المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعرة نازك الملائكة


سمر محمد
10-06-2010, 12:43 PM
ولدت الشاعرة الكبيرة في بغداد في الثامن والعشرين من شهر آب عام 1923 في بيت علم وأدب ، أمها كانت الشاعرة سلمى عبد الرزاق وكنيتها( أم نزار ) ووالدها الشاعر العراقي( صادق جعفر الملائكة )الذي جمع قول الشعر والاهتمام بالنحو واللغة كعادة الشعراء آنذاك ،،،، أحبت نازك الشعر منذ الصغر وولعت به وهي ما زالت بعد طفلة ،، ووجدت قي مكتبة أبيها الزاخرة بدواوين الشعر وأمهات كتب الأدب ما يروي ظمأها إلى الإطلاع والمعرفة
أكملت دراستها في بغداد ، ثم التحقت بالجامعة واستطاعت أن تتمتع بمنحة دراسية إلى الولايات المتحدة حيث حازت على درجة الماجستير في الآداب وكانت أول تلميذة تحظى بالدراسة هناك ، حيث لم يبح القانون بدراسة المراة بجامعة برنستون آنذاك ، عادت إلى بغداد واتيحت لها فرصة أخرى للسفر الى خارج العراق ، للحصول على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن ، عملت سنين طويلة في التدريس في جامعة بغداد ، وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت ، وتقيم الآن في القاهرة
أحبت الموسيقى منذ نعومة أظفارها وتعلمت العزف على آلة العود ، واستطاعت بواسطة معرفتها العميقة بالأنغام الموسيقية أن تمتلك حسا مرهفا بإيقاع الكلمة وموسيقاها ، وأثرت تلك المعرفة الكبيرة أيما تأثير في قصائدها سواء تلك التي قالتها في مقتبل العمر أو التي نظمتها في سني عمرها حيث اكتسبت المعرفة وحصدت ثمار التجربة ،، وقد اهتمت الشاعرة بالأدب العالمي وارتادت دور السينما للإطلاع على القصص العالمي ممثلا ، في هذا الجو المتفتح نسبيا إذا ما قورن بالجو العام الذي كان سائدا في ذلك الوقت في عموم العراق عاشت الشاعرة نازك وامتلكت من الاهتمامات ما لم يكن شائعا بين معاصريها ، حرصت على الثقافة والإطلاع من مصادر غير اللغة العربية كانت تمتاز بصفات مثل التحلي بالنظام والترتيب والمحافظة على الهدوء
قالت الشعر منذ طفولتها المبكرة وأجادت فيه وكان لها السبق والريادة في حركة التجديد وان ثار جدل طويل حول من كان الأول في نظم القصيدة التي تعتبر الأولى في تلك الحركة التجديدية ، البعض ينسب التجديد للشاعر الشاب بدر شاكر السياب والبعض الآخر يقول إن نازك كانت الأولى ولكن الذي يهمنا أن نذكره هنا ان شاعرتنا كانت مجددة وإنها كانت رائدة في حركة تجديد الشعر العربي وإنقاذه من القواعد والقيود التي جمعها الخليل بن احمد والتي تحاول ان تجعل الشعر يراوح في مكانه ولا يتحرك منذ مائتي سنة قبل مجيء الإسلام كتبت نازك النقد ووضعت الكتب في هذا المجال الحيوي الجميل ، وقد حللت أسباب الحداثة ودافعت عن وجهة نظرها في التجديد في كتابها المشهور ( قضايا الشعر المعاصر )
بدأت نازك حياتها الشعرية بقصيدة طويلة اسمها ( الموت والإنسان ) وكان ديوانها الأول ( عاشقة الليل ) وقد أصدرته عام 1947 وضم قصائد كتبت وفق الشكل الكلاسيكي القديم ، لكنها من حيث البنية الفنية والمناخات الشعرية والصور والاحساسات جديد تماما ، في عام 1949 أصدرت الديوان الثاني بعنوان ( شظايا ورماد ) تضمن قصائد جديدة على الشكل الجديد والذي أطلق عليه اسم الشعر الحر وهو بالحقيقة شعر لا يخلو من الوزن والقافية وإنما بشكل آخر يختلف عن الطريقة القديمة ، كانت قصيدتها ( الكوليرا ) المؤرخة عام 1947 إحدى القصائد التي اكتسبت شهرة كبيرة ، وقصة تلك القصيدة انه حدث في صيف عام 1947 أن حصد وباء الكوليرا الآلاف من أبناء الشعب المصري الشقيق ، وكانت كارثة فظيعة ردت عليها شاعرتنا نازك بقصيدة رائعة لها عنوان المرض نفسه ، قصيدة ليست كالقصائد التي كانت سائدة ذلك الوقت ، كانت جديدة في كل المقاييس ، مختلفة ، إيقاعها غريب عن الأذن العربية التي اعتادت ومنذ ألفي عام على أوزان الخليل ، وسرعان ما انتشر خبر القصيدة الجديدة كوليرا نازك الملائكة بين الشباب المثقف واستطاعت أن تؤثر على الذائقة الشعرية وتنتج ألاف من القصائد الشعرية ذات الأثواب الجديدة والأشكال الزاهية لنستمع إلى نازك وهي تشدو برائعتها
سكن الليل
اصغ إلى وقع صدى الأنات
في عمق الظلمة ، تحت الصمت ، على الأموات
صرخات تعلو ، تضطرب
حزن يتدفق ، يلتهب
يتعثر فيه صدى الآهات
ديوانها الثالث أصدرته عام 1957 وأسمته ( قرارة الموجة) ، ديوانها الرابع عنوانه ( الصلاة والثورة ) أصدرته عام 1978 استمرت نازك في كتاباتها الشعرية وكانت عظيمة في بداياتها حتى مطلع السبعينات ، فلم تواصل الرحلة ، وانقطعت عن الكتابة الشعرية ، وبدأت تكتب في قضايا سياسية واتهمت أنها تراجعت عن آرائها السابقة في ضرورة الحداثة ووجوب التطوير ، وقد نحاول أن نسال : ولماذا حاولت نازك النكوص عن آرائها ولم تستمر في ثورتها على الأساليب الشعرية القديمة في الوقت الذي استمر فيه الشعراء الرجال واستطاعوا ان يواصلوا عطاءهم الشعري ، حاول العديد من الباحثين ومن عشاق الشعر أن يجيبوا عن السؤال المذكور ، بعضهم قال ان نازك لم ترتد ولم تتراجع عن أفكارها وإنما وجدت بعض مدعي الشعر ممن لم يمتلكوا الموهبة يحاول الانفلات من القيود الشعرية التي لولاها لم يكن الكلام شعرا ، وانه لا يجوز برأيها أن يأتي الشعر خاليا من العنصرين الأساسيين واللذين لا يحلو الشعر بدو نهما ،إذ يكون حينئذ خاليا من الإيقاع
البعض الآخر قال إن نازك لم تعد تجد من المواضيع ما تعبر عنها فسكتت وأنها شاعرة حقا لكنها لا تمتلك من الشاعرية والإبداع ما امتلكه السياب والبياتي وحتى فدوى طوقان التي لم تسجن نفسها في سجن الذاتية الفردية وإنما عبرت عن قضايا شعبها الفلسطيني ولم تتقوقع في شرنقتها كما فعلت نازك ، وارى ان الرأي الثاني متجن على الشاعرة ، فالمراة في عالمنا العربي الإسلامي لا تمتلك من الحريات ما يمتلكها الرجل وهي بالتالي لا تجد نفسها قادرة على التعبير عن كثير من المواضيع ، كما ان نازك قد أرهقت نفسها في مواضيع جانبية لم تكن تخدم شاعريتها ، ومهما قيل من آراء متناقضة مع بعضها البعض في حق الشاعرة الكبيرة فإنها تبقى بحق نقطة مضيئة في تاريخنا الشعري والنقدي وإنها أضافت الشيء الكثير إلى الحركتين مما لايمكن نكرانه لأي منصف ، وهي موهبة شعرية كبيرة وثقافية عربية وريادة لايمكن نكرانها في مجالات الإبداع والنقد كتبت نازك النقد واثارت في نقدها قضايا كثيرة تستحق الحديث والحوار والتوقف عندها ، كقضية الشاعر واللغة والقافية في الشعر الحديث ، ومؤلفاتها في هذا المجال :قضايا الشعر المعاصر ، سيكولوجية الشعر ، ولها كتاب نقدي في شعر الشاعر الملاح علي محمود طه وحياته
اهتمت بالسيرة الذاتية ولها مختارات’ من سيرة حياتي وثقافتي ( تقصد سيرتها الشخصية )، أحبت طفولتها كثيرا وتمنت مرارا لو تمكنت من العودة الى تلك الفترة الذهبية الجميلة :
ليتني لم أزل كما كنت طفلا ليس فيه إلا السنا والنقاء كل يوم ابني حياتي أحلاما وأنسى إذا أتاني المساء
أحلام جميلة وتمنيات عذبة تعيشها الشخصية المرهفة الحساسة التي لاتملك ان تحقق أحلام حاضرها فتلجأ إلى ان تتمنى ان تعيش في الماضي السعيد حيث كانت محظوظة بين أبوين سعيدين يسرعان دائما إلى تلبية ما تطلبه وتكون هذه الشخصية ذكية فطنة مجتهدة تحظى بحب المدرسات ويقديرهن لما تقوم به من أعمال تكون أحيانا تطوعية فإذا وصلت هذه الشخصية الى الشباب اذ ليس دائما يفوز من كان ذكيا مجتهدا وإنما قد يفوز من كان بعيدا عن كل هذه الأمور ، فيحيا الإنسان في شبابه ويجد انه عاجز عن تحقيق آمال الشباب بسبب أمور كثيرة ليس له دخل بها ، فيحلم انه ما زال طفلا ويتمنى ان يعود الى المرحلة الزاهية البهيجة

سمر محمد
10-06-2010, 12:52 PM
أنا

الليلُ يسألُ مَن أنا
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولففتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون ؟
الريحُ تسألُ مَنْ أنا
أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ
فإذا بلغنا المُنْحَنَى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ
فإذا فضاءْ !
والدهرُ يسألُ مَنْ أنا
أنا مثله جبارةٌ أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ
من فتنةِ الأملِ الرغيدْ
وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمساً جديدْ
غَدُهُ جليد
والذاتُ تسألُ مَنْ أنا
أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام
لا شيءَ يمنحُني السلامْ
أبقى أسائلُ والجوابْ
سيظَلّ يحجُبُه سرابْ
وأظلّ أحسبُهُ دَنَا
فإذا وصلتُ إليه ذابْ
وخبا وغابْ

سمر محمد
10-06-2010, 12:54 PM
مرثية يوم تافه


لاحتِ الظلمةُ في الأفْق السحيقِ
وانتهى اليومُ الغريبُ
ومضت أصداؤه نحو كهوفِ الذكرياتِ
وغدًا تمضي كما كانت حياتي
شفةٌ ظمأى وكوبُ
عكست أعماقُهُ لونَ الرحيقِ
وإِذا ما لمستْهُ شفتايا
لم تجدْ من لذّةِ الذكرى بقايا
لم تجد حتى بقايا
انتهى اليومُ الغريبُ
انتهى وانتحبتْ حتى الذنوبُ
وبكتْ حتى حماقاتي التي سمّيتُها
ذكرياتي
انتهى لم يبقَ في كفّيّ منه
غيرُ ذكرى نَغَم يصرُخُ في أعماق ذاتي
راثيًا كفّي التي أفرغتُها
من حياتي, وادّكاراتي, ويومٍ من شبابي
ضاعَ في وادي السرابِ
في الضباب
كان يومًا من حياتي
ضائعًا ألقيتُهُ دون اضطرابِ
فوق أشلاء شبابي
عند تلِّ الذكرياتِ
فوق آلافٍ من الساعاتِ تاهت في الضَّبابِ
في مَتاهاتِ الليالي الغابراتِ
كان يومًا تافهًا. كان غريبًا
أن تَدُقَّ الساعةُ الكَسْلى وتُحصي لَحظاتي
إنه لم يكُ يومًا من حياتي
إنه قد كان تحقيقًا رهيبا
لبقايا لعنةِ الذكرى التي مزقتُها
هي والكأسُ التي حطّمتها
عند قبرِ الأمل الميِّتِ, خلفَ السنواتِ,
خلف ذاتي
كان يومًا تافهًا.. حتى المساءِ
مرت الساعاتُ في شِبْهِ بكاءِ
كلُّها حتى المساءِ
عندما أيقظَ سمعي صوتُهُ
صوتُهُ الحُلْوُ الذي ضيّعتُه
عندما أحدقتِ الظلمةُ بالأفْقِ الرهيبِ
وامّحتْ حتى بقايا ألمي, حتى ذنوبي
وامّحى صوتُ حبيبي
حملت أصداءه كفُّ الغروبِ
لمكانٍ غابَ عن أعينِ قلبي
غابَ لم تبقَ سوى الذكرى وحبّي
وصدى يومٍ غريبِ
كشحوبي
عبثًا أضرَعُ أن يُرجِعَ لي صوتَ حبيبي

سمر محمد
10-06-2010, 12:54 PM
أغنية حب للكلمات


فيمَ نخشَى الكلماتْ
وهي أحيانًا أكُُفٌّ من ورودِ
بارداتِ العِطْرِ مرّتْ عذْبةً فوق خدودِ
وهي أحيانًا كؤوسٌ من رحيقٍ مُنْعِشِ
رشَفَتْها, ذاتَ صيفٍ, شَفةٌ في عَطَشِ?
فيم نخشى الكلماتْ?
إنّ منها كلماتٍ هي أجراسٌ خفيّهْ
رَجعُها يُعلِن من أعمارنا المنفعلاتْ
فترةً مسحورةَ الفجرِ سخيّهْ
قَطَرَتْ حسّا وحبًّا وحياةْ
فلماذا نحنُ نخشى الكلماتْ?
نحنُ لُذْنا بالسكونِ
وصمتنا, لم نشأ أن تكشف السرَّ الشِّفاهُ
وحَسِبنا أنّ في الألفاظ غولاً لا نراهُ
قابعًا تُخْبئُهُ الأحرُفُ عن سَمْع القرونِ
نحنُ كبّلنا الحروف الظامئهْ
لم نَدَعْها تفرشُ الليلَ لنا
مِسْندًا يقطُرُ موسيقَى وعِطْرًا ومُنَى
وكؤوسًا دافئهْ
فيم نخشى الكلماتْ?
إنها بابُ هَوًى خلفيّةٌ ينْفُذُ منها
غَدُنا المُبهَمُ فلنرفعْ ستارَ الصمتِ عنها
إنها نافذةٌ ضوئيّةٌ منها يُطِلّ
ما كتمناهُ وغلّفناهُ في أعماقنا
مِن أمانينا ومن أشواقنا
فمتى يكتشفُ الصمتُ المملُّ
أنّنا عُدْنا نُحبّ الكلماتْ?
ولماذا نحن نخشَى الكلماتْ
الصديقاتِ التي تأتي إلينا
من مَدَى أعماقنا دافئةَ الأحرُفِ ثَرّهْ?
إنها تَفجؤنا, في غَفْلةٍ من شفتينا
وتغنّينا فتنثالُ علينا ألفُ فكرهْ
من حياةٍ خِصْبة الآفاقِ نَضْرهْ
رَقَدَتْ فينا ولم تَدْرِ الحياةْ
وغدًا تُلْقي بها بين يدينا
الصديقاتُ الحريصاتُ علينا, الكلماتْ
فلماذا لا نحبّ الكلماتْ?
فيمَ نخشى الكلماتْ?
إنّ منها كلماتٍ مُخْمليات العُذوبَهْ
قَبَسَتْ أحرفُها دِفْءَ المُنى من شَفَتين
إنّ منها أُخَرًا جَذْلى طَروبهْ
عَبرَت ورديّةَ الأفراح سَكْرى المُقْلتين
كَلِماتٌ شاعريّاتٌ, طريّهْ
أقبلتْ تلمُسُ خَدّينا, حروفُ
نامَ في أصدائها لونٌ غنيّ وحفيفُ
وحماساتٌ وأشواقٌ خفيّهْ
فيمَ نخشى الكلماتْ?
إن تكنْ أشواكها بالأمسِ يومًا جرَحتْنا
فلقد لفّتْ ذراعَيْها على أعناقنا
وأراقتْ عِطْرَها الحُلوَ على أشواقنا
إن تكن أحرفُها قد وَخَزَتْنا
وَلَوَتْ أعناقَها عنّا ولم تَعْطِفْ علينا
فلكم أبقت وعودًا في يَدَينا
وغدًا تغمُرُنا عِطْرًا ووردًا وحياةْ
آهِ فاملأ كأسَتيْنا كلِماتْ
في غدٍ نبني لنا عُشّ رؤًى من كلماتْ
سامقًا يعترش اللبلابُ في أحرُفِهِ
سنُذيبُ الشِّعْرَ في زُخْرُفِهِ
وسنَرْوي زهرَهُ بالكلماتْ
وسنَبْني شُرْفةً للعطْرِ والوردِ الخجولِ
ولها أعمدةٌ من كلماتْ
وممرًّا باردًا يسْبَحُ في ظلٍّ ظليلِ
حَرَسَتْهُ الكلماتْ
عُمْرُنا نحنُ نذرناهُ صلاةْ

سمر محمد
10-06-2010, 12:55 PM
صورة من زقاق بغدادي


ذهبت ولم يشحب لها خد ولم ترجف شفاه
لم تسمع الابواب قصة موتها تُروى وتروى
لم ترتفع أستار نافذةٍ تسيلُ أسىً وشجواً
لتتابع التابوت بالتحديقِ حتى لا تراه
الا بقية هيكلٍ في الدربِ تُرعشه الذكر
نبأ تعثر في الدروب فلم يجد مأوى صداه
فأوى الى النسيانِ في بعض الحُفر
يرثي كآبته القمر
والليلُ أسلم نفسهُ دون أهتمامٍ، للصباح
واتى الضياءُ بصوت بائعةِ الحليبِ وبالصيام
بمُواء قط جائعٍ لم تبق منه سوى عظام،
بمُشاجرات البائعين، وبالمرارة والكفاحُ،
بتراشق الصبيان بالاحجار في عُرض الطريقُ
بمسارب الماء الملوثٍ في الازقةِ، بالرياح،
تلهو بابواب السطوح بلا رفيق
في شبه نسيانٍ عميق

سمر محمد
10-06-2010, 12:58 PM
دعوة إلى الحياة


أغضب، أحبك غاضباً متمردا
في ثورة مشبوبةٍ وتمزقِ
أبغضت نوم النار فيك فكن لظى
كن عرق شوقٍ صارخٍ متحرقِ
* * *
أغضب، تكاد تموت روحك، لا تكن
صمتاً ، اضيعُ عندهُ اعصاري
حسبي رماد الناس، كن انت اللظى
كن حرقة الابداع في اشعاري
* * *
أغضب، كفاك وداعة، انا لا احب الوادعين
النار شرعي لا الجمود ولا مهادنة السنين
اني ضجرت من الوقار ووجهه الجهم الرصين
وصرخت لا كان الرماد وعاش عاش لظى الحنين
اغضب على الصمت المهين
انا لا احب الساكنين
* * *
اني احبك نابضاً ، متحركاً
كالطفل، كالريح العنيفةِ كالقدر
عطشان للمجد العظيم فلا شذى
يروى رؤاك الظامئات ولا زهر
* * *
الصبرُ؟ تلك فضيلة الاموات، في
برد المقابر تحت حكم الدود
رقدوا واعطينا الحياة حرارةً
نشوى وحُرقة أعينٍ وخدود
* * *
انا لا احبك واعظاً بل شاعراً قلق النشيد
تشدو ولو عطشان دامي الحلق محترق الوريد
اني احبك صرخة الاعصار في الافق المديد
وفماً تصباه اللهيب فبات يحتقر الجليد
اني التحرق والحنين
انا لا اطيق الراكدين
* * *
قطب، سئمتك ضاحكاً، ان الربى
بردٌ ودفء لا ربيعٌ خالدُ
العبقرية، يا فتاي، كئيبةُ
والضاحكون رواسبٌ وزوائدُ
* * *
أني أحبك غصةً لا ترتوي
يفنى الوجود وانت روحٌ عاصفُ
ضحكٌ جنوني ودمعٌ محرِق
وهدوء قديسٍ وحسٌ جارف
اني احبُ تعطش البركان فيك الى انفجار
وتشوق الليل العميق الى ملاقاة النهار
وتحرق النبع السخي الى معانقة الجرار
اني اريدك نهر نارٍ ما للجته قرار
* * *
فاغضب على الموت اللعين
اني مللت الميتين

سمر محمد
10-06-2010, 12:59 PM
أغنية الهاوية


مججتُ الزوايا التي تلتوي
وراءَ النفوسْ
وراءَ بريقِ العُيُونْ
وأبغضتُ حتى السُّكونْ
وتلكَ المعاني التي تنطوي
عليها الكؤوسْ
معاني الصَّدَى والجُنونْ
معاني الخطايا التي تُبرقُ
بريقَ النجومْ
وفي لمسها اللهبُ المُحرقُ
ولونُ الهمومْ
كرهتُ الجفونَ التي تأسرُ
وخلفَ سماء ابتساماتها
لهيب الحقود
كرهتُ الأكفَّ التي تعصرُ
وخلفَ حرارة رَعْشاتها
جمودٌ كذُلِّ الحياهْ
على جُثةٍ تحت بعض اللحودْ
تعيثُ بها دودةٌ في برودْ
كرهتُ ارتعاشَ الشفاهْ
برَجعِ الصلاهْ
ففي كلِّ لفظٍ خطيئهْ
تجيشُ بها رَغباتٌ دنيئهْ
وعفتُ طُموحي وبحثي الطويلْ
عن الخيرِ, والحبِّ, والمُثلِ العاليهْ
وحقّرتُ سعيي إلى عالمٍ مستحيلْ
فخلفَ انخداعيَ تنتظرُ الهاويهْ
وعفتُ جنوني القديمَ وعفتُ الجديدْ
وأودعتهُ في مكانٍ بعيدْ
دفنتُ به رَغَباتِ البشرْ
وسمّيتهُ جنة الواهمين
ستمضي السنينْ
لماذا أُحسُّ الأسى والضَّجَرْ,
وكفُّ المطَرْ
تلفُّ على عنقي المختنقْ
حبالَ الفِكرْ?
وأينَ أسيرُ وقلبي النزقْ
هنالكَ ما زالَ, لا يبرُدُ
ولا يحترقْ
كقلبِ أبي الهولِ. أين الغدُ?
أُحسُّ حياتي تذوبْ
قفي لحظةً واحدهْ
ولا تَسحبي يَدكِ الباردهْ
فأغنيةُ الهاويهْ
تُهِيبُ بأقداميَ الشاردهْ
وتَلوي الدروبْ
قفي لحظةً يا حبالَ الحياهْ
ولا تتركيني هنا
معلقةً بالفراغِ الرهيبْ
فأمسي القريبْ
تلاشى على آخرِ المنحنى
وظلُّ غدي
تَلثَّمَ, أُوّاهُ لو أهتدي
قفي لحظةً واحدهْ
ولا تَسحبي يَدَكِ الباردهْ
فأغنيةُ الهاويهْ
تردّدها الأنفسُ الجانيهْ
تكرّرُها في جُنونْ
على سمعيَ المُجهَدِ
تكرّرُها لم يَعُدْ لي سكونْ
أكادُ أسيرُ إلى الهاويهْ
مع السائرينْ
وأدفِنُ آخرَ أحلاميهْ
وأنسى غدي

