|
|
|
رد علي الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||
|
|||||||
حقيقة السماوات كما صورها القرآن
حقيقة السماوات كما صورها االقرآن
كتاب نشر عام 2006م بسم الله الرحمن الرحيم السماوات لم تنل بحثًا جادًا لتحديدها كل من يتكلم في السماوات أو لم يتكلم لا يدري من أين أخذ مفهوم السماوات، هل أخذها من رؤيته ؟ من أهله ؟ من مدرسته؟ من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة؟ من الكتب الدينية ؟ من القرآن؟ من محاضرات العلماء؟ معرفة حقيقة السماوات ليس بالأمر السهل، عدد الآيات التي تتطرق لهذا المفهوم كثيرة، الربط بينها جميعًا على مفهوم واحد ليس بالأمر السهل، لو يقف مفهوم السماوات على آيات القرآن فقط؛ لهان الأمر مع وجود المشقة والتفرع الكثير فيها، ولكن هناك أحاديث تدخل بقوة لتسجل حضورها عند البحث في معرفة حقيقة السماوات، وهناك قصة الإسراء والمعراج التي لها الحضور الذي لا يمكن تجاهله في تحديد مفهوم السماوات قادني حدث في نهاية عام 1976م للبحث في خلق السماوات والأرض واستمر البحث دون توقف وكلما انتهيت من أمر تولد غيره .. في سلسلة لا تنتهي .. وإنَّ نقض أمر علمي أسهل من ايصال مفهوم جديد لآية يتولد من لغتها يخالف ما ألفه الناس. وبعد خمسة عشر عامًا تقريبًا (1991م) أصبح مفهوم السماوات لدي واضحًا ويقينيًا، بأنها لا تزيد عن 120كم بناء على الوصف الذي جاء لها في القرآن مع هامش من الاحتياط في هذا التحديد وأن النجوم والقمر والشمس هي خارجة حدود السماوات في الآفاق، ولم يوقفني إلا آية واحدة: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات، وتركت البحث أكثر من شهر عام 1990م وقلت في نفسي: أن تسأل الله عز وجل في كل صلاة أن يجعلك من الهداة المهتدين، وألا يجعلك من الضالين المضلين .. وهذه الآية تناقض ما توصلت إليه. ورجعت مرة أخرى إلى نفسي وقلت: أنت تتبع منهجًا في البحث .. فلماذا تتخلى عن هذا المنهج مع هذه الآية؟ فرجعت مرة أخرى لمواصلة البحث بعد دراسة سبب تسمية الدنيا بالدنيا، ومتى يوصف الشيء بالزينة، فكان دراستها داعمًا لما توصلت إليه من قبل .. البحث في خلق السماوات والأرض؛ يحتاج إلى فقه عال في اللغة، ومعلومات واسعة فيما يتعلق بالسماوات والأرض وقد تأخرت عن نشر الكتاب الأول "حقيقة السماوات كما صورها القرآن نور وهدى من الرحمن" خمسة عشر سنة أخرى أخذا بالاحتياط مما قد يظهر ويبطل ما توصلت إليه .. إلى أن اطمأن قلبي وأعطيته إخوة يراجعون لغة الكتاب .. وللأسف فإنهم ينشغلون بما ورد في الكتاب على حساب التدقيق اللغوي حتى قال لي مدرسي في الثانوية الأستاذ بكر ذياب والذي صار بعد ذلك مديرًا ثم موجهًا للغة العربية، منهجك هذا إذا أخذ به فيجب مراجعة اللغة العربية كلها ويقصد؛ (فقه استعمال الجذور الذي تعرف به سبب تسمية المسميات) ، وقد راجع كتابي هذا (حقيقة السماوات) وكتابي "أحبك أيها المسيح" وقال: أعانك الله على نشر الكتاب ومما ستلاقيه ... وقال لي أحد الدكتاترة الذي اطلع على كتابي: كنت سأرد عليك بكتب ... فلما جلست معك صرت مقتنعًا بـ 90% من الكتاب. وقل آخر لا اعتراض لي على ما في الكتاب؛ فقد ناقشت كل شيء، ولم تهمل شيئًا، ولم يبق شيء دون تناول، ولكني ألفت مفاهيم معينة عن السماوات من صغري، ثم جئت تنقضها لي ... فليس من السهل أن أتخلى عنها ، وأسلم لك بما تقول بسهولة ، فأنا أحتاج إلى ثلاثين سنة أخرى مثلك ؛ إما أن أنقض رأيك أو أتبعك على ما أنت فيه .. هذان الاثنان أولدا في نفسي أن المكتوب لا يوصل الفكرة مباشرة كما يوصلها السمع، وما ان ينتقل القارئ إلى باب جديد حتى ينسى ما ورد في الباب السابق ... وأن من سيخالفك هو يدافع عما ألفه، وليس لأنه مقتنع بالمخالفة... ولذلك لا بد من الشجاعة في النشر فالعلم أمانة .. والتبليغ امانة ولقد فهمت من تجربتي مع العلوم لماذا حمل الإنسان الأمانة وهو جاهل بما يترتب عليها من تحمل تبعات هذا الحمل. نحن ننفق المال والوقت ونفقد من الصحة لنتعلم؛ فإذا حصلنا على العلم صار تعليمه وإبلاغة والعمل به أمانة نحاسب عليها، وقد طلب مني الأخ مجذوب العيد المشراوي أن أفتح باب مفهوم السماء والسماوات في القرآن وأنه لا أحد يجرؤ على فتح الباب .. ومعه حق في ذلك .. وليس ذلك بالأمر السهل والهين. ولولا أن لي كتابًا في ذلك، واهتمام منذ أربع وثلاثين سنة تقريبًا؛ لما أقدمت على هذا الموضوع، وباشرت في الأمس واليوم بتحويل الآيات الواردة في الكتاب بالرسم العثماني إلى الرسم الإملائي حتى يتقبله الإنترنت - ومن المصادفات أن الأستاذ بكر ذياب الذي راجع كتابي؛ توفي قبل ليلتين، وشاركت في الصلاة عليه، والدفن قبل أمس ...يرحمه الله تعالى رحمة واسعة .. وكان مثالا للخلق الحسن بشهادة الجمع الغفير الذي شارك في الصلاة والجنازة، وقد أم الناس في الصلاة عليه ابنه أسامة وهو شاب ملتزم خلوق مثل أبيه وكان بارًا به. أرجو من الإخوة أن يسألوا ويناقشوا ما ورد في الكتاب كما يشاءون ولكن بعد تنزيل أكثر من 112 بابًا منه فرب سائل يريد أن يسأل سؤالاً، أو يرى مخالفة لفكرة تعود عليها في بداية الكتاب؛ يجد الإجابة عليها متأخرة في باب آخر وأنا أرحب بكل رأي، جاد ووجهة نظر مبنية على علم وفهم وتدبر للمكتوب وما يعرض. وتنزيل المواضيع قد يحتاج إلى ثلاثة أيام .. وسأحاول تقليل المدة ما استطعت . فعليكم بالصبر مع حسن القراءة والتدبر الموضوع الصفحة 1. المقدمة 11 2. المسيرة التي لم تتم 15 3. تعريف السماء في اللغة 15 4. أنرى سماء واحدة ؟ أم نرى السموات جميعها ؟ 17 5. المرور بآيات السموات 20 6. التفكير في خلق السموات 20 7. السموات شفافة لا يحجب بعضها بعضًا 21 8. الرزق من السموات ، وليس من سماء واحدة فقط 22 9. لم تأت "من" التبعيضية مع السموات إلا في آيتي الرزق 23 10. خزائن السموات والأرض 24 11. وفي السماء رزقكم وما توعدون 25 12. تسخير ما في السموات 27 13. ارتباط السموات بالأرض في 179 موضعًا 28 14. عرض الأمانة على السموات 29 15. فساد السموات 30 16. هل خلقت السموات من العدم؟ 31 17. تقديم السموات على الأرض والأرض على السموات 34 18. مادة السماء التي خلقت منها 35 19. السموات ليست أجرامًا صلبة وليست مجموعة أجرام 36 20. لون السماء 36 21. تسمية السماء بالغلاف الغازي وبالغلاف الجوي 37 22. فطر السموات 38 23. لا حياة دون سموات 40 24. فتق الله للسموات 41 25. توسيع الله للسماء 43 26. بناء السموات 44 27. السماء سقف محفوظ 46 28. سمك السماء 47 29. رفع السماء 48 30. ظلال من في السموات 50 31. حبة خردل في السموات 52 32. يخرج الخبء من السموات 53 33. أسباب السموات 54 34. لمس السماء 55 35. مسك السماء من الوقوع على الأرض 59 36. مدة خلق السموات 60 37. تقدير اليوم من أيام خلق السموات والأرض 62 38. أيهما أقدم الشمس والقمر أم السموات والأرض؟ 64 39. من أين تبدأ السماء ؟ 65 40. حدود السموات 66 41. هل الأجرام والكواكب والنجوم داخل السموات أو خارجها 67 42. "له ما في السموات والأرض" هل تشمل الكواكب والنجوم 68 43. أقطار السموات 72 44. أي شيء يثقبه النجم الثاقب ؟ 75 45. وسع كرسيه السموات والأرض 77 46. عدد السموات 79 47. كيف نحدد عدد السموات 81 48. هل السموات كل الغازات التي تحيط بالأرض أو هي جزء منها 84 49. تكون السماء من سبع طبقات 85 50. تكون السماء من سبع طرائق 86 51. السموات سبع شداد 87 52. حبك السماء 88 53. الحركة في السماء 89 54. العروج في السماء 90 55. الارتقاء في السماء 92 56. التصعد في السماء 93 57. سلمًا في السماء 94 58. إمساك الله الطير في جو السماء 96 59. طيران الإنسان في السماء 98 60. الهبوط بالمظلات من السماء 100 61. النفاذ من أقطار السموات 101 62. النـزول من السماء 102 63. الخرور من السماء 103 64. جو السماء 105 65. السحاب في السماء 106 66. جبال في السماء 107 67. بكاء السماء والأرض 110 68. والسماء ذات الرجع 112 69. إرسال السماء مدرارًا 113 70. إسقاط السماء كسفًا 114 71. ما بين السموات وما بين السموات والأرض 117 72. لا يجتمع ذكر الليل والنهار أو الشمس والقمر مع قوله (ما بينهما) في آية واحدة 119 73. بث الدواب في السموات والأرض 21 74. من الأحاديث التي شوشت فهم السموات وسعتها ؛ ما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام 128 75. أطت السماء وحق لها أن تئط 133 76. الأرض والسموات في الكرسي كحلقة في فلاة 135 77. عرض الجنة عرض السموات والأرض 135 78. زوال السموات والأرض 138 79. مقاليد السموات والأرض 138 80. السماء ذات البروج 140 81. حقيقة الفضاء 141 82. كيف ينير القمر السموات السبع ؟ 142 83. كيف يرى قوم نوح عليه السلام أن السماء سبعًا طباقًا 143 84. تزيين السماء الدنيا 144 85. الآفاق هي الاسم لما فوق السموات 152 86. الآفاق لا لون لها 153 87. لماذا لم يتحدث القرآن عن خلق الكون ؟ 155 88. هل يصح تسمية الكتب المنـزلة من الله بالكتب السماوية ؟ 156 89. أين أبواب السماء ؟ 160 90. الحدود التي ينتهي عندها غزو الفضاء 162 91. لماذا تحتاج كلمات الله من المداد بقدر ماء البحر وسبعة أمثاله وأكثر من ذلك ؟ 163 92. وما أنتم معجزين في الأرض ولا في السماء 164 93. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع 165 94. هل توجد مخلوقات أخرى في الكون ؟ 166 95. بديع السموات والأرض 167 96. الأرض هي مركز السموات وليست مركز الكون 168 97. مابين السماء والأرض فيما يراه الناظر 169 98. الإسراء والمعراج وحقيقة السموات 169 99. تهيئة جسد النبي لرحلة الإسراء والمعراج 171 100. الدابة التي ركبها النبي في الإسراء والمعراج 173 101. رؤية الأنبياء في السموات 178 102. العروج إلى السماء الدنيا 180 103. رؤية النيل والفرات في السماء 182 104. مكان سدرة المنتهى من السماء 184 105. مكان البيت المعمور من السماء 186 106. الاستواء إلى السماء وعلى العرش 188 107. سؤال الجارية: أين الله؟ 196 108. معية الله مع خلقه 198 109. نزول الله إلى السماء الدنيا 203 110. اتجاه البحث الغربي العلماني للكون 211 111. الخاتمة 213 112. المراجع 214 ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
آخر تعديل حمزة الدبعي يوم
05-05-2010 في 03:30 PM.
|
05-05-2010, 03:31 PM | #2 |
|
المقدمة
بسم الله الرحمن الرجيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أحمد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين0 لقد أنعم الله تعالى على هذه الأمة بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنـزيل من حكيم حميد، حافظ ومصحح لذكرى الأولين، ومقوم لحياة القائمين، ومشرع لهم ما يصلح حياتهم في دنياهم وآخرتهم، ومنبئ بما سيكون من أمور الغيب، لينجو من نجا عن بينة ويهلك من هلك عن بينة0 لقد بين سبحانه وتعالى في طيات الكتاب العزيز أمورًا عن السموات والأرض بوصف صادق، فيه لطف شديد، من بداية الخلق يوم كان عرشه سبحانه وتعالى على الماء، إلى النفخة الثانية التي تبدأ بعدها حياة جديدة إما في شقاء وإما في نعيم0 ومن أساليب القرآن الكريم توزيع الأحداث التي كانت، والتي ستكون في آياته، ونثرها في سور عديدة من القرآن بأسلوب عجيب يأتي فيه على كل التفاصيل، وما علينا بعد ذلك إلا أن نجمعها وننسقها؛ لنخرج في ديباجة جميلة من تلك الدرر المنثورة فوق ديباجة نثرها0 السموات من أوائل الأشياء التي يجب علينا أن نعرفها، ونتعرف عليها، وهي موضوع كتابنا "حقيقة السموات"؛ فبدون تحديد هذه الحقيقة سنضع الآيات في غير مواضعها، ونظن أننا قد أحسنا صنعًا0 السماء بزرقتها المألوفة، وما يظهر فيها ليلاً من قمر ونجوم، أو نهارًا من شمس وسحب وطيور، من أوائل الأمور التي يتعرف عليها الإنسان في حياته0 ومع بداية إدراكه للأمور في طفولته يتعرف على اسمها باللغة التي ينطق بها قومه، ويستطيع تمييزها، ويلاحظ شدة ارتفاعها، وانحناءها، ليغيب امتدادها دائمًا خلف الأفق عند أطراف الأرض التي يعيش عليها0 ثم يكون لديه علم بعد ذلك بأن الله خلق سبع سموات وليست سماء واحدة 00 فهل السماء التي نراها هي سبع سموات؟، أو أنا لا نرى منها إلا السماء الدنيا أو الأولى فقط؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين بقية السموات؟ وهل السموات هي الكون؟ أو هي جزء من الكون؟ فما هي حقيقة السموات؟ تعال بنا نتعرف على السماء والسموات من كتاب الله، نمر في طريق بحثنا على كل أوصاف السموات في القرآن، وما تعلق بها، فلعل نظرتنا إليها تكون أكثر تحديدًا وصدقًا0 وهل سنحتفظ بالمفاهيم السابقة عنها، وما تلقيناه منذ صغرنا عن الآباء والأجداد والأهل خاصة، وعن المجتمع عامة، بعد بيان الله لحقيقتها؟ فهو تعالى الأعلم بحقيقتها قبل نزول القرآن وبعد نزوله، وهو العليم الذي فوق كل ذي علم، وما أوتينا من العلم إلى قليلاً0 إنني، بوصفي مسلمًا قبل كل شيء، يجب علي كما يجب على كل مسلم، قبل الحديث في هذا المجال، أن أجعل تقوى الله بين عيني فيما أتكلم به، فليس هذا حديثًا أدبيًا، ولا كراسًا علميًا أسجل فيه ملاحظاتي وما بدا لي في هذا الأمر00 وأن يكون كلامي في السماء يطابق قول الله تعالى فيما جاء في القرآن أولاً بعد طول البحث والتمحيص، لأن كلام الله هو المرجع الحق في هذا الأمر، لأن الله هو الشاهد على غيب الماضي والحاضر والمستقبل، وشهادة الله هي النور الذي يوجهنا، ويقومنا، ويصحح لنا معلوماتنا، فما نجهله أكثر بكثير من القليل الذي نعلمه0 يقول تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) الكهف0 فلما كثر اهتمام المسلمين وأنا واحد منهم بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والسنة النبوية، في أبوابه الكثيرة ومنها علوم الفلك والكون بعد غزو الإنسان للفضاء، وازدادت معلوماته باطراد، فكانت معرفة السماء كما صورها القرآن الكريم هي المطلب الأول الذي يضبط الفكر من الجنوح قبل عمل الفكر في الإعجاز العلمي الذي زاد آيات القرآن بيانًا وتلألؤًا فات السابقين من سلف هذه الأمة0 وكل ما في هذه الدراسة هو اعتقادي في هذا الباب، والدين الذي أدين به، وأرجو به وجه الله، وليس هو ترويجًا لأفكار جمعتها عن الآخرين، بل هو بحث قائم أحفظ فيه نفسي وأخوتي في الإيمان، فإن أحسنت فيه فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان0 وكل من عمل في علم، يحب أن يرى نور علمه منتشرًا بين الناس، في حياته، وليس بعد موته إن قدر لعلمه أن يحفظ، وينتشر من بعده، وألا يدفن جهده الذي قضى فيه جل شبابه، وألا ينسى بموته، وألا يكون شديد التفاؤل بأن يلقى علمه الرواج والانتشار بسرعة التي يأملها، وتتوق لها نفسه، مهما بلغت ثقة الخاصة به، وحتى لو كانت نظرتهم إليه نظرة إلى عبقري، أو أينشتاين في هذه الأمة، أو مجددًا تتمنى الأمة أن يولد فيها، ليجدد لها دينها وشبابها وحياتها، وأنى لأحد أن يبلغ هذه المنـزلة في أمة مرت عليها سلسلة من الهزائم والنكبات المحبطة لعزيمة كبارها وصغارها، وفقدت الثقة عند أكثر أفرادها 00 لكن لا يأس يستمر، ولا وضع يبقى على حاله0 ومما شجعني على إخراج هذا الكتاب في حقيقة السموات ما لمسته من حاجة الناس إلى إجابات للتساؤلات التي تجول في أنفسهم في بحث يتصف بالشمولية من غير إطالة، يريح الناس، ويكون فيه الإجابة التي يقتنع بها العقل، وتطمئن بها النفس بما يوافق كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه السلام، ولا يعارضهما في شيء لا يمكن التوفيق فيه بينهما، بعد أن رأيت أثر مواد هذا البحث فيهم سواء في الخطب أو المحاضرات التي ألقيتها، حتى سئلت بصراحة أين نجد الكتاب المتخصص في ذلك 000 فعزمت على جعل ما ألقيته وتمت لي دراسته في هذا الأمر، وقضيت فيه الشطر الأخير من حياتي؛ كتابًا يبين حقيقة السموات كما صورها القرآن، ويوطئ لكتاب ثانٍ في حقيقة خلق السموات والأرض، يكشف سر الحالة التي أفضت إليها الأرض والسموات، وكتاب ثالث في حال السموات والأرض يوم القيامة، والتغييرات التي ستحدث لهما، بنظرة علمية يدعم فيها البحث العلمي الإيمان الغيبي 00متوكلاً في كل ذلك على الله وحده 00 فالله تعالى هو ولي التوفيق، وهو سبحانه وتعالى ، نعم المولى ونعم الوكيل0 أبو مسلم / عبد المجيد العرابلي 2- المسيرة التي لم تتم من الأمور التي أثرت على مسيرة تقدم الأمة، بعد الجهود العظيمة التي بذلتها في سبيل تدوين لغتها، وتقعيد القواعد لها؛ من وضع قواعد للنحو، والصرف، والبلاغة، والبيان، ثم جمع اللغة في معاجم وقواميس نظمت على أساس الجذور، فجمعت حول كل جذر مشتقاته، والمبنيات التي بنيت منه 000 وتوقف العمل عند ذلك0 وكان الواجب إكمال السير في هذا الدرب، فبعد ربط المشتقات بالجذور كان الواجب أن توضع معان للجذور تبين سبب كل اشتقاق، وبناء منها، وتبين وتفسر سبب تسمية جميع المسميات 00 ولكن الاختلافات بين المدارس اللغوية في أصل اللغة وبدايتها سواء أكان من الأفعال أم من المصادر ؟ هو من الأسباب التي صرفت الأمة عن جدية البحث في ذلك، ولم تجعل ذلك هدفًا ومطلبًا تشد الرحال للوصول إليه0 وكان الواجب من إتمام المسيرة، وكشف الغطاء عن معاني الجذور، للكشف بعد ذلك عن معاني الحروف الهجائية، ليكون هذا الكشف قاعدة تسير عليه كل الشعوب والأمم، في دراستها للغاتها، تبعًا لجهد العرب فيه 00 لكن الأمر المؤسف أنه لم تتم هذه المسيرة، ولو وقفت على آثارها لوجدتها وخيمة0 3- تعريف السماء في اللغة في بداية الحديث لا بد لنا من معرفة سبب تسمية السماء بهذا الاسم، ويعرف سبب التسمية من دراسة الجذر الذي اشتق الاسم منه، فبعد معرفة ما يدور عليه الجذر يقدر سبب التسمية، فالسماء من مادة سمو، وهي مادة للدوام، فالسماء سميت بالسماء لدوامها، وليس لارتفاعها كما هو معروف ومشهور، وإن كانت صفة العلو موجودة فيها، وثابتة لها في معظمها(لأن بعض السماء وبسماكة عدة كيلومترات تكون أسفل الواقف على رأس جبل مرتفع)، إلا أن التسمية لم تأت من ذلك .. فأنت إن كنت في طرف البر ثم تعمقت فيه قليلاً اختفى عنك البحر، وإذا دخلت البحر وتعمقت فيه غاب عنك البر، لكن السماء هي الدائمة معك، أينما كنت في أي بقعة في البر أو البحر، أو كنت في أقطاب الأرض، فهي لا تغيب عن ناظريك أبدًا ليلاً أو نهارًا0 ومن هذه المادة: الاسم، فالاسم يدوم بعد ذهاب صاحبه أو غيابه، فعندما أذكر لك آدم عليه السلام، فإنك تعي ما أقول، مع أنه عليه السلام قد مات قبل آلاف من السنين، فإن كان جسده قد غاب بالموت فإن اسمه قد دام بين الناس0 وقد سمَّى العربي الجورب الغليظ من الصوف وغيره الذي كان يلبسه الصياد لصيد الظباء في حر الظهيرة بالمسماة، من نفس مادة "سمو"، لأنه بهذا الجورب يستطيع أن يديم ملاحقة الظبي حتى يقبض عليه، لا يخشى حر الرمال، ولا صلابة الحصى، ولا وخز الأشواك، ولا خروج رجله منه أن تقطع ملاحقته للفريسة، ودون أن يحدث صوتًا وضجة تنبه الصيد قبل الوصول إليه0 فمعرفة أن سبب تسمية السماء جاء من الديمومة لا من العلو مهم جدًا لفهم السماء، فمتى انتهت الديمومة فيها انتهت السماء، وفي الديمومة شمول لصفة العلو التي فيها أيضًا، لأن علوها أيضًا دائم فوق كل بقعة من الأرض0 ويجب كذلك أن تعرف أن هناك رأيًا لأهل اللغة أن لفظ السماء، وإن كان يدل على مفرد، ففي حقيقته هو جمع سماءة 00كما أن لفظ مائة مفرد وجمعه مئات، لكنه يتكون في حقيقته من عشرات وآحاد، وأن الدينار مفرد له أجزاؤه من العشرات والآحاد، والقوم هو اسم مفرد يدل على جمع كبير من الناس0 قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) البقرة، فقوله تعالى فسواهن دل على أن لفظ سماء يدل على الجمع أيضًا0 4- أنرى سماء واحدة أم جميع السموات ؟ إذا نظرنا إلى صفحة السماء فلا نرى إلا سماء واحدة زرقاء في النهار، تطير فيها أنواع من الطيور على ارتفاعات متفاوتة، وتسبح فيها قطع من السحاب، ونرى نـزول المطر منها في الشتاء، وتطلع الشمس فيها كل يوم ثم تغيب، ويظهر القمر فيها ليلاً، وعددًا لا يحصى من النجوم بالعين المجردة، وبعد تمكن الإنسان من صناعة المناظير، وتواصلت زيادته لأحجامها وقدراتها، رأى نجومًا اكثر مما لا يدركه البصر المجرد، ووجد السماء مرصوصة بالنجوم 00 فهل كل ما نراه في سماء واحدة أم في عدة سموات؟0 لو أخذنا بظاهر الآية الكريمة: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات – التي سيكون لها باب خاص في هذا الكتاب – دون تدبر فيها لمعرفة حقيقة وصف الله عز وجل في هذه الآية، فكل ما نراه هو في السماء الدنيا على اعتبار أن السماء الدنيا هي السماء الأولى القريبة منا 00 إذا كان الأمر كذلك فأين باقي السموات السبع؟ 00 هل تقع تحت حسنا ؟ فماذا يقول تعالى في كتابه ؟ انظر إلى قوله تعالى في هذه الآيات ودلالتها القطعية في رؤية السموات وأنها في محل نظرنا: • : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) إبراهيم0 • : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) الإسراء0 • : (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) الأنعام0 • : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الأعراف0 • (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) لقمان0 • : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد0 • : (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) يونس0 • : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ (18) الحج0 • : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (41) النور0 • : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20) لقمان0 • : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) المؤمنون0 ففي هذه الآيات ما دل على أن السموات هي في محل الرؤية والنظر، وفي الآيات التالية أن السموات آيات في محل العبرة والتفكر، لأولي الألباب، والمؤمنين، وأهل الفكر، وأصحاب العقول، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت السموات موضع النظر والرؤية أيضًا0 • : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) آل عمران0 • : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران0 • : (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) الروم0 • : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (38) الزمر0 • : (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) الشورى0 • : (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) الجاثية0 فماذا بعد هذه الآيات هل ما نراه سماء واحدة أم سموات ؟ وهل الذي جعله الله آية دالة عليه سبحانه وتعالى للمؤمنين ولأولي الألباب ولقوم يوقنون سماء واحدة أم سموات؟ وهل التفكير فيما يقع عليه حسنا في سماء واحدة أم سموات ؟ فالآيات بينت بما لا يدع مجالاً للشك أن ما يقع تحت حسنا هي السموات كلها، لا سماء واحدة منها فقط، فنحن نرى السموات، ونرى آياتها، ونعلم الكثير مما فيها، وأننا نستطيع التفكير فيها0 فمن قال بعد هذه الآيات، والآيات التي سنذكرها في مواضعها، أننا لا نرى إلا سماء واحدة هي السماء الدنيا فقط، فقد خالف منطوق عشرات الآيات ومفهومها، وخالف كتاب الله، وأنكر ما جاء فيه مخالفة يخشى عليه بعدها، ونعيذ بالله كل مؤمن من ذلك، اتباعًا منه للهوى، أو لما ألف من أفكار لم تبنَ على علم مستند على فقه في كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه0 5- المرور على آيات السموات قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) يوسف0 إن الله تعالى يبين لنا حقيقة أن ما نراه من آيات في السماء؛ كالقمر والشمس والنجوم والكواكب هو بسبب مرورنا عليها، وليست هي التي تمر علينا، وذلك أن وجودنا في الأرض جعلها كمركبة حاملة لنا على ظهرها، فحركة الأرض حول نفسها ونحن عليها يرينا الشمس من طلوعها إلى غروبها، وكذلك القمر والنجوم ومرور الأرض في حركتها حول الشمس يبدل نجوم الشتاء بنجوم الصيف، فكل ذلك لا يمر علينا وإنما نحن الذين نمر عليه، ولم ينسب سبحانه المرور للأرض، وإنما نسبه للناس، لأن الناس هم الذين يحسون بذلك، ولأن الناس انتشروا في الأرض، ففي كل لحظة يبدأ مرور أناس على الشمس مع الحركة الظاهرية لها في الشروق على مدار الأربع والعشرين ساعة، وكذلك تنقل الإنسان على وجه الأرض بحركة بطيئة أو سريعة حتى دار حول الأرض في يوم واحد ودون ذلك، فكان المرور للإنسان بنفسه، وبمركبته الأرضية التي يعيش عليها0 6- التفكير في خلق السموات قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران0 قال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم0 دلت هاتان الآيتان على أن السموات واقعة تحت حس الإنسان بحيث يمكنه التفكير في خلقها، فمدح الله سبحانه في الآية الأولى الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، فيصلون بتفكيرهم أن الله لم يخلقهن باطلاً، فيشفقون على أنفسهم، فيسألون الله أن يقيهم من عذابه 000 فمن يفكر في خلق السموات والأرض سيصل إلى معرفة كم للنار وكم للطاقة الحرارية؛ (الداخلية منها أو الخارجية) التي قد تصل إلى ملايين الدرجات من تأثير ودور في خلق الكون وتشكيله، ومنه السموات والأرض، فيسأل الله تعالى العافية من النار0 وفي الثانية يحض تعالى على التفكير في خلق السموات والأرض، وأنه ما خلقهن إلا بالحق، ولن يعرض عنهن إلا من كذب بلقاء الله، فهاتان الآيتان بينتا مع غيرهن أن السموات في نطاق الرؤية لدى الناس وتحت المشاهدة والتفكير0 يـــــــــــــــنبع |
اقتباس |
05-05-2010, 03:32 PM | #3 |
|
7- السموات شفافة لا يحجب بعضها بعضًا
من دلالة الآيات السابقة يتبين لنا أن السموات شفافة ولا يحجب بعضها بعضًا، إذ لو حجبت كل سماء ما فوقها لما أمكن رؤية بقية السموات، ولما رأينا ما يسبح ويتحرك فيها، ولما وصل إلينا ضوء الشمس، ولما أنارت الشمس الأرض، ولما رأينا القمر ولا النجوم والكواكب، ولكان مخاطبة الله لنا بالنظر إلى ما في السموات والتفكير في خلقهن فوق مقدرتنا، بل لن تكون هناك حياة في الأرض بدون هذه الصفة للسموات ولبقيت الأرض في ظلام مستمر لا نهار فيه0 8- الرزق من السموات وليس من سماء واحدة فقط ذكر سبحانه وتعالى أنه يرزق الناس من السماء بصيغة المفرد في آيات كثيرة كما في الآيات التالية: : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) فاطر0 : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) يونس0 : (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) النمل0 : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) غافر0 : (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) الجاثية0 تدلنا هذه الآيات على أن الرزق يأتينا من السماء وقلنا بأن السماء هي جمع سماءه ولكن انظر إلى قوله تعالى: وقوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) سبأ0 وقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) النحل0 فالرزق يأتينا من السموات، والرزق هو المطر في الدرجة الأولى، لأنه سبب لإنبات النبات الذي نعتمد عليه في معاشنا، وتعيش عليه الحيوانات التي نعيش عليها أيضًا، ونحن نكاد ونجزم، ولا نشك بأنه لا شيء من الرزق يأتينا من أقرب الأجرام من حولنا كالقمر والزهرة والمريخ، فهل سيأتينا مما هو أبعد من ذلك؟ أو من أطراف الكون، وبيننا وبينه آلاف أو ملايين السنين الضوئية 00 والله يؤكد لنا بأن رزقنا يأتينا من السموات، وليس من سماء واحدة فقط فقد جاء الذكر للاثنين في كتاب الله مما يدل على أن السموات كلها قريبة منا وليست بعيدة كما يظن من لم يجعل للسماء حدودًا0 </b></i> __________________ 9- لم تأت "من" التبعيضية مع السموات إلا في آيتي الرزق وقوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) سبأ0 وقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) النحل0 لِمِنْ معان كثيرة ولكن جميع معانيها مبنية على التبعيض ومن قال بأن المعنى الأصلي لمن هو ابتداء الغاية الزمانية والمكانية لم يوفق للحقيقة، والصحيح أن "من" للتبعيض لأن ابتداء الغاية أيضًا لا يكون إلا من بعض الأزمنة أو من بعض الأمكنة0 ولم يأت ذكر لـ "من" مرتبط مع السموات إلا في آيتين تبينان أن رزق الله يأتي من السموات 00 والمقصود الأول في الرزق هو المطر، لأننا منه نشرب، وبه ينمو النبات الذي عليه يتغذى الحيوان، فإن لم ينـزل المطر زمنًا طويلاً ماتت الأرض وما عليها0 والمطر هو جزء من السماء، تحول بعد حالته الغازية إلى الحالة السائلة، فتجمع في قطرات ثقلت على الحمل فنـزلت بشكل مطر ينتفع به الناس والنبات والحيوان 00 وحال السماء هو كحال الماء في حالته الغازية؛ لذلك يعد المطر جزءًا من السماء، وهو بعض مكوناتها التي لا تخلو منه0 والملاحظ أنه لم يذكر أي شيء آخر أنه بعض من السموات، مع أننا نرى عبر السماء أشياء كثيرة في الليل والنهار، فدل ذلك على أنها ليست من السموات، ولا من السماء على الحقيقة التي تبينها كل مواد هذا الكتاب القائمة على فهم آيات الله في القرآن الكريم0 </b></i> __________________ 10- خزائن السموات والأرض جاء في كتاب الله ذكر خزائن الله مرتين، ومرة خزائنه، وخزائن ربك مرة، ومرتين خزائن رحمة ربي وخزائن رحمة ربك، ومرة خزائن الأرض، ومرة واحدة خزائن السموات والأرض، قال تعالى: : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) المنافقون نلاحظ أنه لم يأت ذكر خزائن السموات منفردة دون ذكر الأرض، بينما ذكرت خزائن الأرض منفردة في سورة يوسف، حيث يخزن ما يخرج من ثمرات الأرض ويحفظ0 فلماذا ربطت الخزائن في هذه الآية بالأرض وبالسموات معًا؟0 أهم مخزونات السموات هو الماء، ومصدره من الأرض؛ من بحارها وأنهارها، ومن حيث وجد فيها، وهذا الماء النقي الطاهر يكون منه حياة كل حي؛ نباتًا كان أو حيوانًا، ورزق الإنسان وما يحفظ حياته يؤخذ من الماء ومن النبات ومن الحيوان 00 لهذا لم يأت ذكر خزائن السموات إلا مع الأرض، لأن الماء مخزون فيهما معًا، بينما جاء ذكر خزائن الأرض منفردة، وكل هذه الخزائن من رحمة الله بخلقه، يجدونها كلما احتاجوا إليها، وكلما اشتدت الحاجة إليها0 11- وفي السماء رزقكم وما توعدون قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) الذاريات0 يجمع المفسرون على أن المطر هو المقصود في قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ)، لأن الماء سبب الرزق، والماء على حاله هو رزق، وبه ينبت النبات، فيكون رزقًا، وعلى النبات تعيش الحيوانات، التي تصبح بالتالي رزقًا للناس، فعلى ذلك فسر الرزق بالمطر0 أما قوله تعالى: (وَمَا تُوعَدُونَ)، أي وفي السماء ما توعدون، فقد فسرت "بما يوعدون"؛ بالخير خاصة، وبالشر خاصة، وبالخير والشر، وبالجنة وبالنار، وبالمآب0 فإن قصد بالخير المطر، وبالشر الصيحة والصواعق، فهذه أمور تتجدد في السماء باستمرار، لوجود دورة للماء معروفة، ويرافق هذه الدورة تكون الصواعق والرعد الذَين يكون منهما العذاب على من يسلط عليهم، فهذه أمور يعرفها الإنسان، ويشاهدها0 أما تفسير "وما يوعدون" بالجنة والنار، فهذا أمر فيه نظر؛ فليس في كتاب الله آية تؤيد ذلك، فلم تشر أية آية على وجود الجنة أو النار في السماء، وليست الآية تصرح بذلك، وفي هذا القول مخالفة لعموم فهم حقيقة السموات كما صورها القرآن0 إن لم يكن هذا هو التفسير، فبماذا تفسر الآية إذًا؟0 من المعلوم والمعروف لدينا أن رزق الناس لا يتكون من ماء فقط، بل هناك من الأغذية النباتية والحيوانية بجانب الماء، وبها جميعًا يستمر الإنسان في حياته، فالماء يبقى على حاله؛ سواء أكان وجوده في السماء، أم كان وجوده في الأرض، أما الأغذية النباتية والحيوانية فأمرها مختلف؛ فهي في السماء مجموعة غازات لا يمكن أن نتغذى عليها مباشرة، فلا بد أن تتحول في النباتات إلى مواد كربوهيدارتية في جسم النبات وثماره أولاً، ثم إلى مواد بروتينية ودهنية في أجساد الحيوانات بعد التغذي عليها ثانيًا، ثم تكون هذه المواد بعد ذلك رزقًا للإنسان، وما يكون في هذه المواد من عناصر أرضية؛ كالحديد، والكالسيوم، والفسفور وغير ذلك، فهي من الضآلة بحيث لا تقاس إلا بالغرام، بل بالملي غرام؛ فرزقنا في معظمه وجله من السماء0 فلما صعب على الإنسان تناول هذه الأغذية مباشرة من السماء، واحتاج تحولها من غازات في السماء إلى مركبات عضوية كرزق للإنسان زمنًا يطول إلى بضع سنوات، أو يقصر إلى بضعة أشهر، أو أسابيع، ويكون في أزمان محددة، فكانت من باب الموعود بها أن تصبح رزقًا خلاف الماء الذي نتناوله مباشرة، ولا يتغير حاله أينما وجد في الأرض أو في السماء0 ومما يعد أيضًا من الرزق الكساء، والكساء إما أن يكون من جلود الحيوانان، أو من شعرها، أو من صوفها، أو من وبرها، أو من خيوط الحشرات كالحرير، وأما إذا كان من النبات فيكون من أليافها أو قشورها كالكتان، أو من زهرها كالقطن، فكل ذلك من مكونات الحيوان أو النبات وأصله من الماء ومكونات السماء وشيء يسير من مكونات الأرض حاله كحال الغذاء الموعود به الإنسان0 وانظر إلى ما يموت من الحيوانات ويبقى فوق وجه الأرض 00 فبعد زمن لا يبقى منه إلا العظام 00 فأين ذهبت عناصر جسمه؟ لقد تحولت إلى غازات وروائح انتشرت في السماء0 وانظر إلى قوله تعالى في سورة البقرة للذي أماته الله مائة عام ثم بعثه: (وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) البقرة، العظام تتكون من عناصر أرضية ثقيلة تبقى في الأرض، أما اللحم الذي كان فقد تحول إلى غازات في السماء فأعاده الله عز وجل بقدرته تعالى لحمًا يكسو به العظم مرة أخرى 00 حاله كحال بخار الماء الموجود في الهواء عندما يلمس كأس ماء بارد يتكثف عليه، وتكون اللحم حول العظم يشابه ذلك، لكن عناصره تحتاج إلى تحولات كثيرة لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى وحده0 ومن الرزق يتكون اللحم وينمو الجسم ويكبر حتى يكتمل الجسم 00 ولا ينس الإنسان أن بعض طعامه يتحول إلى غاز في أمعائه، وما يخزن في جسمه يتحول أيضًا إلى غازات في عملية الاحتراق الذاتي في الخلايا، ويتخلص منه الجسم في عملية التنفس التي لا تتوقف ليل نهار، وانظر إلى المرء السمين عندما يمرض وينـزل وزنه ويصبح خفيفًا 00 أين ذهب ما خسر من وزنه ؟!0 فما وعدنا الله سبحانه وتعالى من رزق هو عناصر وغازات منتشرة في السماء –أهمها: الأكسجين، والهيدروجين، والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون- لا نستطيع الانتفاع بها حتى تتحول إلى مواد كربوهيدراتية، أو بروتينية في ثمار نبات أو ساقه أو ورقه أو جذوره أو بذوره أو في لحم حيوان يؤكل أو في دهنه0 </b></i> __________________ 12- تسخير ما في السموات قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية0 وفي هذه الآية بين الله سبحانه وتعالى أنه سخر لنا ما في السموات وما في الأرض، ونسب كل ذلك إليه سبحانه وتعالى ، وجعل ما سخر آيات منه دالة عليه، ولكن لا يعرفها ولا يستدل بها عليه إلا قوم لهم عقول، وأولوا ألباب يتفكرون فيها 00 والتفكير فيها لا يمكن أن يكون إذا لم يقع عليها الحس 00 فمعنى أن يقع عليها الحس أنا نراها وفي هذا أيضًا دلالة على أن السموات تقع تحت حسنا، وأنا نراها، فمما سخره تعالى: النجوم لنهتدي بها، والشمس جعلها ضياء لنا، والقمر نورًا، ولولا السموات لما تحقق ذلك، فالشمس نار محرقة، وفي أشعتها إشعاعات ضارة، وطبقات الغازات فوقنا هي التي تلطفها، وتنقيها لتصبح صالحة غبر ضارة، وكذلك تفعل مع نور القمر فلولاها لقارب نور القمر بدون سماء ضوء الشمس مع وجود السماء، وتقارب الليل من النهار، وتفعل مع النجوم بأن تجعلها زينة لها، وهي في حقيقتها إذا تعدينا نطاق السموات نراها نقطًا بيضاء صغيرة في صفحة سوداء شديدة السواد، لا بريق لها ولا لمعان، ولا أثر لها في إزالة وحشة الفضاء الخارجي0 وتسخير السموات جعل المنفعة بالليل والنهار، ونزول المطر، وحفظ الحياة بالغازات التي تتشكل منها السموات، وبما تسببه من ضغط يحفظ ضغط أجسامنا، ويحفظ دماءنا وقدرتنا على التنفس وغير ذلك من المنافع0 13- ارتباط السموات بالأرض في (179) موضعًا بين تعالى في القرآن الكريم أن خلْق السموات وخلْق الأرض ارتبط أحدهما بالآخر؛ فمرة يقدم خلق السموات على خلق الأرض، ومرة يقدم خلق الأرض على خلق السموات، فهذا التقديم والتأخير هو بيان لهذا الارتباط الشديد بين خلق السموات وخلق الأرض، وأنه قد وقع في زمن واحد، ولم يقع في أزمان متباعدة، ولم يكن هناك انفصال في مراحل الخلق0 ويبن سبحانه وتعالى في سورة فصلت أنه لما استوى إلى السماء وهي دخان لإتمام خلقهن سبع سموات خاطب الأرض مع السماء: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت فتبين لنا من ذلك أن سبب هذا الدخان هو الأرض، ولن تصفو السماء إلا إذا كانت هناك استجابة من الأرض، بوقف ما تبثه من الدخان في السماء في بداية خلقها، وخلال خلقها، وما زال يحدث ذلك في الأرض في أكثر من خمسمائة بركان نشط موزعة في الأرض، ويشاهد بعضها الناس كل عام على شاشات التلفاز وهي تبث الغازات والأبخرة، والدخان، والرماد البركاني الذي يحجب الرؤية0 وكان الخطاب للأرض لتتمكن السموات العمل بأمر الله الذي أوحاه لكل واحدة منهن: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0 فهذا الارتباط بين السماء أو بين السموات والأرض قائم مؤثر في كل منهما، وأبينه الدخان الذي مصدره الأرض، وتأثيره في السموات، والذي دل على أن السموات شيء يرتبط بالأرض، وأن السموات ليست هي الكون بل هي والأرض جزء يسير منه0 </b></i> __________________ 14- عرض الأمانة على السموات قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب0 انظر إلى هذه الآية الكريمة كيف أن الأمانة تعرض على السموات والأرض والجبال ولم تعرض على الشمس والقمر والنجوم 00 لماذا ؟0 وانظر إلى هذه الأمانة التي حملها الإنسان إنها هي عين الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال 00 فما مدى قدرة الإنسان في توصيل هذه الأمانة ؟ هل يستطيع الإنسان أن يوصل هذه الأمانة إلى كون لا حدود له، ولو ملك سرعة تفوق سرعة الضوء بمئات الأضعاف ؟0 إن السموات والأرض والجبال والإنسان في محيط واحد يستطيع الإنسان أن يصل إليها وأن يصل إليه ما فيها 00 كل هذه الأدلة تبين المدى المحدود للسموات المحيطة بالأرض فتدبرها0 15- فساد السموات قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) الأنبياء0 وقال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) المؤمنون0 تبين الآية الأولى ما يقدر الإنسان على إداركه وهو أن السموات والأرض لا يصلح أمرهما إلا بإله واحد يدبر شأنهما، ولا يصلحان إلا بصلاحهما معًا لشدة الارتباط بينهما، ولو كان هناك أكثر من إله يتحكم فيهما لفسدتا0 أما الآية الثانية فتبين، بكل وضوح، أن يد الإنسان في الإفساد تلحق بالسموات والأرض إن أطلقت تبعًا لهوى الإنسان0 فتأثير الإنسان في السموات وفي الأرض بما أحدثه طلبًا للهوى من صناعات وطبائع أثرت في تربة الأرض، ومياهها، وبحارها، وطبقات السماء العليا؛ كطبقة الأوزون 00 لكننا على قناعة تامة أننا لا نؤثر في أقرب الأجرام إلينا كالقمر والمريخ 00 وحتى لو أجرينا عليها تفجيرات نووية فلن تؤثر هناك في شيء لأنها أجرام خالية من الحياة0 </b></i> __________________ يتبــــــــــع |
اقتباس |
05-05-2010, 03:34 PM | #4 |
|
16- : هل خلقت السموات من العدم؟
بين الله تعالى أن الخلق في الأمثلة التي جاءت بالقرآن الكريم لم يكن من العدم؛ أي بدون مادة، بل كان من مادة، وإنما الصورة الجديدة التي وجدت للمادة هي التي كانت معدومة في المادة قبل الخلق، فأوجدها الله بعد أن لم تكن فيها، فالمادة هي من صنع الله تعالى، وهو الذي أوجدها سبحانه وتعالى ، ولكن عند القول بالخلق فيعني ذلك أن صورتها تغيرت إلى صورة جديدة لم تكن موجودة فيها من قبل، فالله تعالى خلق الإنسان من طين أي من ماء وتراب اختلطا معًا، فصورة الإنسان المخلوق من الطين غير صورة التراب وغير صورة الماء، وأصبح له خصائص وميزات لم تكن في الطين ولا من مكوناته، أي من الماء والتراب؛ قال تعالى: : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) الطور0 : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) السجدة0 : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) المرسلات0 : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران0 : (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) الروم0 : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات، أي خلق كل واحد منهم من طرفين هما الذكر والأنثى. وقد سمى كل تغير للجنين من مراحل نموه خلقًا قال تعالى: : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون. لذا يجب أن نعي هذا الأمر جيدًا، وأن نعي مدلولات الألفاظ فلا نستخدمها إلا في الحدود التي وضعت من أجلها0 ولذلك فإن هذا التغيير في الصورة قد ينسب للإنسان، ولكن الإيجاد من العدم لا يصح أن ينسب لغير الله تعالى0 فقد قال تعالى عن عمل المشركين للأصنام، وتغيير مرأى الحجارة وصورتها إلى صورة أحياء: : (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا (17) العنكبوت0 : (أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) الأعراف0 وقوله تعالى في عمل عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير: : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي (110) المائدة وقوله تعالى: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ (49) آل عمران0 فقد نسب الخلق لعيسى عليه السلام ولكن بعد الإذن من الله، لأن هذا العمل من المحرمات لا يحل العمل به، وقد أذن الله لعيسى عليه السلام بذلك؛ ليصور من الطين كهيئة الطير لبيان معجزة من معجزات الله، وهذا خلق بحد ذاته قبل أن ينفخ فيه فيكون طيرًا من الأحياء، ولذلك جاء في اللغة خلِق: بمعنى بلي، فيقال ثوب خلِق، وقد أخلق أي أصابه البلى: أي تغيرت صورته من الصورة التي كان عليها0 ولا تعجب إن لم يذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه خلق النجوم، فهي على الإيجاد الأول لها، ولم تتغير بعد، وأنها من البعد الذي لا يمكننا من معرفتها على الحقيقة التي هي عليها، لأن النجوم نراها وهي مضيئة، فإذا بردت وانطفأت انعدمت رؤيتها0 فقد ذكر الله خلق الشمس والقمر: (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فصلت0 لأن التغيير الذي يحدث لهما أو كان فيهما مما يستطيع الإنسان التوصل إليه أو رصده0 وأنه تعالى خلق الليل والنهار: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء0 لأن التغير يحصل لكل منهما بتحوله إلى الآخر كل يوم وليلة0 وأنه تعالى خلق الإنس والجن: : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات0 : (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) ص0 وأنه تعالى خلق الدواب: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور0 وأنه تعالى خلق النبات: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) يس0 وأنه تعالى خلق الملائكة: (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) الصافات0 وأنه تعالى خلق الموت والحياة لما يكون من تغيير أحدهما ليكون الآخر: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك. وتغيير الأرض وعمارتها بالبناء: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) الفجر0 وقال تعالى على سبيل العموم ولم يخص النجوم بأنها مما خلق فهل تدخل في عموم قوله تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) الأنعام ؟0 17- تقديم السموات على الأرض والأرض على السموات تقدمت الأرض على السموات في بضع آيات فقط قال تعالى: : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) فاطر0 : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر0 : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) إبراهيم0 : (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) طه0 في آية فاطر قدمت الأرض لأن الناس هم أكثر معرفة بها ولأنهم مشركون فهم أكثر تمسكًا بها لأن ما في السموات متعلق في الأرض ويتأثر بها0 أما في آيتي الزمر وإبراهيم فقد تعلق الأمر بأحداث يوم القيامة، والأرض هي التي يحدث فيها التأثيرات الكبرى من حمل الأرض والجبال ودكها، وما يحدث للجبال من نسفها وتحولها إلى هباء منثور في السموات، وكذلك تفجر البحار لتصبح جزءًا من السماء، وما يحصل لكل حي عليها، ويتبع أثر كل ذلك على السموات0 أما آية طه فإن خلق السموات بدأ مع خلق الأرض، وظهرت السموات قبل الأرض، فقدمت السموات على الأرض دون تحديد؛ أي السموات أولاً، فلما تم التحديد في هذه الآية على وجه الخصوص قدمت الأرض لأن الانتهاء من خلقها تم في اليوم الرابع من أيام الخلق الأولى، وفي آخر يومين كان إتمام خلق السموات وتسويتها حتى تمت سبع سموات 00 من هذا يتبين لنا لماذا قدمت الأرض وأخرت السموات العلى في سورة طه بما يوافق ما بينته سورة فصلت0 وفي هذا ما يظهر شدة القرب والارتباط والتعلق بين السموات والأرض0 18- مادة السماء التي خلقت منها بما أن الله تعالى خلق السموات، وقلنا إن الخلق لا يكون إلا من شيء، فللسماء مادة خلقت منها 00 فمادة الأرض هي التراب والصخور المكونة منهما، ومادة البحر الماء 00 فما هي مادة السماء ؟ مادة السماء هي الغازات والأبخرة التي تتكون منها، وهي اليوم لدينا معلومة معروفة، فهي تتكون من النيتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، ونسب ضئيلة جدًا من غازات أخرى، ولأن الغازات شفافة، ومادتها خفيفة قليلة الكثافة تكاد من شدة شفافيتها لا ترى لولا ظهور زرقتها الناتجة من تشتيتها للضوء فيها، وظهور السحب فيها الدالة عليها0 كما وأننا نكاد لا نرى بعض الزجاج غير الملون لشدة شفافيته، وقس على ذلك كمية قليلة من الماء أو بعض السوائل، فكذلك المادة التي تتكون منها السماء0 فالسماء لها مادة، وهي شفافة، تدل عليها زرقة السماء، ونحس بها في حركة السحاب، وحركة الرياح وتحريكها للأشياء، وليست السماء فراغًا لا شيء، فمتى وصلنا إلى فراغ في الفضاء بلا غاز يؤثر فينا إيجابًا أو سلبًا، فمعنى ذلك أننا قد تعدينا السماء، ولم نعد فيها0 19- السموات ليست أجرامًا صلبة ولا مجموعة أجرام السموات بطبيعتها الغازية لا توصف بأنها جرم من الأجرام، ولا هي مجموعة الأجرام في الكون، بل هي غازات مرتبطة بالأرض مشكلة غلافًا يحيط بها، وطرفها البعيد الذي تنتهي فيه ليس ببعيد عن وجه الأرض 00 وكل مسألة نصل إليها، ونعرضها تزيد حقيقة السموات جلاء ووضوحًا 00 ولن ندع شيئًا يجلي هذه الحقيقة أو يزيل غموض فهم السموات أو يشوش فهم السموات في آيات القرآن، أو الأحاديث النبوية، إلا سنتطرق إليه إن شاء الله تعالى، حتى لا يبقى في النفوس فهم خاطئ لها، يظن أصحابه أنه يعارض هذه الحقيقة للسموات كما صورها القرآن الكريم0 20- لون السماء السماء خليط من مجموعة من الغازات الشديدة الشفافية بحيث لا تحجب من الضوء الذي يمر منها إلا النـزر اليسير، وهي تحجب من أشعة الشمس الضارة منها التي لا ترى بالعين المجردة، والتي تمكن الإنسان من معرفتها بعد التقدم العلمي في العصر الحديث0 ومن الأشعة التي تأتي مباشرة من الشمس ما يتشتت في جو السماء، أو مما ينعكس عن وجه الأرض، فيظهر هذا التشتت في السماء بلون أزرق0 ولا يصل هذا التشتت للضوء إلى مستوى الرؤية حتى يكون في سماكة كبيرة من السماء على خلفية سوداء للفضاء 00 فما بيننا وبين الجبال من السماء لا نرى له زرقة، وما بيننا وبين السحب من السماء لا نرى له زرقة 00 والخط الذي بيننا وبين الشمس في النهار، أو القمر في الليل لا نرى فيه زرقة0 لقد تصور السابقون أن السماء جسم صلب يسد الأفق حول الأرض 00 بل إن رؤية النجوم في بعض الحضارات هي رؤية للنار خلف فتحات وشقوق في جسم السماء 00 أين هذا من تصوير القرآن للسماء؟! لم يأت العلم إلا مبينًا دقة الوصف القرآني وصدقه كما يبينه هذا الكتاب بكل أبوابه0 21- تسمية السماء بالغلاف الغازي وبالغلاف الجوي السماء اسم وضعه العرب، وعرف بينهم قبل نزول القرآن الكريم، وهو من صميم لغتهم، ولم يعرفوا للسماء اسمًا آخر يغلب على اسمها، وقد سموا ما يأتي منها كالمطر بالسماء كقول شاعرهم: إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابًا وجعلوا ما واجه السماء بالسماء وما واجه الأرض بالأرض فوصفوا ظهر الدابة بالسماء وبطنها بالأرض0 وقد بينا أن سبب تسمية السماء بهذا الاسم لديمومة رؤيتها في كل مكان من الأرض، وديمومة ارتفاعها كذلك0 وبعد النهضة العلمية الواسعة في كل المجالات في العصور الأخيرة تبين أن السماء تتكون من مجموعة من الغازات، ولفظ غاز هو لفظ أجنبي غير عربي للمادة في حالة البخار؛ أي بعد تبخر المادة وتحولها من الحالة السائلة أو الصلبة إلى الغازية 00 أخذت السماء وصفًا لها بالغلاف الغازي ، ووصفها بالغازي وصف لحالة المادة التي تتكون منها، ووصفها بالغلاف لإحاطتها للأرض وتغليفها لها من جميع جهاتها 00 فغلب هذا الوصف في الوسط العلمي على اسم السماء حتى أصبح التعامل مع السماء التي هي اسمها الأصلي على أنها الغلاف الغازي، وأن لفظ السماء أشمل من ذلك؛ أي يشمل الكون بما فيه من نجوم وكواكب وشمس وقمر، والغلاف الغازي للأرض الذي كان لا يسمى إلا بالسماء0 وكذلك سميت السماء بالغلاف الجوي عند الحديث عن التقلبات التي تحدث فيه0 وإخراج الاسم عن مضمونه وصرفه إلى غير واقعه يزل بالأقدام، والعقول، والأقلام، فيُتكلم في كتاب الله بما لا يصح ولا ينبغي -أعاذنا الله تعالى من ذلك- فيجب الحذر من جعل السماء والغلاف الغازي شيئين مختلفين، وأنهما ليسا شيئًا واحدًا يتصف بصفتين أو أن له اسمين 00 فننكر لأجل ذلك أن السماء هي عين الغلاف الغازي المحيط بالأرض0 22- فطر الله تعالى للسموات ذكر فطر السموات في عدة آيات منها؛ قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر0 (قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) الأنبياء0 (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام0 بين تعالى أنه فاطر السموات في آيات عديدة؛ أي خالقهن، كما هو في التفاسير، ولكن فطر السموات له خصوصية فوق معنى الخلق؛ ففطر الشيء جعله ينفتح وينشق، ويمتد إلى الخارج، فقد كانت قدما رسول الله صلى الله عليه السلام تتفطر من طول القيام في الليل والضغط عليهما، والفطور هو الطعام الذي يفتح له المرء فمه في الصباح بعد طول إغلاق في الليل أو بعد طول صيام في النهار0 قال تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) الأنعام0 وقد فطر الله سبحانه وتعالى السموات والأرض، فجعلهما تنفتحان أمام ما يدخل فيهما، ويغلقان عليه، فلا يبقى الطريق مفتوحًا بعد دخول الشيء فيهما، ولولا هذه الحالة التي عليها السموات والأرض ما استطاع الإنسان الحركة على الأرض، ولا الانتفاع بهما، ولما طار طير في السماء0 وقد قال تعالى في خلق السموات والأرض: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد وفطور السموات لا يطول ولا يثبت لطبيعة مادة السموات الغازية وإطباق بعضها على بعض قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) الملك0 أما يوم القيامة فهي واهية ضعيفة يزيد امتدادها في الفضاء ما يسمح للداخل إليها من الداخل والخارج بسهولة0 قال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) الانفطار0 وقال تعالى: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) المزمل0 ولطبيعتها الغازية فهي في محاولة دائمة للتفلت لولا قبض الأرض لها بقوة جاذبيتها، ويزيد هذا التفلت قوة إذا كانت هناك معصية لله، وإشراك به؛ لأنه تعالى لم يخلق السموات والأرض إلا ليعبد الإنس والجن الله فيهما0 قال تعالى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) مريم0 وقال تعالى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) الشورى0 يتبع |
