#1
|
|||||||
|
|||||||
صبية بالف رجل
عندما أشرقت شمس الإسلام على أرض الجزيرة، وجدت قلوبا طاهرة استودعت بذور الإيمان وهفت ملبية دعوة الحق التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من بين هؤلاء الشموس المشرقة الصحابية الجليلة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية الخزرجية المازنية، حيث أسلمت بعد بيعة العقبة الأولى على يد سفير الرسول صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه فكانت على موعد مع سعادة الدارين. وبعد عام من بيعة العقبة الأولى، في السنة الثالثة عشر من النبوة جاء ٳلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان من أجل مبايعته، وكانت ٳحداهما هي المباركة أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها أما الثانية فكانت أم منبع أسماء بنت عمرو، وما ٳن تمت بيعة العقبة الثانية، حتى عادت ٳإلى المدينة المنورة حاملة أمانة هذا الدين العظيم وبدأت في نشر الاسلام بين أهلها وأبنائها ونساء المدينة. ومن أجمل ما سجل لها التاريخ من مواقفها الوضاءة؛ أنها بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصرة ووفت بوعدها، فذادت عنه في غزوة أحد مثلما يذود الرجال الأشاوس، حيث خرجت برفقة زوجها غزية بن عمرو وولديها عبد الله وحبيب للجهاد في سبيل الله، فتكفلت هي بتضميد الجرحى وسقي العطشى من المجاهدين، وزوجها وولديها بالقتال، لكن ظروف المعركة جعلتها تقف بكل شجاعة لتحارب محاربة الرجال دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير آبهة بما أصابها من جروح غائرة، حيث روت عن نفسها رضي الله عنها كما جاء في كتاب الطبقات لابن سعد فقالت: "انكشف الناس عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا في نفير ما يتمون العشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي، فرأى رجلا موليا معه ترس، فقال: ألق ترسك لمن يقاتل، فألقاه فأخذته وجعلت أترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم، إن شاء الله. فيقبل رجل على فرس فيضربني، وترست له فلم يصنع شيئا، وولى فاضرب عرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا ابن أم عمارة، أمك، أمك، فعاونني عليه حتى أوردته شعوب؛ أي حتى أردته قتيلا". وبهذا الموقف العظيم الذي تهتز له القلوب تعظيما حازت شهادة خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام حيث قال: "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان .كما دعا لها وولديها وزوجها بالجنة." وهكذا عادت أم عمارة رضي الله عنها، تحمل بشرى الأفراح بنعيم الآخرة، رغم نزيف الجراح التي مكثت تعالجها لمدة سنة كاملة. ورغم ما أصابها في غزوة أحد لم تفتر عزيمتها قط ؛ بل واصلت مسيرتها مع الجهاد في سبيل الله، فشاركت في غزوة بني قريظة، ثم خرجت معهم أيام الحديبية وبايعت الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان لتنال الرضوان من فوق سبع سماوات مع جمع من بايعوه؛ ٳذ يقول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} الفتح 18 وتتوالى مشاهد الشرف مع هذه الصحابية الجليلة في غزوة خيبر ثم حنين، ضاربة أروع مثال للمرأة المسلمة التقية الثابتة الثائرة الصابرة، كيف لا وقد قدمت فلذة كبدها الغالي حبيب بن زيد قربانا لنصرة الدين، ذلك الشاب الزكي الذي رضع الإيمان وفطم على التقوى وشب على الجهاد، فاستشهد بعدما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون رسوله ٳلى مسيلمة الكذاب ينهره عما افتراه بادعائه النبوة، فغدر به هذا الأخير وقتله قتلة شنيعة ومزقه أشلاء، ولما بلغ نبأ وفاته أمه أم عمارة رضي الله عنها صبرت صبرا جميلا، ورضت بقضاء ربها، وتوعدت مسيلمة الكذاب. وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ارتدت بعض قبائل العرب، فقام أبو بكر بمحاربتهم وكانت أم عمارة أول الملبيات للجهاد يوم اليمامة رغم تقدم سنها حيث جاوزت الستين آنذاك، وسلت سيف الإخلاص بين صفوف المشركين فنزفت دماؤها وبترت يدها، فأبى الله إلا أن يتم فضله ويحقق أمنية هذه الفاضلة الرمز ويثأر لها من المخادع مسيلمة الكذاب فقتل أمام عينيها وسجدت لله شاكرة . وبعد هذه الرحلة المباركة المشعشعة بسنا العطاء والبذل في سبيل الله؛ سطرت فيها الصحابية الجليلة أم عمارة سطورا مشرقة على جبين التاريخ، فاضت روحها إلى خالقها، رضي الله عنها وأرضاها وجعل الفردوس مثواها. ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك |
رد علي الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|