سمر محمد
10-06-2010, 01:04 PM
دكان القرائين الصغيرة


في ضباب الحُلْم طوّفتُ مع السارين في سوق عتيقِ
غارق في عطر ماء الورد, وامتدّ طريقي
وسّع الحُلْم عيوني, رش سُكْرًا في عروقي
ثملت روحي بأشذاء التوابلْ
وصناديق العقيقِ
وبألوان السجاجيد,
بعطر الهيل والحنّاء,
بالآنية الغَرْقى الغلائلْ
سرقت روحي المرايا, واستداراتْ المكاحلْ
كنتُ نَشْوى, في ازرقاق الحُلْم أمشي وأسائلْ
أين دكّان القرائين الصغيرهْ
أشتري من عنده في الحلم قرآنًا جميلاً لحبيبي
يقتنيه لحن حبٍّ,
قَمرًا في ليلةٍ ظلماء,
خبزًا وخميرهْ
عندما في الغد يَرْحَلْ
من مطار الأمس والذكرى حبيبي
يتوارى وجهه خلف التواءات الدروبِ
**
سرتُ في السوق,
إذا مرّ بقربي عابرٌ ما,
أتمهّل
ثم أسألْ:
سيّدي في أي دكّان ترى ألقى القرائين الصغيرهْ
أيّ قرآن, سواءٌ أحواشيه حروف ذهبيّهْ
أم نقوش فارسيّهْ
أي قرآن?..... وفي حلمي يقول العابرُ
لحظة يا أختُ, قرآنكِ في آخر هذا المنحنى, في (مندلي)
اسألي عن (مندلي)
فهو دكان القرائين الصغيرهْ
ويغيب العابرُ...
وجهه في الحُلْم لونٌ فاترُ...
ثم أمضى في الكرى باحثةً عن (مندلي)
حيث أبتاعُ بما أملك قرآنًا وأهديه حبيبي
حينما يرحلُ عني في غدٍ وجه حبيبي
وتغطيه المسافاتُ وأبعاد الدروبِ
حيث أبتاع من الدكان قرآنًا صغيرًا لحبيبي
ثم أهديه له عند الوداعْ
ليخبّي ضوءه في صدره بُرْعَم طيبِ
وليؤويه إليه حرز حبي
وعصافيري المشوقاتِ,
وتلويح ذراعي
واختلاجاتِ شراعي
**
سرتُ في حلميَ في السوق قريرهْ
أسرتْ روحي السجاجيدُ الوثيرهْ
وأواني عطرِ ماء الورد, والكعبةُ صورهْ
نعستْ ألوانها في حضن حانوتٍ,
وفي حلمي مضيتُ
في دمي شوقٌ لدكان القرائين الصغيرهْ
وحلمتُ
وحلمتُ
بقرائينَ كثيراتٍ, وأختارُ أنا منها, وأهدي لحبيبي
في صباح الغد قرآنًا, ويؤويه حبيبي
صدرَهُ تعويذةً تدرأ عنه الليلَ والسَّعْلاة في أسْفَارِهِ
تزرع اسم الله في رحلته, تسقيه من أسرارِه
**
كان كلّ الناس لي يبتسمون
وعلى لهفة أشواق سؤالي ينحنونْ
زرعوا حلمي ورودا
وسّعوا السوقَ زوايا وحدودا
كلهم كانوا يشيرون إلى بعض مكانٍ غامض إذ يعبرونْ
يهمسون:
اسألي عن (مندلي)
ابحثي عن (مندلي)
دكّة في آخر السوق وتُلْفين القرائين الصغيرهْ
أطعموا قلبيَ من نكهة كُتْبٍ عنبريّاتِ كثيرهْ
بينها ألقى عصافيري القرائين الصغيرهْ
حيث أختارُ وأهدي لحبيبي
واحدًا يحميه من ليل الدروبِ
ووشايات المغيبِ
واحدًا يحمله في الطائرهْ
باقةً من زنبق الله, وسُحْبًا ماطرهْ
**
سرتُ طول الليل في حلمي, ولكن أين ألقى (مندلي)?
شَعَّب السوق حناياه,
ترامَى,
وتَمدّدْ
صار عشرين, دوربًا وزوايا
وفروعًا وخبايا
وتعدّدْ
وتعدّدْ
حيرتي أبصرتها طالعة من قعر آلاف المرايا
قذفتني الامتداداتُ ومصتني الحنايا
وأنا أشرب كوبًا فارغًا, والسوق مُجْهَدْ
تحت خطوي, ودمي يلهث شوقًا
وأنا أعطش في أرض الرؤى, أذرعها غربًا وشرقًا
لستُ أُسْقى, لست أُسْقَى
ضاع مني (مندلي)
ضاعَ, لا القرآنُ, لا الأشذاء لي
ما الذي بعد عطوري, وقرائيني تَبَقَّى
**
مرَّ بي في سوق حلمي ألفُ عابرْ
كلهم قالوا: - وراء المنحنى التاسع يحيا (مندلي)
حيث قرآني وعطري المتناثر
حيث أَلْقَى (مندلي)
(مندلي) يا أنهرا من عَسَلِ
يا ندًى منتثرًا فوق بيادرْ
يا شظايا قمر مغتسلِ
في دموعي,
يا أزاهيرُ من الياقوت نامت في غدائرْ
يا هتافاتِ أذان الفجر من فوق منائر
(مندلي) يا (مندلي)
اسمه فوق الشفاهْ
فلّة غامضة اللون,
وشمعٌ,
وتراتيلُ صلاهْ
وزروع ومياهْ
وأنا مأخوذة الأشواق أدعوه ولكن لا أراهْ
وأنا من دون قرآن حبيبي
ومع الفجر سيرحَلْ
في انبلاج الغَسَق القاني حبيبي
وشفاهي صلواتٌ تترسَّل
وعناقيد دموع تتهدّلْ
انبثق يا عطش السوق انبثق يا (مندلي)
يا قرائين حبيبي
يا ارتعاش السنبلِ
في حقول الحلم من ليلى العصيبِ
**
أين مني (مندلي)? والبائع المصروع من عطر القرائينْ?
ذاهلاً مستغرقًا في حُلُمِ?
ضائعًا هيمان مأخوذًا بأفق مبهمِ
يتشاجى, وجدُهُ سُكْرٌ وتلوينْ
صاعدًا من ولهٍ في عالم من عنبر مضطرمِ
تائهًا من شوقه عَبْرَ بساتينْ
عطشات النخل, والقرآن في تمُّوزها أمطار تشرينْ
(مندلي) يا ظمأى يا جرح سكّينْ
في خدود وشرايينْ
**
وطريقي نحو دكان القرائين الصغيرهْ
فيه أوراد لها عطر عجيبُ
كل من ذاق شذاها تائهٌ,
منسرق الروح,
شريدٌ
لا يؤوبُ
مندلي يا حقل نسرينْ
ذقتُ أسرارَكَ واستبعدتُ كوبي
لم أعد أعرف فجري من غروبي
وتواجدْتُ وضيّعتُ دروبي
وتشوقت لقرآنٍ, على رفّكَ غافٍ,
أشتريه لحبيبي
**
وسمعتُ العابرينْ
يصفون المخزن المنشود: تسري فيه أصداءْ
وتلاوين, وموسيقى وأضواءْ
تصرع السامع صرعًا باختلاجاتِ حنينْ
وشموعٍ ودوالي ياسمينْ
آه لو أني وصلتُ
آه حتى لو تمزقْتُ,
تبعثرتُ,
اكتويتْ
لو تذوقتُ العطورَ السارباتِ
حول دكان القرائين الصغيرهْ
آه لو أمسكتُ في كفّي قرآنًا,
كدوريّ حنون القَسَماتِ
واحد من ألف قرآن حواليه ضبابٌ,
وشذى وردٍ,
وموسيقى مثيرهْ
ليس يقوَى قَطُّ إنسانٌ بأن يصغي إليها
يسقط الصاحي صريعًا, غير واعٍ, ضائعًا في شاطئيها
آه لو أني أطبقتُ عليه شفتَيّا
هو قرآنُ حبيبي
آه لو لامستُ رياهُ بأطراف يديّا
هو وِرْدى, وامتلائي, ونضوبي
والنشيد المحرق المخبوء في قعر دمي, في مقلتيّا
***
وانتهى السوقُ وفي حلمي يَئستُ
وعلى دكّة آمالي الطعينات جلستُ
وانتحبتُ
لم يَعُدْ في السوق من ركن قصيِّ
لم أقلّبْهُ... وتاهتْ (مندلي)...
غرقَتْ في عمق بحر من ضبابٍ سندسيِّ
واختفت في ظل غابات سكونٍ أبديِّ
لم يدع يأسيَ حتى سحبة القوس على الأوتار لي
ضاع حتى الظلّ مني, وتبقّتْ لي روًى من طَللِ
أين أبوابكِ يا ترتيلتي,
يا (مندلي)
يا عطور الهَيْل والقرآنِ يا وجه نبيِّ
يا شراعًا أبيضًا تحت مساء عنبيِّ
**
وإذن ماذا سأهدي لحبيبي
في غد حينَ يسافر?
فرغتْ كفّي من القرآنِ غاضتْ في صَحَارايَ المعاصِر
وخوى خدّايَ إلاّ من غلالات شحوبي
وحبيبي سيغادرْ
دون قرآنٍ, هديّه...
غضة تلمس خدّيهِ كما يلمس عصفورٌ مُهَاجرْ
جبهة الأفق برشّات غناءٍ عسليّهْ
وحبيبي سيسافر
خاوى الكف من القرآن, من عطر البيادرْ
وحكايات المنائر
وأنا أبقى شجيه
كظهيرات من الحزن عرايا غيهبيّهْ
ضاع قرآني, وضاعت (مندلي)
واختفى وجهُ حبيبي
خلف غيم مُسْدَلِ
وامتدادات سهوبٍ وسهوبِ
فوداعًا يا قرائيني, وداعًا (مندلي)
وإلى أن نتلاقى يا حبيبي
وإلى أن نتلاقى يا حبيبي

سمر محمد
10-06-2010, 01:06 PM
انشري يا سفين أشرعة السي =ر وشّقـي عبـاب هـذي الحـيـاة
ثم ارسي بنا على شاطىء الفنّ =وبـيــن الأشـعــار والأغـنـيـات
علّنـا واجـدون فـي ذلـك الـشـا = طـيء ظــلّ السـعـادة المتمّـنـى
علهم قد ترّشفوا شهدهـا الـس = حر حتـى صاغـوه شعـرا وفّنـا
طالـمـا صــوّروا لألحانـهـم مــا = قـــد دعـــوه بـنـشـوة الـفـنّـان
طالمـا حدّثـوا عـن الأمـل الحـل = و وغّـنـوا بـالـنـور والألـــوان
فلنقـف عنـدهـم إذن ولنـراقـب = ركــب أيّـامـهـم وكـيــف تـمــرّ
أتـراهـا لـيــل ودمـــع حـــزن؟ = أم تراها فجـر وضحـك وبشـر؟

سمر محمد
10-06-2010, 01:13 PM
ثلج ونار

تسأل ماذا أقصد ؟ لا , دعني , لا تسأل
لا تطرق بوّابة هذا الركن المقفل
اتركني يحجب أسراري ستر مسدل
إنّ وراء الستار ورودا قد تذبل
إن أنا كاشفتك , إن عرّيت رؤى حبّي
وزوايا حافلة باللهفة في قلبي
فستغضب مني , سوف تثور على ذنبي
وسينبت تأنيبك أشواكا في دربي
***
هل يقبل ثلج عتابك قلبي الملتهب ؟
أترى أتقبّل ؟ لا أغضب ؟ لا اضطراب ؟
لا ! بل سأثور عليك..سيأكلني الغضب
***
وإذا أنا ثرت عليك وعكّرت الأجواء
فستغضب أنت وتنهض في صمت وجفاء
وستذهب يا آدم لا تسأل عن حوّاء
***
وإذا ما أنت ذهبت وأبقيت الشوقا
عصفورا عطشانا لا يحلم أن يسقى
وإذا ما أنت ذهبت..فماذا يتبقّى ؟
***
لا , لا تسأل..دعني صامتة منطويه
أترك أخباري وأناشيدي حيث هي
اتركني أسئلة وردودا منزويه
***
يا آدم لا تسأل.. حوّاؤك مطويّه
في زاوية من قلبك حيرى منسّيه
ذلك ما شاءته أقدار مقضيّه
آدم مثل الثلج , وحوّاء ناريّه
***
يا آدم لا تسأل.. حوّاؤك مطويّه
في زاوية من قلبك حيرى منسّيه
ذلك ما شاءته أقدار مقضيّه
آدم مثل الثلج , وحوّاء ناريّه

سمر محمد
10-06-2010, 01:15 PM
إن شاء الله

ناديت الوردة ذات صباح : " يا وردة إني عطشى "
فرنت وانتفضت وابتسمت
وجها , قلبا , شفة , رمشا
منحتني العطر , اللون , الحبّ , وما بخلت
فرشت لي خدّيها وحنت
***
وسألت حبيبي أن ألقاه
فتطلّع فيّ وقال : أجل , إن شاء الله..
بضعة ألفاظ ثم مضى
وعد منه وحماس من قلبي ورضى
وغدا أو بعد غد يحضر إن شاء الله..
إن شاء الله..
وعد في شفة الزنبق غطّى المرج شذاه
وتألّق فجر منبثق خلف مسافات مبهوره
ونسائم تعبر في وديان مسحوره
(إن شاء الله ) رؤى أغنية طافحة وندى وصلاه
(إن شاء الله ) تسابيح وصدى أجراس
وبشاشة كأس لامس كأس
(إن شاء الله ) تفجّر أعياد وحياه
وتلاقي أعناب ومياه
***
فجّرت العالم بالخضره
(إن شاء الله ) وجاش البحر وأعطانا
سمكا ولآلي ورشاشا رطّب أوجهنا ورؤانا
(إن شاء الله ) وألف يد مرّت وتيقّظ ألف وتر
وتألّق حولي ألف قمر
وأنا ما زلت أعيش وأحلم أن ألقاه
فمتى يشرق لي فجرك يا (إن شاء الله ) ؟
***
( هل ) و ( متى ) لحن جفون ضارعه وشفاه
هل تحضر ؟ هل يأتي المطر ؟
هل يسخو العطر وينهمر ؟
إن شاء الله
إن شاء الله
ومتى يسري نسغ السكّر
في الرمّان الحامض ؟ والفجر متى يظهر ؟
والشاطىء بعد ضنى الأسفار متى سنراه
إن شاء الله ؟
في الرمّان الحامض ؟ والفجر متى يظهر ؟
والشاطىء بعد ضنى الأسفار متى سنراه
إن شاء الله ؟

سمر محمد
10-06-2010, 01:16 PM
ثلاث أغنيات شيوعية
-1-
إذا نزل الليل هذي الروابي فقم يا رفيق
نراقبه من ثقوب الدجى في السكون العميق
لعلّ الظلام يعدّ مؤامرة في الخفاء
ويحبكها مع ضوء النجوم وصمت المساء
فهذي الروابي وذاك الطريق
وهذا الدجى , كلّهم عملاء
وسوف نفتّش حتى الأريج وحتّى المطر
نقلّب حتى خيوط الضياء ولون الزهر
ونفضح ما دّبرت كلّ جاسوسة زنبقه
وما روّجته العصافير بالرقص والزقزقه
وإنّا لنعلم أنّ القمر
تآمر فلننصب المشنقه
***
وتزوير سوسنة نذلة وعريش لعين
وتلك الينابيع إنّ دسائسها أبديّه
وهذا الأصيل يذيع أراجيفه الغسقيّه
حذار رفيقي فللورد دين
وهذا الشذى روحه عربيّه
-2-
تحيّة شقائق النعمان
يا لون ما نضمر من حقود
***
وردتنا الشريفة الحمراء
يا راية الكفاح
يا حمرة القتل لك الدماء
***
إن تظمأي فبالدم المعش
أختاه لا نبخل
هيهات يا حمراء أن تعطشي
وثمّ من نقتل
من أجل هذا اللون نجري النجيع
جداولا تنثال
وباسمه نقتل حتى الربيع
ونذبح الأطفال
***
يا غلّة محرقه
بحقدنا نقسم أن تسلمي
يا وردة المشنقه
***
والآن جئناك به فاحتسي
دم كثير فاشبعي وانعسي
يا أخت واحمرّي
-3-
ظلمة , وخز , صراخ في وجودي
الرياح السود ملح في دمي فوق خدودي
وجززت الورد من خدّيه حبّا للسلام
فإذا أشلاؤه تصحو وتحيا من جديد
وأراه باسما منتصبا تحت الظلام
ومن الآفاق ينهال دويّ
عربيّ عربيّ عربيّ
ثمّ ماذا ؟ أصبح الدرب أعاصير وقصفا
الغلام الأرعن الغادر قد أصبح ألفا
هبطوا لم أدر من أين: صبايا وشبابا
أوجه أسقيت السمرة والشمس شرابا
بدّلوا أمني شكوكا ومحاذير وخوفا
وتهاوى حلمي الأحمر للأرض ترابا
لاعنا تسعين مليون محيا
عربيّا عربيّا عربيّا

سمر محمد
10-06-2010, 01:19 PM
ماذا يقول النهر


ماذا يقول النهر؟
أقصوصة
ينسجها من رقص ضوء القمر
ينسجها من غزل ناعم
يداعب النخل به المنحدر
من نور مصباح يغذّي الدجى
حرارة ويستثير الشجر
من وقع مجداف خفيف الخطى
يشقّ في الظلمة صدر النهر
ماذا يقول النهر؟
أغنية
قديمة , بنت ليال طوال
غنّى أساها مرّة عاشق
والليل سكران بكأس الجمال
مثقلة بالدفء , ما زال في
ألحانها بعض حنين الجمال
وخشعة الهودج تحت الدجى
ووقع أقدام الداة الثقال
***
تسبيحة
من بابل النشوى بعطر البخور
وموكب الكهّان في معبد
دجلة يطوي سرّه والصخور
وذكريات الليل والشمس عن
(مدينة الشمس ) وراء العصور
وعن (حمورابي ) وعن حبّه
وما طوى سفر الزمان الغدور
***
ماذا يقول النهر؟
دعي غلاف السرّ كثّا عميق
لو كشف الزّنبق ألغازه
لم يبق معنى لشذاه الرقيق
دعي غلاف السرّ كثّا عميق
لو كشف الزّنبق ألغازه
لم يبق معنى لشذاه الرقيق

سمر محمد
10-06-2010, 01:27 PM
أنشودة الرياح
-1-

أيـهــا الــســادرون = مـا الـذي تنـشـدون ؟
مــلء هــذا الـمـدى = فـي الـدجـى حالـمـون
كــم رسمـتـم مـنـى = أطفـاتـهـا الـقــرون
وأغـانــيــكــمــو = كـم طـواهـا السـكـون
***
تـذرعــون الـــذرى = تقـطـعـون الـقـفــار
تحـت سـمـع الـدجـى = وعـيــون الـنـهــار
تطـعـمـون الـــرؤى = بـالـدمـوع الـغــزار
إن دون الــمــنـــى = ألــف ألــف سـتـار
***
وأمـانــيــكــمــو = طـيـف حــبّ نـفـور
أتــظّــنــونــهــا = فـي زوايـا القـصـور؟
دونـكــم فـابـحـثـوا = فـي حـريـر السّـتـور
وأنا للمدى كل عمري مرور

-2-
كـلّ عـمـري ســرى = فـي الـوجـود الجمـيـل
فـي الصـبـاح الـنـدي = والـظــلام الـثـقـيـل
فـوق ســرو الــذرى = فــوق حـقـل النخـيـل
أنــا أمـضـي أنـــا = كــلّ عـمـري رحـيـل
***
وشهـدت هـنـا ألــف = ألــف جـيـل وجـيـل
ولـــدوا وانــطــوو = فـي الـتـراب المهـيـل
ضـحـكـوا أو بـكــوا = فـي الضحـى والأصـيـل
مــا لـهـم مـهــرب = مــن رقــاد طـويـل
***
وسـمـعــت هــنــا =كــلّ جـيـل يـقــول:
"فــي يــدي مـنـبـع = خـالــد لا يــــزول"
وأنــاشــيــدهـــم = قــد طـواهـا الـذبـول
ومـبـانـيــهــمــو = جرفـتـهـا الـسّـيـول
***
أقـبـلــي أقـبـلــي =يــا فـتـاة النـشـيـد
وابـحـثـي بـيـنـهـم = عــن فــؤاد سعـيـد
كـــلّ يـــوم لـنــا = مـنـك حـلـم جـديــد
وأنـــا مـــا أنـــا = غـيـر سـيـر أبـيــد
***

