|
|
|
موضوع مغلق |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||
|
|||||||
الأديبة عبير محمد النحاس
-من مواليد سوريا – حمص -مدرسة لمادة الرسم -طالبة سنة ثانية في - جامعة الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية -حاصلة على شهادة المركز الكندي للتنمية عن دورات ( أسرار القوة الذاتية ) ( قوة التحكم في الذات ) -عضو عامل في رابطة أدباء الشام -عضو رابطة الواحة الثقافية -مشرفة أدب الطفل في منتدى القصيدة العربية -نشرت قصصا و رسومات للأطفال في: - المجلة العربية - مجلة النبات الحسن - مجلة أجراس الإعلانية -من إصداراتها : مجموعة قصصية بعنوان أبطال صغار من فلسطين - دار القمر الصغير -قامت برسم : سلسلة الأخلاق الإسلامية – دار الإرشاد سلسلة الآداب الإسلامية – دار الإرشاد - قيد النشر : مجموعة قصصية بعنوان ( تلميذة الرومان ) سلسلة قصصية للأطفال بعنوان ( سلوكي القويم ) سلسلة قصصية للأطفال بعنوان ( مشكلتي مع ) مجموعة قصصية للأطفال مع الرسوم بعنوان ( مغامرات بنات ) السيناريو :قامت بكتابة فيلم كرتوني للأطفال مسلسل السيرة النبوية( رسوم متحركة للأطفال) لصالح شركة ألاء للإنتاج الفني - قيد الإنجاز : رواية مصورة لليافعين بعنوان ( صيف لا ينسى ) موسوعة قصصية مصورة لتعليم قواعد النحو و الإملاء للأطفال العديد من السيناريوهات الكرتونية الإسلامية ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك |
12-09-2010, 09:14 AM | #2 |
|
الكَوكَبُ الآخَر دخَلت زينة غُرفة الَّصفِّ مبتسمة , وقف جميع الصِّغار احتراما لها كمَا اعتادوا , أشارت إليهم بيدها أن اجلسوا , و هي تَقول : - استريحوا يا أولاد . علَّقت حقيبتها على الكرسيِّ , و أبعدت وشاحها الصوفي الأبيض عن رقبتِها .. قامت بطيِّهِ ووضعَتْهُ على الطَّاولة مُسرعة لتَتَوجَّه نحوَ السبُّورة و تسجِّل التَّاريخِ و لِتَتْرك مكانَ موضوعِ الدَّرسِ - الذي ينتظِرُه الصِّغار- فارِغاً . اسْتَدارت نحوَ العيونِ المُتلهِفَة , و ابتَسمت مجدَّدا لبَريقِها المُتَسائِل, و لمْ تَشَأ أنْ تُطيلَ انْتظارَها فقالت بصوتِها الهادِئ : - كما خلقَنا الله بصورتِنا الجَميلةِ هذه على هذا الكوكبِ الَّذي نعرِفهُ جيداً و نحِبُّه كَثيراً أليسَ من الممكن أن يكونَ قد خلقَ غيرنا على كوكبٍ آخرٍ بعيدٍ لا نعرِفهُ ؟! صَاح الجَميع : - نعم مُمكن ابتسمت و أكملت : - جميل ٌجِداً , ألا يُمكنُ أنْ يكونَ لهذِه المخْلوقاتِ حَضاراتٌ و لغاتٌ و سياراتُ و أشجارٌ و بيوت ؟! - نعم - أليس من المُمكنِ أنْ نلتَقي بهم في يومٍ من الأيامِ و نزورُهُم و يزورُونَنَا ؟ ضَحِكَ الجَميع : - نعم نعم أشارتْ نحوَ سارِي : - ألا يمكن أن يَعملِ سَاري طبيباً في مُستشفى من مُستشفياتِ ذلك الكَوكَب ؟ عَلَتْ ضَحِكاتِهم . أشارتْ نحوَ أدهم صَاحِب اليدِ البلاستيكيَّة : - و هل منَ الممكِن أن نتَلقى دعوة لحُضور حفلِ زفافِ أدهمَ فنجِد أنَّ نصفَ المدعوِّينَ قد حضروا مع العَروس منَ الكوكبِ الجَديد ؟ ضجَّ الأطفالُ بالضّحِك, و ابتَسم أدْهَم بِخَجل و هو يخفي يده الصِّناعية مجددا تحت طاوِلةِ مقعدهِ , سُرَّتْ بابْتِسامَتِه الأولى و أكمَلت قائِلة : - فكيفَ تتخيَّلون شَكل الفَضَائيِّين ؟ أجابوا بمَرَح : - لهم أربعَة عيون . - خمسة . - لهم ستة أرجل و ستَّة أذْرع . - طوالٌ جِدا - لهم قرون أكملتْ : - هذا رائع و كيفَ تتصوَّرونَ ألوانَهم ؟ علت صيحاتهم : - لونُهم أخضر - بل أحمر - لا لا أزرق بدأَت ترى لوحاتٍ جميلةٍ تلوحُ أمامَها : - فكيف سيكون شَكل بيوتِهم ؟ قفز سامر قائلا : - بيوتهم لها أجنحة - بيوتهم مثل الصواريخ - يبنونها على أعمدة ملوُّنة أشارت بيديها ليجلسوا جميعا : - فهل تختلف تربه كوكبهم عن تربة كوكبنا ؟ و جاءت الإجابات بسرعة : - تربتهم حمراء - برتقالية - زرقاء عادت نحو السبُّورة لتكتبَ عِنوانا لدرسِها ( الكوكبُ الآخر ) ثم لتعودَ أدراجَها و تقفَ قبالتَهم قائِلة : - كلُّ ما ذَكرتُموه كانَ رائِعاً , هيَّا لترسُموا لنا هذا الكوكَب الجَديد . شُغِفَ الجَميعُ برسْمِ لوحاتِهم , و اقتربَ أدهمُ مِنها حامِلاً عُلبة ألوانِه بيدهِ اليُمنى , و قد ثبَّتَ دفتَره على صدرِه بتِلك اليد الصَّلبة , ابتسمت لاقترابه , نظر نحوها مستأذنا بالرسم على طاولتِها , أبعَدت وشاحها عن المَكان , وضعَ العُلبة أولا ثمَّ سحَب الدَّفْترَ و قامَ بفَتحِهِ و بدأ بالرَسم , تركتهُ مطمئنة لتقوم بجولة بين المقاعِد و ترى انطلاقَة الخيالِ الجامِح في لوحاتِهم , اقتربتْ من أدهمَ بعدها لتمسَح على رأسهِ و هي تُتابعُ ما يرسُمه بيدهِ الصَّغيرة , رأتْ رجُلا صَغيراً أخضر اللَّونِ له أربعةُ عيونٍ و رجلان و يدٌ واحدةٌ , نظَرَ إليها أدْهم و قد فَهِم سرَّ صمتِها المُتَسائِل و قال مبتَسما : - السُّكَّان على هذا الكَوكَبِ يمتلكونَ يداً واحدة . |
|
12-09-2010, 09:17 AM | #3 |
|
لم أكن مضطرة لارتداء قطعة كبيرة من الحلي الذهبية أو الإكسسوارات المقلَّدة وأنا أستعد للذهاب إلى منزل صديقة طفولتي (غالية), قمت فقط بارتداء (جاكيت) من الكتان البني بقصَّة كلاسيكية, و(تنورة) بقصة مستقيمة, واكتفيت بقرط صغير, ولم يكن هناك داع لحمل أيٍّ من الحقائب التي تَظهر ماركة صانِعها عليها, فقد كانت عينا غالية تستطيعان تمييز كل ما هو ثمين دون أن ترى ذلك الشعار الصارخ. في محل بيع الزهور انتَقيت بعض زهرات البنفسج, وطلبت نوعاً من الزهور الصغيرة ذات اللون الأصفر معها, واخترتُ شريطاً من الساتان البنفسجي لضم الباقة الملفوفة بقطعة من القنب الطبيعي الجميل, وحملت معي زجاجة من عطر(غالية) المفضَّل, ولم أجرؤ على شراء أي من أنواع الشوكولاته التي تعشقها, فسبب زيارتي هو خروجها من المستشفى بعد إصابتها بنوبة قلبية مفاجئة, وقد خشيت أن يكون الدسم والسكر من الأكلات المضرة لها. في الطريق ابتسمتُ وأنا أتذكر آخر لقاء جمعني بها، وكنت قد اخترت –كعادتي- قطعة من الشوكولاته المستطيلة, وبعد تناولها قمت بطي ورقة السولوفان التي غُلِّفت بها, ومن ثم وضعتها في صحن الكريستال الموضوع على (الترابيزة) الموجودة أمامي، فلاحظتُ ابتسامتها ذات المغزى, ولاحَظَتْ تساؤلي.. فقالت: “كما أنت دائما, تتهربين من المواجهة وتفضلين التكيُّف, وتمتلكين الكثير من الرومانسية وبعض الأفكار المنظمة”. ضحكت كثيرا يومها, واعترضت على قولها بأنني أتهرب من المواجهة, وأخبرتها أنني فقط أمتلك بعض الصبر, وعندما ينفذ لا أجد ُبدَّاً من المواجهة، ومهما كانت النتائج, فوافقتْ بعد أن ذكَّرتها بعدَّة مواقف كانت قد شَهِدتها بنفسها. كنت أعرف ولعها بالشوكولاته, وتناولها المفرط لكل المنتجات التي تتعلق بها, فقد كانت تفاجئ الجميع في المدرسة بكعكاتها المغطاة بالشوكولاته السائلة التي تجلبها لنا لنتناولها سراً قبل مجيء المدرِّسة, ثم تقوم بتقطيعها بنفسها, وتخصُّني بقطعة كبيرة في كل مرة, وكنت أرد لها الجميل وأخصُّها بأكبر قطعة(بيتزا) أقوم بصنعها وجلبها معي إلى المدرسة عندما يحين دَوري. وكانت تدافع عن محبوبتها تلك, وتعتبر أن بشرتها الصافية أكبر دليل على براءة الشوكولاته من التسبب بظهور حب الشباب, وطالما استمتعت بتلك القصص اللذيذة التي كانت تحكيها لنا عن تاريخ تلك الأكلة منذ أن اعتبرها (الأزتيك والمايا) طعاما للآلهة, ومن ثم إهمال كولومبس لتلك الحبات التي أهداه إياها إمبراطور (الأزتيك), واهتمام ( هيرنان كوريتس) بها وحملها نحو إسبانية بعد سبعة عشر عاما, وحصوله على لقب مكتشف الذهب البني. وقد نصحتني عندما كنت حاملا بطفلي الأول بتناول الكثير منها ليخرج طفلي إلى الحياة مرحا وهادئا كما هو طفلها، ففعلت وكان طفلي كطفلها تماما. وفي ذلك اليوم الذي هاتفتْني فيه لتشكو لي تغيُّر زوجها معها, وذهبت مسرعة يسبقني خوفي عليها, ووجدتها جالسة على أريكتها البنية وقد احتضنت طبقا من الشوكولاتة المحشوة