اقتباس |
05-05-2010, 03:35 PM | #5 |
|
23- لا حياة دون سموات السموات مصدر تنفس الإنسان، ومصدر الضغط الذي يحفظ دم الإنسان في عروقه، وهي الحافظ له من شدة الحر ومن شدة البرد، وهي الحافظ له من الشهب والنيازك والأشعة الضارة، وهي محل حركة الإنسان والحيوان والطير والنبات، ونموها جميعًا، وهي مصدر الماء الذي لا حياة بدونه0 انظر إلى قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) غافر0 الملائكة حاملو العرش يستغفرون للمؤمنين خاصة، بأن يرحمهم الله، ويغفر لهم، ويقيهم عذاب الجحيم يوم القيامة، فهذا استغفار من الملائكة للذين آمنوا يوم القيامة، أو في الحياة الدنيا 00 فإن كان الاستغفار في الحياة الدنيا فإن العرش وحملته في مكان بعيد خارج السموات لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ولم يأت ذكر للسموات في هذه الآية0 وانظر إلى قوله تعالى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) الشورى0 الملائكة في هذه الآية التي ذكر فيها تفطر السموات تستغفر لمن في الأرض بغير تحديد؛ لأن السموات إذا تفطرت انعدمت الحياة، ووقع الهلاك على جميع الناس؛ مؤمنهم وكافرهم بلا استثناء، فكان الاستغفار لأهل الأرض جميعًا0 ودلالة هذه الآية على شدة قرب السموات من الأرض، وأثرهن في صلاح الحياة عليها، وأنه لا حياة في الأرض بدون سموات، وليس بدون سماء واحدة0 24- فتق الله للسموات قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) الأنبياء0 لم يجهل العرب لغتهم، ولم يجهلوا معنى الرتق بأنه شدة الالتصاق، وأن الفتق هو النفش في جميع مشتقات الجذر؛ فمنه الفتاق اسم للخميرة التي تنفش العجين، ولليف الذي يستخدم في الاستحمام لانتفاشه، والفتق الذي يصيب الإنسان فيضعف الجلد وينتفش باندفاع شيء من الباطن إلى الخارج فيه، أو في الصفاق، وفتق الصوف والقطن هو نفشهما 00 كل ذلك لم يجدوا له رابطًا لفهم الآية لغياب كثير من معلومات عصرنا عنهم، فلا كروية للأرض، ولا جاذبية، ولا تصور لها بأنها سابحة في الفضاء، ولا معرفة بتمدد الأجرام، ولا انفجارها إذا عظم هذا التمدد0 فماذا لو كانت غازات السماء مسيَّلة في أحوال كانت سابقة للأرض بسبب قوة جاذبية الأرض، وانخفاض الحرارة، ثم تبخرت بعد ذلك، وأصبحت غازًا ؟0 فكل سم3 من الماء يتحول إلى 800سم3 من البخار، وقس على ذلك التحول الكبير الذي يحدث في بقية الغازات المكونة للسموات 00 أليس هذا هو عين الفتق للسموات ؟0 الحديث عن فتق السموات له مقدمات عديدة ليس هذا الكتاب محل الحديث عنها 00 لكن الآية تشير إلى شدة الارتباط والاتصال بين السموات والأرض، فقد كانتا رتقًا واحدًا وليس رتقين اثنين، وأن السموات كلها مع الأرض كانت رتقًا، وليس سماء واحدة0 أما الفتق فكان لكل واحدة منهما، فتميزت السموات عن الأرض بطبيعتها الغازية أو البخارية التي خالفت فيها طبيعة الأرض الصخرية أو الترابية مع اختلاط الماء معها أو عليها0 في التفسير جاء فهم الفتق على أن الأرض لم تكن تنبت ففتقت بالنبات، وأن السماء لم تكن تمطر ففتقت بالمطر منسوبًا إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا التفسير له جانب من المعنى اللغوي، وشيء منه، فلو بقيت الأرض صلبة كالصخر لما استطاع النبات أن ينبت، ويمد جذوره فيها، ولو بقيت السماء رتقًا مع الأرض لما تبخر الماء فيها، ولما أمطرت السماء، فكلما زاد ضغط الهواء انخفضت درجة الإشباع فيها0 الفتق والرتق له مع غيره حديث طويل أوسع بكثير مما ذكر، ولكن محله ليس في هذا الكتاب الذي أردنا فيه بيان حقيقة السموات، وتحديدها لا الحديث عن كيفية خلقها 00 ونسأله تعالى أن يعيننا على إخراج كتاب ثان يعقب هذا الكتاب، في كيفية خلق السموات والأرض كما صورها القرآن الكريم 0 25- توسيع الله سبحانه وتعالى للسماء قال تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات0 السموات واسعة ولكن ليست كل شيء، قال تعالى: : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) البقرة0 وقال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة0 فما مفهوم سعة السماء ؟0 سعة الشيء هو مقدار ما يحتمله الشيء ويوضع فيه أو عليه وما زاد على ذلك خرج عنه، فسعة الكوب مقدار ما يحتمله من الماء أو الشراب، وسعة الغرفة مقدار ما تحتمله من الداخلين فيها للجلوس أو النوم أو الوقوف حسب ما جعلت لأجله 00 فلكل شيء سعة وحدود ينتهي عندها 000 وما بين الأشياء من تباعد لا يعد سعة؛ لأن هذه الأشياء وإن كثرت، لا تحصر ما بينها إلا إذا اتصل بعضها ببعض 0 والحالة التي عليها الكون أنه يتكون من عدد يصعب تحديده من الأجرام بكل مسمياتها، في حالة تباعد بعضها عن بعض وهي سائرة في تباعد أشد، دل عليه انحراف طيف الضوء إلى الأحمر 00 وهذا التباعد لا يسمى سعة؛ لأنه يفقد شروطه، وهو باق على تباعده0 فاتساع السماء محدود، وهو متعلق بما نطلق عليه بالغلاف الغازي 00 وأي تغيير في حجم الأرض وقوة جاذبيتها سيؤثر في سعتها، وهي في الحقيقة تتسع، وإن كانت سعتها قليلة قياسًا على ضخامة أحجام ما في الكون من شموس وأجرام، فإن سعتها ستكون كبيرة مع أحداث يوم القيامة، وسيضعفها ذلك، ويجعلها واهية ومنفطرة ومنشقة ومفتحة الأبواب على الأوصاف التي وصفت بها السماء يوم القيامة0 وإنزال مفهوم آية الذاريات على تباعد الكون وجعله اتساعًا فيها لا يجاري ولا يماشي دقة اختيار ألفاظ القرآن، ومراعاة لأصل اشتقاقها، ناهيك عن أن السماء والسموات مع الأرض هي جزء من الكون وليسا الكون كله0 ولكن يمكن النظر إلى ما حدث أو يحدث للأرض والسموات، فنقيس عليه، ونسترشد به لفهم ما في الكون، لا على أنه هو المقصود، والله تعالى أعلم 0 26- بناء السموات من الآيات التي أشارت إلى أن السماء والسموات هي بناء قائم؛ قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) البقرة0 : (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) غافر0 : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) ق : (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات0 : (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) النبأ0 : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) النازعات0 : (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) الشمس0 لا يكون الشيء بناء حتى تكون له قاعدة يستند عليها، وأن يركب بعضه بعضًا فيكون له امتداد إلى أعلى، ويشد بعضه بعضًا0 قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) الصف0 : (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) الزمر0 فكيف نفهم من ذلك بناء السماء ؟0 السماء تلازم الأرض، وليس هناك شيء فاصل بينها وبين الأرض؛ فهي مرتكزة على الأرض، وضاغطة عليها بما يسمى بالضغط الجوي الذي يزداد قوة كلما زاد عمود الهواء على المكان 0000 وقد دل الضغط على أن أجزاء السماء يركب بعضها على بعض، ويؤثر فيه، ويضغطه باتجاه الأرض 00 فدل هذا على ارتكاز أعلاه واعتماده على أسفله، فبذلك تكون السماء على هذا الحال بناء، ويكون لها ارتفاع مقدر0 وثانيًا أن هدف البناء هو الحماية والإيواء، والسموات تحقق لنا ذلك؛ فهي حامية وحافظة لأنفسنا وما كان سببًا في استمرار حياتنا مما خلق الله من حيوان ونبات0 27- السماء سقف محفوظ السقف لا يكون إلا على بناء، والسقف لا يكون معلقًا في الفضاء بدون أعمدة وركائز يعتمد عليها، وقد بينت آية الزخرف التالية أن السقوف كانت للبيوت المبنية؛ قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) الزخرف0 وبينت آية النحل التالية أنه لما ذهب البناء خر السقف ولم يثبت مكانه؛ قال تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) النحل0 وبينت آية الطور أن السقف الذي أقسم به الله سبحانه مرفوع، والرفع زيادة في الشيء المرفوع تبقيه على اتصاله بما تحته، كما سيأتي الحديث عنه لاحقًا0 قال تعالى مقسمًا بالسماء: (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) الطور0 أما آية الأنبياء فقد جعلت السماء هي السقف نفسه، ولما كان السقف يحتاج إلى بناء يقوم عليه والبناء بحاجة إلى السقف كانت السماء هي البناء كما بينته آيات أخرى وهي السقف أيضًا في آن واحد فالسقف جزء من البناء يمكننا من المرور تحته والسكنى تحته كذلك السماء، فنحن نتحرك فيها وهي محيطة بنا، فهي لنا البناء، وهي لنا السقف، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) الأنبياء0
وقد وصفت السماء في هذه الآية بأنها محفوظة، وليست حافظة، فهو تنبيه آخر يبينه الله لنا أن السماء كونها بناء، وكونها سقفًا كان بفعل قوة جاذبية الأرض التي أمسكت هذه الغازات، ومنعتها من التفلت والانتشار، فتجمعت فوق الأرض، فكانت بناء، وكانت سقفًا، وحفظت أيضًا بمجال الأرض المغناطيسي الذي يصد عنها الجسيمات والأشعة الضارة، وبحفظها بهاتين حفظت أجسامنا وما فيه حياتنا، وحمتنا مما يضرب الأرض من شهب وغيرها، فسبحان الله العليم الحكيم !0 وأكثر أجزاء السماء حفظًا لنا مما يأتينا من فوقنا هي الأجزاء العليا من السماء فكانت هي السقف لما تحتها0 28- سمك السماء قال تعالى عن السماء: (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) النازعات0 سمك السماء هو ما بين حديها، ورفع سمكها يكون بزيادة فيها من نفس مكوناتها، أو تغيير حالها بفتقها وانتفاشها، فيقل ضغطها، ويزداد حجمها، ويرتفع بذلك أعلاها0 والسمْك: سقف البيت وهو من أعلاه إلى أسفله وقامة كل شيء، والسامك: العالي المرتفع0 والسمَك: الحوت وفي صفته أنه يستطيع الحركة فيتفلت في داخل الماء من أعلاه إلى أسفله0 ورفع سمك السماء هو زيادة اتساعها بزيادة مادتها، وفتقها، فيصبح أعلاها أكثر ارتفاعًا من قبل، فتسهل الحركة فيها، فهذا من تسوية الله الخالق للسماء، وإتمامه بهذا الرفع لأعلاها0 وأرشدت هذه الآية كما أرشد غيرها من الآيات التي ذكرت فيها السماء إلى أن السماء مادة متماسكة متصلة، فلا تباعد بين أجزائها ولا مكوناتها0 ورفع سمك السماء هو عين الفتق، وعين توسع السماء، فكل آية في وصف السماء تسلط على جانب من الجوانب الدالة على حقيقة السموات بما في هذا الوصف من خصائص يتميز بها0 29- رفع السماء الرفع: زيادة تعطى للشيء، أو تحصل فيه، فتعلو بها ذاته كرفع قواعد الكعبة بزيادة البناء عليها، والقواعد في محلها في قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة0 أو يعلو بها قدره ومنـزلته على غيره من الناس كما في: قوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) الزخرف0 وكقوله تعالى في رفع بعض الأنبياء على بعض: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (253) البقرة0 وكقوله تعالى: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) مريم0 وكقوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) الشرح0 والشيء المرفوع لا بد له من شيء يرفعه من جنسه، كما في حجارة البناء، أو بخاصية يتفضل بها على غيره من مال أو علم أو كرامة من الله، أو بقدرة من الله كرفع الطور فوق الوجهاء الذين اختارهم موسى عليه السلام من بني إسرائيل، وطلبوا رؤية الله عز وجل؛ قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) البقرة0 وقد بين تعالى رفعه للسماء في عدد من الآيات 00في مجال الاعتبار والتفكر في رفع الله للسماء، وهذا يدل على أنها لم تكن مرفوعة في أول أمرها وبداية خلقها، كما في قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) الغاشية0 وفي مجال إتمامها وإكمالها بتسويتها كما في قوله تعالى: (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) النازعات0 وفي مجال بيان وضع السماء على حال تصلح للميزان كما في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) الرحمن0 فعمل الميزان يتأثر بالضغط الجوي للسموات، فكلما زاد الضغط الجوي على الأشياء تسلسل خروج الأشياء عن الوزن لتغير حالها مع وزن الهواء، فإذا نقصت كثافتها عن كثافة الهواء طفت وارتفعت في الهواء، كما يحصل للمناطيد وكما هو الحال في الماء الذي يمتنع فيه وزن ما يطفو عليه كالفواكه والخشب ويتعطل معها عمل الميزان0 وفي مجال كيفية ارتفاع السماء كما جاء في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد0 يحتمل فهم رفع السماء بغير عمد بالصيغة التي جاءت في الآية أن السماء رفعت بغير عمد، أو أن السماء رفعت بعمد لا ترى 00 أي أن هاء الضمير في ترونها إما تعود إلى السموات أو تعود إلى الأعمدة 00ووضع المعنى في صيغ لتحتمل أكثر من معنى، وهذا من أساليب القرآن الكريم التي تميز بها كتاب الله0 والمعنيان مقصودان، وبهما يفهم رفع السماء 00 ذلك أن السماء رفعت، ولا بد من شيء يرفعها، ويبقيها على اتصال بالقواعد التي بنيت عليها وهي الأرض، فكانت أعمدتها من نفسها، ونفس السماء مكون من غاز لا يرى فكذلك أعمدتها لا ترى0 وثانيًا أن الأعمدة التي رفعت السماء لا تباعد بينها، وهي في حال اتصال والتصاق بينها كقطعة واحدة مشكلة طبقات يرفع بعضها بعضًا كما ترفع طبقات البناء بعضها بعضًا 00 ولو تباعدت الأعمدة عن بعضها لأمكن التفريق بينها وتمييزها0 فعلى هذا تكون السماء قد رفعت بعمد، ولكن رفعها بحالة غير رفع العمد للخباء أو سقوف الأبنية، فهي قد رفعت نفسها بنفسها، فكانت كل سماء عمدًا لما فوقها من السموات0 وهناك أكثر من رفع للسماء لا صورة للعمد فيها؛ بزيادة مادتها بما يعرج فيها مما يخرج من الأرض من غازات وأبخرة البراكين وغيرها فيرفع سمكها0 ورفعٌ بسبب تغير قوة قبض الأرض على السماء بجاذبيتها، فتتحلل السماء من بعض هذه القبضة، فيعلو حدها الأعلى، ويرتفع سمكها، وتصبح أكثر فتقًا0 كل ذلك مما يحتمله نص الآية والله تعالى أعلم0 يتــــــــبع |
اقتباس |
05-05-2010, 03:36 PM | #6 |
|
