآية هي إحدى شواهد القرآن التي تبين حقيقة السموات0



32- يخرج الخبء في السموات والأرض



وهذه شهادة أخرى من الشهادات جاءت في قوله تعالى من سورة النمل:
(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) النمل0
الخبء: المستور، وإخراج الخبء في السموات غير إخراجه من السموات؛ لأن إخراجه من السموات يعنى جعله في غيرها، أما إخراجه فيها فهو إظهار له فيها بعد ستره، فهذه شهادة أخرى من القرآن على شدة التقارب بين السموات والأرض من طير يتنقل بينهما، ويبحث عن الخبايا فيهما0
كيف يخرج الخبء في السموات، والسموات شديدة الشفافية لا تخفي في باطنها شيئًا ؟!0
الجواب على ذلك كان فيما وصل إليه العلم، وتقدم فيه من يوم اكتشاف المناظير والمجاهر، فصنع الإنسان مجاهر عظيمة التكبير، أظهرت ما خفي في الأرض والسموات من مخلوقات في منتهى الصغر من أنواع البكتيريا والفيروسات، التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولا حتى في مجاهر ضعيفة القدرة في التكبير 00 وهذا الخبء بأنواعه كان مستورًا زمنًا طويلاً حتى أتاح الله من العلوم ما يكشف عنه مصداقًا وبيانًا لما في هذه الآية، ولأمور كثيرة في آيات الكتاب العزيز0
ومثل ما في السموات من خبء يصل أعداده بالآلاف المؤلفة في م3 ؟ أو حتى في سم3، ودون ذلك بكثير يوجد أيضًا مثله في الأرض، ولكن الأرض تستطيع أن تستر في طياتها مثل ما في السموات من الخبء، وأكبر من ذلك، مما لا يرى لطبيعة الأرض المكونة من المواد الصلبة غير الشفافة القادرة على ستر وإخفاء ما تحتها وما بينها0
أما إخراج هذا الشيء في السموات فيكون له تأثيره في الإنسان والكائنات الحية، فيسبب الأمراض التي كانت لا يعرف سببها من قبل، أو التي لم تكن معروفة، ولم يصابوا بها من قبل0 </b></i>
__________________



33- أسباب السموات


قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) غافر0
الأسباب: جمع سبب، وهو ما يصل بك إلى الشيء، وبلوغه من حبال أو طرق ومسالك وغير ذلك0
لم يكن في طلب فرعون من هامان أن يبني له صرحًا ليبلغ الطرق التي توصله إلى السموات بالجمع لا الإفراد إلا سخف تصور فرعون لله عز وجل، كأنه سبحانه وتعالى في مكان يحصره، ويريد فرعون أن يصل إليه 00 فلو كان الأمر كذلك فكيف وصل إليه موسى عليه السلام وهو لا يملك الوسائل التي يملكها فرعون في زمانه ؟ وكيف علم بوجوده ؟0
يقر فرعون في قوله بأن السماء سموات، كما أقرت العرب في آيات عديدة دون تحديد عددها أن الذي خلق السموات هو الله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) العنكبوت0
فكيف لهم معرفة أن السماء سموات ؟0
لعل في جواب فرعون الإجابة 00 فقوله أسباب السموات أي أنه يرى فيها اختلاف طرق السحب، منها ما علا، ومنها ما انخفض، ومنها ما اشتد علوه، وتنوعها بين البيضاء الخفيفة، وبين السوداء الماطرة، واختلاف اتجاهاتها، واختلافها في السرعة، فيمر بعضها فوق بعض0
ويرى الإنسان كذلك الاختلاف بين سماء باردة فوق الجبال، وسماء حارة فوق المنخفضات، واختلاف المطر النازل منهما، فيقدر من ذلك بأن السماء هي عدة سموات0
وقد يكون ذلك من فرعون اتباعًا لرد موسى سبحانه وتعالى على سؤاله وإقرارًا منه: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) الشعراء0



34- لمس السماء


اللمس: طلب الشيء، أو طلب ما فيه، كان في ذلك اتصال واحتكاك بالشيء أو لم يكن، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) الحديد 00 التمسوا نورًا أي اطلبوا نورًا آخر غير نور المؤمنين والمؤمنات0 00 ومن ذلك:
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا (43) النساء0
وكذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا (6) المائدة0
فلامستم النساء التي جاءت في الآيتين كناية عن الجماع الذي فيه طلب تحقيق الشهوة عندهن، وهو من الألفاظ التي يعلمنا الله تعالى فيها أدب القول بالكناية عما لا يحسن التصريح به، وفعل لامس من أفعال المشاركة الذي يكون فيه طرفان يشتركان بنفس الفعل على السواء في أكثر هذه الأفعال، وقد يأتي هذا الفعل لرغبة عند طرف واحد دون الآخر، وفي ذلك ما يعلل سبب القراءة الأخرى للآية (أو لمستم النساء)0
ومن فسر الملامسة وهي إصابة الجلد والاحتكاك به بالمصافحة، أو لأي سبب آخر، فإن كان الأمر كذلك فهل حكم الطهارة من الجنابة هو نفس حكم الطهارة من الجماع؟00 الجنابة تكون من الجماع ومن الاحتلام والأخيرة في السفر هي الأقرب 0 وقد يحتمل الأمر الاثنين معًا وإن كان الأمر الأول هو الأكثر وضوحًا ويتماشى مع المعنى الجذري للمس0
قال تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) الجن0
لمس السماء هو طلب ما فيها من الأخبار، وقد كانت الجن تسترق السمع لتسمع ما قدِمت به الملائكة من الله لتبلغه الملائكة الموكلين بالناس وبالأرض وما عليها 00 وقد كان ذلك قبل نزول الوحي بالقرآن0
والسماء ليست جسمًا صلبًا فيكون لمسها، أي طلب معرفتها، بوضع اليد عليها، وليست السماء سائلا فتوضع اليد فيها طلبًا لمعرفة ما هي عليه أو معرفة ما فيها 00 ولكنها غاز أو بخار انعدمت رؤيته لشدة شفافيته، ولا يرى حتى يتحول عن حالته الغازية إلى السائلة أو الصلبة0
والسماء هي على الحال التي هي عليها من يوم أن خلقها الله سبحانه وتعالى وسواها سبع سموات0
وهذه الآية تفهم وتفسر على ضوء باقي الآيات التي كشفت عن حقيقة السموات بالجمع والإفراد0
وقد ورد موضع خامس وأخير من مادة "لمس" فيه إعجاز يحسن الوقوف عليه في قوله تعالى:
(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) الأنعام0
لو نزل تعالى كتابًا مقروءًا معجزًا للبشر على النبي صلى الله عليه السلام لما أنزله مكتوبًا على الأشياء التي لم يعرف العرب غيرها من ألواح العظام والحجر وسعف النخل والجلد، وهو تعالى يعلم أن البشر سيصنعون الورق، وسيجيدون صناعته، وسيكتبون كتبهم بوسائل عديدة وأجهزة يطورونها جيلاً بعد جيل؛ لحفظ كتاباتهم، حتى يصلوا من التطور إلى كتابة الكتب، وخزنها بكميات لم يخطر على بال أحد من قبل بالأجهزة التي تسمى بالكمبيوتر على مساحة لم تكن تتسع لكتابة الفاتحة في زمن نزول القرآن0
وقد وصف تعالى إنزال هذا الكتاب البديل في قرطاس، والقرطاس هو ما يوضع فيه جزء من بعض الشيء المبيع، ففي القرطاس يوضع كمية صغيرة تؤخذ من وعاء أو كيس كبير للسكر أو الرز أو العدس أو أي حبوب أو مواد أخرى لا يستطيع المشتري أن يشتري كامل الكيس أو ما في الصندوق 00 ففي القراطيس ينقص مقادير ضئيلة من الشيء المبيع ليسهل على المشتري ويمكنه من شرائها حسب مقدرته 00 ويحتفظ البائع بالباقي لمن يأتي بعده للشراء0
وبفهم سبب استعمال القرطاس وتسميته، نستطيع فهم الكتاب عندما يكون في قرطاس، فبعضه يعرض للاطلاع عليه، ويحفظ بالباقي لحين الطلب والاستعمال0
لكن كيف يطلب ما في الكتاب الذي في القرطاس ؟0
يطلب ما في الكتاب الموضوع في القرطاس باللمس باليد كما بينته الآية 00 وهذه الصورة أو الطريقة هي طريقة استخدام الحاسوب أو الكمبيوتر، وطلب كل ما وضع فيه من معلومات يكون عن طريق لوحة المفاتيح، واليوم تطور الأمر بالاستغناء عن لوحة المفاتيح البارزة بمفاتيح تستعمل عن طريق اللمس فقط 00 هكذا سيكون التعامل مع هذا الكتاب0
فماذا لو رأى العرب في زمن النبي صلى الله عليه السلام (كمبيوتر)، ورأوا خروج الكتابات والصور وتبدلها ؟ 00 لذهلوا مما يرون، ولقالوا كما بينته الآية: (لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) لأن الأمر فوق قدرتهم على تعليل ما يرون في ذلك الزمان0
أما لمس أي كتاب في زمن الرسول صلى الله عليه السلام فلا يؤدي إلى القول: (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)، فظاهر هذه الآية أن الكتاب محفوظ بغير ما تعرفه العرب في زمن نزول القرآن0
وقد عرب العرب كلمة كمبيوتر بالحاسوب وهذه التسمية لا تفيد إلا القيام بعمليات الحساب والتقدير، لكن الكمبيوتر لا يقوم بهذا العمل فقط، لكن له أعمال كثيرة متنوعة كتنوع حاجات الناس0
ولو كان هذا الجهاز من صنع العرب لما وجدوا له اسمًا شاملاً أفضل من تسميته بالمُقَرطِس أو المُقَرطَس أو القرطاس، لأن هذه حقيقته حيث أنه يجزئ له كل ما يدخله؛ ليسهل استرجاعه فيخرج ويظهر لنا ما نطلبه منه وهو قليل مما عنده، ويظل الباقي مخفيًا ومحفوظًا فيه للحاجة، أو عند الطلب0
وفي هذه الآية إشارة لما لم يعرف في زمن نزول القرآن، وفيها تصديق لقوله تعال: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ (38) الأنعام0



35- مسك السماء من الوقوع على الأرض



قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) الحج0
مسك الله تعالى للسماء هو حفظها في مكانها، ومنع إرسالها إلا بإذنه أن تقع على الأرض 00 ومعنى أن تقع على الأرض أن تثبت عليها، وليس المعنى أن تسقط عليها، فهذا المفهوم الدارج عند الناس أن معنى الوقوع هو عين السقوط لا يوافق حقيقة السموات0 ولم يبين أهل القواميس الفارق بينهما0
مادة وقع كلها في استعمال القرآن واللغة يفيد الثبات ولذلك نقول مثبتين صحة ما نقول "في الواقع أن الأمر كذا " ووقع الحق: ثبت، والواقعة من أسماء يوم القيامة لثبات قدومها وتحققه، والأمثلة على ذلك في القرآن كثيرة0
وكذلك ليس هناك فاصل بين السماء والأرض من غير جنس السماء أو الأرض حتى تسقط السماء على الأرض، فبداية السماء هو من وجه الأرض0
ولما كانت السماء في الحالة الغازية فإنها في حركة دائمة ونحن نحس بالاختناق عندما تتوقف حركة الهواء0
والسماء لا تثبت على الأرض إلا في حالة تحول مكوناتها إلى سوائل أو مواد صلبة، وكل مكوناتها قابلة للتحول إلى ذلك، وهو مشاهد لدينا عندما يتحول بخار الماء إلى مطر أو برد ينـزل على الأرض 00 لذلك قال تعالى "إلا بإذنه" وهذا يكون بعد إذنه تعالى
00 وكل مكونات السماء تتحول بالضغط والتبريد إلى سائل، ولو شاء الله تعالى لغير حال الأرض بزيادة قوة جاذبيتها فيزداد تبعًا لذلك ضغط السماء، ويخفض الله درجة حرارتها بتبريد حرارة الشمس، أو بالصورة التي يشاؤها الله عز وجل فتتحول كل مكوناتها إلى سوائل أو مواد صلبة تثبت على الأرض ولا تفارقها، فسبحان من مسك السماء من الوقوع على الأرض، وجعلها غازًا متحركًا؛ لتصلح الحياة بهذه الحركة منها0
وقد يكون الثبات بعد سقوط، لهذا فسر أحيانًا الوقوع بالسقوط، لأن الساقط يثبت على الأرض بعد أن يهوي إما ميتًا، وإما محطمًا، والمطر والبرد الساقط يثبت على الأرض لفترة قصيرة أو قد تطول، ويظل المعنى الأصح لقوله تعالى: (أن تقع السماء على الأرض)، والموافق لاستعمال مادة "وقع" في القرآن هو: أن تثبت على الأرض بتوقف حركة الهواء، أو تحول غازاتها إلى سوائل أو مواد صلبة تثبت على وجهها0



36- مدة خلق السموات


بين الله تعالى أن خلق السموات والأرض تم في ستة أيام في مواضع عديدة في القرآن الكريم؛
كقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) ق0
وبين تعالى أن خلق الأرض كان في يومين، ثم أتم خلقها بتقدير الأقوات فيها في أربعة أيام، وأتم خلق السموات بتسويتها في يومين، فتم خلقهما في ستة أيام:
قال تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0
وهذا التفصيل الذي أراده تعالى في هذه الآيات له عدة فوائد منها:-
• أن الخلق تدرج في هذه الأيام الستة على التفصيل الذي ذكر0
• أن خلق الأرض كان في يومين0
• أن تقدير الأقوات بدأ مع اليوم الأول وانتهى في اليوم الرابع، فدخلت الأيام الأولى في الأيام الأربعة0
• أن تسوية السموات كانت في آخر يومين0
• أن خلق السموات بدأ من أول يوم، وانتهى في آخر يوم، فتم خلق السموات في ستة أيام0
• هذا التفصيل يبين لنا سر تقديم خلق السموات على خلق الأرض إلا السموات العلى، التي ذكر خلقها بعد خلق الأرض0
: (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) طه0
• أن مجموع أيام خلق السموات والأرض هو ستة أيام0
• أن هذا التفصيل لبيان تتابع أيام خلق السموات والأرض، ولم تكن أيامًا متباعدة دخلت بينها أخرى0
• أن الأيام لها عدد، واليوم من أول النهار إلى آخره، وبين كل يومين ليلة، والفاصل بين أيام الدنيا هي الليالي، وأيام خلق السموات والأرض تحتاج إلى فواصل بينها أيضًا حتى لا تعد يومًا واحدًا0
• الفاصل بين الأيام الأربعة الأولى عن اليومين الأخيرين، كما ترشد إليه الآيات هو الدخان، ويقدر عليها باقي الأيام لشبه الظلام الذي يحدثه الدخان بظلام الليل0
• أنه من أراد حساب زمن خلق السموات فعليه ألا ينسى الفواصل بين الأيام الستة حتى يصح تسميتها وتقسيمها إلى ستة أيام، وإلا كان حكمها يومًا واحدًا بطول ستة أيام0
• أن طول أيام الخلق أو عددها لم يكن إلا لحكمة أرادها الله ولم يكن عن مشقة خلقها0


يتبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:38 PM
37- تقدير اليوم من أيام خلق السموات والأرض


اليوم هو وقت من الأوقات يتواصل فيه الصحو والإفاقة مع العمل أو بدونه تكون له بداية وقد يكون له نهاية، أو لا تعرف نهايته إلا عند الخروج منه0
فاليوم الآخر يوم له بداية وليس له نهاية0
واليوم من أيام الأرض هو من طلوع الشمس إلى غروبها فيتبعه ليل، ثم بعد الليل يبدأ يوم آخر مثله 00 ويختلف عدد ساعات اليوم في الصيف عنه في الشتاء، وساعة ابتدائه وساعة انتهائه0
هذا مفهوم اليوم في الأرض، ثم صار الاستعمال لليوم بمعنى الليل والنهار؛ لأن الإنسان يحصي ساعات النهار، ولا يحصي ساعات الليل، وهو يغط في نومه ليفيق على اليوم التالي، فأصبح اليوم في العرف الحديث أربعًا وعشرين ساعة0
هذا اليوم على الأرض، أما في الأجرام الأخرى من المجموعة الشمسية فهو بين (بضع ساعات) كما هو الحال في زحل وأورانوس، و (243) يومًا من أيام الأرض كما هو الحال في الزهرة0
فالأيام تختلف من جرم إلى جرم، ومن مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، فاليوم في أقطاب الأرض ستة أشهر، وفي خط الاستواء يكاد يتكافأ النهار (اليوم) مع الليل في معظم السنة في حدود اثنتي عشرة ساعة0
وقد بين تعالى أن عروج الأمر وحده إليه يكون في يوم مقداره ألف سنة0
قال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة، ووصول الأمر إلى الله عز وجل إما يكون بحمل الملائكة له، وإما يرسل إرسالاً بسرعة الضوء بطريقة مشابهة لما فتحه للبشر في تطوير وسائل اتصالاتهم0
وأن عروج الملائكة مع الروح إليه يكون في خمسين ألف سنة قال تعالى:
(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج0
وفي هذا بيان لعظم الروح، حيث تثقل على الملائكة، فيحتاجون إلى خمسين ضعفًا من الزمن اللازم للعروج بها إلى الله، أو أن الروح لا تحتمل سرعة الملائكة، فيترفقون بها فيكون هذا التأخير الشديد في زمن الوصول إن أريد بالروح أرواح البشر بعد قبضها، غير التفسير الوارد بأن الروح هو جبريل عليه السلام0
وفي الحج يقول تعالى:
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج0
ففي هذه الآية يبين تعالى أنه يعد للناس بالأيام، واليوم عنده ألف سنة، والناس يستعجلون، فدنيا الواحد منهم دون عشر هذا اليوم، ولا يصل إليه إلا العدد الضئيل منهم0
فهل مقدار هذا اليوم المقدر بألف سنة هو المعتبر في قياس الأيام السابقة والأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض؟ أو أن هذا اليوم هو اليوم المطلق الذي يرتبط بعمل فيه؟0
لقد رأينا اختلاف الأيام مع رفع الأمر إلى الله ورأينا اختلاف الأيام مع وجود الروح مع الملائكة 00 فهل يكون يوم الخلق يساوي أحدهما؟ أم أنه أطول أو أقصر من أحدهما ؟0
يرجع تقدير اليوم من أيام خلق السموات والأرض إلى الله تعالى، فقد يكون كل يوم يساوي ألف سنة أي أن الله قد خلق السموات والأرض في ستة آلاف سنة 00 أو يكون في ثلاثمائة وخمسين ألف سنة 00 أو يكون في أكثر من ذلك بكثير، أو أقل من ذلك، والله تعالى أعلم0
هذا في حساب الأيام التي كان فيها خلق لهما، فماذا عن حساب الفواصل بين الأيام ؟0
علينا ألا ننسى أن الخلق تغيير في الصفات لا الإيجاد من العدم، فالسموات والأرض أصبحتا في حالة وصفة غير اللتين كانتا عليهما قبل الخلق0
فالخلق طرأ عليهما في زمن قريب أو بعيد 00 فأصبحت الأرض تقبل الماء بين أجزائها، وتقبل إنبات النبات من تربتها، ولم تكن على ذلك من قبل 00 وأن السموات كانتا مادة صلبة كالبرد، أو سائلا كالماء، ثم أصبحت غازًا وبخارًا يحيط بالأرض، ويعمها بإطباق من جميع جوانبها، فيقبل احتواء بخار الماء ثم يسقطه مطرًا إذا تجمع وثقل فيه0 </b></i>
__________________



38- أيهما الأقدم: آلشمس والقمر؟ أم السموات والأرض؟


قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) التوبة0
تبين هذه الآية من سورة التوبة أن الشمس والقمر كانا موجودين قبل خلق السموات والأرض؛ إذ إن الشهور لا تقدر إلا بالشمس أو القمر، والأشهر الحرم هي أشهر قمرية، والشهر القمري يرتبط بمقدار عكسه للنور الذي يستمده من الشمس إلى الأرض، فدلت هذه الآية أن للقمر وجودًا قبل خلق السموات والأرض، وليس قبل وجود السموات والأرض، والفرق بينهما كبير بعد أن بينا أن الخلق تغيير في الصفات لا الإيجاد من العدم في اللغة واستعمال القرآن، والقول بالعدم ألفاظ فلاسفة لا غير، والخلق لهما هي الفترة الأخيرة من وجودهما0
وقد تبين للإنسان أن عمر صخور القمر التي أحضرت إلى الأرض مع رواد الفضاء الذين هبطوا على القمر تقدر بـ 3.9 مليار سنة، بينما أقدم صخور الأرض غير قواعد القارات لا يزيد على 3 مليار سنة، مما دفع إلى القول أن القمر له تاريخه الخاص غير المرتبط بالأرض بعد النظريات التي تحدثت عن نشأة القمر بعد الأرض أو مع الأرض أو أنه كان جزءا من الأرض0
ودلالة ذلك أن صخور القمر أخذت استقرارها قبل استقرار الأرض، ولا تخلو صخور الأرض من فتات صخري ، عمره يزيد على 4 مليار سنة 00 وفي هذه الآية تقرير من العليم الخبير أقر به العلماء بعد طول مخالفة له، فسبحان العليم الخبير0 </b></i>
__________________



39- من أين تبدأ السماء ؟


تبدأ السماء من الطرف القريب منا من وجه الأرض مباشرة0
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) إبراهيم0
: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبراهيم 0
فكم من الشجر الطيب ما هو بطول الإنسان أو أطول منه بقليل، وثمره في متناول يده، ومنه ما هو أقصر من ذلك، وكل هذه الأشجار فروعها في السماء، وأصلها ثابت في الأرض، ومن الشجر ما يكون في الجبال، ومنه ما يكون في السهول والوديان، وفي هذه الحالة فإن الجبال تكون أعلى منه، فالجزء من السماء التي فيها فروع هذه الشجار لم يأخذ صفة العلو على إطلاقه، فهناك من الأرض ما هو أعلى منها، وفي هذا زيادة تأكيد على أن السماء سميت من ديمومتها لا من علوها 00 فإذا كان فرع الشجر في السماء فانظر إلى نفسك فأنت تقف على الأرض مثل الشجر، لكنك تمشي وتسير عليها وجسمك يتحرك في الحقيقة في مادة السماء، فجسمك في السماء كالنبات، واعتمادك على الأرض وثباتك عليها كثبات النبات، وانظر إلى من يسير أمامك وتأكد من ذلك بنفسك، وتأمل إلى حركة الأشياء هل تتحرك وجسمها في السماء أو في الأرض ؟0
فهذه الآية حددت السماء بأنها فوق الأرض، وأن بدايتها هي وجه الأرض، وهي المحيط بكل الكائنات الحية النباتية والحيوانية، والوسط الذي تعيش فيه وتنمو0



40- حدود السموات


تنحصر السموات بين حدين؛ حد قريب يبدأ من وجه الأرض، وحد بعيد، والسموات محصورة بين الحدين، والسموات محيطة بالأرض من جميع جهاتها، فتكون الأرض في بطن السموات، ووجه الأرض هو حد السماء الأول، وحدها البعيد حيث تنتهي نهاية مادة السماء المكونة منها على الوصف الذي وصف الله به السموات0
حد الأرض الأول معروف لشدة قربه؛ حيث يبدأ من وجه الأرض مباشرة، أما حدها البعيد فهو الذي يصعب التأكد منه على سبيل التحقيق، وذلك لأسباب عديدة، فمادة السماء تتأثر بالحرارة والبرودة، فيرتفع سقفها، وتزداد سماكتها مع شدة الحرارة، وينعكس الوضع مع الليل والبرودة، وكذلك تأثير جاذبية كل من القمر والشمس وتنازعهما مع جاذبية الأرض في التأثير في الأرض والماء ومادة السموات المحيطة بالأرض0
وكذلك لتحديد السموات ومعرفة مقدار سماكتها ينظر إلى كل صفات السموات التي جاء ذكرها في القرآن، والتي قد مررنا على بعضها ونحن في طريق احتواء كل تلك الصفات، فحيثما وجدنا ان السماء ما زالت متصفة بهذه الصفات فهي دلالة على أننا ما زلنا فيها، فإذا فقدنا هذه الصفات نكون قد خرجنا منها، فهي مما عرفناه أنها بناء، وهذا البناء شديد محكم، يطبق بعضه على بعض 00 إلى بقية الصفات0 </b></i>
__________________




41- هل الأجرام والنجوم والكواكب داخل السموات أم خارجها ؟


انظر إلى قوله تعالى في هذه الآيات:
: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف0
: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد0
: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) العنكبوت0
: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) الزمر0
في هذه الآيات يتبين أن خلق السموات والأرض أمر آخر غير تسخير الشمس والقمر والنجوم0
لم يرد في آيات القرآن الكريم، على كثرتها وهي بالمئات، ما يفيد أن القمر والشمس والنجوم في السموات أو داخلها0
أما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) الحج 00 فمن هي للعاقل ولا يدخل معهم الشمس والقمر والنجوم أما الجبال والشجر والدواب والناس والباقي فهو مما بينهما0 </b></i>
__________________


42- "له ما في السموات والأرض" هل تشمل الكواكب والنجوم ؟


قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) النساء0
وقال تعالى: (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) إبراهيم0
وقال تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) طه0
وقال تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) الحج0
في هذه الآيات وأمثالها يبين الله تعالى أنه له ما في السموات 00 فهل النجوم والكواكب والشمس والقمر مما في السموات؟
حرف الجر في يفيد الظرفية الزمانية كقوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) البقرة0
والظرفية المكانية كقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) الأعراف0
وسر ارتباط حرف الجر "في" بالظروف الزمانية أو المكانية أنه يستعمل مع الحركة 00 وهذه الحركة إما أن تكون من الأشياء فلا يدوم لها استقرار في موضع واحد، وإما أن تكون الحركة ممن يبحث عنها لمعرفة مكانها لتحديد موضعها0
ولبيان ذلك فعندما نقول فلان في الدار، فيحتمل أن يكون في المجلس، أو غرفة النوم، أو المطبخ، أو الحمام أو أي جزء من البيت، واحتمال أن يكون في وسط الغرفة، أو بجانب بابها، أو صدرها، لكن إذا كان ثابتًا فنحن نجده على الكرسي، أو على الكنبة، ولا نقول في الكرسي، ولا في الكنبة، لكننا نقول في السرير لأنه يحتمل أن يتقلب فيه، وعلى السرير إذا كان السرير يستعمل كمقعد0
انظر إلى قوله تعالى:
(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) الشورى0
فمع الحركة في البحر، وجري السفن فيها، استعمل "في" البحر، وعندما سكنت الريح وبقيت في مكانها قال "على" ظهره "ففي" تستعمل مع الحركة "وعلى" مع الثبات0
ومثل ذلك مع الحركة والسير في الأرض يقول تعالى:
(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) البقرة0
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) آل عمران0
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (22) يونس0
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك0
أما في حال السكون وانعدام الحركة بالموت فتوضع "على" موضع "في" كما في قوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) فاطر0
(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) النحل0
هذه الآيات بينت بوضوح استخدام "في" مع الحركة والانتقال واستخدام "على" مع السكون0
ولما كانت الظروف المكانية والزمانية هي محل الحركة، والانتقال في المكان أو الزمان، كان استعمال "في" لبيان أنها ظروف، وأنها محل الحركة0
وانظر كيف استخدمت "في" في هذه الآية في قوله تعالى:
(وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) الذاريات0
فموسى لا يمكن أن يكون ظرفًا، ولكن لما كان الانتقال من قصة الملائكة مع إبراهيم، ثم مع لوط وقومه، عليهما السلام، إلى قصة موسى صلى الله عليه السلام مع فرعون، وما فيها من الآيات والعبر، استعمل "في" لتغني عن ذكر التفصيل الذي سبق القول فيه، وانتقل الحديث بعدها ليكون في عاد وثمود وقوم نوح عليه السلام0
وكذلك استعمالها في قوله تعالى:
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) إبراهيم0
فقد أبدلوا ما يجب عليهم فعله بأن يستجيبوا للرسل، ويمدوا أيديهم إليهم بالبيعة على الإيمان، إلى الرد على رسلهم بأفواههم بالتكذيب والكفر، لهذا الانتقال استعملت "في" أفواههم بمعنى "إلى" 00 لكن "إلى" تفيد انتهاء الغاية وليس في فعلهم انتهاء للغاية فكان استعمال "في" في هذا الموضع على أصل وضعها وهي الأبلغ في الاستعمال0
وكذلك استعمال "في" بمعنى على" في قوله تعالى:
(قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) طه0
الصلب هو تعليق المقتول على شجر أو خشب زمنًا يسيح لحمه صديدًا؛ فلا يبقى منه إلا ما صلب منه وهو العظم، لذلك جاء قوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ "في" جذوع النخل فقيل "في" بمعنى "على" ولكن "على" تفيد الثبات، ولم يقصد من فعل الصلب الثبات على جذوع النخل، بل يراد التنكيل بجسد القتيل، وأن يرى الناس التحول الذي يحدث له؛ فينتن ويسيل صديدًا، ولا يبقى منه إلا العظم0
مما سبق يتبين لنا أن في قوله تعالى: ﴿أن لله ما في السموات﴾ تشمل كل متحرك يرى فيها، كانت وعاء له أم لم تكن، ورؤيته تتم من خلالها0
فنحن نرى أنفسنا في المرآة وهي لا تحتوينا وإنما الذي نراه هو صورتنا0
وننظر من خلال الزجاج فنرى ما خلفه وكأن الزجاج غير موجود0
وكذلك رؤيتنا للنجوم والكواكب والشمس والقمر في السماء هي رؤية ما خلفها من خلالها؛ لما تميزت به من شفافية تفوق شفافية الماء والزجاج0
فالقول "في" السموات لا يدل إلا على كل متحرك يرى فيها، كانت السموات وعاء له أم لم تكن0
وقد وردت "في السموات"سبعين مرة مقرونة مع الأرض إلا في النجم منفردة، في قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) النجم، وشفاعتهم هي لمن في الأرض0

يتـــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:42 PM
43- أقطار السموات