بالقهوة, وراحت تتناوله وهي دامعة, وأخبرتني أنها تحاول رفع معنوياتها المحطمة. وقدمت لي بعض الحبات الداكنة المُرَّة -عندما كنا نمارس رياضة المشي الصباحي معا بعد ولادتنا بزمن متقارب- حرصا على (الريجيم) الجماعي الذي اتفقنا عليه, ودعما لتلك الشراكة. واختارت قناع الشوكولاته عندما قمنا بزيارة صالون التجميل لعمل علاج لبشرتنا, واخترت لنفسي –وقتها- قناع الفاكهة, وبدأت جلسة التقشير والتنظيف بثقة, ثم ظهرت بشرتها صافية تماما, وأذكر يومها أنني قررت عمل ذلك القناع في المنزل, فأخبرتني أن علي إذابة قطعة كبيرة من الشوكولاته في حمام مائي ثم إضافة بعض الحليب وملعقة من الملح الخشن, ففعلت وكانت النتائج مرضية جدا, ولكن رائحة القناع لم تغادر وجهي ليومين بعدها. وفي حفل يخصني حصلت منها على مستحضرات غالية لترطيب وتغذية البشرة بزبدة الكاكاو وبعض عناصر الشوكولاته. دخلتُ غرفتها أخيرا، وقبَّلتها بعد أن أبديتُ إعجابي بثوبها المُترف والمزين (بالدانتيل) المطرز, وبتسريحتها الجميلة, ولم أنطق بشأن تلك الصفرة التي علت وجهها وصدمتني بشدة. واستكمالا لرونقها قمت بفتح زجاجة العطر, ونثرت رذاذه على رقبتها وأنا أقاوم دمعة كادت تفضح خوفي عليها, ووضعت زهراتي على (الكومودينة) بجانبها, وابتسمت ابتسامة فهِمَتْها عندما رأيت طبقا من الشوكولاته عليها, فقالت وهي تناولني مجلة ملونة: “لقد أكدت دراسة أجراها أطباء في ألمانيا أن الشوكولاته مفيدة للقلب”. |
|
12-09-2010, 09:19 AM | #4 |
|
لعبة الجيران كانت التحضيرات لتلك اللعبة تبدأ قبل يوم كامل على الأقل من ساعة الصفر , فقد كنت في السابعة من عمري و أختي التي تكبرني بعام واحد , و خالتي التي تكبرها بعام أيضا نحتفظ بطقوس خاصة للعبتنا المفضلة , و التي كنا نسميها ( لعبة الجيران ) . فقد كان يتمُّ تقسيم الغرفة الخاصة بنا إلى ثلاثة منازلَ مستقلة , و إلى سوق للخضروات و المأكولات و الملابس , و إلى أماكن للعمل الذي سنكون موظفات فيه , و قبل موعد اللعبة بيوم كامل كنا نقطّع الورق الأبيض إلى قطع متساوية , و نكتب عليها أرقاما تماثل نقود الكبار , و من ثم نودعها المصرف الذي سنأخذ منه أجرنا بعد العمل , و نقوم بترتيب المكعبات و الألعاب الصغيرة الحجم على طاولة الدراسة , و نكتب على كل مجموعة منها اسم الصنف الذي يشبهها, فيتوفر لدينا الكثير من الأنواع المختلفة من اللحوم و الخضراوات و المواد التي تلزم البيوت جميعا . و كانت الخزائن تُفرغ من الملابس على آخرها و تكوم الملابس على الكراسي استعدادا لرحلات التسوق التي سنقوم بها . و لم نكن ننسى أبدا أن نقطع أوراقا بحجم صغير للغاية و نتركها في طبق عميق مع القليل من الماء و نقص أوراقا بشكل مربعات لتكون لنا كما ورق العنب و الأوراق الصغيرة المنقوعة بالماء هي الحشو المعدّ لها . و كنا نستيقظ قبل الفجر لنبدأ تلك الّلعبة الممتعة , و نمارس فيها حياتنا كما الكبار , فنستيقظ لنُنَظف و نُرتبّ بيوتنا الصغيرة جدا , و نشربُ قهوةَ الصباح, و نقوم بعدها بتبديل ملابس ألعابِنا أو أولادِنا الصغار كما نتخيّلهم و نوصِلهم للروضة و نحن نحمل حقائب تحتوي على فوط إخوتنا الصغار وأشيائهم الأخرى كالبودرة و زجاجات الرضاعة و الملابس المتنوعة , و نتوجه بعدها نحو أعمالنا لنضع نظاراتنا الشمسية الصغيرة على عيوننا كما يفعلون , و بالكاد كنا نرى ما نقوم به من أعمال كتوقيع الكثير من الأوراق بمتعة لا توصف و كما يفعل المُدراء في المسلسلات التلفزيونية تماما , و قد كنا نحتفِظ بتلك الأوراق خصّيصا لتحمِل تواقيعنا المحترمة , و من ثم لا نعلم من الذي يقرر نهاية الدوام, فنخرج لنتسلَّم رواتبنا من المصرف , و نقوم بالتسوق في طريق عودتنا فنشتري ما لذّ وطاب من المأكولات و الأغراض التي نحتاجها , و نأتي بالأولاد للمنزل , و نحضِّر طعام الغداء المكون من بعض المكعبات التي تجمعها أطباقنا الصغيرة الملونة, ثم نذهب بالألعاب إلى