30- ظلال من في السموات الظلال: جمع الظل، وهو الظلمة الخفيفة من بقية ظلام الليل التي تستمر على يسار الأشياء القائمة الثابتة إلى الظهيرة، والتي لا يضربها ضوء الشمس بعد طلوعها0 ولهذا السبب سمي الظل بالظل لاستمراره بعد طلوع الشمس، ولا يسمى بعد الظهر بالظل، بل يسمى بالفيء؛ لأنه يفيء أي يعود إلى المواضع التي ضربتها الشمس في أول النهار0 أما ظل الإنسان فهو دائم ومستمر معه في النهار غير مرتبط بأول النهار أو آخره لصريح قوله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15) الرعد0 فهو ظل في أول النهار، وظل في آخر النهار، وذلك لأن الإنسان متحرك لا يثبت في مكان إلا لحاجة أو سبب0 والظل مرتبط بالشمس ارتباطًا لا انفكاك منه، وهي الدليل عليه، وسبب هذا الظل هو دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس، فيحدث من ذلك الحركة الظاهرية للشمس، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) الفرقان0 وآية الرعد بينت أن موضع الساجدين هو السموات والأرض، حيث يكون لهم فيهما ظلال في الغدو والآصال، فدل هذا البيان على أن السموات والأرض يحدث فيهما ظل النهار 00 ومن المعلوم علميًا الآن أن الشمس ترى عند أطراف حدود المجموعة الشمسية كأي نجم آخر، ليس لها هذا الضوء الذي نراه، ولا الظل الذي نشاهده 00 وهذه الآية كأخواتها اللواتي يتحدد بهن مفهوم السموات0 وأمر آخر قبل الانتقال من الحديث عن شهادة هذه الآية في بيان حقيقة السموات نتساءل عن المقصود بظلالهم 00 ظل كل إنسان هو الذي يتبعه أينما ذهب تحت ضوء الشمس 00 أهو المقصود في الآية ؟ أم غيره ؟ أم هو مع غيره ؟0 منطوق الآية يقول أن الظل المعروف هو المقصود0 ولما كان الظل تابعًا فمن المعقول المقبول أن يراد بالظل كل تابع يتبع غيره فيكون معه أيضًا في السجود، لأن السادة والعبيد والرئيس والمرؤوس وكل شيء يخضع لله، ويسجد له، فلا يخرج عن أحكام الله وسننه التي وضعها في الكون0 فعلى هذا الاتساع في المعنى يكون كل حاكم ومحكوم، وآمر ومأمور، لا يمتنع من السجود لله ولو في سنن الله في الكون دون شرعه0 </b></i> __________________ 31- حبة خردل في السموات قال تعالى في وصية لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان الخردل نبات أرضي معروف، وله حب صغير 00والله سبحانه وتعالى لا يضيع عنده ولا يغيب عنه مثقال حبة من خردل، ولو كانت هذه الحبة، على صغرها، في بطن صخرة قد أغلقت عليها منذ زمن بعيد، قبل أن تتحول إلى صخرة صلدة، أو كانت في داخل الأرض على اتساعها، أو في السموات على ارتفاعها واتساعها، يعلمها سبحانه وتعالى ، ويأتي بها0 والأماكن التي يحتمل وجود حبة الخردل فيها هي إما في صخرة من الصخور، وكثير من الصخور هي رسوبية قد احتوت على بذور نباتات عديدة، وإما في الأرض، فتكون حبة الخردل على وجهها، أو بين ترابها، وإما في السموات، قد رفعتها فيها رياح أو زوابع أو أعاصير0 ولا يشطط بنا الخيال في حبة الخردل التي هي من نبات حي من نباتات الأرض، الذي لا يوجد إلا على الأرض لنجعلها في القمر أو المريخ 00 السموات هي السموات التي ارتبطت بالأرض لا بغيرها، وطوقتها من كل الجهات فأطبقت عليها بشدة، وهذه الآية هي إحدى شواهد القرآن التي تبين حقيقة السموات0 32- يخرج الخبء في السموات والأرض
وهذه شهادة أخرى من الشهادات جاءت في قوله تعالى من سورة النمل: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) النمل0 الخبء: المستور، وإخراج الخبء في السموات غير إخراجه من السموات؛ لأن إخراجه من السموات يعنى جعله في غيرها، أما إخراجه فيها فهو إظهار له فيها بعد ستره، فهذه شهادة أخرى من القرآن على شدة التقارب بين السموات والأرض من طير يتنقل بينهما، ويبحث عن الخبايا فيهما0 كيف يخرج الخبء في السموات، والسموات شديدة الشفافية لا تخفي في باطنها شيئًا ؟!0 الجواب على ذلك كان فيما وصل إليه العلم، وتقدم فيه من يوم اكتشاف المناظير والمجاهر، فصنع الإنسان مجاهر عظيمة التكبير، أظهرت ما خفي في الأرض والسموات من مخلوقات في منتهى الصغر من أنواع البكتيريا والفيروسات، التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولا حتى في مجاهر ضعيفة القدرة في التكبير 00 وهذا الخبء بأنواعه كان مستورًا زمنًا طويلاً حتى أتاح الله من العلوم ما يكشف عنه مصداقًا وبيانًا لما في هذه الآية، ولأمور كثيرة في آيات الكتاب العزيز0 ومثل ما في السموات من خبء يصل أعداده بالآلاف المؤلفة في م3 ؟ أو حتى في سم3، ودون ذلك بكثير يوجد أيضًا مثله في الأرض، ولكن الأرض تستطيع أن تستر في طياتها مثل ما في السموات من الخبء، وأكبر من ذلك، مما لا يرى لطبيعة الأرض المكونة من المواد الصلبة غير الشفافة القادرة على ستر وإخفاء ما تحتها وما بينها0 أما إخراج هذا الشيء في السموات فيكون له تأثيره في الإنسان والكائنات الحية، فيسبب الأمراض التي كانت لا يعرف سببها من قبل، أو التي لم تكن معروفة، ولم يصابوا بها من قبل0 </b></i> __________________ 33- أسباب السموات قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) غافر0 الأسباب: جمع سبب، وهو ما يصل بك إلى الشيء، وبلوغه من حبال أو طرق ومسالك وغير ذلك0 لم يكن في طلب فرعون من هامان أن يبني له صرحًا ليبلغ الطرق التي توصله إلى السموات بالجمع لا الإفراد إلا سخف تصور فرعون لله عز وجل، كأنه سبحانه وتعالى في مكان يحصره، ويريد فرعون أن يصل إليه 00 فلو كان الأمر كذلك فكيف وصل إليه موسى عليه السلام وهو لا يملك الوسائل التي يملكها فرعون في زمانه ؟ وكيف علم بوجوده ؟0 يقر فرعون في قوله بأن السماء سموات، كما أقرت العرب في آيات عديدة دون تحديد عددها أن الذي خلق السموات هو الله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) العنكبوت0 فكيف لهم معرفة أن السماء سموات ؟0 لعل في جواب فرعون الإجابة 00 فقوله أسباب السموات أي أنه يرى فيها اختلاف طرق السحب، منها ما علا، ومنها ما انخفض، ومنها ما اشتد علوه، وتنوعها بين البيضاء الخفيفة، وبين السوداء الماطرة، واختلاف اتجاهاتها، واختلافها في السرعة، فيمر بعضها فوق بعض0 ويرى الإنسان كذلك الاختلاف بين سماء باردة فوق الجبال، وسماء حارة فوق المنخفضات، واختلاف المطر النازل منهما، فيقدر من ذلك بأن السماء هي عدة سموات0 وقد يكون ذلك من فرعون اتباعًا لرد موسى سبحانه وتعالى على سؤاله وإقرارًا منه: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) الشعراء0 34- لمس السماء اللمس: طلب الشيء، أو طلب ما فيه، كان في ذلك اتصال واحتكاك بالشيء أو لم يكن، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) الحديد 00 التمسوا نورًا أي اطلبوا نورًا آخر غير نور المؤمنين والمؤمنات0 00 ومن ذلك: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا (43) النساء0 وكذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا (6) المائدة0 فلامستم النساء التي جاءت في الآيتين كناية عن الجماع الذي فيه طلب تحقيق الشهوة عندهن، وهو من الألفاظ التي يعلمنا الله تعالى فيها أدب القول بالكناية عما لا يحسن التصريح به، وفعل لامس من أفعال المشاركة الذي يكون فيه طرفان يشتركان بنفس الفعل على السواء في أكثر هذه الأفعال، وقد يأتي هذا الفعل لرغبة عند طرف واحد دون الآخر، وفي ذلك ما يعلل سبب القراءة الأخرى للآية (أو لمستم النساء)0 ومن فسر الملامسة وهي إصابة الجلد والاحتكاك به بالمصافحة، أو لأي سبب آخر، فإن كان الأمر كذلك فهل حكم الطهارة من الجنابة هو نفس حكم الطهارة من الجماع؟00 الجنابة تكون من الجماع ومن الاحتلام والأخيرة في السفر هي الأقرب 0 وقد يحتمل الأمر الاثنين معًا وإن كان الأمر الأول هو الأكثر وضوحًا ويتماشى مع المعنى الجذري للمس0 قال تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) الجن0 لمس السماء هو طلب ما فيها من الأخبار، وقد كانت الجن تسترق السمع لتسمع ما قدِمت به الملائكة من الله لتبلغه الملائكة الموكلين بالناس وبالأرض وما عليها 00 وقد كان ذلك قبل نزول الوحي بالقرآن0 والسماء ليست جسمًا صلبًا فيكون لمسها، أي طلب معرفتها، بوضع اليد عليها، وليست السماء سائلا فتوضع اليد فيها طلبًا لمعرفة ما هي عليه أو معرفة ما فيها 00 ولكنها غاز أو بخار انعدمت رؤيته لشدة شفافيته، ولا يرى حتى يتحول عن حالته الغازية إلى السائلة أو الصلبة0 والسماء هي على الحال التي هي عليها من يوم أن خلقها الله سبحانه وتعالى وسواها سبع سموات0 وهذه الآية تفهم وتفسر على ضوء باقي الآيات التي كشفت عن حقيقة السموات بالجمع والإفراد0 وقد ورد موضع خامس وأخير من مادة "لمس" فيه إعجاز يحسن الوقوف عليه في قوله تعالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) الأنعام0 لو نزل تعالى كتابًا مقروءًا معجزًا للبشر على النبي صلى الله عليه السلام لما أنزله مكتوبًا على الأشياء التي لم يعرف العرب غيرها من ألواح العظام والحجر وسعف النخل والجلد، وهو تعالى يعلم أن البشر سيصنعون الورق، وسيجيدون صناعته، وسيكتبون كتبهم بوسائل عديدة وأجهزة يطورونها جيلاً بعد جيل؛ لحفظ كتاباتهم، حتى يصلوا من التطور إلى كتابة الكتب، وخزنها بكميات لم يخطر على بال أحد من قبل بالأجهزة التي تسمى بالكمبيوتر على مساحة لم تكن تتسع لكتابة الفاتحة في زمن نزول القرآن0 وقد وصف تعالى إنزال هذا الكتاب البديل في قرطاس، والقرطاس هو ما يوضع فيه جزء من بعض الشيء المبيع، ففي القرطاس يوضع كمية صغيرة تؤخذ من وعاء أو كيس كبير للسكر أو الرز أو العدس أو أي حبوب أو مواد أخرى لا يستطيع المشتري أن يشتري كامل الكيس أو ما في الصندوق 00 ففي القراطيس ينقص مقادير ضئيلة من الشيء المبيع ليسهل على المشتري ويمكنه من شرائها حسب مقدرته 00 ويحتفظ البائع بالباقي لمن يأتي بعده للشراء0 وبفهم سبب استعمال القرطاس وتسميته، نستطيع فهم الكتاب عندما يكون في قرطاس، فبعضه يعرض للاطلاع عليه، ويحفظ بالباقي لحين الطلب والاستعمال0 لكن كيف يطلب ما في الكتاب الذي في القرطاس ؟0 يطلب ما في الكتاب الموضوع في القرطاس باللمس باليد كما بينته الآية 00 وهذه الصورة أو الطريقة هي طريقة استخدام الحاسوب أو الكمبيوتر، وطلب كل ما وضع فيه من معلومات يكون عن طريق لوحة المفاتيح، واليوم تطور الأمر بالاستغناء عن لوحة المفاتيح البارزة بمفاتيح تستعمل عن طريق اللمس فقط 00 هكذا سيكون التعامل مع هذا الكتاب0 فماذا لو رأى العرب في زمن النبي صلى الله عليه السلام (كمبيوتر)، ورأوا خروج الكتابات والصور وتبدلها ؟ 00 لذهلوا مما يرون، ولقالوا كما بينته الآية: (لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) لأن الأمر فوق قدرتهم على تعليل ما يرون في ذلك الزمان0 أما لمس أي كتاب في زمن الرسول صلى الله عليه السلام فلا يؤدي إلى القول: (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)، فظاهر هذه الآية أن الكتاب محفوظ بغير ما تعرفه العرب في زمن نزول القرآن0 وقد عرب العرب كلمة كمبيوتر بالحاسوب وهذه التسمية لا تفيد إلا القيام بعمليات الحساب والتقدير، لكن الكمبيوتر لا يقوم بهذا العمل فقط، لكن له أعمال كثيرة متنوعة كتنوع حاجات الناس0 ولو كان هذا الجهاز من صنع العرب لما وجدوا له اسمًا شاملاً أفضل من تسميته بالمُقَرطِس أو المُقَرطَس أو القرطاس، لأن هذه حقيقته حيث أنه يجزئ له كل ما يدخله؛ ليسهل استرجاعه فيخرج ويظهر لنا ما نطلبه منه وهو قليل مما عنده، ويظل الباقي مخفيًا ومحفوظًا فيه للحاجة، أو عند الطلب0 وفي هذه الآية إشارة لما لم يعرف في زمن نزول القرآن، وفيها تصديق لقوله تعال: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ (38) الأنعام0 35- مسك السماء من الوقوع على الأرض قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) الحج0 مسك الله تعالى للسماء هو حفظها في مكانها، ومنع إرسالها إلا بإذنه أن تقع على الأرض 00 ومعنى أن تقع على الأرض أن تثبت عليها، وليس المعنى أن تسقط عليها، فهذا المفهوم الدارج عند الناس أن معنى الوقوع هو عين السقوط لا يوافق حقيقة السموات0 ولم يبين أهل القواميس الفارق بينهما0 مادة وقع كلها في استعمال القرآن واللغة يفيد الثبات ولذلك نقول مثبتين صحة ما نقول "في الواقع أن الأمر كذا " ووقع الحق: ثبت، والواقعة من أسماء يوم القيامة لثبات قدومها وتحققه، والأمثلة على ذلك في القرآن كثيرة0 وكذلك ليس هناك فاصل بين السماء والأرض من غير جنس السماء أو الأرض حتى تسقط السماء على الأرض، فبداية السماء هو من وجه الأرض0 ولما كانت السماء في الحالة الغازية فإنها في حركة دائمة ونحن نحس بالاختناق عندما تتوقف حركة الهواء0 والسماء لا تثبت على الأرض إلا في حالة تحول مكوناتها إلى سوائل أو مواد صلبة، وكل مكوناتها قابلة للتحول إلى ذلك، وهو مشاهد لدينا عندما يتحول بخار الماء إلى مطر أو برد ينـزل على الأرض 00 لذلك قال تعالى "إلا بإذنه" وهذا يكون بعد إذنه تعالى 00 وكل مكونات السماء تتحول بالضغط والتبريد إلى سائل، ولو شاء الله تعالى لغير حال الأرض بزيادة قوة جاذبيتها فيزداد تبعًا لذلك ضغط السماء، ويخفض الله درجة حرارتها بتبريد حرارة الشمس، أو بالصورة التي يشاؤها الله عز وجل فتتحول كل مكوناتها إلى سوائل أو مواد صلبة تثبت على الأرض ولا تفارقها، فسبحان من مسك السماء من الوقوع على الأرض، وجعلها غازًا متحركًا؛ لتصلح الحياة بهذه الحركة منها0 وقد يكون الثبات بعد سقوط، لهذا فسر أحيانًا الوقوع بالسقوط، لأن الساقط يثبت على الأرض بعد أن يهوي إما ميتًا، وإما محطمًا، والمطر والبرد الساقط يثبت على الأرض لفترة قصيرة أو قد تطول، ويظل المعنى الأصح لقوله تعالى: (أن تقع السماء على الأرض)، والموافق لاستعمال مادة "وقع" في القرآن هو: أن تثبت على الأرض بتوقف حركة الهواء، أو تحول غازاتها إلى سوائل أو مواد صلبة تثبت على وجهها0 36- مدة خلق السموات بين الله تعالى أن خلق السموات والأرض تم في ستة أيام في مواضع عديدة في القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) ق0 وبين تعالى أن خلق الأرض كان في يومين، ثم أتم خلقها بتقدير الأقوات فيها في أربعة أيام، وأتم خلق السموات بتسويتها في يومين، فتم خلقهما في ستة أيام: قال تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0 وهذا التفصيل الذي أراده تعالى في هذه الآيات له عدة فوائد منها:- • أن الخلق تدرج في هذه الأيام الستة على التفصيل الذي ذكر0 • أن خلق الأرض كان في يومين0 • أن تقدير الأقوات بدأ مع اليوم الأول وانتهى في اليوم الرابع، فدخلت الأيام الأولى في الأيام الأربعة0 • أن تسوية السموات كانت في آخر يومين0 • أن خلق السموات بدأ من أول يوم، وانتهى في آخر يوم، فتم خلق السموات في ستة أيام0 • هذا التفصيل يبين لنا سر تقديم خلق السموات على خلق الأرض إلا السموات العلى، التي ذكر خلقها بعد خلق الأرض0 : (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) طه0 • أن مجموع أيام خلق السموات والأرض هو ستة أيام0 • أن هذا التفصيل لبيان تتابع أيام خلق السموات والأرض، ولم تكن أيامًا متباعدة دخلت بينها أخرى0 • أن الأيام لها عدد، واليوم من أول النهار إلى آخره، وبين كل يومين ليلة، والفاصل بين أيام الدنيا هي الليالي، وأيام خلق السموات والأرض تحتاج إلى فواصل بينها أيضًا حتى لا تعد يومًا واحدًا0 • الفاصل بين الأيام الأربعة الأولى عن اليومين الأخيرين، كما ترشد إليه الآيات هو الدخان، ويقدر عليها باقي الأيام لشبه الظلام الذي يحدثه الدخان بظلام الليل0 • أنه من أراد حساب زمن خلق السموات فعليه ألا ينسى الفواصل بين الأيام الستة حتى يصح تسميتها وتقسيمها إلى ستة أيام، وإلا كان حكمها يومًا واحدًا بطول ستة أيام0 • أن طول أيام الخلق أو عددها لم يكن إلا لحكمة أرادها الله ولم يكن عن مشقة خلقها0 يتبع |
اقتباس |
05-05-2010, 03:38 PM | #7 |
|