-3-
طــــال تـجـوالـهـا = فـي الفـجـاج الفـسـاح
فــي مــرور الـدجـى = وانـطــواء الـصـبـاح
فــي تـلاشـي الـنـدى = وضـيــاع الــريــاح
إن أحــلامـــهـــا = ملّـكـتـهـا جــنــاح
كـلـمــا ضـيـعــت = فـي الديـاجـي رجــاء
فـتّـحــت قـلـبـهـا = لـلـشـذى والـضـيـاء
إن فـــي روحــهــا = ودمــاهــا نــــداء
لإرتـقــاء الــــذرى = وبـلــوغ الـسـمــاء
يــا فـتـاة الـــرؤى = مــا أحــبّ الـوصـول
حيـن يمضـي الأســى = والـضـبـاب يـــزول
غـيــر أن الـسّــرى = فــي جـديـب طـلـول
والـمــدى شـاســع = والـديــار مــحــول
مــا وجــدت المـنـى = فـي حـمـى الرهـبـان
عــالــم مـغـلــق = قـاتــم الــجــدران
وأطــــلّ عــلـــى = طـرفــك الـحـيــران
شـاطــىء أخـضــر = مـبــرق الــغــدران
إنّــــه شــاطــىء = غـامــض لا يـبـيـن
واعــــد بـالـسّـنـا = كــلّ قـلـب حـزيــن
وهـبـطــت إلــــى = ارضـــه تبـحـثـيـن
أســفـــا إنّـــــه = شـاطــيء العابـثـيـن
-4-
إنبـسـط يــا مـــدى = واختـفـي يــا حــدود
إن أقـــدامـــهـــا = شـردت فــي الـوجـود
كّـلـمــا صّــعــدت = فـي الــذرى والنـجـود
قـابـلــتــهــا ذرى = ومضـت فــي صـعـود
***
إنــهــا رحــلـــة = فــي طـريـق الحـيـاة
بحـثـت عــن دنـــى = تـتـحـدّى الـمـمــات
كـلّـمــا أبــصــرت = رمــة فــي فـــلاة
جـــدّدت عـزمـهــا = بـنــدى الأغـنـيــات
***
يــا فـتـاة الـــرؤى = والـفــؤاد الـرهـيـف
خاطـبـتـك الــدنــى = فـي الظـلام الكثـيـف :
"أنـصـتـي تسـمـعـي = فـي السـكـون حفـيـف
وانـظــري تـبـصـري = أن جـدبــي وريـــف"
***
لــك قـلــب غـفــا = عـن معـانـي الــذرى
لـــك روح ثــــوى = فـي ضـبـاب الـكـرى
لا يـحــسّ الــنــدى = فــي جـفـاف الـثـرى
فاهـبـطـي وابـحـثـي = عـنـد أهــل الـقـرى
***
ربــمــا حــــرّروا = مـقـلــة راســفــه
أغـمـضـت لا تـــرى = روعـــة العـاصـفـه
ربــمــا خّـفـفــوا = حــرقــة لاهــفــه
إن دنـــيـــاهـــم = جّــنــة وارفــــه
ومـضــى بـحـثـهـا = عــن ديــار النعـيـم
لــم يـــزل قلـبـهـا = فـي المـرآقـي يهـيـم
الـقـصـور طــــوت = حلـمـهـا المسـتـديـم
فانـتـهـى سـيـرهــا = عـنـد ديــر قـديــم
أنـصـتـي تسـمـعـي = فـي السـكـون حفـيـف
وانـظــري تـبـصـري = أن جـدبــي وريـــف
لــك قـلــب غـفــا = عـن معـانـي الــذرى
لـــك روح ثــــوى = فـي ضـبـاب الـكـرى
-5-
حــلــم وانــطــوى = فـي الفـضـاء المـديـد
كـلـمــا أخـفـقــت = فــي رجــاء فـريــد
شـيّـدت فــي الــذرى = حلمـهـا مــن جـديـد
لا تـبـالـي الـلـظــى = لا تـبـالـي الـجـلـيـد
***
خيّبـتـهـا الــقــرى = ودجـاهــا الـحـزيـن
إنّ فـــي أرضــهــا = يـشــرا جـائـعـيـن
لــم تـجـد عـنـدهـم = غـيـر دمــع سخـيـن
ومضـت فـي الـسّـرى = لا تـنــي لا تـلـيــن
***
ثــم أرســت هـنــا = عـنـد أهــل اللـحـون
شـعــراء مــشــوا = فـي ظــلال الغـصـون
عــلّ فــي نـايـهـم = بعـض لـحـن حـنـون
لـيـس فـيـه أســـى = لـيـس فـيـه مـنـون
***
حـدّقـي هــا هـنــا = يــا فـتـاة القـصـيـد
إن فـــي كـونـهــم = رجــع لـحـن سعـيـد
انـظــري تـلـمـسـي = فــي الـظـلام المـديـد
نــشــوة غـلّـفــت = قـلـب هــذا النشـيـد

سمر محمد
10-06-2010, 01:32 PM
مَرَّ القطار

الليل ممتدُّ السكونِ إلى المدَى
لا شيءَ يقطعُهُ سوى صوتٍ بليدْ
لحمامةٍ حَيْرى وكلبٍ ينبَحُ النجمَ البعيدْ،
والساعةُ البلهاءُ تلتهمُ الغدا
وهناك في بعضِ الجهاتْ
مرَّ القطارْ
عجلاتُهُ غزلتْ رجاءً بتُّ أنتظرُ النهارْ
من أجلِهِ .. مرَّ القطارْ
وخبا بعيداً في السكونْ
خلفَ التلال النائياتْ
لم يبقَ في نفسي سوى رجْعٍ وَهُونْ
وأنا أحدّقُ في النجومِ الحالماتْ
أتخيلُ العرباتِ والصفَّ ا لطويلْ
من ساهرينَ ومتعبينْ
أتخيلُ الليلَ الثقيلْ
في أعينٍ سئمتْ وجوهَ الراكبينْ
في ضوءِ مصباحِ القطارِ الباهتِ
سَئمتْ مراقبةَ الظلامِ الصامتِ
أتصوّرُ الضجَرَ المريرْ
في أنفس ملّت وأتعبها الصفيرْ
هي والحقائبُ في انتظارْ
هي والحقائبُ تحت أكداسِ الغبارْ
تغفو دقائقَ ثم يوقظها القطارْ
وُيطِلُّ بعضُ الراكبينْ
متثائباً، نعسانَ، في كسلٍ يحدّق في القِفارْ
ويعودُ ينظرُ في وجوهِ الآخرينْ
في أوجهِ الغُرَباء يجمعُهم قطارْ
ويكادُ يغفو ثم يسمَعُ في شُرُودْ
صوتاً يغمغمُ في بُرُودْ
" هذي العقاربُ لا تسيرْ !
كم مرَّ من هذا المساء؟ متى الوصولْ ؟"
وتدقٌّ ساعتُهُ ثلاثاً في ذُهُولْ
وهنا يقاطعُهُ الصفيرْ
ويلوحُ مصباحُ الخفيرْ
ويلوحُ ضوءُ محطةٍ عبرَ المساءْ
إذ ذاكَ يتئدُ القطارُ المُجْهَدُ
... وفتىً هنالكَ في انطواءْ
يأبى الرقادَ ولم يزلْ يتنهدُّ
سهرانَ يرتقبُ النجومْ
في مقلتيه برودةٌ خطَّ الوجومْ
أطرا فَهَا .. في وجهِهِِ لونٌ غريبْ
ألقتْ عليه حرارةُ الأحلام آثارَ احمرارْ
شَفَتاهُ في شبهِ افترارْ
عن شِبْهِ حُلْمٍ يفرُشُ الليلَ الجديبْ
بحفيفِ أجنحةٍ خفيّاتِ اللُحونْ
عيناهُ في شِبْهِ انطباقْ
وكأنها تَخْشَى فرارَ أشعةٍ خلف الجفونْ
أو أن ترى شيئاً مقيتاً لا يُطَاقْ
هذا الفتى الضَّجِرُ الحزينْ
عبثاً يحاول أن يرَى في الآخرينْ
شيئاً سوى اللُغْزِ القديمْ
والقصّةِ ا لكبرى التي سئمَ الوجودْ
أبطالهَا وفصولهَا ومضَى يراقبُ في برودْ
تَكْرارَها البالي السقيمْ
هذا الفتى.....
وتمرُّ أقدامُ الَخفيرْ
وُيطل وجهٌ عابسٌ خلفَ الزُجاجْ،
وجهُ الخفير!
ويهزُّ في يدِهِ السِراجْ
فيرى الوجوهَ المتعَبة
والنائمينَ وهُمْ جلوسٌ في القطارْ
والأعينَ المترقبة
في كلّ جَفْنً صرخةٌ باسمِ النهارْ،
وتضيعُ أقدامُ الخفير الساهدِ
خلفَ الظلامِ الراكدِ
مرَّ القطار وضاع في قلبِ القفارْ
وبقيت وحدي أسألُ الليلَ الشَّرُود
عن شاعري ومتى يعودْ ؟
ومتى يجيء به القطارْ ؟
أتراهُ مرَّ به الخفير
ورآه لم يعبأ به .. كالآخرينْ
ومضى يسيرْ
هو والسِّراجُ ويفحصانِ الراكبين
وأنا هنا ما زلتُ أرقُبُ في انتظارْ
وأوَدُّ لو جاءَ القطارْ ....

سمر محمد
10-06-2010, 01:34 PM
مأساة الحياة

عبثاً تَحْلُمين شاعرتي ما
من صباحٍ لليلِ هذا الوجود
عبثاً تسألين لن يُكْشف السرُ
ولن تَنْعمي بفكِ القيودِ
في ظلال الصفصافِ قَضَيتِ ساعاتكِ
حَيْرى تُمضُك الأسرارُ
تسألين الظلالَ و الظلُ
لايعلمُ شيــــــئاً....
أبداً تنظرين للأ ُفق المجهول
حَيْرى فهل تجلّى الخفيُّ؟
أبداً تسأليـــــن...
...صمتٌ مُسْتغلِقٌ أبديُّ
فيمَ لا تيأسينَ؟ ما أدركَ الأسرارَ
قلبٌ من قبلُ كي تدركيها
أسفاً يا فتاةُ لن تفهمي الأيامَ
فلتقنعي بأن تجهليها
أُتركي الزورق الكليل تسِّيرْه
أكفُّ الأقدارِ كيف تشاءُ
ما الذي نلتِ من مصارعة الموجِ؟
وهل نامَ عن مناكِ الشقاءُ؟
آهِ يا من ضاعتْ حياتك في الأحلامِ
ماذا جَنَيْتِ غير الملالِ؟
لم يَزَلْ سرُّها دفينا فيا ضياعهَ
عُمْرٍ قضَّيتِهِ في السؤالِ
هُوَ سرُّ الحياة دقَّ على الأفهامِ
حتى ضاقت به الحكماءُ
فيأسي يا فتاةُ ما فُهمتْ من
قبلُ أسرارُها ففيم الرجاءُ؟
جاء من قبلِ أن تجيئي إلى الدُّنْيا
ملايينُ ثم زالوا و بادوا
ليتَ شعري ماذا جَنَوْا من لياليهمْ؟
وأينَ الأفراحُ و الأعيادُ؟
ليس منهم إلاَّ قبورٌ حزيناتٌ
أقيمت على ضفاف الحياةِ
رحلوا عن حِمَى الوجودِ ولاذوا
في سكونٍ بعالم الأمواتِ
كم أطافَ الليلُ الكئيب على الجو
وكم أذعنت له الأكوانُ
شهد الليلُ أنّه مثلما كان
فأينَ الذينَ بالأمس كانوا؟
كيف يا دهرُ تنطفي بين كفَّيك
الأماني وتخمد الأحلامُ؟
كيف تَذْوي القلوبُ وهي ضياءٌ
ويعيشُ الظلام ُوهو ظلامُ

سمر محمد
10-06-2010, 01:34 PM
انشودة السلام

أيها السادرونَ في ظلمة الأرض
كفاكم شقاوةً و ذهولا
احملوا نادمين أشلاء موتاكم
و نوحوا على القبر طويلا
ضّمّخوها با لعطر لفّوا بقاياها
بزَهْر الكنارِ و الياسمينِ
و اهتفوا حولها بأنشودة السلامِ
ليهنا في القبر كلُّ حزينِ
اجمعوا الصبية الصغار ليشدوا
بلحون الصفاء و الابتسامِ
أنقذوا الميّتين من ضجة الحرب
ليستشعروا جمال السلامِ
فيم هذا الصراع يا أيها الأحياءُ؟
فيمَ القتالَُ؟ فيمَ الدماءُ؟
فيمَ راح الشُبّانُ في زهرة العُمر
ضحايا وفيم هذا العداءُ؟
أهْو حبُّ الثراءِ؟ يا عَجَبَ القلبِ!
و ما قيمة الثراء الفاني؟
في غدٍ رحلةٌ فهل يدفع الأموات
با لمالِ وحشةَ الأكفانِ؟
كل حيّ غداًإلى القبر مَغْدَاهُ
فهل ثَمَّ في المماتِ ثراءُ؟
افتحوا هذه القبور َو هاتوا
حدثونا أين الغِنى و الرخاءُ؟
انظروا هاهنا على الشوكِ و الرَمْلِ
ثوى الأغنياءُ و المُعْدمونا
أيُّ فَرْقٍ ترى وهل غيرُصمتِ
الموتِ فوق القبور و الراقدينا؟
عجباً ما الذي إذن ساق هذا الكون
للموت و الأذى و الدمارِ؟!
فيم تحدو الشعوب أطماعُ غَرٍّ
يتصَّبى عينيهِ وهجُ النارِ؟
نشوةُ النَّصرِ؟يا لسُخْرية الألفاظ!
يا للأوهام يا للضَّلال!
أيها الواهمون حسبكمو وهماً
وهبُّوا من الكرى والخيالِ
نحن أسرى يقودنا......
إلى ليل عالم مجهولِ
ليس منا من يستطيع فكاكاً
ليس منا غير الأسير الذليلِ
أبداًتأمر الليالي ونمشي
ليس يُجْدي تضرّعٌ أو بكاءُ
ليس يخشى الممات صولةَ جبّارٍ
وما يستثرُهُ الضعفاءُ
هكذا الموت غالبٌ أبدَ الدهْر
ونحن الصَّرْعَى الضعافُ الحيارى
وله النصْرُ والفخارُ علينا
فاندبوا ما دعوتموه انتصار!
أيها العالمُ المخرَّب قد أسفرت
الحرب عن غلاب المنايا
شهدتْ هذه القبور لها بالنصرِ
يا رحمتا لتلك الضحايا
ثم ماذا يا ساكني العالم المحزونِ؟
ماذا من القتال جنيتُمْ؟
وهل وصلتم إلى النجوم البعيداتِ
وهل مِن كفّ العذابِ نجوتم؟
هل تغلَّبتُمُ على الفقر و الأحزان
و السُّقم أيّها الواهمونا
انجوتم من المآثم أم لم
يزل العيشُ فتنةً و مُجُونا
أسفاً لم تزل كما كانت الأنفس
تحيا في إثمها الأبديِّ
لم تزل خمرةُ الضلال رجاء الآدميينَ
في الوجود الشقيِّ
لم تزل في الوجود أغنيةُ الحزنِ
يغنّي بها الضعاف الجياع
لم يزل في الوجود مرضى حيارى
أبداً تعتريهم الأوجاع
كل شيء باقٍ كما كان قبل الحرب
غير الأيتام و الأموات
غير ظلّ من الكآبة و الحَيْرةِ
يمشي على ضفاف الحياةِ
هؤلاء الأيتام بالأمس كانوا
صورة البِشْر المراح الجميل
تحت ظلّ الآباء يقضون عيشاً
ما دَرَوْا غير صَفْوهِ المعسول
وأفاقوا من حلمهم فإذا الأقدار
حرب ٌ و الكون قتلٌ ونارُ
يا عيون الأطفال لا تسألي الدنيا
علام اللَّظَى؟ وفيم الدمارُ؟
في سبيل المجد المزيّف هذا الهولُ
لا كان مجدهم لا كانا
في سبيل النصر المموّه عاد العالم
الحلو في اللهيبِ دخانا
هؤلاء الصَّرعَى على الصخر
و الشوك شباباً و فتيةً و كهولا
كيف كانوا بالأمس آيةَ رؤيا
رسموها فلم تَهِشَّ طويلا؟
أيها الأشقياءُ في الأرض يا من
لم تمتهم قذائفُ النيرانِ
عبثاً تأملون أن يرجع الآن
أعزََّاؤكم إلى الأوطان
انظروا ها هم الجنود يعودونَ
فُرادَى مهشّمي الأعضاءِ
آه لولا بقيةٌ من حياةٍ
لم يُعدّوا في جملةِ الأحياءِ
عبثاً يبحثون في هذه الأنقاضِ
عن أهلهم و عن مأواهم
عبثاًيسألون ما يعلم العابرُ
شيئاً فيا لنارِأساهم
كيف ذاقوا مرارة الخيبة السَّوْداءِ
بعد الآلامِ و الأدواءِ
هل نجوا من براثن الموت و الأسر
لكي يسقطوا أسارى الشقاء؟
أيها الأشقياء يا زُمَر الأحياء
في كلّ قريةٍ و صعيد
آن أن نستعيد ماضي حُبٍّ
هو مفتاحُ حُلْمنا المفقود
ما الذي بيننا من البغض؟ماذا
كان سرُّ القتالِ و الأحقاد؟
أيها الناقمون نحن جميعاً
شَرَعٌ في أيدي الخطوب الشدادِ
نحن نحيا في عالم ليس يُدْرَى
سرُّه فهو غيهبٌ مجهولُ
تطلعُ الشمس كل يومٍ فما كُنْه
سناها؟ وفيم كان الأفولُ؟
ما الذي يُطلع النجوم على الكون
مساءً؟ ما كنْه هذا الوجود؟
أي شيءٍ هذا الفضاءُ؟وما سر
دجاهُ؟هل خلفهُ من حدود؟
نحن هل نحن في الوجود سوى
الجهل مصوغاً في صورة الإنسان؟
كلُّ ما في الأكوان يحكمنا ماذا
إذن سرُّ ذلك الطُغيانِ؟
فيم نطغى؟ وكيف ننسى قوى الكون
وما في الوجود أضعف منّا
ينخرُ الدودُ ما نَشيِدُ ولا تبقى
البراكين و الرياح علينا
فيم نقضي حياتنا في العداواتِ
و نُمضي السنين يأساًوحزنا؟
كيف ننسى أنّا نعيش حياة الورد
سرعان ما يموت و يفنى
لن تدوم الأيام لن يحفظ الدهرُ
كياناً لكائنٍ بَشَريِّ
فلندع هذه الضغائنَ و الأحقادَ
ولنحْيَ في الودادِ النقيِّ