القيلولة حيث يمكننا وقتها غسل الملابس و نشرها على الحبال التي نشَكّلها من أحزمة ثيابنا و نربطها بأبواب الخزائن و من ثم نكويها بما نتخيله مكواة كهربائية , و نغسل أطباقنا الحلوة دون تذمر . وقد نقوم بزياراتٍ بعد العصر – حسب توقيتنا طبعا – لبيوت بعضنا , و تعد من أجل الزيارة صاحبة البيت طعام الضيافة و القهوة, و من ثم نعود في المساء لنقوم بشُغل الصوف أو لف ورق العنب أمام التلفاز و نحن نتناول المكسرات و نشرب العصير من كؤوس لا تتجاوز عقلة الإصبع و كانت الأمور تجري بانسيابية و روعة و لم نكن نشعر بالوقت حتى تبدأ والدتي بطلب أدوات المطبخ التي افتقدتها, و التي تحتاجها لإعداد وجبة الفطور و كنا نشعر وقتها أننا فقدنا خصوصيتنا , و أن هناك من اقتحم علينا عالمنا السحري , فكنا نبدأ بإرجاع الأشياء إلى مكانها بتثاقل شديد و قد انتهى وقت لا يقدّر بثمن . |
|
12-09-2010, 09:20 AM | #5 |
|
حفاظاً على العرش .. لم تستطع تلك الدعوة التي تلقتها لحضور حفل العرس أن تسعدها هذه المرة , بل شعرت أنها في ورطة حقيقية , فظروف زوجها و ضائقته المالية في أوجها , و هذه الحفلات و ما يتبعها من ملابس باهظة الثمن و إكسسوارات و حليّ غالية تحتاج ما لا تملكه في هذه المحنة التي تعصف بها . كانت أناقتها تحظى باهتمام كبير منها رغم أنها لم تكن تسعى إلى لفت الأنظار إليها , و لكنّ اهتمامها بالجميل و الجديد كان كفيلا بجذب أنظارهنّ نحوها , و دفعها مضطرة للاشتراك في تلك المنافسات المستعرة التي تدور حولها, فكان أن توِّجت ملكة عليهن دون منازع . لم يكن ليسهل عليها التنازل عن عرشها الجميل عندما تذهب للحفل بفستان يعرفه الجميع هناك , و لم يكن الاعتذار عن الحضور بالفكرة الصائبة في هذا الوقت , فهو بمثابة إعلان صامت عن أزمة تمر بها , و ستكون حتما في مرمى ألسنتهن و مجال تندرهن و شفقتهن المخادعة . وقفت حائرة أمام خزانتها المكتظة بما لم يرضها , و راحت تتمعن في ملابسها لتنتقي ما ينفع للحفاظ على مكانتها . كان فستانها الأسود الكلاسيكي الهادئ و الموقع باسم مصمم معروف مستعدا لنجدتها كما في كل مرة تضيق بها السبل فلا تعرف ماذا ترتدي , و كان هو الصديق الوفي الذي لا يخيّبها, و هو السهل الممتنع , و الموضة السنوية الراسخة في عالم الأزياء الذي لا يكف عن التبدل و التغيّر , فقد اعتبر رمزا للأناقة النسائية منذ أن قامت ( كوكو شانيل ) بتصميمه في عام ألف و تسع مائة و ست و عشرين , و تربع دوما في أعلى قوائم المجموعات التي يطلقها المصممون العالميون . و قد عملت هي بنصيحة قرأتها للمصمم الراحل( كريستيان ديور) قال فيها ” أنه أهم قطعة يجب أن تمتلكها المرأة ” فاختارت فستانا أسود بقماش فاخر و خياطة رفيعة و قصة تشبه إلى حد ما شكل فستان الشوال الإنكليزي المعروف , و ممهورا بتوقيع صاحبه الشهير , و تعمدت أن يكون بلا أكمام ليناسب أيام الحر, و اشترت شالاً أسود من الصوف الخفيف لتلبسه معه عندما يكون الجو باردا . قضت يوما كاملا في التسوق بحثا عما تتحايل به على فستانها الناعم لتضفي عليه شكلا جديدا و متميزا . و عادت إلى المنزل بحزام جلدي عريض أسود لامع و متقنٌ جدا من محل راق تعرفه , و عقد ضخم من اللآلئ الكبيرة الحجم و التي لا يمكنها أن تعطي انطباعا بأنها أصلية , و كانت قد تعمّدت شراءها بهذا الحجم الكبير بعدما رأت مثلها معلقة على رقبة ( ميشيل أوباما ) زوجة الرئيس الأمريكي , و في فترة الانتخابات تحديدا , و قد أكد الجميع أن من المستبعد أن تكون تلك اللآلئ أصلية , و هذا ما أشارت إليه يوما المصممة ( شانيل )حين قالت : ” لا يفترض بالمجوهرات أن تجعلك تبدين ثرية , بل المطلوب منها أن تجمِّلك , و هما أمران مختلفان” و قد اقتنعت بالفكرة تماما و كان أن تجرأت على ركنِ ذهبها في علبة الموزاييك , و راحت تقتني ما يحلو لها من مجوهرات تقليدية بأحجام كبيرة و صغيرة و بمختلف الأشكال و الألوان التي تناسب