أقطار جمع قطر، والقطر: الجانب والناحية، وأصل التسمية أن مادة قطر تفيد تجمع الزائد وخروجه، فالماء الزائد في الملابس المغسولة، أو المبلولة، يتجمع ويقطر منها، والقطار إبل القافلة المربوطة على نسق واحد، والصحيح أن سبب التسمية هو أنها محملة من زوائد البلاد الأخرى وتحمل زوائد البلد ليباع في غيرها0 وقطر هي امتداد زائد في مياه الخليج، وقطر البلد وأقطاره هي أطرافها التي يعد ما بعدها زائدًا عليها، وهي موضع خروج الزائد عنها ودخول الزائد عليها؛
فانظر إلى قوله تعالى: (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) الأحزاب0
أي لو دخلت المدينة ممن لا يعدون منها من أقطارها، وربط الدخول بالأقطار لأن ما يدخل من الأقطار يلقى القبول لدى أهلها، وهم سيقبلون الفتنة ثم لا يكونون من أهلها فيخرجوا منها0
والقطران يؤخذ من أنواع معينة من الشجر كالسرو، والصنوبر، والسلم، والسمر، إذا طبخ واشتدت الحرارة عليه تجمع وخرج من الخشب وهو يقطر، وكذلك استخراج النحاس من معدنه قال تعالى: (آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) الكهف0
: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) سبأ0
ومثل هذا ما يحدث لأهل النار فيخرج من جلودهم من حر جهنم ما يكون لباسهم قال تعالى: (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) إبراهيم0
وفي قراءة أخرى للآية "من قطرٍ آن"0
أما أقطار السموات والأرض في قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن، فهي جوانبها وحدودها فما زاد فيها يخرج منها ويأتيها الزائد من خارجها 00 فهذه الآية دالة على أن للسموات حدودًا تنتهي عندها0
في هذه الآية يخاطب تعالى الإنس والجن بالنفاذ من أقطار السموات، وقد أذن تعالى لهم (فانفذوا) ، وبين تعالى أن طريق النفاذ لا يكون إلا بفعل واحد محدد هو النفاذ بسلطان، والسلطان معروف في اللغة 00 لكن الشيء الذي لا نسعى لمعرفته هو أن لكل اسم سببًا للتسمية، وأن لكل جذر له معنى عليه تم الاشتقاق والبناء من هذا الجذر 00 وسلطان من مادة سلط وهي تفيد غلبة القليل الكثير بيسر وسهولة، وأمره لا يرد، وعليه سمي الحاكم بالسلطان فهو فرد، وأمره نافذ في رعيته، مهما بلغ عددهم، بيسر وسهولة، ولا يرد أمره0
والسلطان جمع سليط والسليط زيت السمسم، وسمي بذلك لأنه يستخدم في السراج فاشتعال قليل منه يضيء أضعافًا كثيرة من اشتعال أضعافه من الحطب، ويغلب الظلام0
فالنفاذ من أقطار السموات والخروج خارجها لا يكون إلا بوقود شديد الاشتعال شديد الإضاءة؛ ليغلب مقاومة الهواء وجاذبية الأرض معًا بيسر وسهولة فلا يرتد 00 فهل فعل الإنسان غير ما صرحت به الآية وأرشدت إليه للنفاذ إلى الفضاء خارج أقطار السموات ؟!0
الحديث يطول لو وقفنا على تفاصيل وإرشادات آية النفاذ، وسيكون له المكان في غير هذا الكتاب إن شاء الله تعالى0
وصرف الطلب في هذه الآية إلى يوم القيامة فيه نظر، فالإنس والجن يوم القيامة لا يملكون شيئًا، ولا حتى أعضاءهم التي تشهد عليهم، ولا يملكون حتى ملابس تسترهم، فأنى لهم المقدرة، والأدوات للنفاذ، وأن يكون بينهم اجتماع وتعاون على تنفيذ ذلك، وكل واحد يفر من أقرب المقربين إليه، وكل واحد منهم موكل به سائق وشهيد؛ ليحاسب وحيدًا على كل أعماله0
أما مجيء آية النفاذ بعد قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) الرحمن؛ فهي للبيان للثقلين أنه إذا أردتم النفاذ فانفذوا الآن قبل يوم الحساب ... فإن نفذتم فستعلمون أنه لا مفر لكم من الله، وأنه لا مكان في الكون يصلح للحياة كما صلحت الأرض لكم، وأنه لا مفر لكم من الأرض مهما بلغتم من العلم والمقدرة، وصدق الله العظيم في قوله تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) طه0
وحتى الآن فإن لم يهلك من رواد الفضاء أحد إلا قبل خروجه للفضاء أو بعد رجوعه، ولم يهلك أحد خارج الأرض والسموات "ذات الرجع" لتبقى جثته متناثرة في الفضاء بلا عودة لها إلى الأرض0
أما قوله تعالى: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) الرحمن0
فهذا متعلق بالنفاذ من أقطار الأرض، لأن التحدي كان في النفاذ من أقطار السموات والنفاذ من أقطار الأرض؛ فالنفاذ من الأولى ممكن بسلطان، والنفاذ من الثانية غير ممكن فسيرسل عليكما ما بينته الآية، ونحن نرى ونسمع لما يحدث في الأرض كلما وجد باطن الأرض الملتهب طريقًا إلى سطحها، وهذا مما سنبينه إن شاء الله تعالى في كتابنا اللاحق عن "خلق السموات والأرض0 </b></i>
__________________



44- أي شيء يثقبه النجم الثاقب؟


قال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات0
وقال تعالى: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) الطارق0
وقال تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) الجن0
الثقب هو الخرق النافذ، والأداة لعمله هي المثقب، وبها يتوصل إلى باطن الشيء، ثم النفاذ منه إلى الطرف الآخر؛ كالفعل في ثقب اللؤلؤ، والثقاب الذي يثقب به النار فتضيء، لذلك إذا أضاء الباطن فقد ثقب، والثاقب المضيء، وحسب ثاقب: له شهرة وعلو، ورجل ثاقب: نافذ الرأي0 والشهاب الثاقب: المضيء لباطن السماء في ظلمة الليل، (لسان العرب مادة ثقب)0
والنجم الثاقب: المضيء وذلك إذا دخل باطن السماء فأضاء فيها، سواء نفذ أم لم ينفذ 00 وفي هذه الآية دلالة أن النجم لا يكون في بطن السماء، فإذا دخلها من طرف وخرج من الطرف الآخر فقد ثقبها، وإذا أضاء باطنها فقد ثقبها، وكل ذلك يحدث؛ فبعضها يصل إلى وجه الأرض ويسمى بالنيزك، وبعضها يحترق كله فلا يبقى منه شيء قبل الوصول إلى الأرض ويسمى بالشهاب0
وسؤال يطرح نفسه هل المقصود بالنجم الثاقب؛ النجم هو جرم مشتعل مضيء أو أنه القطع الصخرية التي تسمى بالنيازك كالتي تضرب الأرض ؟0
يرجع سبب تسمية النجم باسمه أنه يظهر في أشهر من السنة، ثم يزول في الأخرى، وعلى ذلك سمي النبات الفصلي أو الحولي غير الدائم بالنجم؛
قال تعالى: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) الرحمن0
وبعض النجوم تزول لتظهر ثانية، أو يزول بعضها أو كلها بغير عودة، كما يحصل للنجوم المتفجرة التي تسمى بالسوبر نوفا، ومن قطع هذه النجوم الزائلة ما يصل الأرض وتسمى بالنيازك0
فالنجم سمي بالنجم لزواله؛ فقد يراد بالآية النجم الذي اشتعل باطنه وأضاء، أو بالذي يخرق السماء من قطع النجوم فيضيء باطنها، وصل إلى الأرض أم لم يصل، وارتباط القسم بالسماء، وتفسير الطارق بالنجم الثاقب هو لإحدى القطع من النجوم؛ أي لنيزك منها؛ لأن حجم الأرض وأغلفتها من السموات لا يساوي إلا شيئًا يسيرًا من النجوم الصغيرة فكيف بالكبيرة منها؟0والنجوم قادرة على ابتلاع الأرض بسمواتها، وهذا لا يتناسب مع ثقب السماء فهذا العمل يكفيه قطع صخرية قطرها بضعة أمتار، أو بعض عشرات من الأمتار 00 والله تعالى أعلم 0 </b></i>
__________________



45- وسع كرسيه السموات والأرض


قال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) ص
الكرسي في بيوت الناس: ما يعتمد عليه ويجلس عليه من أثاث البيت0
والكرسي ما تعرفه العرب من كراسي الملوك0
والكرسي من مادة "كرس" وهي تفيد التجمع والتلبد والالتزام والانتظام والتكريس: أي ضم الشيء بعضه إلى بعض ؛ فالكراس هو أوراق جمعت ولزمت مع بعضها فثبتت0
والكِرس بالكسر: الطين المتلبد والقلادة المنظومة المضموم بعضها إلى بعض0
وتكرس الشيء وتكارس: تراكم وتلازم 0 وتكرس رأس البناء: صلب واشتد (انظر لسان العرب، مادة كرس)0
والكروس في استعمال بعض القبائل: القبور التي اجتمعت، وأسند بعضها إلى بعض، تكون في سنين الأوبئة، أو من كثرة القتلى في الحروب، وقد وقفت على بعض منها في جنوب السعودية0
ويفهم من هذه المادة أن "كرسي الملوك" سمي بذلك لاجتماع المُلك لصاحبه وثباته، وسمي المقعد في البيت بالكرسي على التشبيه به في الشكل0
فالكرسي دال على ملك صاحبه، وانتظام ملكه وثباته والتزامه به، وهو المقصود بكرسيه تعالى في آية الكرسي0
وما ورد من أحاديث بأنه "ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة" لم يصح منها شيء، وقد ذكر مجموعها الأمام الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة، بعد أن ضعفها جميعها، قال بأنها صحيحة في مجملها ثم تراجع عن ذلك، كما أفاد ذلك سليم الهلالي أحد تلميذ الشيخ0
وما السموات والأرض في الحقيقة إلا شيء يسير من ملك الله عز وجل، فلا تساوي الأرض مع سمائها في الكون المنظور عند العلماء إلا كحبة رمل من رمال شواطئ بحار الأرض جميعًا0
فكرسيه سبحانه وتعالى وسع جميع ملكه ومنه السموات والأرض، ولا يحيط أحد بعلم الله ولا ملكه أبدًا، وما نحن في الأرض مع السموات في هذا الكون إلا كحبة رمل كما وصف العلماء، فلتذل أنفسنا، ولتخشع قلوبنا أمام عظمة الله وسعة ملكه0
وقد فسر الكرسي بملك الله، وبعلم الله، وبالعرش، والأول هو الأقرب، والأصح لغة، وما يوافق جذره، وفي دلالة الآية والاستعمال0
أما ما ورد في بعض التفاسير؛ من تفسير الكرسي بموضع القدمين من العرش، وهو من العرش كحلقة في فلاة، فهذا تفسير عجيب، وهو يخالف ما في القرآن، إذ كيف يكون العرش فوق الناس في المحشر وهم على جزء من الأرض يوم القيامة،فقد قال تعالى: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) الحاقة، والناس ترى حدود العرش وطواف الملائكة حوله، فقد قال تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) الزمر، ثم يوصف الكرسي بأنه موضع القدمين، وهو من العرش كالحلقة في فلاة، وهو قد وسع السموات والأرض ؟0
الكرسي هو ملك الله الذي تكرس فيه وتجمع وانتظم جميع ما يملك، فوسع السموات والأرض، وهما شيء يسير من ملك الله، وليس الكرسي شيئًا له أبعاد كالعرش0



46- عدد السموات


بين تعالى في تسع آيات أن السموات التي خلقها هي سبع سموات:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) البقرة0
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء0
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) المؤمنون0
(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) المؤمنون0
(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) الطلاق0
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) الملك0
(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) نوح0
(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) النبأ0
هذا العدد الكبير من الآيات التي تحدد عدد السموات بعدد محدد هو سبع سموات ما يدل على إرادة العدد نفسه0
وقد قيل بأن العدد سبعة ومضاعفاته يستعمل لكمال العدد لا لتحديد العدد، ومن ذلك قوله تعالى للنبي صلى الله عليه السلام: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) التوبة0
فلو استغفر لهم أكثر من ذلك هل سيغفر الله لهم؟ 00 المفهوم من الآية أن كثرة الاستغفار لهم لن تجلب لهم المغفرة؛ لكفرهم بالله ورسوله، ولو زاد الاستغفار على ذلك0
وكما في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) لقمان0
فلو مد البحر أبحرًا فوق السبعة ما نفدت أيضًا كلمات الله، فاختير العدد سبع ومضاعفاته للدلالة على الكثرة بهذا العدد الذي لا حاجة لذكر ما فوقه0
وقد سمي وحش البر الذي قد اكتمل قوة وجرأة وبأسًا فخشيه الناس بالسبُع، والسباع تتفاوت فيما بينها فبعضها أشد قوة وبطشًا من غيرها، وعلى رأسها الأسد الذي يسمى ملك الحيوان أو ملك الغابة، وليس فوقها ما هو أشد منها بطشًا0
والسموات السبع بهذا العدد هو إما عدد حقيقي لكثرة الآيات التي حددته بهذا العدد، وإما للدلالة على أنها أكثر من ذلك 00 غلبة الظن أن العدد سبعة هو المقصود لنفسه في هذه الآيات0
__________________


يتبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:43 PM
47- كيف نحدد عدد السموات

قد عرفنا عدد السموات وأن هذا العدد هو سبعة0
وإذا خاطبنا الله تعالى بأمر دنيوي فمعنى ذلك أن هذا الأمر سندركه، ولو بعد حين، قبل يوم القيامة 00 وما تعلق بما بعد يوم القيامة سيراه الناس بعد البعث0
فقد قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة0
فكيف نقف على حقيقة عدد السموات ؟0
والإجابة عن ذلك أن الوقوف على عدد السموات لا يكون حتى نعرف بما اختصت به كل سماء وتميزت به عن غيرها0
قال تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0
هذه الآية بينت أن كل سماء اختصت بأمر من الأمور 00 ومن عجائب الرسم العثماني أن رسم سموات في كامل المصحف حذفت الألف الأولى والثانية في (189) موضعًا، وثبتت الألف الثانية في هذا الموضع فقط من سورة فصلت 00 وسر هذا الإثبات أن الألف في جمع المؤنث السالم (الدالة على الجمع) تحذف لأن الفرد لما دخل في الجمع تساوى مع باقي أفراد الجمع، فسقطت معرفة ما يزيد به، ويمتد به على غيره، وهذه قاعدة في رسمها في القرآن الكريم، ولم تثبت إلا في كلمات أقل من عدد أصابع اليد لعلل فيها 00 (أحببنا التنبيه لطريقة رسم السموات في آية فصلت لا الدخول في الحديث عن تفاصيل الرسم العثماني، فعجائب وأسرار ولطائف الرسم العثماني موجودة في آلاف المواضع من القرآن الكريم ) 00 ففي هذه الآية لم تستو السموات بهذا الجمع لأنه تعالى خص كل سماء بأمر انفردت وزادت به على الأخريات؛ (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ) لذلك ثبتت الألف في هذا الموضع الوحيد فقط من بين (190) موضعًا ذكرت فيه0
فطريق معرفة السموات يكون من معرفة أن لكل سماء مهمة وكلت بها، فإذا عرفنا هذه الخاصية لكل سماء استطعنا تمييز السموات كلها0
وقد تبين لأهل العلم الشيء الكثير عن طبيعة السماء التي أصبحت تسمى بالغلاف الغازي على اعتبار المادة التي تتكون منها، ومكانتها وعلاقتها بالأرض0
ومن الأشياء التي تمكن أهل العلم الوصول إليها، وأظهر تمايز السموات بعضها عن بعض، هو اختلاف الضغط، فيشتد على الأرض كلما انخفضت، ويقل كلما ارتفعت، فهي على البحر الميت أشد ما تكون، وهي على أعلى جبال الهملايا أقل ما تكون، وتزداد ضعفًا كلما ارتفعنا في السماء حتى يتلاشى الضغط0
تختلف درجة الحرارة على الأرض فهي مرتفعة بشكل دائم تزيد على الأربعين درجة مئوية على خط الاستواء في النهار، ومنخفضة بدرجة كبيرة وبشكل دائم دون الصفر في القطبين 00 هذا على وجه الأرض، وتنخفض على المرتفعات، وتزداد حرًا في المنخفضات 00 أما في الطبقات العليا، فطبقة ترتفع فيها بشدة كبيرة، لتعود فيما فوقها إلى الانخفاض 00 ناهيك عن تقلبات الليل والنهار واختلاف الفصول0
واختلاف سرعة الرياح في طبقات السماء من سماء إلى سماء0
وتعكس طبقات الجو القريبة من الأرض الحرارة مرة ثانية إلى الأرض؛ ليحتفظ الهواء بالدفء الذي يساعد الإنسان على الحياة0
وكذلك فإن الموجات الراديوية تنعكس إلى الأرض عن طبقة في السماء، ولا ترد طبقات السماء الموجات المستعملة في البث التلفزيوني فتنطلق إلى الفضاء0
وتتعامل طبقات السماء مع الأشعة القادمة من خارجها بصورة تمنع الضار منها، وتسمح بالمفيد فقط بالدخول، وكل طبقة من الطبقات العليا ترد نوعًا من الأشعة، فأبعدها ترد الأشعة الكونية، ثم التي قبلها ترد أشعة جاما، ثم التي قبلها ترد الأشعة السينية، ثم التي قبلها طبقة الأوزون تمتص الأشعة فوق البنفسجية، ومنها التي تحرق الأجسام التي تدخل إليها بسرعة كبيرة، فتظهر كشهب محترقة 00 فكل سماء قد اختصت بمهمة تميزها عن غيرها مصداقًا لقوله تعالى: (وأوحى في كل سماء أمرها)0
فالسبيل لتحديد السموات هو النظر في خصائصها بعد معرفتها، وتحديد سماكة كل طبقة من السماء بناء على هذه الخصائص0
تبين لنا أن هناك مجموعة خصائص توزعت على طبقات السماء، فاختصت كل سماء بواحدة منها، مما يجعلها سماء واحدة متميزة عن السموات الأخرى0
وبناء على ذلك نجتهد في تحديد السموات، لعل هذا الاجتهاد يوافق ما أعلمنا به تعالى بأنه خلق سبع سموات، وأنه خص كل سماء بأمر يكون فيه المنفعة والصلاح للإنسان ولحياته0
1. سماء قريبة مرتفعة الضغط، حافظة للحرارة من الانخفاض الشديد، ناقلة للصوت، تسهل الحركة فيها، هي الوسط الصالح للحياة، الذي يعيش ويتنفس به الإنسان والكائنات الحية0
2. وسماء يتكون بها السحاب ومنها ينـزل المطر، مزينة بالكواكب والمصابيح ليلا ومضيئة بالنهار0
3. وسماء تمتص الحرارة، وترد إلى الأرض المنعكس منها، فتحفظ الجو من التقلبات الشديدة0
4. وسماء تمتص الأشعة فوق البنفسجية الضارة على جلد الإنسان والمزروعات، فلا ينفذ منها إلا القليل0
5. وسماء تمنع المقذوفات الكونية من رمال وشهب ونيازك من الدخول إلى الأرض بنفس سرعتها، فتعترض لها، فتحرقها، وتفتتها، وتميت سرعتها قبل وصولها إلى الأرض0
6. وسماء ترد الموجات إلى الأرض ليتواصل الناس في اتصالاتهم الإذاعية واللاسلكية0
7. وسماء تصد وتمنع أشعة جاما والنيوترونات والأشعة السينية الشديدة القتل والضرر من الدخول والوصول إلى الأرض0
وقد يجري التقسيم على أساس آخر هو تقسيم السحب التي تظهر في السماء حسب صفاتها وارتفاعها في السماء إلى سبعة أقسام، أو على الاختلاف القائم بينها في درجات الحرارة من طبقة إلى طبقة0
لكن هذا التقسيم القائم على خصائص كل سماء هو الذي ارتاحت إليه نفسي واطمأنت به، لأنه يوافق ما أخبرنا به الله تعالى في القرآن بأنه: ﴿وأوحى في كل سماء أمرها﴾0

يتــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:45 PM
48- هل السموات كل الغازات التي تحيط بالأرض
أو هي جزء منها ؟

نحن نعلم أن السموات ليست أجرامًا، ولا مجموعة الأجرام، بل هي المادة في الحالة الغازية، فالسموات كلها من الغاز أو البخار الستير أو السغيل (الدقيق الضعيف) 00 والأرض تحيط بها الأغلفة من الغازات، تتفاوت في السماكة، ودرجة الحرارة، والضغط، والصفات 00 وقد تصل هذه الأغلفة إلى ارتفاع يقارب الألف كيلومتر 00 فهل كل هذه الأغلفة هي كل السموات ؟ أم أن السموات جزء منها؟0
عندما تنتهي صفات السموات في هذه الأغلفة الغازية تنتهي السموات، ولو لم نبلغ إلى نهايتها، فالسموات لا يحدها انتهاء مادة الغاز وانعدامها، بل تقف حدود السموات عند حدود صفاتها0
للسموات صفات كثيرة، وردت في القرآن الكريم نستدل بها على حقيقة السموات، ودون هذه الصفات لا نصل إلى حقيقتها، ومن صفاتها أنها بناء قائم فوق الأرض، مكون من طبقات سبع، كل واحدة مطبقة على ما تحتها، وهي شديدة تعرف شدتها أمام من أراد دخولها عنوة؛ كالنيازك والشهب التي تحترق فيها، فإذا ذهبت الشدة، وانتهي البناء الذي يعتمد بعضه على بعض، فلا سماء عند ذلك0
وأعالي طبقة الغازات أجزاؤها متباعدة، لا يصطدم بعضها ببعض، ولا يعتمد بعضها على بعض، ومنها ما يتفلت من جاذبية الأرض، وتسير فيه الأقمار الصناعية بسرعات عالية جدًا من غير أن تؤثر فيها0



49- تكون السماء من سبع طبقات

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) نوح0
وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) الملك0
طباق كل شيء غطاء ما تحته، ولا يكون ما تحته زائدًا عليه0
ولا يكون الشيء طباقًا حتى يكون كقطعة واحدة لا خلل فيها، ولا فرجة، وتعلو كل ما تحتها0
ولما كانت الأرض بشكل الكرة، وطرفها من الشرق يلتقي مع طرفها من الغرب، وكذلك جميع أطرافها 00كانت كل سماء مطبقة على ما تحتها، وهن مطبقات على الأرض 00 ولن تجد فطورًا ولا انشقاقًا ولا تباعدًا بين أجزاء كل سماء، ولا بين كل سماء وسماء0
فلا طباق من متباعدات ولا متفرقات 00 ولا ينطبق هذا إلا على الأغلفة الغازية التي اسمها السماء، وهن سموات على التفصيل والاختصاص الذي تميزت به كل سماء عن غيرها من السموات0





50- تكون السماء من سبع طرائق

قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) المؤمنون0
الطرائق جمع طريقة، والطريقة واحدة شيء مكون من طبقات بعضها فوق بعض، والطريق: الدرب الموصل إلى الأماكن، والسنن الموصلة للأهداف والرغائب0
ومادة طرق دارت حول الضرب في الباطن، فطرق الصوف يكون بضرب باطنه لينتفش، وضرب الأرض بالسير عليها يجعلها تتلبد، وما حولها يصبح أعلى منها، فيصبح الطريق باطنًا فيه، وكذلك في طرق الحديد لبسطه يطرق باطنه بالمطارق حتى يتسع 00 والوقوف قد يطول على مشتقات هذه المادة إن أردنا بيان سر انتظام مشتقاتها على معنى جذرها، مما يثقل على القارئ0
فوصف الله تعالى للسموات بأنها سبع طرائق يفيد عدة إفادات منها:
قد بين وصف السموات في الآيات السابقة بأنهن طباقًا؛ أي كل واحدة مطبقة على ما تحتها ، فقد بينت هذه الآية أن كل السموات طرائق؛ أي أن كل سماء تتأثر من باطنها؛ أي من السموات التي أسفل منها ومن الأرض0
أن كل سماء مستقلة بذاتها وبمسارها مع أنها جزء من باقي السموات، وهذا يوافق قوله تعالى: (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا(12) فصلت0
أن في وصف السموات بالطرائق ما يفيد النفش الذي أشارت إليه آية فتق السموات والأرض0



51- السموات سبع شداد

قال تعالى: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) النبأ0
هذه الآية تشير إلى أربعة أوصاف للسموات؛ بأنها بناء، وأن هذا البناء مكانه فوقنا، وهذا البناء مكون من سبعة أبنية، وأن هذه الأبنية السبعة شداد0
والشدة تظهر عند الاستثارة فهي تظهر بقوة الريح والعواصف، وتظهر هذه الشدة مع الشهب والنيازك التي تدخل بسرعة، تريد اختراق هذا البناء الشديد0
وفي بيان استعمال الشدة يقول تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29) الفتح 0 هم أشداء في حال مواجهة الكفار أما فيما بينهم فهم رحماء0
ومثل ذلك حال الملائكة مع الكفار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم0
والشدة تزداد كلما عظم البناء ، فهي سبعة أبنية عظيمة ، بعضها فوق بعض 00 وفي بيان أنها فوقنا حتى لا يظن ظان أنها سبعة متجاورات، فهي بناء، والبناء لا يقوم حتى يعتمد بعضه على بعض، فتزداد الشدة فيه شدة0



52- حبك السماء

قال تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) الذاريات.
من تفسير القرطبي لهذه الآية؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما عن معنى حبك السماء: ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء، وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، فإنها من حسنها مرتفعة، شفافة، صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات0
وقيل: المراد بالسماء هاهنا السحب التي تظل الأرض. وقيل: السماء المرفوعة. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: هي السماء السابعة: وفي "الحبك" أقوال سبعة:
الأول: ذات الخلق الحسن المستوي. وقال عكرمة: ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه ؛ يقال عنه حبك الثوب يحبكه بالكسر حبكا أي أجاد نسجه. قال ابن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد أحتبكته.
الثاني: ذات الزينة0
الثالث: ذات النجوم0
الرابع: قال الضحاك: ذات الطرائق: يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حبك. ونحوه قول الفراء ؛ قال: الحبك تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة، والماء القائم إذا مرت به الريح، ودرع الحديد لها حبك، والشعرة الجعدة تكسرها حبك. وفي حديث الدجال: أن شعره حبك0
الخامس: قال زهير: ذات الشدة، قال ابن زيد، وقرأ "وبنينا فوقكم سبعا شدادا" [النبأ:12]. والمحبوك الشديد الخلق من الفرس وغيره0
وفي الحديث: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة؛ أي تشد الإزار وتحكمه0
السادس: ذات الصفاقة: قاله خصيف، ومنه ثوب صفيق ووجه صفيق بين الصفاقة0
السابع: أن المراد بطرق المجرة التي في السماء: سميت بذلك لأنها كأثر المجر. والحبك" جمع حباك.



53- الحركة في السماء

قال تعالى: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) سبأ0
لما عرفنا أن بداية السموات هو وجه الأرض نستطيع أن ندرك أن كل ما يتحرك على وجه الأرض، وينمو عليها، أو ينتصب قائمًا عليها، يكون في بطن السماء 0 لذلك فإن السماء من بين أيدينا ومن خلفنا 00 فهي محيطة بنا في كل مكان، ولا حياة لنا دونها، ولا نتحرك إلا في بطنها، فهي التي تؤمن لنا الضغط الذي يحفظ دماءنا، وهي التي توفر لنا الدفء، وهي تمدنا بالأكسجين الذي يدخل إلى صدورنا في تنفسنا حتى تستمر فينا الحياة 00 فقد بينت الآية حقيقة ما نحن فيه، وأن حركتنا لا تكون إلا في السماء0
وانظر أيضًا إلى قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) البقرة0
تقلب الوجه في السماء على اعتبار أن السماء جهة نزول الرحمة ونزول الوحي 00 ولكن الوجه في الحقيقة هو في السماء لأنه جزء من الجسم، وسمي الوجه بهذا الاسم لأن فيه أهم الحواس وهو البصر، فأينما توجه بصرك توجه وجهك ليتحقق لك النظر والرؤية0
والصورة الفنية في هذه الآية أن قلب الوجه صرفه إلى جهة خلاف الجهة التي تريدها، أو التي أنت عليها، وقلب رسول الله صلى الله عليه السلام متعلق بالكعبة، والتوجه إليها هو المحبب إلى قلبه، فإذا أقيمت الصلاة، وهو في المدينة، تحول إلى الجهة المخالفة لها فتوجه إلى بيت المقدس 00 وهذا الذي جعل في نفس رسول الله موافق لمنـزلة الكعبة عند الله، وأنها أفضل من بيت المقدس 00 وما التوجه في الصلاة لبيت المقدس أيام مكة إلا لكثرة وجود الأصنام حول الحرم، وبعد الهجرة كان فيه تحبب لأهل الكتاب؛ ليمدوا أيديهم لهذا الدين فلم يفعلوا شيئًا 00 وكان رد الأمر إلى الأصل هو الذي عليه الدين فحولت وجهة الصلاة إلى الكعبة، الأمر الذي أغضب اليهود كثيرًا، فسماهم الله تعالى بالسفهاء0
وانظر أيضًا إلى قوله تعالى مبينًا حال المعذبين في النار: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) الأحزاب، والنار محيطة بهم من فوقهم ومن أسفل منهم0
فتقلب الوجه في السماء يبين حقيقة السموات مع بقية الآيات المبينة لحقيقة السموات، وكل آية تسلط على جانب من هذه الحقيقة للسموات0



54- العروح في السماء

العروج: الحركة بميل إلى الأعلى؛ لذلك سميت السلالم والدرجات بالمعارج؛ لأنها تنصب وتبنى بوضع مائل للصعود عليها إلى الأماكن العالية والسطوح؛ قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) الزخرف0
وبسبب قصر إحدى الرجلين يمشي الأعرج بميلان، ويثني ركبتيه كفعل الصاعد على الدرجات، ولذلك سمي بالأعرج قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) الفتح0
والحركة بميلان عند إرادة الارتفاع إلى أعلى هو الأيسر والأسهل، وتفعله كل الطيور في طيرانها 0 وعلى هذه القاعدة في الصعود تتمكن الطائرات من الإقلاع عن الأرض والارتفاع في السماء0
قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) سبأ0
وقال تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) الحجر.
والعروج في السماء إلى أعلى لا يكون إلا بميل، وإذا فارقنا الأرض والسموات فإن خط سيرنا يظل في ميل عن الأرض لأن الأرض تغير مكانها في دورتها حول نفسها وحول الشمس، والشمس تنقلها معها في دورتها حول مركز المجرة، والمجرة في حركة تباعدها عن باقي المجرات 00 فكل ما في الكون لا يبقى على استقامة ثابتة لأنه غير ثابت، ولا جرم في الكون ثابت يقاس على مكانه بقية ما في الكون قال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة0
وقال تعالى: (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج0
هذه الحقيقة الكونية للحركة في السموات، وفي بقية الكون أشار إليها القرآن في هذه الآيات، وهي تشير إلى خط سير الحركة إلى أعلى0
وفي هذا بيان لمن أراد أن ينتفع بهذه الحقيقة، وقد بين القرآن هذه الحقيقة قبل أن تكون محل العمل بها بعد أن تمكن الإنسان من الطيران في جو السماء والنفاذ إلى الفضاء، ليقدر زمن الحركة وسير الحركة واتجاهها؛ ليحقق الوصول إلى الأهداف التي أرادها0



55- الارتقاء في السماء

قال تعالى: (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) الإسراء0
وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) ص0
تبين هاتان الآيتان نوعًا آخر من الحركة في السموات؛ ألا وهو الرقي في السماء وفي السموات 0 ولا يكون الرقي إلا على شيء، أو بسبب، لذلك تسمى الدرجة بالمرقاة، وجاء في الحديث: أنه يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الحياة الدنيا فإن منـزلتك عند آخر آية تحفظها0
قال الشاعر: أنت الذي كلفتني رقي الدرج على الكلال والمشيب والعرج
والارتقاء: طلب العلو في المكان أو المنـزلة والعلم، وكذلك الخروج من أسفل إلى أعلى بسبب، لذلك تستعمل الرقية لخروج المريض أو المعيون مما أصيب به0
ومن المعجزات التي سألها المشركون رسول الله صلى الله عليه السلام الرقي في السماء دون سبب، زيادة إعجاز له عليه السلام والمعجزات لا يأتي بها الأنبياء من أنفسهم إنما هي عطاء من الله 00 فلم يستجب الله تعالى لهم لأن معجزات الأنبياء لا يقدر عليها البشر، والله تعالى يعلم ما سيصل إليه الإنسان، وأنه سيرقى في السموات بالأسباب التي صنعها0
وفي آية "ص" التي ذكرت يطلب تعالى منهم أن يرتقوا في الأسباب، وإذا ارتقوا هل سيملكونها ويسكنون فيها؟ 00 إنما هي ساعات وأوقات قصيرة، ثم ينـزل مضطرًا إلى الأرض فلا استقرار له إلا عليها0