سمر محمد
10-06-2010, 01:38 PM
شجرة القمر

على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ
وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ
وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ
وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ
هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ
إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ
ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ
ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ
وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ
وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ
وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ
ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ
وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ
يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ
ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ
وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ
وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ
على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ
وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا
أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى
وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ
خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ
وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ
وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ
وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ
وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ
وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ
ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ
وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما
على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما
... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ
وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ
وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ
بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ
وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ
أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?
وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ
وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ
وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ
وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"
"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"
"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"
ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"
فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"
"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"
"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"
"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"
"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"
"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"
"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"
"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"
"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"
ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ
فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ
وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ
ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ
وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ
ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"
وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ
إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ
وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ
وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ
وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ
ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ
وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"
فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"
وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ
ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"
وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ
فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ
وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ
ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ
ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ
وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ
ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ
ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور
وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?
ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?
وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ
وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?
ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ
تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ
وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ
ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?
وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ
بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ
وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ
وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ
تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ
فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!
فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ
وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ
جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ
وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ
ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ
وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ
وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?
ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?
وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ
عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?
أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ
وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?
أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?
وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?
أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها
سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها
لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ
وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي
وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ
يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ
يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ
يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ
ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ
ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ
وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ
يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ
وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ
فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!
هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ
تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ
هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ
جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ
رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ
وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ
وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ
وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ
وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ
لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ
وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ
فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ
فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ
سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?
وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ
جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ
ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون
حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون
وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ
وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ
وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ
وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ
يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ
وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ
وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ
يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ
على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاهـا الصَّنَوْبَـرْ
وغلّفهـا أفُـقٌ مُخْمـلـيٌّ وجــوٌّ مُعَنْـبَـر ْ
وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضـي المَسَـاءْ
وعنـد ينابيعهـا تستحـمّ نـجـومُ السَّـمَـاءْ
هنالـكَ كـان يعيـشُ غـلامٌ بعيـدُ الخـيـالْ
إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجـومِ ولـونَ الجبـالْ
ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسميـن الخَضِـلْ
ويملأ أفكـارَهُ مـن شَـذَى الزنبـقِ المُنْفعـلْ
وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكريـاتْ
وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَـدَى الأغنيـاتْ
وكانت خلاصـةُ أحلامِـهِ أن يصيـدَ القَمَـرْ
ويودعَهُ قفصًـا مـن نـدًى وشـذًى وزَهَـرْ
وكان يقضِّي المساءَ يحـوك الشبـاكَ ويَحْلُـمْ
يوسّـدُهُ عُشُـبٌ بـاردٌ عنـد نبـع مغمـغِـمْ
ويسْهَرُ يرمُـقُ وادي المسـاء ووجْـهَ القَمَـرْ
وقـد عكستْـهُ ميـاهُ غديـرٍ بَـرُودٍ عَـطِـرْ
وما كان يغفـو إذا لـم يَمُـرّ الضيـاءُ اللذيـذ
علـى شَفَتيـهِ ويسقيـهِ إغمـاءَ كـأسِ نبيـذْ
وما كـان يشـربُ مـن منبـع المـاء إلاّ إذا
أراق الهلالُ عليـه غلائـلَ سكـرى الشَّـذَى
وفي ذات صيفٍ تسلّـل هـذا الغـلامُ مسـاءْ
خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدمـاءْ
وسـار وئيـدًا وئيـدًا إلـى قمَّـةٍ شاهـقـهْ
وخبّـأ هيكلَـهُ فـي حِمَـى دَوْحـةٍ باسـقـهْ
وراح يعُـدّ الثوانـي بقلـبٍ يــدُقّ يــدُقّ
وينتظرُ القَمَرَ العـذْبَ والليـلُ نشـوانُ طَلْـقُ
وفي لحظةٍ رَفَـعَ الشَّـرْقُ أستـارَهُ المُعْتمـهْ
ولاحَ الجبيـنُ اللجينـيّ والفتـنـةُ المُلْهِـمـهْ
وكـان قريبًـا ولـم يَـرَ صيّادَنـا الباسـمـا
على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْـقَ الدُّجَـى حالمـا
... وطوّقَهُ العاشـقُ الجبلـيّ ومـسّ جبينَـهْ
وقبّـلَ أهْدابَـهُ الذائبـاتِ شــذًى وليـونـهْ
وعاد به: ببحـارِ الضِّيـاءِ, بكـأس النعومـهْ
بتلك الشفاهِ التي شَغَلـتْ كـل رؤيـا قديمـهْ
وأخفـاه فـي كُوخـه لا يَمَـلّ إليـه النَّظَـرْ
أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صـاد.. صـادَ القَمـرْ?
وأرقَـدَه فـي مـهـادٍ عبيـريّـةِ الـرّوْنـقِ
وكلّـلَـهُ بالأغـانـي, بعيْنـيـهِ, بالزّنْـبـقِ
وفي القريةِ الجبليّـةِ, فـي حَلَقـات السّمَـرْ
وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أيـن القمـر?!"
"وأيـن أشعّتُـهُ المُخْمليّـةُ فــي مَرْجـنـا?"
"وأيـن غلائلُـهُ السُّحُبيّـة فــي حقلـنـا?"
ونادت صبايا الجبالِ جميعًـا "نُريـدُ القَمَـرْ!"
فـردّدتِ القُنَـنُ السامقـاتُ: "نُريـدُ القَمَـرْ"
"مُسامِرُنا الذهبـيّ وساقـي صـدى زَهْرنـا"
"وساكبُ عطر السنابِل والـورد فـي شَعْرنـا"
"مُقَبّلُ كلّ الجِـراح وساقـي شفـاه الـورودْ"
"وناقلُ شوقِ الفَـرَاشِ لينبـوعِ مـاءٍ بَـرودْ"
"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْـمٍ بعيـدِ القَـرَارْ"
"ويُنْمـي جدائلَنـا ويُريـقُ عليهـا النُّضَـارْ"
"ومن أيـنَ تبـرُدُ أهدابُنـا إن فَقَدْنـا القَمَـر?"
"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَـن يغـذّي السّمَـرْ?"
ولحنُ الرعـاةِ تـردّدَ فـي وحشـةٍ مضنيـهْ
فضجّتْ برَجْـعِ النشيـدِ العرائـشُ والأوديـهْ
وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُـنُ ذاكَ الغُـلامْ
ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطـرامْ
وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فـوق المَرَاقـي حَجَـرْ
ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريـدُ القَمَـرْ"
وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبـالِ وطـارْ
إلى عَرَبـاتِ النجـومِ وحيـثُ ينـامُ النّهَـارْ
وأشرَبَ من نـارِهِ كـلّ كـأسٍ لزهـرةِ فُـلِّ
وأيقَـظَ كـلّ عبيـرٍ غريـبٍ وقَطْـرةِ طـلِّ
وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صـوتَ احتجـاجْ
تـرددَ عنـد عريـش الغـلامِ وراء السيـاجْ
وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْـت القَمَـرْ?"
فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأيـنَ خَبَـأْتَ القَمَـرْ?"
وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحـوكْ
ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْـرُخُ: "لـن يأخـذوك?"
وكان هُتَـافُ الرّعـاةِ يشُـقّ إليـهِ السكـونْ
فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنـونْ
وراح يغنّـي لملهِمـه فـي جَـوًى وانْفعـالْ
ويخلـطُ بالدَّمْـع والملـح ترنيمَـهُ للجـمـالْ
ولكنّ صوتَ الجماهيـرِ زادَ جُنونًـا وثـورهْ
وعاد يقلِّبُ حُلْـمَ الغـلامِ علـى حـدِّ شفـرهْ
ويهبطُ في سَمْعه كالرّصـاص ثقيـلَ المـرورْ
ويهـدمُ مـا شيّدتْـهُ خيالاتُـهُ مـن قصـور
وأين سيهـرُبُ? أيـن يخبّـئ هـذا الجبيـنْ?
ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائديـن?
وفـي أيّ شـيء يلـفّ أشعَّتَـهُ يـا سَـمَـاءْ
وأضـواؤه تتحـدّى المخابـئَ فـي كبريـاءْ?
ومـرّتْ دقائـقُ منفعِـلاتٌ وقلـبُ الـغُـلامْ
تمزِّقُـهُ مُدْيـةُ الشـكِّ فـي حَيْـرةٍ وظـلامْ
وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّـرَى فـي ضَجَـرْ
ليدفِنَ هذا الأسيـرَ الجميـلَ, وأيـنَ المفـرْ?
وراحَ يودِّعُـهُ فـي اختنـاقٍ ويغسِـلُ لونـهْ
بأدمعِـه ويصُـبّ علـى حظِّـهِ ألـفَ لعنَـهْ
وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هـدْمَ الجـدارْ
وتحطيمَ بوّابـةِ الكـوخ فـي تَعَـبٍ وانبهـارْ
تدفّـقَ تيّارهـم فـي هيـاجٍ عنيـفٍ ونقمـهْ
فماذا رأوا? أيّ يـأسٍ عميـق وأيّـة صَدْمَـهْ!
فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَـمْ
وأمّا الغُـلامُ فقـد نـام مستَغْرَقًـا فـي حُلُـمْ
جدائلُـهُ الشُّقْـرُ مُنْسـدلاتٌ عـلـى كَتِفَـيـهِ
وطيـفُ ابتسـامٍ تلكّـأ يَحلُـمُ فـي شفتـيـهِ
ووجـهٌ كـأنَّ أبولـونَ شرّبَـهُ بالـوضـاءهْ
وإغفاءةٌ هي سـرّ الصَّفـاءِ ومعنـى البـراءهْ
وحار الرُّعاةُ أيسـرقُ هـذا البـريءُ القَمَـرْ?
ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثـمّ... أيـنَ القَمَـرْ?
وعادوا حَيارى لأكواخهـم يسألـونَ الظـلامْ
عـن القَمَـر العبقـريّ أتـاهَ وراءَ الغـمـامْ?
أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْـهُ خلـفَ الغيـومْ
وراحـتْ تكسّـرُهُ لتغـذّي ضيـاءَ النجـومْ?
أمِ ابتلـعَ البحـرُ جبهتَـهُ البضّـةَ الزنبقيّـهْ?
وأخفاهُ في قلعـةٍ مـن لآلـئ بيـضٍ نقيّـهْ?
أم الريحُ لم يُبْـقِ طـولُ التنقّـلِ مـن خُفِّهـا
سـوى مِـزَقٍ خَلِقـاتٍ فأخفتْـهُ فـي كهفهـا
لتَصْنَـعَ خُفّيـنِ مـن جِلْـدِهِ اللّيـن اللَّبَـنـيّ
وأشرطـةً مـن سَنـاهُ لهيكلـهـا الزنبـقـي
وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَـى قمـريّ البـرُودْ
يـتـوّجُ جَبْهَـتَـهُ الغَسَقـيَّـةَ عِـقْـدُ ورُودْ
يجوبُ الفضاءَ وفي كفّـه دورقٌ مـن جَمـالْ
يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فـوق الجبـالْ
ومـرَّ علـى طَرَفَـيْ قدمَيْـه بكـوخ الغُـلامْ
ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْـرَ النَّـدى والسَّـلامْ
وراح يسيـرُ لينجـز أعمالَـهُ فـي السُُّفُـوحْ
يـوزِّعُ ألوانَـهُ ويُشِيـعُ الرِّضـا والوضـوحْ
وهبَّ الغلامُ مِنَ النـوم منتعشًـا فـي انتشـاءْ
فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!
هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّـةِ, حيـثُ الصبـاحْ
تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيـرَ عُشْـبٍ رَعَتْـهُ الريـاحْ
هنالكَ كانت تقومُ وتمتـدّ فـي الجـوِّ سِـدْرَهْ
جدائلُها كُسِيَتْ خُضْـرةً خِصْبـةَ اللـون ِثَـرَّهْ
رعاها المساءُ وغـذَّت شذاهـا شِفـاه القَمَـرْ
وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِـرْ
وأشربَ أغصانَهـا الناعمـاتِ رحيـقَ شَـذَاهُ
وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِـرَتْ مـن سَنـاهُ
وأثمارهـا? أيّ لـونٍ غريـبٍ وأيّ ابتـكـارْ
لقد حار فيها ضيـاءُ النجـومِ وغـارَ النّهـارْ
وجُنّـتْ بهـا الشَّجَـراتُ المقلِّـدَةُ الجـامِـدَهْ
فمنذ عصـورٍ وأثمارُهـا لـم تَـزَلْ واحـدهْ
فمن أيِّ أرضٍ خياليَّـةٍ رَضَعَـتْ? أيّ تُرْبـهْ
سقتْها الجمالَ المفضَّـضَ? أي ينابيـعَ عذْبَـهْ?
وأيـةُ معجـزةٍ لـم يصِلْهـا خَيـالُ الشَّجَـرْ
جميعًا? فمن كلّ غُصْـنٍ طـريٍّ تَدَلَّـى قَمَـرْ
ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكـرون
حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقـريِّ الجُنـون
وحتى الجبالُ طـوتْ سـرّه وتناسـتْ خطـاهُ
وأقـمـارَهُ وأناشـيـدَهُ وانـدفـاعَ مُـنــاهُ
وكيف أعادَ لأهـلِ القُـرى الوالهيـن القَمَـرْ
وأطلَقَهُ فـي السَّمـاءِ كمـا كـانَ دونَ مقـرْ
يجوبُ الفضاءَ ويَنْثـرُ فيـه النَّـدَى والبُـرودهْ
وشِبْهَ ضَبـابٍ تحـدّر مـن أمسيـاتٍ بعيـدهْ
وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر فـي عمْـق كهـفِ
يؤكّـدُ أنَّ الغـلامَ وقصّتَـهُ حُـلْـمُ صـيـفِ

سمر محمد
10-06-2010, 02:32 PM
سوسنة إسمها القدس

اذا نحن مُتنا وحاسبنا اللهُ:
قال: ألم أعطكم موطنا؟
أما كنت رقرقتُ فيه المياه مرايا؟
وحليته بالكواكب؟ زينتُهُ بالصبايا؟
وعرشت فيه العناقيد ، بعثرت فيه الثمر؟
ولونت حتى الحجر؟
اما كنتُ انهضت فيه الذُرى والجبال؟
فرشت الظلال؟
وغلفتُ وديانهُ بالشجر؟
أما كنتُ فجرتُ فيه الينابيع، كللتُهُ سوسنا؟
سكبتُ التآلق والاخضرار على المنحنى؟
جعلتُ الثرى عابقاً ليناً؟
أما كنت ضوأت بالأنجم المُنحدر؟
وفي ظلماتٍ لياليكمو ، أما قد زرعتُ القمر؟
فماذا صنعتم به؟ بالروابي؟ بذاك الجنى ؟
بما فيه من سكرٍ وسنا ؟
سيسألنا اللهُ يوماً ، فماذا نقولُ؟
نعم ! قد مُنحنا الذُرى السواقي ومجد التلول
وهُدب النجوم ، وشعر الحقول
ولكننا لم نصُنها
ولم ندفع الريح والموت عنها
فباتت كزنبقةٍ في هدير السيول
نعم ! ودفعنا بأقمارها للأفول
وقامر جُهالنا بالضحى
بالربى
بالسهول
بسوسنةٍ اسمها القدسُ ، نامت على ساقية
الى جانب الرابية
وتُمطر فيها السماءُ خُشُوعاً ، تُصلي الفصول
ويركعُ سُنبلها، تتهجدُ فيها الحقول
وعبر مساجدها العنبرية أسرى الرسول
فماذا صنعنا بوردتنا الناصعة؟
الهي تعلم أنت ، ونعلمُ، ماذا صنعنا
بوردتنا ، قد نزعنا، نزهنا
وُريقاتها ودلقنا شذاها الخجول
وهبنا صباها لأذرع عول
لأشداع عقربةٍ جائعة
فكيف اليها الوصول؟
ونخشى غداّ ان يجيء الضبابُ
وليلُ الضباب يطول
ويفصل ما بين أقدامنا والوصول
وقد تتمطى عصور الضباب بنا ، وتزول
كواكبُنا ثم تأتي السيول
وتجرف شتلاتنا، وتطول
ظلالُ الكآبةْ تغرقُ في غمرات الذُهُول
وتأتي الرياح وتمسحُ جنتنا الضائعة
وتخبو امانينا ، وأمتداداتها الشاسعة
ويطوي الذبول
سنابلنا رب عفوك ، ماذا نقول
وفي عتباتك كيف تُرى سيكون المثول؟
فأنت منحت الجناح الطليق ، ونحن اخترعنا القيود
وهبت لنا القُدس ، ونحنُ
دفعنا بها لليهود..

سمر محمد
10-06-2010, 02:34 PM
أقوى من القبر

صوت أمي أتى دافئاً كأريج التراب
في مروج فلسطين، صوت أنسياب
لجداول مغمي عليها من العطر. صوتُ
انسكاب
لرحيق كواكب فجرية بيضاء
بضة الاشذاء
* * *
كل يوم تموتين في القُدس، كل صباح
يقتلونك، تنقل أخبار موتك سودُ الرياح
تسقطين شهيدة
في الشعاب القريبة والطُرقات البعيده
ترقدين مُخضبة بدماء العقيدة
تقعين بنابلس مُثخنة بالجراح
وتهيمين ظمأى شريده
في دروب الظلام وحيده
تسكنين جراح القصيدة
فالخيامُ البريئة يُقصف سكانُها وتُباح
والجراحُ التي نشفت حفرتها جراح
والدموعُ القديمةُ تغسلُها
كل يومٍ دموعٌ جديده
خسيء الدمعُ، ان الخيام عنيده
وأماني العدو بليدة
والنجوم بعيدة
* * *
كثُر القتل يا أمي
وتعدد موتُك حين رأيت حمانا
يُستباح ونُرمى ولا نرمي
والعدو يصادر حتى تسابيحنا وكرانا
وطفولتنا ودُمانا
ويعشش ملء بساتيننا وقُرانا
يسكن منا مزق الدم والعظمِ
وترين عدوكِ يا أمي
يتبادل أرضكِ، أرض الجدودِ، هدايا
وله النصر في كل حربٍ، ونحن الضحايا
والمآذنُ والعتباتُ تُساق سبايا
والقرآئينُ حول نحور الصبايا
يقطعون سلاسلها بالسكاكين يا أمي
وتثورين في القبر يا أمي
تستحيلين جُرحاً ينابيعُهُ القانية
تصبغُ الحُلم والموت، أمطارُهُ تهمي
وقصائُدك الدامية
ملحُها يُشعل الحزن والنار في عظمي
وأحسُ لظى غليانك في جسمي
وأضيع كياني وأغنيتي وأسمي
* * *
وأحسُكِ، أمي، في قبرك العربي الحزين
تدفعين الردى في عنادٍ، وتنتصبين
يستحيل تُرابُك عاصفةً، يُصبحُ الياسمين
فوق قبرك لغماً يُقاتل
وعظامُك تُصبح تكبيرة وقنابل
وقصائُدكِ المُحرقات تهز كرى الحالمين
تنهضين من القبر غاضبةً تنهضين
من دمائك ينطلق الصاروخ وتنتفض السكين
من شفاهكِ تنمو المروجُ، وتعلو السنابِل،
وعلى رجع شعركٍ يورق غُصن الجليل
تنهض القُدسُ، تزحف أنهارُنا، يستحيل
صمتنا خنجراً، مدفعاً، ويصيرُ النخيل
لهباً زاحفا ويُقاتل
وتُحاربُ أعداءنا شُرفاتُ المنازل
والشبابيك،
والبحر،
والمُنحنى، والمناجل
ويحاربُ حتى النسيم البليل
وعلى رجع شعرك ينهض كل قتيل
يتحدى صواريخهم، يتحدى المقاصل
وعلى رجع شعرك سوف تسيلُ الجداول
وتحن الحقول لوقع المعاول
ويصير الظلام نهار مشاعل
آهِ، أمي، وتستقبلين
يوم نصرْ، وخضبٍ وضيء الجبين
عربي الجدائل
عربي الجدائل..
المنزل..

سمر محمد
10-06-2010, 02:36 PM
في جبال الشمال

عُدْ بنا يا قطار ْ
فالظلام رهيبٌ هنا والسكونُ ثقيلْ
عُدْ بنا فالمدَى شاسعٌ والطريقُ طويل
والليالي قِصارْ
عدْ بنا فالرياحُ تنوحُ وراءَ الظلالْ
وعُواءُ الذئابِ وراءَ الجبالْ
كصراخِ الأسى في قلوبِ البشرْ
عُدْ بنا فعلى المنحدَرْ
شَبحٌ مكفهرٌّ حزينْ
تركتْ قَدَماهُ على كلِّ فجرٍ أثرْ
كلُّ فجرٍ تقضّى هنا بالأسى والحنين
شَبحُ الغربةِ القاتلهْ
في جبال الشّمالِ الحزينْ
شبحُ الوَحدةِ القاتلهْ
في الشمالِ الحزينْ
عد بنا قد سئمنا الطَّوَافْ
في سُفُوحِ الجبال وعُدْنا نخافْ
أن تطولَ ليالي الغيابْ
ويغطي عُوَاءُ الذئابْ
صوتنا ويعزُّ علينا الإيابْ
عُدْ بنا للجنوبْ
فهناكَ وراءَ الجبالِ قلوبْ
عدْ بنا للذينَ تركناهُم في الضبابْ
كلُّ كفٍّ تلوِّحُ في لهفةٍ واكتئابْ
كل كفٍّ فؤاد
عدْ بنا يا قطارُ, سئمنا الطَّوَافَ وطالَ البعادْ
وهنالكَ همسٌ عميقْ
لاثغٌ خلفَ كلِّ طريق
في شعابِ الجبالِ الضِّخامْ
ووراءَ الغمامْ
في ارتعاشِ الصَّنَوْبرِ, في القريةِ الشاحبهْ,
في عُوَاءِ ابن آوى, وفي الأنجمِ الغاربهْ,
في المراعي هنالكَ صوتٌ شَرُودْ
هامسٌ أن نعودْ
فهناكَ بيوتٌ أُخَر
ومراعٍ أخرْ
وقلوبٌ أخرْ
وهناكَ عيونٌ أبَت أن تنامْ
وأكفٌّ تضمُّ الدُّجَى في اضطرامْ
وشفاهٌ ترددُ أسماءنا في الظلامْ
وقلوبٌ تُصيخُ لأقدامنا في وُجومْ
وتنادي النجومْ
في أسًى وسكونْ:
"ومتى يا نجومُ سيذكرنا الهاربونْ?"
"ومتى يَرْجعونْ?"
لحظةً, سنعودْ
لن يرانا الدُّجَى ها هنا, سنعودْ
سنعودُ, سنطوي الجبالْ
ورُكَامَ التلالْ
لن ترانا ليالي الشمالْ
ها هنا من جديدْ
لن يحسَّ الفضاءُ المديد
نارَ آهاتِنا في المساءِ الرهيبْ
في سكونِ المساءِ الرهيبْ
**
عُدْ بنا يا قطارَ الشمالْ
فهناكَ وراءَ الجبالْ
الوجوهُ الرقاقُ التي حجَبَتها الليالْ
عُدْ بنا, عُد إلى الأذرُعِ الحانيهْ
في ظلالِ النخيلْ
حيثُ أيامُنا الماضيهْ
في انتظارٍ طويلْ
وقفتْ في انتظار
تتحرى رجوعَ القطارْ
لتسير مع السائرينْ
حيثُ أيامُنا تسألُ العابرينْ
واحدًا, واحدًا, في حنينْ
"ومتى عودةُ الهاربينْ?"
**
لنعُدْ فهناكَ نشيد قديمْ
حولَنا هامسٌ بالرُّجوعْ
ما أحبَّ الرجوعْ
بعد هذا الطوَاف الأليمْ
في جديبِ الشِّعابْ
حيث تَعْوي الذئاب
لنعدْ, فالدُّجَى بارد كالجليدْ
وهنالكَ خلفَ الفضاءِ البعيدْ
أذرعٌ دافئهْ
لنعدْ فالجبالُ تكشِّرُ عن ليلها المظلمِ
وهنالكَ خلفَ الدُّجَى المبهَمِ
صوتُ أحبابنا, في الظلامِ السحيقْ
نابضًا بالحنينِ العميقْ
صوتُهم مُثقلاً بالعتابْ
صوتُهم ردّدته الشِّعابْ
صوتُهُم في سكون المكانْ
دائرٌ كالزمانْ
لنعُدْ قبلَ أن يقضيَ الأفعوانْ
بفراقٍ طويلٍ, طويلْ
عن ظلالِ النخيلْ
عن أعزائنا خلفَ صمتِ القفارْ
عدْ بنا يا قطارْ
فالليالي قصار
وهنالكَ أحبابُنا في أسًى وانتظارْ

سمر محمد
10-06-2010, 02:38 PM
جامعة الظلال

أخيرًا لمستُ الحياهْ
وأدركتُ ما هي أيُّ فراغٍ ثَقيلْ
أخيرًا تبيّنتُ سرَّ الفقاقيعِ واخيبتاهْ
وأدركتُ أني أضعتُ زمانًا طويلْ
ألُمُّ الظلالَ وأخبِطُ في عَتْمة المستحيلْ
ألمُّ الظلالَ ولا شيءَ غير الظِلالْ
ومرَّتْ عليَّ الليالْ
وها أنا أُدْركُ أني لمستُ الحياهْ
وإن كنت أصرُخُ واخيبتاهْ!
ومرَّ عليَّ زمانٌ بطيءُ العُبورْ
دقائقُهُ تتمطّى مَلالاً كأنَّ العُصورْ
هنالكَ تغفو وتنسى مواكبُها أن تدورْ
زمانٌ شديدُ السواد, ولونُ النجومْ
يذكّرُني بعيونِ الذئابْ
وضوءٌ صغيرٌ يلوحُ وراءَ الغُيومْ
عرفتُ به في النهايةِ لونَ السَّرابْ
ووهمَ الحياهْ
فواخيبتاهْ
أهذا إذن هو ما لقّبوهُ الحياهْ?
خُطوطٌ نظَلُّ نخطِّطُها فوقَ وجهِ المياهْ?
وأصداءُ أغنيةٍ فظّةٍ لا تَمَسُّ الشِّفاهْ?
وهذا إذنْ هو سرُّ الوجودْ?
ليالٍ ممزّقةٌ لا تعودْ?
وآثارُ أقدامِنا في طريقِ الزمان الأصَمْ
تمرُّ عليها يدُ العاصفهْ
فتمسحُها دونما عاطفهْ
وتُسْلمُها للعَدَمْ
ونحنُ ضحايا هنا
تجوعُ وتعطشُ أرواحُنا الحائرهْ
ونحسَبُ أَن المنى
ستملأ يومًا مشاعرَنا العاصرهْ
ونجهلُ أَنَّا ندورْ
مع الوَهْم في حَلَقاتْ
نجزِّئُ أيامَنا الآفلاتْ
إلى ذكرياتْ
وننتظرُ الغَدَ خلفَ العُصورْ
ونجهلُ أَن القبور ْ
تمدُّ إلينا بأذرعِها الباردهْ
ونجهلُ أَنّ الستائرَ تُخفي يدًا ماردهْ
**
عرفتُ الحياةَ, وضِقتُ بجمع الظلالْ
وأضجرَني أن نجوبَ التلالْ
نحدّقُ في حَسرةٍ خلفَ رَكبِ الليالْ
تسيرُ بنا القافلهْ
نجوسُ الشوارعَ في وَحْدةٍ قاتلهْ
إلامَ يُخادعُنا المبهَمُ?
وكيفَ النهايةُ? لا أحدٌ يعلم
**
سنبقى نسيرْ
وأبقى أنا في ذُهولي الغريرْ
ألُمُّ الظلالَ كما كنتُ دونَ اهتمامْ
عيونٌ ولا لونَ, لا شيءَ إلاَّ الظلامْ
شفاهٌ تُريدُ ولا شيءَ يَقرَبُ مما تريدْ
وأيدٍ تُريدُ احتضانَ الفضاءِ المديدْ
وقلبٌ يريدُ النجومْ
فيصفعُهُ في الدياجيرِ صوتُ القَدُومْ
يُهيلُ الترابَ على آخر الميّتينْ
وأقصوصةٌ من يَرَاع السنينْ
تضجُّ بسمعي فأصرخ: آه!
أخيرًا عرفتُ الحياهْ
فواخيبتاهْ!