ما لديها من ملابس . منذ الصباح بدأت ببرنامج العناية المنزلية ببشرتها , فقامت بوضع قناع البيض و العسل و خليط من زيت الزيتون و زيت الجزر على وجهها لساعة كاملة, و بعد غسله راحت ترشه بماء الزهر كل حين , و من ثم وضعت مستحضرا من خلاصة الشاي الأخضر و زهر البابونج و تركته حتى المساء . و قبل الموعد بساعة أكملت ماكياجها الخفيف و قد اختارت له اللون الرمادي الساحر , و تركت شعرها ينساب بحرية دون أن تفكر في الذهاب إلى صالون تجميل استكمالا لمظهرها الناعم . ارتدت فستانها المحافظ و شدته بالحزام الجلدي اللامع , ثم تقلدت عقدها الضخم , و سوارا من الكريستال الأسود تتدلى منه بعض الأحجار من اللون نفسه و بأحجام مختلفة , و اختارت حذاء أسود بكعب عال رفيع , و وشاح من الساتان الطويل , وحملت حقيبتها السوداء الصغيرة المرصعة بماسات رقيقة و المغلفة بالدانتيل الأسود , وقرأت على نفسها آيات الحفظ و أذكار الحماية قبل أن تغادر نحو الغرفة التي يجلس فيها زوجها معلنة استعدادها للذهاب إلى الحفل . ترك زوجها كتابا كان يتصفحه , و نظر بدهشة نحو الجمال الذي لم يكلفه شيئا مما كان يتكبده من أموال طائلة أيام الرخاء , ابتسم و قد أعجبه صمودها و قدرتها على تدبّر أمرها دون أن تذيقه الأمَرّين كما كانت تفعل عندما تستعد لمثل هذه المناسبات . دخلت الحفل بثبات و ثقة , أحاطتها نيران العيون الكحيلة , ابتسمت و قد أدركت أنها أشعلت المنافسة بقوة , و أنها حصلت على العرش مرة أخرى و بجدارة لتميّز شكلها , و اختلافها الأنيق عن الأخريات . لم تغرها أقمشة أثوابهن المهفهفة و المثقلة بالأحجار الساحرة , و لم تفتنها تسريحات شعورهن المعقدة التي ترزح تحت وطأتها رؤوسهن الجميلة . فقط اكتفت بابتسامة ثقة أرسلتها للجميع , و راحت ترتشف قهوة العرس بهدوء ,و تشكر بحب صديقها الوفي الأنيق . |
|
12-09-2010, 09:21 AM | #6 |
|
التشيؤ كنت تستطيع بسهولة , أن ترى ذلك البريق في عينيها , و تلك الابتسامة المرسومة على شفتيها , و تدرك مقدار سعادتها , و هي ترتدي ملابسها بهدوء , كما أمرت والدتها , دون تذمرها المعتاد . ارتدت بنطال الجينز المطرز بالخيوط الوردية , و تلك البلوزة الوردية القصيرة , و حذاءها الرياضي المزين بالورود الصغيرة , و تركت شعرها الكستنائي ينساب تحت قبعتها الواقية من الشمس , و التي طالما رفضت ارتداءها , في الأيام العادية , و لكنها اليوم لم تكن كعادتها مطلقا , لقد كانت تعيش لحظات استثنائية و هي تستعد للذهاب مع والدها إلى بيت منير , كانت الزيارة حلما يراودها منذ أن لمحت عيناها لوحته التي أهداها لوالدها , و التي يصور فيها عمودا من خشب له شكل امرأة تحمل طفلها . كانت تجلس أمام اللوحة طويلا , و تعيش مع عالم الألوان الزيتية فيها , تحلم بامتلاكها تلك الألوان , وامتلاكها لمرسم خاص بها , و تشعر بلذة نشر اللون على القماش المشدود , و ربما تحلم بأن تهدي لأصدقائها لوحاتها البارعة . و كم سألت والدها قائلة : - ما اسم هذه اللوحة يا أبي ؟ فكان يجيبها بابتسامة , و هو يرى حنينها للألوان و شوقها لإنجاز يماثل لوحات منير : - اسمها التشيؤ يا حلوتي . لم تكن لتهتم للاسم , أو المعنى الذي لم تفهمه , كانت متأكدة أن لمنير كما لكل الناس فلسفتهم الخاصة , و لربما شعرت أنه كان يعاني وقتها من غربة عن البشر , فرأى الناس يومها كما الأشياء . رغبة ملحة للقائه حلت بها , فكانت ترجو والدها أن تكون معه , في زيارته لبيت منير , وكاد الحلم أن يصبح حقيقة . بضع دقائق فقط تفصلها عن رؤية منزل منير , أو مرسمه , كادت تطير من الفرحة , و هي تدخل تلك الحديقة الجميلة التي تسبق باب المرسم , و ترى كل تلك المنحوتات الرائعة التي زين بها منير حديقته , و قام بتوزيعها بين زهوره الساحرة , راحت تحدث نفسها : - سيكون لمرسمي مثل هذه الحديقة , و سأنثر المنحوتات بين زهوري تماما كما تفعل أنت يا أستاذ منير . دخلا على المرسم