56- التصعد في السماء

قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) الأنعام0
هذه الآية تبين جانبًا آخر للحركة في السماء 00
تبين هذه الآية أثر الصعود في السماء على تنفس الإنسان 00 فكلما ارتقى الإنسان إلى أعلى خف ضغط الجو وقل الأكسجين فضاق الصدر وصعب التنفس0
وجاءت الآية بصيغة التضعيف: يصعَّد في السماء؛ لبيان أنه كلما صعد إلى السماء أكثر زادت مشقة الصعود؛ لزيادة أثر قلة الضغط ؛ ولقلة الأكسجين؛ وحتى الطائرات فلكل طائرة قدرة ومستوى في الارتفاع لا تستطيع تجاوزه، وكلما زاد ارتفاعها ازدادت تكلفة ارتفاعها، ومقدار استهلاكها من الوقود0
ولماذا ذكر الصدر دون غيره؟ لقد ذكر الصدر لبيان أثر الارتفاع على الإنسان0
ذكر الصدر لأن أثر انخفاض الضغط وانخفاض نسبة الأكسجين أو ما يظهر على عملية التنفس، فيزيد المرتفع من عدد مرات الشهيق والزفير؛ ودقات القلب، لتعويض انخفاض نسبة الأكسجين، والمشقة الثانية تأتي من ثقل الرئتين بسبب تجمع السوائل فيهما لقلة الضغط 00 وبعد ذلك لا يستطيع الإنسان الارتفاع دون أجهزة تساعده، وإلا فقد وعيه، أو تفجرت الشرايين في رئتيه أولاً، لذلك ذكر الصدر لأن الأثر الأكبر يظهر فيه قبل أن يموت الإنسان، أو يغمى عليه من الصعود فيها0
ولأن ضيق الصدر نوع من العذاب قال تعالى: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) المدثر0 وقال تعالى: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن0



57- سلمًا في السماء

قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) الأنعام0
السُّلم معروف، واستعماله للوصول إلى السطوح واعتلائها، أو إلى الأماكن المرتفعة لوضع الأشياء عليها، أو إنزالها منها، ويكون بها وعليها النـزول من أعلى إلى أسفل أيضًا للوصول إلى القاع والأعماق0
ومادة سلم دارت مع العلو الذي لا يعلى عليه، لذلك سمى العرب نوعًا من الشجر الشوكي بالسَّلم أو السلام؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يتسلقه ويعتليه، وشوك هذا الشجر يمسك بمن يمر من جانبه، فكيف بمن يريد تسلقه، ولذلك لما سمع أعرابي السلام عليه لأول مرة من أحد المسلمين بقوله "السلام عليكم" رد قائلا: "وعليكم الضحضاح" فاستغرب المسلم من هذا الرد فقال له: رميتني بشجرة شوك، فرميتك بشر منها؛ فلم يعرف معنى للسلام إلا اسم شجرة الشوك هذه0
وتحية المسلم على المسلم "السلام عليكم" تعني طلبًا ودعوة له بالعلو الذي لا يعلو عليه أحد؛ لذلك لا تكون هذه التحية إلا بين المسلمين، ولا يجوز التحية بها على من لا يريد العلو على شياطين الإنس والجن من غير المسلمين0
وقد سمي سليمان بهذا الاسم لأنه لم يعلُ عليه أحد من الإنس أو الجن أو الطير، فإذا كان الطير الذي يعلو في السماء ينـزل تحت أمره، ويكون جنديًا من جنوده، فكيف بباقي دواب الأرض ؟ هذا غير رفع الريح له في السماء 0 وانظر في رسالته إلى ملكة سبأ: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) النمل0
والإسلام هو الدين الذي يعلو فوق كل دين، وهكذا يجب أن يكون، وهكذا يجب على كل مسلم أن يعلو على كل شياطين الإنس والجن، ولا ينسى أن يخفض جناحه للمؤمنين فقد قال صلى الله عليه السلام "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه"0
أما تعريف الإسلام بأنه الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك، فهذا وصف يجب على كل مسلم أن يتصف به، وهو مبني على العلاقة بين المسلم وربه، ولكن هذا التعريف في الحقيقة لا علاقة له بتعريف الإسلام المبني على علو هذا الدين وعلو أهله على كل أهل الكفر من إنس أو جن، ولكن هذا العلو الذي ينشده المسلم لا ينشده لنفسه ولعلوه في الأرض، إنما ينشده من أجل الله، ومن أجل دينه، وأن يستمد ذلك من الله ليعطيه القوة على العلو على أهل الكفر بالقوة المادية أو بالحجة العقلية0
وعلو الله فوق كل علو، لذلك جاء من أسمائه تعالى السلام0
ومن أسماء الجنة السلام أيضًا لعلوها ولمكانة أهلها عند الله0
والسَّلم هو ترك القتال، والرضا بالنـزول تحت ظل الخصم المحارب، وهذا ليس من خلق المسلمين وسياستهم، وهذا السَّلم غير الهدنة التي تعقد بين المسلمين وغيرهم 000
ويقبل ذلك من غير المسلمين إذا قبلوا السَّلم، وتركوا الحرب، وقبلوا بالجزية، ودخلوا مع غيرهم من أهل الذمة0
وقد حذر تعالى من عدم قبول من ألقى علينا السلام، وتحصن به، فنرد إسلامه عليه بأي علة، مستبيحين دمه وماله؛ لأنه بإسلامه يرفع عنه كل سيف سلط عليه من المسلمين0
لقد أطنبنا في الحديث عن هذه المادة اللغوية لأمرين أولهما: لتوضيح هذه المادة لدى المسلمين الذين لا ينظرون إلى هذه المادة بهذا المنظار، وثانيهما: ليسهل بيان كيف يكون السُّلًّم في السماء0
والسُّلم في الآية المخاطب بها رسول الله صلى الله عليه السلام هو الذي يرفعه ويوصله إلى أعالي السماء وفوقها ؛ ليأتيهم بآية، وما هو بقادر على فعل ذلك؛ لذا حذره تعالى في الآية أن يكون من الجاهلين، وبين تعالى أنه لو شاء جمعهم على الهدى، والآيات في الحقيقة بين أيدي الناس، وموضع نظرهم، وليس بعد السموات إلا فراغًا موحشًا خالٍ ليس فيه أكثر مما يعرفون مما لا يحمل ولا ينقل0
فإذا كان خلق السموات والأرض، وتسخير ما فيهما، وكلمات الله المعجزة التي أنزلها على نبيه لم تهدهم إلى الإيمان بالله، فأي آية غير المشاهد المعلوم من آيات الله تهديهم وتقودهم إلى الله؟ وما الآيات وحدها تحقق الهدى دون إرادة المرء الاهتداء وطلب الهدى والسعي إليه .


58- مسك الله الطير في جو السماء

قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) النحل0
المسك الحفظ في المكان بكل معانيه، واستعمالات جذره، ولذلك سمي الجلد الذي يصنع منه قرب الماء أو اللبن وغير ذلك بالمَسك 00 فمسك الطير في السماء له أكثر من دلالة:
حفظ أجساد الطيور من السقوط بما وهب الله لها من الأجنحة، تحفظها في جو السماء من السقوط دون إرادتها، مما يجعل ذلك سببًا في هلاكها0
أن الله يحفظها في جو شديد البرودة في السماء من التجمد0
أن تحفظ عروقها من التفجر والنـزف فبعض الطيور يبلغ ارتفاعًا يزيد على 11كلم، وهذا الارتفاع لا يستطيع الإنسان أن يتحمل فيه قلة الضغط، وانخفاض الحرارة، ونقصان نسبة الأكسجين في الهواء0
لذلك جاء لفظ المسك دون غيره؛ لما فيه من حفظ حرارة الطير، ودمه، وقدرته على التنفس0
وبين تعالى في آية النحل المذكورة أن الطير مسخرات في جو السماء 00 فما وجه تسخير الطيور في جو السماء ؟0
بعد أن فتح الله تعالى من العلوم الكثيرة على البشرية التي مكنت العلماء من متابعة الطيور في رحلتها تبين أن الطيور:
تعمل على نقل البذور مسافات بعيدة لتنمو في بلاد أخرى أو قارات أخرى0
تكون طبقات من السماد في المناطق والجزر والمستوطنات تفيد الحياة النباتية0
أنها غذاء لبعض الحيوانات في المناطق التي تهاجر إليها، فتعمل على الحفاظ على استمرار نوعها0
كما أنها تتغذى على بعض الأنواع من الحشرات والزواحف والبرمائيات، فتساهم في توازن طبيعي في الأرض في المناطق التي تسكنها أو تهاجر إليها0
وذكر الجو في التسخير له أثره في التسخير؛ فجو السماء هو باطنها في حال الاضطراب وعدم الاستقرار، وهذا يساعد الطيور في رحلاتها الطويلة لتقلل من الطاقة في طيرانها الذي تقطع فيه آلاف الكيلو مترات، فتركب تيارات الهواء ومساراتها في حال ارتفاعها واندفاعها0
وفي سورة الملك يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك0
في هذه الآية يؤكد تعالى مسكه للطيور؛ أي حفظه لها في السماء0
وفي هذه الآية لم يأت بلفظ السماء ولا بلفظ الجو 00 ولكن ذكر أن الطيور فوق الناس، فدل على أنها في السماء، وليست ساكنة على الأرض، وهن صافات أي واقفات بانتظام في السماء، أو يقبضن أجنحتهن ليحافظن على ارتفاعهن أو تحركهن في السماء، فلما دلت الآية على مشقة الطيران التي لا تمكن الطائر من البقاء طويلاً في طيرانه لم تذكر السماء التي لفظها يدل على الديمومة والبقاء، ولم يذكر جو السماء لسكون السماء الذي دفع الطيور لتقبض أجنحتها وترفرف في السماء فوق رؤوس الناس 00فهذه الآية تعلقت في أنواع من الطيور غير المهاجرة، والله تعالى أعلم وللحديث توسع عند الحديث عن جو السماء0

يتـــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:46 PM
59- طيران الإنسان في السماء

قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) الأنعام0
يبين الله تعالى أن جميع دواب الأرض والطيور هي أمم مثل الناس، ومعنى أن كل نوع أو جنس منها أمة أنها تتبع نفسها، وتعمل لأجل ذاتها، وهو الملاحظ في تصرفات جميع الدواب والطيور0
ليس حديثنا عن أنواع الدواب والطيور وسلوكهن هو موضوع كتابنا 00 إنما كان استشهادنا بهذه الآية لإشارة عجيبة جاءت فيها ألا وهي قوله تعالى: ( ولا طائر يطير بجناحيه ) 00 فنحن على علم ويقين أن كل ما يسمى بطائر لا يطير إلا بجناحيه 00 فلماذا جاء ذكر الجناحين ؟0
جناحا الطير هما اللذان يمكنان الطائر من الطيران، فلولا دفع الطائر للهواء بجناحيه بقوة مرات كثيرة لما ارتفع الطير في السماء، فالجناحان هما مصدر قوة الطائر اللذان وهبهما الله تعالى له للسير في السماء، والانتقال خلالها إلى الأماكن القريبة أو البعيدة0
الطيور أجناس، وأنواع من الكائنات الحية التي تعيش على هذه الأرض، وتتكاثر وتحافظ على نوعها 00 وهي أمم مثلنا كما صرحت بذلك الآية0
لكن هناك طيور أخرى لها أجنحة لكنها ليست أممًا مثلنا، ولا مثل الطيور وتستطيع أن تطير بأفضل من الطيور وأسرع منها، وتبلغ ما لا تستطيعه الطيور0
هذه الطيور هي الطائرات المعدنية الصناعية؛ فهي تطير، ولكن ليس بقوة جناحيها إنما تطير بقوة دفع محركاتها ونفاثاتها، وما الأجنحة إلا للمساعدة على الطيران والاتزان 00 لهذا ميز الله تعالى الطير الحي الذي يطير بجناحيه عن هذه المخترعات التي شابهت الطيور وليست منها 00 إنها لفتة لطيفة لما يكون عليه الحال في المستقبل 00 وقد كان 00 وأصبحت هذه الطائرات التي لا تطير بجناحيها تعد بالعشرات بل بمئات الآلاف ويسافر في بطنها مئات الملايين في كل عام0



60- الهبوط بالمظلات من السماء

قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) الحج0
هذه آية أخرى تشير بلطف كبير إلى أحداث ستحدث في المستقبل في الأرض وفي السماء بعد زمن طويل من نزول القرآن0
ومعنى الآية في التفاسير أنه من كان يظن أن الله سبحانه وتعالى لن ينصر نبيه، أو ينصره هو، فليطلب حيلة توصله إلى السماء لأنها الجهة التي يأتي منها النصر، أو فليمدد بحبل إلى سقف بيته لأن سقف كل بيت سماؤه، ثم ليقطع عن الأرض فيخنق نفسه أو يختنق بغيظه، هل يذهب ذلك ما يجده من الغيظ ؟0
وكيف تطلب الحيلة لبلوغ السماء ؟ قالوها وفهموا مراد الآية، ولم يكن عندهم علم ولا تصور عن الكيفية0
اليوم ملكنا الحيلة، وملكنا السبب الموصل للسماء، فكيف يكون القطع؟ هل القطع المطلوب عن الأرض ؟ أم القطع عن السبب بعد بلوغ السماء ؟0
كل ذلك قد حصل في زماننا وأصبح من المألوفات التي لا ننكرها فالإقلاع بالطائرات يقطع الاتصال بالأرض ويجعلها بعيدة عنها في بطن السماء 00 وهذا يحدث في كل لحظة في الأرض والآلاف منها في السماء في كل وقت0
وترتب على الانتقال إلى بطن السماء بالطائرات القفز بالمظلات من بعضها، وقطع الاتصال بها، والنـزول إلى الأرض بأمان 00 يحصل ذلك في الحرب وفي السلم، وأصبحت هناك فرق استعراضية تمتع الناس بالتشكيلات التي يشكلونها في الجو0
ومعنى الاختناق بالحبل لا محل له في فهم الآية لقوله تعالى "ثم لينظر" فكيف ينظر من هلك بالاختناق 00 وكيف يذهب غيظه وقد ذهبت نفسه 000 ولكن المراد والواضح
البين في هذه الآية هو الهبوط بالمظلات، والذي قد عرفه الإنسان أخيرًا ويفعله ويتدرب عليه0
فهذه الآية وما كان مثلها من الآيات التي أشارت بلطف لأمر يعد غيبيًا وقت نزول القرآن، حتى لا يحدث اضطرابًا لدى ضعفاء العقول وضعفاء الإيمان من الناس 00 ثم يأتي بعد ذلك زمان يبين ما ورد في الآية ويجليه ليعلم الناس أن علم الله سابق لكل شيء 00 وما وجود الأشياء وحدوثها إلا بإذن الله تعالى0



61- النفاذ من أقطار السموات

قال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن0
قد عرفنا معنى الأقطار واستدللنا بمعناها على أن للسموات حدودًا 00 وما بعد حدودها لا يعد منها0
وتطرقنا إلى معنى سلطان، وقلنا بأنه الوقود الشديد الاحتراق والإضاءة عند اشتعاله، وهو نفسه الذي أعطى القوة الدافعة للصواريخ والمركبات الفضائية في عملية النفاذ إلى الفضاء الخارجي؛ للتغلب على جاذبية الأرض ومادة السموات معًا0
ولكننا لم نتكلم عن النفاذ، النفاذ هو الدخول في الشيء وتعديه، والنفاذ على نوعين نفاذ يتجاوز الشيء ويقطع علاقته به، ونفاذ يكون لجزء منه ويظل له تعلق به؛ كالسهم الذي يتجاوز الرمية بالخروج منها بعد دخولها، ونفاذ يكون بخروج السهم من الطرف الثاني، ولكن تبقي منه بقية عالقة بالرمية0
ولكل نوع من هذا النفاذ عمله في النفاذ من أقطار السموات والأرض، فالنفاذ الذي فعله الإنسان أيضًا على نوعين:
نفاذ تعدى السموات وبقي مرتبطًا بالأرض عن طريق الجاذبية فاتخذ مدارًا له حول الأرض 00 وفي هذا النوع من النفاذ كل الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض0
ونفاذ يقطع علاقته بالأرض والسموات، وهو الذي يخرج من جاذبية الأرض؛ لينطلق في آفاق الكون بعيدًا عن الأرض وجاذبيتها 00 وهذا قد حصل في الذهاب في مركبات فضائية إلى القمر والمريخ والزهرة، وما أرسل إلى بقية المجموعة الشمسية وخارجها0



62- النـزول من السماء
الآيات التي جاء فيها ذكر نزول المطر وغيره، من غير تحديد كثيرة، ونستشهد بآيتين منها فقط؛ قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) البقرة0
وقال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) سبأ0
مادة نزل تستعمل في إيصال ما لا تستطيع أنت الوصول إليه0
فالله تعالى ينـزل لنا المطر؛ لأننا لا نستطيع الوصول إليه، وأنزل إلينا الكتاب؛ لأننا لا نستطيع أن نصل إليه ونأتي به، ومن ذلك إنزال الذين كفروا من أهل الكتاب من صياصيهم0
فكل ما ينـزل من السماء هو مما لا نستطيع أن نأتي به أو نصل إليه والانتفاع به 00 والنـزول من السماء وصف آخر لنوع من الحركة التي لا تحكم للإنسان فيها، ولا يراد بها طبيعة الحركة، بل يراد بها العلاقة بين النازل والمنـزل إليه0
وعلى ذلك يفهم نزول الله إلى السماء في أي وقت شاء، فلا يقاس عليه نوع من الانتقال أو الحركة؛ لأن النـزول لا يراد منه ذلك، بل فيه بيان أن الناس لا يستطيعون الوصول إلى الله عز وجل، لكن الله تعالى هو الذي يصل إليهم، وهو تعالى الذي يكون قريبًا منا بالكيفية التي يشاؤها سبحانه وتعالى لنفسه0 ونزول الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا أفردنا له بابًا في آخر الكتاب0



63- الخرور من السماء

الخرور: السقوط بسرعة وشدة من فقدان الشيء تمالكه لنفسه، والمحافظة على بقائه ثابتًا في موضعه، أو على طريق سيره0
قال تعالى في آيات عديدة: -
: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) مريم.
: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) النحل0
: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سبأ0
: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الأعراف0
: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) السجدة0
تخر الجبال عندما لا تقدر على الثبات في مكانها إذا انشقت الأرض، وخرت جثة سليمان عليه السلام ولم تثبت عندما أكلت دابة الأرض منسأته التي كان عليها متكؤه، وخر موسى صعقًا عندما لم تتمالك نفسه أمام رؤية دك الجبل أمام عينيه، ويخر المؤمن ساجدًا لله إذا ذكر بآياته0
أما آية الحج فتتحدث عن أمر آخر، عن الخرور من مكان لا ثبات فيه، هو الخرور من السماء0
قال تعالى: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) الحج0
ما الذي أوصله إلى السماء حتى خر ؟ 00هل خر من مكان عال في السماء من رأس جبل أو بناء شامخ ؟ 00أو أنه وصل إلى السماء بطريق أخرى كما يرتفع الطير في جو السماء ؟ 00أو وصل إليها بطريق مجهولة غير معروفة لدينا ؟
مادة خر تستعمل فيما أحدث صوتًا من سرعة جري، أو سقوط، أو اندفاع نفس بغير إرادة، كالغطيط الذي يحدثه النائم000 ولكن كيف تخطفه الطير؟0
الخطف: استلاب الشيء نفسه، أو بعضه، أو أخذ شيء والذهاب به سريعًا0
الطيور الجارحة تهاجم الطيور الأخرى في الجو لافتراسها ولكن هذه الطيور لا تكون في وضع الخرور من السماء، بل هي تحاول وتحاور للإفلات منها0
هل من ينـزل بالمظلة يكون في وضع من الخرور من السماء 00 لكن ما الذي يلتقطه في السماء وهو في سرعة في أثناء الهبوط ؟ أو هل سيحدث هذا في المستقبل؟
أو أن الطائرات والصواريخ المرسلة في السماء تعترضها صواريخ فتحطمها0
أو أن المظلة هي تخطف الذي يخر من الطائرة بعد القفز منها، فتحمله فتطير به متحكمة به، فيهبط بها ببطء حتى يصل الأرض سالمًا0
أيًا كان التصور في هذه الآية فقد أنبأت بفعل يقوم به الإنسان قبل قيامه به بقرون طويلة؛ من ركوب للطائرات، والقفز بالمظلات الذي هو نوع من الخرور من السماء قبل فتح المظلة في الألعاب البهلوانية، التي يقومون بها أو بعد فتح المظلة 00 فهذا حال المشرك بالله كحال المعتمد على المظلة تهبط به ولا ترفعه، أو تهوي به الريح آخذة به إلى مكان سحيق حيث يكون في ذلك هلاكه0



64- جو السماء
قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) النحل0
الجو: وسط البيت حيث تكون حركة أهل البيت، والجو: كبد السماء وبطنها، حيث تكون حركة الطيور والسحاب والهواء، والجواء: محلة القوم وسط البيوت حيث تكثر حركة الناس وانتقالهم بين البيوت، وجوانية الإنسان: باطنه وسره، وجاوى بالإبل وهي بعيدة فهاجت وهي مقبلة، والجوة: لون الحديد عندما يتغير ويصدأ، وجوى الطعام والمكان واجتواه: لم يوافقه فكرهه، والجوى: الهوى الباطن، والمرض، والسل وشدة الوجد من عشق أو حزن، والجوي: الماء المنتن الذي تغير0
فاستعمال مادة جوى كان في المكان أو الموضع الذي يكون في حركة واضطراب وتغير0
وجو السماء باطنها الذي يظهر فيه الحركة والاضطراب، فترى السحب سابحة فيه، والطيور طائرة ومهاجرة فيه، وهذا الاضطراب هو سر حركة السحب وطيران الطيور
وخاصة المهاجرة التي تستعين بالتيارات التي تقلل من جهدها، وتوفره لتقطع به آلاف الكيلو مترات0




65- السحاب في السماء

السحاب الذي في السماء له دلالة من اسمه على نوع آخر من الحركات في السماء، فالسحاب من اسمه يدل على عملية السحب التي تجري له في السماء من فوق البحار إلى البر0
السحاب في أول أمره ينشأ ليكون فوق البر أو البحر، يبدأ خفيفًا0
قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) الروم0
ثم يجعله ثقيلاً قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) الرعد0
فإذا ثقل احتاج إلى دفعه وسوقه فقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) الأعراف0
وقال تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) فاطر0
وفي حركته يمر على كل شيء دونه قال تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل0
والسحاب سحاب فوق البحر أو فوق البر قال تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) النور0
وفي سقوطه انتهاء سحبه وفقدانه لصفته قال تعالى: (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) الطور0
وهذا السحاب، في دورة مائية، فمرة يكون سحابًا في السماء، ومرة يكون ماء في الأرض، فهو مما سخره الله تعالى بين السماء والأرض؛ أي ارتبط بهما معًا، وليس هناك فاصل بينهما قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة0


66- جبال في السماء

جاء تشبيه الجبال والتشبيه بالجبال في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم:
تشبيه السحب بالجبال في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) النور0
وتشبيه الأمواج بالجبال في قوله تعالى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) هود0
وتشبيه مرور الجبال بالسحاب في قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل0
هذا الربط بين الجبال والماء في حالاته الثلاث؛ الغازية والسائلة والجامدة له أكثر من دلالة:
- أن الجبال مرت في هذه المراحل الثلاث، فالجبال البركانية تخرج في بداية تكوينها سائلة ومعها كميات من الغازات، وبعض هذه الغازات كالكبريتات والدخان تتكثف على فوهات البراكين وحولها، وينتهي أمر السائل البركاني إلى تكون الجبال طبقة فوق طبقة0
- أن تشبيه حركة الجبال بمرور السحاب التي جاء اسمها من حركة سحبها، هو الدال على حركة الأرض حول نفسها، وهو بمثابة حركة ومرور للسطح أو القشرة على مركز الأرض أو الأجرام السيارة وتوابعها في المجموعة الشمسية 00 ونحن نتعرف على حركة الأجرام حول نفسها من مراقبة تغير وضع نتوءات الجبال المستمر في اتجاه ثابت 00فتغييرات السطح التي أهمها الجبال هي الدالة على حركة الأجرام المشاهدة حول نفسها 0 والسحاب في الحالة الغازية الصرفة لا يرى، وليس الغاز في كل حالاته غازًا صرفًا، فالدخان في حالة غازية، ولكنه يتكون من أجزاء صلبة دقيقة، يمكن جمعها ككتل صلبة والسحاب غاز وهو يتكون من حبات سائلة في أحجام صغيرة، وقد تكون جامدة أيضًا من برد صغير 00 أما إذا لم يكن بين جزيئات الغار ارتباط واتصال فتكون في حالة غازية خالصة0
- أن تشبيه الأمواج بالجبال في علوها يعطي نفس الصورة للبر بجباله 00 فالنظر من أعلى إلى وجه البر كالنظر إلى أمواج في كل اتجاه متباينة الارتفاعات لكنها ثابتة في مواضعها 00 وما ارتفاع الجبال وانثناءاتها إلا بسبب قوى الدفع التكتونية والتصادم للصفائح القارية؛ فكونتها كما تكون قوة دفع الهواء الأمواج على وجه الماء0
- إن رؤية السماء بغير اختلاف فيها لا يدل على حقيقتها، فالسماء فيها ارتفاعات وانخفاضات كوجه البر من الأرض 00 وهذا معلوم في حركة الطائرات، وما تواجهه من المطبات الهوائية 00 لذلك يحدد سير الطائرات في خطوط لتقليل أثر تضاريس الأرض في تضاريس السماء 00 إن كان هذا يعلمه الخاصة، فالعامة تعرف الأمطار على الجبال والمرتفعات أكثر بكثير من المطر على المناطق المنخفضة بسبب تأثير تضاريس الأرض في طبقات السماء 00 فلا عجب إن شبهت السحب بارتفاعها وتنوع أشكالها أو مما لا يرى مما هو معلوم من حقيقتها أن تكون في السماء جبال كالأرض0
- أنه جاء ذكر جبال في السماء مع ذكر البرد؛ لأن البرد في الحالة الصلبة، كما هو حال الجبال وكذلك فإن البرد يتكون بسبب تيارات هوائية ترفع قطرات الماء المتكثفة إلى أعلى؛ حيث تنخفض درجات الحرارة دون الصفر، ويزداد حجمها ووزنها مع تكرار عملية الخفض والرفع، حتى تصل إلى حجم يثقل على الهواء حمله فينـزل بشكل برد0
- أن النظر إلى السحاب من أعلى من حيث تبلغ الطائرات في ارتفاعاتها تراها تحتك كأنها جبال لكنها في السماء0
وأهم خصائص الجبال أنها ثابتة فجاءت آيات كثيرة بينت اتخاذها بيوتًا وأكنانًا ومكانًا للاعتصام للإنسان وغيره0
وقد سميت القرون الأولى من الناس بالجِبِلَّة من نفس مادة جبل في آيتين؛ في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) الشعراء0
وفي قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) يس
ووجه ذلك أن هؤلاء الأقوام السابقين هم في حالة موت وسكون لا حراك لهم، ومن ناحية أخرى قدمهم كما هو الحال في الجبال أيضًا، وثالثة تعلق الناس بهم، والالتجاء إليهم، والتمسك بسيرهم من الضلال، كما الحال في اللجوء إلى الجبال للاعتصام بها0




67- بكاء السماء

قال تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) الدخان0
ورد في تفسير هذه الآية أقوال كثيرة: أن موضع صلاة الإنسان، ومصعد عمله في السماء يبكيان عليه إذا مات، وذكر أقوال كثيرة على بكاء السماء عند مقتل الحسين رضي الله عنه ، مما لا يصح عقلاً ولا نقلاً، وقد قتل سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه وثلاث من الخلفاء الراشدين عمر، وعثمان، وعلى بن أبي طالب رضي الله عنه ، وعلي أفضل من ابنه الحسين وما رأى الناس شيئًا مثل ذلك0
وكيف تبكي السماء على من فاز بالجنة فأصبح من المقربين في الفردوس الأعلى؟!0
وروى الترمذي حديثًا في هذا الباب وقد ضعفه:[(3178) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه ِ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ بَابَانِ بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ *] سنن الترمذي0
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ، في كسوف الشمس، يوم مات ابنه إبراهيم في عشرات الأحاديث الصحيحة نذكر واحدًا فقط: (983) حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ النَّبي ِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا) رواه البخاري0
أقول على نفس منهج الرسول صلى الله عليه وسلم: السموات والأرض هما خلقان من خلق الله، آيتان من آيات الله، لا يبكيان على أحد ولا يضحكان لأحد0
وأما النفي في قوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) فهذا النفي للبكت، وليس للبكاء، وأصلها بكتت حذفت إحدى التاءين من أجل الثقل والحذف في مثل هذا في اللغة والقرآن كثير0
التبكيت: لغة التوبيخ والتقريع والتعنيف واستقبال المرء بما يكره، وبكته: ضربه بالعصا وبالسيف0
وعلى هذا المعنى والنفي الوارد في الآية أنه لم يأتهم ما يكرهون من السماء ولا من الأرض 00 فعندما تسمع ذلك أو تفهمه 00 تظن أنه لم يأتهم أي عذاب، فنفي أن يكون أصابهم من العذاب القليل هو نفي للعذاب الشديد0
ولكن الله تعالى ختم الآية بما ينفى هذا الفهم الذي تولد في صدر الآية فقال تعالى: (وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) أي لم يتركهم الله دون عذاب ولم يمهلهم0 إذن ما الذي الحدث ؟ لقد أغرقهم في اليم 0 فختمت الآية بما يوافق صدرها0
ولو كان "بكت" من البكاء لا من البكت لاختل المعنى لأن نفي البكاء يدل على العذاب الموجب له، ولما احتاج القول إلى نفي أنهم لم يكونوا منظرين لأنهم قد عذبوا فعلاً0
فالآية نفت البكت وليس البكاء والسماء والأرض لا يبكيان على أحد، وحمرة السماء التي قيل فيها ما لا يستحق الوقوف عليه، ظاهرة طبيعية نتيجة انكسار الضوء عند المغيب فافهم ذلك0




68- والسماء ذات الرجع

قال تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) الطارق0
وهذه صفة أخرى من صفات السماء تبين حقيقة من حقائق السماء 00 فبعد أن تعرف الإنسان على مكونات السماء الغازية وجد أن هناك دورة للمياه، ودورة لكل عنصر من عناصر الغازات0
فالماء الذي ينـزل من السماء، ويسقط على الأرض، إما أن يتجمع ويجري لينتهي في البحار، وإما أن يلج في الأرض ليخرج ينابيع وأنهارًا، ومن كل تسقى الأرض، وما يسقى به يلج بعضه أيضًا في الأرض، وإما أن يتبخر مباشرة من البر قبل أن يلج في الأرض ثانية، وإما أن ينتح من سطوح أوراق النبات الذي امتصه، أو يتبخر من سطوح البحار ليرجع مرة ثانية إلى السماء في دورة مستمرة في الأرض0
أما غاز الأكسجين فإن الإنسان والحيوان يتنفس هذا الغاز، وكذلك النبات في الليل، ويمتص الجميع هذا الغاز لعمليات الاحتراق الداخلية في هذه الكائنات الحية في البر والبحر، أو في احتراقها بعد موتها عندما تتحول إلى وقود من فحم، وخشب، وبترول، وغاز الميثان، وغير ذلك، مخرجة ثاني أكسيد الكربون0
وغاز ثاني أكسيد الكربون تمتصه النباتات محررة الأكسجين فتكتمل دورة من الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الكائنات الحية وجو السماء، ونفس الدورة أيضًا تحدث بين صخور الأرض، وبين جو السماء بوساطة الماء0
أما أكسيد النيتروجين فينـزل مذابًا مع الماء، فتستفيد منه النباتات بوساطة البكتيريا، ليعود ثانية نيتروجينَ إلى الجو بعد تحلل النباتات0
نلاحظ أن جميع عناصر الجو ترجع إليه ثانية بعد تحولها في الأرض، والكائنات الحية، مصداقًا لقوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) الطارق0
هذا غير رجوع ما يرتفع فيها من الطير والغبار والإنسان في طيرانه، وحتى لو خرج إلى الفضاء فلا بد له من الرجوع لأنه لا مستقر للكائنات الحية إلا في الأرض، وبفعل الجاذبية يعود أيضًا ما يقذف فيها ثانية إلى الأرض0




[ ;509254][FONT="Simplified Arabic"]