سمر محمد
10-06-2010, 02:42 PM
عيون الأموات
يا رفات الأموات في الأرض ماذا= رسم الموت فوق هذي العيون؟
أي رعب وحسرة وشكاة= أيّ معنى من الرجاء الحزين؟
كل عينين فيها صور تبـ =كي وترثي للعالم المغرور
كل عينين تسخران من العيـ =ش وتستهزآن بالمقدور
كل عينين تنظران إلى الآفا= ق بعيدا عن كل ما في الحياة
آه يا ربّ آه لو فهم الأحـ =ياء ماذا في أعين الأموات
يا فتاة الخيال حسبك شدوا= برثاء الموتى وحسبك حزنا
سوف يبقى الخصام والشرّ ما عا= ش الأناسيّ والأناشيد تفنى
هكذا شاءت المقادير للعا= لم إثم وشقوة وحروب
وهي النفس تحمل الشرّ والبغـ= ض فماذا يفيدها التهذيب
كم تّغنى بالسلم والحبّ والرحـ= مة من شاعر ومن فيلسوف
أسفا ضاعت الأغاني ولم تبـ= ق سوى ضّجة القتال العنيف
يا لهذا الكون المعذب في قيـ= د من الشر والأذى والأثام
كيف ينجو من الاسى ومتى يشـ =فى من الموجعات والآلام؟
كيف ينجو والطبع والقدر القا= سي يسوقانه إلى الأحزان؟
يا لقلب المسكين ليس له في= حومة الشرّ والشقاء يدان
كم أراد السموّ عن وهدة الشر= فحالت طباعه الآثمات
كم أراد النجاة من مخلب الغد= ر فعزت على مناه النجاة
ما الذي رامه المسيح لكي يجـ =زى بما كان ما الذي كان منه؟
أيها العالم الذي اقترف الذنـ= ب أما آن أن تكّفر عنه؟
أو لم يكفك الشقاء أما زلـ= ت مشوقا إلى حياة الدماء؟
جف نبع الدموع والدم يا كو= ن فهلا رثيت للأشقياء؟
لذ ببرج السماء من نشوة القتـ =ل ألا وليختم سجلّ الرزايا
وليكن من فقدت في هذه الحر =ب ختام الذين ماتوا ضحايا

سمر محمد
10-06-2010, 02:43 PM
القصر والكوخ
كلّ فجر أرى الرعاة يمرّو= ن فأبكي على حياة الرّعاة
في ثلوج الجبال أو لهب الشم= س يريقون مبهجات الحياة
ويمرّ القطيع بي فأرى الأغ =نام بين الذبّاح والسكّين
يا حياة افنسان لا فرحة في= ك إذا لم تصحب بدمع غبين
فكنوز الغني يجمعها الفلاّ =ح في عمره الشقي الكسير
ذلك الكادح المعّذب في القر= ية بين المحراث والناعور
كلّ صيف يسقي البساتين تحت الش= مس والقصر هاجع وسنان
فهو يلقي البذور والمترف الها= نىء يجني وتشهد الأحزان
يا ليالي الحصاد ماذا وراء ال= حقل والحاصدين من مأساة
شهد الكوخ أنه يحمل الحز= ن لتحظى القصور بالخيرات
كيف يجني الأزهار والقمح والأث= مار من لم يجرح يديه القدوم؟
ويموت الفلاح جوعا ليفترّ= لعيني رب القصور النعيم ؟
كيف هذا يا ربّ ؟ رفقا بنا رف= قا فقد غصّت الكؤوس دموعا
وطغت في الفضاء آهاتنا الحي= رى تغني رجاءنا المصروعا

سمر محمد
10-06-2010, 02:45 PM
ثلاث أغنيات عربية
-1-
الساعة
دقّت الساعة في أرض بلادي العربيّه
جلجلت , ضجّت , ودوّت ملء وديان قصيّه
غلغلت عبر بساتين النخيل العنبريّه
وتلوّت في صحاررسخت كالأبديّه
دقّت الساعة واهتزّت لها سمر الصحاري
وارتوت بيد عطاش لانبلاج , لانفجار
ورمال لم تزل منذ عصور في انتظار
فتحت أذرعها العطشى وألوت بالإسار
***
إحملي أغنية الصحو إلى خضر المروج
ووعودا مورقات عربيّات الأريج
نبضت بين المحيط المترامي والخليج
***
إثنتا عشرة من دقّاتها هزّت ربانا
غلغلت عبر صحارينا النشاوى وقرانا
وسمعناها تنادي وأفقنا من كرانا
***
-2-
اللصوص
ولصوص هناك كثار
أقبلوا من وراء البحار
***
يأخذون الثرى والهواء
***
يخنقون الأغاني الحنون
***
إنّهم يقطعون الطرق
-3-
النسر المطعون
حيث النخيل السامق المزدهي
وحيث أغنيات أنهارنا
هناك ألقى طائر ظلّه
***
في كبرياء الريش تحيا ذرى
أقام فوق الأرض لا يرتقي
واللانهايات تنادي وفي
في قلبه النابض قد أغمدوا
من صدره الحرّ يغذّي الثرى
يا رمح اسرائيل مهما ارتوى
-3-
النسر المطعون
حيث النخيل السامق المزدهي
حيث الينابيع وكاساتها
وحيث أغنيات أنهارنا
هناك ألقى طائر ظلّه
***
جنحاه مبسوطان فوق المدى
في كبرياء الريش تحيا ذرى
أقام فوق الأرض لا يرتقي
واللانهايات تنادي وفي
***
في قلبه النابض قد أغمدوا
من صدره الحرّ يغذّي الثرى
يا رمح اسرائيل مهما ارتوى
يبقى ثرانا عربيّ الشذى
***
يافا وحيفا في غد نلتقي
تبقى فلسطين لنا نغمة
ونسرنا الشامخ لن ينثني
غدا فلسطين لنا كلّها

سمر محمد
10-06-2010, 02:46 PM
المدينة التي غرقت
وراء السداد التي ضمّدوا جرحها بالحصير
وخلف صفوف الصرائف حيث يعيش الهجير
يسير طريق تدثّر بالطين نحو المدينه
وأطلاها حيث بات يعيش اصفرار السكينه
***
وكانت تجيش وتزخر ساحاتاتها بالحياة
***
وكانت تهشّ وتضحك للشمس كلّ صباح
***
وكانت منازلها المرحات تلاقي القمر
بضحك نوافذها فاستكانت وصاح القدر
وجاء الخراب ومدّد رجليه في أرضها
وأبصر كيف تنوح البيوت على بعضها
***
لسقف هوى وتداعى وشرفة حبّ صغيره
***
وأرسل عينيه في نشوة يرمق الأبنيه
***
وجاء الخراب وسار بهيكله الأسود
ذراعاه تطوي وتمسح حتى وعود الغد
واسنانه الصفر تقضم بابا وتمضغ شرفه
وأقدامه تطأ الورد والعشب من دون رأفه
***
وسار يرشّ الردى والتأكّل ملء المدينه
يخرّب حيث يحلّ وينشر فيها العفونه
***
يهبّ الخراب ويضحك نشوان بين الحفر
***
ويرسل ضحكته العصبّية ملء الفضاء
***
وتنمو الخشونة حيث يلامس وجه التراب
وتنبت أقدامه طحلبا لزجا وذباب
ويأتي الصباح ويختبىء في مكمن
وتخفيه مستنقعات فساح عن الأعين
***
وماذا تبقّى سوى الموت والملح في كأسها ؟
ويرسل ضحكته العصبّية ملء الفضاء
فتنفر منه النجوم ويثقل مسّ الهواء
***
وتنمو الخشونة حيث يلامس وجه التراب
وتنبت أقدامه طحلبا لزجا وذباب
***
ويأتي الصباح ويختبىء في مكمن
وتخفيه مستنقعات فساح عن الأعين
***
وتصحو المدينة ظمأى وتبحث عن أمسها
وماذا تبقّى سوى الموت والملح في كأسها ؟

سمر محمد
10-06-2010, 02:48 PM
الشخص الثاني

لو جئت غدا وعبرت حدود الأمس إلى غدي الموعود
وشدا فرحا بمجيئك حتى المعبر والباب المسدود
ولقيتك أبحث فيك عن المتبقّي من أمسي الفقود
لو جئت ولم أجد الماثل في ألحاني
وأطلّ على روحي منك الشخص الثاني
الشخص الثاني , من أعماق شهور التيه المطموره
حاكته دقائق تلك الأيّام الجانية المغروره
وترّسب في عينيه تثاقلها ورؤاها المذعمره
وسأبحث فيك عن الماضي في اطمئنان
فيفاجىء لهفتي الحرّى الشخص الثاني
***
ومكان الواحد في عينيك المرهفتين أحس اثنين
ويقابلني الشخصان معا وسدى أرجو فصل الضدّين
وسأسأل عمّا خلّفه لي عامان
من وجهك , والردّ جبين الشخص الثاني
***
وسيسكن هذا الشخص الثاني الأحمق حتى في البسمات
وسيرمقني في خبث , مختبئا حتى خلف الكلمات
ولمن أشكو هذا المخلوق الشيطاني
والأول فيك محته يد الشخص الثاني ؟
عندما قتلت حبي
وأبغضتك لم يبق سوى مقتي أناجيه
وأسمعه صراخ الحقد في أغنية جهمه
وأبغضت اسمك الملعون والأصداء والظلاّ
وتلك الذكريات الخشنة الممقوتة الفظّه
هوت وتأكّلت وثوت مع الآباد في لحظه
وعدت قصيدة فجرية جذلى
وقلت الأمس ما عاد سوى لفظه
***
وتمّ النصر لي وهويت تمثالا إلى الهوّه
وراح الرفش في كفّي يشقّ الأرض في نهم
فلامس في الثرى جسدا رهيبا بارد القدم
ورحت أجرّه للضوء مزهوّه
فمن كان ؟
بقايا جثّة الندم
***
وكان الليل مرآة فأبصرت بها كرهي
وكنت قتلتك الساعة في ليلي وفي كأسي
وكنت أشيّع المقتول في بطء إلى الرمس
فأدركت ولون اليأس في وجهي
بأني قطّ لم أقتل سوى نفسي
فلامس في الثرى جسدا رهيبا بارد القدم
ورحت أجرّه للضوء مزهوّه
فمن كان ؟
بقايا جثّة الندم
***
وكان الليل مرآة فأبصرت بها كرهي
وأمسي الميت لكني لم أعثر على كنهي
وكنت قتلتك الساعة في ليلي وفي كأسي
وكنت أشيّع المقتول في بطء إلى الرمس
فأدركت ولون اليأس في وجهي
بأني قطّ لم أقتل سوى نفسي

سمر محمد
10-06-2010, 02:49 PM
الهاربون

إلام نجوب سحيق البلاد ؟
يعيث السراب بنا
تناولنا وهدة لوهاد
ويخدعنا المنحنى
***
وفيم أتينا ؟ يسائلنا البحر : ماذا نريد ؟
وتلحقنا عربات الرياح وتبقى تعيد
تعيد السؤال
ولا ردّ إلا خطوط الملال
على صمت أوجهنا في الليالي الطوال
نفرّ وتدركنا من جديد
***
ويسألنا الأفق أين نسافر ؟ أين نسير ؟
ومن أيّ شيء هربنا ؟ وفيم ؟ لأي مصير ؟
وفي صمتنا
قلوب تدقّ , ووقع المنى
على يأسنا فرح لا يطاق فهيّا بنا
لنبحث عن جرح حزن صغير
***
وفي سيرنا نسمع الليل يسخر من سرّنا
يلاحقنا بالظلام ويغري الرياح بنا
يقول الطريق
لماذا نجوب الوجود السحيق
يلاحقنا أمسنا ورؤانا ووجه صديق
وحتام نهرب من ظلّنا ؟
***
وفي سيرنا في الدياجير نبصر هزء القمر
ويغضبنا في سناه البرود , وبعض الشجر
يسدّ السبيل
علينا , ويسخر منّا الأصيل
وينبئنا أنّنا الباحثون عن المستحيل
وأنّا , برغم منانا , بشر
***
ونسمع من جنبات المسالك ذات مساء
صدى هامسا في الدجى أنّنا.. أنّنا جبناء
نخاف الأصيل
ونرحل لا رغبة في الرحيل
ولكن نهرب من ذاتنا , من صراع طويل
ومن أنّنا لم نزل غرباء
***
وها نحن , حيث بدأنا , نجوب الظلام الفظيع
شتاء يموت , وأسئلة لم يجبها ربيع
حيارى العيون
يسائلنا غدنا من نكون ؟
ويتركنا أمسنا المنطوي في ضباب القرون
فيا ليل , يا بحر , أين نضيع ؟

سمر محمد
10-06-2010, 02:52 PM
حصاد المصادفات
حينما يرقد الهوى ميّتا فو =ق تراب الأيّام والأعوام
وتعود الذكرى صدى جامد الوقـ= ـع لعهد مغلّف بالظلام
وتوت الألوان في المقل الجد =باء في حسرة وفي استسلام
ويذيع الفراغ أغنية الجد =ب وتطغى الفوضى على الأنغام
***
حينما يصبح الهوى قصّة كا =نت ومرّت بالكون منذ عصور
عشّش الصمت في خرائبها النكـ =ـراء خلف الخيال والتفكير
وطوى نبضها البرود الـ =ـمرّ في كلّ شهقة وشعور
وخمود الفراغ لفّ صداها =بجمود الموتى وصمت القبور
***
وتحسّ العيون أنّ عيونا =مات فيها المعنى وعادت رمادا
لم تعد في أهدابها خلجة تسـ =ـتصرخ الشوق والصدى والسهادا
ضاع في جوّها النداء وردّت =آهة في السكون تنعى المنادى
وارتمت في أنحائها رغبات الـ =أمس والذكريات عادت جمادا
***
عندما ينطوي النداء وتمحى =كلمات النجوى وتطوى الأماني
وتحسّ القلوب أنّ قلوبا =بردت في أصابع النسيان
عنكبوت الجمود شبّك فيها =عشّه والسكون لفّ الأغاني
وغبار السنين جرّ على الأشـ =ـواق ستر اللاّلون واللاّكيان
***
ربّما يلتقي هنالك طيفا =ن من الأمس في شعاب طريق
يعبران الحياة قد ضيّعا ممـ =ـلكة الحبّ في الزمان السحيق
في برود يمرّ كلّ على الآ =خر خابي العيون ميت العروق
لا شعور يلوح في اعين صمّـ =ـاء غرقى في لجّ صمت عميق
***
من حصاد المصادفات يمرّا =ن كنجمين في امتداد الفضاء
ربّما لخّصا غرامهما الما =ضي بشبه ابتسامة جدباء
ربّما ألقيا التحيّة لا عمـ =ـق لها , في برودة الغرباء
ثم ّ سارا كأنّما لم تكن يو =ما حياة عطشى وراء الدّماء

سمر محمد
10-06-2010, 02:53 PM
عاشقة الليل

ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ
جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ
هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شُهد الوادي سُـــرَاها
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا
جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ ، والصَمْتُ فُتُونُ
فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ
إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ
هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ
ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسماءِ ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء ؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ
عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سـرُّ الذُهُولِ ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ ؟
مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ

سمر محمد
10-06-2010, 02:56 PM
صلاة الأشباح

تململت الساعةُ البارده
على البرج, في الظلمة الخامدهْ
ومدّتْ يدا من نُحاسْ
يدًا كالأساطير بوذا يحرّكُها في احتراسْ
يدَ الرَّجل المنتصبْ
على ساعة البرج, في صمته السرمديّ
يحدّقُ في وجْمة المكتئبْ
وتقذفُ عيناهُ سيلَ الظلامِ الدَّجِيّ
على القلعة الراقدهْ
على الميّتين الذينَ عيونُهُمُ لا تموت
تظَلّ تحدَّقُ, ينطقُ فيها السكوتْ
وقالتْ يد الرَّجُلِ المنتصِب:
"صلاةٌ, صلاهْ!"
ودبّتْ حياهْ
هناكَ على البُرْج, في الحَرَس المُتْعَبينْ
فساروا يجرّونَ فوق الثَّرَى في أناهْ
ظلالَهُمُ الحانيات التي عَقَفَتْها السنينْ
ظلالَهُمُ في الظلام العميقِ الحزينْ
وعادتْ يدُ الرجل المنتصِبْ
تُشير: "صلاةٌ, صلاهْ!"
فيمتزجُ الصوتُ بالضجّة الداويهْ,
صدى موكبِ الحَرَسِ المقتربْ
يدُقّ على كلّ بابٍ ويصرخُ بالنائمينْ
فيبرُزُ من كلّ بابٍ شَبَحْ
هزيلٌ شَحِبْ,
يَجُرّ رَمَادَ السنينْ,
يكاد الدُّجى ينتحبْ
على وَجْهِهِ الجُمْجُمِيّ الحزينْ
وسار هنالكَ موكبُهُمْ في سُكونْ
يدبّونَ في الطُّرقاتِ الغريبةِ, لا يُدْركونْ
لماذا يسيرونَ? ماذا عسى أن يكونْ?
تلوَّتْ حوالَيْهمُ ظُلُماتُ الدروبْ
أفاعيَ زاحفةً ونُيُوبْ
وساروا يجرّون أسرارَهُمْ في شُحُوب
وتهمسُ أصواتهم بنشيدٍ رهيبْ,
نشيدِ الذينَ عيونُهُمُ لا تموتْ,
نشيد لذاك الإلهِ العجيبْ
وأغنيةٌ ليد الرَّجُلِ المنتصبْ
على البرج كالعنكبوتْ
يدٌ من نحاسْ
يحرّكها في احتراسْ
فترسل صيحَتها في الدياجي
"صلاةٌ, صلاهْ"
وفي آخر الموكب الشَّبَحيّ المُخيفْ
رأى حارس شَبَحَيْن
يسيرانِ لا يُدْركان متى كان ذاك وأيْن?
تحُزّ الرّياح ذراعيهما في الظلام الكثيفْ
وما زال في الشَّبَحينِ بقايا حياهْ
ولكنّ عينيهما في انطفاءْ
ولفظُ "صلاة صلاهْ"
يضِجّ بسَمْعَيْهما في ظلام المساءْ
"ألستَ ترى"
"خُذْهما!"
ثم ساد السكون العميق
ولم يَبْقَ من شَبَح في الطريق
وفي المعْبَد البرْهميّ الكبير
وحيثُ الغموضُ المُثيرْ
وحيثُ غرابةُ بوذا تلُفّ المكانْ
يُصلّي الذينَ عيونُهُم لا تموتْ
ويَرْقُبُهم ذلكَ العنكبوتْ
على البرج مستغْرَقًا في سكوتْ,
فيرتفعُ الصوت ضخْمًا, عميق الصدى, كالزمان
ويرتجفُ الشَّبَحانْ
"من القلعةِ الرطبةِ الباردهْ"
"ومن ظُلُمات البيوت"
"من الشُرَف الماردهْ"
"من البرجِ, حيثُ يدُ العنبكوتْ"
"تُشيرُ لنا في سكوتْ"
"من الطرقات التي َتعْلِك الظُلْمَةَ الصامتهْ"
"أتيناكَ نسحَب أسرارَنا الباهتهْ"
"أتيناكَ, نحن عبيدَ الزمانْ"
"وأسرَاه نحن الذينَ عيونُهُم لا تموتْ"
"أتينا نَجُرّ الهوانْ"
"ونسألُكَ الصفْحَ عن هذه الأعين المُذْنبهْ"
"ترسّبَ في عُمْق أعماقها كلُّ حزْنِ السنينْ"
"وصوتُ ضمائرِنا المُتعَبَهْ"
"أجشٌّ رهيبُ الرّنينْ"
"أتيناكَ يا من يذُرّ السُّهادْ"
"على أعينِ المُذْنبينْ"
"على أعينِ الهاربينْ"
"إلى أمسِهِم ليلوذوا هناك بتلّ رمَادْ"
"من الغَدِ ذي الأعين الخُضرِ. يا من نراهْ"
"صباحَ مساءَ يسوقُ الزمانْ"
"يحدّق, عيناه لا تغفوان"
"وكفَّاه مَطْويّتانْ"
"على ألفِ سرٍّ. أتينا نُمرِّغ هذي الجباهْ"
"على أرض معبدِهِ في خُشُوعْ"
"نُناديهِ, دونَ دموعْ,"
"ونصرخ: آهْ!"
"تعِبْنا فدعْنا ننامْ"
"فلا نسْمع الصوتَ يَهْتف فينا: "صلاهْ!"
"إذا دقَّتِ الساعة الثانيهْ,"
"ولا يطرق الحَرَس الكالحونْ"
"على كل باب بأيديهم الباليه"
"وقد أكلتْها القُرونْ"
"ولم تُبْق منها سوى كومة من عظامْ"
"تعبنا... فدعنا ننامْ.."
"ننامُ, وننسى يد الرجل العنكبوتْ"
"على ساحة البرج. تنثُرُ فوق البيوتْ"
"تعاويذَ لعنتها الحاقدهْ"
"حنانك بوذا, على الأعينِ الساهدهْ"
"ودعها أخيرًا تموتْ"
وفي المعبد البرهمي الكبيرْ
تحرّكَ بوذا المثيرْ
ومدّ ذراعيه للشبحَيْنْ
يُبارك رأسيْهما المُتْعَبيْنْ
ويصرخُ بالحَرَس الأشقياءْ
وبالرَّجُلِ المنتصبْ
على البرْج في كبرياءْ,
"أعيدوهما!"
ثم لفَّ السكونُ المكانْ
ولم يبقَ إلا المساءْ,
وبوذا, ووجه الزمانْ