أخيرا , كان قلبها يخفق بشدة , و هي ترى تلك الكميات الكبيرة من اللوحات , الأطر الفارغة , الكثير الكثير من الفراشي , الألوان الزيتية , حوامل الألوان الخشبية الكبيرة و الصغيرة الممتلئة بالألوان , كانت كل تلك الصور في عينيها مع تلك الواجهة الزجاجية الكبيرة , أجمل من جميع مدن الأحلام , اقترب منير مصافحا والدها , و حياها بابتسامة , ابتسمت و هي تجلس حيث أشار لها , راحت تؤرجح قدميها الصغيرتين مستمتعة بكل ما حولها , و غير منتبهة لأي كلمة يقولها الرجلان . دفع منير إليها بكأس كبيرة من ( الكوكا كولا ) , و داعبت أنفها رائحة قهوتيهما الرائعة , فعادت من رحلة خيالها إلى عالم الحقيقة بينهما . سأله والدها معاتبا : - ما عدنا نراك في جمعتنا يا منير ؟ فأين الغياب ؟ تنهد بأسى : - ما عدت قادرا على رؤية البشر يا صديقي , و ما عادت حياتهم تغريني , فأصبحت أرسم ليلا , و أنام طول النهار . أذهلها منطقه الغريب , لم تجد لشرابها بعده نكهته الأولى , و تخلت رائحة القهوة عن مداعبة أنفها الصغير , خرجت مع والدها صامتة واجمة , لم تلق على الزهور تحية من عينيها الشاردتين , ركبت السيارة بجانب والدها , سألها بود : - هل سررت يا حبيبتي ؟ - لا يا أبي , أنا أحب الرسم و الألوان , و أحب أن أكون رسامة عندما أكبر , و لكن لن أكون مثل العم منير . رفع الوالد حاجبيه دهشة , فاستمرت قائلة : - أنا أحب نور الشمس يا والدي , و أحب الاستيقاظ في النهار , أحب الناس جميعا , و لا أريد أن أبتعد عنهم , أو أن أراهم كالأشياء |
|
12-09-2010, 09:22 AM | #7 |
|
كانت لمسة لمْ يكنْ اللقاء الأول الّذي جمعني بفراس _ في الصفِ الثاني الابتدائي _ مفرحاً لأيٍّ منا , مُدَرِّسة للرَسم , تَعني , دفترَ رسم ٍ , و علبة ألوانٍ , و التزام بإتمام الرسوم , و هو أمرٌ لا يكاد يطيقهُ الطالب المجتهدُ , فضلا عن طالب لا يبالي بالدراسة مثل فراس . لمْ تكن تلك الندوبُ التي يحملها وجههُ تشجعكَ على التفاهمِ معه , و لم يكن صوتهُ القوي ُ , و صراخهُ في وجهِ رفاقه , يأذن لك بالحديث ِالناصح المنمق , كانَ فراس أمامي كتلةً صماء . سبب لي وجوده بين زملائه مشكلة حقيقية , فهو لا يتوانى عن رَكل هذا , و ضربِ ذاك , و العبثِ بأقلامِهم و رسوماتهم , و رَبما رميَها بعيدا , لأجد الصف في لحظات و كأنه مستشفى للمجانين . و لم أملك حلا لضمان مسير الدرس , إلا أن أقف بفراس على طاولتي , و أقدم له بعض أوراقي , و أستعير له أقلام التلوين , ثم آمُرهُ بالرَسم مع تقطيب الجبين ,و أحرص حينها على البحث عن مكان ما في لوحته , يحمل بصيص أمل , فأشجعه , و يبتسم هو بسرور . و ما إن يلمح بصيص ابتسامتي , حتى ينطلق بحديثه الذي لا ينتهي , و كنت استمع بدهشة تارة , و أرغم نفسي على الاستماع تارة أخرى , في محاولة لجعله يفتح تلك الأبواب المغلقة بيننا . شيئا فشيئا بدأت ملامح وجهي تتغير في مواجهة ذلك الوجه الصغير , و بدأت ألمح في زجاج عينيه ألوانا من البؤس , و من حديثه المتواصل أستشف الكثير من ألامه و معاناته , علمت أنه يتيم الأبِ منذ عامين و أن زوج والدته رجلٌ سكير , و رأيت بعضا من أثارِ غضبه على جسد الغلام الصغير . أخبرني عن أولاد الحي و محاولاتهم المستمرة للشجار معه , و عن جوعه و إخوته الصغار .. و لم أزد على تقديم قطعة سكر له , أو أكتفي بالاستماع دون تعليق ., كنت أريده رجلا فقط . أكتفي بمسح شعره الإنصات إليه دخلت الصف فوجدته قرب الطاولة , و دفتر رسم جديد ينتظرني , و ابتسامة , وعلبة تلوين , كنت أدرك جيدا أنه حرم نفسه من قطعة حلوى ليرضيني بما اشترى , وجدتني أشرح درس اليوم , و أسرع إليه , لأجده يرسم بتطور ملحوظ . رفع رأسه نحوي مبتسما ينتظر كلمة مديح . أحطت وجنتيه الصغيرتين بكلتا يديّ , ابتسمت , و قلت بفخر : - أحسنت يا بطل عاد يلون بسرعة , دون أن ينسى شروطي الصعبة , أقصد التي كانت يوما صعبة عليه. - ألون باتجاه واحد و أملئ كامل الصفحة باللون .. و كان نصيب اللوحة أن تعلق يومها في معرض المدرسة الدائم , وسط فرحة و بريق عيني الصغير. في الصباح التالي دخلتُ المدرسة , و وجدته يقترب مني , رافعا يده مستعدا للمصافحة . مددت يدي مبتسمة , فضرب بكفه على راحتي بقوة كما يفعل الأشداء , لاحظت شعرا مسرحا, ووجها يشع نظافة و ابتسامة عذبة . قال و هو يساير خطواتي : - كيفَ حالكِ اليوم يا آنسة ؟ |