[COLOR=red]69- إرسال السماء مدرارًا

قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) الأنعام0
: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) هود0
: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) نوح0
جاء في هذه الآيات الثلاث إرسال السماء عليهم مدرارًا وليس إرسال الماء من السماء مدرارًا0
وذكر ذلك بهذه الصورة هو تقرير من الله العالم بحقيقة مكونات السماء، فالمطر النازل المسبب للأنهار، وكثرة الخيرات لا تأتي إلا بمطر كثير، ومعه ما ذاب فيه من غازات السماء؛ أكاسيد النيتروجين ، والأكسجين ، وثاني أكسيد الكربون ، وما علق فيها من غبار، وكل المذكور هو مادة السماء، فنـزول المطر بهذه الصورة هو إرسال للسماء لأن ما أرسل هو جزء منها ويدوم أثره في التربة فتجري منه الأنهار، وينبت الزرع، ويكون سببًا لكل خير، فتكثر الأموال، ويكثر البنون ويزدادون قوة إلى قوتهم0
وإذا نزل المطر بغزارة فإن لا ترى فوقك، وأمامك، وأسفل منك إلا المطر 000 وإنك لا ترى من السماء إلا المطر 000 فلا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب 00 فالسماء كلها مرسلة عليك إذا كانت مدرارًا0





70- إسقاط السماء كسفًا

وصف تعالى السماء بأنها مجموعة كسف، ومنها السحب في خمس آيات؛ ثلاث منها في باب الوعيد والتهديد؛
قال تعالى: (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) الشعراء0
: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) سبأ0
: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) الإسراء0
وآية جعل فيها تعالى السحاب كسفًا:
قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) الروم0
وآية اختلطت فيها التسمية على الناس عن واقع الحال:
: (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) الطور
وسبب هذا الاختلاف في التسمية مرجعه أن السحاب سمي بهذا الاسم، وهو في حالة الحركة الأفقية والمرور على ما تحته 00 أما إذا تغير حاله فاسود من تراكمه، واختفت حركته، ولم تعد تلاحظ فيه، وسقط على الأرض مطرًا، أو بردًا، فتسميته لا تصلح للحال الجديد وهذا التغير الذي حدث له0
مادة كسف هي في التغيير المؤقت الذي يطرأ على الشيء، ثم يعود بعد ذلك لحالته الأصلية0
فكسف حال المرء في الصحة والغنى والمكانة: تغير مؤقت يحدث له0
والسحاب في تغير دائم في أثناء حركته، وهو نفسه قد تغير من الانتشار والاختفاء بين أجزاء السماء إلى التجمع والظهور بشكل سحاب0
وكل أجزاء السماء قابلة للتغير من حالتها الغازية إلى السائلة أو الصلبة، وإن كان بخار الماء هو أكثرها استجابة للتغييرات من غيرها إلا أن الإنسان يسيل غازات السماء لحاجاته في بعض الأمور0
وكسوف الشمس هو تغيرها بسبب وقوع القمر في مسار ضوئها الواصل إلى الأرض، وكسوف القمر هو تغيره بسبب وقوع الأرض بين الشمس والقمر على مسار ضوء الشمس المرسل إلى القمر0
وقد غلب على الناس، وفي الوسط العلمي تسمية تغير الشمس بالكسوف، وتغير القمر بالخسوف، والصحيح كلا الأمرين كسوف، أما الخسوف فهو الغياب الذي لا عودة بعده0
فقد قال تعالى في هلاك قارون الذي لا عودة له إلى الدنيا بعد هلاكه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) القصص0
وقال تعالى في خسوف القمر يوم القيامة الذي لا عودة للقمر بعد جمعه بالشمس: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) القيامة.
وإليك جدولاً بما ورد من الكسوف والخسوف في كتب الأحاديث التسعة الأكثر شهرة وتقديمًا فقط:
ينكسفان 37 ينخسفان 6
انكسفت الشمس 32 انخسفت الشمس 5
يكسفان 1 يخسفان 30
كسوف القمر 2 خسوف القمر -
كسوف الشمس 22 خسوف الشمس -
كسوف الشمس والقمر 5 خسوف الشمس والقمر 1
الكسوف 75 الخسوف 14
المجموع 174 51
من الجدول يتبين لنا أن الكسوف استعمل أضعاف الخسوف، وما ذكر من خسوف الشمس في قصة كسوفها أنها كسفت كاملة، وهذا ما يدل عليه في طول كسوفها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف لسورة البقرة في الركعة الأولى، وفي الثانية قرأ دونها، مع أن ملاحظة كسوف الشمس لا يكون حتى يغلب تأثيره على الشمس، ولا يلاحظ ذلك في بدايته، وبعض ألفاظ هذا الجدول لم يرد في الأحاديث، لكن ورد في التبويب لهذه الأحاديث0
ولم يرد لفظ خسوف الشمس منفردة ولا القمر منفردًا مع أن كسوف القمر حدث يتكرر كل عام0
فلفظ الكسوف والخسوف ورد للشمس وورد للشمس والقمر، ولفظ الخسوف لم يرد للقمر إلا مقرونًا مع الشمس، ولم يرد وحده، فصرف الخسوف للقمر، والكسوف للشمس لا دليل عليه، أو لا اتفاق عليه، ولا يتناسب مع دلالة هذين اللفظين، فالكسوف جزئي ومؤقت، ثم يرجع الحال كما كان والخسوف دائم بغير عودة، وقد استعمل الخسوف علامة على كلية الكسوف، ولفظ الكسوف هو الأعلى وهو الأكثر ورودًا في الأحاديث التي جاء فيها ذكر حدث وحيد كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم 0
ولعل ما يفسر كثرة ورود " ولا يخسفان لموت أحد" هو من تناسب الألفاظ؛ فالخسوف الذي يفيد الغياب بلا عودة يناسب الموت الذي لا عودة بعده للحياة الدنيا0
وكذلك جاء لفظ "خسوف" عند ذكر الثلاثة الخسوف التي هي من علامات يوم القيامة الكبرى، وفيها غياب لا رجعة بعده0
وعدم التفريق بين اللفظين والوقوف على خصائص كل لفظ هو الذي يجعل السامع والناقل للحديث لا يرى في نقله غضاضة إن قال خسف أو كسف، أو يفطن لذلك 00 لهذا جاء في الأحاديث اللفظان في قول واحد لحدث واحد .


يتــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:48 PM
71- ما بين السماء والأرض وما بين السموات والأرض

لفظ ما بين السماء والأرض لفظ يدل على شيء ثالث له علاقة بهما معًا، وقد يفهم على أنه شيء ثالث فاصل بينهما 00 وهذا الفهم لا يصح في كل أحواله، وقد يكون خاطئًا0
فالمصلح بين اثنين مثلاً لا يكون مع أحدهما، بل هو معهما معًا، ولولا ذلك لما استطاع الإصلاح بينهما0
قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) الحجرات0
وقال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) النساء0
وإذا كانت السماء تبدأ من وجه الأرض 00 فأين هذا الفاصل بينهما ؟0
فما بين السماء والأرض هو شيء ثالث غيرهما له علاقة وارتباط بهما معًا، ووجه هذا الارتباط بينهما في الحالة التي عليها السموات والأرض:
- أن يكون الذي بينهما جزء منه في الأرض وجزء منه في السماء، وهذا الذي عليه جميع النباتات التي لها جذور في الأرض وفروعها في السماء، ولو في شيء يسير منه0
- أو أن يكون الذي بينهما يرتكز على الأرض، وجسمه وحركته في مادة السماء، وهذا الذي عليه الإنسان والدواب، فالحركة له في بطن السماء، في نفس الوقت الذي يرتكز في سيره على الأرض0
- أو أن يكون الذي بينهما تارة يكون على الأرض، وتارة يكون في السماء، وهذا الذي عليه الطيور الطائرة، وكذلك الماء مرة يكون سحابًا ومرة ماء ساكنًا في الأرض أو جاريًا على وجهها، وما يثار من غبار يرتفع في السماء ثم يرجع إلى الأرض0
وقد جاء ذكر ما بين السماء والأرض في آيتين فقط؛
: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) الأنبياء0
: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) ص0
أما ذكر ما بين السموات والأرض فقد جاء في ثماني آيات:؛
: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) الدخان.
: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر0
: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) طه0
: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) الفرقان0
: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة0
لاحظ في هذه الآيات أنه لم يأت ذكر لليل والنهار، ولا للشمس والقمر، ولا ذكر للإنسان، بفعل بدني يقوم به، أو قد قام به مما سنبينه في المبحث التالي مع بقية الأمثلة0



72- لا يجتمع ذكر الليل والنهار أو الشمس والقمر مع القول "وما بينهما" في آية واحدة
الآيات المتعلقة في هذا المبحث كثيرة، تزيد على خمس وثلاثين آية، وعرضها جميعًا مع ما فيها يطول 00 لذلك اقتصرنا على بعضها كأمثلة عن البقية:
: (ِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة0
: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) آل عمران0
: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الأنعام0
: (ِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف0
: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) الزمر0
هذه الآيات الخمس المختارة تبين عدم ذكر "ما بينهما" مع ذكر الشمس والقمر والليل والنهار أو ما يكون منهما من الظلمات والنور0
والعلة في عدم ذكر ما بينهما أن الشمس والقمر والليل والنهار هما سبب ما بينهما من وجود الحياة في الكائنات الحية النباتية والحيوانية، فبدون الشمس وضوئها وحرارتها تنعدم الحياة، وهما سبب في حركة الكائنات الحية وطيران ما يطير منها أو سكونها وخلودها للنوم0
وكذلك في تبخر الماء، وتشكل السحب، وسقوط المطر كله بسبب تقلبات الليل والنهار في الصيف والشتاء0
فذكر الشمس والقمر، والليل والنهار الذي يكون عنهما يغنى عن ذكر ما بينهما، لأنهن سبب فيما كان بين السموات والأرض، وكذلك لا يجتمع ذكر الناس بأفعالهم مع القول ما بينهما؛ لأن الإنسان هو مما بينهما وفعله وحياته متعلقان بكل ما بين السموات والأرض من كائنات حية واستعمال الماء وبناء البيوت والأبنية0
ونختار من الآيات ثلاثًا كأمثلة لتوضيح وبيان ما أشرنا له:
قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) ق0
: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) الأحقاف0
: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم0
في آية "ق" لم يذكر فعل للإنسان، والإعراض والتفكير الواردان في آيتي "الأحقاف" و"الروم" هو عمل ورفض قلبي وعقلي، وليس عملاً بدنيًا، فذكر ما بينهما لا يتعارض مع ما ذكرناه0
أما في آيتي آل عمران والأعراف التاليتين:
: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران.
: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الأعراف0
ففيهما فعل للإنسان ؛ ففي الآية الأولى قيام وقعود وعلى جنبه، وفي الثانية النظر، ولا يكون إلا بالعيون مع تقلب الوجه في السماء 00 فانظر إلى دقة التعبير القرآني، ومراعاته لأدق التفاصيل التي يعجز عنها البشر0
وآية أخيرة تحتاج الوقوف عليها في سورة الشعراء ذكر فيها "ما بينهما"0
في قوله تعالى: (قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) الشعراء0
لما ذكر "ما بينهما" مع أن الشروق والغروب من فعل الشمس، فبالشروق تفيق الكائنات الحية، وبالغروب تأوي إلى بيوتها وتسكن حركتها 00 إلا أن المراد بذلك، والله تعالى أعلم، لم يرد ذكر الجهة التي تشرق منها الشمس والجهة التي تغرب فيها فقط ولم تشر الآية مباشرة إلى المكان الذي بينهما الذي فيه حركة الناس والكائنات الحية المتأثرة بالغروب والشروق؛ لذلك حسن ذكر "وما بينهما" للدلالة على الناس والكائنات الحية0
ولما كان هذا القول في الأصل من قول موسى عليه السلام في الرد على فرعون في المحاورة بينهما، وأراد موسى عليه السلام مع ذكر المشرق والمغرب ذكر الناس لإعلام فرعون ومن معه أن الذي يحرك الناس ويسكنهم هو الله، وليس فرعون ، فكان ذلك أكثر شدة على مدعي الألوهية؛ فرد ردًا شديدًا بقوله: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) الشعراء0




73- بث الدواب في السموات والأرض

أخبر تعالى في سورة الجاثية أنه بث الدواب من دون تحديد المكان، وإن كانت الدابة قد سميت باسمها لأنها تدب على الأرض للوصول إلى حاجاتها، فقد قال تعالى: (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) الجاثية0
ثم ذكر تعالى أنه بث الدواب في كل الأرض من المنخفضات فيها إلى رؤوس الرواسي، قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) لقمان0
وقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة0
ثم ذكر تعالى أنه بث الدواب في السموات والأرض:
: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) الشورى0
نحن نعيش في بيئة من السماء والأرض، فالسماء من أمامنا ومن خلفنا كما هو الحال مع الأرض، فأنت محاط بهما معًا في حياتك كلها، وفي مسكنك الذي تسكن فيه، ومعك في ذلك جميع دواب الأرض0
فانظر إلى قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) سبأ0
وتأمل قوله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) النحل "من دابة" أي من دابة في الأرض وفي السموات، فكلها يسجد لله، فهذه الآية توافق آية الشورى التي قبلها0
فالدواب، وإن كانت سميت بالدابة لأنها تدب بحركتها على الأرض لتصل إلى ما تريد، فإن جسمها يتحرك في بطن السماء القريب من الأرض دون أن تفارق الأرض؛ سواء أكانت الأرض شديدة الانخفاض كغور الأردن، أم شديدة الارتفاع كالقمم التي تغطيها الثلوج الدائمة0
ولماذا سميت الدابة بهذا الاسم ؟0
ولماذا سمي الدب من دون الحيوانات التي تدب على الأرض بهذا الاسم ؟0
ولماذا سميت الأرضة بدابة الأرض في القرآن الكريم ؟0
قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سبأ0
وهل تحافظ الدواب عند انتقالها إلى السماء ومفارقتها الأرض على الصفة التي حملتها في اسمها ؟0
فال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) الأنعام0
جاءت مادة "دبب" لكل متحرك يريد الوصول إلى حاجاته، والتواصل مع غيره، فخص بالحيوان دون النبات؛ لقدرتها على التحرك والانتقال والتواصل0
واختصت ذوات الأربع بهذا الاسم أكثر من غيرها لقدرتها على حمل الأثقال على ظهرها وتوصيلها إلى أماكن بعيدة0
ولما كان الفرس من الدواب الأكثر استعمالا للركوب، والانتقال، والوصول إلى الأماكن، والأهداف في السلم والحرب خص بالدابة أكثر من غيره0
والدب؛ لاستطاعته الوصول والعيش في أماكن لا يقدر الإنسان على الوصول إليها في الأقطاب، والبقاء فيها زمنًا طويلاً، سمي بالدب0
أما تسمية الأرضة بدابة الأرض فلأنها لا تفارق الأرض أبدًا، فإن تسلقت حائطًا، أو نباتًا بنت لها عليه من طين الأرض مسكنًا وممرًا، وهي في حركتها وانتقالها تسعى للوصول إلى السقوف، وما علا من الأشياء والأماكن فوق مساكنها0
ولما كانت الدواب تصل بحركتها لما تحتاجه، واستعملنا الدواب للوصول بها إلى حاجاتنا ذكر تعالى: (وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) وهي إشارة للطائرات الصناعية التي حلت مع غيرها محل الدواب في استعمالها، وخصها بالذكر لأنها هي الأسرع في الوصول إلى حاجات الناس وتوصيلها، ولم تسم هذه الصناعات بالدواب لأنها لا تصل إلى الأشياء بفعل نفسها، وليس لها حاجات تسعى للوصول إليها، إنما هي حاجات من صنعها، أما الدواب فلها حاجات خاصة بها، والإنسان استفاد من قدرتها فاستخدمها وسخرها لحاجاته0
وهل الذي ورد في آية (يس) يشمل كل ما يركبه الإنسان ؟0
قال تعالى: (وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) يس0
الخلق غير مختص بذات الروح فقط، وقوله تعالى: (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) بعد ذكره تعالى للفلك الذي صنعه نوح عليه السلام بأمر من الله، وهو بغير روح، له دلالته على أن خلق الله لما يركب ليس مقصورًا على ذوات الأرواح؛ كالخيل، والبغال، والحمير، وغير ذلك مما يركب، ولم يكن قد هجن وروض في زمن نوح عليه السلام، بل هو شامل لكل ما يصنعه الإنسان للركوب، كان عمله في البر أو البحر أو الجو، مما يعجب الإنسان من قدرته على الحركة في الأرض أو في السماء0
وقد جاءت هذه الآية في منَّ الله على البشرية بنجاتهم في الفلك إذ لولا نجاة من كان في الفلك لهلك الجنس البشري، فكانت النجاة لنا جميعًا0
ولولا تقدم المواصلات البرية والبحرية والجوية، وسرعتها، وقدرتها على حمل المقادير الضخمة من المواد الغذائية، والأثقال لهلك كثير من الناس المحتاجين في أقاصي الأرض للمواد الغذائية في السلم، وفي الحرب، وفي المجاعات، والنكبات من زلازل وغيرها، وهذا يتناسب مع الفهم بأن الله خلق لهم من مثله ما يركبون0
وفي الآيات التي ذكرت الخلق ذكر البث فقال تعالى: "وبث من دابة" أو "بث فيها" أو "فيهما من دابة" والبث أن يولد من الشيء شيء كثير يتعاظم ويتزايد، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء0
فمن نفس آدم وحواء كل هذه المليارات من البشر0
وقال تعالى: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) الواقعة0
فمن كتلة الجبل المتماسكة يخرج هباء بعد هباء كثير حتى يملأ السماء 0
وقال تعالى: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) القارعة0
فتشبيه حال الناس يوم القيامة بالفراش المبثوث الذي يثير بعضه بعضًا ويهيجه، والفراش مما يكثر نسله، فكل فراشة تضع مئات من البيض الذي يتحول إلى فراش بعد مروره بأطوار في زمن قصير0
وقال تعالى: (وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) الغاشية0
الزرابي: البسط والنمارق، ولمعرفة سبب تسميتها بهذا الاسم ننظر في أخواتها في الجذر؛ فمن ذلك الزريبة؛ وفيها تحشر الماشية، وفي الزرابي تحشر الخيوط فيكون لها وبر طويل ذو ألوان كثيرة، ورسوم، فزرابي النبات إذا اصفر واحمر وفيه خضرة، أي تجمعت فيه ألوان كثيرة، ووصفها بأنها مبثوثة مما انبث فيها من الألوان والرسومات والصور، وهي من الكثرة في كل مكان، أو أنك تستطيع أن تبسطها من كل جوانبها، وأنها منتشرة بكثرة في الجنة0
وقال تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يوسف0
عندما يبث الإنسان حزنه ويكثر من ذكره، فيؤثر هذا البث في السامعين فيحزنون لحزنه، وقد كان هذا الفعل من يعقوب عليه السلام، وكان مؤلما لأبنائه ويضايقهم، فبين أن بث شكواه، وما يجده في نفسه، موجه إلى الله، وليس إليهم؛ لأنه سبحانه وتعالى بيده إنهاء هذا الحزن، ورد يوسف عليه السلام وكشف ما حدث له0
فالدواب قد تكون كائنات حية، وبثها يكون بتناسلها وكثرة ذريتها، فتنتشر في الأرض، وقد تكون مصنوعات لها منفعة الدواب، وتقوم مقامها، وهي ثقيلة في حركتها، وقد يسمع صوت لحركتها وانتقالها، والطائرات، والسفن، والقطارات، والشاحنات الشديدة الثقل، التي لا يساوي ثقلها كائنًا حيًا، مما تعجب من قدرتها على الحركة أو الطيران بهذا الثقل الذي يبلغ أحيانًا مئات الأطنان، وتعجب من سرعتها وهي تحدث صوتًا عظيمًا عند تحركها لإيصال من يركبها إلى الأماكن البعيدة، فأحدثت بين البشر اتصالاً لم تقدر عليه الدواب من قبل0
وقد خص الله تعالى ربط الدواب الحية بالأرض لتمييزها عن الدواب المصنوعة التي تسير في السماء، وإن كان لبعضها قدرة على الطيران في السماء 00 ووجد بعض العناكب في طبقات عالية في السماء لكنها محمولة رغمًا عنها بتيارات الهواء0
وهل هناك بعد قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) دابة أخرى في غير الأرض والسموات ؟0
لم تأت أية إشارة صريحة في القرآن على وجود دواب في غير الأرض، فكل الآيات التي ذكرت بث الدواب ذكرت أن بثها كان في الأرض، وآية واحدة فقط ذكر بثها في السموات مع الأرض، ولم تأت آية فذكرت بثها في السموات فقط، مع أن مفهوم السموات هي هذه الغازات التي غلفت الأرض وأطبقت عليها من كل الجهات0
وذكر السموات (بالجمع) مع الأرض والدواب التي لا تعيش إلا في الأرض في مسألة بث الدواب لهو دليل واضح على ارتباط السموات مع الأرض وشدة القرب والالتصاق بينهما


يتـــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:49 PM
74- من الأحاديث التي شوشت فهم السموات وسعتها:
(ما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام)

: (3216)حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ ( وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) قَالَ ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ و قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ ارْتِفَاعُ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ فِي الدَّرَجَاتِ وَالدَّرَجَاتُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ * سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن0
قال علماء الحديث في رشدين بن سعد:
أحمد بن حنبل: مرة أرجو أن يكون صالح الحديث / ومرة ضعفه، يحي بن معين: لا يكتب حديثه، عمر بن الفلاس: ضعيف الحديث، أبو زرعة الرازي: ضعيف الحديث، أبو حاتم الرازي: منكر الحديث، فيه غفلة، وقال أحمد بن حنبل عن دراج: حديثه منكر0
: (8472) حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ مَرَّتْ سَحَابَةٌ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعَنَانُ وَرَوَايَا الْأَرْضِ يَسُوقُهُ اللَّهُ إِلَى مَنْ لَا يَشْكُرُهُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَا يَدْعُونَهُ أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ فَوْقَكُمْ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ الرَّقِيعُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الَّتِي فَوْقَهَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ سَمَاءٌ أُخْرَى أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سموات ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعَرْشُ قَالَ أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَا تَحْتَكُمْ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَرْضٌ أَتَدْرُونَ مَا تَحْتَهَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَرْضٌ أُخْرَى أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ ثُمَّ قَالَ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ دَلَّيْتُمْ أَحَدَكُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى السَّابِعَةِ لَهَبَطَ ثُمَّ قَرَأَ ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) * مسند أحمد باقي مسند المكثرين0
قال علماء الحديث في الحكم بن عبد الملك:
أحمد: روى عن زهير أشياء مناكير، يحي بن معين: ضعيف ليس بثقة وليس بشيء، أبو حاتم الرازي: مضطرب الحديث، أبو داود: منكر الحديث، النسائي: ليس بالقوي0
(1676 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَا قَالَ قُلْنَا السَّحَابُ قَالَ وَالْمُزْنُ قُلْنَا وَالْمُزْنُ قَالَ وَالْعَنَانُ قَالَ فَسَكَتْنَا فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ رُكَبِهِنَّ وَأَظْلَافِهِنَّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ شَيْءٌ قَالَ عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ * مسند أحمد مسند بني هاشم 0
قالوا في يحيى بن العلاء:
وكيع بن الجراح: يكذب، أحمد بن حنبل: كذاب يضع الحديث، يحيى بن معين: ليس بثقة، عمرو بن الفلاس: متروك الحديث، أبو داود السجستاني: ضعفوه، أبو زرعة الرازي: في حديثه ضعف0
3220 حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ الْمَعْنَى وَاحِدٌ قَالُوا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَأَصْحَابُهُ إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ سَحَابٌ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا فَقَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذَا الْعَنَانُ هَذِهِ رَوَايَا الْأَرْضِ يَسُوقُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْكُرُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهَا الرَّقِيعُ سَقْفٌ مَحْفُوظٌ وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ سَمَاءَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سموات مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهَا الْأَرْضُ ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَ ذَلِكَ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ تَحْتَهَا أَرْضًا أُخْرَى بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ رَجُلًا بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ وَيُرْوَى عَنْ أَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالُوا لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالُوا إِنَّمَا هَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَعِلْمُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا وَصَفَ فِي كِتَابهِ *سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن0
4100 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ قَالُوا السَّحَابَ قَالَ وَالْمُزْنَ قَالُوا وَالْمُزْنَ قَالَ وَالْعَنَانَ قَالُوا وَالْعَنَانَ قَالَ أَبو دَاود لَمْ أُتْقِنِ الْعَنَانَ جَيِّدًا قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالُوا لَا نَدْرِي قَالَ إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سموات ثُمَّ فَوْقَ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ مَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ سِمَاكٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ * سنن أبي داود كتاب السنة0
قالوا في عبد الله بن عميرة، الذهبي: لا يعرف، ابن عدي: ضعفه، العقيلي: ضعفه، إبراهيم الحربي: لا أعرفه، الترمذي: حسن حديثه، وابن حبان وثقه0
وقالوا في الوليد بن أبي ثور، يحي بن معين: ليس بشيء، ابن نمير: كذاب، أبو زرعة الرازي: منكر الحديث يهم كثيرًا، أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، يعقوب بن سفيان وصالح جزرة: ضعيف0
189 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ كُنْتُ بِالْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ قَالُوا السَّحَابُ قَالَ وَالْمُزْنُ قَالُوا وَالْمُزْنُ قَالَ وَالْعَنَانُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالُوا وَالْعَنَانُ قَالَ كَمْ تَرَوْنَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ قَالُوا لَا نَدْرِي قَالَ فَإِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا إِمَّا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وَالسَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سموات ثُمَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِنَّ الْعَرْشُ بَيْنَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ اللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى * سنن ابن ماجة كتاب المقدمة0
الأحاديث التي ذكرت البعد ما بين كل سماء وسماء كلها ضعيفة، ومخالفة للآيات التي بينت حقيقة السموات، فالكاذبون فيها لا يعرفون أن معنى ما بينهما هو ما اشترك معهما، وليس فاصًلا بينهما، ولا فاصل بين السماء والأرض، ولا بين السموات والأرض، ولا بين السموات نفسها0
والحمد لله الذي وهب للأمة من العلماء الذين كشفوا حقيقة الرواة، ولولا جهد هؤلاء العلماء للعب في ديننا اللاعبون0
وهذه الأحاديث يستشهد بها ممن لهم كلمة مسموعة وشهرة بين المسلمين من الخطباء والدعاة دون التحقق من هذه الأحاديث فزادت شهرتها بين المسلمين ظانين أنهم لم يستشهدوا بها إلا على أنها صحيحة، ثقة بالمحاضر أو بالداعية فصاروا يحتجون بها 00 وحقيقة صحتها قد بيناها لكم، فلا يصح منها شيء ، ولا يجوز الاستشهاد بها، ولا يبنى عليها عقيدة في ذلك0






75- أطت السماء وحق لها أن تئط

2234 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ قَالَ أَبو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ * الترمذي0
4180 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ إِنَّ السَّمَاءَ أَطَّتْ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ * ابن ماجة0
20539 حَدَّثَنَا أَسْوَدُ هُوَ ابْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ وَلَخَرَجْتُمْ عَلَى أَوْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ قَالَ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ * أحمد0
هذه الأحاديث رويت عن طريق مجاهد عن مورق عن أبي ذر رضي الله عنه، ومجاهد بن جبر المخزومي توفي (102هـ) في مرو بلد إقامته ومورق بن مشمرج العجلي توفي (105هـ) وبلد إقامته البصرة، وأبو ذر توفي عام 32هـ في الربذة بعد اعتزال الناس فيها وترك الشام والمدينة وبين وفاة مورق وأبي ذر 73 سنة، وحتى يسمع منه يحتاج أن يكون في سن البلوغ، إضافة إلى سني اعتزال أبي ذر، وبلدا الإقامة لهما مختلفان، فعلى هذا حتى تصح هذه الأحاديث يجب أن يكون هناك بينهما اتصال، وأن يكون مورق قد تلقى العلم من أبي ذر، وأن يكون مورق قد بلغ قرابة التسعين من عمره عند موته أو يزيد0 هذا من ناحية، وناحية أخرى أن إبراهيم بن مهاجر راوي هذه الأحاديث ضعيف، ضعفه البخاري رحمه الله وغيره0
فهذا الحديث الذي يكثر الوعاظ من الاستفتاح به ليس صحيحًا، ولا يبنى عليه عقيدة، ولا حكمًا في هذا الأمر، ولمخالف لحقيقة السموات كما صورها القرآن 00 وذكرنا له ولغيره من باب تنبيه الناس الذين ألفوا سماعها إلى ضعفها وبطلانها وعدم الصحة بالاحتجاج بها0





76- الأرض والسموات في الكرسي كحلقة في فلاة
الأحاديث التي ذكرت [ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة] لم يرد منها شيء في الكتب التسعة الأكثر شهرة في كتب الأحاديث، وذكرت في كتب الأحاديث الأخرى0
وقد ورد ذكر ذلك في ثلاثة عشر حديثًا، كلها ضعفها الشيخ الألباني، وبعد تضعيفها في كل طرقها، قال: بمجموعها صحيحة يقوي بعضها بعضًا 00 هذه التقوية من بعضها لبعض عند بعض العلماء لا يعطي القلب الطمأنينة الكافية لاعتقاد ما جاء فيها، لأنها ضعيفة كلها، ومخالفة لصريح ما في القرآن، وتعارض حقيقة السموات كما صورها القرآن0
وقد كان بيني وبين سليم الهلالي (أحد تلاميذ الشيخ ناصر) اتصالاً للسؤال عن هذه الأحاديث فأخبرني أنه لا يصح في هذا الباب شيء، وأن الشيخ رحمه الله تعالى قد تراجع عن رأيه هذا، (أي أن بعضها يقوي بعضًا فتصبح صحيحة)، ولا أدري هل دون الشيخ تراجعه هذا، أم ظل حديثًا بينه وبين تلاميذه0
([COLOR="red"]ذكر هذه الأحاديث جميعًا في السلسلة الضعيفة

يتــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:49 PM
77- عرض الجنة عرض السموات والأرض

قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران0
وقال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد0
تبين آية آل عمران مدى سعة الجنة فهي في عرضها واتساعها عرض السموات والأرض0 00 لكن لماذا عرضها عرض السموات والأرض معًا ؟ ولماذا لم يوصف عرضها بعرض السموات فقط أو عرض الأرض فقط، أو أن يكون عرضها عرض السموات وعرض الأرض بجمع عرض كل منهما ؟0
ارتباط السموات بالأرض هو ارتباط لا بد منه لصلاح الحياة، فدون هذا الارتباط لن تكون هناك حياة 00 فأي اتساع يكون للأرض يكون معه اتساع للسموات0
ولو فرضنا أن السموات هي الكون بكل ما فيها من نجوم وكواكب ومجرات، وليست طبقات غازية تغلف الأرض، وهي مبنية عليها 00 فكم سيكون اتساع الجنة 00 وبمن ستملأ ؟!0
ولو أن الأنس والجن من أولهم إلى آخرهم، وأن جميعهم استحقوا الجنة، وأعطي كل واحد منهم مجموعة شمسية من نجوم مجرة التبانة لما استطاعوا أن يملؤوها0
فكيف إذا كان أهل الجنة يسكنون معًا، ويتكئون على سرر متقابلين، ويطاف عليهم في مواضع جلوسهم بولدان مخلدون وغلمان لهم 00 وأن من كل مائة أو ألف واحدًا في الجنة والباقون في النار0
فقد تدل هذه الآية على أن الجنة هي بحجم الأرض والسموات فقط أو قريبًا من ذلك في مكان ما من الكون الذي لا مالك له إلا الله، والذي لا يعلم مكانها إلا الله0
أما آية الحديد فكان وصف عرض الجنة كعرض السماء والأرض فجاءت السماء بلفظ المفرد0
والفرق بين الآيتين أن الآية الأولى قال تعالى فيها "وسارعوا "، وفي الثانية "وسابقوا"، والمسارعة تكون للخير الكثير؛ لتنال منه القدر الأكبر، والمسرع يسبق فينال أكثر ممن تأخر، لهذا جاءت صيغة السموات بالجمع مع المسارعة، والمسابقة تكون للخير الأقل أو الأفضل؛ للفوز به دون الآخرين، والقليل في هذا يكون أعلى منـزلة وقدرًا من غيره، والسابق هو الفائز بالأفضل، فجاءت الصيغة بالإفراد مع المسابقة، فتبعًا لكل منهما جاء وصف العرض بالسموات والأرض، وجاء الوصف بالسماء والأرض، وفي هذا دلالة أخرى على أن السماء المفردة في الرؤية هي السموات جمعًا عند الدخول في تفاصيلها، والأرض أفردت في القرآن ولم تثنَّ، ولم تجمع، كما جمعت السماء0
ومعنى آخر لعرض السموات والأرض هو العطاء الذي يعرض فيهما مما عرفه الإنسان من أنواع الرزق، وخاصة الفاكهة التي كثر ذكرها في آيات القرآن الكريم، فقد بين تعالى أن فرع الشجرة المباركة يكون في السماء بكل ما تحمل من عطاء، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) إبراهيم0
وهذا العطاء في الدنيا له في الآخرة مثيل، بنفس الاسم الذي عرفة الإنسان في الدنيا، وعرف طيبه وحسنه، وهو في الدنيا للمؤمن والكافر: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) الإسراء، وهو في الآخرة خالص للمؤمنين: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) الأعراف، فلما ذكر عرض السماوات والأرض لم يؤت بأداة التشبيه: الكاف، وذكرت مع السماء المفردة لأن العطاء هو بعض عطاء الجنة0
كلا المعنيين؛ الاتساع والعطاء، مقصودان في تشبيه عرض الجنة بعرض السماء والأرض، أو عرض السموات والأرض، والله تعالى أعلم 00 والمطلوب هو المسابقة والمسارعة لنيل هذا العطاء الواسع، لتكونوا من القلة الناجين يوم القيامة، الذين ينالونه، وينالون ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر0



78- زوال السموات والأرض

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) فاطر0
الزوال مفارقة الشيء مكانه، وزوال صفته، كزوال الحي ومفارقته للحياة بالموت، قال تعالى: (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) إبراهيم0
وكزوال الجبال من أماكنها ببسها وذهابها هباء منثورًا قال تعالى: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) إبراهيم
وقد شاهد العلماء تفجر (السوبر نوفا) وفي الواقع أن كل الأجرام في الكون قابلة للانفجار إذا توفرت لها الظروف، ومنها الأرض بالسموات التي تحيط بها0
والله تعالى يمسك السموات والأرض من الزوال فزوال الأرض هو زوال للسموات؛ لأن السموات ممسوكة ومحفوظة بفعل قوة الجاذبية الأرضية0 فهذه الآية تدل على قبول الأرض والسموات للزوال، بل تفيد أكثر من ذلك، تفيد أن الظروف مهيأة لزوال السموات والأرض، ولكن لطف الله وقبضته عليها هما المانع لهذا الزوال0
وإذا زالت السموات والأرض فإنها ستذهب في فراغ الكون الواسع0
فأين يذهب الكون إن كان هو السموات ؟!0



79- مقاليد السموات والأرض

مادة "قلد" استعملت في جمع الأشياء وحشرها؛ ولذلك جاءت تسمية القلادة، حيث تحشر حباتها في سلكها أو خيطها، والقلادة التي توضع في عنق الدابة لحشرها وربطها في مكانها، وكذلك تقليد الهدي بقلادة من لحاء الشجر يوضع في عنقها، أو أي علامة لتعرف أنها هدي، فهي لا تباع بعد ذلك، ووجب نحرها في مكة، وجاء ذكرها في آيتين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا (2) المائدة0
وقال تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) المائدة0
وتقلد الأمر ألزم نفسه به، وقلده غيره ألزمه به 00 وكل ما خلق الله تعالى وما فيها، هو مجموع ومحشور في ملك الله، ولا يخرج عنه أينما كان 00 وملك الله واسع لا يعلمه إلا هو سبحانه 00 ومن هذا الملك السموات والأرض، فقال تعالى أيضًا في آيتين: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) الشورى0
: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) الزمر0
والمقاليد جمع إقليد، أو مقلاد، وهي المفاتيح، والمفاتيح للخزائن، والخزائن هي لجمع الغالي والنفيس وحشرهما فيها لحفظه، لذلك جاءت التسمية بالمقاليد، ففي السموات والأرض جمع الله تعالى وحبس وحشر فيهما رزق الإنسان، ومن كل ما ينفعه، ويمكِّن له العيش في الأرض0
وبعد اطلاع الإنسان على حال الأجرام الأخرى، وخلوها من الهواء الذي لا غنى لنا عنه في عملية التنفس، وخلوها من الماء الذي منه كل شيء حي، وخلوها من التربة
الصالحة لإنبات النبات، وخلوها من سموات تحفظها ندرك كم من النعم والأرزاق التي حشرت في الأرض والسموات، وحرمت منها الأجرام الأخرى 00فمن هذه المقاليد التي لا يتحكم فيها إلا هو سبحانه وتعالى، يبسط الرزق للناس مؤمنهم وكافرهم في الحياة الدنيا، والكافر هو المحروم الخاسر الذي لا ينال إلا ما كتب له في الدنيا، وليس له في الآخرة إلا النار0




80- السماء ذات البروج

جاء ذكر البروج في القرآن في خمس آيات:
(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ(78) النساء0
(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) الفرقان0
(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر0
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (33) الأحزاب0
(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) النور0
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) البروج0
مادة برج جاءت في كشف ما خفي وتوارى خلف شيء آخر0
فالبرج الذي هو الحصن أو الركن من الحصن، يكشف ما خلف الحصن وحوله، وهو كذلك مكشوف ويرى من بُعد لارتفاعه وعلوه0
وتبرج المرأة أن تظهر ما خفي من زينتها، والبرَج أن يحيط بياض العين بسواده في العيون الواسعة فلا يخفى من سوادها شيء0
والبروج الاثنا عشر في السماء معروفة، ويحسب وقت خروجها عند ظهورها في المشرق بعد مغيب الشمس، فذلك يضمن لها ظهورها طوال الليل، وإلا فإنها تظهر في غير ذلك، وفي ساعات من أول الليل أو آخره، ولكن عند شروقها بعد مغيب الشمس يجعل رؤيتها أطول وقت ممكن من ساعات الليل ويرى كل ليلة (9-10) أبراج من مجموعها0
وقوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) وصف لها دائم فهي تظهر ما خفي وراءها من الكواكب والنجوم والشمس والقمر زيادة على كشفها ما يكون فيها؛ لأنها أكثر المواد شفافية من أي شيء آخر كأمثال الماء والزجاج0
ولولا هذه الصفة لكانت السماء معتمة تحجب الضوء والحرارة، أو حابسة لهما، ولما صلحت الأرض للحياة فيها0



81- حقيقة الفضاء

لم يأت ذكر للفضاء بهذا الاسم في القرآن الكريم، وجاء ذكره في أحاديث بمعنى الخلاء الذي لا شيء فيه يستر ما يكون فيه0
أصل الفضاء الفراغ الذي بين البيوت أو الأمكنة التي ليس فيها مانع يمنع من الانتقال خلاله إلى الأطراف والجوانب الأخرى0
الفراغ الذي بين الكواكب والنجوم لا أثر له في التحكم في الحركة، ليعيق الحركة أو يساعد على زيادة الحركة 00بل الذي يتحكم في الحركة جاذبية الأجرام الكونية وبعدها 00 غير أن أبعاد الأجرام وحركتها قد تقع على خط السائر في الفضاء فيلتقي معها أو لا يكون هنالك التقاء0
الفضاء لا تأثير له لكنه وسط للانتقال، وتبادل تأثيرات الأجرام بعضها في بعض0



82- كيف ينير القمر السموات السبع ؟

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) يونس0
وقال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) الفرقان0
وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) نوح0
وصف تعالى أشعة القمر بأنها نور في الآية الأولى، وبأنها نور في السموات السبع، ولا يكون الشيء نورًا حتى ينير ما حولك، ولا تسميه أو تحكم عليه بأنه نور من رؤيتك له فقط، وقد أطلق النور على ضوء القمر فقط؛ لأنه نور خالص بلا حرارة يسببها للأرض0
إنك وأنت على الأرض لا تستطيع أن ترى كثيرًا من أجرام المجموعة الشمسية، وأكثرها وضوحًا للناس الزهرة المسماة بنجمة الصبح أو المساء، وتصور نفسك أنك تقف على المريخ أو الزهرة، فهل تستطيع رؤية الأرض من هناك ؟ ولو رأيتها فهل تسميها نورًا ؟ فكيف بالقمر وهو لا يساوي إلا (1/81) من حجم الأرض! فهل تسميه نورًا أيضًا كما تسميه على الأرض؟ الجواب معروف فرؤية القمر متعسرة أكثر من رؤية الأرض، ولن يستطيع القمر أن يضيء أقرب الأجرام إلى الأرض فكيف بما هو أبعد أو كان خلفه حيث يقع القمر بينه وبين الشمس!0
والله تعالى يقول الحق، وقوله الحق، والحق الذي يقوله تعالى أن القمر ينير السموات السبع 00 وهذه الآية تدل دلالة قطعية على أن السموات غير الكون، وأن السموات
هي طبقات الغاز التي تلف الكرة الأرضية، فلما استطاع ضوء القمر أن يخترق هذا الطبقات، ويصل إلى وجه الأرض وينير ما عليها فقد أنار ما مر عليه من السموات، فلما أنار أقرب السموات إلى الأرض وهي في ذات الوقت أبعدها عن القمر كانت إنارته لما هو أقرب إليه من الأمور التي لا يختلف عليها اثنان، فبهذا يكون القمر قد أنار جميع السموات، كما أخبرنا سبحانه وتعالى بذلك، وهو أعلم بما خلق وحدود ما خلق0
آية سورة نوح آية تقطع على كل مجادل جداله في حقيقة السموات كما صورها القرآن بأنها الغلاف الغازي بكل طبقاته المحيطة بالأرض، وأنها هي مع الأرض جزء يسير من الكون، وليستا كل الكون0
ومن وقف في حيرة من أمر السموات، وحيرته هذه الآية، فشط في تفكيره، وجعل في كل سماء قمرها أو أقمارها، فقد نسي أن هذا القول جاء على لسان نوح عليه السلام وهو يخاطب قومه فيما يشاهدونه، وليست فكرة مجردة مجهولة المعالم0


يتــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:50 PM
83- كيف يرى قوم نوح عليه السلام السماء سبعًا طباقًا ؟

كيف يرى قوم نوح عليه السلام السموات سبعًا طباقًا ؟0
سؤال يحير المتدبر، لمن آمن بالله ربًا، وبمحمد رسولاً، وبالقرآن كتابًا منـزلاً من الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنـزيل من حكيم حميد 00 كيف يخاطب نوح عليه السلام قومه مذكرًا لهم أن رؤيتهم للسموات السبع الطباق هو من فعل الله في خلق السموات ؟0
لا تأتي الإجابة عن هذا السؤال إلا من دراسة ما هي أسباب الطوفان؟ وكيف حدث الطوفان؟ وكيف انتهى الطوفان؟ وما النتائج التي ترتبت عن هذا الطوفان؟ وما التأثيرات التي حدثت للأرض، والتأثيرات التي حدثت للسموات؟ فالطوفان لم يكن
حدثًا أريد به هلاك قوم نوح عليه السلام فقط؛ فقد كان يكفي لهلاكهم عذاب دون ذلك بكثير0
فهل كانت السموات قبل التأثيرات والتغييرات التي تعرضت لها الأرض والسموات تظهر طبقاتها كما يظهر قوس قزح ألوان الطيف التي يتكون منها الضوء0
نحن على يقين أن قوم نوح لم يكن عندهم من العلم، والإمكانيات، والآلات التي تؤهلهم للتحقق من ذلك 00 وحتى نحن مع هذا التقدم العلمي لم نقف على حقيقة السموات السبع بوجه من التفصيل المحدد



84- تزيين السماء الدنيا

تزيين السماء الدنيا بزينة الكواكب، وبالمصابيح، والذي قد ورد في بعض الآيات من الأمور التي أشكلت على الناس كثيرًا، فجعلوا النجوم من ضمن السماء، وجعلوا الكون المرئي هو ضمن السماء الدنيا 00 لذلك يحتاج هذا التزيين إلى الإفاضة فيه من غير تطويل لجلاء الأمر 00 فهو من الآيات التي تبين حقيقة السموات كما وصفها القرآن، وليس كما فهمه العامة وبعض أهل العلم0
التزيين هو جعل الشيء في رؤية العين أو الاعتقاد أجمل وأفضل وأحسن مما هو عليه فقال تعالى في عدة مواضع:
(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) الكهف
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) الكهف0
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) القصص0
وقد تكون هذه الزينة لمعتقد في القلب، ما يجعل صاحبه يستهين بالتعب، والمشاق التي يعانيها جراء هذا الاعتقاد الذي يؤمن به0
وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) الحجرات0
وقد لا يكون في الشيء أو العمل أي حسن بل هو من القبائح الشديدة فقال تعالى في آيات عدة:
(كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) الأنعام0
(إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) النمل
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) الحجر
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر0
(وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) غافر0
(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) محمد0
أما تزيين السماء فجاء في خمس آيات منها آيتان لم تحدد السماء فيهما بالسماء الدنيا:
(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر0
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) ق0
(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) الملك0
(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات0
تزيين السماء الدنيا قد ذكر في هذه الآيات من الأمور المشكلة التي تبدو للوهلة الأولى أن كل ما نراه هو السماء الدنيا فقط؛ لأنه ذكر أن زينتها هي الكواكب والمصابيح، وبهذا المفهوم تكون هذه الآيات خالفت مجمل ما وصفت به السموات في القرآن الكريم0
ولن تجد في القران الكريم ما هو متضارب ويخالف بعضه بعضًا، وإن حصل الظن في بعض الأمور كهذا الأمر إنما يأتي ذلك من قصور الفهم، وعدم التدبر وبذل الجهد لفهم الأمر على حقيقته، وقد وقعت في ذلك، وصرفت النظر عن هذا الكتاب، لما كان عندي من فهم سلمت فيه لأفكار حملتها مع صغري من غير فقه في اللغة، ولا اطلاع واع على ما في كتاب الله عز وجل0
ولبيان ذلك لا بد من فهم لمعاني المسميات (الدنيا، والزينة، والكواكب، والمصابيح) حتى يتجلى المراد بالزينة0
الكواكب جمع كوكب؛ وكوكب كل شيء معظمه مثل: كوكب العشب، وكوكب الماء، وكوكب الجيش، وكوكب الأرض: نبات، والكوكبة: الجماعة، والكوكب: سيد قومه، وغلام كوكب إذا ترعرع وحسن وجهه ، وغالب استعمال كوكب في اجتماع جمع، أو مفرد بارز على جمعه كالنجم والغلام الحسن الوجه 0
وجاء ذكر الكواكب في القرآن الكريم في خمسة مواضع:
في رؤيا يوسف عليه السلام ؛ قال تعالى:
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف0
وتأويلها كان بسجود أخوته له، فلما سجد الآباء سجد الأتباع من البنين والنساء، فكان كل واحد منهم كنجم في كوكبه
وقال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) الأنعام0
والسماء مليئة بالنجوم، ولكن ما رآه إبراهيم عليه السلام، هو جمع متميز في السماء، أو نجم متميز بين مجموعته، فأمكن تحديده، وأعجب ذلك إبراهيم عليه السلام في صغره، حيث كان يخفيه أبوه عن أعين الناس، فرأى ذلك في ليلة خرج فيها من سردابه، وإلا فإن رؤية النجوم والكواكب تتم في كل ليلة0
وقال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور0
الكوكب هنا على التشبيه؛ فهو مشبه به لشدة نوره الذي يعلو كل ما حوله من زواهر النجوم وخوافتها0
وقال تعالى في أحداث يوم القيامة: (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) الانفطار0
فلا يكون الانتثار إلا للمكون من أشياء كثيرة، كنثر الحب والبذور عند زراعة الأرض، فالكواكب عددها كبير بما يلحقها من نجوم صغيرة وأجرام صغيرة، وانتثارها تفرقها بما يكون من ذلك الفعل خفاء أكثرها فلا يرى منها إلا العدد القليل0
ومع تفجر البحار وتحول الجبال إلى هباء منثور في يوم تكون السماء فيه كالمهل، يتعذر رؤية النجوم سوى عدد قليل متفرق في السماء مما اشتدت إضاءتها0
وقال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ(6) الصافات0
السماء مليئة بالنجوم، وكثرة نجومها لا تجعلها زينة، ولكن ترتبها في مجموعات كثيرة، ذات أشكال عديدة منها النيِّر ومنها الخافت هو الذي جعلها زينة للسماء0
أما الدنيا فجاءت صفة للحياة الأولى، والسماء الأولى، فالحياة الدنيا هي التي نعيش فيها، وتحيط بنا من يوم مولدنا إلى يوم وفاتنا، والسماء الدنيا هي السماء الأولى القريبة المحيطة بنا ونعيش في جوها0
والدنيا من الدنو، وهو شدة القرب مع الإحاطة، فقد وصف تعالى نزول جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) النجم، فقد وصل إليه حتى أحاط به وحضنه بين ذراعيه كما دلت عليه قصة نزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم أول مرة بغار حراء0
والزينة لا تكون زينة إلا إذا اتصفت بأمور عديدة أهمها:
• أن هذه الزينة تضاف إلى الشيء إضافة ولا تكون أصلاً فيه0
• أن تظهر الزينة ما أضيفت إليه بمظهر حسن لم يكن فيه من قبل0
• أن توضع الزينة على المضاف أو تظهر عليه في أوقات معينة، وتنـزع منه أو تفارقه في أوقات أخرى، فلا تلازمه كل زمنه0
• أن تكون هذه الزينة مختارة للشيء بما يناسبه، فيكون هناك تناسب بينهما، فما يناسب اللون الأبيض لا يناسب اللون الأسود، وما يناسب صغير السن لا يناسب كبير السن، وما يناسب النحيف لا يناسب السمين، وما يناسب الأنثى لا يناسب الذكر0
• أن تتناسب الزينة مع شكل الشيء وشكل العضو، فزينة اليدين غير زينة العنق، وهذه غير زينة الأذن، أو الأصابع، أو الأنف، أو الشفتين0
• أن تكون الزينة ذات ترتيب بأشكال متميزة؛ كترتيب العقود ولو بعثرت على صاحبها بغير نظام لما عدة زينة0
• أن تعد الزيادة تلك عند الناس المستعملين لها زينة، فما يعد زينة عند أقوام، وفي بعض المناطق، هو عند غيرهم من باب الجهالة والسخافة، كما تفعل بعض القبائل في إفريقيا في آذانهم وأنوفهم وشفاههم0
• أن الزينة لا تنحصر على وضع الأشياء على الأجسام والأشياء، بل منها ما يكون بالتملك والإضافة والزيادة، كالخيل والأولاد والأموال؛ لأنها تعد من الفضل لهم على غيرهم، وقد تكون الزينة في الأعمال التي يراها صاحبها قدرة له، وفضلاً على غيره فيراها حسنة0
هذا وقد جاء ذكر تزيين السماء بالكواكب والمصابيح مقيدًا بالسماء الدنيا في ثلاث آيات فقط، وفقًا لشروط الزينة يتبن لنا أن الكواكب والمصابيح ليست من السماء، وهي مضافة إليها إضافة، وأن ترتيبات النجوم والكواكب بالتنوعات الكثيرة واختلاف ضوئها، وتناسبها مع لون السماء في الليل، هو الذي جعلها زينة للسماء الدنيا في الليل، وتنـزع منها هذه الزينة في النهار حيث يغلب ضوء الشمس نورها، ويحجبها عن الرؤية، وهذه الكواكب والنجوم التي أعطت للسماء الدنيا هذه الصورة الجميلة لصفحة السماء بالليل هي ما نراه في طبقات الغازات القريبة من الأرض، حيث يكون الغاز ذا كثافة كبيرة وضغط جوي بالنسبة للطبقات العليا، وله قدرة على تشتيت الضوء بما ينتشر فيها من ذرات الغبار وجزيئات الماء، وإذا خرجنا من طبقات الغاز انعدمت هذه الزينة وأصبح الفضاء الخارجي قطعة شديدة السواد، فيها نقاط بيضاء لا تلألؤ لها، وأصبحت ظلامًا موحشًا0
فالآيات التي تحدثت عن تزيين السماء الدنيا تحدثت عن رؤية الكواكب في طبقة الغاز القريبة من الأرض، وتنتهي هذه الرؤية بتعدي هذه الطبقة إلى الفضاء الخارجي، والكواكب هي هي في مواضعها وبعدها الشاسع عن الأرض0
فتزيين السماء الدنيا كان بالكواكب، والمصابيح، أما تسميتها بالكواكب فلأنها سميت بذلك لمضاعفة ضوئها على سائر النجوم، وأما المصابيح فللتغير الشديد في حالها حتى أصبحت ذات درجة حرارة عالية، وشديد الإضاءة، ولولا ذلك لما وصل إلينا ضوءها0 ولم يذكر تعالى تزيين السماء بالنجوم؛ لأن النجوم تفيد الزوال، والزينة زيادة وإضافة0
أما التزيين للسماء وليس للسموات، فإن الزينة بها تختفي قبل تجاوز طبقات الغاز التي بنيت منها السموات0
أما وصف السماء بالسماء الدنيا فعلى أمرين؛ إن أريد بها أقرب السموات إلى الأرض فهي المزينة بالكواكب والنجوم بمفهوم الزينة وشروطها التي بيناها0
وإن أريد بالسماء الدنيا التي هي موجودة حاليًا في الحياة الدنيا فهي أيضًا المزينة، أما في الآخرة فأهل الجنة في ظل ظليل، وظل ممدود، ويسير الراكب، كما ورد في الحديث ، تحت ظل الشجرة مائة عام لا يقطع ظلها، وكذلك لا يأتي عليهم ليل يكشف عن النجوم فأنى لهم رؤية النجوم أو الكواكب إن بقي لها وجود!
هذا ولم يرد ذكر الزينة للناس في الجنة لما بنيت عليه من معانٍ تدل على النقص الذي لا يصلح لأحوال الناس الكاملة والدائمة في الجنة0
وورد لفظ وحيد إشارة إلى الزينة في الآخرة بلفظ ضمير الغائب في قوله تعالى:
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) الأعراف0
ولفظ الضمير للغائب يدل على ذات الشيء دون صفته، واستعماله في القرآن يأتي في مواضع كثيرة عندما يكون الاسم دالاً على صفة لا يحسن ذكرها، أو لا يناسب ذكره في ذلك الموضع من الآية، وما ذكر في هذه الآية مما هو مستهلك من الرزق، وما أخرج الله لعباده من الأرض، وله مثيل في الآخرة، واستهلاكه يفيد أنه غير دائم لكن استمراره يأتي من تجديده بغيره0
وجاء ذكر تزيين السماء دون تحديدها بالدنيا، ودون ذكر للكواكب والنجوم في آيتين من الآيات التي سبق ذكرها، ويرجع ذلك إلى أن السماء مزينة بالنهار بما جعل الله فيها من زرقة خفيفة تناسبها، وبما يرى فيها من سحب وغيوم متنوعة، وهذه الرؤية لها أكثر ما تكون في النهار، لذلك لم يأت ذكر للكواكب فيها، فقد جاء في آية الحجر:
(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر0
فجاء مع الزينة ذكر البروج، وهي بسبب شفافية السماء الشديدة التي مكنت رؤية ما خلف السموات من كواكب ونجوم والشمس والقمر في الليل، والسحب وما يعرج فيها في النهار0
وجاء في آية (ق) ذكر بناء السماء فقال تعالى:
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) ق0
ولولا أن السماء هي بناء لما حمل هذا البناء أجزاء دقيقة من الغبار ومن الماء اللذين يسببان تشتت الضوء في السماء فترى فيها هذه الزرقة على الخلفية المظلمة للآفاق بعدها، والنظر إلى السماء، وإلى زينتها الواردة في الآيتين يكون في النهار، ويكون في الليل0

يتـــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:52 PM
85- الآفاق هو الاسم لما فوق السموات

الآفاق جمع أفق، والأفق هو طرف الأرض أو السماء البعيد الذي يبقى أمامك مهما تقدمت إليه في سيرك 00 هذا وأنت تسير على وجه الأرض، أما إذا خرجت إلى الفضاء فلا حدود لأطراف الكون، ففي كل اتجاه نجوم وكواكب، وبعد التوغل في الفضاء قليلا لا تدري أين موقع الأرض إلا بحسابات قد عُلمت سابقًا، وإلا كان الضياع الذي لا عودة بعده في حسابات من يفكر في غزو للفضاء السحيق0
وقد ذكر تعالى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، لجبريل عليه السلام مرتين؛ الأولى بالأفق المبين، أو الأفق الأعلى، عند بعثه نبيًا وهو في غار حراء قد غطى السماء وسد الأفق بجناحيه فقال تعالى:
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) التكوير0
(ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) النجم0
والمرة الثانية كما يوضحه قوله تعالى: ((وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) النجم0
وجاء في الحديث أنه رآه في المرة الثانية على خلقته التي خلقه الله عليها بستمائة جناح0
ففي هذه الآيات ذكر للأفق ومكانه في الأعلى فوق السماء0
أما قوله تعالى في سورة فصلت:
: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت0
الآفاق في الآية لم تحدد، ولكنها تشمل آفاق الكون وآفاق الأرض، أما آفاق السماء فهي مع الأرض إذا لم تفارق الأرض، أما إذا فارقتها باتجاه الفضاء، وما أسرع أن تفارقها فتكون قد خرجت منها 00وقد تعلم الإنسان من كل ذلك الشيء الكثير من الآيات الدالة على قدرة الله في هذه الآفاق الأرضية أو الكونية0
فالتسمية التي تصلح لما بعد السموات من الكون هي الآفاق؛ لأنها بلا حدود، تنتهي عندها، فلا ينقطع المسير فيها عند حد لا يمكن تجاوزه، لا في الواقع ولا حتى في التقدير لضعف علم الإنسان بما وراء المرئي من هذا الكون الشاسع الأبعاد0




86- الآفاق لا لون لها

رأينا أن ما بعد السموات لا بد أن يكون له تسمية، وهذه التسمية قلنا أن أصلح الأسماء يوافق حالها هو تسميتها بالآفاق 00 فما لون الآفاق ؟
الآفاق لا لون لها، ولو قلنا إن لونها أسود، فيعنى ذلك أنها شيء، وأنها مادة 00 أما الآفاق فهي ليست بمادة توصف، وإن كانت أجرام الكون فيها تسبح 00 فهي خلاء بلا مادة لها حيز مؤثر0
انظر كيف وصف الله رؤية ما بعد السموات قال تعالى:
(لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) الحجر0
فلو فتح الله تعالى بابًا من السماء، وليس بابًا في السماء ، لأن بابًا في السماء يبقيك فيها ولكن بابًا من السماء يخرجك منها 00 كذلك لم يحدد الخروج بليل أو نهار فالأمر
فيهما سواء 00 فلا شيء بعد السماء حول الخارجين يرى، فيقع في أنفسهم أن أبصارهم سكرت، أي حبست عن النظر؛ لأن مادة سكر في حبس الشيء مكانه، ومن ذلك سميت الخمر بالمسكر لأنها تحبس العقل في مكانه عن العمل في الإدراك والتفكير قال تعالى في أربع آيات:
(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) الحجر0
(وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) النحل0
(يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق0
وكذلك سمي السكر بالسكر لأنه يحبس في مكانه، ويسمح للماء بالتبخر في عملية استخراجه وتكريره0
فلو فتح لهم بابًا في السماء لقالوا ذلك؛ لأن عيونهم مفتوحة، وقبل ذلك بقليل كانوا يبصرون، ولم يحدث لأبصارهم شيء، وظنوا أكثر من ذلك أنهم قد سحروا0
وانظر إلى صيغة الجمع في قوله تعالى: (لقالوا إنما سكرت أبصارنا) وانظر إلى الرحلات الفضائية ففي كل رحلة يرسل مجموعة من الرواد ولا يرسل رائد وحده0
فكل من يخرج إلى الفضاء يحس بنفس الوصف القرآني 000فضاء مظلم موحش، وما النجوم فيه إلا نقط بيضاء لا تلألؤ لها، ولا تأثير لها في ظلمة شديدة السواد0 فالآفاق لا لون لها 00 لأنها لا شيء0




87- لماذا لم يتحدث القرآن عن خلق الكون ؟

عرفنا حدود السموات فلماذا لم يحدثنا سبحانه وتعالى عن باقي الكون ؟0
إن من أعظم المصيبات التي تصيب الإنسان أن يستعظم الإنسان نفسه، وأن يرى أن له من الأهمية ما يوجب أن يطلع على كل شيء، وأن يعرف كل شيء0
وقد استعظم المشركون أنفسهم كأمثالهم من الأمم السابقة، فطلبوا أن يروا الله عز وجل، وأن تنـزل الملائكة عليهم، وأن يسألوا أنبياءهم من المعجزات التي يريدونها وتعظم في أنفسهم0
بل عبدوا آلهة يتحكمون بها، ولا تتحكم هي بهم، فقد عبد العرب أصنامًا من تمر إذا جاعوا أكلوها، ومن خشب إذا بردوا تدفئوا على خشبها، وعبدوا أصنامًا قابعة في أماكنها لا تلاحقهم ولا تطلع على جرائمهم0
لقد حدثنا الله بحديث صدق، وهذا الحديث كان على قدر ما نستطيع أن نتحقق منه، ولو بعد حين00وما لا نستطيع أن نصل إليه أو نتوصل إليه فلماذا نريد معرفته؟ وكيف لنا أن نتحقق منه ؟0
الكون واسع جدًا، وليس بالمقدور في عمرنا القصير وقدراتنا الضئيلة، أن نتعرف على كون أبعاده لا تحصر، ونحن نعلم أن الحياة الدنيا لها نهاية ليست بالبعيدة، فلماذا نضيع عمرنا فيما لا يجلب علينا نفعًا 00 بل أين المفر ؟0
القرآن تحدث عن الأمور التي ترتبط بالإنسان، مما يصلح حياته في الدنيا والآخرة، ومما يزيده إيمانًا ويقينًا، أن هذا الكتاب هو من عند الله، وأن الذي أنزل هذا الكتاب هو الذي عنده علم الماضي، وتفاصيل الحاضر، وعلم الغيب، وأن كل الأمور تجري بعلمه وبإرادته، وأن ما وعد به أو توعد به واقع لا محالة، فما على الإنسان إلا أن يكون عبدًا لله، يسعى لإرضاء الله، ويخشى عقابه، ويطمع في نيل النعيم الذي عنده 00 فإن فعل ذلك فقد فاز، وإن أعرض كان من الأخسرين 00 ولم يطلب منه أن يعرف كيف بدأ
الكون وكيف سينتهي أمره 00 إلا أمر السموات والأرض التي فيهما يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا التي مآلها إلى زوال قريب كما أعلمنا تعالى بذلك 000 فلينهض الغافلون والنائمون عما ينتظرهم قبل فوات الأوان فيكونوا من أصحاب الجحيم0