سمر محمد
10-06-2010, 02:57 PM
غرباء

أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنا
نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا?
يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ
يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ
سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا:
مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ
غُربَاءْ
اللقاء الباهتُ الباردُ كاليومِ المطيرِ
كان قتلاً لأناشيدي وقبرًا لشعوري
دقّتِ الساعةُ في الظلمةِ تسعًا ثم عشرا
وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي. كنت حَيرى
أسألُ الساعةَ ما جَدْوى حبوري
إن نكن نقضي الأماسي, أنتَ أَدْرى,
غرباءْ
مرّتِ الساعاتُ كالماضي يُغشّيها الذُّبولُ
كالغدِ المجهولِ لا أدري أفجرٌ أم أصيلُ
مرّتِ الساعاتُ والصمتُ كأجواءِ الشتاءِ
خلتُهُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي
خلتهُ يَنبِسُ في نفسي يقولُ
أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ
غرباءْ
أطفئ الشمعةَ فالرُّوحانِ في ليلٍ كثيفِ
يسقطُ النورُ على وجهينِ في لون الخريف
أو لا تُبْصرُ? عينانا ذبولٌ وبرودٌ
أوَلا تسمعُ? قلبانا انطفاءٌ وخمودُ
صمتنا أصداءُ إنذارٍ مخيفِ
ساخرٌ من أننا سوفَ نعودُ
غرباءْ
نحن من جاء بنا اليومَ? ومن أين بدأنا?
لم يكنْ يَعرفُنا الأمسُ رفيقين.. فدَعنا
نطفرُ الذكرى كأن لم تكُ يومًا من صِبانا
بعضُ حبٍّ نزقٍ طافَ بنا ثم سلانا
آهِ لو نحنُ رَجَعنا حيثُ كنا
قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كلانا
غُرباءْ

سمر محمد
10-06-2010, 02:58 PM
إلى زائر لم يجيء

..ومر المساء ، وكاد يغيب جبينُ القمر
وكدنا نشيع ساعاتِ امسيةٍ ثانية
ونشهد كيف تسير السعادةُ للهاوية
ولم تأتِ انت.. وضعت مع الامنياتِ الاخر
وأبقيت كرسيك الخاويا
يُشاغل مجلسنا الذاويا
ويبقى يضج ويسأل عن زائرٍ لم يجيء
وما كنت أعلم انك ان غبت خلف السنين
تخلف ظلك في كل لفظٍ وفي كل معنى
وفي كل زاوية من رؤاي وفي كل منحنى
وما كنت اعلمُ انك أقوى من الحاضرين
وان مئاتٍ من الزائرين
يضيعون في لحظةٍ من حنين
يمُدُ ويجزُرُ شوقاً الى زائرٍ لم يجيء
ولو كنت جئت ... وكنا جلسنا مع الآخرين
ودار الحديث دوائر وانشعب الاصدقاء
أما كنت تصبح كالحاضرين وكان المساء
يمر ونحن نقلب اعيننا حائرين
ونسأل حتى فراغ الكراسي
عن الغائبين وراء الاماسي
ونصرخ ان لنا بينهم زائراً لم يجيء
ولو جئت يوماً – وما زلت أوثر الا تجيء
لجف عبيرُ الفراغ الملون في ذكرياتي
وقُص جناح التخيل واكتابت اغنياتي
وامسكت في راحتي حطام خيالي البريء
وادركت اني احبك حلما
وما دمت قد جئت لحماً وعظماً
ساحلم بالزائر المستحيل الذي لم يجيء

سمر محمد
10-06-2010, 03:00 PM
خمس أغان للألم

1
مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ
ساقي مآقينا كؤوسَ الأرَقْ
نحنُ وجدناهُ على دَرْبنا
ذاتَ صباحٍ مَطِيرْ
ونحنُ أعطيناهُ من حُبّنا
رَبْتَةَ إشفاقٍ وركنًا صغيرْ
ينبِضُ في قلبنا
**
فلم يَعُد يتركُنا أو يغيبْ
عن دَرْبنا مَرّهْ
يتبعُنا ملءَ الوجودِ الرحيبْ
يا ليتَنا لم نَسقِهِ قَطْرهْ
ذاكَ الصَّباحَ الكئيبْ
مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ
ساقي مآقينا كؤوس الأرَقْ
2
مِن أينَ يأتينا الأَلمْ?
من أَينَ يأتينا?
آخَى رؤانا من قِدَمْ
ورَعى قوافينا
**
أمسِ اصْطحبناهُ إلى لُجج المياهْ
وهناكَ كسّرناه بدّدْناهُ في موج البُحَيرهْ
لم نُبْقِ منه آهةً لم نُبْقِ عَبْرهْ
ولقد حَسِبْنا أنّنا عُدْنا بمنجًى من أذَاهْ
ما عاد يُلْقي الحُزْنَ في بَسَماتنا
أو يخْبئ الغُصَصَ المريرةَ خلف أغنيَّاتِنا
**
ثم استلمنا وردةً حمراءَ دافئةَ العبيرْ
أحبابُنا بعثوا بها عبْرَ البحارْ
ماذا توقّعناهُ فيها? غبطةٌ ورِضًا قريرْ
لكنّها انتفضَتْ وسالتْ أدمعًا عطْشى حِرَارْ
وسَقَتْ أصابعَنا الحزيناتِ النَّغَمْ
إنّا نحبّك يا ألمْ
**
من أينَ يأتينا الألم?
من أين يأتينا?
آخى رؤانا من قِدَمْ
ورَعَى قوافينا
إنّا له عَطَشٌ وفَمْ
يحيا ويَسْقينا
3
أليسَ في إمكاننا أن نَغْلِبَ الألمْ?
نُرْجِئْهُ إلى صباحٍ قادمٍ? أو أمْسِيهْ
نشغُلُهُ? نُقْنعهُ بلعبةٍ? بأغنيهْ?
بقصّةٍ قديمةٍ منسيّةِ النَّغَمْ?
**
ومَن عَسَاهُ أن يكون ذلك الألمْ?
طفلٌ صغيرٌ ناعمٌ مُستْفهِم العيونْ
تسْكته تهويدةٌ ورَبْتَةٌ حَنونْ
وإن تبسّمنا وغنّينا له يَنَمْ
**
يا أصبعًا أهدى لنا الدموع والنَّدَمْ
مَن غيرهُ أغلقَ في وجه أسانا قلبَهُ
ثم أتانا باكيًا يسألُ أن نُحبّهُ?
ومن سواهُ وزّعَ الجراحَ وابتسَمْ?
**
هذا الصغيرُ... إنّه أبرَأ مَنْ ظَلَمْ
عدوّنا المحبّ أو صديقنا اللدودْ
يا طَعْنةً تريدُ أن نمنحَها خُدودْ
دون اختلاجٍ عاتبٍ ودونما ألمْ
**
يا طفلَنا الصغيرَ سَامحْنا يدًا وفَمْ
تحفِرُ في عُيوننا معابرًا للأدمعِ
وتَسْتَثيرُ جُرْحَنا في موضعٍ وموضعِ
إنّا غَفَرْنا الذنبَ والإيذاء من قِدَمْ
4
كيف ننسىَ الألَمْ
كيف ننساهُ?
من يُضيءُ لنا
ليلَ ذكراهُ?
سوف نشربُهُ سوف نأكلُهُ
وسنقفو شُرودَ خُطَاه
وإذا نِمنا كان هيكلُهُ
هو آخرَ شيءٍ نَرَاهْ
**
وملامحُهُ هي أوّلَ ما
سوف نُبْصرُهُ في الصباحْ
وسنحملُهُ مَعَنا حيثُما
حملتنا المُنى والجراحْ
**
سنُبيحُ له أن يُقيم السُّدودْ
بين أشواقنا والقَمَرْ
بين حُرْقتنا وغديرٍ بَرُودْ
بين أعيننا والنَّظَرْ
**
وسنسمح أن يَنْشُر البَلْوى
والأسَى في مآقينا
وسنُؤْويه في ثِنْيةٍ نَشْوَى
من ضلوع أغانينا
**
وأخيرًا ستجرفُهُ الوديانْ
ويوسّدُهُ الصُّبَّيْر
وسيهبِطُ واديَنَا النسيان
يا أسانا, مساءَ الخَيْرْ!
**
سوف ننسى الألم
سوف ننساهُ
إنّنا بالرضا
قد سقيناهُ
5
نحن توّجناكَ في تهويمةِ الفجْرِ إلهَا
وعلى مذبحكَ الفضيّ مرّغْنَا الجِبَاهَا
يا هَوانا يا ألَمْ
ومن الكَتّانِ والسِّمْسِمِ أحرقنا بخورَا
ثمّ قَدّمْنا القرابينَ ورتّلْنَا سُطورَا
بابليَّاتِ النَّغَمْ
**
نحنُ شَيّدنا لكَ المعبَدَ جُدرانًا شَذيّهْ
ورَششنا أرضَهُ بالزَّيتِ والخمرِ النَّقيَّهْ
والدموع المُحرِقهْ
نحن أشعلنا لكَ النيرانَ من سَعف النخيلِ
وأسانا وَهشيم القمح في ليلٍ طويلِ
بشفاهٍ مُطْبَقَهْ
**
نحنُ رتّلْنَا ونادَيْنا وقدّمْنا النذورْ:
بَلَحٌ من بابلِ السَّكْرَى وخُبْزٌ وخمورْ
وورودٌ فَرِحَهْ
ثمّ صلّينا لعينيك وقرّبنا ضحيّهْ
وجَمَعْنا قطَراتِ الأدمُعِ الحرّى السخيّهْ
وَصنَعْنا مَسْبَحَهْ
**
أنتَ يا مَنْ كفُّهُ أعطتْ لحونًا وأغاني
يا دموعًا تمنحُ الحكمةَ, يا نبْعَ معانِ
يا ثَرَاءً وخُصوبَهْ
يا حنانًا قاسيًا يا نقمةً تقطُرُ رحْمَه
نحنُ خبّأناكَ في أحلامنا في كلّ نغْمهْ
من أغانينا الكئيبهْ

سمر محمد
10-06-2010, 03:02 PM
إلى العام الجديد

يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف
من عالم الأشباح, يُنكرُنا البشر
ويفر منّا الليل والماضي ويجهلنا القدر
ونعيش أشباحًا تطوفْ
نحن الذين نسير لا ذكرى لنا
لا حلم, لا أشواقُ تُشرق, لا مُنى
آفاق أعيننا رمادْ
تلك البحيرات الرواكدُ في الوجوه الصامتهْ
ولنا الجباه الساكتهْ
لا نبضَ فيها لا اتّقادْ
نحن العراة من الشعور, ذوو الشفاه الباهتهْ
الهاربون من الزمان إلى العدمْ
الجاهلون أسى الندمْ
نحن الذين نعيش في ترف القصورْ
ونَظَلُّ ينقصنا الشعور.
لا ذكرياتْ,
نحيا ولا تدري الحياةْ,
نحيا ولا نشكو, ونجهلُ ما البكاءْ
ما الموت, ما الميلاد, ما معنى السماء
**
يا عامُ سرْ, هو ذا الطريقْ
يلوي خطاكَ, سدًى نؤمل أن تُفيقْ
نحن الذين لهم عروق من قصبْ
بيضاءُ أو خضراء نحن بلا شعورْ.
الحزن نجهله ونجهل ما الغضب
ما قولُهم إنّ الضمائر قد تثور
ونود لو متنا فترفضنا القبور
ونود لو عرف الزمانْ
يومًا إلينا دربه كالآخرين
لو أننا كنا نؤرخ بالسنين,
لو أننا كنا نقيَّد بالمكانْ
لو أن أبواب القصور الشاهقات
كانت تجيءُ قلوبَنا بسوى الهواء,
لو أننا كنا نسير مع الحياةْ
نمشي, نحس, نرى, ننام
وينالنا ثلج الشتاءْ
ويلفُّ جبْهَتَنا الظلام
أواه لو كنا نحسّ كما يحس الآخرونْ
وتنالنا الأسقام أحيانًا وينهشنا الألم
لو أنَّ ذكرَى أو رجاء أو ندم
يومًا تسدُّ على بلادتنا السبيلْ
لو أننا نخشى الجنونْ
ويثيرُ وحشَتنا السكون
لو أن راحتنا يعكّرها رحيل
أو صدمة أو حزن حب مستحيل.
أواه لو كنا نموت كما يموت الآخرونْ

سمر محمد
10-06-2010, 03:04 PM
خرافات

قالوا الحياة
هي لونُ عينَيْ ميّتِ
هي وقعُ خَطو القاتلِ المتلفّتِ
أيامُها المتجعداتْ
كالمعطفِ المسموم ينضَحُ بالمماتْ
أحلامُها بَسَماتُ سعْلاةٍ مخدِّرةِ العيونْ
ووراءَ بسمتِها المَنُونْ
قالوا الأملْ
هو حَسرةُ الظمآنِ حينَ يرى الكؤوسْ
في صورةٍ فوق الجدارْ
هو ذلكَ اللونُ العَبُوسْ
في وجه عُصْفورٍ تَحطّمَ عُشُّهُ فبكى وطارْ
وأقام ينتظرُ الصباحَ لعلَّ مُعجزةً تُعيدْ
أنقاضَ مأواهُ المخرَّبِ من جديدْ
قالوا النعيمْ
وبحثتُ عنه في العيونِ الغائراتْ
في قصّةِ البؤسِ التي كُتبتْ على بعض الوجوهْ
في الدهْرِ تأكلُهُ سنوهْ
في الزهرِ يرصُدُ عِطرَهُ شَبحُ الذبولْ
في نجمةٍ حسناءَ يرصُدُها الأفولْ
قالوا النعيمُ ولم أجدْهُ فهل طَوى غدَهُ وماتْ?
قالوا السكونْ
أسطورةٌ حمقاءُ جاء بها جَمَادْ
يُصغي بأذنيه ويتركُ روحَه تحت الرَّمادْ
لم يسمعِ الصَّرَخاتِ يُرْسلُها السياجْ,
وقصائصُ الورقِ الممزَّق في الخرائبِ, والغبارْ,
ومقاعدُ الغُرَفِ القديمة, والزُّجَاجْ,
غطّاهُ نَسْجُ العنكبوت, ومعطفٌ فوق الجدارْ
قالوا الشباب
وسألتُ عنه فحدثوني عن سنينْ
تأتي فينقشعُ الضَّبَابْ
وتحدثوا عن جنّةٍ خلف السَّرَابْ
وتحدثوا عن واحةٍ للمتعَبينْ
وبلغتُها فوجدتُ أحلامَ الغَدِ
مصلوبةً عند الرِّتاج الموصَدِ
قالوا الخلودْ
ووجدتُهُ ظلا تمطَّى في بُرُودْ
فوق المدافنِ حيثُ تنكمشُ الحياهْ
ووجدتُهُ لفظًا على بعض الشفاهْ
غنّته وهي تنوحُ ماضيها وتُنزلُهُ اللحودْ
غنّتْهُ وهي تموتُ... يا لَلازدراء!
قالوا الخلودُ, ولم أجدْ إلاَّ الفناءْ
قالوا القلوبْ
ووجدتُ أبوابًا تؤدي في اختناقْ
لمقابرٍ دُفِن الشعورُ بها وماتَ غدُ الخيالْ
جُدرانُها اللزِجاتُ تبتلعُ الجَمَالْ
وتمجُّ قبحًا لا يُطاقْ
وهربتُ شاحبةً أتلك إذنْ قلوبْ?
يا خيبةَ الأحلامِ. إني لن أؤوبْ
قالوا العيونْ
ووجدتُ أجفانًا وليس لها بَصَرْ
وعَرَفْتُ أهدابًا شُدِدْن إلى حَجَرْ
وخبرتُ أقباءً ملفّعةً بأستار الظنونْ
عمياءَ عن غير الشُّرور وإن تكن تُدعى عيونْ
وعرفتُ آلافًا وأعينُهم صفائحُ من زجاجْ
زرقاءُ في لون السماء, وخلف زرقتها دَياجْ
قالوا وقالوا
ألفاظُهم لاكت تَرَدُّدَها الرياحْ
في عالم أصواتُهُ الجوفاءُ يرصُدُها الفناءْ
المتعبونَ بلا ارتياحْ
الضائعونَ بلا انتهاءْ
قالوا وقلتُ وليس يبقى ما يُقالْ
يا لَلخرافةِ! يا لَسُخريةِ الخيالْ

سمر محمد
10-06-2010, 03:05 PM
بين قصور الأغنياء
سرت بين القصور وحدي طويلا =أسأل العابرين أين الطروب؟
فإذا فتنة القصور ستار= خادع خلفه الأسى والشحوب
لم أجد في القصور إلا قلوب=ا حائرات وعالما محزونا
ليس إلا قوم يضيقون بالأيّ= ام ضيق الجياع البائسينا
ليس ينجيهم الغنى من يد الأش= جان ليست تنجيهم الكبرياء
ليس يعفو الممات عنهم فهم حز= ن وصمت وحيرة وبكاء
كم وراء القصور من مقل تب =كي وتشكو قساوة المقدور
كم قلوب تودّ أن تبدل القص= ر بكوخ على حفاف الغدير
إن يكونوا نجوا من الجوع والفق =ر ولم يفترسهم الحرمان
فلقد طالما أحسّوا بجوع ال =روح واستعبدتهم الأحزان
إن يكونوا يقضون أيّامهم بي =ن الحرير الملوّن الجذّاب
فغدا تعبر الدهور وهم مو= تى على الشّوك والحصى والتراب
إن يكن في قصورهم من سنا الأض =واء ما يرجع الظلام ضياء
فغدا يخمد الضياء وتبقى= ظلمة الليل بكرة ومساء
ليس تنجي القصور من ربقة الحز= ن إذا طاف بالقلوب دجاه
كم غنيّ يقضي الحياة شقّيا= مغرقا في أنينه وبكاه
كل ما في هذا الوجود من الأم= وال لا يستطيع دفع الشقاء
كلّ تلك الكنوز ما غمرت قطّ =غنيا بساعة من هناء
يا طريقي مل بي العشّية ما عا= د جمل القصور يحلو لعيني
لم أجد ومضة السعادة فيها= لم أجد غير ظلّ يأس وحزن

سمر محمد
10-06-2010, 03:06 PM
اسطورة نهر النسيان

مخلب الخوف والتشاؤم قج جرّ= ح أيامنا وأدمى صبانا
ليت نهر النسيان لم يك وهما= صوّرته أحلامنا لأسانا
ليته كان ليت أخباره حق= لننسى ما كان أو ما يكون
ونعيش الأحرار من قيد بلوا= نا ويعفو عنا الغد المجنون
يا ضفاف النسيان قد جاءك الشا= عر فلترحمي جراح أساه
إنضحيه بمائك الأسود البا= رد ولتشفقي على بلواه
فهو ذاك القلب الذي طوّقته= حادثات السنين بالأشواك
منحته الحس الرهيف وقالت := لتكن في الحياة أوّل باك
يا ضفاف النسيان يا ليت هذا ال= موج يطغى على الوجود الحزين
يغسل الإثم والدموع ويأسو= كلّ جرح في قلبه المطعون
ألم العيش يا ضفاف قويّ= وشقاء الممات أقوى وأقسى
في ظلام الحياة نضطرب الآ =ن ونفنى عما قليل وننسى
كل عمر قصيدة كتبتها= في كتاب الحياة كفّ الزمان
وغدا يمحّي الكتاب جميعا= وتذوب الحروف في الأكفان

سمر محمد
10-06-2010, 03:07 PM
خصام

زمان الصفاء مضى وتلاشى مع الذكريات
وها نحن مختصمان
وجاء زمان الصراع فلا لطف لا بسمات
ولا دفقة من حنان
وها نحن مختصمان دفنّا الوئام
وراء التوتّر في قعر ألفاظنا البارده
ولم نبق كأسا ولا منهلا للغرام
ولم نبق عشّا لأحلامنا الساهده
***
بأعماق أنفسنا من عيوب جميله
ويدرك كلّ بأنّ الهوى
طوى ما طوى من معايبنا المترفات الأصيله
ولم نبق إلا محاسننا الفجّة المستحيله
***
وها نحن نعرف أبعادنا الشاسعه
وكيف ملكنا عيوبا منوّعة رائعه
تخبّيء أوجهها خلف ستر الرضى والليونه
وخلف الوداعة خلف السكينه
***
وفي لحظات الصفاء لمسنا شذاها الرصينا
وذقنا محاسننا السمحة المنعمه
وغطّى الحماقة والضعف فينا
***
وفي لحظات الحنين هوينا
بساطتنا وعشقنا العذوبه
وها نحن نعشق ما تخلق الآدميّة فينا
وما في حماقتنا من جمال شذ وخصوبه
***
وكنّا عشقنا انبثاق الحرارة في مقلتينا
فدعنا نحبّ النضوب
وكنّا هوينا التورّد والشعر في شفتينا
فلم لا نحبّ الشحوب
***
وكنّا عقدنا الصداقة بين المحاسن فينا
فدعنا نقم أسس الحبّ والودّ بين العيوب
وأفسح مكانا لبعض الحماقات بعض الذنوب
ودعنا نكن بشرا طافحين نفيض جنونا
وننصح ضحكا ودمعا سخينا
***
وكنّا عقدنا الصداقة بين المحاسن فينا
فدعنا نقم أسس الحبّ والودّ بين العيوب
وأفسح مكانا لبعض الحماقات بعض الذنوب
ودعنا نكن بشرا طافحين نفيض جنونا
وننصح ضحكا ودمعا سخينا

سمر محمد
10-06-2010, 03:08 PM
أغنية لطفلي

ماما ماما ماما ماما ماماما
برّاق الحلو اللثغة ينوي النوما
والنوم وراء الربوة هيّأ حلما
والحلم له أجنحة ترقى النجما
والنجم له شفة ويحبّ اللثما
واللثم سيوقظ طفلي :
ماما ماما
***
بابا بابا بابا بابا بابابا
برّاق الغافي الساهي يسرق قلبا
والقلب سيمرع ينبت وردا رطبا
والورد يرشّ المهد أريجا عذبا
وأريج الورد لعوب يهوى الوثبا
والوثب سيوقظ طفلي :
بابا بابا
***
دادا دادا دادا دادا دادادا
الحقل مشوق للخضرة لا يهدا
والخضرة خاوية لا تملك وردا
والورد إلى الحمرة مرتعش وجدا
والحمرة عند صغيري ثغرا خدّا
وسيصحي الورد صغيري :
دادا دادا

