#1
|
||||||||
|
||||||||
فتاوى الصيام
فتاوى الصيام س: ما الحكمة من إيجاب الصوم؟ الجواب: إذا قرأنا قول الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم وهي التقوى والتعبُد لله سبحانه وتعالى، والتقوى هي ترك المحارم؛ وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به، وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه))385. وعلى هذا يتأكد على الصائم القيام بالواجبات وكذلك اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس ولا يكذب، ولا ينمّ بينهم، ولا يبيع بيعاً محرماً، ويتجنب جميع المحرمات، وإذا فعل الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام. ولكن المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم ويوم فطرهم، فهم على العادة التي هم عليها من ترك الواجبات، وفعل المحرمات، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم وهذه الأفعال لا تبطل الصوم، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة ترجح على أجر الصوم فيضيع ثوابه. * * * س: هناك من ينادي بربط المطالع كلها بمطالع مكة حرصاً على وحدة الأمة في دخول شهر رمضان المبارك وغيره فما رأي فضيلتكم؟ الجواب: هذا من الناحية الفلكية مستحيل ، لأن مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم، وإذا كانت تختلف فإن مقتضى الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه. أما الدليل الأثري فقال الله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )(البقرة: 185). فإذا قدر أن أناساً في أٌقصى الأرض ما شهدوا الشهر – أي الهلال- وأهل مكة شهدوا الهلال فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر؟! وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته))386 متفق عليه، فإذا رآه أهل مكة مثلاً فكيف نلزم أهل باكستان ومن وراءهم من الشرقيين بأن يصوموا ، مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أفقهم، والنبي صلى الله عليه وسلم علق ذلك بالرؤية. أما الدليل النظري فهو القياس الصحيح الذي لا تمكن معارضته، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل الجهة الغربية، فإذا طلع الفجر على الجهة الشرقية، فهل يلزمنا أن نمسك ونحن في ليل؟ الجواب لا. وإذا غربت الشمس في الجهة الشرقية ولكننا نحن في النهار فهل يجوز لنا أن نفطر؟ الجواب: لا . إذن الهلال كالشمس تماماً، فالهلال توقيته توقيت شهري، والشمس توقيتها توقيت يومي. والذي قال: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (البقرة:187) هو الذي قال: ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فمقتضى الدليل الأثري والنظري أن نجعل لكم مكان حكماً خاصًا به فيما يتعلق بالصوم والفطر، ويربط ذلك بالعلامة الحسية التي جعلها الله في كتابه وجعلها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته ألا وهو شهود القمر، وشهود الشمس أو الفجر. * * * س: إذا انتقل الصائم من بلد إلى بلد وأعلن في البلد الأول رؤية هلال شوال فهل يفطر تبعاً لهم علماً بأن البلد الثاني لم ير فيه هلال شوال؟ الجواب : إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلي بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطروا؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وهذا وإن زاد عليه يوماً أو أكثر فهو كما لو سافر إلى بلد آخر يتأخر فيه غروب الشمس، فإنه قد يزيد على اليوم المعتاد ساعتين، أو ثلاثاً ، أو أكثر، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم إلا لرؤيته وكذلك قال(( لرؤيته))387. وأما العكس مثل أن ينتقل من بلد تأخر ثبوت الشهر عنده إلى بلد تقدم فيه ثبوت الشهر فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان، إن فاته يوم قضي يوماً، وإن فاته يومان قضى يومين، وقلنا يقضي في الثانية لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، أو يزيد على الثلاثين يوماً، وقلنا له أفطر وإن لم تتم تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الهلال رؤي، فإذا رؤي فلابد من الفطر، ولما كنت ناقصاً عن تسعة وعشرين؛ لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرون يوماً لزمك أن تتم تسعة وعشرين بخلاف المسألة الأولى فإنك لا تفطر حتى يُرَ الهلال، فإن لم ير فإنك لا تزال في رمضان، فكيف تفطر فلزمك الصيام وإن زاد عليك الشهر فهو كزيادة الساعات في اليوم. * * * س: ما رأي فضيلتكم فيمن عمله شاق ويصعب عليه الصيام هل يجوز له الفطر؟ الجواب: الذي أرى في هذه المسألة أن إفطاره من أجل العمل محرم ولا يجوز، وإذا كان لا يمكن الجمع بين العمل والصوم فليأخذ إجازة في رمضان حتى يتسنى له أن يصوم في رمضان؛ لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام لا يجوز الإخلال به. * * * س: فتاة صغيرة حاضت وكانت تصوم أيام الحيض جهلاً فماذا يجب عليها؟ الجواب: يجب عليها أن تقضي الصيام الذي كانت تصومه في أيام حيضها، لأن الصيام في أيام الحيض لا يُقبل ولا يصح ولو كانت جاهلة؛ لأن القضاء لا حد لوقته. وهنا مسألة عكس هذه المسألة: امرأة جاءها الحيض وهي صغيرة، فاستحيت أن تخبر أهلها فكانت لا تصوم فهذه يجب عليها قضاء الشهر الذي لم تصمه لأن المرأة إذا حاضت صارت مكلفة؛ لأن الحيض إحدى علامات البلوغ. * * س: رجل ترك الصيام رمضان من أجل كسب عيشه وعيش من تحته من الذرية فما الحكم؟ الجواب أنه كما جاز للمريض أن يفطر فإنه يجوز لمن لا يستطيع العيش إلا بالإفطار أن يفطر، فهذا متأول ويقضي رمضان إن كان حيّاً أو يصام عنه إن كان ميتاً، فإن لم يصم عنه وليه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكين. أما إذا تركه بغير تأويل فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم، أن كل عبادة مؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها بلا عذر فإنها لا تقبل منه، وإنما يكتفي منه بالعمل الصالح ، وكثرة النوافل والاستغفار، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))388 فكما أن العبادة المؤقتة لا تفعل قبل وقتها، فكذلك لا تفعل بعد وقتها، أما إذا كان هناك عذر كالجهل والنسيان فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النسيان:" من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك 389 مع أن الجهل يحتاج إلى تفصيل وليس هذا موضع ذكره.: هذا الرجل الذي ترك صيام شهر رمضان بحجة أنه يكتسب العيش له ولأولاده، وإذا كان فعل ذلك متأولاًً يظن * * * س: ما الأعذار المبيحة للفطر؟ الجواب: الأعذار المبيحة للفطر : المرض، والسفر، كما جاء في القرآن،ومن الأعذار أيضاً أن تكون المرأة حاملاً تخاف على نفسها أو على جنينها ومن الأعذار أيضاً أن تكون المرأة مرضعاً تخاف إذا صامت على نفسها أو على رضيعها، ومن الأعذار أيضاً أن يحتاج الإنسان إلى الفطر لإنقاذ معصوم من هلكة، مثل: أن يجد غريقاً في البحر، أو شخصاً بين أماكن محيطة به فيها نار فيحتاج في إنقاذه إلى الفطر فله حينئذ أن يفطر وينقذه، ومن ذلك أيضاً إذا احتاج الإنسان إلى الفطر للتقوى على الجهاد في سبيل الله، فإن ذلك من أسباب إباحة الفطر له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة الفتح ( إنكم لاقوا العدو غداً، والفطر أقوى لكم فأفطروا))390 فإذا وجد السبب المبيح للفطر وأفطر الإنسان به فإنه لا يلزمه الإمساك بقية ذلك اليوم، فإذا قدر أن شخصاً قد أفطر إنقاذ معصوم من هلكة فإنه يستمر مفطراً ولو بعد إنقاذه، لأنه أفطر بسبب يبيح له الفطر فلا يلزمه الإمساك حينئذ لكون حرمة ذلك اليوم قد زالت بالسبب المبيح للفطر، ولهذا نقول بالقول الراجح في هذه المسألة: أن المريض لو برئ في أثناء النهار وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو قدم المسافر أثناء النهار إلى بلده وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو طهرت الحائض في أثناء النهار فإنه لا يلزمها الإمساك؛ لأن هؤلاء كلهم أفطروا بسبب مبيح للفطر، فكان ذلك اليوم في حقهم ليس له حرمة صيام، لإباحة الشرع الإفطار فيه فلا يلزمهم الإمساك، وهذا بخلاف ما إذا ثبت دخول شهر رمضان في أثناء النهار فإنه يلزم إمساك حينئذ، والفرق بينهما ظاهر؛ لأنه إذا قامت البينة في أثناء النهار فقد ثبت أن الإمساك في هذا اليوم واجب عليهم ، لكنهم معذورون قبل قيام البينة بالجهل. ولهذا لو كانوا عالمين بأن هذا اليوم من رمضان لزمهم الإمساك، أما أولئك القوم الآخرون الذين أشرنا إليهم فقد أبيح لهم الفطر مع علمهم، فكان بينهما فرق ظاهر. * * * س: رجل نام الليلة الأولى من رمضان قبل أن يثبت الشهر، ولم يبيت نية الصوم وعلم بعد أن طلع الفجر أن اليوم من رمضان فما العمل في مثل هذه الحال؟ وهل يقضي ذلك اليوم؟ الجواب: هذا الرجل الذي نام أول ليلة من رمضان قبل أن يثبت الشهر، ولم يبيت نية الصوم، ثم استيقظ وعلم بعد أن طلع الفجر بأن اليوم من رمضان فإنه إذا علم يجب عليه الإمساك ويجب عليه القضاء عند جمهور أهل العلم، ولم يخالف في ذلك فيما أعلم إلا شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله- فإنه قال : إن النية تتبع العلم وهذا لم يعلم، فهو معذور، فهو لم يترك تبييت النية بعد علمه، ولكنه كان جاهلاً ، والجاهل معذور، وعلى هذا فإذا أمسك من حين علمه فصومه صحيح، ولا قضاء عليه على هذا القول. وأما جمهور العلماء فقد قالوا إنه يلزمه الإمساك، ويلزمه القضاء ، وعللوا ذلك بأنه فاته جزءٌ من اليوم بلا نية. والذي أرى أن الاحتياط في حقه أن يقضي ذلك اليوم. * * * س: إذا أفطر الإنسان لعذر وزال العذر في أثناء النهار فهل يمسك بقية يومه؟ الجواب: لا يلزمه الإمساك، وذلك أن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع، فالشرع يبيح للمضطر إلى تناول الدواء مثلاً أن يتناوله، لكن إذا تناوله أفطر ، إذاً حرمة اليوم غير ثابتة في حقه لأنه أبيح له أن يفطر لكن عليه القضاء ، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً لا يستقيم ، فما دام هذا الرجل لا ينتفع بالإمساك فلا نلزمه به. مثل ذلك: رجل رأى غريقاً في الماء، وقال : إن شربت أمكنني إنقاذه وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه، فيشرب وينقذه، ويأكل ويشرب بقية يومه، لأن هذا الرجل لم يكن هذا اليوم محترماً في حقه حيث استباحه بمقتضى الشرع، فلا يلزمه الإمساك، ولهذا لو كان هناك شخص مريض هل نقول لهذا المريض: لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب لا إذا عطشت؟ بمعنى لا تأكل ولا تشرب إلا بقدر الضرورة، لا نقول له هذا، لأن المريض قد أبيح له الفطر، فكل من أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يلزمه الإمساك والعكس بالعكس فمن أفطر لغير عذر لزمه الإمساك؛ لأنه لا يحل له أن يفطر، وقد انتهك حرمة اليوم بدون إذن من الشرع، فنلزمه بالبقاء على الإمساك والقضاء . والله أعلم. * * * س: امرأة مصابة بجلطة ومنعها الأطباء من الصيام فما الحكم؟ الجواب: قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة:185). وإذا كان الإنسان مريضاً مرضاً لا يُرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وكيفية الإطعام: أن يوزع عليهم طعاماً من الرز، ويحسن أن يكون معه ما يؤدمه من اللحم أو غيره، أو يدعو مساكين إلى العشاء، أو إلى الغداء فيعشيهم، أو يغديهم، هذا هو حكم المريض مرضاً لا يُرجى برؤه، وهذه المرأة المصابة بما ذكره السائل من هذا النوع، فيجب عليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. * * * س: متى وكيف تكون صلاة المسافر وصومه391 ؟ الجواب: صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه ، لقول عائشة – رضي الله عنها -: (( أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر))، وفي رواية : (( وزيد في صلاة الحضر))، وقال أنس بن مالك – رضي الله عنه -: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة))393. لكن إذا صلى مع إمام يتم صلّى أربعاً، سواء أدرك الصلاة من أولها أم فاته شيء منها؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا))394 فعموم قوله : (( ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم. وسئل ابن عباس – رضي الله عنهما – ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد ، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال: " تلك السنة". ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر، لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ) (النساء:102) . وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء، إلا أن يكون بعيداً، أو يخاف فوت رفقته، لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء، أو الإقامة. أما التطوع بالنوافل فإن المسافر يصلي جميع النوافل سوى راتبة الظهر، والمغرب ، والعشاء، فيصلي الوتر، وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وراتبة الفجر، وغير ذلك من النوافل غير الرواتب المستثناة. أما الجمع: فإن كان سائراً فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم ، وإما جمع تأخير حسب الأيسر له، وكل ما كان أيسر فهو أفضل. وإن كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع ، وإن جمع فلا بأس؛ لصحة الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما صوم المسافر في رمضان فالأفضل الصوم، وإن أفطر فلا بأس، ويقضي عدد الأيام التي أفطرها، إلا أن يكون الفطر أسهل له فالفطر أفضل؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه ، والحمد لله رب العالمين. * * * س: ما حكم صوم المسافر مع المشقة؟ الجواب: إذا شق عليه الصوم مشقة محتملة فهو مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد ضلل عليه، والناس حوله زحام فقال: (( ما هذا؟)) قالوا: صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر)). وأما إذا شق عليه مشقة شديدة فإن الواجب عليه الفطر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه الناس أنهم قد شق عليهم الصيام أفطر ، ثم قيل له : إن بعض الناس قد صام، فقال: (( أولئك العصاة، أولئك العصاة))396. وأما من لا يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يصوم، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر شديد، وما منّا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله بن رواحة))397. * * * س: ما حكم صوم المسافر مع أن الصوم لا يشق على الصائم في الوقت الحاضر لتوفر وسائل المواصلات الحديثة؟ الجواب: المسافر له أن يصوم وله أن يفطر لقوله تعالى( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)(البقرة: الآية185) وكان الصحابة رضي الله عنهم يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم الصائم، ومنهم المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر، قال أبو الدرداء – رضي الله عنه -: (( سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد، وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله بن رواحة))398. والقاعدة في المسافر أنه يخير بين الصيام والإفطار، ولكن إن كان الصوم لا يشق عليه فهو أفضل؛ لأن فيه ثلاث فوائد: الأولى: الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. والثانية: السهولة، سهولة الصوم على الإنسان؛ لأن الإنسان إذا صام مع الناس كان أسهل عليه. والفائدة الثالثة: سرعة إبراء ذمته. فإن كان يشق عليه فإنه لا يصوم، وليس من البر الصيام في السفر في مثل هذه الحال، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً قد ظلل عليه وحوله زحام فقال : (( ما هذا؟)) قالوا: صائم، فقال: (( ليس من البر الصيام في السفر)) فينزل هذا العموم على من كان في مثل حال هذا الرجل يشق عليه الصوم. وعلى هذا نقول : السفر في الوقت الحاضر سهل- كما قال السائل- لا يشق الصوم فيه غالباً ، فإذا كان لا يشق الصوم فيه فإن الأفضل أن يصوم. * * * س : المسافر إذا وصل إلى مكة صائماً فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟ الجواب: نقول إن النبي صلى الله عيه وسلم دخل مكة في العشرين من رمضان من عام الفتح، وكان عليه الصلاة والسلام مفطراً، وكان يصلي ركعتين في أهل مكة ويقول لهم: (( يا أهل مكة أتموا ، فإنا قوم سفر))400 وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً بقية الشهر، لأنه كان مسافراً، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة، ولا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطراً ، وقد يكون بعض الناس مستمّراً في صيامه حتى في السفر، نظراً إلى أن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس بشاق على الأمة، فيستمر في صيامه في سفره، ثم يقدم مكة ويكون متعباً، فيقول في نفسه هل أستمر على صيامي، وأؤجل العمرة إلى ما بعد الفطر، أم أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي إلى مكة؟ فنقول له في هذه الحال: الأفضل أن تفطر لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك إلى مكة وأنت نشيط؛ لأن السنة لمن قدم مكة لأداء نسك أن يبادر فوراً لأداء هذا النسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في نسك بادر إلى المسجد، حتى كان ينيخ راحلته عند المسجد، ويدخله ليؤدي نسكه الذي كان متلبساً به، فكونك – أيها المعتمر- تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار، أفضل من كونك تبقى صائماً، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صائماً في سفره لغزوة الفتح فجاء إليه الناس وقالوا : يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام ، وأنهم ينتظرون ماذا تفعل ، وكان ذلك بعد العصر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشربه، والناس ينظرون، فأفطر النبي صلى الله عليه وسم في أثناء السفر، بل أفطر في آخر اليوم401 ، وكل هذا من أجل أن يبين للأمة أن ذلك جائز، وتكلف بعض الناس الصوم في السفر مع المشقة خلاف السنة بلا شك، وينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( ليس من البر الصيام في السفر))402. * * * س: هل يجوز للمرضع أن تفطر؟ ومتى تقضي ؟ وهل تطعم؟ الجواب: المرضع إذا كانت تخاف على ولدها من الصيام بحيث ينقص اللبن حتى يتضرر الطفل فإن لها أن تفطر، ولكنها تقضي فيما بعد لأنها تشبه المريض الذي قال الله فيه: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(البقرة: 185). فمتى زال المحذور تقضي إما في وقت الشتاء لقصر النهار وبرودة الجو، أو إذا لم يكن في الشتاء ففي العام القادم، أما الإطعام فلا يجوز إلا في حال كون المانع أو العذر مستمراً لا يرجى زواله فهذا هو الذي يكون فيه الإطعام بدلاً عن الصيام. * * * س: إذا قضى الصائم معظم النهار مسترخياً لشدة الجوع والعطش فهل يؤثر ذلك في صحة الصيام؟ الجواب: هذا لا يؤثر على صحة الصيام، وفيه زيادة أجر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة: (( أجرك على قدر نصبك))403 . فكلما زاد تعب الإنسان في طاعة الله زاد أجره، وله أن يفعل ما يخفف الصيام عليه كالتبرد بالماء، والجلوس في المكان البارد. * * * س: هل كل يوم يُصام في رمضان يحتاج إلى نية أم تكفي نية صيام الشهر كله؟ الجواب: يكفي في رمضان نية واحدة من أوله، لأن الصائم وإن لم ينو كل يوم بيومه في ليلته فقد كان ذلك في نيته من أول الشهر، ولكن لو قطع الصوم في أثناء الشهر لسفر، أو مرض، أو نحوه وجب عليه استئناف النية؛ لأنه قطعها بترك الصيام للسفر والمرض ونحوهما. * * * س:النية الجازمة للفطر دون أكل أو شرب هل يفطر بها الصائم؟ الجواب: من المعلوم أن الصوم جامع بين النية والترك فينوي الإنسان بصومه التقرب إلى الله – عز وجل- بترك المفطرات،وإذا عزم على أنه قطعه فعلاً فإن الصوم يبطل، ولكنه إذا كان في رمضان يجب عليه الإمساك حتى تغيب الشمس؛ لأن كل من أفطر في رمضان لغير عذر لزمه الإمساك والقضاء. وأما إذا لم يعزم ولكن تردد فموضع خلاف بين العلماء: منهم من قال: إن صومه يبطل؛ لأن التردد ينافي العزم. ومنهم من قال : إنه لا يبطل؛ لأن الأصل بقاء النية حتى يعزم على قطعها وإزالتها. وهذا هو الراجح عندي لقوته، والله أعلم. * * * س: ما الحكم إذا أكل الصائم ناسياً؟ وما الواجب على من رآه؟ الجواب: من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم فإن صيامه صحيح، لكن إذا تذكر فيجب عليه أن يقلع، حتى إذا كانت اللقمة أو الشربة في فمه فإنه يجب عليه أن يلفظها، ودليل تمام صومه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من حديث أبي هريرة: (( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه))404 ، ولأن النسيان لا يؤاخذ به المرء في فعل محظور لقوله – تعالى-: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) فقال تعالى-: قد فعلت. أما من رآه فإنه يجب عليه أن يذكره؛ لأن هذا من تغيير المنكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه))405 ، ولا ريب أن أكل الصائم وشربه حال صيامه من المنكر ولكنه يعفي عنه حال النسيان لعدم المؤاخذة، أما من رآه فإنه لا عذر له في ترك الإنكار عليه. * * * س: ما حكم الكحل للصائم؟ الجواب: لا بأس على الصائم أن يكتحل، وأن يقطر في عينه، وأن يقطر كذلك في أذنه حتى وإن وجد طعمه في حلقه فإنه لا يفطر به ، لأنه ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب فلا يلحق بهما ما ليس في معناهما، وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- وهو الصواب، أما لو قطر في أنفه فدخل جوفه فإنه يفطر إن قصد ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً). * * * س: ما حكم السواك والطيب للصائم؟ الجواب: الصواب أن التسوك للصائم سنة في أول النهار وفي آخره، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب))407. وقوله صلى الله عليه وسلم : ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)) وأما الطيب فكذلك جائز للصائم في أول النهار وفي آخره سواءً كان الطيب بخوراً ، أو دهناً، أو غير ذلك، إلا أنه لا يجوز أن يستنشق البخور، لأن البخور له أجزاء محسوسة مشاهدة إذا استنشقه تصاعدت إلى داخل أنفه ثم إلى معدته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً))409 ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك |
رد علي الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|