88- هل يصح تسمية الكتب المنـزلة من الله بالكتب السماوية ؟

بعد أن عرفنا حقيقة السموات، وأنها أغلفة غازية تحيط بالأرض من جميع جهاتها 00 فهي خلق من خلق الله ارتبط بالأرض لا بغيرها، ولها أبعاد محددة لا تزيد عن بضع مئات من الكيلومترات في الأكثر على الوصف الذي جاء في القرآن 00 فهل يجوز لنا بعد ذلك نسبة الكتب الإلهية التي أنزلها الله تعالى على عباده وتسميتها بالكتب السماوية ؟0
السموات ليست مكانًا منه يصدر الوحي وإنما هي ممر لهذا الوحي قال تعالى:
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة0
وأمر الله بشأن الأرض وأهلها تأتي به الملائكة حاملين لهذا الأمر من الله إلى ملائكة لله في السماء، وعند نقل الأمر بين الملائكة تتاح الفرصة للجن لاستراق السمع، ليجعلوا مما سمعوا فتنة للناس لإضلالهم بادعائهم علم الغيب0
والجن تستطيع رؤية الملائكة فقد عاش إبليس معهم قبل كفره وقبل طرده من الجنة0 ولقد رأى الملائكة عندما أقبلت في نصرة المجاهدين في غزوة بدر، فقد جاء في سورة الأنفال:
(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) الأنفال0
وقد كان يجري من الجن استراق السمع زمنًا طويلاً حتى بعث محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا فمنعوا من ذلك قال تعالى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) الجن0
وقد أشار تعالى في عدة آيات إلى وجود هؤلاء الملائكة في السماء فقال تعالى:
(قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) الإسراء0
(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) يس0
(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) الملك0
(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) الملك0
وقد يكون من أفعالهم لتنفيذ أمر الله ما يبينه قوله تعالى في هاتين الآيتين:
(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) الأعراف0
(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) العنكبوت0
أو ينـزل عليهم آية مادية يبصرونها ترعبهم وتخيفهم فتذل أعناقهم لها فقال تعالى:
(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) الشعراء0
أو ينـزل عليهم حجارة من السماء أصلها من الأرض كما فعل بقوم لوط فقال تعالى: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) الحجر0
أو يكون إنزال هذه الحجارة من السماء بناء على طلبهم الذي يستخفون به من عذاب الله فقال تعالى:
(وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) الأنفال0
وإن سأل سائل كيف يطلبون إنزال الحجارة والسماء هي غازات وليس فيها حجارة 00 فالجواب على ذلك أن سقوط النيازك، وهي قطع صخرية معروفة للناس منذ القدم، بل كانوا يبحثون عن الحديد في أماكن سقوطها، 00 واليوم نعلم أن مصدر هذه الحجارة ليست السماء، إنما السماء مكان مرورها إلى الأرض عندما تجذبها الأرض أو عندما تعترض مسارها، وكذلك فإن مقذوفات بعض البراكين قد تصل مسافات بعيدة، لكنها غير معروفة بأرض العرب، وما زال بعض الأحياء من كبار السن لم ينس قصة أصحاب الفيل ورميهم بحجارة من سجيل0
وينـزل الله من السماء غير الحجارة البركات، والمراد به الماء لأنه سبب للبركة في النبات والعشب وتكاثر الأنعام، قال تعالى:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) الأعراف0
(وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق0
أو ينـزل مائدة من السماء كما أنزل على عيسى عليه السلام والحواريين فقال تعالى:
: (ِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) المائدة0
: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) المائدة0
والمائدة من الأطعمة التي يعرفها الحواريون، وكل عناصر الأغذية التي تصلح للإنسان ويتناولها من مكونات السماء، وقدرة الله على إيجادها من عناصرها دون إنبات هي قدرة ممن أوجد الحياة بالنبات والحيوان، وقدرة من كون المركبات الغذائية في الأنسجة 00 فسبحان من لا تحد قدرته بشيء0
السماء ينـزل منها ملائكة، رزق، حجارة ، مائدة، عذاب ورجز من عذاب، أما كتاب من السماء، فهذا لا يصح لأن الكتب التي أنزلت هي من عند الله وطريق نزولها إلى الأرض هو السماء0
أما سؤال أهل الكتاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ينـزل عليهم كتابًا من السماء 00 هذا الكتاب سيكون من مادة يصنع منها 00 من ورق، أو جلد، أو خشب، أو عظم، أو أي شيء آخر مكتوب عليه 00 ولم يقصدوا أن يأتيهم بوحي من الله، لكنهم يريدون شيئًا مصنوعًا عليه كتابة، ويرون سقوطه عليهم من السماء بما لم يعرفوه من قبل، فطلبهم أمر يسير، لكن جهلهم بالله عز وجل هو الكبير، فقال تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) النساء0
وقد طلب المشركون مثل طلب أهل الكتاب، فقال تعالى في طلبات المشركين من النبي صلى الله عليه وسلم:
(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) الإسراء0
لقد جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم بكتاب من عند الله هو وحي منه، وهذا أعظم من نزول رقعة تراها العين حتى يؤمنوا لو كان لهم عقول يفقهون بها0
وهذه الكتب التي أنزلت من الله على الناس هي كتب ربانية ونسبتها إلى السماء هي نسبة غير حقيقية قد لا يجوز النطق به حتى لا يكون هناك فهم خاطئ بعد أن وضحنا حقيقة السموات كما صورها القرآن0




89- أين أبواب السماء ؟

الباب لا يكون إلا في شيء، وهذا الشيء يكون مانعًا أمام عملية الدخول أو الخروج إلا من هذا الباب0
جُعل الباب لحفظ ما في الداخل، ومنع من في الخارج من الدخول، لا لمنع الداخل من الخروج، ويوضح ذلك قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) الحديد0
فباطن السور المضروب فيه الرحمة، وهي الجنة، وظاهره؛ أي خارجه، من قبله العذاب، أي نار جهنم 000 فهذا السور ضرب لمنع الكفار من الخروج من النار ودخول الجنة، وجعل باب فيه هو للدخول منه إلى الجنة لمن لم يكتب الله عليه الخلود في النار0
أبواب كل سماء لها عملان تمنع ما كان خارجها من الدخول إلا من أبوابها0
قال تعالى: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) القمر0
وفتح أبواب السماء في الآية هو فتح أبواب السماء التي تلي الأرض مباشرة للمطر في السماء التي بعدها، وقد ثبت أن بعض المطر لا يصل الأرض، ويرفع قبل وصوله إلى الأعلى بتيارات هوائية قوية، وبعض المطر يتبخر مرة ثانية قبل وصوله إلى الأرض، وتمنع تكثفه0
وتمنع كذلك الأبواب من كان داخلها من الخروج إلا من أبوابها، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) الأعراف0
وقال تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) الحجر0
وهذه الأبواب خاصة بالناس فلا تفتح إلا بإذن من الله0
أما قوله تعالى: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) النبأ0
فهذا من أحوال يوم القيامة، وقد يراد بفتح الأبواب لما في الداخل من الخروج، ولما في الخارج من الدخول؛ لأنه تعالى وصفها بالواهية أيضًا0
وما أراد الدخول إلى السماء بعنوة يحترق كما يحصل للشهب والنيازك0
ولا يحدث الاحتراق لها إلا بعد الوصول إلى طبقات الغاز ذات الضغط العالي والقريب من الأرض0
والسماء هي مادة شديدة الشفافية وأبوابها من جنسها، فغير ممكن تحديد موضعها إن كان لها موضع محدد، والأرجح أن أكثر أبوابها متنقل، فمن الملاحظ أن بعض المناطق الصحراوية لا تمطر أو لا يسقط عليها المطر إلا مرة كل عشر سنوات0
وقد أدرك العلماء هذه الخاصية للسموات، فهم يختارون وقت إطلاق المراكب إلى الفضاء، ويختارون الظروف الملائمة للإطلاق، والساعات المناسبة، ويختارون المناطق التي يطلقون منها مراكبهم 000 وعند الدخول ثانية يراعون كل ذلك حتى لا تدمر المراكب الفضائية ويهلك من عليها، حتى قيل إن هناك مناطق في السماء لا يمكن الخروج أو الدخول منها وإليها، وتجربة الدخول أو الخروج منها يعد مغامرة كبيرة أو خطرة0

يتــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:53 PM
90- الحدود التي ينتهي عندها غزو الفضاء

قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) طه0
تبين هذه الآية، بكل وضوح، أن الله تعالى خلقنا من الأرض، وفيها يعيدنا ترابًا وعظامًا، ومنها يخرجنا مرة أخرى 00 فهل في هذه الآية ما يسكن أنفسنا، ويريحنا من عناء لن يفيدنا ؟0
نعم فيها كل الراحة لنا 00 لنفكر في آخرتنا بدل أن نفكر كيف نفر من أرضنا 00 لنفكر كيف نتصالح ونتعاون على الأرض بدل أن نبحث عن حياة لا وجود لها في مكان آخر من الكون 00 لنفكر كيف نحافظ على الأرض والسموات للأجيال بعدنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها بدل إفسادها0
ألم يلاحظ الناس أنه لم يمت أحد من رواد الفضاء إلا في طريق العودة إلى الأرض أو قبل مغادرتها؟ .. لماذا ؟ لأن الله تعالى قال، وقوله الحق، أنه لن يموت أحد خارج الأرض ولن تكون هناك جثة لأحد يموت في مركب يسبح بعيدًا في الفضاء، أو على أرض غير هذه الأرض، ولو أرادوا فعله لما كتب لهم النجاح فيه، ولن يستطيعوا فعله0 أما إن مات على الأرض فقد يرسل بعض أجزائه لأن بعثه يوم القيامة وإنباته من جزء يسير منه0


91- لماذا تحتاج كلمات الله من المداد بأكثر من ماء البحر وسبعة أمثاله وأكثر من ذلك ؟
قال تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف0
وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) لقمان0
قد تبين من رصد الكواكب والنجوم التي ترى عبر السماء بالمراصد الفلكية الضخمة، وبتلسكوب (هالي) الذي يدور في الفضاء أن عدد النجوم كم هائل، ففي الكون المرئي أكثر من مائة ألف مليون مجرة، وفي كل مجرة من مائة إلى ثلاثمائة ألف مليون نجم 00 وما الأرض في الكون إلا كحبة رمل من رمال شواطئ البحار في الكرة الأرضية 000 ولو مثلنا حجم الأرض بحبة حمص ووازنا كل أجرام الكون بحجم الأرض، ومثلناها كذلك بحبات حمص لغطت وجه الأرض 00 ثم نظرنا بعد ذلك إلى الآية الأولى التي افترضت تحول البحر إلى مداد، وإلى الآية الثانية التي افترضت تحول البحر ومن بعده سبعة أبحر إلى مداد للأقلام التي صنعت من جميع أشجار الأرض ما نفدت كلمات الله0
فعمّ إذن ستتحدث كلمات الله ؟ هل عن الأرض وأهلها ؟ الجواب سيكون لا 00 فالأرض وما عليها لا تحتاج كل هذا الحبر أو المداد بلفظ الآية0
فعمّ إذن ؟ إنها ستتحدث عن ملك الله الواسع 00 عن كل هذا الكون المترامي الأطراف وما فيه 00 وعن علم الله الواسع 00 وعما لا نعرف ولا يصل علمنا لمعرفته 00 فسبحان الله عدد ملكه ومداد كلماته وزنة عرشه0



92- وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء

قال تعالى: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) الشورى0
وقال تعالى: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) العنكبوت0
تبين آية الشورى أن الناس لن يعجزوا الله في الأرض 00 فللأرض حدود تنحصر فيها، وإن لم تكن الأرض معروفة بكل بقاعها وقاراتها وجزرها حين نزول القرآن00 فأين يفرون من الله ؟0
وكذلك لم يكن للإنسان عمل في السماء بعيدًا عن وجه الأرض 00 فجاءت آية العنكبوت مبينة أن الناس لن يعجزوا الله في الأرض وكذلك لن يعجزوه في السماء بعيدًا عن الأرض لقوله تعالى "ولا في السماء"0
فآية العنكبوت أنبأت بما سيكون عليه الإنسان من استعمال السماء 00 فقد جاء هذا الزمان الذي رأينا فيه استعمال الإنسان للسماء بكثافة 00 مليون إنسان يوميًا يركب الطائرات التي تتنقل في أرجاء الأرض عبر السماء وأصبح لها خطوط لسيرها في الجو كما للمواصلات الأخرى خطوط على وجه الأرض0
وبلوغ الإنسان القدرة على الانتقال في السموات، والنفاذ إلى الفضاء، لن يعطيه ذلك أن يكون معجزًا لله 00 وما يحمل معه إلا قليلا يبقيه قي السماء لساعات عديدة، يرجع بعدها مضطرًا إلى الأرض للتزود منها بكل ما يحتاجه00 فأين المفر؟ 00 وسبحان الله علام الغيوب الذي أبلغنا بلطف فيما كان وما يكون 00 وصدق الله العظيم الذي قال عن كتابه 00(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة0




93- وأنا كنا نقعد منا مقاعد للسمع

قال تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) الجن0
إذا كانت السماء من مادة غازية فكيف تقعد الجن فيها ؟!0
وهل القعود يشترط فيه أن يكون على مكان صلب ؟0
لفظ القعود يراد به ترك العمل والرغبة فيه؛ بسبب الشعور بالعجز حقيقة، أو لكبر السن، أو خوار الهمة، أو التفرغ لأمر آخر وانتظاره:
قال تعالى: (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) الأعراف0
قال تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) التوبة0
قال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) الإسراء0
فقعود الجن في السماء لاستراق السمع هو التفرغ له، وترك ما دون ذلك، أو الانشغال بغيره، حتى يحين الوقت الذي يتمكنون فيه من استراق السمع، بالكيفية التي تمكنهم من فعل ذلك0

يتــــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:53 PM
94- هل توجد مـخلوقات أخرى في الكون ؟

تبين لنا من كل الأدلة والآيات التي مرت معنا في هذا الكتاب أن الحديث كان عن السموات والأرض والحياة التي فيهما، وبث الدواب فيهما، ولا يتعلق إلا بهذه الأرض، وما لحق بها من السموات التي أحاطت بالأرض مشكلة هذه الأغلفة الغازية0
وقد تبين لنا أن الأجرام السيارة التي تدور حول الشمس لا يصلح منها شيء للحياة، ولا لسكنى الإنسان فيها، ولا حتى الذباب والبعوض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر 00 وفوق ذلك أنه لو كانت هذه الأجرام صالحة للحياة فإن طريق الوصول إليها طريق طويل0
وللوصول إلى الأجرام الأقرب التي تتشكل منها المجموعة الشمسية يكون الإنسان قد خسر الكثير من وزنه وقدرته، ووهنت عظامه قبل أن يصلها، لأنه لن يصلها إلا بعد شهور أو سنين طويلة تكون قواه قد أنهكت، وقد يصل إلى درجة من الإنهاك والعجز، فيفشل في مهمته0
هذا بالنسبة لأجرام تعد شديدة القرب من الأرض، فكيف بالوصول إلى سائر الكون ؟، بل يحتاج للوصول إلى أقرب النجوم إلينا إلى آلاف السنين إن كان حوله أجرام باردة غير مشتعلة تصلح للحياة 00 أي إنسان سيعيش آلاف السنين! إنه سينشئ له ذرية في هذا الدرب البعيد لتواصل رحلتها عنه بعد هلاكه لو قدر له أن يفعل ذلك، فإذا كان فقدان الجاذبية يوهن العظام، فإن تكون الأجنة بدون جاذبية يشوهها تشويهًا كبيرًا، ولم ينشر عن التجارب في الفضاء على تكون الأجنة حتى لا تصاب البشرية بصدمة كبيرة، فيوجد رأي عام ضد أبحاث الفضاء والسفر في الفضاء في رحلات طويلة0
والحقيقة القائمة أننا لم نجد، ولن نجد، غير الأرض مكانًا صالحًا للحياة، ولن نستطيع أن نعرف إن كان هناك حياة أخرى على جرم آخر في الكون0
وأهم من هذا وذاك أن القرآن لم يحدثنا عن أي حياة غير حياة البشر التي نعرفها، وهي سائرة إلى فناء، لتكون بعدها الحياة الآخرة، فمن أراد الخلود فعند الله الخلود 00 والسبيل إليه الإيمان بالله والعمل برضاه0
: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) الواقعة0
: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) العنكبوت0
: (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)


[COLOR=red]
95- بديع السموات والأرض

([COLOR=red]بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) البقرة0
الإبداع هو إخراج الشيء عن المألوف إلى جديد ينشأ على غير مثال سابق فيه، أو في غيره0
وإبداع السموات والأرض هو قطع للماضي الذي سارا عليه وإخراجهما بصورة جديدة لم تكن فيهما، ولا في غيرهما فأصبحا مسخرين للحياة والعيش فيهما، وقد تبين لنا
أن الأرض بما يحيط بها من سموات لا مثيل لها في المجموعة الشمسية، وما بعد ذلك لا نستطيع التحقق إن كان هناك مثيل لهما أو لا إلا بعلم من الله 00 والله لم يعلمنا بشيء عن ذلك0


96- الأرض هي مركز السموات وليست مركز الكون

حقيقة السموات، كما صورها القرآن بكل وضوح وجلاء، فرق بين الكون والسموات، وعدم التفريق هو الذي جعل الصراع قويًا بين الكنيسة والعلم، رفضت الكنيسة فكرة دوران الأرض حول الشمس بكل ما أوتيت من قوة، لأن هذا يخالف فهمهم الخاطئ المنسوب إلى الإنجيل0
أما نحن المسلمين فكتابنا هو كلمات الله المحفوظة بلفظ لا قدرة للبشر أن يأتوا بمثله 00 فإن حصل خطأ أو عجز عن فهم تفسير آية على الوجه الأقرب إلى الحق، جاء جيل آخر من العلماء فبينوا فيه ما لم يسبق معرفته أو الحديث عنه 00 كل ذلك لأن العلماء يتعاملون مع نص ثابت وليس مع تفسير قد يكون عاجزًا عن بلوغ الحقيقة0
واليوم يعلم العالم والمتعلم أن الأرض ليست مركز الكون، بل هي جرم صغير من المجموعة الشمسية، وكذلك الشمس نجم من نجوم مجرة التبانة، وهي كذلك ليست مركزها، وهذه المجرة ليست مركز المجرات ولا مركز الكون0
فالأرض كما بينته الآيات هي مركز السموات المحيطة، والمطبقة عليها من كل الجهات0
والسموات والأرض هي جزء يكاد لا يذكر في هذا الكون الشاسع لضآلة حجمهما، لولا تفضيل الله لهذه الأرض بجعلها صالحة للحياة التي هي فيها0




97- ما بين السماء والأرض فيما يراه الناظر

مع أن السحاب يسبح في السماء، والطير تطير في السماء، ومبتدأ السماء من وجه الأرض التي هي قائمة عليها كبناء فوقها، وفروع الأشجار في السماء، إلا أن هناك رؤية ظاهرية في النهار لزرقة في السماء تعرف بها السماء، وأصبح ينظر إلى هذه الزرقة على أنها السماء، وقد بينا أن هذه الزرقة ناتجة من تشتيت الضوء في السماء بسبب وجود جزيئات الماء، والغبار الذي يصل إلى عشرات الكيلومترات من طبقات الهواء التي لها كثافة، وهذه الزرقة لا ترى بيننا وبين الشمس، ولا بيننا وبين السحاب، ولا بيننا وبين الجبال البعيدة، لأن هذه الزرقة تحتاج إلى خلفية الفضاء المظلمة بعدها حتى تمكننا من رؤية هذا التشتيت الضعيف الذي نراه كزرقة في السماء0
وبين هذه الزرقة التي في السماء وبين الأرض مسافة مقدرة برؤية العين، وقد سميت بالسماء كما سمي المطر والسحاب بالسماء لأنه جزء منها، وهي تمثل سماكة السماء أو تمثل الجزء الذي بيننا وبين هذا البعد الظاهري0
وقد جاء التمثيل بهذا البعد الظاهري بين الأرض والمرئي من السماء على أنه السماء في أحاديث عديدة كالحديث الذي رواه البخاري (21676) وغيره: [COLOR="DarkOrange"]عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِنْهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً مِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ وَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ )




98- الإسراء والمعراج وحقيقة السموات

حادثة الإسراء والمعراج أوجدت بعض المفاهيم التي قد تعارض في ظاهرها حقيقة السموات كما صورها القرآن، ولما كان هذا القرآن الكريم هو كلام الله، والله تعالى هو الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به في السموات، ثم إلى ما فوقها حتى انتهى إلى سدرة المنتهى 00 فلا يعقل أن يكون هناك اختلاف بينهما في تصوير حقيقة السموات0
وفي قصة الإسراء والمعراج مسائل لا يحسن تجاوزها وعدم الوقوف عليها، لأنها تجلي حقيقة السموات:
• تهيئة جسد الرسول صلى الله عليه وسلم لرحلة الإسراء والمعراج0
• الدابة التي ركبها صلى الله عليه وسلم في الإسراء وعليها عرج إلى السموات0
• رؤية الأنبياء عليهم السلام في السموات0
• رؤية النيل والفرات في السماء0
• مكان سدرة المنتهى0
• مكان البيت المعمور0وقبل الحديث عن الإسراء والمعراج لا بد من الإشارة أن هناك اختلافًا في النظر إلى الإسراء والمعراج هل كان الإسراء والمعراج بالروح أم بالروح والجسد؟0
الإسراء يكاد يكون عليه اتفاق أنه تم بالروح والجسد، لكن المعراج هو محل الخلاف، والرأي الراجح فيه أنه كان بالجسد والروح أيضًا لقوله تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم0
فقوله تعالى "ما زاغ البصر" يدل على أن الرؤية كانت مباشرة، وليس رؤيا علم، تحتمل أن تكون عن طريق المنام أو الوحي0
فإن كان الإسراء والمعراج بالروح فقط، أو كانا رؤيا بالمنام فالحديث يضيق عن هذا الحدث، وأما إن كان الإسراء والمعراج بالروح والجسد فعند ذلك يتسع البحث والدراسة في بيان حقيقة السموات بهذه الحادثة0

يتــــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:54 PM
99- تهيئة جسد الرسول صلى الله عليه وسلم لرحلة الإسراء والمعراج

سؤال يطرح نفسه: كيف يستطيع بشر أن يتحمل هذه الرحلة والعروج إلى الفضاء ؟0
نستطيع أن نرد على هذا القول بأن قدرة الله عز وجل كافية للرد على هذا السؤال، لأن الله عز وجل هو الذي أراد لمحمد صلى الله عليه وسلم هذه الرحلة المليئة بالمخاطر، وفوق قدرة الجسد البشري، فما كان فيها هو من باب المعجزات الإلهية التي لا تحد القدرة الإلهية فيها بحد0
لكن وردت هناك أمور في قصة الإسراء والمعراج قد تكون فيها إجابة شافية، ومعجزات لا يقدر عليها البشر 00من ذلك أن المنطلق في هذه الرحلة يحتاج أن يكون جوفه صلى الله عليه وسلم فارغًا، وجسمه محميًا من النـزف، عندما يتعرض لقلة الضغط، وكذلك يحتاج إلى التنفس في جو لا يصلح للتنفس فيه، أو حتى لا غاز فيه 00 وقد جاء في أحاديث بروايات عديدة في مجملها ما يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُمِّن له التغلب على هذه المشاق جميعًا عن طريق شق جوفه من نحره إلى مراق بطنه، فنظف جوفه وغسل قلبه بماء زمزم، وجيء بطست من ذهب مليء بالحكمة والإيمان [أشياء مادية وهذه غير المعاني الحسية التي تحمل نفس الاسم] لتحمي جسده صلى الله عليه وسلم ، وتعطيه الأمان في هذه الرحلة ، فحشي منها قلبه ولغاديده [عروق حلقه]، وسكبت في صدره وجوفه ثم أطبق عليها0
لماذا فعل بالرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ؟0
أول إعداد لجسد الرسول صلى الله عليه وسلم هو تطهير جوفه حتى لا يكون في حاجة لقضاء الحاجة، ولأنه سيكتب له دخول الجنة فلا يصح أن يكون في بطنه من خبث بقايا الطعام شيء، ثم ملء الفراغ الذي في صدره وبطنه حتى لا تتجمع السوائل في الرئتين والأمعاء بسبب قلة الضغط والسرعة 00 فالطيار أثناء طيرانه يلبس بدلة تحشر عروق رجليه، تمنع من تجمع الدم فيهما من جراء سرعة الانطلاق أو سرعة الدوران، لئلا ينخفض ضغط الدم في الدماغ فيصاب عند ذلك بإغماء، فكيف الحال في جو قليل الضغط، أو عند انعدامه، وبسرعة قد تساوي أضعاف السرعة المعروفة التي يطير بها الطيارون للطائرات الحربية الأسرع من الصوت0
وثانيًا: إن الذي يصاب بنـزف داخلي يعطي مواد في دمه لمنع هذا النـزف، فحشي القلب الذي يوزع الدم على كل أعضاء الجسم، وحشي العروق بهذه الحكمة التي تحكم الجسم لتعطي أمانًا لجسد الرسول صلى الله عليه وسلم 0
ويبقى أمر التنفس فإن حاجة الإنسان للتنفس هو لحفظ الجسم في درجة ثابتة، وعند بذل طاقة يزيد هذا الاحتراق، فيحتاج إلى التخلص من ثاني أكسيد الكربون واستبدال بالأكسجين 00 فإذا كان في هذه الحكمة التي حشي بها قلب النبي صلى الله عليه وسلم وعروقه وملئ بها صدره وجوفه تعطي جسده صلى الله عليه وسلم حرارة ثابتة، وتحافظ عليها، وتغنيه عن الاحتراق الداخلي في الخلايا، فإن حاجته للتنفس تكون قليلة، ولا يحتاج للتنفس الشديد والسريع، فيكون جسده الشريف في أمان عند ذلك 00 وهناك من المخلوقات ذات السبات الشتوي التي يكاد ينعدم تنفسها طوال عدة أشهر في سباتها بالتنظيم الإلهي الذي وضعه سبحانه وتعالى لها 00 فعناية الله برسوله ونبيه أعظم، ودون الحاجة لهذا السبات0
وكذلك فإنه يعطى في الدم ما يكون فيه علاج لو تنفس مواد كيميائية أو إشعاعية، والفضاء مليء بالإشعاعات الضارة، فقد تكون هذه الحكمة والإيمان اللذَين أخذهما الرسول صلى الله عليه وسلم يؤمنان له السلامة من كل ذلك، وتحكمان جسمه من التهاوي أو الضرر0



100- الدابة التي ركبها النبي سبحانه وتعالى في الإسراء والمعراج

أما الدابة التي حملت الرسول صلى الله عليه وسلم فلها عدة أوصاف:
فأما تسميتها بالدابة فلا يقتضي أن تكون ذات روح؛ لأن الدابة سميت لقدرتها على الحركة والانتقال، والوصول وإيصال من تحمله إلى مبتغاه، خلافًا للنبات الذي لا يفارق مكانه 00 فكيف بها إذا تحركت مرتفعة في السماء، ووصلت وأوصلت من عليها حيث يريد، أو يراد له0
وأما تسميتها بالبراق ليدل اسمها على شدة عكسها للضوء ولمعانها، ولمعان البرق معروف، وقد سمي السيف بإبريق للمعانه، وكذلك للدلالة على مدى سرعتها، والسرعة مطلوبة لأداء المهمة في وقت قصير جدًا0
وضم أول حروف بُراق حاله كحال كل كلمة ضم أولها، فيه إشارة إلى الباطن؛ فضم أول المصادر الدالة على أصوات يفيد أن هذه الأصوات مصدرها الباطن مثل: (ثُغاء، رُغاء، عُواء، نُباح، صُراخ، 00) وضم أول الأفعال المبنية للمجهول للدلالة على أن الفاعل مستور في باطن يجعله مجهولاً غير معلوم مثل: (كُتب وقُرئ 000)، وكذلك ضم أول الفعل المضارع (يُريدُ ، يُحبُ ، 00) ليدل على أن هذه الأفعال؛ أفعال قلبيه مصدرها نفس الفاعل، وضم آخر الفعل المضارع للدلالة على أنه ما زال داخلا في الفعل، ومستمرًا فيه، ولم ينته بعد منه فيخرج منه، وجعلت الضمة علامة للفاعل للدلالة على أن مصدر الفعل هو من نفس الفاعل، وليس واقعًا عليه، وجعلت واو الجمع علامة تدل على الجمع لكون الجمع يكون من الالتفاف حول شخص أو فكر يكونان بمثابة الباطن لهذا الجمع، وكذلك علامة لرفع جمع المذكر السالم لأن هذا الجمع هو لمن حملوا في أنفسهم صفات معينة، والضمة هي أخت الواو0 وكل استعمالات الواو وأختها الضمة، فيها إشارات للباطن في كامل اللغة والنحو، لكن المجال يضيق عن بيانها واستقصائها، وما أوردناه في الدلالة القوية على ذلك0
فضم أول براق يدل على أن هذه الدابة لها باطن وفيه يتم الركوب ولو كان الدخول إليها من أعلاها0
وأما وصفها فوق الحمار ودون البغل فلبيان مقدار ارتفاعها وأن فيها طولاً0
وأما وصف لونها بالبياض فهذا اللون هو المطلوب ليكون عاكسًا وحاميًا لمن فيها من شدة الحرارة في الفضاء والطبقات العليا من السماء0
وورد في أحاديث أخرى وصف آخر، غير الوصف بالدابة، فقد جاء فيها أن جبريل عليه السلام جاء للرسول صلى الله عليه وسلم "فوكزه في ظهره فقام إلى شجرة فيها كوكري طائر، فقعدت في أحدهما، وقعد جبريل في الآخر، فنشأت بنا حتى بلغت الأفق "وفي رواية" فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي" (جاء في تفسير ابن كثير - أول سورة الإسراء - وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده 58 حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن منصور حدثنا الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة فيها كوكري الطير فقعد في أحدهما وقعدت في الآخر فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي ولو شئت أن أمس السماء لمسست فالتفت إلى جبريل كأنه حلس لاط فعرفت فضل علمه بالله على 000 ثم قال ولا نعلم روى هذا الحديث إلا أنس ولا نعلم رواه عن أبي عمران الجوني إلا الحارث بن عبيد وكان رجلا مشهورا من أهل البصرة ورواه الحافظ البيهقي في الدلائل (2368) عن أبي بكر القاضي عن أبي جعفر محمد بن علي بن دحيم عن محمد بن الحسين بن أبي الحسين عن سعيد بن منصور فذكره بسنده مثله ثم قال وقال غيره في هذا الحديث في آخره ولط دوني أو قال دون الحجاب رفرف الدر والياقوت ثم قال هكذا رواه الحارث بن عبيد ورواه حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ملأ من أصحابه فجاءه جبريل فنكت في ظهره فذهب به إلى الشجرة وفيها مثل وكري الطير فقعد في أحدهما وقعد جبريل في الاخر فنشأت بنا حتى بلغت الأفق)
وجاء في شعب الإيمان ج1/ص175 – 176 (رقم 155) حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الديبلي حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ حدثنا سعيد بن منصور ثنا الحارث بن عبيد الأيادي عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة فيها مثل وكري الطير فقعدت في أحدهما وقعد في الآخر فسميت حتى إذا سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي ولوشئت أن أمس السماء مسست فالتفت فإذا جبريل عليه السلام كأنه حلس لاطئ فعرفت فضل علمه بالله عز وجل علي، ورواه حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: فوقع جبريل مغشيا عليه كأنه حلس فعرفت فضل خشيته على خشيتي فأوحي إلي نبيا ملكا، أو نبيا عبدا، أو إلى الجنة، فأوما إلي جبريل وهو مضطجع أن تواضع، فقلت لا بل نبيا عبدا0
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج1/ص75: رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح0
وجاء في عمدة القاري ج17/ص20 :
ومنهم من قال بوقوع المعراج مرارا منهم الإمام أبو شامة واستندوا في ذلك إلى ما أخرجه البزار وسعيد بن المنصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه قال: بينا أنا جالس إذ جاء جبريل عليه الصلاة والسلام فوكز بين كتفي فقمنا إلى صخرة مثل وكري الطائر فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الآخر فارتفعت حتى سدت الخافقين الحديث وفيه فتح لي باب من السماء ورأيت النور الأعظم
قيل الظاهر أنها وقعت في المدينة0
هذا المشهد يدل على أن الدابة في باطنها هي مركبة ذات مقعدين 00فوكر الطائر لا يكون مكشوفًا بل يكون في بطن شجرة أو جبل أو أرض 00 وفي هذه الشجرة
وكران وكان النبي صلى الله عليه وسلم من وكره الذي قعد فيه يستطيع أن يقلب طرفه وهو فيه، فدل على شفافية ما حوله كأنه زجاج، يمكنه من الرؤية خارج الوكر الذي قعد فيه0
وإذا علمنا أن الشجرة سميت بهذا الاسم لأنها وقفت على ساق، فابتعدت بفروعها وأغصانها عن الأرض، فلما ملكت هذه المركبة القدرة على مفارقة الأرض بنفسها سميت بالشجرة أو ارتفاعها على قوائم تبعدها عن الأرض وتستند عليها0
والشجرة لم تسم إلا بجزئها الذي فارق الأرض دون النظر إلى الساق أو الجذور والدليل على ذلك قاله تعالى:
(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) الفتح0
فما فوق مجلس النبي صلى الله عليه وسلم هو الشجرة في هذه الآية مع أن لها ساقًا بجانبه وجذرًا في الأرض تحته0 والدليل الآخر في قوله تعالى:
(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبراهيم0
فهذه الشجرة ميتة مقطوعة عن جذرها لا خضرة فيها ومع كل ذلك فقد سميت بالشجرة0
فلا تعجب إن سميت هذه الدابة أو المركبة أيضًا بالشجرة؛ من فعلها في مفارقتها في أعظم مفارقة للأرض إلى السموات؛ وإلى سدرة المنتهى 00 لتحمل أول رائد إلى الفضاء بقدر ة الله؛ وبتهيئة لم تعرف البشرية لها مثيل من بعد0
ولا يكن عجبك من تسمية الدابة بالشجرة وأنت قد تعلق فكرك بصورة الشجرة الحية الخضراء، وأنها لن تكون شجرة إلا بهذه الصفة 00 فلعل عجبك مرده التقصير في معرفة تسمية المسميات بأسمائها، وهو أشرف علم في اللغة وذروة سنامه، وقد أعطى تعالى هذه القدرة لآدم ليسمي المسميات بأسمائها، ولينشئ لغة يتخاطب بها بنوه فيما بينهم، ويناجون ربهم، وليعلوا في بيانهم ليستقبلوا كلام ربهم، عندما ينـزل عليهم، قال تعالى:
(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) البقرة0
فقد أعطاه تعالى بما فضله على الملائكة وبين فضله عليهم بهذا العلم 0
وقال تعالى: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن
فمن رحمته تعالى أن حدد عبادته بكلماته، فعلم القرآن 00 ولكن من سيستقبل هذا القرآن والعمل به ؟ فخلق الإنسان 00 ولكن كيف له أن يتلقى القرآن ؟ فعلمه البيان0
من معرفة سبب تسمية المسميات بأسمائها يتولد لنا علم واسع شريف، غفلت عنه الأمة بعلمائها قرونًا طويلة؛ من لدن نزول القرآن إلى يومنا هذا0
وقد سمى العرب النقطة في ذقن الغلام بالشجرة 000 فلك أن تسأل كيف يكون ذلك ؟0
لأنها موضع اعتماد الرأس على الكف ليبقى مرفوعًا عند الاستلقاء بوضع معين0
فهي دابة لقدرتها على الحركة والانتقال والوصول إلى المراد من الأمكنة، وهي شجرة لارتفاعها واستنادها على قوائم، وهي صخرة لكونها جماد وليس كائن حي 000 فجاء تنوع الوصف مراعاة لتعدد الأوصاف0
ولا بد من الإشارة لرواة الحديث السابق عند البيهقي؛ فرواته عنده كلهم ثقات، إلا الحارث بين عبيد؛ فرتبته صدوق يهم، وقد روى له مسلم في صحيحه عددًا من الأحاديث، وروى البخاري لغيره أحاديث وقال: وتابعه عليها الحارث بن عبيد وفلان وفلان ، فإن صح هذا الحديث فقد أشار إلى ما سبق ذكره وبيناه 0
وقد يصح القول ويصدق إن قيل بأنه كان هنالك للرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من معراج، فكثير من الأحاديث ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم انطلق من المسجد الحرام إلى السماء الدنيا، ثم باقي السموات دون أن يكون هناك ذكر للمسجد الأقصى، أو أن يكون هذا المعراج في زمن غير زمن الإسراء، وقد يكون قبل زمنه لأنه قد بدا من الأنبياء عدم معرفة سابقة بمبعث النبي عليه وعليهم الصلاة والسلام، وهو الذي قد صلى بهم في بيت المقدس في ليلة الإسراء0
وجاء في رواية أنه صلى الله عليه وسلم ، بعد صلاته ركعتين في المسجد الأقصى جيء له بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح الأنبياء، وعلى هذه يكون المعراج غير الدابة التي ركبها من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى0
هذه الأحاديث تدل على أن المعراج كان للنبي صلى الله عليه وسلم بالروح والجسد ، وليس بالروح فقط، وهذا هو الرأي الغالب لقوله تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم0

يتـــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:54 PM
101- رؤية الأنبياء في السموات

لقد رأى صلى الله عليه وسلم في السموات ثمانية أنبياء على هذا الترتيب:
في السماء الدنيا آدم عليه السلام0
وفي السماء الثانية عيسى ويحيى أبناء الخالة عليهما السلام0
وفي السماء الثالثة يوسف عليه السلام0
وفي السماء الرابعة إدريس عليه السلام0
وفي السماء الخامسة هارون عليه السلام0
وفي السماء السادسة موسى عليه السلام0
وفي السماء السابعة إبراهيم عليه السلام0
فهؤلاء الأنبياء هم موجودون في أماكن من السموات، وما أوسع السموات، فمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن كانوا أرواحًا بلا أجساد فمن المحال رؤيتهم، والله يصرف من يشاء من الدخول عليهم أو الاقتراب منهم، والأرواح بعد قبضها ترفع إلى السماء ثم ترد ثانية، كما أفادته أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإن كانوا أجسادًا فمعنى ذلك أن وجودهم في هذه السموات كان وقت المعراج فقط؛ لإيماننا أن أجساد الأنبياء جميعًا في قبورهم سوى (عيسى عليه السلام) وقد قال تعالى عن يونس عليه السلام: (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) الصافات، ولقوله صلى الله عليه وسلم [يدفن النبي في المكان الذي يقبض فيه]00 فكيف يكون جسده بعد ذلك في سماء من السموات ؟0
هذا وقد رأى صلى الله عليه وسلم في الإسراء موسى عليه السلام يصلي في قبره0
فالكل يؤمن أن أجساد الأنبياء في قبورهم إلا عيسى عليه السلام0
فلكرامة من الله للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولحكمة أرادها الله تعالى كان وجودهم في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين إلى ربه، ومن ذلك تخفيف الصلوات من خمسين إلى خمس بسبب نصح موسى لمحمد عليهما الصلاة والسلام أن يسأل ربه أن يخفف منها، ولو كان الأمر غير هذا لقلنا أين إسماعيل وإسحاق ويعقوب؟ وأين داود وسليمان وزكريا ؟وأين بقية الأنبياء ؟ ولماذا يوزعون في السموات ولا يجمعون في سماء واحدة وفي مكان واحد كما جمع عيسى ويحيى في السماء الثانية؟
وكذلك لم يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم أهل مكة إلا عن الإسراء ؟ ولم يأت بذكر عن المعراج0
وإذا استرجعنا في أنفسنا أن السماء واسعة جدًا، فأكبر الطائرات التي تحمل المئات من الناس عندما ترتفع كثيرًا تكاد لا ترى بالعين المجردة، فكيف لنا رؤية أحد من الناس لو كان موجودًا في مكان ما في السماء ؟0
إن كان ما رآه هو أرواح الأنبياء فكيف لنا رؤيتهم؟ 00 فنحن لا نرى الأرواح ولا جنس الجن ولا الملائكة، وهم معنا ومن حولنا فكيف نرى من بعد عنا؟
وأنهم حين مر هو وجبريل عليهم، كانوا في حجاب، فاحتاج أمر الدخول عليهم طرق الأبواب وإلى الاستئذان فكيف لنا أن نرى ما كان داخل الحجاب دون إذن وقدرة من الله0
وحتى لا ننسى يجب أن نستحضر في فكرنا أن حقيقة السموات مأخوذة من عشرات الأبواب التي وردت في مئات الآيات القطعية الثبوت، فلا ينسف ما ورد في القرآن بضع أحاديث إن لم يمكن التوفيق بينها، والتوفيق بينها قائم، والمخالفة لهذه الحقيقة لا مكانة لها في الأحاديث الصحيحة0
هناك مناطق معروفة في السماء عند أهل الاهتمام في غزو الفضاء لا يحسن الخروج أو الدخول منها، فليس كل أبواب السماء مفتوحة للدخول أو الخروج في أي وقت يشاءون، فهم يرصدون المكان والوقت المناسبين للخروج إلى الفضاء أو الرجوع منه والله تعالى أعلم0




102- العروج إلى السماء الدنيا

بينا أن المقصود بالسماء الدنيا إما السماء الأولى وإما السماء التي في الحياة الدنيا التي تبدل بغيرها يوم القيامة، والعروج إلى السماء الدنيا في الأحاديث يدل على أن المقصود بها السماء الأولى لذكر باقي السموات بعدها، والسماء الدنيا واقعة بين حدين؛ الحد الأول هو وجه الأرض، والحد الثاني بداية السماء الثانية، أما حدها الأول وجه الأرض؛ فكل الكائنات التي تعيش على وجه الأرض وتتحرك عليها هي أيضًا في الجزء الأسفل من السماء الدنيا، وتتحرك فيه، وهذا الحد لا يحتاج للوصول إليه إلى عروج ، أما فوق ذلك حتى نهاية السماء الدنيا وبداية الثانية فيحتاج إلى العروج إليه0
ولما كانت السماء من مادة شديدة الشفافية فلا يحس بوجود السماء في الجزء الأسفل منها، ولكن الإحساس بها يكون عندما تظهر باللون الأزرق، بسبب تشتيت الضوء فيها جراء جزيئات الغبار والماء، وهذا التشتيت هو ضئيل جدًا لا يمكن الإحساس به إلا في طبقة سميكة على خلفية سوداء، فهو لا يرى ما بينك وبين الغيوم، ولا ما بينك وبين الشمس أو القمر، ولا ما بينك وبين الجبال 00 لذلك صار الإحساس بالسماء الدنيا هو إحساس بالجزء العلوي منها دون باقيها، ونطلق على ما نراه بالسماء 00 فالارتفاع والعروج فيه أصبح يعد عروجًا إلى السماء الدنيا00 وأصبح الجزء غير المرئي أو غير المحس به بحاسة البصر كأنه فاصل بين الأرض وبين السماء0
والتعامل مع السماء في آيات القرآن هو تعامل مع حقيقتها لا على الرؤية القاصرة لها 00 وقد بينا أنه لا يوجد فاصل بين السماء والأرض غيرهما 00وما بين السماء والأرض قد بيناه بأنه ما اشترك معهما؛ فيكون جزء منه في الأرض، وجزء منه يكون في السماء، كالنباتات والأشجار، وإما أن يكون مرة في السماء، ومرة على الأرض، أو فيها، كالماء مرة يكون في الأرض، ومرة يتبخر فيكون في السماء، والطيور التي مرة تكون في السماء، ومرة تكون على الأرض، أو في أعشاشها داخل الأرض0
فالعروج إلى السماء الدنيا ورد في حادثة الإسراء والمعراج ولم يرد هذا العروج في القرآن الكريم، والألفاظ التي رويت بها الأحاديث لا تصل بقوة بلاغتها وفصاحتها ما عليه كلمات وألفاظ القرآن الكريم0




103- رؤية النيل والفرات في السماء

رؤية النيل والفرات ليلة الإسراء والمعراج في السماء الأولى، وفي السماء السادسة، وفي السماء السابعة، وما بعد السماء السابعة، دليل على أن السموات السبع شيء يسير، منها تستطيع أن ترى النيل والفرات، ولو ابتعدت أكثر من ذلك، واستمر ابتعادك، فستختفي معالم الأرض شيئًا فشيئًا، ثم يصل الأمر إلى اختفاء الأرض كلها0
وسؤال يقف المرء عنده00 لماذا الرؤية للنيل والفرات من دون الأنهار؟ 00 لماذا مثلاً لم يذكر دجلة وهو قريب ويجتمع مع الفرات في مصب واحد في شط العرب؟0
الجواب عن ذلك حددته أحاديث عدة في الإسراء والمعراج0
روى أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه رأى أربعة أنهار في معراجه، وسأل عنهما جبريل عليه السلام، فقال: أما الظاهران فالنيل والفرات وأما الباطنان فنهران في الجنة0
وفي الأحاديث التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة0
والجمع بين الأحاديث أن النهرين اللذين في الجنة في حديث مالك بن صعصعة هما سيحان وجيحان في حديث أبي هريرة0
ولماذا جاءت هذه الأحاديث بهذه الصورة ؟0
إذا عرفنا أن الجنة سميت بهذا الاسم المشتق من مادة (جنن) وهذا جذر يفيد ستر الشيء وعدم رؤيته حتى نقف عليه 00 فأول الجنات في الأرض، ولا تكون الجنات إلا من الأشجار المثمرة التي تحتاج إلى الماء الجاري، كانت هذه تنشأ في بطون الأودية بين الجبال وفي المنخفضات، فهي في ستر حتى نقف على حافة هذه البطون فنطلع عليها 00 هذه الجنات هي التي سبقت التسمية إليها في بادئ الأمر قبل تمكن الإنسان من بناء السدود وشق القنوات وحفر الآبار التي مكنت الإنسان من إنشاء جنات في السهول والمناطق المكشوفة0
ومن هذه المادة "الجنين" الذي نعرف مكانه في البطن ولا نقف عليه حتى تضعه أمه ويخرج إلى الدنيا0
"والجن" جنس مستور لا نستطيع رؤيته حتى يمكن الله عز وجل من رؤيته لبعض الناس في الدنيا وللجميع في الآخرة0
"والجنون" ستر للعقل حتى يزول فيفيق منه0
"وجنة النعيم" مستورة في الدنيا ولا يمكن رؤيتها إلا في الآخرة لمن أنعم الله عليه في دخولها0
لذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى الأنهار الأربعة كان اثنان منهما يجريان في مناطق مكشوفة، وهما النيل والفرات بالنسبة لمكان الرؤية له فوق بيت المقدس، واثنان كانا يجريان في بطون الأودية بين الجبال وهما سيحان وجيحان0
وعدم ذكر دجلة دل ذلك على بعده عن الرؤية، وأن سيحان وجيحان هما أقرب منه، وفي بعد يساوي بعد النيل والفرات أو يقارب بعدهما من مكان المعراج الذي عرج منه رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
فأين يقع سيحان وجيحان ؟0
سيحان وجيحان نهران في الأناضول جنوب تركيا الآن يصبان في البحر المتوسط في منطقة أضنة القريبة من الحدود السورية، وهما يجريان بين الجبال، وبعدهما يقارب بعد النيل والفرات عن بيت المقدس0
وقد يقاس بعد هذه الأنهار عن بيت المقدس ومعرفة مدى الرؤية من تحديد ارتفاع السماء السابعة0
وأما وصف هذه الأنهار الأربعة بأنها من الجنة في بعض الأحاديث فجميع منابع هذه الأنهار في بطون الأودية بين الجبال، وكثير من الأنهار حالها كحال هذه الأنهار، ويمكن رؤية ذلك والتحقق منه كلما ازداد الارتفاع أكثر أثناء المعراج0
وأما لماذا هذه الأنهار دون غيرها ؟ 000 فلقربها دون غيرها من بيت المقدس مكان المعراج 000 والسؤال عنها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرها من قبل أو مر عليها، ولأن الاستئذان في السموات، والسلام على الأنبياء الذين مر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الوقت الكافي لملاحظة هذه الأنهار0
وأما ربط الأنهار الأربعة بسدرة المنتهى 00 فإما لأن الرؤية كانت من عند أصلها 00 فجاء النقل كأن هذه الأنهار تنبع من أصلها مرة "وإذا أربعة انهار" ومرة "يخرج من أصلها أربعة أنهار" 00 فقد بينا أن الأنهار الأربعة لها منابع ولها مجارٍ اثنان منها يجريان في ظاهر من الأرض وهما النيل والفرات واثنان يجريان بين بطون الأودية بين الجبال حتى يصبا في البحر وهما سيحان وجيحان0
وأما كيف تمت الرؤية لهذه الأنهار في الليل، فقد تكون الدابة التي ركبوا فيها، وكانوا يقلبون أبصارهم من داخلها، هي في حال يتضاعف الضوء الداخل إليها كالمناظير الليلية فيروا من داخلها ما لا يستطيعون رؤيته بالعين المجردة0

يتــــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:55 PM
104- مكان سدرة المنتهى من السماء

وسدرة المنتهى التي في هذه الأحاديث غير سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى التي جاء ذكرها في القرآن الكريم: (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم0
ومن الروايات المتنوعة التي ذكرت قصة المعراج أن سدرة المنتهى في السماء السادسة؛ روى أحمد في مسنده (رقم 3808) (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُصْعَدُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ 000وَقَالَ مَرَّةً وَمَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا)0
وفي روايات بأنها رفعت للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو رفع إليها بعد السماء السابعة، مرة قبل رفع البيت المعمور، ومرة بعد البيت المعمور0
والسدر شجر ينبت في المناطق الحارة، له صبر على قلة المطر والحر الشديد، في جو يتكون فيه السراب، لذلك يستظل به في الصيف، ويقال سدر الرجل إذا تحير من شدة الحر، وسدر ذهب منطلقًا هائمًا على رأسه، ولهذا سمي هذا الشجر بالسدر0
وآخر الطبقات الغازية التي تتكون منها السموات على ارتفاع يزيد على 92كلم هي طبقة ترتفع بها الحرارة حتى تصل إلى 2000 ْ في أعلى هذه الطبقة، وجزيئات هذه الطبقة في حالة تأين، وخاصة في أعلاها، ولا يصطدم بعضها ببعض، وكل جزيء يستطيع أن ينطلق مسافات بعيدة دون الاصطدام بغيره 00 وتشكل السماء السابعة في الوصف القرآني للسموات الجزء السفلي من هذه الطبقة0
ولقرب السماء السادسة واتصالها بالسابعة جاء ذكر سدرة المنتهى بالنسبة لرفع الأعمال؛ مرة في السماء السادسة، ومرة في السماء السابعة، أو بعدها، فملائكة الأرض ترفع الأعمال إلى من فيها من الملائكة التي تتولى هي رفعها بعد ذلك إلى الله عز وجل0
أما سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى فقد تكون في حرارة شديدة لقوله تعالى أن الناس في الجنة في ظل ممدود ما يدل على أن فوق أشجار الجنة حرارة شديد لا تصل إلى أسفلها، ولا إلى أنهارها التي تجري من تحتها، والشجر الذي نعرفه لا غنى له عن الحرارة والضوء، وكلما كانت الحرارة شديدة، والماء متوفر له ودائم كماء الأنهار، يزداد عطاؤه ويكثر ثمره، والله تعالى يقول أكلها دائم وظلها0





106- الاستواء إلى السماء وعلى العرش

ورد استواء الرحمن على العرش في سبع آيات منها:
قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) البقرة0
وقوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) طه0
استواء الرحمن على العرش محظور الخوض فيه، والاقتراب منه، وخاصة بعد قول الإمام مالك رحمه الله ردًا على أحد السائلين عن استواء الرحمن على العرش فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنها بدعة0
والسكوت عن دراسة هذا الاستواء للوقوف على حقيقته هو منهاج يرضي عددًا كبيرًا من علماء الأمة، ولم يكن هذا المنهج حلاً عند الآخرين، ويريدون جوابًا تطمئن به أنفسهم، وأن كل ما بلغنا به تعالى في القرآن داخل في مجال الإدراك البشري، ولا يبقى إلى الأبد سرًا غامضًا لا يمكن فهمه، وسبب ذلك الخوف من أن يؤدي البحث فيه إلى البحث في كيفية الاستواء، والبحث في الكيفية ممنوع، وسيبقى ممنوعًا الحديث فيه إن أدى إلى التجسيد، أو وصف الله تعالى بالانتقال والزوال0
وترجع صعوبة فهم الاستواء إلى كثرة ما ورد من المرادفات لفهم الاستواء مما نال الرضا من العلماء، أو مما استنكره العلماء وشنعوا على أصحابه، ولم ينل الاستواء نفسه حظًا من الدراسة بعيدًا عن المرادفات التي وضعت له لشرحه أو لتقريب فهمه0
والمدخل لفهم ما في القرآن في الاستواء وغيره لا يكون إلا في المدخل اللغوي؛ لأن الإعجاز كان باللغة، فإن ورد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بيان شيء في القرآن، فهو يوافق الجانب اللغوي، ويقويه، ولا يخرج عنه ولا يعارضه0
ومادة "سوي" جرى استعمالها في القرآن في (83) موضعًا، وفي جميع المواضع تفيد التمام والكمال الذي يسبق التوجه للقيام بما بعده، ونذكر من الأمثلة ما يوضح هذا المفهوم من ذلك قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) الحجر (72) ص0
سويته أي أكملت خلقته وأتممتها 00 فهو مهيأ وجاهز لنفخ الروح فيه0
وفي قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) القصص0
بلغ أشده واستوى أي كمل نضجه، واكتملت رجولته، وأصبح أهلا لتلقي العلم والحكمة0
وفي قوله تعالى: (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) النجم0
فاستوى أي ظهر جبريل عليه السلام بخلقته التامة والكاملة كما خلقه الله تعالى 00 وكان بعدها الدنو والتدلي والوحي إلى رسول الله ونبيه عليه الصلاة والسلام0
وفي قوله تعالى: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (29) الفتح0
فاستوى على سوقه أي تم، وكمل، وأصبح موضع الإعجاب 00 وبعد ذلك يكون اكتمال الثمر ونضجه وحصاده0
وفي قوله تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) المؤمنون0
فإذا استويت أنت وممن معك؛ أي اكتمل صعودكم ووجودكم على السفينة، سواء أكنتم على ظهر السفينة أم كنتم في بطنها، فالاستواء كان بتمام الوجود فيها، وأنه لم يبق أحد من أهلها على الأرض خارج السفينة، وبعد ذلك يكون جري السفينة وانتقالها بقدرة الله فينجو بذلك أهلها من الطوفان0
وفي قوله تعالى: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) الزخرف0
لتستووا على ظهوره أي اكتمل لكم ملك الدابة وذلت لكم لتركبوا على ظهرها، فدون ملك الدابة ولو استعارة، ودون ذل الدابة وقبولها وجود راكب على ظهرها، لا يكون هناك استواء على ظهرها فالاستواء على ظهرها هو تمام كل ذلك، لا على أنه المراد وجود الراكب على ظهر الدابة فقط 000 ثم بعد ذلك التوجه بها إلى حيث يريد، ولو ظلت الدابة واقفة وهو على ظهرها لما صح تسمية ذلك بالاستواء الذي يوجب على صاحبه شكر الله على هذا التسخير0
وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) البقرة 000 وفي قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت0
يفهم من قوله تعالى: "ثم استوى إلى السماء" ما فهم من الآيات السابقة في استعمال مادة سوي؛ بأنه تعالى أراد إتمام خلقها على أكمل وجوهها، وإتمام عددها سبعًا، لذلك قال تعالى فسواهن سبع سموات، لتقوم بما أمرت به، فقال تعالى
بعدها: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0
أما ورود استواء الله على العرش الوارد في سبع آيات منها قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) طه0
وفي قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) الفرقان0
كان هذا الاستواء بعد الحديث عن إتمام خلق السموات والأرض0
وربط الانتهاء من خلق السموات والأرض بالاستواء على العرش؛ لبيان أن خلق السموات والأرض لم يكن لذات الله، بل كان خلقهما ليكونا مكانًا لمن يعبد الله بعد ذلك من الإنس والجن، ولبيان أن عرش الرحمن هو أسبق منهما، ولا موازنة بينهما وبين عرش الرحمن، وان خلقهما كان بيد الله، ولم يكن هذا الخلق من تسلسل أفعال جرت على سنن الله في الكون عامة0
ولم يذكر تعالى أنه سوى السموات والأرض بلفظ يجمعهما معًا، وذكر تسوية السماء سبع سموات، ولم يذكر التسوية للأرض؛ لأنه تعالى جعل في خلقها تغيرًا دائمًا فيها، ولما كان الاستواء يفيد الانتهاء إلى التمام والكمال، ولم يكن هذا حال الأرض في جميع بقاعها، فمنها ما يسير إلى زيادة في الخصب والعطاء، ومنها ما يسير إلى البوار والهلاك والدمار00 ولم يوضع لفظ في القرآن إلا في الموضع الذي يطابق حقيقة اللفظ، وسبب وضعه وتسميته بشكل تام، لذلك جاء الاستواء لفعل الرحمن بعد ذكر خلق السموات والأرض والاستواء إلى السماء، لإتمامها سبع سموات 00 والله سبحانه وتعالى هو أعلم بما أنزل في كتابه0
واستواء الرحمن على العرش يفهم من استعمال القرآن لمادة "سوي" أنه لا يدل على هيئة معينة للاستواء، بل يدل على أن الرحمن أتم الخلق للسموات والأرض، وانتهى من ذلك 00وبعد ذلك تحتاج السموات والأرض إلى تدبير أمرهما0
وأنه، سبحانه وتعالى، لم يشق عليه خلق السموات والأرض، وأنه، تعالى، في كامل قدرته وتمامها، خلاف ما قاله أهل الكتاب من سوء تقديرهم لله عز وجل، وتصورهم تعبه من الخلق وجلوسه على العرش ليستريح ووضع رجلاً على رجلٍ وفخذًا على فخذٍ، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، فقال تعالى: (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) ق0
ومنطلق تدبير أمر السموات والأرض وما بينهما من عند العرش، حيث تنطلق الملائكة بأوامر الله، ثم ترفع ما يكون من الأمور إلى الله بالمجيء إلى العرش0
ولما كان الله سبحانه وتعالى لا يحده مكان ولا زمان، وتحتاج الملائكة مكانًا محددًا لتأخذ منه أمر الله، وترفع إليه ما كلفت به، خلق الله تعالى العرش، وخص به نفسه من دون خلقه، فهو قبلة الملائكة كما أن الكعبة قبلة المصلين في الأرض يتوجهون إليها في صلاتهم وهي ليست مكانًا لوجود لله0
والعرش هو ما يخص واحدًا أو شيئًا لا يشاركه أحد فيه، وعرش الرحمن خلق من خلق الله خص به نفسه فلم يملك لأحد منه شيئًا، ولم يسخره لأحد من خلقه، لذلك سمي بعرش الرحمن لا على أنه مكان يحد الله وجوده فيه 00 تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا0
وارتباط العرش بالرحمن هو ارتباط ثابت به سبحانه وتعالى، لا بأحد غيره، وأن هذا الاستواء كان بعيدًا عن السموات والأرض، فلا يعلم مكان العرش إلا هو سبحانه وتعالى0
لذا نستطيع أن نفهم لماذا ربط الاستواء بالعرش، لنفهم أن تدبير أمر السموات والأرض وما فيهما يكون من عند العرش، قال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة0
وأي فهم للاستواء بغير هذا، وزج أفعال أخرى لبيان معنى الاستواء، لا يؤدي إلا تشويش فهم الاستواء، والإساءة إلى الله سبحانه وتعالى0
فإن قلت أن معنى استوى على العرش: علا عليه أو إليه، فأين كان الله قبل علوه؟ هل كان فيما سفل عن العرش ؟0
وإن قلت بأن معنى استوى: ارتفع، فهل كان هابطًا قبل ذلك ؟0
وإن قلت صعد أو ارتقى، أو أي فعل يرادف ذلك، أشار إلى خلاف ذلك قبل الاستواء مما لا يليق به سبحانه وتعالى0
وإن قلت بأن استوى بمعنى استولى، فهل كان هناك من يزاحمه ويدافعه عن العرش ؟0
وأشد من ذلك، القول بالقعود أو الجلوس على العرش الذي استنكرته الأمة، وشنعت القول على أصحاب هذه الأقوال0
والعجب من تفسير الاستواء بالرسو في قوله تعالى: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) هود0
والضمير في "استوت على الجودي" إما أن يعود على السفينة، وإما على الأرض، فإن عاد الضمير على السفينة بمعنى ذلك أنها رست على الجودي فليس من معاني الاستواء الرسو، وثانيًا كيف ترسو سفينة على جبل دون أن تتحطم ويهلك من عليها، وأمر ثالث أين هذا الجبل المسمى بالجودي؟ وإن أشير إلى أنه في مكان ما 000 فأين الدليل اليقيني الذي يثبت أن هذا المقصود بالآية؟ ولماذا الجودي اسم مخصوص بجبل والآية لم تنطق بذلك0
وإن عاد الضمير على الأرض فمعنى ذلك أن الأرض تمت واكتملت بعد الطوفان فأصبحت أكثر خصبًا وعطاء، والجودي منسوب إلى الجود وهذا يوافق ما بينه نوح عليه السلام من فوائد الاستغفار: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح0
وتحقق ذلك لمن آمن منهم بعد الطوفان، فانظر إلى قول هود عليه السلام لعاد أول قوم بعد نوح عليه السلام،: (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) الشعراء
أما حرف الجر "على" فلا يفيد الظرفية والاستعلاء في كل استعمالاته، وحكمه كحكم وروده في قوله تعالى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) النمل، فهو يؤتى به للربط بين طرفين، وبيان شدة الارتباط وثباته بينهما في الإخبار، أو عند الطلب، فالطلب كان في التوكل على الله، فالتوكل على الله يربط بين المتوكل والله برباط ثابت، ومثل ذلك الاعتماد على الله 00 فلا يفهم من "على" الظرفيه في هذا مطلقًا0
وقد بينا عند بحثنا ﴿ما في السموات﴾ أن "في" يؤتى بها مع الحركة، ويؤتى بـ"على" في الثبات0
والأشياء تكون أكثر اعتمادًا وارتباطًا بينها إذا كان بعضها فوق بعض، كقولنا: الكأس على الطاولة، لكن "على" لا تستعمل لهذا الغرض وحده كما بينا0
والاستواء على العرش الذي ذكره تعالى بعد ذكره لخلق السموات والأرض في كل المواضع الذي ذكر فيها بلا استثناء جاء بصيغة الفعل الماضي "استوى" ليدل على الحداثة التي كانت0
وأما مجيء الاستواء بعد "ثم" في الجميع - إلا في سورة طه – التي تفيد التعقيب مع التراخي، للدلالة على أنه لم يكن هناك استواء على العرش قبل خلق السموات والأرض، إذ كيف يكون هناك تصريف لهما ولشئونهما قبل خلقهما ؟0
هذا الاستواء من الله على العرش الذي ذكر في كتاب الله جاء بصيغته الفعلية، فهل يجوز لنا أن نحوله إلى صيغة اسمية تدل على الثبات والاستقرار، فنقول: أن الله تعالى مستو على العرش ؟0
وقد ذكرت مئات الأفعال لله في القرآن كقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) الفرقان، فهل يصح لنا أن نوجد منها صيغًا اسمية لله؟ فنقول أن الله مثبت ومرتل0
وإذا جاز لنا ذلك فهل يجوز أن نفصل فعل الاستواء ونقول "أن الله على العرش" بدون ذكر الفعل "استوى"، أو نبدل "على العرش" بـ"فوق العرش" فنقول: "أن الله فوق العرش"0
هذا الفصل ليس له ذكر في كتاب الله، ولم أجد حديثًا صحيحًا واحدًا يؤيد هذا الفصل، ومن قال بأن الله "على العرش" أو "فوق العرش" أو "مستو على العرش" لم يستشهد بأي حديث، وكل ذلك مبني على جاء في الآيات: (ثم استوى على العرش)، وليس على لفظ صريح0
والقول بأن الرحمن "على العرش" أو "فوق العرش" لا يصح هذا الفصل وهذا الإبدال مع الله وصفاته، فلكل واحدة منهما معناها الذي تختص به، وفي الأخيرة إدخال (على) على أفعال الله وصفاته ما لم يقل به، ولم يرد ذلك حتى في حديث صحيح، ويجب التفريق بينهما، وعدم النطق بغير ما ورد في القرآن في هذا الباب، لأن دقة الاستعمال اللغوي قد تخفى على كثير من العلماء0
ولقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة التي منها:
(إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي) صحيح البخاري (ج6/ص2700) 0
(إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش) صحيح البخاري (ج6/ص2745) 0
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ الله من الخلق كتب على عرشه إن رحمتي سبقت غضبي) قال أبو داود (رحمتي تغلب غضبي وهو فوق العرش) السنن الكبرى (ج4/ص417) 0
فهذه الأحاديث تبين أن الكتاب هو الذي فوق العرش أو على العرش، وما في هذه الأحاديث يوافق خصوصية العرش وأنه للرحمن، وحفظ الكتب المكتوبة لا يكون إلا عند الله فوق العرش؛ كانت هذه الكتب خاصة أو هي جزءا من اللوح المحفوظ، فمن اللوح المحفوظ تنقل أوامر الله فيما سيكون من الأمور المتعلقة بالسموات والأرض وما بينهما وما فيهما0
والخلاصة أن الاستواء يفيد التمام والكمال قبل التدبير والتصريف والتوجه، وهو من الله تصريف وتدبير لأمور السموات والأرض وما فيهما خاصة والكون عامة، ويكون هذا مما خص الله به نفسه من عرشه0
والاستواء بهذا المفهوم التي تدل عليه اللغة، ودل عليه استخدامه في القرآن، لا يدل على هيئة معينة، فهو ينأى عن كل مترادف يقود إلى التمثيل والتشبيه الذي لا يليق بذات الله الذي ليس كمثله شيء في صفاته وأفعاله0

يتـــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:56 PM
107- سؤال الجارية: أين الله ؟

جاء أحد الصحابة يستشير الرسول صلى الله عليه وسلم في جواز عتق جارية له أعجمية عن رقبة عليه، فلما أحضرها للنبي صلى الله عليه وسلم فسألها أين الله؟ ليختبر إيمانها، فقالت في السماء، وسألها من أنا؟ فقالت: أنت رسول الله، وفي رواية عندما سألها أين الله؟ أشارت إلى السماء بإصبعها وفي بعضها تحديد الإصبع بالسبابة، وعندما سألها من أنا ؟ أشارت إليه وإلى السماء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقها فإنها مؤمنة0
هذه القصة رواها الجميع إلا البخاري والملاحظ في هذه الروايات أن من روى القصة بنفسه كما جاء عن "معاوية بن الحكم" رضي الله عنه أو "رجل من الأنصار" لم يذكر أنها أشارة إلا السماء وجعل جوابها عن السؤال أن الله في السماء، ومن روى القصة ممن حضرها كأبي هريرة رضي الله عنه وغيره ذكر إشارة الجارية برفع رأسها، والإشارة بإصبعها السبابة إلى السماء، وإشارتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى السماء عن سؤال النبي لها من أنا ؟0
واختبار هذه الجارية الخرساء، أو الأعجمية، التي لا تفصح، أو اختبار عدة جوار مثلها بهذا الأسلوب، هو بسبب أعجمية المختبَرة أو المختبَرات، فإن كان الراوي هو مالكها ترجم إشاراتها إلى أقوال، لقدرته على فهمها من طول التعامل معها، وتفسير إشاراتها، وأما من حضر غير مالكها، فهو يصف الإشارة، أو الإشارة وتفسيرها، لقلة معايشة مثل هذا الموقف0
لذلك جاء تفسير إشارتها إلى السماء؛ بأن الله في السماء0
والحقيقة أن الإشارة إلى الأعلى إلى جهة السماء ليس إشارة إلى السماء أو السموات وحدها، بل هو أيضًا إشارة أيضًا إلى ما فوق السموات من الآفاق، وإلى آخر حدود الكون المرئي، وغير المرئي، وما بعد ذلك مما لا يعلمه إلا الله، فالإشارة إلى أعلى إشارة إلى ما لا حدود له ينتهي عندها، خلاف الإشارة إلى الأرض فيتحدد بمحدودية الأرض0
وفي إشارتها تبرئة لها من عبادة الأصنام التي كانت تعبد في جزيرة العرب، فإلـهها ليس من هذه التي نصبت في الأرض0
وهذه الإشارة هي قدر لا يكفي في ثبوت إسلام المرء دون النطق بالشهادتين لمن كان قادرًا على النطق والكلام، لكنها نابت عن إقرارها، ودلت على ما في قلبها من الإخلاص ومعرفة الله0
و "أين" التي هي للاستفهام عن المكان استعملت في استعلام الفرق بين الرتبتين في المنـزلة والدرجة فنقول أين فلان من فلان؟ وسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية يحتمل أن يكون من هذا الباب0
فكانت إجابتها تفيد؛ أن الله في سمو وارتفاع وعلو منـزلته وقدره، فعبرت عن الجلال والعظمة والشرف لا المكان التي أشارت إليه0
ونحن نتوجه في صلاتنا لله نحو الكعبة وفي دعائنا نرفع أيدينا نحو السماء فلا الكعبة ولا السماء انحصر الله فيهما0
وقد يكون في سؤالها وإجابتها إثبات وجود الله لا إثبات الجهة0
وقد جاء في فتح الباري (ج13/ص402) 0
[قوله صلى الله عليه وسلم للجارية أين الله قالت في السماء فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في التعطيل لقصور فهمها عما ينبغي له من تنـزيهه مما يقتضى التشبيه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا]0
فجواب الجارية إن كان بالإشارة أو بترجمة الإشارة إلى قول لا يعقد عليه تحديد وجود الله في السماء، وكان اختبارًا خاصًا لمن لا يستطيع النطق أو الإفصاح عما في قلبه من الاعتقاد0




108- معية الله مع خلقه

المعية هي انضمام شيء إلى شيء في أمر ما، كما في قوله تعالى: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) آل عمران0
وفي قوله تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) الحجر0
وفي قوله تعالى: (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) التوبة0
وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة0
وهذا غير مرتبط بزمان أو مكان محددين، أو يكون بينهما أزمان متباعدة،كما في قوله تعالى: (رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) آل عمران0
أو يكونا معًا في الشيء في نفس المكان والزمان، كما في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) النساء0
وفي قوله تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) الأعراف0
وفي قوله تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ (36) يوسف0
أو يكونا معًا في التوجه مبتعدين عن المكان، كما في قوله تعالى: (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) الأعراف0
وفي قوله تعالى: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) هود0
وقد تكون المعية بين جنسين مختلفين كما في قوله تعالى: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) الأنبياء0
وفي قوله تعالى: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) ص
وقد تكون المعية من ضم شيئين من جنس واحد وخلطهما ببعض كما في:
قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ (4) الفتح0
وفي قوله تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) العنكبوت0
وقد يكون مع المعية تحكم أحد الطرفين بالآخر أو يكون في خدمته؛
كما في قوله تعالى: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) ق0
وفي قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (25) الحديد0
وقد تكون المعية بين أمرين أحدهما يخالف الآخر ويلغيه؛ كما في
قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) الشرح0
أو تكون المعية في أمر يتمم فيه أحدهما الآخر؛ كما في قوله تعالى:
(وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) الفرقان0
أو تكون المعية في أمر محدد؛ كما في قوله تعالى:
(قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) الكهف0
وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ (62) النور0
كانت هذه المعية فيما ذكر في أمور لم يكن الله عز وجل أحد الطرفين فيها0
أما معية الله فقد جاءت في عدة آيات منها؛ (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة، (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) الأنفال، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) التوبة، (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) النحل، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) العنكبوت، (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) محمد، (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) الأنفال0
جاءت جميع هذه الآيات في جهاد الكفار والمشركين0
ومثل ذلك في ملاحقة المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (40) التوبة0
وفي ذهاب موسى عليه السلام إلى فرعون: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه، وفي نفس الذهاب: (قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) الشعراء، وفي ملاحقة فرعون له عند خروجه ببني إسرائيل، (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء0
وفي نصرة وتأييد من أطاع الله وآمن به: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا (12) المائدة0
وهو معهم في علمه وسمعه وبصره: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) المجادلة0
: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) النساء0
فالله تعالى مع أوليائه في جهادهم، وفي دعوتهم، وهو مع الجميع أينما كانوا، فهو السميع البصير الذي لا يخفى عليه شيء، ولا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض،: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد0
تبين لنا من استخدام "مع" في الآيات التي ذكرت فيها أن الارتباط الزمني والمكاني في المعية ليس شرطًا وليسا هما المقصودين في المعية، وإنما المقصور في المعية الأمر الذي هما عليه0
فالمعية قد تتحقق في مكان واحد وقد تكون هناك معية مع بعد المكانين كأن يكون أحدهما معك على خط الهاتف يسمعك وتسمعه وقد يكون مع ذلك الرؤية أيضًا0
فالمعية تتحقق في نفس المكان وفي بُعد المكان وبلا مكان، وتكون بين الذوات، وبين الصفات، وبين الذوات والصفات كما في قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (25) الحديد فالكتاب الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو وحي من الله عز وجل وهو من كلام الله سبحانه وتعالى وكلامه هو صفة من صفاته تعالى0
فمن جعل معية الله لا تتحقق إلى في نفس المكان فهذا من قصر الفهم للمعية وفي تحديد صفة السمع والبصر لله بحدود تنعدم معها الصفة إذا لم يكن هناك وجود في نفس المكان0
فالمعية تفيد الاتصال بين طرفين، لذلك قالوا عن الواو في قولنا "سرت والجبل" أو "سرت والقمر" هي واو المعية على ما بينهما من بعد، لأن الاتصال يستمر طول السير أو في أكثر ساعاته بين السائر والجبل أو القمر، والاتصال بين الله وخلقه قائمة بالوصف الذي وصف الله تعالى به نفسه بأنه هو السميع البصير، فهذا الاتصال بين الله وخلقه لا يحده أبعاد زمانية أو مكانية، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء0
وفهم المعية كما بيناه حتى لا يفهم قول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) الزخرف، أن السماء أو الأرض مكانان يوجد الله فيهما بذاته، خلافًا للفهم الذي يجمع عليه الكل أن الله معبود في السماء كما هو معبود في الأرض، ولا يفهم من الآية أن الله هو فيهما، ومحصور بحدودهما، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا0
وقد بينا أن السماء بل السموات هي محدودة، فبدايتها وجه الأرض، وتنتهي حيث ينتهي في طبقاتها الغازية صفة البناء الضاغط بعضه على بعض، وصفة الشدة المانعة والمُحرقة لما يدخلها بقوة، وغير ذلك من الصفات التي بيناها، وهن مع الأرض جزء يسير يكاد لا يذكر من هذا الكون المرئي وغير المرئي0


يتـــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:57 PM
109- نزول الله إلى السماء الدنيا

لم يرد نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا ولا إلى غيرها في القرآن الكريم، وطلب المشركون نزول الملائكة ولم يطلبوا نزول الله تعالى، بل طلبوا رؤيته، أو يأتي بالله والملائكة قبيلاً ليتمكنوا من رؤيتهما، إيمانًا منهم بأن الله قريب، وكلم الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام ولم يذكر معه تكليمه نزول من الله عز وجل0
قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة0
إنما ورد نزول الله تعالى في بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم 0
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له، صحيح البخاري ( رقم 1094)، وصحيح مسلم (758 )، وفي رواية عند مسلم: (ينـزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول000 فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر)، وفي رواية أخرى لمسلم أيضًا: (إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينـزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا 000 حتى ينفجر الصبح) وفي لفظ آخر: (ينـزل الله إلى السماء الدنيا لشطر الليل أو لثلث الليل الآخر)، وفي رواية: (إذا مضى نصف الليل)،00 والاختلاف في هذه الروايات يبين اختلاف الليل من مكان إلى مكان؛ فإذا كان الليل في إحدى المناطق في أوله، يكون في مناطق أخرى في آخره، أو وسطه، وفتح باب الرحمة والمغفرة من الله عز وجل هي للجميع0
وخطاب الله تعالى في هذه الأحاديث؛ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ من يقرض غير عديم (أو عدوم) ولا ظلوم؟ 00 وزمن هذا النـزول هو في كل ليلة، وإذا كان الليل يتناوب على نصفي الأرض، والنـزول في الثلث الأول، والشطر(النصف) الأول، وفي الثلث الأخير، والشطر(النصف) الأخير، حتى ينفجر الصبح، أو يضيء الفجر، وفي رواية (حتى ترجل الشمس) كما بينته الأحاديث العديدة، والروايات جاءت بألفاظ كثيرة، فمعنى ذلك أن النـزول إلى السماء الدنيا هو في كل وقت، ولكل مكان له نصيب من هذا النـزول0
وهناك نزول خاص في النهار، وليس في الليل؛ هو النـزول يوم عرفه؛ جاء في صحيح ابن حبان رقم (3853) عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله قال: (00وما من يوم عند الله أفضل من عرفة، ينـزل الله إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول انظروا إلى عبادي شعثًا غير ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي؟! فلم يُر يومٌ أكثر عتقًا من النار مثل يوم عرفة)0
أما ما ورد في نزول الله تعالى في النصف من شعبان فهي مراسيل، والقول فيها أنها ضعيفة، والتوسع في الحديث عنها لا يزيد الموضوع شيئًا ولا يثريه0
وحتى يتم فهم نزول الله في هذه الأحاديث على الوجه الصحيح الذي يليق به سبحانه وتعالى؛ علينا فهم مادة نزل في اللغة، والاستعمال القرآني البليغ لها؛ جاء استعمال هذه المادة فيما يصل إلينا مما لا نستطيع نحن الوصول إليه:
فماء السحاب الذي في السماء لا نستطيع بأنفسنا أن نأتي به لحاجاتنا، فالله تعالى هو الذي يوصله إلينا، قال تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر، وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) الواقعة0
والله تعالى أنزل الكتاب، والحكمة، والتوراة، والإنجيل، والقرآن، والذكر،000 كما جاء في آيات كثيرة، وهذه كلها مما لا يستطيع الإنسان الوصول إليها في كتاب الله، أو اللوح المحفوظ، فيأتي بها بنفسه، فالله تعالى هو الذي أوصل لنا هذه الكتب بما فيها0
وفي نفس الشأن ينـزل الله تعالى الملائكة بالروح والوحي، لتوصيل أمر الله للأنبياء والرسل0
قال تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) النحل0
وكذلك توصيل الرجز عذابًا على الكفار، قال تعالى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) الحجر0
وقال تعالى: (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) العنكبوت0
وإنزال السكينة، والنعاس، والجند، في مواقف الخوف التي تفزع فيها القلوب؛ قال تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) التوبة0
وقال تعالى في إنزال المحاربين من حصونهم: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) الأحزاب، كان بنو قريظة متحصنين في صياصيهم (حصونهم)، لا يستطيع المسلمون الوصول إليهم، فقذف الله الرعب في قلوبهم، فنـزلوا بأنفسهم يضعون رقابهم في أيدي المسلمين يحكمون فيها بما يرونه من حكم يستحقونه جزاء خيانتهم0
وقال تعالى في شأن أزواج من الأنعام: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) الزمر، إنزال الله تعالى للأزواج الثمانية؛ (البقر، والإبل، والضأن، والمعز،) أي إيصالها للناس لينتفعوا بها؛ وإيصالها كان إما بعد هبوط آدم إلى الأرض، وليس بمقدور آدم، ولا أحد من ذريته، أن يحضرها له من خارج الأرض لتعينه على معيشته فيها إذا لم تكن هذه الأنعام من دواب الأرض من قبل، وإما إنزالها بأن جعلها تقبل سلالتها ترويض وتدجين الناس لها، فتخضع للناس، وتمكنهم من الانتفاع بها، وفي الأرض سلالات شبيهة لها كالغزلان، والوعل الجبلي، والجاموس البري، والزرافة، وما قارب ذلك، لم يستطع الإنسان أن يجعل منها سلالات أليفة، تنـزل عند حكم الإنسان فيها، وتقبل التدجين، والعيش معه0
وقال تعالى في شأن الحديد: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد، أوصلنا الحديد للناس إما بإخراجه من باطن الأرض مع البراكين، وحركات الأرض، وتكسرات طبقاتها التي تكشف عن معادنها، وإما إيصاله إلى الأرض كقطع من الشهب، والنيازك00 أما حرارة المجموعة الشمسية فلا تكفي لتكون عنصر الحديد فيها، فكل الحديد في الأرض على رأي العلماء جاء من خارج المجموعة الشمسية0
وقال تعالى في شأن اللباس: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) الأعراف، أما لباس الناس فهو مما تنتجه الحيوانات؛ كالصوف، والشعر، والوبر، والحرير، والفرو، وجلود الحيوانات، وإما من منتجات النبات؛ كالقطن، والكتان، وكل ذلك مما لا يستطيع الإنسان صنعه بنفسه، وحتى ما صنع من مشتقات البترول فهو من أصل نباتي أو حيواني0
وقال تعالى عن نزول القرآن: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) الحشر، إن الجبل بنفسه لا يفقه من كتاب الله شيئًا، لكن إذا أوصل الله تعالى ما يريده من الناس إلى الجبل وجعله له، عندها سترى الجبل بالصورة التي وصفها الله له0
قال تعالى بشأن ليلة القدر: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر، إيصال الله تعالى القرآن للناس كان في ليلة القدر من شهر رمضان لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (185) البقرة، وإنزاله في ليلة القدر لا يعنى أنه أُنزل كاملاً في ليلة القدر، بل تفيد بداية نزوله كان في ليلة القدر، ثم توالى نزوله في ثلاث وعشرين سنة، لأن الأمر تقرر في إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذا بدأ إنزاله سيتتابع بعد ذلك حتى يكتمل نزوله، وما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أنزل إلى السماء الدنيا دفعة واحدة؛ فإن هذه الأحاديث لم يرفع منها شيء للرسول صلى الله عليه وسلم ، وما قاله ابن عباس رضي الله عنهما؛ إما أن يكون سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يكون فهماً منه للآية، وإما سمعه من بعض أهل الكتاب الذين أسلموا فقاسوا نزول القرآن بالتوراة التي نزلت دفعة واحدة00 ولما لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يؤيد ذلك، وذكر في القرآن خلافه، في قوله تعالى للذين يرغبون من الكفار نزوله جملة واحدة: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الفرقان0
والعادة جرت على وصف الشيء في بداية أمره كأنه بلغ إلى منتهاه، كقولنا مثلاً: وصل السيل، عندما نرى أوله وقد يستمر السيل ساعات، أو عدة أيام، والأهم من كل ذلك لم يرد في القرآن، ولا في حديث مرفوع للرسول صلى الله عليه وسلم ، أن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا، والمقصود على من يتلقاه فيها، أو يحفظه فيها، أما السماء فهي خلق غازي من خلق الله، سخره الله تعالى للخلق، وحفظ من في الأرض، ولا علاقة له بإنزال الكتب من الله عز وجل، أو حفظها، بل إن الأمانة كما بينته آية الأحزاب؛ عرضت على السموات، والأرض، والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها؛ والقرآن هو أعظم أمانة، فكيف تكلف بما أبت حمله من قبل0
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) يونس0
وقال تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) يس0
وضع القمر بهذه الأوضاع المختلفة التي تمكن الإنسان من حساب الأيام والأشهر والسنين لم يكن للبشر فيه أي دور، إنما هو من تقدير الله عز وجل، لذلك سمى تعالى هذه المراحل بالمنازل، أي جعل الانتفاع بها بين يدي الإنسان وليس ذلك من مقدرته ولا تدبيره0
والمنازل التي يسكنها الإنسان هي تبع لأماكن نزول المطر، وما ينتج عن ذلك؛ من وجود الأعشاب في المراعي، أو تكون المناطق الزراعية البعلية، أو المروية بماء الأنهار، والينابيع، والعيون، الناتجة عن تساقط الأمطار، وكل ذلك ليس بفعل الإنسان، إنما محكوم لما ينـزله الله سبحانه وتعالى من الأمطار، ومنازل العرب في بيئتهم هي في مساقط الأمطار، أو ما يكون منها0
وقال تعالى: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص، فموسى عليه السلام وصل إلى ماء مدين فارًا غريبًا لا يملك شيئًا، ولا يستطيع أن يجلب لنفسه خيرًا، فدعا هذا الدعاء فاستجاب تعالى له فرزقه وآواه وزوجه0
وقال تعالى فيما أنزله على بني إسرائيل: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) البقرة، فإنزال المن والسلوى عليهم هو توصيلهما لهم، للانتفاع بهما، وليس بمقدور بني إسرائيل ولا غيرهم جلب ذلك لهم من أنفسهم، فأوصلهما الله تعالى لهما ليغنيهم عن كل طعام، ويتفرغوا لعبادة الله، فلم يشكروا هذه النعمة، وفضلوا عليها دونها مما تخرج الأرض0
وقال تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) الكهف، وصف جهنم نزلا للكافرين لأنهم لا يريدون أن يصلوا إليها بأنفسهم، إنما هم يقادون ويسحبون إليها سحبًا، وأما وصف الجنة نزلاً للمؤمنين في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) الكهف، لأنهم لا يستطيعون الوصول إليها بأنفسهم، فالله تعالى هو الذي يوصلهم برحمته إليها، ويجعلهم يتخطون نار جهنم حتى يصلوها0
وأما قول يوسف عليه السلام بأنه خير المنـزلين في قوله تعالى: (أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) يوسف، لأن إخوته هم غرباء قدموا إلى مصر من أجل تبضع متاعٍ لهم، ولا يستطيعون أن ينالوا منـزلاً ينـزلون فيه، إلا إذا قدم لهم من أحد أهلها كراء بالأجرة، أو استضافة منه لهم0
فمادة نزل جاءت في وصول أو إيصال ما لا تستطيع أنت الوصول إليه0
فنـزول الله تعالى إلى السماء الدنيا في كل ليلة، ويوم عرفه، الذي جاء في الأحاديث، ولم يرد في القرآن، يفهم من معرفة استعمال مادة "نزل" فنـزول الله يفيد الوصول إلى من لم يكن هو يستطيع الوصول إلى الله عز وجل0
إن الله تعالى جعل في الأرض ملائكة يحصون على الناس أعمالهم، ويديمون المتابعة لهم، أو طوافين على مجالس الذكر فيهم، أو غير ذلك مما كلفهم الله تعالى به من الأعمال، وهم يرفعون أعمالهم إلى الله، فمن أُلزم بقاؤه مع أحد الإنس أو الجن لا يفارقه في ليل أو نهار، فغيره من الملائكة يرفع عنه الأعمال إلى الله، وهؤلاء هم الذين يسألون كيف تركتم عبادي، كما جاء في الحديث، وهناك من الملائكة من يحملون أوامر الله إلى من في الأرض من الملائكة، وعند نقل الأمر إليهم يجد الجن فرصة لهم لاستراق السمع 000 وإذا أردنا أن نقسم الملائكة حسب مكانتهم من الله، بالنظر إلى أعمالهم، ومكانتهم من العرش؛ فمن لازم العرش أكرم ممن يفارقه، ومن يحمل الأوامر من الله ويرجع بالأخبار أكرم ممن يلازم كتابة الأعمال للثقلين في الأرض، ومن يكلف بحمل كلمات الله ورسالاته أكرم عند الله ممن يحمل أمورًا دون ذلك، ومن يكلمه الله مباشرة أكرم ممن يرسل إليه رسولاً0
فنـزول الله إلى السماء الدنيا، وقد بينا من قبل عند الحديث عن تزيين السماء الدنيا؛ أن السماء الدنيا إما أن يراد بها هذه السماء الموجودة في الحياة الدنيا، للتفريق بينها وبين السماء الآخرة المبدلة من السماء الدنيا، كما أبدلت بأرض الدنيا أرض الجنة0
وإما المراد بالسماء الدنيا بالسماء الأولى التي بدايتها وجه الأرض حيث يعيش الإنس والجن، وحيث يوجد معهم الكتبة الحافظون، والخطاب من الله ومناداته لا يسمعها البشر، إنما هي للملائكة، حتى يرفعوا إلى الله من يستغفر، ومن يدعو الله، ومن يسأله، ومن يتوب إليه، 00 فكلام الله مع هؤلاء الملائكة المرابطين في الأرض هو نزول من الله إليهم في السماء الدنيا، لأنهم لا يرفعون الأعمال إلى الله تعالى مباشرة، ولا يأتيهم أمر الله مباشرة، فأوصل الله تعالى أمره إليهم مباشرة بمخاطبته لهم، ورفعوا إليه ما طلبه منهم مباشرة، وهو تعالى يباهي يوم عرفه بأهل الأرض من الحجاج أهل السماء الذين هم فيها بسبب ما كلفوا به من مهام وأعمال0
وفي رواية عند الإمام أحمد ( رقم 10626)، (فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط إلى السماء الدنيا إلى طلوع الفجر يقول قائل ألا داع يجاب ألا سائل يعطيه ألا مذنب يستغفر فيغفر له)، في هذه الرواية ذكر الهبوط بدل النـزول، والهبوط يكون بالنـزول من درجة الأعلى إلى درجة أسفل 00 وفي نزول الله إلى السماء الدنيا يوجه تعالى بكلامه إلى ملائكة هم دون منـزلة الملائكة المقربين الذين عنده0
فالنـزول هو وصف للاتصال بين طرفين أحدهما لا مقدره له للوصول للطرف الثاني، فإذا حصل اتصال للطرف الثاني بالطرف الأول سمي هذا الاتصال نزول، وهذه التسمية ليست وصف لانتقال أو زوال وحركة، لأن الانتقال والحركة غير مرتبطة بعجز أحدهما، والانتقال والحركة تكون بانتقال الشيء بين مكانين0
لذلك فإن الوصف بالنـزول لبيان حصول الوصل أو الإيصال، وليس حدوث الحركة والزوال والانتقال، ونزول الله تعالى إلى السماء الدنيا هو الفارق بين منـزلة المخاطبين والمكلفين عنده، وبين من هم في السماء الدنيا، وغير ذلك مما لا يليق بالله عز وجل، وليس هناك من بعيد عن الله عز وجل حتى تكون منه حركة وانتقال ليقترب منه0





110- اتجاه البحث الغربي العلماني للكون

اتجه البحث في العالم الغربي الذي وقف موقفًا متشددًا من الدين، وعزله عن الحياة، بعد أن وقفت الكنيسة في وجه كثير من العلماء قرونًا طويلة، وكانت سببًا في قتلهم، وسجنهم، وحبس أفكارهم في عصور ما قبل النهضة، ثم تبين بعد ذلك أن العلماء كانوا على حق، والكنيسة على باطل0
وقد أبعد الغرب في اتجاه البحث العلمي كثيرًا0 فبعد رفضهم في أول الأمر أن تدرس نظريات الخلق دون ربطها بالرب الخالق، وأن تذكر النظريات الأخرى على أنها وجهة نظر، تغير الأمر فأصبحت لا تدرس إلا نظرية النشوء، وأما نظرية الخلق فأصبحت تذكر على أنها وجهة نظر كحل وسط مع من أراد منع تدريسها0
لذلك فإن البرامج العلمية التي تنتجها الشركات، والمؤسسات الغربية، لا ذكر فيها لفعل الله أبدًا من قريب، أو بعيد، ولا ذكر لنهاية الدنيا، فهم يتحدثون عن غزو الفضاء، وإنشاء جو للمريخ حتى يصلح للحياة ؛ ليفعلوا ما لم يفعله الله سبحانه وتعالى، ويتحدثون عن انفصال إفريقيا عن الصدع الإفريقي إلى قارتين بعد مائة ألف سنة، ويتحدثون بأن في الشمس طاقة تكفي لستة مليارات من السنين، فليطمئن الناس، وليعيشوا في غرور 00 ولا ذكر عندهم لليوم الآخر، مع أن عندهم كتبًا منـزلة سابقة من الله، وكأنهم لم يسمعوا باليوم الآخر، ولا بالقيامة، ولا بالحياة الآخرة، ولا بجنة ولا نار0
وهم ينفقون الأموال التي لا تعد ولا تحصى من المليارات على الأبحاث في التحكم في خلق الإنسان، والكائنات الحية، ومحاولة إطالة العمر، ووقف الشيخوخة والهرم، وغير ذلك ما يدل على غفلتهم، ويريدون من العالم كله أن يسلك مسلكهم، ويسيروا على دربهم 000 فأي طريق للهلاك والتعاسة اختاروه !0

يتــــــــــبع

حمزة الدبعي
05-05-2010, 03:58 PM
111- الخاتمة

تبين لنا مما سبق أنه جاء اسم السماء من ديمومة الوجود مع الأرض، ومعك، أينما كنت في البر، أو البحر، ومتى انقطعت هذه الديمومة فلا سماء، وأن بدايتها من وجه الأرض، وتنتهي حيث تنتهي مادتها المكونة من الغازات على الصفات التي وردت في القرآن، وأن السموات ليست فراغًا، بل هي بناء يطبق بعضه على بعض، شديد التماسك، قد حبك حبكًا ذا طرائق، وأن ارتباط السموات بالأرض هو ارتباط لا انفكاك منه، وأن السموات محل النظر والرؤية والتفكير، وأننا نرزق منهن جميعًا، وأن حالة السماء ومادتها الشفافة هي التي أتاحت تسخير آيات السماء ورؤيتها، والانتفاع بالقمر والشمس، والاهتداء بالكواكب والنجوم، وأن القمر، على صغره وضعف ضوئه، يستطيع إنارة السموات جميعًا، وأن المطر المنـزل بغزارة جعله الله سماء مرسلة، وأن الله تعالى جعل في السماء بروجًا، وأنه تعالى خص السماء الدنيا بزينة الكواكب دون باقي السموات، على الحقيقة التي عرفتها البشرية مؤخرًا، حيث تختفي هذه الزينة قبل الخروج من الطبقات الغازية وأن توسعة السموات هي توسعة المرتبط المتماسك لا المتباعد المنفصل، وأن السموات تتفطر من فوقهن لطبيعتها الغازية، وأن السموات قد اتصفت بكل الصفات التي جاء ذكرها في الآيات0
هذا وقد كنت سأضيف أبوابًا عديدة لهذا الكتاب فخشيت الإطالة التي تخرج الكتاب عن غرضه، وما ذكرته هو الأهم لغرض هذا الكتاب وبيان حقيقة السموات 00 وسيكون لبعضها حديث في الكتب التالية لهذا الكتاب إن شاء الله تعالى0
وفي ختام هذا الكتاب أرجو أن ينال هذا الكتاب اهتمام المسلمين ، وأن يزيدهم نورًا وتبصرة في دينهم، وكتابهم الخالد، وإن كان فيه خطأ فمني ومن الشيطان، وما أصبت فيه فمن الله وحده، وهو صاحب المنة والفضل، والله تعالى هو المعين وهو ولي التوفيق0
تم هذا الكتاب بفضل الله وعونه
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي



حفظك الله وعافاك يا أبا مسلم
زاد الله من أمثالك من المفكرين في هذه الأمة
لو تعلم كم لهذا الموضوع من أثر عظيم في نفوسنا
أسأل الله أن يبارك عملك هذا وبقية أعمالك الجليلة
كما أسأله أن يجعلها في ميزان حسناتك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحياتي
حمزة الدبعي

سمر محمد
05-18-2010, 06:08 PM
جزاك الله خيراً ونوراً وجعلها في موازينك

وتبارك الله في عظمته وقدرته

بورك الحضور وبوركت

ذكرى الغالي
04-11-2011, 12:49 PM
سلمت يداك
جزاك الله خير
تقديري واحترامي
ذكرى الغالي