37- تقدير اليوم من أيام خلق السموات والأرض اليوم هو وقت من الأوقات يتواصل فيه الصحو والإفاقة مع العمل أو بدونه تكون له بداية وقد يكون له نهاية، أو لا تعرف نهايته إلا عند الخروج منه0 فاليوم الآخر يوم له بداية وليس له نهاية0 واليوم من أيام الأرض هو من طلوع الشمس إلى غروبها فيتبعه ليل، ثم بعد الليل يبدأ يوم آخر مثله 00 ويختلف عدد ساعات اليوم في الصيف عنه في الشتاء، وساعة ابتدائه وساعة انتهائه0 هذا مفهوم اليوم في الأرض، ثم صار الاستعمال لليوم بمعنى الليل والنهار؛ لأن الإنسان يحصي ساعات النهار، ولا يحصي ساعات الليل، وهو يغط في نومه ليفيق على اليوم التالي، فأصبح اليوم في العرف الحديث أربعًا وعشرين ساعة0 هذا اليوم على الأرض، أما في الأجرام الأخرى من المجموعة الشمسية فهو بين (بضع ساعات) كما هو الحال في زحل وأورانوس، و (243) يومًا من أيام الأرض كما هو الحال في الزهرة0 فالأيام تختلف من جرم إلى جرم، ومن مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، فاليوم في أقطاب الأرض ستة أشهر، وفي خط الاستواء يكاد يتكافأ النهار (اليوم) مع الليل في معظم السنة في حدود اثنتي عشرة ساعة0 وقد بين تعالى أن عروج الأمر وحده إليه يكون في يوم مقداره ألف سنة0 قال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة، ووصول الأمر إلى الله عز وجل إما يكون بحمل الملائكة له، وإما يرسل إرسالاً بسرعة الضوء بطريقة مشابهة لما فتحه للبشر في تطوير وسائل اتصالاتهم0 وأن عروج الملائكة مع الروح إليه يكون في خمسين ألف سنة قال تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج0 وفي هذا بيان لعظم الروح، حيث تثقل على الملائكة، فيحتاجون إلى خمسين ضعفًا من الزمن اللازم للعروج بها إلى الله، أو أن الروح لا تحتمل سرعة الملائكة، فيترفقون بها فيكون هذا التأخير الشديد في زمن الوصول إن أريد بالروح أرواح البشر بعد قبضها، غير التفسير الوارد بأن الروح هو جبريل عليه السلام0 وفي الحج يقول تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج0 ففي هذه الآية يبين تعالى أنه يعد للناس بالأيام، واليوم عنده ألف سنة، والناس يستعجلون، فدنيا الواحد منهم دون عشر هذا اليوم، ولا يصل إليه إلا العدد الضئيل منهم0 فهل مقدار هذا اليوم المقدر بألف سنة هو المعتبر في قياس الأيام السابقة والأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض؟ أو أن هذا اليوم هو اليوم المطلق الذي يرتبط بعمل فيه؟0 لقد رأينا اختلاف الأيام مع رفع الأمر إلى الله ورأينا اختلاف الأيام مع وجود الروح مع الملائكة 00 فهل يكون يوم الخلق يساوي أحدهما؟ أم أنه أطول أو أقصر من أحدهما ؟0 يرجع تقدير اليوم من أيام خلق السموات والأرض إلى الله تعالى، فقد يكون كل يوم يساوي ألف سنة أي أن الله قد خلق السموات والأرض في ستة آلاف سنة 00 أو يكون في ثلاثمائة وخمسين ألف سنة 00 أو يكون في أكثر من ذلك بكثير، أو أقل من ذلك، والله تعالى أعلم0 هذا في حساب الأيام التي كان فيها خلق لهما، فماذا عن حساب الفواصل بين الأيام ؟0 علينا ألا ننسى أن الخلق تغيير في الصفات لا الإيجاد من العدم، فالسموات والأرض أصبحتا في حالة وصفة غير اللتين كانتا عليهما قبل الخلق0 فالخلق طرأ عليهما في زمن قريب أو بعيد 00 فأصبحت الأرض تقبل الماء بين أجزائها، وتقبل إنبات النبات من تربتها، ولم تكن على ذلك من قبل 00 وأن السموات كانتا مادة صلبة كالبرد، أو سائلا كالماء، ثم أصبحت غازًا وبخارًا يحيط بالأرض، ويعمها بإطباق من جميع جوانبها، فيقبل احتواء بخار الماء ثم يسقطه مطرًا إذا تجمع وثقل فيه0 </b></i> __________________ 38- أيهما الأقدم: آلشمس والقمر؟ أم السموات والأرض؟ قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) التوبة0 تبين هذه الآية من سورة التوبة أن الشمس والقمر كانا موجودين قبل خلق السموات والأرض؛ إذ إن الشهور لا تقدر إلا بالشمس أو القمر، والأشهر الحرم هي أشهر قمرية، والشهر القمري يرتبط بمقدار عكسه للنور الذي يستمده من الشمس إلى الأرض، فدلت هذه الآية أن للقمر وجودًا قبل خلق السموات والأرض، وليس قبل وجود السموات والأرض، والفرق بينهما كبير بعد أن بينا أن الخلق تغيير في الصفات لا الإيجاد من العدم في اللغة واستعمال القرآن، والقول بالعدم ألفاظ فلاسفة لا غير، والخلق لهما هي الفترة الأخيرة من وجودهما0 وقد تبين للإنسان أن عمر صخور القمر التي أحضرت إلى الأرض مع رواد الفضاء الذين هبطوا على القمر تقدر بـ 3.9 مليار سنة، بينما أقدم صخور الأرض غير قواعد القارات لا يزيد على 3 مليار سنة، مما دفع إلى القول أن القمر له تاريخه الخاص غير المرتبط بالأرض بعد النظريات التي تحدثت عن نشأة القمر بعد الأرض أو مع الأرض أو أنه كان جزءا من الأرض0 ودلالة ذلك أن صخور القمر أخذت استقرارها قبل استقرار الأرض، ولا تخلو صخور الأرض من فتات صخري ، عمره يزيد على 4 مليار سنة 00 وفي هذه الآية تقرير من العليم الخبير أقر به العلماء بعد طول مخالفة له، فسبحان العليم الخبير0 </b></i> __________________ 39- من أين تبدأ السماء ؟ تبدأ السماء من الطرف القريب منا من وجه الأرض مباشرة0 قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) إبراهيم0 : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبراهيم 0 فكم من الشجر الطيب ما هو بطول الإنسان أو أطول منه بقليل، وثمره في متناول يده، ومنه ما هو أقصر من ذلك، وكل هذه الأشجار فروعها في السماء، وأصلها ثابت في الأرض، ومن الشجر ما يكون في الجبال، ومنه ما يكون في السهول والوديان، وفي هذه الحالة فإن الجبال تكون أعلى منه، فالجزء من السماء التي فيها فروع هذه الشجار لم يأخذ صفة العلو على إطلاقه، فهناك من الأرض ما هو أعلى منها، وفي هذا زيادة تأكيد على أن السماء سميت من ديمومتها لا من علوها 00 فإذا كان فرع الشجر في السماء فانظر إلى نفسك فأنت تقف على الأرض مثل الشجر، لكنك تمشي وتسير عليها وجسمك يتحرك في الحقيقة في مادة السماء، فجسمك في السماء كالنبات، واعتمادك على الأرض وثباتك عليها كثبات النبات، وانظر إلى من يسير أمامك وتأكد من ذلك بنفسك، وتأمل إلى حركة الأشياء هل تتحرك وجسمها في السماء أو في الأرض ؟0 فهذه الآية حددت السماء بأنها فوق الأرض، وأن بدايتها هي وجه الأرض، وهي المحيط بكل الكائنات الحية النباتية والحيوانية، والوسط الذي تعيش فيه وتنمو0 40- حدود السموات تنحصر السموات بين حدين؛ حد قريب يبدأ من وجه الأرض، وحد بعيد، والسموات محصورة بين الحدين، والسموات محيطة بالأرض من جميع جهاتها، فتكون الأرض في بطن السموات، ووجه الأرض هو حد السماء الأول، وحدها البعيد حيث تنتهي نهاية مادة السماء المكونة منها على الوصف الذي وصف الله به السموات0 حد الأرض الأول معروف لشدة قربه؛ حيث يبدأ من وجه الأرض مباشرة، أما حدها البعيد فهو الذي يصعب التأكد منه على سبيل التحقيق، وذلك لأسباب عديدة، فمادة السماء تتأثر بالحرارة والبرودة، فيرتفع سقفها، وتزداد سماكتها مع شدة الحرارة، وينعكس الوضع مع الليل والبرودة، وكذلك تأثير جاذبية كل من القمر والشمس وتنازعهما مع جاذبية الأرض في التأثير في الأرض والماء ومادة السموات المحيطة بالأرض0 وكذلك لتحديد السموات ومعرفة مقدار سماكتها ينظر إلى كل صفات السموات التي جاء ذكرها في القرآن، والتي قد مررنا على بعضها ونحن في طريق احتواء كل تلك الصفات، فحيثما وجدنا ان السماء ما زالت متصفة بهذه الصفات فهي دلالة على أننا ما زلنا فيها، فإذا فقدنا هذه الصفات نكون قد خرجنا منها، فهي مما عرفناه أنها بناء، وهذا البناء شديد محكم، يطبق بعضه على بعض 00 إلى بقية الصفات0 </b></i> __________________ 41- هل الأجرام والنجوم والكواكب داخل السموات أم خارجها ؟ انظر إلى قوله تعالى في هذه الآيات: : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف0 : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد0 : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) العنكبوت0 : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) الزمر0 في هذه الآيات يتبين أن خلق السموات والأرض أمر آخر غير تسخير الشمس والقمر والنجوم0 لم يرد في آيات القرآن الكريم، على كثرتها وهي بالمئات، ما يفيد أن القمر والشمس والنجوم في السموات أو داخلها0 أما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) الحج 00 فمن هي للعاقل ولا يدخل معهم الشمس والقمر والنجوم أما الجبال والشجر والدواب والناس والباقي فهو مما بينهما0 </b></i> __________________ 42- "له ما في السموات والأرض" هل تشمل الكواكب والنجوم ؟ قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) النساء0 وقال تعالى: (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) إبراهيم0 وقال تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) طه0 وقال تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) الحج0 في هذه الآيات وأمثالها يبين الله تعالى أنه له ما في السموات 00 فهل النجوم والكواكب والشمس والقمر مما في السموات؟ حرف الجر في يفيد الظرفية الزمانية كقوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) البقرة0 والظرفية المكانية كقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) الأعراف0 وسر ارتباط حرف الجر "في" بالظروف الزمانية أو المكانية أنه يستعمل مع الحركة 00 وهذه الحركة إما أن تكون من الأشياء فلا يدوم لها استقرار في موضع واحد، وإما أن تكون الحركة ممن يبحث عنها لمعرفة مكانها لتحديد موضعها0 ولبيان ذلك فعندما نقول فلان في الدار، فيحتمل أن يكون في المجلس، أو غرفة النوم، أو المطبخ، أو الحمام أو أي جزء من البيت، واحتمال أن يكون في وسط الغرفة، أو بجانب بابها، أو صدرها، لكن إذا كان ثابتًا فنحن نجده على الكرسي، أو على الكنبة، ولا نقول في الكرسي، ولا في الكنبة، لكننا نقول في السرير لأنه يحتمل أن يتقلب فيه، وعلى السرير إذا كان السرير يستعمل كمقعد0 انظر إلى قوله تعالى: (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) الشورى0 فمع الحركة في البحر، وجري السفن فيها، استعمل "في" البحر، وعندما سكنت الريح وبقيت في مكانها قال "على" ظهره "ففي" تستعمل مع الحركة "وعلى" مع الثبات0 ومثل ذلك مع الحركة والسير في الأرض يقول تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) البقرة0 (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) آل عمران0 (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (22) يونس0 (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك0 أما في حال السكون وانعدام الحركة بالموت فتوضع "على" موضع "في" كما في قوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) فاطر0 (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) النحل0 هذه الآيات بينت بوضوح استخدام "في" مع الحركة والانتقال واستخدام "على" مع السكون0 ولما كانت الظروف المكانية والزمانية هي محل الحركة، والانتقال في المكان أو الزمان، كان استعمال "في" لبيان أنها ظروف، وأنها محل الحركة0 وانظر كيف استخدمت "في" في هذه الآية في قوله تعالى: (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) الذاريات0 فموسى لا يمكن أن يكون ظرفًا، ولكن لما كان الانتقال من قصة الملائكة مع إبراهيم، ثم مع لوط وقومه، عليهما السلام، إلى قصة موسى صلى الله عليه السلام مع فرعون، وما فيها من الآيات والعبر، استعمل "في" لتغني عن ذكر التفصيل الذي سبق القول فيه، وانتقل الحديث بعدها ليكون في عاد وثمود وقوم نوح عليه السلام0 وكذلك استعمالها في قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) إبراهيم0 فقد أبدلوا ما يجب عليهم فعله بأن يستجيبوا للرسل، ويمدوا أيديهم إليهم بالبيعة على الإيمان، إلى الرد على رسلهم بأفواههم بالتكذيب والكفر، لهذا الانتقال استعملت "في" أفواههم بمعنى "إلى" 00 لكن "إلى" تفيد انتهاء الغاية وليس في فعلهم انتهاء للغاية فكان استعمال "في" في هذا الموضع على أصل وضعها وهي الأبلغ في الاستعمال0 وكذلك استعمال "في" بمعنى على" في قوله تعالى: (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) طه0 الصلب هو تعليق المقتول على شجر أو خشب زمنًا يسيح لحمه صديدًا؛ فلا يبقى منه إلا ما صلب منه وهو العظم، لذلك جاء قوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ "في" جذوع النخل فقيل "في" بمعنى "على" ولكن "على" تفيد الثبات، ولم يقصد من فعل الصلب الثبات على جذوع النخل، بل يراد التنكيل بجسد القتيل، وأن يرى الناس التحول الذي يحدث له؛ فينتن ويسيل صديدًا، ولا يبقى منه إلا العظم0 مما سبق يتبين لنا أن في قوله تعالى: ﴿أن لله ما في السموات﴾ تشمل كل متحرك يرى فيها، كانت وعاء له أم لم تكن، ورؤيته تتم من خلالها0 فنحن نرى أنفسنا في المرآة وهي لا تحتوينا وإنما الذي نراه هو صورتنا0 وننظر من خلال الزجاج فنرى ما خلفه وكأن الزجاج غير موجود0 وكذلك رؤيتنا للنجوم والكواكب والشمس والقمر في السماء هي رؤية ما خلفها من خلالها؛ لما تميزت به من شفافية تفوق شفافية الماء والزجاج0 فالقول "في" السموات لا يدل إلا على كل متحرك يرى فيها، كانت السموات وعاء له أم لم تكن0 وقد وردت "في السموات"سبعين مرة مقرونة مع الأرض إلا في النجم منفردة، في قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) النجم، وشفاعتهم هي لمن في الأرض0 يتـــــــــبع |
اقتباس |
05-05-2010, 03:42 PM | #8 |
|
43- أقطار السموات
أقطار جمع قطر، والقطر: الجانب والناحية، وأصل التسمية أن مادة قطر تفيد تجمع الزائد وخروجه، فالماء الزائد في الملابس المغسولة، أو المبلولة، يتجمع ويقطر منها، والقطار إبل القافلة المربوطة على نسق واحد، والصحيح أن سبب التسمية هو أنها محملة من زوائد البلاد الأخرى وتحمل زوائد البلد ليباع في غيرها0 وقطر هي امتداد زائد في مياه الخليج، وقطر البلد وأقطاره هي أطرافها التي يعد ما بعدها زائدًا عليها، وهي موضع خروج الزائد عنها ودخول الزائد عليها؛ فانظر إلى قوله تعالى: (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) الأحزاب0 أي لو دخلت المدينة ممن لا يعدون منها من أقطارها، وربط الدخول بالأقطار لأن ما يدخل من الأقطار يلقى القبول لدى أهلها، وهم سيقبلون الفتنة ثم لا يكونون من أهلها فيخرجوا منها0 والقطران يؤخذ من أنواع معينة من الشجر كالسرو، والصنوبر، والسلم، والسمر، إذا طبخ واشتدت الحرارة عليه تجمع وخرج من الخشب وهو يقطر، وكذلك استخراج النحاس من معدنه قال تعالى: (آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) الكهف0 : (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) سبأ0 ومثل هذا ما يحدث لأهل النار فيخرج من جلودهم من حر جهنم ما يكون لباسهم قال تعالى: (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) إبراهيم0 وفي قراءة أخرى للآية "من قطرٍ آن"0 أما أقطار السموات والأرض في قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن، فهي جوانبها وحدودها فما زاد فيها يخرج منها ويأتيها الزائد من خارجها 00 فهذه الآية دالة على أن للسموات حدودًا تنتهي عندها0 في هذه الآية يخاطب تعالى الإنس والجن بالنفاذ من أقطار السموات، وقد أذن تعالى لهم (فانفذوا) ، وبين تعالى أن طريق النفاذ لا يكون إلا بفعل واحد محدد هو النفاذ بسلطان، والسلطان معروف في اللغة 00 لكن الشيء الذي لا نسعى لمعرفته هو أن لكل اسم سببًا للتسمية، وأن لكل جذر له معنى عليه تم الاشتقاق والبناء من هذا الجذر 00 وسلطان من مادة سلط وهي تفيد غلبة القليل الكثير بيسر وسهولة، وأمره لا يرد، وعليه سمي الحاكم بالسلطان فهو فرد، وأمره نافذ في رعيته، مهما بلغ عددهم، بيسر وسهولة، ولا يرد أمره0 والسلطان جمع سليط والسليط زيت السمسم، وسمي بذلك لأنه يستخدم في السراج فاشتعال قليل منه يضيء أضعافًا كثيرة من اشتعال أضعافه من الحطب، ويغلب الظلام0 فالنفاذ من أقطار السموات والخروج خارجها لا يكون إلا بوقود شديد الاشتعال شديد الإضاءة؛ ليغلب مقاومة الهواء وجاذبية الأرض معًا بيسر وسهولة فلا يرتد 00 فهل فعل الإنسان غير ما صرحت به الآية وأرشدت إليه للنفاذ إلى الفضاء خارج أقطار السموات ؟!0 الحديث يطول لو وقفنا على تفاصيل وإرشادات آية النفاذ، وسيكون له المكان في غير هذا الكتاب إن شاء الله تعالى0 وصرف الطلب في هذه الآية إلى يوم القيامة فيه نظر، فالإنس والجن يوم القيامة لا يملكون شيئًا، ولا حتى أعضاءهم التي تشهد عليهم، ولا يملكون حتى ملابس تسترهم، فأنى لهم المقدرة، والأدوات للنفاذ، وأن يكون بينهم اجتماع وتعاون على تنفيذ ذلك، وكل واحد يفر من أقرب المقربين إليه، وكل واحد منهم موكل به سائق وشهيد؛ ليحاسب وحيدًا على كل أعماله0 أما مجيء آية النفاذ بعد قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) الرحمن؛ فهي للبيان للثقلين أنه إذا أردتم النفاذ فانفذوا الآن قبل يوم الحساب ... فإن نفذتم فستعلمون أنه لا مفر لكم من الله، وأنه لا مكان في الكون يصلح للحياة كما صلحت الأرض لكم، وأنه لا مفر لكم من الأرض مهما بلغتم من العلم والمقدرة، وصدق الله العظيم في قوله تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) طه0 وحتى الآن فإن لم يهلك من رواد الفضاء أحد إلا قبل خروجه للفضاء أو بعد رجوعه، ولم يهلك أحد خارج الأرض والسموات "ذات الرجع" لتبقى جثته متناثرة في الفضاء بلا عودة لها إلى الأرض0 أما قوله تعالى: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) الرحمن0 فهذا متعلق بالنفاذ من أقطار الأرض، لأن التحدي كان في النفاذ من أقطار السموات والنفاذ من أقطار الأرض؛ فالنفاذ من الأولى ممكن بسلطان، والنفاذ من الثانية غير ممكن فسيرسل عليكما ما بينته الآية، ونحن نرى ونسمع لما يحدث في الأرض كلما وجد باطن الأرض الملتهب طريقًا إلى سطحها، وهذا مما سنبينه إن شاء الله تعالى في كتابنا اللاحق عن "خلق السموات والأرض0 </b></i> __________________ 44- أي شيء يثقبه النجم الثاقب؟ قال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات0 وقال تعالى: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) الطارق0 وقال تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) الجن0 الثقب هو الخرق النافذ، والأداة لعمله هي المثقب، وبها يتوصل إلى باطن الشيء، ثم النفاذ منه إلى الطرف الآخر؛ كالفعل في ثقب اللؤلؤ، والثقاب الذي يثقب به النار فتضيء، لذلك إذا أضاء الباطن فقد ثقب، والثاقب المضيء، وحسب ثاقب: له شهرة وعلو، ورجل ثاقب: نافذ الرأي0 والشهاب الثاقب: المضيء لباطن السماء في ظلمة الليل، (لسان العرب مادة ثقب)0 والنجم الثاقب: المضيء وذلك إذا دخل باطن السماء فأضاء فيها، سواء نفذ أم لم ينفذ 00 وفي هذه الآية دلالة أن النجم لا يكون في بطن السماء، فإذا دخلها من طرف وخرج من الطرف الآخر فقد ثقبها، وإذا أضاء باطنها فقد ثقبها، وكل ذلك يحدث؛ فبعضها يصل إلى وجه الأرض ويسمى بالنيزك، وبعضها يحترق كله فلا يبقى منه شيء قبل الوصول إلى الأرض ويسمى بالشهاب0 وسؤال يطرح نفسه هل المقصود بالنجم الثاقب؛ النجم هو جرم مشتعل مضيء أو أنه القطع الصخرية التي تسمى بالنيازك كالتي تضرب الأرض ؟0 يرجع سبب تسمية النجم باسمه أنه يظهر في أشهر من السنة، ثم يزول في الأخرى، وعلى ذلك سمي النبات الفصلي أو الحولي غير الدائم بالنجم؛ قال تعالى: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) الرحمن0 وبعض النجوم تزول لتظهر ثانية، أو يزول بعضها أو كلها بغير عودة، كما يحصل للنجوم المتفجرة التي تسمى بالسوبر نوفا، ومن قطع هذه النجوم الزائلة ما يصل الأرض وتسمى بالنيازك0 فالنجم سمي بالنجم لزواله؛ فقد يراد بالآية النجم الذي اشتعل باطنه وأضاء، أو بالذي يخرق السماء من قطع النجوم فيضيء باطنها، وصل إلى الأرض أم لم يصل، وارتباط القسم بالسماء، وتفسير الطارق بالنجم الثاقب هو لإحدى القطع من النجوم؛ أي لنيزك منها؛ لأن حجم الأرض وأغلفتها من السموات لا يساوي إلا شيئًا يسيرًا من النجوم الصغيرة فكيف بالكبيرة منها؟0والنجوم قادرة على ابتلاع الأرض بسمواتها، وهذا لا يتناسب مع ثقب السماء فهذا العمل يكفيه قطع صخرية قطرها بضعة أمتار، أو بعض عشرات من الأمتار 00 والله تعالى أعلم 0 </b></i> __________________ 45- وسع كرسيه السموات والأرض قال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة. وقال تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) ص الكرسي في بيوت الناس: ما يعتمد عليه ويجلس عليه من أثاث البيت0 والكرسي ما تعرفه العرب من كراسي الملوك0 والكرسي من مادة "كرس" وهي تفيد التجمع والتلبد والالتزام والانتظام والتكريس: أي ضم الشيء بعضه إلى بعض ؛ فالكراس هو أوراق جمعت ولزمت مع بعضها فثبتت0 والكِرس بالكسر: الطين المتلبد والقلادة المنظومة المضموم بعضها إلى بعض0 وتكرس الشيء وتكارس: تراكم وتلازم 0 وتكرس رأس البناء: صلب واشتد (انظر لسان العرب، مادة كرس)0 والكروس في استعمال بعض القبائل: القبور التي اجتمعت، وأسند بعضها إلى بعض، تكون في سنين الأوبئة، أو من كثرة القتلى في الحروب، وقد وقفت على بعض منها في جنوب السعودية0 ويفهم من هذه المادة أن "كرسي الملوك" سمي بذلك لاجتماع المُلك لصاحبه وثباته، وسمي المقعد في البيت بالكرسي على التشبيه به في الشكل0 فالكرسي دال على ملك صاحبه، وانتظام ملكه وثباته والتزامه به، وهو المقصود بكرسيه تعالى في آية الكرسي0 وما ورد من أحاديث بأنه "ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة" لم يصح منها شيء، وقد ذكر مجموعها الأمام الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة، بعد أن ضعفها جميعها، قال بأنها صحيحة في مجملها ثم تراجع عن ذلك، كما أفاد ذلك سليم الهلالي أحد تلميذ الشيخ0 وما السموات والأرض في الحقيقة إلا شيء يسير من ملك الله عز وجل، فلا تساوي الأرض مع سمائها في الكون المنظور عند العلماء إلا كحبة رمل من رمال شواطئ بحار الأرض جميعًا0 فكرسيه سبحانه وتعالى وسع جميع ملكه ومنه السموات والأرض، ولا يحيط أحد بعلم الله ولا ملكه أبدًا، وما نحن في الأرض مع السموات في هذا الكون إلا كحبة رمل كما وصف العلماء، فلتذل أنفسنا، ولتخشع قلوبنا أمام عظمة الله وسعة ملكه0 وقد فسر الكرسي بملك الله، وبعلم الله، وبالعرش، والأول هو الأقرب، والأصح لغة، وما يوافق جذره، وفي دلالة الآية والاستعمال0 أما ما ورد في بعض التفاسير؛ من تفسير الكرسي بموضع القدمين من العرش، وهو من العرش كحلقة في فلاة، فهذا تفسير عجيب، وهو يخالف ما في القرآن، إذ كيف يكون العرش فوق الناس في المحشر وهم على جزء من الأرض يوم القيامة،فقد قال تعالى: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) الحاقة، والناس ترى حدود العرش وطواف الملائكة حوله، فقد قال تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) الزمر، ثم يوصف الكرسي بأنه موضع القدمين، وهو من العرش كالحلقة في فلاة، وهو قد وسع السموات والأرض ؟0 الكرسي هو ملك الله الذي تكرس فيه وتجمع وانتظم جميع ما يملك، فوسع السموات والأرض، وهما شيء يسير من ملك الله، وليس الكرسي شيئًا له أبعاد كالعرش0 46- عدد السموات بين تعالى في تسع آيات أن السموات التي خلقها هي سبع سموات: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) البقرة0 (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء0 (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) المؤمنون0 (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) المؤمنون0 (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0 (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) الطلاق0 (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) الملك0 (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) نوح0 (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) النبأ0 هذا العدد الكبير من الآيات التي تحدد عدد السموات بعدد محدد هو سبع سموات ما يدل على إرادة العدد نفسه0 وقد قيل بأن العدد سبعة ومضاعفاته يستعمل لكمال العدد لا لتحديد العدد، ومن ذلك قوله تعالى للنبي صلى الله عليه السلام: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) التوبة0 فلو استغفر لهم أكثر من ذلك هل سيغفر الله لهم؟ 00 المفهوم من الآية أن كثرة الاستغفار لهم لن تجلب لهم المغفرة؛ لكفرهم بالله ورسوله، ولو زاد الاستغفار على ذلك0 وكما في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) لقمان0 فلو مد البحر أبحرًا فوق السبعة ما نفدت أيضًا كلمات الله، فاختير العدد سبع ومضاعفاته للدلالة على الكثرة بهذا العدد الذي لا حاجة لذكر ما فوقه0 وقد سمي وحش البر الذي قد اكتمل قوة وجرأة وبأسًا فخشيه الناس بالسبُع، والسباع تتفاوت فيما بينها فبعضها أشد قوة وبطشًا من غيرها، وعلى رأسها الأسد الذي يسمى ملك الحيوان أو ملك الغابة، وليس فوقها ما هو أشد منها بطشًا0 والسموات السبع بهذا العدد هو إما عدد حقيقي لكثرة الآيات التي حددته بهذا العدد، وإما للدلالة على أنها أكثر من ذلك 00 غلبة الظن أن العدد سبعة هو المقصود لنفسه في هذه الآيات0 __________________ يتبع |
اقتباس |
05-05-2010, 03:43 PM | #9 |
|
47- كيف نحدد عدد السموات قد عرفنا عدد السموات وأن هذا العدد هو سبعة0 وإذا خاطبنا الله تعالى بأمر دنيوي فمعنى ذلك أن هذا الأمر سندركه، ولو بعد حين، قبل يوم القيامة 00 وما تعلق بما بعد يوم القيامة سيراه الناس بعد البعث0 فقد قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة0 فكيف نقف على حقيقة عدد السموات ؟0 والإجابة عن ذلك أن الوقوف على عدد السموات لا يكون حتى نعرف بما اختصت به كل سماء وتميزت به عن غيرها0 قال تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت0 هذه الآية بينت أن كل سماء اختصت بأمر من الأمور 00 ومن عجائب الرسم العثماني أن رسم سموات في كامل المصحف حذفت الألف الأولى والثانية في (189) موضعًا، وثبتت الألف الثانية في هذا الموضع فقط من سورة فصلت 00 وسر هذا الإثبات أن الألف في جمع المؤنث السالم (الدالة على الجمع) تحذف لأن الفرد لما دخل في الجمع تساوى مع باقي أفراد الجمع، فسقطت معرفة ما يزيد به، ويمتد به على غيره، وهذه قاعدة في رسمها في القرآن الكريم، ولم تثبت إلا في كلمات أقل من عدد أصابع اليد لعلل فيها 00 (أحببنا التنبيه لطريقة رسم السموات في آية فصلت لا الدخول في الحديث عن تفاصيل الرسم العثماني، فعجائب وأسرار ولطائف الرسم العثماني موجودة في آلاف المواضع من القرآن الكريم ) 00 ففي هذه الآية لم تستو السموات بهذا الجمع لأنه تعالى خص كل سماء بأمر انفردت وزادت به على الأخريات؛ (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ) لذلك ثبتت الألف في هذا الموضع الوحيد فقط من بين (190) موضعًا ذكرت فيه0 فطريق معرفة السموات يكون من معرفة أن لكل سماء مهمة وكلت بها، فإذا عرفنا هذه الخاصية لكل سماء استطعنا تمييز السموات كلها0 وقد تبين لأهل العلم الشيء الكثير عن طبيعة السماء التي أصبحت تسمى بالغلاف الغازي على اعتبار المادة التي تتكون منها، ومكانتها وعلاقتها بالأرض0 ومن الأشياء التي تمكن أهل العلم الوصول إليها، وأظهر تمايز السموات بعضها عن بعض، هو اختلاف الضغط، فيشتد على الأرض كلما انخفضت، ويقل كلما ارتفعت، فهي على البحر الميت أشد ما تكون، وهي على أعلى جبال الهملايا أقل ما تكون، وتزداد ضعفًا كلما ارتفعنا في السماء حتى يتلاشى الضغط0 تختلف درجة الحرارة على الأرض فهي مرتفعة بشكل دائم تزيد على الأربعين درجة مئوية على خط الاستواء في النهار، ومنخفضة بدرجة كبيرة وبشكل دائم دون الصفر في القطبين 00 هذا على وجه الأرض، وتنخفض على المرتفعات، وتزداد حرًا في المنخفضات 00 أما في الطبقات العليا، فطبقة ترتفع فيها بشدة كبيرة، لتعود فيما فوقها إلى الانخفاض 00 ناهيك عن تقلبات الليل والنهار واختلاف الفصول0 واختلاف سرعة الرياح في طبقات السماء من سماء إلى سماء0 وتعكس طبقات الجو القريبة من الأرض الحرارة مرة ثانية إلى الأرض؛ ليحتفظ الهواء بالدفء الذي يساعد الإنسان على الحياة0 وكذلك فإن الموجات الراديوية تنعكس إلى الأرض عن طبقة في السماء، ولا ترد طبقات السماء الموجات المستعملة في البث التلفزيوني فتنطلق إلى الفضاء0 وتتعامل طبقات السماء مع الأشعة القادمة من خارجها بصورة تمنع الضار منها، وتسمح بالمفيد فقط بالدخول، وكل طبقة من الطبقات العليا ترد نوعًا من الأشعة، فأبعدها ترد الأشعة الكونية، ثم التي قبلها ترد أشعة جاما، ثم التي قبلها ترد الأشعة السينية، ثم التي قبلها طبقة الأوزون تمتص الأشعة فوق البنفسجية، ومنها التي تحرق الأجسام التي تدخل إليها بسرعة كبيرة، فتظهر كشهب محترقة 00 فكل سماء قد اختصت بمهمة تميزها عن غيرها مصداقًا لقوله تعالى: (وأوحى في كل سماء أمرها)0 فالسبيل لتحديد السموات هو النظر في خصائصها بعد معرفتها، وتحديد سماكة كل طبقة من السماء بناء على هذه الخصائص0 تبين لنا أن هناك مجموعة خصائص توزعت على طبقات السماء، فاختصت كل سماء بواحدة منها، مما يجعلها سماء واحدة متميزة عن السموات الأخرى0 وبناء على ذلك نجتهد في تحديد السموات، لعل هذا الاجتهاد يوافق ما أعلمنا به تعالى بأنه خلق سبع سموات، وأنه خص كل سماء بأمر يكون فيه المنفعة والصلاح للإنسان ولحياته0 1. سماء قريبة مرتفعة الضغط، حافظة للحرارة من الانخفاض الشديد، ناقلة للصوت، تسهل الحركة فيها، هي الوسط الصالح للحياة، الذي يعيش ويتنفس به الإنسان والكائنات الحية0 2. وسماء يتكون بها السحاب ومنها ينـزل المطر، مزينة بالكواكب والمصابيح ليلا ومضيئة بالنهار0 3. وسماء تمتص الحرارة، وترد إلى الأرض المنعكس منها، فتحفظ الجو من التقلبات الشديدة0 4. وسماء تمتص الأشعة فوق البنفسجية الضارة على جلد الإنسان والمزروعات، فلا ينفذ منها إلا القليل0 5. وسماء تمنع المقذوفات الكونية من رمال وشهب ونيازك من الدخول إلى الأرض بنفس سرعتها، فتعترض لها، فتحرقها، وتفتتها، وتميت سرعتها قبل وصولها إلى الأرض0 6. وسماء ترد الموجات إلى الأرض ليتواصل الناس في اتصالاتهم الإذاعية واللاسلكية0 7. وسماء تصد وتمنع أشعة جاما والنيوترونات والأشعة السينية الشديدة القتل والضرر من الدخول والوصول إلى الأرض0 وقد يجري التقسيم على أساس آخر هو تقسيم السحب التي تظهر في السماء حسب صفاتها وارتفاعها في السماء إلى سبعة أقسام، أو على الاختلاف القائم بينها في درجات الحرارة من طبقة إلى طبقة0 لكن هذا التقسيم القائم على خصائص كل سماء هو الذي ارتاحت إليه نفسي واطمأنت به، لأنه يوافق ما أخبرنا به الله تعالى في القرآن بأنه: ﴿وأوحى في كل سماء أمرها﴾0 يتــــــــبع |
اقتباس |
05-05-2010, 03:45 PM | #10 |
|
48- هل السموات كل الغازات التي تحيط بالأرض أو هي جزء منها ؟ نحن نعلم أن السموات ليست أجرامًا، ولا مجموعة الأجرام، بل هي المادة في الحالة الغازية، فالسموات كلها من الغاز أو البخار الستير أو السغيل (الدقيق الضعيف) 00 والأرض تحيط بها الأغلفة من الغازات، تتفاوت في السماكة، ودرجة الحرارة، والضغط، والصفات 00 وقد تصل هذه الأغلفة إلى ارتفاع يقارب الألف كيلومتر 00 فهل كل هذه الأغلفة هي كل السموات ؟ أم أن السموات جزء منها؟0 عندما تنتهي صفات السموات في هذه الأغلفة الغازية تنتهي السموات، ولو لم نبلغ إلى نهايتها، فالسموات لا يحدها انتهاء مادة الغاز وانعدامها، بل تقف حدود السموات عند حدود صفاتها0 للسموات صفات كثيرة، وردت في القرآن الكريم نستدل بها على حقيقة السموات، ودون هذه الصفات لا نصل إلى حقيقتها، ومن صفاتها أنها بناء قائم فوق الأرض، مكون من طبقات سبع، كل واحدة مطبقة على ما تحتها، وهي شديدة تعرف شدتها أمام من أراد دخولها عنوة؛ كالنيازك والشهب التي تحترق فيها، فإذا ذهبت الشدة، وانتهي البناء الذي يعتمد بعضه على بعض، فلا سماء عند ذلك0 وأعالي طبقة الغازات أجزاؤها متباعدة، لا يصطدم بعضها ببعض، ولا يعتمد بعضها على بعض، ومنها ما يتفلت من جاذبية الأرض، وتسير فيه الأقمار الصناعية بسرعات عالية جدًا من غير أن تؤثر فيها0 49- تكون السماء من سبع طبقات قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) نوح0 وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) الملك0 طباق كل شيء غطاء ما تحته، ولا يكون ما تحته زائدًا عليه0 ولا يكون الشيء طباقًا حتى يكون كقطعة واحدة لا خلل فيها، ولا فرجة، وتعلو كل ما تحتها0 ولما كانت الأرض بشكل الكرة، وطرفها من الشرق يلتقي مع طرفها من الغرب، وكذلك جميع أطرافها 00كانت كل سماء مطبقة على ما تحتها، وهن مطبقات على الأرض 00 ولن تجد فطورًا ولا انشقاقًا ولا تباعدًا بين أجزاء كل سماء، ولا بين كل سماء وسماء0 فلا طباق من متباعدات ولا متفرقات 00 ولا ينطبق هذا إلا على الأغلفة الغازية التي اسمها السماء، وهن سموات على التفصيل والاختصاص الذي تميزت به كل سماء عن غيرها من السموات0 50- تكون السماء من سبع طرائق قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) المؤمنون0 الطرائق جمع طريقة، والطريقة واحدة شيء مكون من طبقات بعضها فوق بعض، والطريق: الدرب الموصل إلى الأماكن، والسنن الموصلة للأهداف والرغائب0 ومادة طرق دارت حول الضرب في الباطن، فطرق الصوف يكون بضرب باطنه لينتفش، وضرب الأرض بالسير عليها يجعلها تتلبد، وما حولها يصبح أعلى منها، فيصبح الطريق باطنًا فيه، وكذلك في طرق الحديد لبسطه يطرق باطنه بالمطارق حتى يتسع 00 والوقوف قد يطول على مشتقات هذه المادة إن أردنا بيان سر انتظام مشتقاتها على معنى جذرها، مما يثقل على القارئ0 فوصف الله تعالى للسموات بأنها سبع طرائق يفيد عدة إفادات منها: قد بين وصف السموات في الآيات السابقة بأنهن طباقًا؛ أي كل واحدة مطبقة على ما تحتها ، فقد بينت هذه الآية أن كل السموات طرائق؛ أي أن كل سماء تتأثر من باطنها؛ أي من السموات التي أسفل منها ومن الأرض0 أن كل سماء مستقلة بذاتها وبمسارها مع أنها جزء من باقي السموات، وهذا يوافق قوله تعالى: (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا(12) فصلت0 أن في وصف السموات بالطرائق ما يفيد النفش الذي أشارت إليه آية فتق السموات والأرض0 51- السموات سبع شداد قال تعالى: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) النبأ0 هذه الآية تشير إلى أربعة أوصاف للسموات؛ بأنها بناء، وأن هذا البناء مكانه فوقنا، وهذا البناء مكون من سبعة أبنية، وأن هذه الأبنية السبعة شداد0 والشدة تظهر عند الاستثارة فهي تظهر بقوة الريح والعواصف، وتظهر هذه الشدة مع الشهب والنيازك التي تدخل بسرعة، تريد اختراق هذا البناء الشديد0 وفي بيان استعمال الشدة يقول تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29) الفتح 0 هم أشداء في حال مواجهة الكفار أما فيما بينهم فهم رحماء0 ومثل ذلك حال الملائكة مع الكفار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم0 والشدة تزداد كلما عظم البناء ، فهي سبعة أبنية عظيمة ، بعضها فوق بعض 00 وفي بيان أنها فوقنا حتى لا يظن ظان أنها سبعة متجاورات، فهي بناء، والبناء لا يقوم حتى يعتمد بعضه على بعض، فتزداد الشدة فيه شدة0 52- حبك السماء قال تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) الذاريات. من تفسير القرطبي لهذه الآية؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما عن معنى حبك السماء: ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء، وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، فإنها من حسنها مرتفعة، شفافة، صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات0 وقيل: المراد بالسماء هاهنا السحب التي تظل الأرض. وقيل: السماء المرفوعة. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: هي السماء السابعة: وفي "الحبك" أقوال سبعة: الأول: ذات الخلق الحسن المستوي. وقال عكرمة: ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه ؛ يقال عنه حبك الثوب يحبكه بالكسر حبكا أي أجاد نسجه. قال ابن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد أحتبكته. الثاني: ذات الزينة0 الثالث: ذات النجوم0 الرابع: قال الضحاك: ذات الطرائق: يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حبك. ونحوه قول الفراء ؛ قال: الحبك تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة، والماء القائم إذا مرت به الريح، ودرع الحديد لها حبك، والشعرة الجعدة تكسرها حبك. وفي حديث الدجال: أن شعره حبك0 الخامس: قال زهير: ذات الشدة، قال ابن زيد، وقرأ "وبنينا فوقكم سبعا شدادا" [النبأ:12]. والمحبوك الشديد الخلق من الفرس وغيره0 وفي الحديث: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة؛ أي تشد الإزار وتحكمه0 السادس: ذات الصفاقة: قاله خصيف، ومنه ثوب صفيق ووجه صفيق بين الصفاقة0 السابع: أن المراد بطرق المجرة التي في السماء: سميت بذلك لأنها كأثر المجر. والحبك" جمع حباك. 53- الحركة في السماء قال تعالى: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) سبأ0 لما عرفنا أن بداية السموات هو وجه الأرض نستطيع أن ندرك أن كل ما يتحرك على وجه الأرض، وينمو عليها، أو ينتصب قائمًا عليها، يكون في بطن السماء 0 لذلك فإن السماء من بين أيدينا ومن خلفنا 00 فهي محيطة بنا في كل مكان، ولا حياة لنا دونها، ولا نتحرك إلا في بطنها، فهي التي تؤمن لنا الضغط الذي يحفظ دماءنا، وهي التي توفر لنا الدفء، وهي تمدنا بالأكسجين الذي يدخل إلى صدورنا في تنفسنا حتى تستمر فينا الحياة 00 فقد بينت الآية حقيقة ما نحن فيه، وأن حركتنا لا تكون إلا في السماء0 وانظر أيضًا إلى قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) البقرة0 تقلب الوجه في السماء على اعتبار أن السماء جهة نزول الرحمة ونزول الوحي 00 ولكن الوجه في الحقيقة هو في السماء لأنه جزء من الجسم، وسمي الوجه بهذا الاسم لأن فيه أهم الحواس وهو البصر، فأينما توجه بصرك توجه وجهك ليتحقق لك النظر والرؤية0 والصورة الفنية في هذه الآية أن قلب الوجه صرفه إلى جهة خلاف الجهة التي تريدها، أو التي أنت عليها، وقلب رسول الله صلى الله عليه السلام متعلق بالكعبة، والتوجه إليها هو المحبب إلى قلبه، فإذا أقيمت الصلاة، وهو في المدينة، تحول إلى الجهة المخالفة لها فتوجه إلى بيت المقدس 00 وهذا الذي جعل في نفس رسول الله موافق لمنـزلة الكعبة عند الله، وأنها أفضل من بيت المقدس 00 وما التوجه في الصلاة لبيت المقدس أيام مكة إلا لكثرة وجود الأصنام حول الحرم، وبعد الهجرة كان فيه تحبب لأهل الكتاب؛ ليمدوا أيديهم لهذا الدين فلم يفعلوا شيئًا 00 وكان رد الأمر إلى الأصل هو الذي عليه الدين فحولت وجهة الصلاة إلى الكعبة، الأمر الذي أغضب اليهود كثيرًا، فسماهم الله تعالى بالسفهاء0 وانظر أيضًا إلى قوله تعالى مبينًا حال المعذبين في النار: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) الأحزاب، والنار محيطة بهم من فوقهم ومن أسفل منهم0 فتقلب الوجه في السماء يبين حقيقة السموات مع بقية الآيات المبينة لحقيقة السموات، وكل آية تسلط على جانب من هذه الحقيقة للسموات0 54- العروح في السماء العروج: الحركة بميل إلى الأعلى؛ لذلك سميت السلالم والدرجات بالمعارج؛ لأنها تنصب وتبنى بوضع مائل للصعود عليها إلى الأماكن العالية والسطوح؛ قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) الزخرف0 وبسبب قصر إحدى الرجلين يمشي الأعرج بميلان، ويثني ركبتيه كفعل الصاعد على الدرجات، ولذلك سمي بالأعرج قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) الفتح0 والحركة بميلان عند إرادة الارتفاع إلى أعلى هو الأيسر والأسهل، وتفعله كل الطيور في طيرانها 0 وعلى هذه القاعدة في الصعود تتمكن الطائرات من الإقلاع عن الأرض والارتفاع في السماء0 قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) سبأ0 وقال تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) الحجر. والعروج في السماء إلى أعلى لا يكون إلا بميل، وإذا فارقنا الأرض والسموات فإن خط سيرنا يظل في ميل عن الأرض لأن الأرض تغير مكانها في دورتها حول نفسها وحول الشمس، والشمس تنقلها معها في دورتها حول مركز المجرة، والمجرة في حركة تباعدها عن باقي المجرات 00 فكل ما في الكون لا يبقى على استقامة ثابتة لأنه غير ثابت، ولا جرم في الكون ثابت يقاس على مكانه بقية ما في الكون قال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة0 وقال تعالى: (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج0 هذه الحقيقة الكونية للحركة في السموات، وفي بقية الكون أشار إليها القرآن في هذه الآيات، وهي تشير إلى خط سير الحركة إلى أعلى0 وفي هذا بيان لمن أراد أن ينتفع بهذه الحقيقة، وقد بين القرآن هذه الحقيقة قبل أن تكون محل العمل بها بعد أن تمكن الإنسان من الطيران في جو السماء والنفاذ إلى الفضاء، ليقدر زمن الحركة وسير الحركة واتجاهها؛ ليحقق الوصول إلى الأهداف التي أرادها0 55- الارتقاء في السماء قال تعالى: (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) الإسراء0 وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) ص0 تبين هاتان الآيتان نوعًا آخر من الحركة في السموات؛ ألا وهو الرقي في السماء وفي السموات 0 ولا يكون الرقي إلا على شيء، أو بسبب، لذلك تسمى الدرجة بالمرقاة، وجاء في الحديث: أنه يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الحياة الدنيا فإن منـزلتك عند آخر آية تحفظها0 قال الشاعر: أنت الذي كلفتني رقي الدرج على الكلال والمشيب والعرج والارتقاء: طلب العلو في المكان أو المنـزلة والعلم، وكذلك الخروج من أسفل إلى أعلى بسبب، لذلك تستعمل الرقية لخروج المريض أو المعيون مما أصيب به0 ومن المعجزات التي سألها المشركون رسول الله صلى الله عليه السلام الرقي في السماء دون سبب، زيادة إعجاز له عليه السلام والمعجزات لا يأتي بها الأنبياء من أنفسهم إنما هي عطاء من الله 00 فلم يستجب الله تعالى لهم لأن معجزات الأنبياء لا يقدر عليها البشر، والله تعالى يعلم ما سيصل إليه الإنسان، وأنه سيرقى في السموات بالأسباب التي صنعها0 وفي آية "ص" التي ذكرت يطلب تعالى منهم أن يرتقوا في الأسباب، وإذا ارتقوا هل سيملكونها ويسكنون فيها؟ 00 إنما هي ساعات وأوقات قصيرة، ثم ينـزل مضطرًا إلى الأرض فلا استقرار له إلا عليها0 56- التصعد في السماء قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) الأنعام0 هذه الآية تبين جانبًا آخر للحركة في السماء 00 تبين هذه الآية أثر الصعود في السماء على تنفس الإنسان 00 فكلما ارتقى الإنسان إلى أعلى خف ضغط الجو وقل الأكسجين فضاق الصدر وصعب التنفس0 وجاءت الآية بصيغة التضعيف: يصعَّد في السماء؛ لبيان أنه كلما صعد إلى السماء أكثر زادت مشقة الصعود؛ لزيادة أثر قلة الضغط ؛ ولقلة الأكسجين؛ وحتى الطائرات فلكل طائرة قدرة ومستوى في الارتفاع لا تستطيع تجاوزه، وكلما زاد ارتفاعها ازدادت تكلفة ارتفاعها، ومقدار استهلاكها من الوقود0 ولماذا ذكر الصدر دون غيره؟ لقد ذكر الصدر لبيان أثر الارتفاع على الإنسان0 ذكر الصدر لأن أثر انخفاض الضغط وانخفاض نسبة الأكسجين أو ما يظهر على عملية التنفس، فيزيد المرتفع من عدد مرات الشهيق والزفير؛ ودقات القلب، لتعويض انخفاض نسبة الأكسجين، والمشقة الثانية تأتي من ثقل الرئتين بسبب تجمع السوائل فيهما لقلة الضغط 00 وبعد ذلك لا يستطيع الإنسان الارتفاع دون أجهزة تساعده، وإلا فقد وعيه، أو تفجرت الشرايين في رئتيه أولاً، لذلك ذكر الصدر لأن الأثر الأكبر يظهر فيه قبل أن يموت الإنسان، أو يغمى عليه من الصعود فيها0 ولأن ضيق الصدر نوع من العذاب قال تعالى: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) المدثر0 وقال تعالى: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن0 57- سلمًا في السماء قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) الأنعام0 السُّلم معروف، واستعماله للوصول إلى السطوح واعتلائها، أو إلى الأماكن المرتفعة لوضع الأشياء عليها، أو إنزالها منها، ويكون بها وعليها النـزول من أعلى إلى أسفل أيضًا للوصول إلى القاع والأعماق0 ومادة سلم دارت مع العلو الذي لا يعلى عليه، لذلك سمى العرب نوعًا من الشجر الشوكي بالسَّلم أو السلام؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يتسلقه ويعتليه، وشوك هذا الشجر يمسك بمن يمر من جانبه، فكيف بمن يريد تسلقه، ولذلك لما سمع أعرابي السلام عليه لأول مرة من أحد المسلمين بقوله "السلام عليكم" رد قائلا: "وعليكم الضحضاح" فاستغرب المسلم من هذا الرد فقال له: رميتني بشجرة شوك، فرميتك بشر منها؛ فلم يعرف معنى للسلام إلا اسم شجرة الشوك هذه0 وتحية المسلم على المسلم "السلام عليكم" تعني طلبًا ودعوة له بالعلو الذي لا يعلو عليه أحد؛ لذلك لا تكون هذه التحية إلا بين المسلمين، ولا يجوز التحية بها على من لا يريد العلو على شياطين الإنس والجن من غير المسلمين0 وقد سمي سليمان بهذا الاسم لأنه لم يعلُ عليه أحد من الإنس أو الجن أو الطير، فإذا كان الطير الذي يعلو في السماء ينـزل تحت أمره، ويكون جنديًا من جنوده، فكيف بباقي دواب الأرض ؟ هذا غير رفع الريح له في السماء 0 وانظر في رسالته إلى ملكة سبأ: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) النمل0 والإسلام هو الدين الذي يعلو فوق كل دين، وهكذا يجب أن يكون، وهكذا يجب على كل مسلم أن يعلو على كل شياطين الإنس والجن، ولا ينسى أن يخفض جناحه للمؤمنين فقد قال صلى الله عليه السلام "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه"0 أما تعريف الإسلام بأنه الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك، فهذا وصف يجب على كل مسلم أن يتصف به، وهو مبني على العلاقة بين المسلم وربه، ولكن هذا التعريف في الحقيقة لا علاقة له بتعريف الإسلام المبني على علو هذا الدين وعلو أهله على كل أهل الكفر من إنس أو جن، ولكن هذا العلو الذي ينشده المسلم لا ينشده لنفسه ولعلوه في الأرض، إنما ينشده من أجل الله، ومن أجل دينه، وأن يستمد ذلك من الله ليعطيه القوة على العلو على أهل الكفر بالقوة المادية أو بالحجة العقلية0 وعلو الله فوق كل علو، لذلك جاء من أسمائه تعالى السلام0 ومن أسماء الجنة السلام أيضًا لعلوها ولمكانة أهلها عند الله0 والسَّلم هو ترك القتال، والرضا بالنـزول تحت ظل الخصم المحارب، وهذا ليس من خلق المسلمين وسياستهم، وهذا السَّلم غير الهدنة التي تعقد بين المسلمين وغيرهم 000 ويقبل ذلك من غير المسلمين إذا قبلوا السَّلم، وتركوا الحرب، وقبلوا بالجزية، ودخلوا مع غيرهم من أهل الذمة0 وقد حذر تعالى من عدم قبول من ألقى علينا السلام، وتحصن به، فنرد إسلامه عليه بأي علة، مستبيحين دمه وماله؛ لأنه بإسلامه يرفع عنه كل سيف سلط عليه من المسلمين0 لقد أطنبنا في الحديث عن هذه المادة اللغوية لأمرين أولهما: لتوضيح هذه المادة لدى المسلمين الذين لا ينظرون إلى هذه المادة بهذا المنظار، وثانيهما: ليسهل بيان كيف يكون السُّلًّم في السماء0 والسُّلم في الآية المخاطب بها رسول الله صلى الله عليه السلام هو الذي يرفعه ويوصله إلى أعالي السماء وفوقها ؛ ليأتيهم بآية، وما هو بقادر على فعل ذلك؛ لذا حذره تعالى في الآية أن يكون من الجاهلين، وبين تعالى أنه لو شاء جمعهم على الهدى، والآيات في الحقيقة بين أيدي الناس، وموضع نظرهم، وليس بعد السموات إلا فراغًا موحشًا خالٍ ليس فيه أكثر مما يعرفون مما لا يحمل ولا ينقل0 فإذا كان خلق السموات والأرض، وتسخير ما فيهما، وكلمات الله المعجزة التي أنزلها على نبيه لم تهدهم إلى الإيمان بالله، فأي آية غير المشاهد المعلوم من آيات الله تهديهم وتقودهم إلى الله؟ وما الآيات وحدها تحقق الهدى دون إرادة المرء الاهتداء وطلب الهدى والسعي إليه . 58- مسك الله الطير في جو السماء قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) النحل0 المسك الحفظ في المكان بكل معانيه، واستعمالات جذره، ولذلك سمي الجلد الذي يصنع منه قرب الماء أو اللبن وغير ذلك بالمَسك 00 فمسك الطير في السماء له أكثر من دلالة: حفظ أجساد الطيور من السقوط بما وهب الله لها من الأجنحة، تحفظها في جو السماء من السقوط دون إرادتها، مما يجعل ذلك سببًا في هلاكها0 أن الله يحفظها في جو شديد البرودة في السماء من التجمد0 أن تحفظ عروقها من التفجر والنـزف فبعض الطيور يبلغ ارتفاعًا يزيد على 11كلم، وهذا الارتفاع لا يستطيع الإنسان أن يتحمل فيه قلة الضغط، وانخفاض الحرارة، ونقصان نسبة الأكسجين في الهواء0 لذلك جاء لفظ المسك دون غيره؛ لما فيه من حفظ حرارة الطير، ودمه، وقدرته على التنفس0 وبين تعالى في آية النحل المذكورة أن الطير مسخرات في جو السماء 00 فما وجه تسخير الطيور في جو السماء ؟0 بعد أن فتح الله تعالى من العلوم الكثيرة على البشرية التي مكنت العلماء من متابعة الطيور في رحلتها تبين أن الطيور: تعمل على نقل البذور مسافات بعيدة لتنمو في بلاد أخرى أو قارات أخرى0 تكون طبقات من السماد في المناطق والجزر والمستوطنات تفيد الحياة النباتية0 أنها غذاء لبعض الحيوانات في المناطق التي تهاجر إليها، فتعمل على الحفاظ على استمرار نوعها0 كما أنها تتغذى على بعض الأنواع من الحشرات والزواحف والبرمائيات، فتساهم في توازن طبيعي في الأرض في المناطق التي تسكنها أو تهاجر إليها0 وذكر الجو في التسخير له أثره في التسخير؛ فجو السماء هو باطنها في حال الاضطراب وعدم الاستقرار، وهذا يساعد الطيور في رحلاتها الطويلة لتقلل من الطاقة في طيرانها الذي تقطع فيه آلاف الكيلو مترات، فتركب تيارات الهواء ومساراتها في حال ارتفاعها واندفاعها0 وفي سورة الملك يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك0 في هذه الآية يؤكد تعالى مسكه للطيور؛ أي حفظه لها في السماء0 وفي هذه الآية لم يأت بلفظ السماء ولا بلفظ الجو 00 ولكن ذكر أن الطيور فوق الناس، فدل على أنها في السماء، وليست ساكنة على الأرض، وهن صافات أي واقفات بانتظام في السماء، أو يقبضن أجنحتهن ليحافظن على ارتفاعهن أو تحركهن في السماء، فلما دلت الآية على مشقة الطيران التي لا تمكن الطائر من البقاء طويلاً في طيرانه لم تذكر السماء التي لفظها يدل على الديمومة والبقاء، ولم يذكر جو السماء لسكون السماء الذي دفع الطيور لتقبض أجنحتها وترفرف في السماء فوق رؤوس الناس 00فهذه الآية تعلقت في أنواع من الطيور غير المهاجرة، والله تعالى أعلم وللحديث توسع عند الحديث عن جو السماء0 يتـــــــبع |
اقتباس |
رد علي الموضوع |
الكلمات الدلالية (Tags) |
السماوات, القرآن, حقيقة, صورها, كما |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|