سمر محمد
10-06-2010, 03:10 PM
الراقصة المذبوحة

إرقصي مذبوحة القلب وغنّي
واضحكي فالجرح رقص وابتسام
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني
أدموع , أسكتي الدمع السخينا
واعصري من صرخة الجرح ابتساما
اانفجار ؟ هدأ الجرح وناما
فاتركيه واعيدي القيد المهينا
***
أيّ معنى لاختلاجات الضحايا ؟
بعض أحزان ستنسى , ورزايا
وقتيل أو قتيلان , وجرحى
***
إقبسي من جرحك المحرق لحنا
لم تزل فيها بقايا من حياة
لنشيد لم يفض بؤسا وحزنا
***
صرخة ؟ أيّ جحود وجنون !
أتركي قتلاك صرعى دون دفن
أيّ معنى لانتفاضات السجين ؟
***
إنتفاضات ؟ وفي الشعب بقايا
من عروق لم تسل نبع دماء ؟
إنجارات ؟ وبعض الأبرياء
بعضهم لم يسقطوا بعد ضحايا ؟
***
لم يكن جرحك بدعا في الجروح
فارقصي في سكرة الحزن المميت
الأرقّاء الحيارى للسكوت
***
إضحكي للمدية الحمراء حبّا
واسقطي فوق الثرى دون اختلاج
منّة أن تذبحي ذبح النعاج
منّة أن تطعني روحا وقلبا
وجنون يا ضحايا أن تثوري
وجنون غضبة الأسرى العبيد
أرقصي رقصة ممتنّ سعيد
وابسمي في غبطة العبد الأجير
***
وابسمي للقاتل الجاني افتتانا
إمنحيه قلبك الحرّ المهانا
ودعيه ينتشي حزّا وطعنا
***
وارقصي مذبوحة القلب وغنّي
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني
وابسمي للقاتل الجاني افتتانا
إمنحيه قلبك الحرّ المهانا
ودعيه ينتشي حزّا وطعنا
***
وارقصي مذبوحة القلب وغنّي
واضحكي فالجرح رقص وابتسام
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني

سمر محمد
10-06-2010, 03:11 PM
إلى أختي سها

هيّا معي فالليل مختلج الدجى حبا وشعرا
وعرائس الأحلام تفرش دربنا لونا وعطرا
وهناك في أعماقنا نبرات آلهة تغنّي
ونحسّها تلقي إلينا ألف أغنية ولحن
هيّا معي تتبسم الدنيا إذا أنت ابتسمت
ماذا يثير أساك ما دمنا نظلّ , أنا وأنت ؟
ألليل يعرفنا , خطانا طالما زرعت دجاه
والنجم يذكرنا فكم سهرت علينا مقلتاه
أختاه هاتي كفّك اليمنى فقد حان المسير
ألمجد يصرخ يستحث خطاك والحلم الكبير
لا , لا تخافي أن تخادعك الرؤى إن أنت جئت
فالليل يعرفنا ونحن معا نظل أنا وأنت
***
سيري معي فتحرّق المجهول يصخب في دمانا
والأمس , تلك الغرفة الصمّاء غابت عن رؤانا
ماذا يشدّ هنا ليالينا الحزينات الشقيّه ؟
وهناك في الأفق البعيد ضباب شطآن خفيّه
ستريق أنجمها على أقدامنا إن أنت جئت
وصحبتني لنجوب آفاق الوجود , أنا وأنت
***
وصحبتني ونسيت درب الذكريات الكاسفه
حيث الصخور السود والحيّات تلهث زاحفه
حيث انجرحنا ثم لملمنا الجراح على عجل
ونهضت تتبعني خطاك الحائرات بلا أمل
أختاه لا تبكي على الماضي سدى ما قد بكيت
لن يرجع الماضي وإن نحنا عليه , أنا وأنت

سمر محمد
10-06-2010, 03:13 PM
في وادي الحياة
عُدْ بِي يا زورقي الكَلِيـلا = فَلَنْ نَرَى الشاطيءَ الجَمِيـلا
عُدْ بِي إلى مَعْبـَدِي فـإنّي = سَئِمْتُ يَا زَوْرَقِـي الرَّحِيـلا
وضِقْتُ بالموجِ أيَّ ضِيـقٍ = وما شَفَى البحـرُ لي غَلِيـلا
إلامَ يا زورقي المُـعَنَّـى = نَرْجُو إلى الشَّاطِيءِ الوُصُولا؟
والمَوْجُ مِنْ حَولنـا جِبَـالٌ = سَدَّتْ عَلى خَطْوِنَا السَّبِيـلا
والأُفـقُ مِنْ حَولنا غُيُـومٌ = لا نَجْمَ فِيه لَنَـا دَلِيـلا
كَمْ زَورقٍ قبلَنـا تَوَلَّـى = وَلَمْ يَزَلْ سَـادِراً جَهـُولا
فَعُـدْ إلى معبدي بقلـبي = وَحَسْـبُ أيامنـا ذُهـولا
* * *
حسبُكَ يا زورقـي مَسيراً = لن يُخْدَعَ القلبُ بالسَّـرابِ
وارجِعْ، كما جِئْتَ ، غيرَ دَارٍ = قد حَلُكَ الجـوُّ بالسَّحَـابِ
وَمـَلَّ مجدافُـكَ الـمُعَنَّى = تَقَلُّـبَ المـوجِ والعُبَـابِ
ولم يَزَلْ معبـدي بعيـداً = خَلْفَ الدياجيـرِ والضَّبَـابِ
يَشُوقُني الصَّمْتُ في حِمَـاهُ = وَفِتْنَـةُ الأَيْـكِ والرَّوَابـي
عُدْ بيَ يـا زورقـي إليـهِ = قَدْ حَانَ ، يا زورقي ، إِيَابِـي
مَا كَفْكَفَ البَحْرُ من دُمُوعِي = ولا جَـلا عَنّـيَ اكْتِئَابـي
فَفِيمَ في مَوْجِهِ اضطرابـي؟ = وأينَ ، يا زورقي ، رِغَابِـي؟
* * *
تَائِهـَةٌ ، والحيـاةُ بحـرٌ = شَاطِـئُهُ مُبْعِـدٌ سَحِيـقُ
تَائِهـَةٌ والظـلامُ دَاجٍ = والصَّمْتُ تحتَ الدُّجَى عَمِيقُ
يَا زورقي آهِ لَـوْ رَجَعْنَـا = مِنْ قَبْل أَنْ يَخْـبُوَ البَرِيـقُ
انْظُرْ حَوَالَيْكَ ، أَيُّ نَـوْءٍ = تَجْمَدُ مِنْ هَوْلِـهِ العُـرُوقُ
البحرُ ، يا زَورقِي جُنُـونٌ = ومـوجُـهُ ثَائِـرٌ دَفُـوقُ
وَكُـلّ يَوْمٍ لـَهُ صَرِيـعٌ = في هَجْعَـةِ الموتِ لا يُفِيـقُ
وَأَنْتَ في الموجِ والدياجِي = يا زورقـي في غَـدٍ غَرِيـقُ
فَعُدْ إلى الأمْسِ ، عُدْ إليهِ = قـد شَاقَني أَمْسِيَ الوَرِيـقُ
* * *
مَاذَا وَرَاءَ الحياةِ ؟ مَـاذَا ؟ = أَيُّ غُمـُوضٍ ؟ وَأَيُّ سِـرِّ
وَفِيمَ جِئْنَا ؟ وَكَيْفَ نَمْضِي؟ = يـا زورقي ، بَلْ لأَيِّ بَحْـرِ
يَدْفَعُكَ الموجُ كُـلَّ يَـوْمٍ = أَيْـنَ تُـرَى آخِـرُ المَقَـرِّ
يا زورقي طَالَ بي ذُهُـولي = وَأَغْرَقَ الوَهْـمُ جَوَّ عُمْرِي
أَسْرِي كَمَا تَرْسُمُ المقادِيرُ لي = إلى حَيْـثُ لَسْـتُ أدْرِي
شَرِيدَةٌ في دُجَـى حَيَاتِـي = سَـادِرَةٌ في غُمُوضِ دَهْـرِي
فَخَافِـقٌ شَاعِـرٌ ، وَرُوحٌ = قَـالَ لـها الدَّهْرُ لا تَقَـرِّي
وَنَاطَهَـا بِالذُّرَى تُغَـنِّـي = وَتَنْظِمُ الكَوْنَ بَيْـتَ شِعْـرِ

سمر محمد
10-06-2010, 03:16 PM
ثورة على الشمس

وقَفَتْ أمام الشمــس صارخـةً بها= يا شمسُ، مثلُكِ قلبيَ المتمــــرِّدُ
قلبي الذي جَرَفَ الحياةَ شبابُـــهُ= وَسقَى النجـــومَ ضياؤه المتجدِّدُ
مهلاً ، ولا يخـدعْكِ حـزنٌ جائرٌ= في مقلتيَّ ، ودمعـــــةٌ تتنّهدُ
فالحزنُ صورةُ ثورتـي وتمـرُّدي= تحت الليالي ؛ والألوهةُ تَشْهـــدُ
****= ****
مَهْلاً ولا يخدَعْكِ حزنُ ملامحــي= وشُحوبُ لوني وارتعاشُ عواطفـي
واذا لمحتِ على جبيني حَيْرتــي= وسُطورَ حزني الشاعريِّ الجارفِ
فهو الشعورُ يُثيرُ في نفسي الأَسى= والدمع في هول الحياةِ العاصفِ
وهي النبوَّةُ لم تطِرْ فتمــرّدَتْ
****= ****
شَفَتايَ مُطبْقَتان فــوق أساهما= عينايَ ظامئتانِ للأنــــداءِ
تَرَكَ المساءُ على جبينـي ظلَّهُ= وقضى الصباحُ على جديدِ رجائي
فأتيتُ أسكُبُ في الطبيعة حَيْرَتي= بين الشَّذَى والوردِ والأفيـــاء
فسَخِرْتِ من حُزني العميقِ وأدمُعي
****= ****
يا شمسُ حتى أنتِ ؟ يا لَكَآبتي != أنتِ التي ترنو لها أحلامــي
أنتِ التي غّنى شَبَابـي باِسمها= وشَدَا بفَيضِ ضيائهــا البسَّامِ
أنتِ التي قدّستُهـــا وتَخِذْتُها= صَنَماً ألوذُ به مـــن الآلامِ
يا خيبةَ الأحلامِ ، ما أبقَيْتِ لي= الا ظلالَ كآبتي وظلامـــي
****= ****
سأحطِّمُ الصَنَمَ الـــذي شيّدْتُهُ= لك من هَوَايَ لكلِّ ضوءٍ ساطعِ
وأُديرُ عيني عن سَنَاكِ مُشيحةً= ما أنتِ الاّ طيفُ ضوءٍ خادعِ
وأصوغُ من أحلامِ قلبي جَنّةً= تُغْني حياتي عن سَنَاكِ الّلامعِ
نحنُ ، الخياليّينَ ، في أرواحنا= سرُّ الأَلوهةِ والخُلودِ الضائعِ
****= ****
لا تَنْشُري الأضواءَ فوق خميلتي= ان تُشرقي ، فلغيرِ قلبي الشاعرِ
ما عاد ضوؤكِ يستثيرُ خوالجي= حَسْبي نجومُ الليلِ تُلْهِمُ خاطري
هنّ الصديقاتُ السواهرُ في الدُجَى= يفهمن روحي وانفجارَ مشاعري
ويُرِقْن في جَفْني خُيـوطَ أشعَّةٍ= فَضيَّةٍ ، تحتَ المساءِ الساحـر
****= ****
ألليلُ ألحانُ الحياة وشِعْرُهــا= ومَطَافُ آلهةِ الجَمـالِ اُلملْهِمِ
تهفو عليه النفسُ غير حبيسةٍ= وتحلّق الأرواحُ فوقَ الأْنجُمِ
كم سِرْتُ تحتَ ظَلامه ونجومِهِ= فنسِيتُ أحزانَ الوجودِ المُظْلمِ
وعلى فمي نَغَمٌ إِلهيُّ الصَدَى= تُلْقيهِ قافلةُ النجومِ على فمي
كم رُحْتُ أرقبُ كلَّ نجمٍ عابرٍ= وأصوغُ في غَسَق الظلامِ ملاحني
أو أرقبُ القَمَرَ المودِّعَ في الدُجى وأهيمُ في وادي الخيــال الفاتنِ
ألصمتُ يبعَثُ في فؤادي رعشةً= تحت المساء المُدْلهمّ الساكــنِ
والضوءُ يرقُصُ في جفوني راسماً= في عُمْقها أحلامَ قلبٍ آمــــنِ
****= ****
يا شمسُ ، اما أنتِ .. ماذا ؟ ما الذي= تلقاهُ فيكِ عواطفي وخواطـــري ؟
لا تَعْجَبي ان كنتُ عاشقةَ الدُجــى= يا ربَّةَ اللّهَبِ المذيبِ الصاهــــر
يا من تُمَزِّقُ كلَّ حُلْمٍ مُشْــــرقٍ= للحالمينَ وكـــلَّ طيفٍ ساحــرِ
يا من تُهدِّمُ ما يشيّدُهُ الدُجــــى= والصمْتُ في أعماق قلب الشاعـرِ
أضواؤكِ المتراقصاتُ جميعُهــا= يا شمسُ أضعفُ من لهيب تمرُّدي
وجنونُ نارِكِ لن يمزّقَ نغمتــي= ما دام قيثاري المغرِّدُ في يــدي
فإِذا غَمرْتِ الأرضَ فَلْتَتَذكَّــري= أَني سأخلي من ضيائكِ مَعْبــدي
وسأدِفنُ الماضـــيْ الذي جَلَّلتِهِ= ليخيِّمَ الليلُ الجميلُ علــى غَدِي

سمر محمد
10-06-2010, 03:18 PM
مع الأشرار

قد رقبت الأشرار حينا فلم أع =ثر لديهم على سناك الحبيب
فهم البائسون تطحنهم أي =دي الليالي بما جنوا من ذنوب
ورأيت الطغاة يحيون محزو= نين بين الأوهام والأشباح
ليس يشفيهم من الحزن واليأ= س دواء فالداء في الأرواح
فإذا أخمدوا هتافات مظلو =م فما يخمدون صوت الضمير
ذلك الراقب الإلهيّ في النف= س لسان الهدى وصوت الشعور
أبدا ساهر يراقب أقدا= ر الليالي وسطوة الأيّام
أبدا يرمق الحياة من الأع= ماق ,مستهزئا من الأعوام
فإذا حادت القلوب عن الخي= ر علا صوت ذلك الجبّار
فهو الناقم النبيل على الشرّ= وقاضي الطغاة والأشرار
كيف ينجو الأشرار من شقوة الرو= ح وصوت الضمير بالمرصاد
لا ملاذ من حاكمم يملك الرو= ح بما في كّفيه من أصفاد
عجبا أين تلتقيك حياتي؟= يا ضفاف السعادة المنشوده؟
جبت هذا الوجود أبحث لكن= لم تزالي الحقيقة المفقوده
جهلتك الدنيا فلا أحد يع= لم ما أنت واقع أم خيال؟
كّلهم يسألون عنك ولكن= لم تحدّث بسرّك الآزال
ها أنا ذي حملت قلبي على كفّ= ي وسرت الحياة أبحث عنك
أسأل العابرين هل فيهم من= قد روى قلبه المشوّق منك

سمر محمد
10-06-2010, 03:20 PM
إلى ميسون
إن خَـــبَتْ أعيـــنُ النجـــومْ= وســــجَتْ بَسْـــمةُ القمـــرْ
واخـــتفتْ خُـــضْرةُ الكــروم= وذوى الـــــوردُ وانتـــــثرْ
كـنتِ لـي أنـتِ كوكبًـا مُخْمَليّ الـ= ـلمسِ ينثـالُ نبْـعَ عطْـرٍ وضـوءِ
كـان لـي مـن بريقِ عينيكِ لونُ الـ= ـقَمَـرِ اللَّـدْنِ فـي ليـالي الـدِّفْءِ
كــان وحْـيي حكايـةً منـكِ فيهـا= مـن شَـذى الـورد ألفُ شيءٍ وشيء
كـنتِ لـي أنـتِ يـا بنفسـجتي فجـ= ــرَ جَمَـالٍ مُطَلْسَـمٍ غـيرِ مَـرْئي
وإذا أطفــــــأ الزَّمَــــــانْ= كــــلّ حــــبٍّ حملتُــــهُ
وَطَــــوتْ ظُلمـــة المكـــانْ= كــــلّ ضــــوءٍ شـــربتُهُ
كـان لـي مـن صفـاءِ وجهكِ بَدْءٌ= لأغــاني حُــبٍّ وحــبٍّ وحُـبّ
ومــن الكــوكبينِ عَيْنَيْـكِ تنشـقُّ= لعمـــري آثـــارُ ألْفَـــيْ دَرْبِ
مـن بـريقِ الجـبينِ مـن مَلْمَس الخدّ= الحــريريّ مــن سَــوَادِ الهُـدْبِ
معـبَرٌ للجَمـالِ مـن شـاطئِ المجـ =ـهـولِ يُرْسـي ائتلاقُـهُ عنـد قَلْبـي

سمر محمد
10-06-2010, 03:23 PM
الكوليرا

كــَنٌ الليــــــــلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى, موتَى, لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداء
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ

سمر محمد
10-06-2010, 03:23 PM
النهر العاشق

أين نمضي? إنه يعدو إلينا
راكضًا عبْرَ حقول القمْح لا يَلْوي خطاهُ
باسطًا, في لمعة الفجر, ذراعَيْهِ إلينا
طافرًا, كالريحِ, نشوانَ يداهُ
سوف تلقانا وتَطْوي رُعْبَنا أنَّى مَشَيْنا
إنه يعدو ويعدو
وهو يجتازُ بلا صوتٍ قُرَانا
ماؤه البنيّ يجتاحُ ولا يَلْويه سَدّ
إنه يتبعُنا لهفانَ أن يَطْوي صبانا
في ذراعَيْهِ ويَسْقينا الحنانا
لم يَزَلْ يتبعُنا مُبْتسمًا بسمةَ حبِّ
قدماهُ الرّطبتانِ
تركتْ آثارَها الحمراءَ في كلّ مكانِ
إنه قد عاث في شرقٍ وغربِ
في حنانِ
أين نعدو وهو قد لفّ يدَيهِ
حولَ أكتافِ المدينهْ?
إنه يعمَلُ في بطءٍ وحَزْمٍ وسكينهْ
ساكبًا من شفَتَيْهِ
قُبَلاً طينيّةً غطّتْ مراعيْنا الحزينهْ
ذلكَ العاشقُ, إنَّا قد عرفناهُ قديما
إنه لا ينتهي من زحفِهِ نحو رُبانا
وله نحنُ بنَيْنا, وله شِدْنا قُرَانا
إنه زائرُنا المألوفُ ما زالَ كريما
كلَّ عامٍ ينزلُ الوادي ويأتي للِقانا
نحن أفرغنا له أكواخنا في جُنْح ليلِ
وسنؤويهِ ونمضي
إنه يتبعُنا في كل أرضِ
وله نحنُ نصلّي
وله نُفْرِغُ شكوانا من العيشِ المملِّ
إنه الآن إلهُ
أو لم تَغْسِل مبانينا عليه قَدَمَيْها?
إنه يعلو ويُلْقي كنزَهُ بين يَدَيها
إنه يمنحُنا الطينَ وموتًا لا نراهُ
من لنا الآنَ سواهُ?