|
12-09-2010, 09:22 AM | #8 |
|
غياب الوردة الحمراء وردة حمراء , خلف الأذن اليسرى ، و فنجان قهوتها ، و فله بلدية في صحن الفنجان .. و كأن ثلاثين سنة , لم تكن قد مرت من عمرها ، و هي تعيش حالة من ذكريات الصبا التي عادت إليها ، و هي تتابع حلقات مسلسل تلفزيوني يحكي سيرة العندليب ، و كأنها أمامه اليوم كما كان و كانت .. تهيم به حبا ، و تقتني كل جديد له ، و تحتفظ بصوره على وريقات كراساتها , بعد أن تذيلها بأبيات غناها ، و عاشت معها ذهولا عن الدنيا… سنين من عمرها قضتها , و هي تبكي شبابه الغائب ، و تذكر أيامها الحلوة ، و هي تعيش نجاحه ، و قلبها الفتي يخفق لصوته الأنيق . و كم كانت تفخر , لأنها أورثت بناتها حب ما قال ، و غنى ، و ترفعت بذائقتهن عن الطرب الرخيص . و حتى حينما حاولت أن تشق لها طريقا بين الصالحين ، و أن تعكف على تلاوة القرآن الكريم ,أمر واحد ما زالت تعاني ولعها به ، و حبها له ، و تسأل الله أن يكف يدها عن مكتبتها , التي جمعت فيها اسطوانات , و صور , و كتب تحكي سيرته ، و حبها له . و بين الحين , و الحين كنت تراها مع صوته ، ووردة حمراء خلف الأذن اليسرى ، و فنجان قهوتها ، و فله في صحن الفنجان … تابعت حلقات المسلسل بشغف ، و ألغت كل المواعيد ، و سرور وردتها الحمراء كبير بخروجها من صندوق الموزاييك ، و جلوسها مجددا مع رشة عطر خلف الأذن اليسرى ، رغم بعض التجاعيد .. و كلما حان موعد العرض , عاد البريق إلى عينيها ، ووردة حمراء خلف الأذن اليسرى.. و فنجان قهوتها.. و فلّة بلدية في صحن الفنجان . أَمرٌ ما في سيرتهِ أخفى ذاك البريق … و تصرفٌ ما - قامَ به – غيّب الوردة الحزينة في صندوق الموزاييك… و اكتشافها لصفاتٍ في شخصه ، رَحمَ الفل البلدي من الموتِ في صحن الفنجان … أغلقت المكتبة حينها بإحكام … و جاءت الحلقة الأخيرة , لتبحث ، و تسأل عنها ، و عن وردة حمراء خلف الأذن اليسرى ، و فنجان قهوتها ، و فلة بلدية في صحن الفنجان . |
|
12-09-2010, 09:23 AM | #9 |
|
رسالة كانت عقارب السّاعة تقترب من العاشرة مساءً، عندما جلست زينة إلى حاسوبها , و أدارت زرّ التشغيل مُسرعة ، لتشهد وصول تلك الرّسالة اليوميّة إلى بريدها الإلكتروني ، كانت تدهشها تلك الدّقة في وصولها اليومي . لم تكن تعيرها اهتماما في البداية , و ربما حذفتها مرارا دون أن تفتحها ، و لكن عنوانها الموحد ووصولها في تمام العاشرة مساء كل يوم ، جعلها تتنبه لها , و قد كتبت في خانة المرسل (مجهول). بضعة أبيات من شعر ابن زيدون ، و وردة ، كانت كل ما تحمله تلك الرسالة الالكترونية . لم تعد تمتلك تلك التقطيبة التي قابلت بها الحرف و الصورة في البداية ، بل بدأت تلمح ابتسامة على محياها عندما يلتقي بصرها بما تحمله من حروف وورود . و لم تحدّثها نفسها بالرد على (مجهول) هذا ، مرة واحدة فقط رأت أن تخبره أن رسائله تصل بريدها ربما من باب الخطأ , ثم تجاهلت الأمر . - من هو هذا المجهول يا ترى ؟ أهو شاب أو فتاة أخطأ إلى بريدها الخطا ؟ أتراه سمج يريد اختبار قوة احتمالها ؟ لا بأس فلديها من القدرة على الصّبر و التّحمل فوق ما سيتخيل . قرأت أبيات الشّعر ، ابتسمت للوردة ، أغلقت حاسوبها ، غادرت نحو المطبخ , لتعود بعد برهة , و هي تحمل طبق( الفتوش) الذي طلبه غسّان منها و الذي تَبرع هي في إعداده , فتقوم بتقطيع الخضار بدقة بالغة , ثم تعمل على طلاء الخبز( بصلصتها) المكونة من الليمون , و الزيت البلدي , و الثوم , و رشة من النعناع المجفف , وتزجه في الفرن بعد أن تقطعه إلى مربعات , أو مثلثات , تزين بها الطبق الملون بكل أناقة . وضعته على الطاولة مع كأس من عصير البرتقال , و طبق من الفطائر المقلية , و سارعت ترتدي فستانها الجديد , و تضع قليلا من أحمر الشفاه , ثم تزيد من كثافة رموشها بقليل من (الماسكرا) ، و ترتدي قرطها الذي تعبت , و أتعبت البائع في البحث عن لونه الذي يطابق لون الفستان تماما . أعلمها صوت مفتاحه بوصوله , فسارعت لترش عطرها الهادئ , خلف أذنيها , و عند مكان النبض في معصميها , و لتقترب من الباب مرحبة مسلمة ، كان قد وصل عند المائدة , يبتسم للأطباق , عندما دخلت الغرفة : - كيف حالك ؟ - بخير ، سلمت يداك ، أطباق شهية . - شكرا . أسرع يستبدل ملابسه , و جلست مع كوب نعناعها ، و هي تتأمل سروره بأطباقها ، و تستمتع بمتعته , و هو يتناولها بشهية . أمسك كعادته جهاز التّحكم , و بدأ بتقليب المحطات , مكتفيا بمصافحة بصره – لكل قناة – لثوان معدودات , ثم لينتقل إلى غيرها مسرعا، مضى الوقت أمام محطّة للأخبار ، ثم غادر غسّان الغرفة ، دون أن يتنبه إلى تطابق لون قرطِها مع لون الفستان , و دون أن يستمع إلى قصة الغريب منها . عادت إلى كرسيها أمام الحاسوب , فتحت صفحة بريدها الإلكتروني , فتحت الرسالة , ابتسمت للوردة . |
|
12-09-2010, 09:23 AM | #10 |
|
شحوب أغلقت الباب ، أسندت ظهرها إليه ،أغمضت عينيها ، أخذت تتمتم أدعية و أذكار الحفظ و الحماية. جرت نفسها جرا إلى المقعد الذي سيحتويها حتى عودته . منذ مدة و هي لا تقوى على الحراك , و هو في الخارج , تزورها الأوهام , و الخيالات في غيابه , فتقعدها , و تشل حركتها .. خُيل إليها أن يعود يوما كما عاد قريب لهم , و قد ثقبت رصاصة صدره . أو كما عاد ابن الجيران , و لون أحمر يصبغ جسده الناحل . لم يعد الخروج آمنا وسط هذا الهول من النزف و الدمار … -ما بالها بغداد ما عادت تلك الحبيبة ؟! ما بالها أذنت للأفاعي أن تلدغ من كانوا يوما أحبابها ؟! -اللهم أعده إلي سالما .. و يزداد مع مرور الدقائق شحوب محياها , أطرافها الباردة تمنعها حتى من إعداد طعام , أو كنس منزل ما عاد أي من أركانه يغريها بتزيينه .. عاد فخارت منها القوى .. -لن أحتمل خوفي عليك ..لنهجر بغداد ..أو ستهجر الروح مني الجسد بلا شك -أنغادر و فيها الأهل و الأحباب؟ -أنت الآن كل أهلي , و كل من لي من الأحباب , ما عدت أطيق ارتشاف الهم , كلما هممت بإغلاق الباب دونك.. -إنما هي الأقدار , و لا بد من أن يصيبنا قدرنا أينما كنا . - لست أحتمل عيني , دون نور من عينيك , و لتقطع مني اليد , إن لم تحتويها يديك , أكاد لا أقوى هنا على الحياة . - سنغادر .. أجل سنفعل.. ليست تقر عيني , و أنا أرى ما تعانين , و لست محتملا شحوب وجهك الجميل , و ذبول شبابك الغالي ، سأعد أوراق السفر . قطرات من الحياة , بدأت تسري في حنايا القلب .. أن يبقى لها , فذاك جل ما تصلح به حياتها.. و إلا فما معنى البقاء من دونه. أعدت ما يلزم بخفة سيعود في أمان.. و لن تخشى ظلام الليل أن يطول.. كان السفر ليلا , و مع إشراق الشمس في أرض الشام ,عاد لون الورود إلى خديها , و كأنها تنسمت رياح الحياة . أيام قليلة مضت , تنعم فيها بالأمان و السرور . طيف الأهل هناك , بدأ ينادي قلب المحبين , أن ما زلنا ببغداد , و الأفاعي هناك تجول . - كم ذا يعلوا نداؤك يا بغداد ؟ بجسده فقط كان معها , و الروح منه تهيم في شوارع الحبيبة . انتقل حزنها إلى عينيه , و تلك أثار الشحوب في خديه . أيشقى , و تسعد بامتلاكه .. و كيف لقلبها أن يرضى له العذاب.. ذاك هو المحال - لنعد إلى بغداد .. ابتسم .. أكملت : - لنواجه العقارب , و الأفاعي بصدورنا هناك , لأقرأ لك كل يوم أذكار الحماية , و لأضع بعض المساحيق على شحوبي , في أرضك الحبيبة |
|
موضوع مغلق |
الكلمات الدلالية (Tags) |
محمد, النحاس, الأديبة, عبير |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|