سمر محمد
10-06-2010, 03:25 PM
في وادي العبيد
ضاع عُمْري في دياجيرِ الحياة
وخَبَتْ أحلامُ قلبــي المُغْرَقِ
ها أنا وحدي على شطِّ المماتِ
والأعاصيــرُ تُنادي زورقي
ليس في عينيّ غيـرُ العَبَراتِ
والظلالُ السودُ تحمي مفرقي
ليس في سَمْعيَ غيرُ الصَرَخاتِ
أسفاً للعُمْـــرِ، ماذا قد بَقِي ؟
سَنَواتُ العُمْر مرّت بي سِراعا
وتوارتْ في دُجَى الماضي البعيدْ
وتبقَّيْتُ على البحْر شِراعـــا
مُغرَقاً في الدمْع والحزنِ المُبيدْ
وحدتـي تقتلُني والعُمْرُ ضاعا
والأَسى لم يُبْقِ لي حُلماً "جديدْ"
وظلامُ العيْش لم يُبْقِ شُعَاعـا
والشَّبابُ الغَضُّ يَذْوي ويَبِيـدْ
أيُّ مأساةٍ حياتي وصِبايــا
أيّ نارٍ خلفَ صَمْتي وشَكاتي
كتمتْ روحي وباحتْ مُقْلتايا
ليتها ضنّتْ بأسرار حياتـي
ولمن أشكو عذابي وأسَايا ؟
ولمن أُرْسلُ هذي الأغنياتِ ؟
وحوالــيَّ عبيــــدٌ وضحايــا
ووجـودٌ مُغْــرَقٌ فــي الظُلُماتِ
أيُّ معنــىً لطُموحـي ورجائــي
شَهِدَ الموتُ بضَعْفــــي البَشريِّ
ليس في الأرض لُحزْني مـن عزاءِ
فاحتدامُ الشرِّ طبْعُ الآدمـــــيِّ
مُثُلي العُلْيا وحُلْمـــي وسَمَائـي
كلُّها أوهامُ قلبٍ شاعـــــريِّ
هكذا قالوا ... فما مَعْنـى بَقائـي ؟
رحمةَ الأقدارِ بالقلب الشقــــيِّ
لا أُريدُ العيشَ في وادي العبيـــدِ
بين أَمواتٍ ... وإِن لم يُدْفَنـــوا ...
جُثَثٌ ترسَفُ في أسْرِ القُيـــــودِ
وتماثيلُ اجتــوتْها الأَْعيُــــنُ
آدميّونَ ولكـــنْ كالقُــــرودِ
وضِبَاعٌ شَرْســــةٌ لا تُؤمَــنُ
أبداً أُسْمعُهـم عذْبَ نشيــــدي
وهُمُ نومٌ عميـقٌ مُحْـــــزنُ
قلبيَ الحُرُّ الــذي لم يَفْهمــوهُ
سوف يلْقَى في أغانيــه العَزَاءَ
لا يَظُنّوا أَنَّهم قــد سحقــوهُ
فهو ما زالَ جَمَالاً ونَقَــاءَ
سوف تمضي في التسابيح سِنوهُ
وهمُ في الشرِّ فجراً ومســاءَ
في حَضيضٍ من أَذاهْم ألفـوهُ
مُظْلمٍ لا حُسْنَ فيه ، لا ضياءَ
* * *
إِن أَكنْ عاشقةَ الليلِ فكأســي
مُشْرِقٌ بالضوءِ والحُبِّ الوَريقِ
وجَمَالُ الليلِ قد طهّرَ نفســي
بالدُجَى والهمس والصمْتِ العميقِ
أبداً يملأ أوهامــي وحسِّــي
بمعاني الرّوحِ والشِعْرِ الرقيـقِ
فدعوا لي ليلَ أحلامي ويأسي
ولكم أنتم تباشيرُ الشُــروقِ

سمر محمد
10-06-2010, 03:26 PM
الليل

يا ظلام الليل يا طاوي أحزان القلوبِ
أنظرُ الآن فهذا شبحٌ بادي الشُحوبِ
جاء يسعى، تحت استارك، كالطيف الغريب
حاملاً في كفه العود يُغني للغيوبِ
ليس يعنيه سُكونُ الليلِ في الوادي الكئيبِ
هو ، ياليلُ، فتاة شهد الوادي سُراها
أقبل الليل عليها فأفاقت مقلتاها
ومضت تستقبلُ الوادي بألحان أساها
ليت آفاقك تدري ما تُغني شفتاها
آه يا ليلُ ويا ليتك تدري ما مُناها
جنها الليلُ فأغرتها الدياجي، والسكونُ
وتصباها جمالُ الصمتِ، والصمتُ فنونُ
فنضت برد نهارٍ لف مسراهُ الحنينُ
وسرت طيفاً حزيناً فاذا الكونُ حزينُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليلِ أنينُ
* * *
أيهِ يا عاشقة الليلِ وواديه الأغن
هو ذا الليلُ صدى وحيٍ ورؤيا مُتمنى
تضحكُ الدنُيا وما أنتٍ سوى آهةِ حزنِ
فخذي العود عن العُشبِ وضميه وغني
وصفي ما في المساءِ الحُلوِ من سحر وفنِّ
ما الذي، شاعرة الحيرةِ، يُغري بالسماءِ؟
أهي أحلامُ الصبايا أم خيالُ الشعراءِ؟
أم هو الاغرام بالمجهولِ أم ليلُ الشقاءِ؟
أم ترى الآفاق تستهويك أم سحرُ الضياءِ؟
عجباً شاعرةً الصمتِ وقيثار المساءِ
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغموضُ
لم يزل يسري خيالاً لفه الليل العريضُ
فهو يا عاشقة الظُلمة أسرارٌ تفيضُ
آه يا شاعرتي لن يرحم القلبُ المهيضً
فارجعي لا تسألي البرق فما يدري الوميضُ
عجباً، شاعرة الحيرةِ، ما سرُ الذهولِ؟
ما الذ ي ساقكِ طيفاً حالماً تحت النخيلِ؟
مُسند الرأسِ الى الكفين في الظل الظليلِ
مُغرقاً في الفكر والأحزان والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنة الظُلمة في الحقلِ الجميلِ
أنصتي هذا صُراخُ الرعدِ، هذي العاصفاتُ
فأرجعي لن تُدركي سراً طوتهُ الكائناتُ
قد جهلناه وضنت بخفاياهُ الحياةُ
ليس يدري العاصف المجنون شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبكِ، لن تنطق هذي الظُلماتُ

سمر محمد
10-06-2010, 03:28 PM
إلى الشعر

من بَخور المعابدِ في بابل الغابرهْ
من ضجيج النواعيرِ في فَلَواتِ الجَنوبْ
من هتافاتِ قُمْريّةٍ ساهرهْ
وصدى الحاصدات يغنّين لحنَ الغروبْ
ذلكَ الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوبْ
لحياتي, لسمع السنينْ
مُثخَنًا بعبيرِ مساءٍ حزينْ
أثقلتهُ السنابِلُ بالأرَجِ النَّشْوانْ,
بصدًى شاعريّ غريبْ
من هُتافاتِ ضفدعةٍ في الدجى النعسان
يملأُ الليلَ والغدْرانْ
صوتُها المتراخي الرتيبْ
**
ذلك الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوب
لحياتي, لسَمْع المساءْ
سيؤوبُ وأسمعُ فيه غناءْ
قمريَّ العُذوبةِ فيه صَدًى من ليالي المطر
من هدوءِ غُصونِ الشجر
وهي تمتصّ سَكْرى, رحيق السَّماءْ
الرحيقَ الذي عطّرتْهُ الغيومْ
بالرؤى, بتحايا النجومْ
**
سأجوبُ الوجودْ
وسأجمَعُ ذرّاتِ صوتِكَ من كل نَبْعٍ بَرودْ
من جبال الشِّمالْ
حيث تهمسُ حتى الزنابقُ بالأُغنياتْ
حيثُ يحكي الصنوبرُ للزَّمَنِ الجوّالْ
قصصًا نابضاتْ
بالشَّذى, قصصًا عن غرامِ الظِّلالْ
بالسواقي, وعن أغنياتِ الذئابْ
لمياهِ الينابيعِ في ظُلَلِ الغاباتْ
عن وقَارِ المراعي وفلسفة الجَدْولِ المُنْسابْ
عن خَروفٍ يُحسّ اكتِئابًا عميقْ
ويُقضِّي النَّهارْ
يقضِمُ العُشْبَ والأفكارْ
مُغْرَقًا في ضَبابِ وجودٍ سحيقْ
**
وسأجمعُ ذرّاتِ صَوْتِك من ضَحِكاتِ النعيمْ
في مساءٍ قديمْ
من أماسيِّ دِجلةَ يُثْقلُ أجواءَهُ بالحنينْ
مرحُ الساهرينْ
يرشفونَ خرير المياهْ
وهي تَرْطُمُ شاطئَهُمْ, وضياءُ القَمَرْ
قَمَرِ الصيفِ يملأ جوّ المَساءِ صُوَرْ
والنسيمُ يمرّ كلمس شِفاهْ
من بلادٍ أُخَرْ
ليلةٌ شهرزاديّةُ الأجواءْ
في دجاها الحَنونْ
كلّ شيءٍ يُحسّ ويحلُمُ حتى السكونْ
ويهيم بحبِّ الضياءْ
**
وسأسمَع صوتَكَ حيثُ أكونْ
في انفعال الطبيعةِ, في لَحَظاتِ الجنونْ
حينَ تُثْقل رجعَ الرُّعودْ
ألفُ أسطورةٍ عن شَبابِ الوجودْ
عن عصورٍ تَلاَشَتْ وعن أُمَم لن تعودْ
عن حكاياتِ صبيانِ (عادْ)
لصبايا (ثمودْ)
وأقاصيصَ غنَّتْ بها شهرزادْ
ذلك الملكَ المجنونْ
في ليالي الشتاءْ
وسأسمَعُ صوتَكَ كلّ مَسَاءْ
حين يغفو الضياءْ
وتلوذُ المتاعبُ بالأحلامْ
وينامُ الطموحُ تنامُ المُنَى والغَرَامْ
وتنامُ الحياةُ, ويبقى الزَّمَانْ
ساهرًا لا يَنَامْ
مثل صوتك, ملء الدُّجَى الوَسنانْ
صوتُكَ السهرانْ
في حنيني العميق
صوتك الأبديّ الذي لا يَنَامْ
فهو يبقَى معي سهرانْ
وأُحسّ صداهُ الملوّنَ يملأ كل طريقْ
بالشَّذَى بندى الألوانْ
صوتُكَ المجهولْ
أنا أدركتُ - يا فرحتا - سرّهُ المَعْسُولْ
أنا أدركتُهُ أنا وَحْدي وصمْتُ الزَّمَانْ

سمر محمد
10-06-2010, 03:29 PM
مرثية إمرأة
[ صور من زقاق بغداديّ ]

ذهبتْ ولم يَشحَبْ لها خدٌّ ولم ترجُفْ شفاهُ
لم تَسْمع الأبوابُ قصةَ موتها تُرْوَى وتُرْوَى
لم تَرتَفِعْ أستار نافذةٍ تسيلُ أسًى وشجوَا
لتتابعَ التابوت بالتحديقِ حتى لا تراهُ
إلا بقيّةَ هيكلٍ في الدربِ تُرْعِشُه الذِّكَرْ
نبأ تعثـّر في الدروب فلم يجدْ مأوًى صداهُ
فأوَى إلى النسيانِ في بعضِ الحُفَرْ
يرثي كآبَته القَمَرْ.
**
والليلُ أسلم نفسَهُ دون اهتمامٍ, للصَباحْ
وأتى الضياءُ بصوتِ بائعةِ الحليبِ وبالصيامْ,
بمُوَاءِ قطٍّ جائعٍ لم تَبْقَ منه سوى عظامْ,
بمُشاجراتِ البائعين, وبالمرارةِ والكفاحْ,
بتراشُقِ الصبيان بالأحجار في عُرْضِ الطريقْ,
بمساربِ الماء الملوّثِ في الأزقّةِ, بالرياحْ,
تلهو بأبوابِ السطوح بلا رفيقْ
في شبهِ نسيانٍ عميقْ

سمر محمد
10-06-2010, 07:53 PM
مشغول في آذار

ينام الورد أو يصحو
ويبسم في المدى ليل ند أو ينتشي صبح
سواء ذاك أو هذا , حبيبي , أنت مشغول
سدى مني أوتار تصّلي وتراتيل
على مكتبك البارد تنكبّ بلا أحلام
وتسرق روحك الأرقام
وعند رتاجك المسدود ترتدّ المواويل
وقد أضحك , قد أبكي , وأسهر في الدّجى وأنام
سواء ... أنت مشغول
بأوراقك , والحبّ على المكتب مقتول ,
ألا فلتسقط الأوراق والأقلام
وآذار الندي وأنا ..وراء الباب
نرشّ جبينك الجديّ بالأطياب
نرقرق في دواة الحبر بعض تحرّق الموج
وننجي خشب المكتب من برد ومن ثلج
ونهديك الندى والعطر كأس شراب
حبيبي فافتح الأبواب
أنا والقمر المشتاق جئنا نطرق الشبّاك
عبرنا الصخر والأشواك
ووديانا من الآهات والأوصاب
أتينا هاهنا لنراك
حبيبي فافتح الشبّاك
***
حبيبي فافتح الأبواب , نحن هنا
جميعا :
أنت , آذار , وفرحة حبّنا , وأنا
أنا والشمس نحمل سمرة النهر
وأكوابا من العطر
وحزمة أنجم وسنا
حبيبي فافتح الأبواب , نحن هنا
جميعا :
أنت , آذار , وفرحة حبّنا , وأنا

سمر محمد
10-06-2010, 07:55 PM
نحن وجميلة

جميلة ! تبكين خلف المسافات , خلف البلاد
وترخين شعرك كفّك دمعك فوق الوساد
أتبكين أنت ؟ أتبكي جميلة ؟
أما منحوك اللحون السخيّات والأغنيات ؟
أما أطعموك حروفا ؟ أما بذلوا الكلمات ؟
ففيم الدموع إذن يا جميلة ؟
وجرّحنا الوصف , خدّش أسماعنا المرهفه
وأنت حملت القيود الثقيله
وحين تحرّقت عطشى الشفاه إلى كأس ماء
حشدنا اللحون وقلنا سنسكتها بالغناء
ونشدو لها في الليالي الطويله
***
وقلنا : لقد سمّروها على خشبات صليب
وقلنا : سننقذها , سوف نفعل ! ثم غرقنا
وراء مدى " سوف " بين الحروف النشاوى وصحنا
تعيش جميلة ! تعيش جميلة !
***
وذبنا غراما ببسمتها وعشقنا الخدود
وهمنا بغمّازة وجديله
أمن جرحها الثرّ نطعم أشعارنا بالمعاني ؟
وذوبي أمام الجراح النبيله
***
هم حمّلوها جراح السكاكين في سوء نيّه
ونحن نحملّها – في ابتسام وحسن طويّه-
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة !
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة !
جراح المعاني الغلاظ الجهوله
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة

سمر محمد
10-06-2010, 07:56 PM
إلى وردة بيضاء

كنز البرودة والرحيق وخبأ اللين العطر
يا من عصرت من الثلوج من الحليب من القمر
يا ضوء خدّ من حرير أبيض ملء النظر
بيضاء يا ملقى فراشات الربيع المنتظر
الشمس ودّت لو سقيت ضياءها منحا أخر
والفجر تابعك الأمين يريق ظلّك في النهر
يا ملتقى حبّ السّواقي والقنابر والشجر
واحسرتاه على البشر
مرّوا بكنزك سائلين
مسكينة ما تملكين ؟
***
بيضاء : نحن أنا وأنت سنكتم السرّ المثير
سرّي وسرّك لن نبوح به إلى الركب الضرير
ماذا ملكنا ؟ لا ضياع ولا عبيد ولا قصور
لا شيء إلا رعشة القمر المرّنح في الغدير
وغناء أنسام المساء المخمليّات المرور
وصداقة العصفور والفجر الملوّن والعبير
ومودّة الشمس الحنون وقبلة المطر الغزير
ووساد أعشاب وثير
وارحمتا للسائلين
وسؤالهم : ما تملكين ؟

سمر محمد
10-06-2010, 07:57 PM
الزائر الذي لم يجيء

..ومرّ المساء , وكاد يغيب جبين القمر
وكدنا نشّيع ساعات أمسية ثانيه
ونشهد كيف تسير السعادة للهاويه
ولم تأت أنت..وضعت مع الأمنيات الأخر
وابقيت كرسّيك الخاليا
يشاغل مجلسنا الذاويا
ويبقى يضجّ ويسأل عن زائر لم يجيء
***
وما كنت أعلم أنّك إن غبت خلف السنين
تخلّف ظلّك في كلّ لفظ وفي كلّ معنى
وفي كلّ زاوية من رؤاي وفي كلّ محنى
وما كنت أعلم أنّك أقوى من الحاضرين
وأنّ مئات من الزائرين
يضيعون في لحظة من حنين
يمدّ ويجزر شوقا إلى زائر لم يجيء
***
ولو كنت جئت..وكنا جلسنا مع الآخرين
ودار الحديث دوائر وانشعب الأصدقاء
أما كنت تصبح كالحاضرين وكان المساء
يمرّ ونحن نقّلب أعيننا حائرين
ونسأل حتى فراغ الكراسي
عن الغائبين وراء الأماسي
ونصرخ أنّ لنا بينهم زائرا لم يجيء ؟
***
ولو جئت يوما – وما زلت أوثر ألا تجيء-
لجفّ عبير الفراغ الملوّن في ذكرياتي
وقصّ جناح التخيّل واكتأبت أغنياتي
وأمسكت في راحتيّ حطام رجائي البريء
وأدركت أنّي أحبّك حلما
وما دمت قد جئت لحما وعظما
سأحلم بالزائر المستحيل الذي لم يجيء

سمر محمد
10-06-2010, 08:00 PM
الخيط المشدود في شجرة السرو

-1-
في سوادِ الشارعِ المُظلم والصمتِ الأصمِّ
حيثُ لا لونَ سوى لونِ الدياجي المدلهمِّ
حيثُ يُرخي شجرُ الدُفلى أساهُ
فوقَ وجهِ الأرضِ ظلاَّ ،
قصةٌ حدّثني صوتٌ بها ثم اضمحلا
وتلاشتْ في الدَّياجي شفتاهُ
-2-
قصةُ الحبّ الذي يحسبه قلبكَ ماتا
وهو ما زالَ انفجاراً وحياةَ
وغداً يعصرُكَ الشوقُ إليَّا
وتناديني فتَعْيَـى ،
تَضغَظُ الذكرى على صَدركَ عِبئا
من جنونٍ ، ثم لا تلمُسُ شيئا
أيُّ شيءٍ ، حُلمٌ لفظٌ رقيقُ
أيُّ شيءٍ ، ويناديكَ الطريقُ
فتفيقُ .
ويراكَ الليلُ في الدَّرْبِ وحيداً
تسألُ الأمسَ البعيدا
أنْ يعودا
ويراكَ الشارعُ الحالِمُ والدُفْلى ، تسيرُ
لونُ عينيكَ انفعالٌ وحبورُ
وعلى وجهك حبٌّ وشعورُ
كلّ ما في عمقِ أعماقِكَ مرسومٌ هناكْ
وأنا نفسي أراكْ
من مكاني الداكن الساجي البعيدْ
وأرى الحُلْمَ السَّعيدْ
خلفَ عينيكَ يُناديني كسيرا
..... وترى البيتَ أخيرا
بيتنا ، حيثُ التقينا
عندما كانَ هوانا ذلك الطفلَ الغَرِيرا
لونُهُ في شفتَينا
وارتعاشاتُ صِباهُ في يَدَيْنَـا
-3-
وترى البيتَ فتبقى لحظةً دونَ حِراكْ :
" ها هو البيتُ كما كان ، هناك
لم يزلْ تَحجبُهُ الدُفْلَى ويَحنو
فوقَهُ النَّارنجُ والسروُ الأغنُّ
وهنا مجلسنا ...
ماذا أُحسُّ ؟
حيرةٌ في عُمق أعماقي ، وهمسُ
ونذيرٌ يتحدَّى حُلمَ قلبي
ربما كانت .. ولكن فِيمَ رُعْبِي؟
هي ما زالتْ على عَهد ِهَوَانا
هي ما زالتْ حَنانا
وستلقاني تحاياها كما كنا قديما
وستلقاني ... " .
وتمشي مطمئناً هادئاً
في الممرِّ المظلم الساكن ، تمشي هازئا
بِهتافِ الهاجسِ المنذر بالوَهْم الكذوبِ :
" ها أنا عُدت وقد فارقتُ أكداسَ ذنوبي
ها أنا ألمحُ عينيكِ تُطِلُّ
ربما كنتِ وراءَ البابِ ، أو يُخفيكِ ظلُّ
ها أنا عُدتُ، وهذا السلَّمُ
هو ذا البابُ العميقُ اللونِ ، ما لي أُحجمُ ؟
لحظةً ثم أراها
لحظةً ثم أعي وَقْعَ خُطاها
ليكن.. فلأطرقِ البابَ ... "
وتمضي لَحَظَاتْ
ويَصِرُّ البابُ في صوتٍ كئيبِ النبراتْ
وتَرى في ظُلمةِ الدهليزِ وجهاً شاحبا
جامداً يعكسُ ظلاً غاربا :
" هلْ .. ؟ " ويخبو صوتُكَ المبحوحُ في نَبْرٍ حزينْ
لا تقولي إنها... "
" يا للجنونْ !
أيها الحالِمُ ، عَمَّن تسألُ ؟
إنها ماتتْ "
وتمضي لحظتانْ
أنت ما زلتَ كأنْ لم تسمعِ الصوتَ المثُيرْ
جامداً ، تَرْمُقُ أطرافَ المكانْ
شارداً ، طرفُك مشدودٌ إلى خيطٍ صغيرْ
شُدَّ في السرْوة لا تدري متى ؟
ولماذا ؟ فهو ما كانَ هناك
منذُ شهرينِ ، وكادتْ شفتاكْ
تسألُ الأختَ عن الخيطِ الصغيرْ
ولماذا علَّقوهُ ؟ ومتى ؟
ويرنُّ الصوتُ في سمعكَ : " ماتت.."
"إنها ماتتْ.." وترنو في برودِ
فترَى الخيطَ حِبالاً من جليدِ
عقدتها أذرُعٌ غابت ووارتها المَنُونْ
منذ آلافِ القُرونْ
وتَرى الوجهَ الحزينْ
ضخَّمتْهُ سحُبُ الرُّعب على عينيكَ . "ماتت.."
-4-
هي " ماتتْ " لفظةٌ من دونِ معنى
وصَدى مطرقةٍ جوفاءَ يعلو ثم يَفْنَى
ليسَ يعنيكَ تَواليه الرتيبُ
كلّ ما تُبصرُهُ الآنَ هو الخيطُ العجيبُ
أتراها هي شَدَّتهُ ؟ ويعلو
ذلك الصوتُ المُملُّ
صوتُ " ماتتْ " داوياً لا يضمحلُّ
يملأُ الليلَ صُراخاً ودويّا
" إنَّها ماتت " صدى يهمسهُ الصوتُ مليّا
وهُتافٌ رددتُه الظلماتُ
ورَوَتْهُ شجراتُ السروِ في صوتٍ عميقِ
" أنّها ماتت " وهذا ما تقولُ العاصفاتُ
" إنّها ماتتْ " صَدىً يصرخُ في النجمِ السحيقِ
وتكادُ الآنَ أنْ تسمعهُ خلفَ العروقِ
-5-
صوتُ ماتتْ رنَّ في كلِّ مكانِ
هذه المطرقةُ الجوفاءُ في سَمع الزمانِ
صوتُ " ماتت " خانقٌ كالأفعوانِ
كلُّ حرفٍ عصبٌ يلهثُ في صدركَ رُعبا
ورؤى مشنقةٍ حمراء لا تملكُ قلبا
وتَجَنِّي مِخلبٍ مختلجٍ ينهش نَهشا
وصدى صوتٍ جحيميٍّ أجَشَّا
هذه المطرقةُ الجوفاءُ : " ماتت "
هي ماتتْ ، وخلا العالَمُ منها
وسُدَىً ما تسألُ الظلمةَ عنها
وسُدَىً تُصغي إلى وقعِ خطاها
وسُدَىً تبحثُ عنها في القمر
وسُدَىً تَحْلمُ يوماً أن تراها
في مكانٍ غير أقباءِ الذِّكَرْ
إنَّها غابت وراء الأنْجُمِ
واستحالتْ ومضةً من حُلُمِ
-6-
ثم ها أنت هنا، دونَ حراكْ
مُتعَبَـاً ، تُوشِكُ أن تنهارَ في أرض الممرِّ
طرفُكَ الحائرُ مشدودٌ هناكْ
عند خيطٍ شُدَّ في السَّرْوَةِ، يطوي ألف سِرِّ
ذلك الخيطُ الغريبْ
ذلك اللغزُ المُريبْ
إنَّـه كلُّ بقايا حبِّكَ الذاوي الكئيبْ .
-7-
ويَراكَ الليلُ تَمشي عائدا
في يديك الخيطُ ، والرعشةُ ، والعِرْقُ المُدَوِّي
" إنَّها ماتتْ .. " وتمضي شاردا
عابثاً بالخيط تطويهِ وتَلوي
حول إبْهامِكَ أُخراهُ ، فلا شيء سواهُ ،
كلُّ ما أبقى لك الحبُّ العميقُ
هو هذا الخيطُ واللفظُ الصفيقُ
لفظُ " ماتتْ " وانطوى كلُّ هتافٍ ما عداه